الأحد، 11 ديسمبر 2022

ج3.وج4.معجم مقاييسُ اللّغة لأبي الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا

 ج3. ج4.

ج3.معجم مقاييسُ اللّغة لأبي الحسين أحمد 

بن فارِس بن زكَرِيّا

( -395)

الجُزْءُ الثالث

بتحقيق وضبط:

عبد السَّلام محمد هَارُون

كتاب الزّاي:

ـ (باب ماجاء من كلام العرب أوله زاءٌ في المضاعف والمطابق)‏

ـ (باب الزاء العين وما يثلّهما)‏

ـ (باب الزاء والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاءِ والنون والحرف المعتل)‏

ـ (باب الزاءِ والهاءِ والحرف المعتل)‏

ـ (باب الزاء والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاي والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاءِ والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاءِ والحاءِ وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الزاء والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الزاء والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاءَ من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله زاء)‏

كتاب السّين:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب وأوله سين في المضاعف والمطابق)‏

ـ (باب السين والطاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والكاف وما يثلثهما) ‏

ـ (باب السين واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والتاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والخاء وما يثلثهما )‏

ـ (باب السين والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب السين والراء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله سين)‏

كتاب الشين:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب أوله شين في المضاعف والمطابق)‏

ـ (باب الشين والصاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والطاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والظاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والتاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والثاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والذال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والزاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الشين والسين وما يثلثهما )‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف وأوله شين)‏

كتاب الصَّاد:

ـ (باب الصاد وما معها في الذي يقال في المضاعف والمطابق)‏

ـ (باب الصاد والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والغين وما يثلثهما )‏

ـ (باب الصاد والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والميم وما يثلثهما )‏

ـ (باب الصاد والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والتاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الصاد* والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله صاد)‏

كتاب الضاد:

ـ (باب الضاد في المضاعف [والمطابق])‏

ـ (باب الضاد والطاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضّاد والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضّاد والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والباء وما يثلثهما )‏

ـ (باب الضاد والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الضاد والزاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله ضاد)‏

كتاب الطاء:

ـ (باب الطاء في المضاعف والمطابق)‏

ـ (باب الطاء والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والثاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والزاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الطاء والسين وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله طاء)‏

كتاب الظاء:

ـ (باب الظاء وما معها في المضاعف والمطابق( ))‏

ـ (باب الظاء والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الظاء والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاءَ من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله ظاء)‏

مراجع التحقيق والضبط

 

 

كتاب الزّاي:

ـ (باب ماجاء من كلام العرب أوله زاءٌ في المضاعف والمطابق)

(زط) الزاء والطاء ليس بشيء. وزُطّ ([1]): كلمةٌ مولَّدة.

(زع) الزاء والعين أصلٌ يدلُّ على اهتزازٍ وحركة. يقال: زَعْزَعْتُ الشيءَ وتَزعْزَعَ هو، إذا اهتزّ واضطرب. وسيرٌ زعزعٌ: شديد تهتز له الرِّكاب.

قال الهُذََليّ([2]):

وتَرْمَدُّ هَمْلَجَةً زَعْزَعاً *** كما انخَرَطَ الحَبْلُ فوق المَحَالِ

(زغ) الزاء والغين ليس بشيء. ويقولون: الزغزغة: السُّخْرِيَة.

(زف)  الزاء والفاء أصلٌ يدلُّ على خِفَّةٍ في كل شيء. يقال زَفَّ الظَّليم زفيفاً، إذا أسرع. ومنه زُفَّتِ العَروسُ إلى زوجها. وزفَّ القومُ في سَيرهم: أَسْرَعُوا. قال جلّ ثناؤه: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} [الصافات 94]. والزَّفْزافة: الرِّيح الشديدة لها زفزفةٌ، أي خِفَّة. وكذلك الزَّفزَف([3]). ويقولون لمن طاشَ حِلْمُهُ: قد زَفَّ رَأْلُه. وزِفُّ الطائر: صِغَار ريشه؛ *لأنه خفيف.

(زق) الزاء والقاف أصلٌ يدل على تضايُقٍ. من ذلك الزُّقاق، سمِّي بذلك لضيقهِ عن الشوارع.

ومن ذلك : زَقَّ الطائرُ فرخَهُ. ومنه الزِّقّ. والتزقيق في الجلد: أن يسلخ مِنْ قِبَلِ [العُنُق([4])].

(زل) الزاء واللام أصل مطّرد منقاسٌ في المضاعَف، وكذلك في كل زاءٍ بعدها لامٌ في الثلاثي. وهذا من عجيب هذا الأصل. تقول: زلَّ عن مكانه زَليلاً وزَلاًّ. والماء الزُّلال: العَذْب؛ لأنه يَزِلّ عن ظَهْرِ اللِّسانِ لِرقَّته. والزَّلَّة: الخطأ؛ لأن المخطئ زلَّ عن نَهْج الصَّواب، وتزلزَلت الأرضُ: اضطرَبت، وزُلْزِلَتْ زِلْزَالاً. والمِزَلَّة([5]): المكان الدَّحْضُ. فأما الذِّئْبُ الأَزَلُّ، وهو الأَرْسَح، فقال ابنُ الأعرابيّ : سمِّي بذلك مِنْ قولهم زَلَّ إذا عدا. وهو القياس الصَّحيح ثم شُبِّهَتْ به المرأةُ الرَّصْعاء فقيل زَلاَّء. وإن كان الأَرْسَح كما قيل فهو قياسُ ما ذكرناهُ أيضاً، لأن اللّحم قد زلَّ عن مؤخَّره، وكذلك عن مؤخَّر المرأة الرَّسْحاء.

ومن الباب الزُّلْزُل([6]) كالقَلِق؛ لأنَّه لا يستقرُّ في مكانه.

ومما شذّ عن الباب الزَّلَزِلُ: الأثاث والمتاع،  على فَعَلِلٍ.

(زم) الزاء والميم أصلٌ واحدٌ، وهو يدلُّ على تقدُّم في استقامةٍ وقَصْد، من ذلك الزِّمام لأنه يتقدَّم إذا مُدَّ به، قاصداً في استقامة. تقول زَمَمْتُ البعير أزُمُّه. ويقال أمْرُ بني فلانٍ زَمَمٌ، كما يقال أَمَمٌ، أي قصدٌ. ويحلفون فيقولون: "لا والذي وجْهِي زَمَمَ بَيْتِه([7])"، يريدون تلقاءَه وقَصْدَه. والزَّمُّ: التقدُّم في السَّير.

ومما شذّ عن هذا الأصل الزِّمْزِمة: الجماعة من الناس. وقال الشيباني: الزِّمزيم: الجِلَّة من الإبل([8]).

(زن) الزاء والنون كلمةٌ واحدةٌ لا يُتفرّع ولا يُقاس عليها. يقال أَزنَنْتُ فلاناً بكذا، إذا اتَّهمتَهُ به. وهويُزَنُّ به. قال:

إن كنتَ أزنَنْتَنِي بها كَذِبَاً *** جَزْءُ فلاقَيْتَ مِثلَها عَجِلاَ([9])

(زب) الزاء والباء أصلان: أحدهما يدل على وُفُورٍ في شَعَرٍ، ثم يحمل عليه. فالزَّبَب: طُول الشَّعَْر، وكثرتُهُ. ويقال بعيرٌ أزَبُّ. قال الشاعر:

أثَرْت الغَيَّ ثم نزَعْت عَنْهُ *** كما حادَ الأزبُّ عن الطِّعانِ

ومن ذلك عامٌ أَزَبُّ، أي خصيب.

والأصل الآخر:  الزَّبيب، وهو معروف، ثم يشبَّه به، فيقال للنُّكتَتَيْنِ السّوداوينِ فوقَ عينَي الحيّة زبيبتان؛ وهو أخبثُ ما يكون من الحيّات: وفي الحديث: "يجيء كَنْزُ أحدِهِم يومَ القيامة شجاعاً أقرعَ له زَبيبتان". وربّما سمَّوا الزَّبَدَتَيْنِ زَبيبتين، يقال أنشَدَ فلانٌ حتَّى زَبَّبَ شِدْقاه، أي أزبدا.

قال الشاعر:

إنِّي إذا ما زَبَّبَ الأشداقُ ***

وكَثُرَ الضِّجاجُ واللَّقْلاقُ

ثَبْتُ الْجَنانِ مِرْجَمٌ وَدَّاقُ([10])

ومما شذَّ عن الباب الزَّبَاب: الفارُ، الواحدُ زبابة. وقد يحتمل، وهو بعيدٌ، أن يكون من الزَّبيب، وقد ذكرناه.

ومما هو شاذٌّ لا قياس له: زَبَّتِ الشمس وأزَبّت: دنت للغروب.

(زت) الزاء والتاء كلمةٌ لا قياس لها. يقال زَتَتُّ العروسَ، إِذا زيَّنتَها. قال:

بَنِي تَميمٍ زَهنِعُوا فتاتَكُمْ *** إنَّ فتاةَ الحيِّ بالتَّزَتُّتِ([11])

وقد تزتَّتَتْ، أي تزيَّنت.

(زج) الزاء والجيم أصلٌ يدلُّ على رِقَّةٍ في شيء، من ذلك زُجُّ الرُّمْح والسّهمِ، وجمعه زِجاج بكسر الزاء. يقال زَجَّجْتُه: جعلت له زُجّاً فإذا نزَعْت زُجَّهُ قلت: أزجَجْتُه([12]).والزَّجَج: دِقَّةُ الحاجبينِ وحُسْنُهما. ويقال أنَّ الأزَجَّ من النعام: الذي فوق عينه ريشٌ أبيض.

(زح) الزاء والحاء يدلّ على البعد. يقال زُحْزِحَ عن كذا، أي بُوعِدَ. قال الله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ}[آل عمران 185]. أي بُوعِد.

(زخ) الزاء والخاء أُصَيلٌ يدلُّ على الدَّفْع والمبايَنَة. يقال زَخَخْتُ الشيءَ، إذا دفعتَهُ. وفي الحديث: "مَنْ نَبذَ القُرآنَ وراء ظَهرِهِ زُخَّ في قَفاه".  وزَخَّها: جامَعَها. و*المِزَخَّة: المرأة. ومن الباب الزَّخَّة: الحِقد والغَيظ. قال:

فلا تَقْعُدَنّ على زَخَّةٍ *** وتُضْمِرَ في القلبِ وَجْداً وَخِيفَا([13])

(زر) الزاء والراء أُصَيلٌ يدلُّ على شِدَّة. وشذَّ مِنْ ذلك الزِّرّ: زِرُّ القميص. ثم يشتقّ منه الزِّرُّ، يقال إنّه عظمٌ تحت القَلْب. قال ابن السكّيت: يقال للرّجلِ الحسن الرِّعْية للإبل: إنّه لَزِرٌّ من أزرارها. ومن الباب: زَرَّتْ عينهُ، إذا توقَّدَت. يقال عَيْناه تَزِرَّانِ في رأسهِ، إذا تَوقَّدَتا. ومن الباب الزَّرُّ: الشَّلُّ والطَّرد. يقال هو يزُرُّ الكتائبَ بسيفهِ زَرَّا. ومنه الزَّرُّ وهو العضُّ. يقال: حِمارٌ مِزَرٌّ. ويقال الزَّرّة الحَرْبَة([14]). ومن الباب الزَّرِير، وهو الحَصيف السَّديد الرأي. والله أعلم بالصَّواب.

ـــــــــــــــــ

([1]) الزط، بالضم: جيل من الهند، معرب "جت" بالفتح. قال صاحب القاموس: "والقياس يقتضي فتح معربه". وقال الخوارزمي الكلام على طبقات الهند: "الزط هم حفاظ الطرق، وهم جنس من السند يقال لهم: جتان". انظر مفاتيح العلوم ص 74. وفي معجم استينجاس 356 أن "جت" اسم لجنس هندي حقير.

([2]) هو أميّة بن أبي عائذ الهذلي. اللسان (زعع). وقصيدته في شرح السكري للهذليين 180 ومخطوطة الشنقيطي 79.

([3]) ويقال أيضاً ريح زفزفة وزفزاف.

([4]) التكملة من المجمل.

([5]) بكسر الزاي وفتحها.

([6]) الزلزل بضم الزاءين : الغلام الخفيف. وفي المجمل: "الزلز" وليس هذا بابه.

([7]) انظر هذا اليمين في أيمان العرب للنجيرمي 15، والأمالي (3: 51)، واللسان (زمم 165)، والمخصص (13: 118)، والمزهر (2: 262).

([8]) شاهده قول نصيب:

يعل بنيها المحض من بكراتها *** ولم يحتلب زمزيمها المتجرثم

([9]) لحضرمي بن عامر، كما في اللسان (زنن).

([10]) الرجز في اللسان (زبب، لقق)، وقائله هو أبو الحجناء نصيب الأصغر. انظر البيان والتبيين (1: 125).

([11]) البيت من تام الرجز. أنشده في اللسان (زهنع، زتت)، والمخصص (4: 54).

([12]) ويقال زججه وأزجه بمعنى ، ولا يقال أزجه إذا نزع زجه.

([13]) البيت لصخر الغي الهذلي. انظر ما سبق في حواشي (خيف: 235).

([14]) لم ترد الكلمة بهذا المعنى في المعاجم المتداولة.

 

ـ (باب الزاء العين وما يثلّهما)

(زعف) الزاء والعين والفاء أصيلٌ. يقال سُمٌّ زُعافٌ: قاتل. وموتٌ زُعافٌ: عاجل. ويشبه أنْ يكون هذا من الإبدال، وتكون الزاء مبدلةً من ذال. ويقال أزْعفته وزَعَفْتُهُ، إذا قتلتهُ. وحُكِيَ: زَعَفَ في حديثه. أي كذَب.

(زعق) الزاء والعين والقاف أصلٌ يدلُّ على شِدّةٍ في صياحٍ أو مرارةٍ أو مُلوحة. يقال طعام مزعوقٌ، إذا كُثِّرَ مِلْحُه. والماء الزُّعاق: المِلْح. فهذا في باب الطُّعوم.

وأما الآخَر فيقال زَعَقْتُ به، أي صِحْتُ به. وانْزَعَقَ، إذا فَزِعَ. والزَّعِق: النشيط الذي يَفْزَع معَ نشاطهِ. وفلان يَزْعَق دابّتَه، إذا طردهُ طرداً شديداً. ورجلٌ زَاعِق. وأزْعقه الخوفُ حتَّى زعق. قال:

*من غائلاتِ اللَّيلِ والهَوْلِ والزَّعِقْ([1])*

ويقال الزُّعاق النِّفار. يقال منه وَعِل زَعّاق. ومُهْرٌ مزعوق: نشيط يفزَع مَعَ نشاطِهِ. قال([2]):

يارُبَّ مُهْرٍ مَزْعُوق ***

مُقَيَّلٍ أومَغبوقْ

من لَبَن الدُّهْمِ الرُّوقْ

حتَّى شتا كالذُّعْلُوقْ ***

أَسْرَعَ مِنْ طَرْفِ المُوقْ

وطائرٍ وذي فُوقْ([3])

وكلِّ شيءٍ مخلوقْ

(زعك) الزاء والعين والكاف أُصَيلٌ إن صحّ يدلُّ على تلبُّثٍ وحَقارةٍ ولُؤم. يقولون إنَّ الأَزْعَكِيَّ: الرَّجُلُ القصير اللئيم. وكذلك الزُّعْكُوك. قال الكِسائيّ: يقال للقوم زَعْكة، إِذا لَبِثُوا ساعةً([4]). والزَّعاكيك من الإبل: المتردِّدَة الَخَلْق([5])، الواحدة زُعْكُوك. قال:

* تستنُّ أولادٌ لها زَعاكِيكْ([6]) *

(زعل) الزاء والعين واللام أُصَيلٌ يدلُّ على مَرَحٍ وقلّة استقرارٍ، لنشاطٍ يكون. فالزَّعَل: النّشاط. والزَّعِل: النشيط. ويقال أَزْعَلَهُ السِّمَنُ والرَّعْي. قال الهُذليّ([7]):

أَكَلَ الجميمَ وطاوعتْه سَمحجٌ   مثلُ القَناةِ وأزعَلَتْهُ الأَمْرُعُ

وقال طرفة:

ومَكانٌ زَعِلٍ ظِلْمانُهُ *** كالمَخَاض الْجُرْبِ في اليَوْمِ الخَصرْ([8])

ورُبَّما حُمِلَ على هذا فسُمِّي المتضوِّر من الجُوعِ زَعِلاً.

(زعم) الزاء والعين والميم أصلان: أحدهما القولُ من غير صِحَّةٍ ولا يقين، والآخر التكفُّل بالشيء.

فالأوَّل الزَّعْم والزُّعْم([9]). وهذا القولُ على غير صحّة. قال الله جلَّ ثناؤُهُ:

{زَعَمَ الَّذِينَ كفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}  [التغابن 7]. وقال الشاعر:([10])

زَعمتْ غُدانَةُ أنَّ فيها سيِّدا *** ضَخْمَاً يُوَارِيهِ جَناحُ الجُنْدَُبِ

ومن الباب: زَعَم في غير مَزْعَم، أي طمِع في غيرمَطْمَع. قال:

* زَعْماً لَعَمْرُ أبيكِ ليس بِمَزْعَمِ([11]) *

ومن الباب الزَّعُوم، وهي الجَزُور التي يُشَكُّ في سِـمنها فتُغْبَطُ بالأيدي([12]). والتَّزَعُّم: الكذب.

والأصل الآخر: زَعَم بالشّيء، إذا كَفَلَ به. قال:

تُعاتِبُني في الرِّزْق عِرسي وإِنّما *** على الله أرزاقُ العبادِ كما زَعَمْ([13])

أي كما كَفل. ومن الباب الزَّعَامة، وهي السِّيادة؛ لأنّ السيِّد يَزْعُمُ بالأمورِ، أي يتكفل بها. وأصدَقُ مِنْ ذلك قولُ الله جلَّ ثناؤُهُ: { قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف 72]. ويقال  الزّعامة حَظّ السيِّد من المَغْنَم، ويقال بل هي أفضل المال. قال لبيد: 

تَطِيرُ عَدائِدُ الإشراكِ وَِتْراً *** وشَفْعَاً والزَّعامةُ للغُلامِ([14])

(زعب) الزاء والعين والباء أصلٌ واحد يدلُّ على الدَّفْعِ والتّدافع. يقال من ذلك الزَّعْب الدَّفْع. يقال زعَبْتُ له زَعْبَةً من المال. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "وأَزْعَبُ لك زَعْبَةً من المال". ويقال جاء سيلٌ يَرْعَبُ الوادِي ـ هذا غير معجم ـ إذا مَلأَه. وجاء سيلٌ يَزْعَبُ، بالزَّاء، إذا تدافَعَ. ويقال إنَّ الزَّاعب السَّيَّاح في الأرض. قال ابن هَرْمَة:

* يكادُ يَهْلِكُ فيها الزّاعبُ الهاِدي([15]) *

والزَّاعِبِيَّة: الرّماح. قال الخليل: هي منسوبة إلى زاعب. ولم يَظْهَرْ([16])عِلْمُ زاعبِ: أَرَجُلٌ أم بلد، إِلاّ أَنْ يولِّده مولّد. وقال غيره: الزَّاعِبيُّ هو الذي إذا هُزَّ تدافَعَ من أوّله إلى آخرِهِ، كأنَّ ذلك مَقِيسٌ  على تزاعُب الماء في الوادي، وهو تدافُعُه. وهذا هو الصحيح. ويقال زَعَب الرَّجُلُ المرأةَ، إذا جامعها. وهذا هو بالراء أحسَنُ. وقد مضى.

وبقي في الباب كلمةٌ واحدةٌ إنْ صحّتْ فهي من باب الإبدال. يقولون: الزُّعْبُوب القصِير من الرِّجال، ولعلَّهُ أن يكون الذُّعبوب.

(زعج) الزاء والعين والجيم أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على الإقلاق وقلّة الاستقرار. يقال أَزْعَجْتُه أزْعِجُه إزعاجاً. ويقال أَزْعَجْتُه فشَخَص. قال الخليل: لو قيل انْزَعَجَ لكان صواباً.

(زعر) الزاء والعين والراء أُصَيلٌ يدلُّ على سُوء خُلُق وقلَّةِ خَير. فالزّعارة([17]): شراسَة الخُلُق. وهو على وزن فَعالة. ومن الباب الأَزْعر: المكان القليل النَّبات. ويقال إنَّ الزعارة لا يُبنَى منها تصريفُ فعلٍ. ومن الباب الأزعر: القليل الشَّعر. والمرأة زَعْرَاء؛ وقد زَعِرَ يَزْعَر. واللهُ أعلم.

ــــــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (زعق). وهو لرؤبة في ديوانه 105. وقبله:

*تحيدُ عن أظلالها منَ الفرق*

([2]) الرجز في اللسان: (زَعق، روقَ، ذَعْلَق)، والمخصص: (3: 115).

([3]) في الأصل: "وطائر ذي" صوابه من المجمل. وذو الفوق: السهم، والفوق: موضع الوتر منه. يقول: قد غدا ذلك المهر أسرع من كل هذه الأشياء.

([4]) في المجمل: "تلبثوا ساعة". وهذا المعنى لم يرد في اللسان. وفي القاموس: "ولهم زعكة لبثة".

([5]) المترددة: المجتمعة الخلق.

([6]) وكذا جاءت روايته في المجمل. لكن في اللسان: "زعاكك"؛ وعليه استشهاده.

([7]) هو أبو ذؤيب الهذلي من قصيدته العينية في أول ديوانه؛ وفي المفضليات. وأُنشد البيت في اللسان (زعل، سعل، مرع). والمخصص: ( 3 : 114/ 13: 298).

([8]) ديوان طرفة 66 واللسان (خدر).

([9]) والزعم أيضاً، بالكسر، هو مثلث الزاي.

([10]) هو الأبيرد الرياحي يهجو حارثة بن بدر الغداني. انظر الأغاني (12: 10) والحيوان (3: 398/ 6: 351)، وثمار القلوب: 325. وقيل هو زياد الأعجم. انظر الكنايات للجرجاني: 129.

([11]) لعنترة بن شداد في معلقته. وصدره:  * علقتها عرضاً وأقتل قومها *

([12]) غبط الشاة والناقة يغبطهما غبطاً، إذا جسهما لينظر سمنهما من هزالهما.

([13]) لعمرو بن شاس، كما في اللسان. (زعم)، ورواية صدره فيه:

* تقول هلكنا إن هلكت وإنما *

([14]) ديوان لبيد 129 طبع 1880 واللسان (عدد، شرك، زعم).

([15]) في الأصل: "يهلك فيه" صوابه من المجمل واللسان.

([16]) في المجمل: "ولا أدري".

([17]) يقال زعارة بتشديد الراء وتخفيفها.

 

ـ (باب الزاء والغين وما يثلثهما)

(زغف) الزاء والغين والفاء أُصَيلٌ صحيحٌ يدلُّ على سَعةٍ وفَضْل. من ذلك الزَّغْفة: الدرع؛ والجمع الزَّغْف، وهي الواسعة. وربما قالوا زَغَفة وزَغَف. قال:

أيمنَعُنا القومُ ماءَ الفُراتِ *** وَفينا السُّيوفُ وفينا الزَّغَفْ([1])

ويقال رجل مِزْغَفٌ: نَهِمٌ رَغِيبٌ. قال الأصمعيّ: زَغَفَ في حديثه: زاد.

(زغل) الزاء والغين واللام أصلٌ يدلُّ على رَضاع وزَقٍّ وما أشبهه. يقال أَزْغَلَ الطّائِرُ فَرخَه، إذا زَقّه. قال ابن أحمر:

فأَزْغَلَتْ في حَلْقِهِ زُغْلَةً *** لم تُخْطِئ الجِيدَ ولم تَشْفَتِرّْ([2])

قال: وهو من قولهم: أَزْغِلي لـه زُغْلةً من سِقائِك، أي صُبِّي لـه شيئاً مِنْ لَبَن. ويقال أَزْغَلَت المرأةُ من عَزْلائِها، أي صَبَّت.

ومما شذّ عن الباب: الزُّغلول من الرِّجال: الخفيف.

(زغم) الزاء والغين والميم أُصَيْلٌ يدلُّ على ترديد صوتٍ خفيّ. قالوا: تزغَّمَ الجملُ، إذا ردَّدَ رُغَاءَه في خَفاءٍ ليس شديدا. ومنه التزَغم، وهو التَّغَضُّب، كأنه في غَضَبِهِ يردِّدُ صوتاً في نفسه. وذكرَ ناسٌ: تَزغَّمَ الفصيلُ لأمِّه، إذا حنَّ حنيناً خفياً.

(زغب) الزاء والغين والباء أُصَيْلٌ صحيح، وهو الزّغَب، أوّلُ ما ينبتُ من الرِّيش. وقد يُزْغِبُ الكَرْمُ، بعد جَرْيِ الماءِ فيه.

(زغد) الزاء والغين والدال أُصَيْلٌ يدل على تعصُّر في صوتٍ.

من ذلك الزَّغْد، وهو الهدير يتعصَّر فيه الهادرُ. وأصلهُ زغد عُكَّتَه، إذا عَصَرَها ليُخرِجَ سَمْنَها.

(زغر) الزاء والغين والراء أُصَيْلٌ. يقال زَغَر الماءُ وزَخَر. وليس هذا عندي من جهةِ الإبدال؛ لأن قياسَ زَغَر قياسٌ صحيح، وسيجيء *في الرباعيّ ما يصحِّحه. وذكر ابن دُريد([3]) أنَّ الزّغر الاغتصاب؛ يقال زَغَرْت الشيء زَغْراً. قال: والزغْر فعلٌ مُماتٌ. وزُغَر: اسمُ امرأةٍ، يقال أن عين زُغَر إليها تُنْسَب([4]).

ـــــــــــــــــــ

([1]) سبق البيت برواية أخرى في مادة (حجف). وهو هنا ملفق من بيتين. وفي وقعة صفين 184:

أيمنعنا القوم ماء الفرات *** وفينا الرماح وفينا الحجف

وفينا الشوازب مثل الوشيج *** وفينا السيوف وفينا الزغف

([2]) الاشفترار: التفرق. وفي الأصل: "لم تشتفر"، صوابه من المجمل، واللسان (زغل، شفتر). وفي المجمل: "لم تظلم الجيد".

([3]) الجمهرة (2 : 322).

([4]) ذكر ابن دريد أن عين زعم: موضع بالشام. وقال ياقوت: "بمشارف الشام".

 

ـ (باب الزاء والفاء وما يثلثهما)

(زفن) الزاء والفاء والنون ليس عندي أصلاً، ولا فيه ما يُحتاج إليه. يقولون: الزَّفْن: الرَّقْص. ويقولون: الزّيفن(1): الشّديد. وليس هذا بشيء.‏

(زفي) الزاء والفاء والحرف المعتل يدلّ على خفّةٍ وسُرعة. من ذلك زَفَتِ الرِّيح التُّرابَ، إذا طردَتْهُ عن وجهِ الأرضِ. والزَّفيانُ: شِدَّة هُبوب الريح. ويقال ناقةٌ زَفَيانٌ: سريعة. وقوسٌ زَفيانٌ: سريعة الإرسال للسَّهم. ويقال زَفَى الظَّليمُ زَفْياً، إذا نشر جنَاحَه.‏

(زفر) الزاء والفاء والراء أصلان: أحدُهما يدلُّ على حِمْل، والآخر على صَوْتٍ من الأصوات.‏

فالأول الزِّفْر: الحِمْل، والجمع أزفار. وازْدَفَرَه(2)، إذا حمله، وبذلك سمِّي الرجل زُفَر،لأنه يزدَفِر(3) بالأموال مطيقاً لها(4)، ومن الباب الزَّافرة: عشيرةُ الرَّجُل؛ لأنهم قد يتحمَّلون بعضَ ما ينُوبُهُ. وزَُفْرَة الفَرس: وسطُه. والزَّفْرُ:(5) القِرْبة، ومنه قيل للإماء التي تحمل القِرَب زوافر. ويقولون : الزُّفَر: الرجل السيِّد. قال:‏

* يأبى الظُّلامةَ منه النَّوْفلُ الزُّفَر(6) *‏

والقياس فيه كلِّه واحد. وزِفْر المسافر: جِهازه. ويقال الزُّفَر: النَّهر الكبير، ويكون سمِّي بذلك لأنَّه كثير الحملِ للماءِ.‏

(زفل) الزاء والفاء واللام هي الأَزْفَلة، وهي الجماعة. يقال جاؤوا بأَزْفَلَتهم، أي جماعتهم.‏

(زفت) الزاء والفاء والتاء ليس بشيء، إلاَّ الزِّفْت، ولا أدري أعربيٌّ أم غيره. إلاَّ [أنَّهُ] قد جاء في الحديث: "المُزَفَّت"(7)، وهو المطليُّ بالزِّفت. والله أعلم بالصواب.‏

ـــــــــــــــــ

(1) زيفن، بكسر الزاء وفتح الفاء وتشديد النون، وبكسر الزاء وفتح الياء وسكون الفاء.‏

(2) في الأصل: "وازفره"، صوابه من المجمل.‏

(3) في الأصل "يزفر" صوابه من المجمل.‏

(4) في المجمل واللسان: "مطيقاً له" أي لذلك.‏

(5) في الأصل: " الزفرة"، وصوابه بطرح التاء، كما في المجمل واللسان والقاموس.‏

(6) البيت لأعشى باهلة، في اللسان (زفَر) من قصيدة يرثي بها المنتشر بن وهب الباهلي. انظر الأصمعيات 89 طبع المعارف، وجمهرة أشعار العرب 135، ومختارات ابن الشجري 10 وأمالي المرتضى 3: 105-113 والخزانة: (1: 89-97). وسيعيده في (نفل). وصدره :‏

* أخو رغائب يعطيها ويسألها *.‏

(7) في اللسان: "في الحديث أنه نهى عن المزفت من الأوعية".‏

 

ـ (باب الزاء والقاف وما يثلثهما)

(زقم) الزاء والقاف والميم أُصَيْلٌ يدلُّ على جِنْسٍ من الأَكْلِ. قال الخليل: الزَّقْمُ: الفِعْل، من أكل الزَّقُّومِ. والازْدِقَام: الابتلاع. وذكر ابن دريد(1) أنَّ بعض العرب يقول: تزقّم فلانٌ اللّبن، إذا أفرطَ في شُرْبِهِ.‏

(زقل) الزاء والقاف واللام ليس بشيء. على أنَّه حكِيَ عن بعض العرب: زَوْقَلَ فلانٌ عِمَامتَه، إذا أرخىطرَفَيْها من ناحيتَيْ رأسِه.‏

(زقو) الزاء والقاف والحرف المعتل أُصَيْلٌ يدلُّ على صوتٍ من الأصوات. فالزَّقْو: مصدرُ زَقَا الدِّيك يَزْقُو، ويقال إن كلَّ صائحٍ زَاقٍ. وكانت العرب تقول: "هو أَثْقَلُ من الزّواقي"، وهي الدِّيَكة؛ لأنهم كانوا يَسْمُرون فإذا صاحت الدِّيكة تفرَّقُوا. والزُّقَاء: زُقَاء الدِّيك.‏

(زقب) الزاء القاف والباء كلمة. يقال طريقٌ زَقَبٌ(2). أي ضيِّق.‏

(زقن) الزاء والقاف والنون ليس بشيء، على أنَّهم ربَّما قالوا: زَقَنْتُ الحِمْلَ أزقُنُه، إذا حَمَلْتَه.وأزقَنْتُ فلاناً: أعنتُهُ على الحِمْل. والله أعلم بالصواب.‏

ــــــــــــــــ

(1) الجمهرة (3: 14).‏

(2) وقيل الزقب. الطرق الضيقة. واحدتها زقبة. وقيل الواحد والجمع سواء.‏

 

ـ (باب الزاء والكاف وما يثلثهما)

(زكل) الزاء والكاف واللام ليس بأصل، وقد جاءت فيه كلمة: الزَّوَنْكَل من الرجال: القصير.‏

(زكم) الزاء والكاف والميم ليس فيه إلا الزُّكمَة والزُّكَام(1)، ويستعيرون ذلك فيقولون: فُلان زُكْمَة أبويه، وهو آخر أولادهما.‏

(زكن) : الزاء والكاف والنون أصلٌ يُختلَف في معناه. يقولون هو الظّنُّ، ويقولون هو اليقين. وأهل التحقيق من اللغويِّين يقولون: زكِنْتُ منك كذا، أي علِمْته. قال:‏

ولن يُراِجعَ قلبي حبَّهم أبداً *** زَكِنْتُ منهم على مثل الذي زَكِنوا(2)‏

قالوا: ولا يقال أَزْكَنْت، على أن الخليل قد ذكر الإِزْكان. ويقال: إنَّ الزَّكَن الظَّنّ.‏

(زكي) الزاء والكاف والحرف المعتلّ أصلٌ يدل على نَمَاءٍ وزيادة. ويقال الطَّهارة زكاة المال. قال *بعضهم: سُمِّيت بذلك لأنَّها مما يُرجَى به زَكاءُ المال، وهو زيادتهُ ونماؤه. وقال بعضُهم:سمِّيت زكاةً لأنّها طهارة. قالوا: وحُجّة ذلك قولُهُ جلَّ ثناؤُه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة 103]. والأصل في ذلك كلِّه راجع إلى هذين المعنيين، وهما النَّماء والطهارة. ومن النَّماء: زرْع زاكٍ، بيِّن الزكاء. ويقال هو أمْرٌ لا يَزْكُو بفلانٍ، أي لا يليق به. والزَّكا: الزَّوْج، وهو الشّفع.‏

فأمَّا المهموز فقريبٌ من الذي قبله. قال الفرّاء: رجلٌ زُكَأةٌ(3): حاضِر النَّقد كثيرُهُ. قال الأصمَعيّ: الزُّكَأَةُ: الموسِر.‏

وممّا شذَّ عن الباب جميعاً قولهم: زَكَأَتِ الناقة بولدها تَزْكَأُ به زَكْأً، إذا رمَتْ به عند رجليها.‏

(زكر) الزاء والكاف والراء أُصَيلٌ إن كان صحيحاً يدلُّ على وِعاء يسمى الزُّكْرة. ويقال زَكَّرَ الصبيُّ وتزكَّر:امتلأ بطنُهُ.‏

(زكت) الزاء والكاف والتاء أصلٌ إن صحَّ. يقال زَكَتُّ الإناء: ملأته. والله أعلم.‏

ـــــــــــــــ

(1) الزكمة والزكام، هو ذاك الداء المعروف في الأنف، ويقال له الأرض.‏

(2) البيت لقعنب بن أم صاحب، اللسان (زكن)، عدي الفعل بعلى لتضمينه معنى اطلعت.‏

(3) ضبطه في القاموس كصرد، وهمزة، وزكاء ـ كغراب.‏

 

ـ (باب الزاء واللام وما يثلثهما)

(زلم) الزاء واللام والميم أصلٌ يدل على نَحَافةٍ ودِقّة في ملاسة. وقد يشذّ عنه الشيء.  فالأصل الزَّلَمْ والزُّلَم: قِدْح يُسْتَقْسَمُ به. وكانوا يفعلون ذلك في الجاهليّة، وحُرِّمَ ذلك في الإسلام، بقولـه جلّ ثناؤه: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بالأَزْلاَم} [المائدة 3]. فأمَّا قول لبيد:

* تَزِلُّ عن الثَّرَى أزلامُها ([1]) *

فيقال إنّه أراد أظلاف البقرة؛ وهذا على التشبيه.

ويقولون: رجلٌ مُزَلَّمٌ: نَحيف. والزَّلَمة: الهَنَة المتدلِّية من عُنُق الماعزة، ولها زَلمتان. والزَّلَمُ أيضاً: الزَّمَع التي تكون خَلْفَ الظِّلْف. ومن الباب المُزَلَّم: السيِّئ الغِذاء، وإِنَّما قيل لـه ذلك لأنه يَنْحَُف ويَدِقُّ. فأمَّا قولهم: "هو العبد زَُلْمَةً"([2])، فقال قومٌ: معناه خالصٌ في العُبودية، وكان الأصل أنَّه شُبِّه بِما خَلف الأظلاف من الزَّمَع . وأمَّا الأزْلَم الجَذَع، فيقال إنَّه الدَّهر، ويقال إنَّ الأسَد يسمَّى الأزلم الجَذَع.([3])

(زلج) الزاء واللام والجيم أُصَيْلٌ يدلُّ على الاندفاع والدَّفْع. من ذلك المُزَلَّج من العيش، وهو المُدَافعُ بالبُلْغَة. والمُزَلَّج: الذي يُدفَع عن كلِّ خيرٍ من كِفَايةٍ وغَناء. قال:

دعَوْتُ إلى ما نابني فَأَجابَني *** كريمٌ من الفِتْيانِ غيرُ مُزَلَّجِ

والزَّلْج: السُّرْعَة في المشْيِ وغيرِه، وكلُّ سريعٍ  زالجٌ. وسَهْمٌ([4]) زالجٌ: يتزَلّج من القَوس. والمُزَلَّج: المدفوع عن حَسَبه. فأمّا المِزْلاج فالمرأة الرَّسْحَاء، وكأنها شُبِّهت في دِقّتها بالسَّهم الزّالج.

(زلح) الزاء واللام والحاء ليس بأصل في اللغة منقاسٍ، وقد جاءت فيه كلماتٌ الله أعلَمُ بصحَّتها، يقولون: قَصعة زَلَحْلَحَةٌ، وهي التي لا قَعْرَ لها.

وقال ابن السِّكيت: الزَّلَحْلَحُ من الرِّجال: الخفيف([5]). وقالوا: الزَّلَحْلَحُ الوادي الذي ليس بعميقٍ: فإن كان هذا صحيحاً فالكلمةُ تدلُّ على تبسُّط الشَّيءِ من غير قعر يكون لـه.

(زلخ) الزاء واللام والخاء أصلٌ إنْ صحَ يدلُّ على تزلُّق الشَّيء. فالزَّلْخ: المَزَِلَّة. ويقال بئرٌ زَلُوخٌ، إذا كان أعلاها مَزَِلّة يُزْلِق مَنْ قام عليه. ويقال إنَّ الزَّلْخ: رفْعُك يدَك في رَمْي السهم إلى أقصى ما تقدِرُ عليه، تريد به الغَلْوة([6]). قال:

* مِنْ مائةٍ زَلْخ بِمِرِّيخٍ غالْ([7]) *

وقال بعضهم الزَّلْخُ: أقصى غايةِ المغَالي، ويقولون: إن الزُّلَّخَة عِلّة([8]). وهو كلامٌ يُنْظَرُ فيه.

(زلع) الزاء واللام والعين أصلٌ يدلُّ على تَفَطُّرٍ وزَوَالِ شيء عن مكانه. فالزَّلَع: تفطُّر الجِلد. تَزَلَّعَت يدُهُ: تشقَّقَت. ويقال: زَلِعَت جراحته: فسدَتْ. قال الخليل: الزَّلَع: شُقاقُ ظاهِرِ الكفّ. فإن كانَ في الباطن فهو كَلَع. والزَّلْع: استلابُ شيءٍ في خَتْل.

(زلف) الزاء واللام والفاء يدلُّ* على اندفاعٍ وتقدمٍ  في قرب إلى شيء. يقال من ذلك ازدَلَف الرجلُ: تقدَّم. وسمِّيَت مُزْدَلِفَة بمكة، لاقترابِ الناس إلى مِنَىً بعد الإفاضة من عَرَفات. ويقال لفُلانٍ عند فلانٍ زُلفَى، أي قرْبى. قال الله جلَّ وعزَّ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى}  [ص 25 و 40]. والزَّلف والزُّلْفَة: الدَّرجة والمنْزلة. وأزْلَفت الرجلَ إلى كذا: أدنَيته. فأما قولُ القائل:

حتى إذا ماءُ الصَّهاريجِ نَشَفْ *** من بَعدِ ما كانت مِلاَءً كالزَّلَفْ([9])

فقال قومٌ: الزَّلَف: الأجاجِينُ الخُضْر. فإن كان كذا فإِنما سُمِّيَت بذلك لأن الماء لا يثبُت فيها عند امتلائِها، بل يندفع. وقال قومٌ: المزالف هي بلادٌ بين البرِّ والرِّيف. وإنّما سُمِّيت بذلك لقُرْبِها من الرِّيف. وأما الزُّلَف من الليل، فهي طوائفُ منه؛ لأنَّ كلَّ طائفةٍ منها تقربُ من الأخرى.

(زلق) الزاء واللام والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تزلُّج الشيء عن مقامهِ. من ذلك الزَّلَق. ويقال أَزْلَقَتِ الحامل، إذا أَزْلَقَتِ ولدَها. ويقال ـ وهو الأصحُّ ـ إِذا ألقَتِ الماء ولم تقبَلْهُ رَحِمُها. والمَزْلَقَة والمَزْلَق: الموضع لا يُثْبَت عليه. فأمَّا قَولُه جلَّ ثناؤُه: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم 51]. فحقيقة معناه أنَّه مِنْ حِدّة نظرِهما حَسَدَاً، يكادون يُنحُّونَك عن مكانِك. قال:

* نظراً يُزيل مواطئ الأقدامِ([10]) *

ويقال إنَّ الزَّلِق: الذي إذا دنا من المرأة رَمَى بِمائِهِ قبل أن يَغْشاها. قال:

* إنَّ الزُّبير زَلِقٌ وَزُمَّلِق([11])  *

وقال ابنُ الأعرابيّ: زَلَقَ الرَّجلُ رأسه: حَلَقه. فأما قولُ رُؤبة:

* كَأَنّها حَقْبَاءُ بَلْقَاءُ الزَّلَقْ([12]) *

فيقال إنّ الزَّلَق العَجُز منها ومِنْ كلِّ دابة. وسُمِّيت بذلك لأنَّ اليدَ تَزْلَقُ عنها، وكذلك ما يصيبُها من مَطَرٍ وندى. والله أعلم.

ـــــــــــــــــ

([1]) قطعة من بيت لـه في معلقته. وهو بتمامه:

حتى إذا انحسر الظلام وأسفرت *** بكرت تزل عن الثرى أزلامها

([2]) هو كغرفة وتمرة وشجرة ولمزة.

([3])  كذا في الأصل: ولم أجده لغيره.

([4]) في الأصل: "ومنهم" صوابه في المجمل واللسان.

([5]) ذكر في القاموس ولم يذكر في اللسان.

([6]) الغلوة: قدر رمية  بسهم. وفي اللسان والتاج: "تريد به بعد الغلوة". لكن ورد هكذا في الأصل والمجمل.

([7]) البيت في المجمل واللسان (مرخ، غلا).

([8]) قال ابن سيده: وهو داء يأخذ في الظهر والجنب، وأنشد:

كأن ظهري أخذته زلخه *** لما تمطى بالفرى المفضخه

([9]) الرجز للعماني ، كمافي اللسان (زلف).

([10]) البيت في البيان والتبيين: (1: 11)، من مكتبة الجاحظ. وأنشده في اللسان (قرض، زلق)، وصدره:  * يتقارضون إذا التقوا في موطن *.

([11]) هو للقلاخ بن حزن المنقري. وكذا أنشده في اللسان (زملق)، والمخصص (5: 115): "إن الحصين". على أنه ذكر أن صواب روايته: "إن الجليد" وهو الجليد الكلابي. وذلك لأن في الرجز: *يدعى الجليد وهو فينا الزملق*.

([12]) سبق إنشاد البيت في (حقب)، وسيعيده في (غني). وهو في ديوانه 104 واللسان (حقب، زلق)، والمخصص (6: 143).

 

ـ (باب الزاء والميم وما يثلثهما)

(زمن) الزاء والميم والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على وَقتٍ من الوقت. من ذلك الزَّمان، وهو الحِين، قليلُهُ وكثيرُهُ. يقال زَمانٌ وزَمَن، والجمع أَزمانٌ وأزمنَة. قال الشَّاعر في الزّمن:

وكنتُ امرأً زَمَناً بالعرَاقِ *** عَفيف المُناخِ طويلَ التَّغَنّْ([1])

وقال في الأزمان:

*أزمانَ لَيْلَى عامَ لَيْلَى وَحَمي([2])*

ويقولون: "لقيتُهُ ذات الزُّمَيْن" يُراد بذلك تراخِي المُدّة. فأما الزّمانة التي تصِيب الإنسانَ فتُقْعِده، فالأصلُ فيها الضّاد، وهي الضَّمَانة. وقد كُتِبَتْ بقياسها في الضّاد.

(زمت) الزاء والميم والتاء ليس أصلاً؛ لأنَّ فيه كلمةً وهي من باب الإبدال. يقولون رجلٌ زَمِيت وزِمِّيت، أي سِكّيت. والزاء في هذا مبدلة من صاد، والأصل الصَّمْت.

(زمج) الزاء والميم والجيم ليس بشيء. ويقولون: الزُّمَّج: الطائر([3]). والزِّمِجَّى: أصل ذَنَب الطّائر. والأصل في هذا الكاف: زِمِكَّى. ويقال زَمَجْتُ السِّقاء: ملأتُهُ. وهذا مقلوبٌ، إنما هو جَزَمْتُهُ. وقد مضى ذِكرُه.

(زمح)([4]) الزاء والميم والحاء كلمةٌ واحدة. يقولون للرّجُل القَصير: زُمَّح.

(زمخ) الزاء والميم والخاء ليس بأصل. قال الخليل: الزامخ الشّامخ بأنفه. والأُنُوف الزُّمّخ: الطوال. وهذا إن كان صحيحاً فالأصل فيه الشين "شمخ".

(زمر) الزاء والميم والراء أصلان: أحدهما يدلُّ على قِلّة الشيء، والآخر جنسٌ من الأصوات.

فالأوّل الزَّمَر: قلّة الشِّعَْر. والزَّمِر: قليل الشَّعرْ. ويقال رجلٌ زَمِرُ المروءة، أي قليلها.

الأصل الآخر الزَّمْر والزِّمار: صوت النعامة. يقال زَمَرت تَزْمُر وتَزْمِر زِماراً.

وأما الزَّمَّارة التي جاءت في الحديث: "أنَّه نَهَى عن كسْب الزَّمَّارة" فقالوا: هي الزَّانية. فإنْ صحَّ هذا فلعل نَغْمتها شُبّهت بالزَّمْر. على أنهم قد قالوا إنما هي الرّمّازة: التي ترمِز بحاجبيها للرجال. وهذا أقرب.

(زمع) الزاء والميم والعين أصلٌ واحد يدلّ على الدُّون والقِلّة والذِّلّة.

من ذلك الزَّمَع، وهي التي تكون خَلف أظلاف الشّاء. وشبه بذلك رُذَال الناس. فأمّا قول الشمَّاخ:

* عكرِشَةٍ زَمُوعِ([5]) *

فالعِكرشة الأُنثى من الأرانب. والزَّمُوع: ذات الزَّمَعات. فهذا هذا الباب.

وأمّا قولهم في الزَّماع، وأزْمَع كذا، فهذا لـه وجهان: أحدهما أن يكون مقلوباً من عزم، والوجه الآخَر أن تكون الزاء [مبدلةً] من الجيم، كأنّهُ مِن إجماع القوم وإجماع الرأي.

ومن الباب قولهم للسّريع([6]) : زميع. وينشدون:

* داعٍ بعاجلةِ الفِراقِ زَميعُ([7]) *

قالوا: والزّميع الشجاع الذي يُزْمِع ثم لا ينثني، والجميع الزُّمَعاء. والمصدر الزَّمَاع. قال الكسائيّ: رجلٌ زَمِيع الرّأي، أي جيِّده. والأصلُ فيه ما ذكرتُهُ من القلب أو الإبدال.

وأمَّا الزَّمَع الذي يأخذُ الإنسانَ كالرِّعدة، فهو كلامٌ مسموع، ولا أدري ما صحَّتُهُ، ولعلَّهُ أن يكون من الشاذّ عن الأصل الذي أصَّلتُهُ.

(زمق) الزاء والميم والقاف ليس بشيء، وإن كانوا يقولون: زَمَقَ شَعَره، إذا نَتَفه. فإنْ صَحَّ فالأصل زَبقَ. وقد ذكر.

(زمك) الزاء والميم والكاف. ذكر ابنُ دريد وغيره أنَّ الزاء والميم والكاف تدلُّ على تداخُل الشيء بعضه في بعض. قال: ومنه اشتقاق الزِّمِكَّى، وهي مَنْبِت ذنَب الطائر.

(زمل) الزاء والميم واللام أصلان: أحدهما يدلُّ علىحَملِ ثِقْل من الأثقال، والآخر صوتٌ.

فالأول الزَّامِلة، وهو بعيرٌ يستظهِرُ به الرَّجل، يحملُ عليه متاعَه. يقال ازدَمَلْت([8]) الشّيءَ، إذا حملتَه. ويقال عِيالاتٌ أَزْمَلَةٌ، أي كثيرة. وهذا من الباب، كأنَّهُمْ كَلُّ أحمالٍ، لا يضطلعون ولا يطيقون أنفسَهم.

ومن الباب الزُّمَّيل، وهو الرجل الضعيف، الذي إِذا حَزَبهُ أمرٌ تَزَمَّلَ، أي ضاعَفَ عليه الثِّياب حتَّى يصير كأنّه حِمْل. قال أُحيحة:

لا وأبيك ما يُغنِي غَنائِي *** من الفِتيانِ زُمَّيل كَسُولُ([9])

والمُزَامَلة: المعادلة([10]) على البعير.

فأمّا الأصل الآخَر فالأزْمَلُ، وهو الصّوتُ في قول الشاعر:

* لها بعد قِرَّاتِ العَشيّاتِ أَزْمَلُ *

ومما شذّ عن هذين الأصلين الإِزْمِيل: الشَّفْرَة([11]). ومنه أخذت الشيءَ بأَزْمَلِه.

ــــــــــــــــــ

([1]) التغني: الاستغناء. والبيت للأعشى في ديوانه 22 واللسان (غنا) والمخصص ( 12: 276).

([2]) أنشده في اللسان (وحم). وقال: "والوحم: اسم الشيء المشتهى". وكذا أنشده في المخصص (1: 19)، قال: "يقول : ليلى هي التي تشتهيها نفسي". وهو للعجاج في ديوانه 58.

([3]) أي الطائر المعهود، وهو طائر دون العقاب يصاد به. وفي المجمل: "طائر".

([4]) وردت هذه المادة في الأصل بعد (زمت)، ورددتها إلى هذا الترتيب وفقاً لنظام ابن فارس ولما ورد في المجمل.

([5]) جزء من بيت له ديوانه 61 واللسان (زمع)، وهو:

فما تنفك بين عويرضات *** تجر برأس عكرشة زموع

([6]) في الأصل (للسرمع) صوابه من المجمل واللسان.

([7]) البيت بتمامه كما في اللسان (زمع):

ودعا ببينهم غداة تحملوا  *** داع بعاجلة الفراق زميع

([8]) في الأصل: "أزملت"، صوابه من اللسان (13-331).

([9]) أنشده في المجمل (زمل).

([10]) المعادلة: أن يكون عديلاً له. وفي الأصل: "المعاملة". صوابها من المجمل واللسان.

([11]) قيده في اللسان بشفرة الحذّاء. وأنشد لعبدة بن الطبيب:

عيرانة ينتحي في الأرض منسمها *** كما انتحى في أديم الصرف إزميل

 

 

ـ (باب الزاءِ والنون والحرف المعتل)

(زني) الزاء والنون والحرف المعتل لا تتضايف، ولا قياس فيها لواحدةٍ على أخرى. فالأوَّل الزِّنَى، معروف. ويقال إنّه يمدّ ويقصر. وينشد للفرزدق:

أبا حاضِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعرَف زنَاؤُهُ  *** ومن يَشْرَبِ الخمر لا بدّ يَسْكرُ([1])

ويقال  في النسبة إلى زِنَىً زِنَويّ، وهو لزِنْيَةٍ وزَنْيَةٍ، والفتح أفصح.

والكلمة الأخرى مهموز. يقال زَنَأت في الجبل أزنأ زُنُوءَاً وزَنْأً. والثالثة: الزَّنَاء، وهو القصير من كلِّ شيء. قال:

وتُولجُ في الظِّلِّ الزَّنَاء رؤوسَها *** وتحسَِبُها هِيماً وهنَّ صحائحُ([2])

وقال آخر([3]):

وإِذَا قُذِفْتُ إلى زَنَاءٍِ قعْرُها *** غبراءَ مُظْلِمةٍ منَ الأحْفارِ([4])

والرابعة: (الزَّنَاء)([5]): الحاقن بولَه. ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يصلي الرجل وهو زَنَاء.

(زنج) الزاء والنون والجيم ليس بشيء. على أَنهم يقولون الزَّنَج: العطش، ولا قياس لذلك.

(زنح) الزاء والنون والحاء كالذي قبله. وذكر بعضهم أن التزَنُّح التفتُّح في الكلام.

(زند) الزاء والنون* والدال أصلان: أحدهما عضو من الأعضاء، ثم يشبه به. والآخَر دليلُ ضيقٍ في شيء.

فالأوَّل الزَّند، وهو طَرَف عظم الساعد، وهما زَنْدان، ثم يشبه به الزند الذي يُقدَح به النار، وهو الأعلى، والأسفل الزَّنْدَة.

والأصل الآخر: المُزَنَّد؛ يقال ثوبٌ مُزَنَّد، إذا كان ضيّقاً؛ وحوضٌ مُزنّدٌ مثله. ورجلٌ مزنَّد: ضيِّق الخُلُقِ. قال ابن الأعرابي: يقال([6]) تزنَّد فلانٌ، إذا ضاقَ بالجوابِ وغضِب. قال عديّ:

* فقُلْ مثلَ ما قالوا ولا تتَزَنَّدِ *

ومن الباب المُزَنَّد، وهو الحمِيل،([7]) يقال زنَّدْتُ الناقة، إذا خَلَّلت أشاعرها بأخِلّة صغار، ثُمَّ شددتَها بشَعر، وذلك إذا انْدحفت رحِمُها بعد الولادة.

(زنر) الزاء والنون والراء ليس بأصلٍ؛ لأنّ النون لا يكون بعدها راء. على أنّ في الباب كلمة. يقولون: إن الزَّنانِير الحصى الصِّغار إذا هبَّت عليها الريحُ سمعتَ لها صَوتاً. [والزَّنَانِير: أرضٌ بقرب جُرَشَ].([8]) وقال ابن مقْبل:

*زَنَانِيرُ أَرواحَ المصيفِ لها ([9]) *

(زنق) الزاء والنون والقاف أصل يدلُّ على ضيقٍ أو تضْييق. يقولون: زَنَقْت الفَرسَ، إذا شَكَلْته في قوائمه الأربع. والزَّنقَة كالمدخل في السِّكّة([10]) وغيرها في ضيق وفيها مَيل. ويقال لضربٍ من الحُليّ زِنَاقٌ.

(زنك) الزاء والنون والكاف ليس أصلاً ولا قياسَ لـه. وقد حُكِيَ الزَّوَنَّك: القصير الدَّميم.

(زنم) الزاء والنون والميم أصلٌ يدلُّ على تعليق شيء بشيء. من ذلك الزَّنيم، وهو الدَّعِيُّ. وكذلك المُزَنَّمُ؛ وشُبّه بزنَمَتَي العنز، وهما اللتان تتعلَّقان من أذنها. والزَّنَمة: اللَّحمة المتدلّية في الحلْق. وقال الشاعر في الزَّنيم:

زَنيمٌ تَداعاهُ الرِّجالُ زيادةً *** كما زِيدَ  في عَرضِ الأديمِ الأكارعُ([11])

ــــــــــــــــ

([1]) كذا ورد إنشاده في الأصل محرفاً. والذي في الديوان 383 واللسان (زنا، سكر):

*ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا *.

وقبله:

أبا حاضر ما بال برديك أصبحا *** على ابنةِ فروج رداء ومئزرا

([2]) البيت لابن مقبل، كما في اللسان (زنأ).

([3]) هو الأخطل. ديوانه 81 واللسان (زنأ).

([4]) الأحفار: جمع حفر بالتحريك، وهو المكان المحفور. وقبل البيت في ديوانه:

بأبي سليمان الذي لولا يد *** منه علقت بظهر أحدب عاري

([5]) الزّناء كسحاب، بتخفيف النون.

([6]) في الأصل: "مقابل".

([7]) الحميل: بالحاء المهملة، وهو الدعي في النسب. في الأصل: "الجميل" صوابه في المجمل.

([8]) التكملة من الجمل، ويقتضيها الاستشهاد بالبيت التالي.

([9]) قطعة من بيت له، وهو بتمامه كما في اللسان ومعجم البلدان (406) :

تهدى زنانير أرواح المصيف لها *** ومن ثنايا فروج الغور تهدينا

([10]) في الأصل: "التكة"، صوابه من المجمل واللسان.

([11]) للخطيم التميمي. وهو شاعر جاهلي، كما في اللسان (زنم).

 

ـ (باب الزاءِ والهاءِ  والحرف المعتل)

(زهو) الزاء والهاء والحرف المعتل أصلان: أحدها يدلُّ على كِبْر وفَخْر، والآخر على حُسْن.

فالأوَّل الزَّهْو، وهو الفخر. قال الشاعر([1]):

مَتى ما أشأ غير زَهْوِ الملوكِ *** أجعلْكَ رَهطا على حُيَّضِ

ومن الباب: زُهِيَ الرجل فهو مَزْهوٌّ، إذا تفخَّر وتعظّم.

ومن الباب: زَهَتِ الريح النباتَ، إذا هَزَّتْهُ، تَزْهاه. والقياس فيه أن المعْجَب([2]) ذَهَبَ بنفسه متمايلاً([3]).

والأصل الآخر: الزَّهو، وهو المنظر الحسَن. من ذلك الزَّهْو، وهو احمرار ثمر النخل واصفرارُهُ. وحكى بعضهم زَهَى وأَزْهَى. وكان الأصمعيُّ يقول: ليس إلاَّ زَهَا. فأمَّا قول ابن مُقْبِل:

ولا تقولَنَّ زَهْوَاً ما تُخَبِّرُني *** لم يترك الشيبُ لِي زَهْوَاً ولا الكِبرُ([4])

فقال قوم: الزَّهو: الباطل والكَذِب، والمعنى فيه أنَّه من الباب الأول، وهو من الفخر والخُيَلاء.

وأما الزُّهَاء فهو القَدْر في العَدَد، وهو ممّا شذ عن الأصلين جميعاً.

(زهد) الزاء والهاء والدال أصلٌ يدلُّ على قِلّةِ الشيء. والزّهِيد: الشيء القليل. وهو مُزْهِدٌ: قليل المال.([5]) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضلُ النّاسِ مؤْمِنٌ مُزْهِدٌ" وهو المُقِلُّ، يقال منه: أَزْهَد إِزْهَاداً. قال الأعشى:

فلَنْ يَطْلبُوا سِرَّها للغِنَى *** ولن يسلِموها لإزهادها([6])

قال الخليل: الزَّهادة في الدُّنيا، والزُّهْد في الدِّين خاصة. قال اللِّحياني: يقال رجل زَهيدٌ: قليل المَطعَم، وهو ضيِّق الخُلُقِ أيضاً. وقال بعضهم الزَّهِيد: الوادي القليل الأخذ للماء. والزَّهَاد: الأرض التي تَسيلُ من أدنى مطر.

وممّا يقرُبُ من الباب قولهم: "خُذْ زَهْدَ ما يكفِيكَ"، أي قَدْرَ ما يكفِيك ويُحكى عن الشيبانِيّ ـ إن صح فهو شاذٌّ عن الأصل الذي أصّلناه  ـ قال: زَهَدْت النَّخْلَ، وذلك إذا خَرَصْتَه.

(زهر) الزاء والهاء والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حُسنٍ وضِياء وصفاء. من ذلك الزُّهَرة: النجم. ومنه الزَّهْر، وهو *نَور كلِّ نبات؛ يقال أزهر النّبات. وكان بعضهم([7]) يقول: النّور الأبيضُ، والزّهر الأصفر، وزَهْرَة الدُّنيا: حُسْنها. والأزهر: القمر. ويقال زَهَرَت النّارُ: أضاءت، ويقولون: زَهَرَتْ بك ناري.

ومما شذّ عن هذا الأصل قولُهم: ازدهرتُ بالشيء، إذا احتفظتَ به. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي قَتادة في الإناء الذي أعطاه: "ازْدَهِرْ بِهِ فإنَّ له شأناً"، يريد احتفظ به . وممكنٌ أن يُحمَل هذا على الأصل أيضاً؛ لأنه إذا احتفظ به فكأنّه من حيثُ استحسنه. وقال:

* كما ازْدَهَرَت ([8])*

ولعل المِزْهَر الذي هو العُود محمولٌ على ما ذكرنَاه من الأصل؛ لأنّه قريب منه.

(زهم) الزاء والهاء والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سَمِن وشحمٍ وما أشبه ذلك. من ذلك الزَّهَم، وهو أن تَزْهَم اليدُ من اللّحم. وذكر ناسٌ أنَّ الزُّهْم شَحم الوحش، وأنَّه اسمٌ لذلك خاصَّة، ويقولون للسَّمين زَهِمٌ. فأمّا قولُهم في الحكاية عن أبي زيدٍ أن المزَاهَمة القُرب، ويقال زَاهَمَ فلانٌ الأربعينَ، أي داناها، فممكنٌ أن يُحمَل على الأصل الذي ذكرناه، لأنّه كأنّه أراد التلطُّخ بها ومُماسّتها. ويمكن أنْ يكون من الإبدال، وتكون الميم بدلاً من القاف، لأنَّ الزاهق عَيْنُ السّمين([9]). وقد ذكرناه.

(زهق) الزاء والهاء والقاف أصلٌ واحدٌ  يدلُّ على تقدّم ومضيّ وتجاوز. من ذلك زَهَقَتْ نفسه. ومن ذلك: [زَهَقَ] الباطل، أي مضى. ويقال زَهَقَ الفرسُ أمامَ الخيل، وذلك إذا سَبَقَها وتقدَّمها. ويقال زَهَقَ السّهم، إذا جَاوَزَ الهَدَف. ويقال فرسٌ ذات أَزَاهيقَ، أي ذات جَرْيٍ وسَبْقٍ وتقدم.

ومن الباب الزَّهْق، وهو قَعْرُ الشيء؛ لأن الشيء يزهق فيه إذا سقط. قال رؤبة:

* كأنَّ أيديَهنَّ تَهْوِي بالزَّهَق([10]) *

فأمَّأ قولهم: أَزْهَقَ إِناءَه، إذا ملأَه، فإن كان صحيحاً فهو من الباب؛ لأنه إذا امتلأ سَبَقَ وفاضَ ومَرَّ. ومن الباب الزَّاهق، وهو السَّمِين، لأنَّه جاوزَ حدّ الاقتصاد إلى أن اكتنَزَ من اللحم([11]). ويقولون: زَهَقَ مخُّه: اكتنَز. قال زُهير في الزَّاهق:

القائدُ الخيلَ منكوباً دوابِرُها *** منها الشَّنُونُ ومنها الزَّاهِقُ الزَّهِمُ([12])

ومِنَ الباب الزَّهُوق، وهو البئر البعيدة القعر.

فأما قولهم: النَّاسُ زُهاقُ مائة، فممكن إن كان صحيحاً أن يكون من الأصل الذي ذكرنا، كأنَّ عددَهم تقدَّمَ حتَّى بلغ ذلك. وممكن أن يكون من الإبدال، كأنَّ الهمزة أُبْدِلَتْ قافاً. ويمكن أن يكون شاذّاً.

(زهف) الزاء والهاء والفاء أصلٌ يدلُّ على ذهاب الشيء. يقال ازدهَفَ الشيءَ، وذلك إذا ذَهَبَ به. قالت امرأةٌ من العرب:

يا من أحسَّ بُنَيَّيَّ اللذين هما  *** سَمعِي ومُخّي فمُخّي اليوم مزدَهَفُ([13])

ويقال منه أَزْهَفَهُ الموتُ، ومن الباب ازدَهَفه، إذا استعجَلَه. قال:

قولك أقوالاً مع التَّحلافِ  *** فيه ازدهافٌ أيما ازدهافِ([14])

وقال قوم: الازدهاف التزيُّد في الكلام. فإن كان صحيحاً فلأنّه ذَهابٌ عن الحقّ ومجاوزةٌ له.

(زهل) الزاء والهاء واللام كلمةٌ تدلُّ على ملاسةِ الشَّيء. يقال فرس زُهْلول، أي أملس.

(زهك) الزاء والهاء والكاف ليس فيه شيء إلا أن ابنَ دريد ذكر أنهم يقولون: زَهَكت الرِّيح التّرابَ، مثل سَهَكَتْ.

ـــــــــــــــ

([1]) هو أبو المثلم الهذلي، كما في اللسان (رهط، زهو)، وقد سبق البيت في (2: 450).

([2]) في الأصل "المعجب".

([3]) في الأصل: "زهت بنفسه متمائلا".

([4]) روايته في اللسان: "ولا العور". ورواية الصحاح تطابق رواية ابن فارس.

([5]) في الأصل: "الماء" صوابه من المجمل واللسان.

([6]) ديوان الأعشى 56 واللسان (زهد).  وفي شرح الديوان: "قرأت على أبي عبيدة لإزهادها، فلما قرأتُ عليهِ الغريب قال: لأزهادها، بالفتح".

([7]) هو ابن الأعرابي ، كما في اللسان (زهر).

([8]) قطعة من بيت في اللسان (زهر) وهو بتمامه:

كما ازدهرت قينة بالشراع *** لأسوارها عل منها اصطباحا

([9]) في الأصل: "عند السمين"، وانظر س 13 من هذه الصفحة.

([10]) ديوان رؤبة 106 واللسان (زهق).

([11]) في الأصل: "إلى أكثر من اللحم".

([12]) ديوان زهير 153 واللسان (زهق).

([13]) في اللسان (زهف):

بل من أحسَّ بريمي اللذين هما *** قلبي وعقلي فعقلي اليوم مزدهف.

([14]) الرجز لرؤبة في ديوانه ص 100.

 

 

ـ (باب الزاء والواو وما يثلثهما)

(زوي) الزاء والواو والياء أصلٌ يدلُّ على انضمامٍ وتجمُّع. يقال زوَيت الشَّيءَ: جمعته. قال رسول الله *صلى الله عليه وآله: "زُوِيتِ الأرضُ فأُرِيتُ مَشارِقَها ومغارِبَها، وسيبلغُ مُلْكُ أمّتي ما زُوِيَ لي منها". يقول: جُمِعَت إِليّ الأرضُ. ويقال زَوَى الرجلُ ما بين عينيه، إِذا قبضَه. قال الأعشى:

يزيدُ يَغضُّ الطَّرْف دُوني كأنَّما *** زَوَى بين عينيه عليَّ المحاجمُ([1])

فلا ينبسِطْ مِن بين عينَيكَ ما انزَوَى *** ولا تَلقَني إلاّ وأنفُكَ راغمُ

ويقال انْزَوتِ الجِلدةُ في النار، إذا تَقَبَّضت. وزَاوية البيت لاجتماع الحائِطَين([2]). ومن الباب الزِّيّ: حُسْن الهيئة. ويقال زوى الإِرثَ عن وارثِه يَزوِيه زَيّاً.

ومما شذَّ عن هذا الأصل ولا يُعلم لـه قياسٌ ولا اشتقاق: الزَّوْزَاة: حُسن الطرد([3])، يقال زَوْزَيْتُ به.

ويقال الزِّيزَاء: أطراف الرِّيش. والزِّيزاةُ: الأكَمة، والجمع الزِّيزاء، والزَّيازِي، في شعر الهذليّ([4]):

* ويوفِي زَيازِيَ حُدْبَ التّلالِ *

ومن هذا قدرٌ زُوَزِيَةٌ، أي ضخمة([5]).

وممَّا لا اشتقاقَ له الزَّوْء، وهي المَنِيّة([6]).

(زوج) الزاء والواو والجيم أصلٌ يدلُّ على مقارنَة شيءٍ لشيء. من ذلك [الزّوج زوج المرأة. والمرأةُ([7])] زوج بعلِها، وهو الفصيح. قال الله جل ثناؤه: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة 35، الأعراف 19]. ويقال لفلانٍ زوجانِ من الحمام، يعني ذكراً وأنثى. فأمّا قولُه جلّ وعزّ في ذِكْر النبات: {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج 5، ق7]، فيقال أراد به اللَّون، كأنَّه قال: من كل لونٍ بهيج. وهذا لا يبعد أن يكون مِن الذي ذكرناه؛ لأنه يزوَّج غَيْرَه ممّا يقاربه. وكذلك قولهم للنَّمَط الذي يُطرَح على الهودج زَوج؛ لأنَّه زوجٌ لما يُلْقَى عليه. قال لبيد:

مِن كل محفوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ *** زَوْجٌ عليه كِلّةٌ وقِرامُها([8])

(زوح) الزاء والواو والحاء أصلٌ يدلُّ على تنَحٍّ وزوال . يقول زاح عن مكانه يزُوح، إذا تنحَّى، وأزحتُه أنا. وربَّما قالوا: أزاح يُزِيح.

(زود) الزاء والواو والدال أصلٌ يدل على انتقالٍ بخير، من عملٍ أو كسبٍ. هذا تحديدٌ حَدَّهُ الخليل. قال كلُّ مَن انتقل معه بخيرٍ مِنْ عملٍ أو كسب فقد تزوَّد. قال غيره: الزَّود: تأسيس الزّاد، وهو الطعام يُتَّخَذ للسَّفر. والمِزْوَد: الوعاء يُجْعَل للزاد. وتلقب العَجم برِقاب المَزاوِدِ.

(زور) الزاء والواو والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على المَيْل والعدول. من ذلك الزُّور: الكذب؛ لأنه مائلٌ عن طريقَةِ الحق. ويقال زوَّرَ فلانٌ الشَّيءَ تزويراً. حتَّى يقولون زوَّر الشيءَ في نفْسه: هيّأَهُ، لأنَّهُ يَعدِل به ِعن طريقةٍ تكون أقربَ إلى قَبولِ السامعِ. فأمَّا قولهم للصَّنم زُور فهو القياس الصحيح. قال:

* جاؤوا بزُورَيْهِمْ وجئنا بالأَصَمّْ([9]) *

والزَّوَر: الميل. يقال ازورَّ  عن كذا، أي مالَ عنه.

ومن الباب : الزائر، لأنّه إذا زارَك فقد عدَلَ عن غيرك.

ثم يُحمل على هذا فيقال لرئيس القوم وصاحِب أمرهم: الزُّوَيْر، وذلك أنهم يعدِلون عن كلِّ أحدٍ إليه. قال:

بأيدِي رجالٍ لا هَوادةَ بينهمْ *** يَسُوقون للموت الزُّوَيْر اليَلَنْدَدا([10])

ويقولون: هذا رجلٌ ليس له زَوْرٌ، أي ليس له صَيُّورٌ يرجِع إليه. والتزوير: كرامة الزَّائِر. والزَّوْرُ: القومُ الزُّوَّار؛ يقال ذلك في الواحد والاثنين والجماعة والنِّساء. قال الشاعر:

ومشيُهنَّ بالخُبَيْبِ المَوْرُ([11]) *** كما تَهَادى الفَتَياتُ الزَّوْرُ

فأمَّا قولهم إن الزِّوَرَّ القويّ الشديد، فإنما هو من الزَّوْر، وهو أعلى الصدر شاذٌّ عن الأصل الذي أصّلْناه.

(زوع) الزاء والواو والعين كلمةٌ واحدة. يقال زَاعَ الناقة بزمامها زَوْعاً. إذا جذبها. قال ذو الرّمة:

* زُعْ بالزِّمام وجَوْزُ الليلِ مرْكومُ *([12])

(زوف) الزاء والواو والفاء ليس بشيء، إلاّ أنّهم يقولون موتٌ *زُوَاف: وحِيٌّ.

(زوق) الزاء والواو والقاف ليس بشيء. وقولهم زَوَّفْتُ الشيءَ إذا زَيّنتهُ وموّهته، ليس بأصل، يقولون إنّهُ من الزَّاوُوق، وهو الزِّئبق. وكلُّ هذا كلام.

(زوك) الزاء والواو والكاف كلمةٌ إن صحت. يقولون إنَّ الزَّوْكَ مِشية الغُراب. وينشدون:

* في فُحْشِ زانيةٍ وزَوْكِ غُرَابِ([13]) *

ويقولون من هذا زَوْزَكَت المرأة، إذا أسرعت في المشي. وهذا باب قريبٌ من الذي قبلَه.

(زول) الزاء والواو واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تنحّي الشيءِ عن مكانه. يقولون: زال الشيءُ زَوالاً، وزالت الشمس عن كبد السماء تزُول. ويقال أزَلْتُهُ عن المكان وزوّلته عنه. قال ذو الرمة:

وبيضاءَ لا تَنحاشُ مِنّا وأُمُّها  *** إذا ما رأتْنا زِيل منا زَوِيلُها([14])

ويقال إنّ الزّائلة كلُّ شيء يتحرك. وأنشد:

وكنت امرأً أرمي الزّوائِلَ مَرَّةً *** فأصبحْتُ قد ودَّعْت رَمْيَ الزّوائِل([15])

ومما شذّ عن الباب قولُهم: شيءٌ زوْل، أي عَجَب. وامرأةٌ زَولة، أي خفيفة. وقال الطرِمّاح:

وألقَتْ إليَّ القولَ منهنَّ زَوْلةٌ *** تُخَاضِنُ أو ترنُو لقول المُخاضِنِ([16])

(زون) الزاء والواو والنون ليس هو عندي أصلاً. على أنّهم يقولون: الزَّون: الصّنَم. ومرّة يقولون: الزَّوْن بيت الأصنام. وربما قالوا([17]) زانَه يَزُونه بمعنى يَزِينه([18]).

ومن الباب الزِّوَنَّة: القصيرة من النِّساء. والرجل زِوَنّ. وربما قالوا: الزَّوَنْزَى: القصير. وكله كلام.

ــــــــــــــــــ

([1]) ديوان الأعشى 58 واللسان (زوى).

([2]) في المجمل: "وزاوية البيت سميت للاجتماع".

([3]) في المجمل واللسان: "شبه الطرد".

([4]) هو أسامة بن الحارث الهذلي من قصيدته في شرح السكري للهذليين 180 ونسخة الشنقيطي 79. وصدر البيت: * وظل يسوف أبوالها *

([5]) حق هذه الكلمة وما قبلها من أول هذه الفقرة أن يكون في مادة (زبز).

([6]) في الأصل: "المسنة"، تحريف.

([7]) التكملة من المجمل.

([8]) من معلقة لبيد.

([9]) الرجز للأغلب، أو ليحيى بن منصور. انظر اللسان (زور).

([10]) أنشده في اللسان (5: 427).

([11]) الخبيب: مصغر الخُب بالضم، وهو الغامض من الأرض، وفي اللسان: "ومشيهن بالكثيب مور".

([12]) صدره كما في ديوانه 579 واللسان (زوع):

*وخافق الرأس فوق الرحل قلت له*

لكن في اللسان: "مثل السيف قلت له".

([13]) البيت لحسان في ديوانه 59 والحيوان (3: 424)، وهو في اللسان (زوك) بدون نسبة.

([14]) البيت في ديوانه 554 واللسان (8: 180/ 13: 337/ 20: 165) والحيوان (5: 574). وقد سبق في (2: 119).

([15]) أنشده في اللسان (زول).

([16]) ديوان الطرماح 164 واللسان (خضن، لحن) والمقاييس (2: 193).

([17]) في الأصل: "قاله".

([18]) في اللسان: "محمد بن حبيب: قالت أعرابية لابن الأعرابي: إنك تزوننا إذا طلعت".

 

ـ (باب الزاي والياء وما يثلثهما)

(زيب) الزاي والياء والباء أصلٌ يدلُّ على خفّةٍ ونشاط وما يشبه ذلك. والأصلُ الخِفّة. يقولون: الأَزْيَبُ النشاط. ويقولون: مَرّ فلانٌ وله أزْيَبٌ إذا مَرَّ مَرّاً سريعاً. ومن ذلك قولهم للأمر المنكَر: أَزْيَبٌ. وهو القياس، وذلك أنّه يُستخفّ لمن رآه أو سمعه قال:

تُكلّفُ الجارةَ ذَنْبَ الغُيّبِ *** وهي تُبيتُ زوجَها في أزيَبِ([1])

ومن الباب قولهم للرجل الذّليل والدّعِيِّ أَزْيَب. ويقولون لمن قارَبَ خَطْوَه: أَزْيَب. وقد أعلمْتُكَ أنَّ مرجع البابِ كلِّه إلى الخِفّة وما قاربها.

وممّا يصلُح أن يقال إنّه شذّ عن الباب، قولهم للجَنُوب من الرِّياح: أَزْيَب.

(زيت) الزاء والياء والتاء كلمةٌ واحدة، وهي الزّيت، معروف. ويقال زِتُّه، إذا دهنْتَه بالزّيت. وهو مَزْيوت.

(زيح) الزاء والياء والحاء أصلٌ واحد، وهو زَوال الشيء وتنحِّيه. يقال زاح الشيءُ يَزيحُ، إذا ذهَب؛ وقد أزَحْتُ عِلَّته فزاحت، وهي تَزِيح.

(زيج) الزاء والياء والجيم ليس بشيء. على أنهم يسمُّون خيطَ البنَّاءِ زِيجاً([2]). فما أدري أعربيٌّ هو أم لا.

(زيد) الزاء والياء والدال أصلٌ يدلُّ على الفَضْلِ. يقولون زاد الشيء يزيد، فهو زائد. وهؤلاء قومٌ زَيْد على كذا، أي يزيدون. قال:

وأنتمُ مَعْشرٌ زَيدٌ على مائةٍ  *** فأجمِعُوا أمرَكُمْ كيداً فكيدوني([3])

ويقال شيءٌ كثير الزَّيايد، أي الزّيادات، وربما قالوا زوائد. ويقولون للأسد: ذو زوائد. قالوا: وهو الذي يتزيَّد في زَئِيرِهِ وصَولتهِ. والناقة تَتَزَيَّد في مِشيتها، إذا تكلفَتْ فوق طاقتها، ويروون:

* فقل [مثل] ما قالُوا ولا تَتزَيَّد([4]) *

بالياء، كأنّه أراد التّزيّد في الكلام.

(زير) الزاء والياء والراء ليس بأصلٍ. يقولون: رجلٌ زِيرٌ: يحبُّ مجالسَةَ النِّساء ومحادثتَهن. وهذا عندي أصلُهُ الواو، من زَارَ يزورُ، فقلبت الواو ياءً للكسرة التي قبلها، كما يقال هو حِدْثُ نِساء. قال في الزِّير:

مَنْ يَكُنْ في السِّوادِ والدَّدِ* والإغْـ *** رامِ زيراً فإنني غيرُ زيرِ([5])

(زيغ) الزاء والياء والغين أصلٌ يدل على مَيَل الشيء. يقال زاغ يَزيغُ زَيْغاً. والتَّزَيُّغ: التَّمايُل([6])، وقوم زاغَةٌ، أي زائغون، وزاغَت الشمس، وذلك إذا مالت وفاء الفيء([7]). وقال الله جلَّ ثناؤه: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف 5 ]، فأمَّا قولهم: تزيّغت المرأةُ، فهذا من باب الإبدال، وهي نونٌ أبدلت غيناً.

(زيم) الزاء والياء والميم أصلٌ يدلُّ على تجمّعٍ. يقال لحم زِيَمٌ، أي مُكتنِز. ويقال اجتمع الناسُ فصاروا زِيَما. قال الخليل:

* والخيل تعدُوا زِيَماً حولنا *

(زيل) الزاء والياء واللام ليس أصلاً، لكنّ الياء فيه مبدلةٌ من واو، وقد مضى ذِكره، وذُكِرَتْ هنالك كلماتُ اللَّفظِ. فالتَّزايل: التباين. يقال زَيَّلْتُ بينه، أي فرّقْت، قال الله تعالى: { فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ } [يونس 28] ويقال إن الزَّيَل تباعُدُ ما بين الفَخِذين، كالفَحَجِ. وذُكرَ عن الشيبانيّ إن كان صحيحاً تزايلَ  فلانٌ عن فلانٍ، إِذَا احتشَمَه. وهو ذاك القياسُ إن صحّ.

(زين) الزاء والياء والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على حُسن الشيء وتحسينه. فالزَّيْن نَقيضُ الشَّيْن. يقال زيَّنت الشيء تزييناً. وأزْيَنتِ الأرضُ وازّيَّنتْ وازدانت([8]) إذا حَسَّنَها عُشْبُها. ويقال إن كان صحيحاً ـ إنّ الزَّين: عُرْف الدِّيك. ويُنشدون:

وجئتَ على بغلٍ تَزُفُّكَ تِسعةٌ *** كأنّكَ دِيكٌ مائلُ الزَّين أعْوَر([9])

(زيف) الزاء والياء والفاء فيه كلام، وما أظنُّ شيئاً منه صحيحاً. يقولون درهم زائِف وزَيْف. ومن الباب زَافَ الجملُ في مَشيه يزيف، وذلك إذا أسرع. والمرأة تَزِيف في مَشيها، كأنها تستدير. والحمامة تَزِيف عند الحَمَام. فأمّا الذي يُروَى في قول عديّ:

تَرَكونِي لدَى قُصورٍ وأعرا *** ضِ قصورٍ لزَيْفهنّ مَرَاقِ([10])

فيقولون إِنّ الزَّيف الطُّنُف الذي يقي الحائط: ويقال "لزيْفهن([11])". وكلُّ هذا كلام. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) البيت الأخير في المجمل.

([2]) ذكر في المعرب 169 أنه فارسي، عربيته "المطمر".

([3]) البيت لذي الإصبع العدواني من قصيدة له في المفضليات (1/158).

([4]) التكملة من المجمل واللسان. وصدره في اللسان:

* إذا أنْتَ فاكهت الرجال فلا تلع *.

([5]) أنشده في اللسان (سود). والسواد، بالكسر: المسارة.

([6]) في الأصل : "والتماثل"، صوابه من المجمل واللسان.

([7]) في الأصل: "وذلك إذا فاءت الفيء" صوابه من المجمل واللسان.

([8]) ويقال أيضاً: "ازبنت" كاحمرت، و "ازبأنت".

([9]) البيت للحكم بن عبدل، كما في الحيوان (2: 305) واللسان (زين).

([10]) الكلمتان الأخيرتان من البيت في المجمل. وأنشده في اللسان (زيف).

([11]) كذا في الأصل.

 


ـ (باب الزاء والهمزة وما يثلثهما)

(زأر) الزاء والهمزة والراء أصلٌ واحد. زأر الأسد زأراً وزئِيرا.

قال النابغة:

نُبِّئتُ أنّ أبا قابوسَ أوعَدَنِي *** ولا قَرَارَ على زأر من الأسَدِ([1])

ومنه قوله:

حَلّتْ بأرضِ الزَّائِرِينَ فأصْبَحتْ *** عَسِراً عليَّ طِلابُكِ ابنةَ مَخْرَم([2])

ومن الباب الزَّأرَة: الأَجَمة، وهو كالاستعارة؛ لأنّ الأُسْدَ تأوي إليها فتزأَر.

(زأب) الزاء والهمزة والباء كلمتان. يقال زَأَبَ الشيءَ، إذا حَمله. والازدئاب: الاحتمال. والكلمة الأخرى زَأَبَ، إذا شَرِب شُرباً شديداً. ولا قياسَ لهما.

(زأد) الزاء والهمزة والدال كلمة واحدة، تدلُّ على الفزع. يقال زُئِد الرّجُل، إذا فَزِع، زُؤداً. قال:

حَملَتْ به في ليلةٍ مَزؤُودةٍ *** كَرْها وعَقدُ نِطاقِها لم يُحْلَلِ([3])

(زأم) الزاء والهمزة والميم أصلٌ يدلُّ على صوتٍ وكلام. فالزَّأْمة: الصَّوت الشديد. ويقال زأمَ لي فلانٌ زأْمةً، إذا طَرَح لي كلمةً لا أدري أحقٌّ هي أم باطل.

ومما يُحمَل عليه الزَّأَم: الذُّعر. ويقال أزأَمْتُه على كذا، أي أكرهْتُه.

ومما شذّ عن الباب الزّأْم: شِدّة الأكل. والله أعلم.

ــــــــــــــ

([1]) ديوان النابغة 26.

([2]) البيت لعنترة بن شداد في معلقته المعروفة، واللسان (زأر).

([3]) البيت لأبي كبير الهذلي، من قصيدة له في نسخة الشنقيطي من الهذليين 61. وهو في حماسة أبي تمام (1: 20).

 


ـ (باب الزاء والباء وما يثلثهما)

(زبد) الزاء والباء والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تولُّد شيءٍ عن شيء. من ذلك زَبَدُ الماءِ وغيرِه. يقال أزْبَدَ إزْباداً. والزُّبد من ذلك أيضاً. يقال زَبَدْتُ الصبي أزبُده، إذا أطعمتَه الزُّبد.

وربَّما حملوا على هذا واشتقّوا منه. فحكى الفرّاءُ عن العرب: أَزْبَدَ السِّدرُ، إذا نَوَّر. ويقال زَبَدَتْ فلانةُ سِقاءَها، إِذا مَخَضَتْه حتَّى يُخرِج زُبْدَه.

ومن *الباب الزَّبْد، وهو العطيّة. يقال زَبَدْتُ الرّجلَ زَبْدا: أعطيتُهُ. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّا لا نَقْبل زَبْد المُشركين" يريد هداياهم.

(زبر) الزاء والباء والراء أصلان: أحدهما يدلُّ على إحكام الشيء وتوثيقه، والآخَر يدلُّ على قراءةٍ وكتابةٍ وما أشبه ذلك.

فالأوّل قولهم زَبَرْت البِئر، إِذا طويتَها بالحجارة. ومنه زُبْرة الحديدِ، وهي القطعة منه، والجمع زُبَر. ومن الباب الزُّبْرة: الصّدر. وسُمّي بذلك لأنه كالبئر المزبورة، أي المطويّة بالحجارة. ويقال إنَّ الزُّبْرة من الأسد مُجتمع وَبَرِه في مِرفقيْهِ وصدرهِ. وأسد مَزْبَرانيٌّ، أي ضخم الزُّبْرة.

ومن الباب الزَّبير، وهي الدَّاهية. ومن الباب: أخَذَ الشَيءَ بزَوْبَرِه، أي كُلِّه. ومنه قول ابن أحمر([1]) في قصيدته:

* عُدَّتْ عليَّ بِزَوْبَرَا([2]) *

فيقال إنَّ معناهُ نُسِِبتْ إليَّ بكمالها. ومن الباب: ما لِفلاَنٍ زَبْرٌ، أي ما لـه عقلٌ ولا تماسُك. ومنه ازبأَرَّ الشّعر، إذا انتفَش تقوى([3]).

والأصل الآخر: زَبَرْتُ الكتابَ، إذا كتبتَه. ومنه الزبور. وربَّما قالوا: زبَرتَه، إذا قرأتَهُ. ويقولون في الكلمة:"أنا أعرفُ تَزْبِرَتِي([4])". أي كتابتي.

(زبق) الزاء والباء والقاف ليس من الأصول التي يُعوّل على صحّتها، وما أدري ألِما قيل فيه حقيقةٌ أم لا؟ لكنّهم يقولون: زَبَقَ شَعره، إذا نَتَفَه. ويقولون: انْزَبَق في البيت: دخل. وزَبَقْت الرّجلَ:حبستُه.

(زبل) الزاء والباء واللام كلمةٌ واحدة. يقولون: ما أصبت مِنْ فلان زُِبالاً([5])، قالوا: هو الذي تحمله النّملة بفيها. وليس لها اشتقاق. وذكر ناسٌ إن كان صحيحاً ـ : ما في الإناء زُبَالة، إذا لم يكن فيه شيء. وأما قولهم زَبَلْتَ الزّرعَ، إذا سَمَّدته بالزِّبل، فإن كان صحيحاً فهو من الباب أيضاً، لأن الزِّبْل  من الساقط الذي لا يُعْتَدّ به.

وحكى أنَّ الزَّأْبَل: الرجلُ القصير. وينشدون:

* حَزَنْبَلُ الْخُصْيَيْنِ فَدْمٌ زَأْبَل([6]) *

وهذا وشِبهه مما لا يُعرَّج عليه.

(زبن) الزاء والباء والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الدّفع. يقال ناقة زَبُون، إذا زَبَنَتْ حالبَها. والحرب تزبِنُ النّاسَ، إذا صَدَمتهم. وحربٌ زَبُون. ورجلٌ ذو زَبُّونةٍ، إذا كان مانعاً لجانبِه دَفُوعاً عن نفسه. قال:

بذَبِّي الذَّمَّ عن حَسبِي بمالِي *** وزَبُّوناتِ أشْوسَ تَيَّحانِ([7])

ويقال فيه زَبُّونَةٌ، أي كِبر، ولا يكونُ كذا إلاّ وهو دافعٌ عن نفسه. والزَّبانِيَةُ سُمُّوا بذلك، لأنّهم يدفعون أهلَ النار إلى النار. فأمَّا المُزابَنَة فبيع الثمر في رؤوس النّخل، وهو الذي جاء الحديث بالنَّهي عنه. وقال أهل العلم: إنّه مما يكون بعد ذلك من النِّزاع والمدافَعة. ويقولون إن الزَّبْن البُعْد. وأما زُبَانَى العقرب فيجوز أن يكون من هذا أيضاً، كأَنّها تدفَع عن نفسها به، ويجوز أن يكون شاذّاً.

(زبي) الزاء والباء والياء يدلُّ على شرٍّ لا خير. يقال: لقيت منه الأَزابِيَّ، إذا لقي منه شرّاً. ومن الباب: الزُّبْية: حفيرة يُزَبِّي فيها الرجلُ للصيد، وتحفر للذئب والأسد فيصادان فيها. ومن الباب: زَبَيْت أَزْبِي، إذا سقت إليه ما يكرهه. [قال]:

تلك استقِدْها وأَعطِ الحُكْم وَاليَها *** فإنّها بعضُ ما تَزْبي لك الرَّقِمُ([8])

(زبع) الزاء والباء والعين قريبٌ من الذي قبله، وهو يدلُّ على تغيُّظٍ وعزيمةِ شرّ. يقال تزبّع فلانٌ، إذا تهيَّأ للشر. وتزبّع: تغيَّر. وهو في شعر متمّم:

وإنْ تَلقَه في الشَّرْبِ لا تَلقَ فاحشاً *** من القوم ذا قاذُورة متزبِّعَا([9])

قال الشيبانيّ: الأزْبَع([10]) الدّاهية، والجمع الأزابع*. وأنشد:

وعَدْتَ ولم تُنْجِزْ وقِدْماً وعدتَني  *** فأخلفْتَني وتلك إحدى الأزابعِ

وهذا إنْ صح فهو من الإبدال، وهو من الباب قبله.

 

([1]) في الأصل: "ابن الحمر"، صوابه من المجمل واللسان.

([2]) البيت بتمامه كما في اللسان:

وإن قال عاو من معد قصيدة  *** بها جرب عدت عليّ بزوبرا

وفي الصحاح:"إذا قال غاو من تنوخ". وكلمة "زوبر" إحدى الكلمات التي لم تسمع إلا في شعر ابن أحمر، ومثلها "ماموسة" علم للنار، جاءت في قوله يصف بقرة:

تطايح الطل عن أعطافها صعدا *** كما تطايح عن ماموسة الشرر

وكذلك سمى حوار الناقة "بابوسها" ولم يسمع في شعر غيره. وهو قوله:

حنت قلوصي إلى بابوسها جزعا *** فماذا حنينك أم ما أنت والذكر

وسمى ما يلف على الرأس "أرنة"، ولم توجد لغيره، وهو قوله:

وتلفع الحرباء أرنته *** متشاوساً لوريده  نعر

([3]) كذا وردت هذه الكلمة في الأصل، وليست في المجمل.

([4]) في اللسان: "إني لا أعرف تزبرتي".

([5]) الزبال، بالكسر والضم.

([6]) الرجز في المجمل واللسان (زبل).

([7]) لسوار بن المضرب، كما في اللسان (زبن). وروايته: "عن أحساب قومي".

([8]) في اللسان: "تلك استفدها" بالفاء.

([9]) أنشده في اللسان (زبع، قذر). وهو من قصيدة في المفضليات (2: 65-70) وجمهرة أشعار العرب 141- 143.

([10]) لم أجدها في المعاجم المتداولة. لكن في اللسان: "الزوابع: الدواهي".

 

ـ (باب الزاءِ والجيم وما يثلثهما)

(زجر) الزاء والجيم والراء كلمة تدل على الانتهار. يقال زَجَرت البعيرَ حتَّى مضَى، أزجُره. وزجَرْت فلاناً عن الشيء فانْزَجر. والزَّجور من الإبل: التي تعرف بعينها وتُنكر بأنْفها.‏

(زجل) الزاء والجيم واللام أصلٌ يدلُّ على الرمْي بالشيء والدفعِ له. يقال قَبَحَ اللهُ أمّاً زَجَلَتْ به. والزَّجْل: إرسال الحمام الهادِي. والمِزْجل: المِزْرَاق. وزَجَلَ الفَحْل، إذا ألْقى ماءَه في الرَّحِم. ويقال أن الزَّاجَلُ(1): ماءُ الظليم؛ لأنه يزْجُل به. قال ابنُ أحمر:‏

وما بيضاتُ ذِي لِبَدٍ هِجَفٍّ *** سُقِينَ بِزَاجَلٍ حَتى رَوِينا(2)‏

ويقال بل الزَّاجَل مُخُّ البيض، والأول أقيس.‏

ومما شذّ عن الباب الزُّجلة: القطعة من كل شيء، وجمعها زُجَل.والزِّئجِيل(3): الرجل الضَّعيف.‏

ومن هذا، إن كان صحيحاً، الزَّاجَل: حَلقة تكون في طَرف حبل الثقَل(4).‏

(زجم(5)) الزاء والجيم والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على صوتٍ ضعيف .يقال: ما تكلم بِزَجْمَةٍ، أي بِنَبْسة. والزَّجوم: القوس ليست بشديدة الإرنان. والله أعلم بالصواب.‏

(زجي) الزاء والجيم والحرف المعتلّ يدلُّ على الرّمي بالشيء وتسييره من غير حبس(6). يقال أزجتِ البقرةُ ولدَها، إذا ساقته. والرِّيح تُزْجِي السَّحابَ: تسوقهُ سَوْقاً رفِيقاً. فأمّا المُزْجَى فالشيء القليل، وهو من قياس الباب، أي يُدفع به الوقت. وهذه بضاعة مُزْجَاة، أي يسيرة الاندفاع.‏

ومن الباب زجا الخراجُ يزجُو، أي تيسَّرت جِبايته.‏

ــــــــــــــــــ

(1) الزاجل، بفتح الجيم، يهمز ولا يهمز.‏

(2) البيت في الحيوان (4: 328، 341)، واللسان (هجف، زجل)، والمخصص (8: 55). وفي الأصل: "بعجف"، بدل "هجف"، تحريف.‏

(3) والزنجيل أيضاً، يقال بالهمز وبالنون كما في اللسان.‏

(4) الثقل، بالتحريك. متاع المسافر. وفي المجمل: "في طرف الحبل حبل الثقل".‏

(5) وردت هذه المادة في الأصل مؤخرة عن (زجي) ورددتها إلى موضعها المطابق لموضعها من المجمل.‏

(6) حبس، أي إمساك. وفي الأصل: "جنس".‏

 

ـ (باب الزاءِ والحاءِ وما يثلثهما في الثلاثي)

(زحر) الزاء والحاء والراء تنفُّسٌ بشدّة ليس إلاّ هذا. يقال زَحَرَ يَزْحَرُ زحيراً، وهو صوتُ نَفَسِهِ إذا تنفّس بشدة. وزَحَرَت المرأة بولدها عند الولادة.‏

(زحل) الزاء والحاء واللام أصلٌ يدلُّ على التنحِّي. يقال زَحَل عن مكانه، إذا تنحّى. وزَحَلت النّاقةُ في سَيرها. والمَزْحَل: الموضع الذي تَزْحَل إليه.‏

(زحم) الزاء والحاء والميم أصلٌ يدلُّ على انضمامٍ في شدّة. يقال زَحمَه يَزْحَمُه، وازْدَحم الناس.‏

(زحن) الزاء والحاء والنون أصلٌ يدل على الإبطاء. تقول : زَحَنَ يَزْحَن زَحْناً، وكذلك التَّزحُّن. يقال تزَحَّن على الشيء، إذا تكارَهَ عليه وهو لا يشتهيه.‏

(زحف) الزاء والحاء والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الاندفاع والمضيّ قُدُماً. فالزَّحف: الجماعة يَزْحَفون إلى العدوّ. والصبيّ يزحَف على الأرض قبل المشي. والبعير إذا أعيا فجرَّ فِرْسِنَه فهو يزحَف. وهي إبلٌ زواحفُ، الواحدة زَاحفة. قال:‏

* على زَوَاحف نُزْجِيَهَا مَحَاسِيرِ(1) *‏

ويقال زَحَفَ الدَّبَا، إذا مضى قُدُماً. والزاحف: السهم الذي يقع دون الغَرَض ثم يزحَف. والله أعلم بالصواب.‏

ـــــــــــــ

(1) للفرزدق في ديوانه 263 واللسان (زحف) وصدره:‏

*على عمائمنا تلقى وأرحلنا *.‏

 

ـ (باب الزاء والخاء وما يثلثهما)

(زخر) الزاء والخاء والراء أصلٌ صحيح، يدلُّ على ارتفاع. يقال: زَخَرَ البحر، إذا طما؛ وهو زاخرٌ. وزخَر النّبات، إذا طال. ويقال أخذ المكان زُخَارِيَّه، وذلك إذا نَمَا النبات وأخرجَ زَهْره. قال ابن مقبل:‏

زُخارِيَّ النّبات كأنَّ فيهِ *** جيادَ العبقريّة والقُطوعِ(1)‏

ــــــــــــــــــــ

(1) قبله في اللسان (زخر):‏

ويرتعيان ليلهما قرارا *** سقته كل مدجنة هموع.‏

 

ـ (باب الزاء والدال وما يثلثهما)

هذا بابٌ لا تكاد تكون الزاء فيه أصليَّة؛ لأنهم يقولون: جاء فلانٌ يضرب أَزْدَرَيْه، إذا جاء فارغاً. وهذا إنما هو أَصْدَرَيْه. ويقولون: الزَّدْو في اللعب، وإنما هو السَّدْو. ويقولون : مِزْدَغَة*، وإنما هي مِصْدَغة. والله أعلم.‏

 

ـ (باب الزاء والراء وما يثلثهما)

(زرع) الزاء والراء والعين أصلٌ يدلُّ على تنمية الشيء. فالزّرع معروف، ومكانه المُزْدَرَع. وقال الخليل: أصل الزّرع التنمية. وكان بعضهم يقولُ: الزَّرع طرح البَذْر في الأرض. والزَّرْع اسمٌ لِمَا نبت. والأصل في ذلك كلّه واحد. وزارِع: كلبٌ.‏

(زرف) الزاء والراء والفاء أصلٌ يدلُّ على سعيٍ وحركة. فالزَّرُوف: النَّاقة الواسعة الخَطو الطويلةُ الرِّجْلين. ويقال: زَرَف، إذا قَفَزَ. ويقال زَرَفْت الرّجلَ عن نفسي إذا نحّيتَه. ومن الباب: الزَّرافات: الجماعات وهي لا تكون كذا إلا إذا تجمّعت لسعيٍ في أمر. ويقال زَرَافَّة، مثقّلة الفاء، وكان الحجّاج يقول: "إيّايَ وهذه الزّرَافات". يريد المتجمّعين المضطربين لفتنةٍ وما أشبهها. ومن الباب زَرِف الجُرح، إذا انتقض بعد البُرْء.‏

(زرم) الزاء والراء والميم أصلٌ يدلُّ على انقطاع وقلّة. يقال زَرِم الدمعُ، إذا انقطَع؛ وكذلك كلُّ شيء. ومن ذلك حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين بال عليه الحسَنُ عليه السلام فقال: "لا تُزْرِمُوا ابني" يقول: لا تَقطَعوا بولَه. زَرِمَ البولُ نفسُه، إذا انقطع. قال:‏

أو كماء المثمودِ بعد جِمامٍ *** زَرِمَ الدّمعِ لا يؤوبُ نَزُورا(1)‏

ويقال إنَّ الزَّرِم البخيل. وهو من ذاك.[و] يقال زَرِمَ الكلب، إذا يبس جَعْرُهُ في دُبُرِه.‏

(زرب) الزاء والراء والباء أصلٌ يدلُّ على بعض المأْوَى. فالزَّرْب زَرب الغنم، وهي حظيرتها. ويقال الزَّرِيبة الزُّبْية. والزَّريبة: قُتْرَة الصائد.‏

(زرد) الزاء والراء والدال حرف واحد، وهو يدلُّ على الابتلاع، والزّاء فيه مبدلةٌ من سين. يقال ازدَرَدَ اللقمة يَزْدَرِدها(2). وممكنٌ أن يكون الزَّرَد من هذا، على أن أصله السين، ومعنى الزّرَّاد السَّرَّاد.‏

(زرح) الزاء والراء والحاء كلمة واحدة. فالزّراوِح: الرَّوابي الصِّغار(3).‏

(زري) الزاء والراء والحرف المعتل يدلُّ على احتقارِ الشيء والتّهاون به. يقال زَرَيْت عليه، إذا عِبْتَ عليه. وأَزْريْتَ به: قصَّرت به.‏

ــــــــــــــــــ

(1) البيت لعدي بن زبد كما في اللسان (زرم) وقد سبق في (ثمد، جم).‏

(2) بعدها في الأصل: "وزرد يزدردها" وهو كلام مقحم.‏

3)) واحدها "زروح" بفتح الزاي وسكون الراء.‏

 

ـ (باب ما جاءَ من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله زاء)

وسبيلُ هذا البابِ سبيلُ ما مضى. فمنه المشتقُّ البيِّنُ الاشتقاق، ومنه ما وُضع وضْعاً.

فمن المشتق الظّاهرِ اشتقاقُه قولهم (الزُّرْقُم)، أجمع أهلُ اللغة أنَّ أصله من الزَّرَق، وأن الميم فيه زائدة.

ومن ذلك (الزُّمَّلِق) و(الزُّمَالِق)، وهو الذي إذا باشر أراق ماءَه قبل أن يجامِع. وهذا أيضاً مما زيدت فيه الميم؛ لأنه من الزَّلَق. وهو من باب أَزْلَقَتِ الأنثى، وذلك إذا لم تقبل رحمُها ماءَ الفحل ورَمت به.

ومن ذلك (الزَّهْمَقَة) وهي الزَّهَم، أو رائحة الزُّهُومة. فالقاف فيه زائدة.

ومن ذلك قولهم (ازْمَهَرَّت) الكواكبُ، إذا لَمَعَتْ. وهذا مما زيدت فيه الميم؛ لأنه من زَهَرَ الشيء، إذا أضاء.

فأما (الزَّرَجُون) ففارسية معرّبة([1])، واشتقاقه من لون الذَّهَب.

ومن ذلك سيل (مُزْلَعِبٌّ)، وهو المُتدافع الكثير القَمْش. وهذا ممّا زِيدت فيه اللام. وهو من السَّيل الزّاعب، وهو الذي يتدافع.

ومن ذلك (الزُّلقوم)، وهو الحلقوم فيما ذكره ابن دريد([2]). فإن كان صحيحاً فهو منحوت من زَلِقَ وزقم، كأنَّ اللقمة تزلَق فيه.

ومن ذلك (الزُّهلُوق([3])) وهو الخفيف، وهو منحوت من زلق وزهق([4])، وذلك إذا تهاوى سِفْلاه.

ومن ذلك (الزُّعْرور) السَّيِّئُ الخُلُق. وهذا ممّا اشتقاقُه ظاهر؛ لأنه من الزّعارَة، والراء *فيه مكرَّرة.

ومن ذلك (الزَّمْجَرة): الصَّوت. والميم فيه زائدة، وأصله من الزّجر.

ومن ذلك قول الخليل: (ازَلَغَبّ([5])) الشعر، وذلك إذا نَبَتَ بعد الحلْق. وازلغَبَّ الطائر. إذا شوَّك([6]). وهذا مما نُحِت من كلمتين، من زَغَب ولَغَب. والزَّغب معروف، واللَّغْب: أضعف الريش.

ومن ذلك (الزَّغْدَب)، وهو الهدير الشديد، حكاه الخليل. وأمرُ هذا ظاهر. لأن الباء فيه زائدة. والزَّغْد: أشدّ الهدير.

ومن ذلك (الزَّغْبَد)([7]).

ومن ذلك (الزَّرْدَمَة([8])): موضع الازدرام، وهو الابتلاع. فهذا مما زيدت فيه الميم. لأنّه من زَرِدت الشيء.

ومن ذلك (ازْرَأَمَّ) الرجلُ فهو (مزرئمّ)، إذا غضب. وهذا مما زيدت فيه الهمزة، وهو من زَرِم، إذا انقطع، كذلك إذا غضب تغيَّر خُلقه وانقطع عمّا عُهد منه.

ومن ذلك (الزَّغْرَب) وهو الماء الكثير. فهذا مما زِيدت فيه الزّاء، والأصل راجع إلى الغَرَب، وهو من باب كثرة الماء.

ومما وُضع فيه وضعا (الزَّنْتَرَة): ضِيق الشيء. و(الزَّعْفقة([9])): سوء الخُلق. و(الزِّعْنِف): الرجل اللئيم. و(زعانف) الأديم: أطرافه.

ومما وُضع وضعاً وبعضُه مشكوك في صحته (الزِّبرج)، و(الزَّعْبَج). فالزِّبرِج: الزينة. والزَّعْبَج: سحاب رقيق.

حدثنا عليّ بن إبراهيم، قال: حدثنا عليّ بن عبد العزيز، قال: حدثنا أبو عبيد، قال: قال الفراء: الزَّعبج السحاب الرقيق. قال أبو عبيد: وأنا أنكر أن يكون الزَّعبَج من كلام العرب، والفرّاء عندي ثِقة.

وأمّا (الزَّمْهَرير) فالبرد، ممكنٌ أن يكون وضع وضعاً، وممكنٌ أن يكون مما مضى ذكره، من قولهم: ازمهرَّت الكواكب؛ وذلك أنّه إذا اشتدَّ البرد زَهَرت إذاً [و] أضاءت.

ومن ذلك (الزَّرْنَب):  ضرب من الطِّيب([10]). و(الزَّبَنْتَر([11])) القصير. و(الزِّخْرِط): مُخاط النعجة. و(الزُّخْرُف): الزينة. ويقال الزُّخْرُف الذهب. وزخارف الماء: طرائقُ تكونُ فيه.

و(زمْخَرَ) الصوت: اشتد. والزَّمْخَرة: الزَّمَّارة. و(الزَّمْخَر([12])): القصب الأجوف الناعم من الرّيّ. والزَّمْخر: نُشَّاب العَجَم. والزَّمْخَر: الكثير الملتفّ من الشجر. وممكن أن يكون الميم فيه زائدة، ويكون من زَخَرَ النبات. وقد مضى ذكره. والله أعلم.

(تم كتاب الزاء)

ـــــــــــــــــ

([1]) هي بالفارسية "زركون". و"زر" بمعنى الذهب. و"كون" لون، فمعناه لون الذهب. انظر اللسان والمعرب 165، ومعجم استينجاس 615. والزرجون في العربية: الخمر، وقضبان الكرم في لغة أهل الطائف وأهل الغور. وقال ابن شميل: الزرجون شجر العنب،  كل شجرة زرجونة.

([2]) الجمهرة: (3: 379).

([3]) هذه الكلمة مما فات صاحب اللسان. وقد وردت في المجمل والقاموس والجمهرة (3: 381).

([4]) في الأصل: "زعق"، تحريف.

([5]) وردت في الأصل بالعين المهملة في هذا الموضع وتاليه. والصواب ما أثبت.

([6]) في اللسان: "ازلغب الطائر: شوك ريشه قبل أن يسود".

([7]) لم يفسره. وفي اللسان "الزغبد: الزبد"، وأنشد:

صبحونا بزغبد وحتى ***  بعد طرم وتامك وثمال

([8]) الزردمة: الغلصمة، وقيل هي فارسية.

([9]) الزعفقة: بالعين المهملة. ووردت في الأصل بالمعجمة محرفة.

([10]) هو الزعفران. وقيل الزرنب: ضرب من النبات طيب الرائحة.

([11]) في الأصل: "الزبتر" تحريف، صوابه من المجمل واللسان.

([12]) وردت هذه الكلمة والكلمتان قبلها بالجيم، صوابهما بالخاء المعجمة كما أثبت.

 

كتاب السّين:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب  وأوله سين في المضاعف والمطابق)

(سع) السين والعين في المضاعف والمطابق يدلُّ على أصل واحد، وهو ذَهاب الشيء. قال الخليل: يقال تَسَعْسَع الشَّهر، إذا ذهب أكثره، ويقال: تَسَعْسَع الرجل من الكِبَر، إذا اضطرب جسمه. قال:

* يا هندُ ما أسرعَ ما تَسَعسعا([1]) *

(سغ) السين والغين أصلٌ يدل على دَرْج الشيء في الشيء باضطرابٍ وحركة. من ذلك سَغْسَغْتُ رأسي بالدُّهْنِ، إذا روَّيته. قال الخليل وغيره: سغسغت الشَّيء في التراب، إذا دَحدحتَه فيه. وأما قولهم: تَسَغْسَغَت ثَنِيّته، فممكنٌ أن يكون من الإبدال، ومن الباب الذي قبل هذا.

(سف) السين والفاء أصلٌ واحد، وهو انضمام الشيء إلى الشيء ودنوُّه منه، ثم يُشتَقّ منه ما يقاربه.

من ذلك أسفَّ الطائرُ، إذا دنا من الأرض في طيرانه. وأسفَّ الرجل للأمر، إذا قارَبَهُ. ويُقال أسفَّت السحابةُ، إذا دَنَت من الأرض. قال أوسٌ يصف السّحاب:

دانٍ مِسفٌّ فويق الأرض هَيْدَبُه *** يكاد يدفعُهُ مَنْ قام بالرّاحِ([2])

ومن الباب: أَسَفَّ الرجل النَّظرَ، إذا أدامَه. ومنه السَّفْساف: الأمر الحقير. وسمِّي بذلك لأنَّه مِنْ أسَفَّ الرجل للأمر الدنيّ. ومن ذلك المُسَفْسِفَةُ، وهي الريح التي تجري فوَيقَ الأرض. والسِّفّ([3]): الحَيَّة التي تسمَّى الأرقم، وذلك أنّه يلصق بالأرض لُصوقاً في مَرِّهِ. فالقياس في هذا كلِّه واحد. وأمّا* سَففت الخوص والسَّفيف: بِطانٌ يشدُّ به الرَّحْل، فمن هذا؛ لأنَّه إذا نُسِجَ فقد أدْنِيَتْ كلُّ طاقةٍ منه إلى سائرها.

ومما يجوز أن يُحمَل على الباب ويجوزُ أن يكون شاذّاً، قولك: سفِفْتُ الدواء أسَفّه. ويقال أَسَفَّ وجهَه، إذا ذرَّ عليه الشيء([4]). قال ضابئ([5]) يذكر ثورا:

شديد بريقِ الحاجبَينِ كأنّما *** أُسِفَّ صَلَى نارٍ فأصبَحَ أكحلا

(سك ) السين والكاف أصلٌ مطّرد، يدلُّ على ضِيق وانضمام وصِغَر. من ذلك السَّكَك، وهو صِغَر الأُذُن. وهذه أذنٌ سَكَّاء. ويقال استكَّت مسامعه؛ إذا صَمَّت. قال النابغة:

وخُبِّرْتُ، خَيْرَ الناسِ، أنَّك لُمتَني *** وتلك التي تسْتَكّ مِنْها المسامِعُ([6])

والسّكّة: الطريقة المصطفّة من النخل. وسمّيت بذلك لتضايقها في استواء. ومن هذا اشتقاق سكّة الدراهم، وهي الحديدة؛ لتضايُق رَسم كتابتها. والسَّكّ: أن تَضُبَّ البابَ بالحديد. والسَّكّيّ: النّجّار([7]). ويقال إن السُّكَّ من الرّكايا المستوية الجِرَاب([8]). ويقال السُّكُّ: جُحر العقرب. ويقال للدِّرع الضّيقة أو الضيقة الحَلَق: سُكٌّ.  ويقال للنبت إذا انسدَّ خَصَاصُه([9]): قد استَكّ. والقياس مطّردٌ في جميع ما ذكرناه.

ومما حُمل عليه ماحكاه ابنُ دريد([10]): سَكَّه يَسُكُّه سَكّاً، إذا اصطلَمَ أذنَيه.

ومما شذّ عن الباب: السُّكاك: اللُّوح بين السّماء والأرض. والسُّكُّ: الذي يُتطيَّبُ به. ويقال إنَّه عربيٌّ صحيح.

(سل) السين واللام أصلٌ واحد، وهو مدُّ الشيء في رِفْق وخَفاء، ثم يُحمَل عليه. فمن ذلك سَلَلْتُ الشيء أسلُّه سَلاًّ. والسَّلَّة والإسلال: السَّرقة. وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم حين كتب: "لا إِغْلاَلَ ولا إِسْلاَل"([11]). فالإغلال : الخيانة. والإسلال: السرقة.

ومن الباب: السَّليل: الولد؛ كأنَّه سُلَّ من أُمّه سَلاًّ. قالت امرأةٌ من العرب في ابنها:

سُلَّ مِنْ قلبي ومن كبدي *** قمراً مِن دونه القَمرُ

وممّا حُمل عليه السِّلْسِلَة، سمّيت بذلك لأنها ممتدة في اتّصال. ومن ذلك تَسَلْسَل الماء في الحلْق، إذا جرى. وماءٌ سَلْسَلٌ وسَلْسَالٌ وسُلاسِل. قال الأخطل:

إذا خاف مِنْ نجمٍ عليها ظَمَاءَةً *** أمَالَ إليها جدوَلاً يَتَسَلْسَلُ([12])

قال بعضُ أهل اللغة: السَّلْسَلَة اتّصال الشيء بالشيء، وبذلك سُمّيت سِلسلة الحديد، وسِلسِلة البرق المستطيلة في عَرض السحاب. والسَّالُّ: مَسِيل في مَضيق الوادي، وجمعه سُلاّنٌ، كأنَّ الماء ينسَلُّ منه أو فيه انْسِلالا. ويقال: فرسٌ شديد السَّلَّة، وهي دَفعته في سِباقه([13]). ويقال: خَرَجَت سَلَّته على جميع الخيل. والمِسلَّة معروفة؛ لأنّها تسلّ الخيط سَلاًّ. والسُّلاَّءَة من الشوك مِنْ هذا أيضاً، لأن فيها امتداداً. ومنه السُّلاَل من المرض، كأن لحمه قد سُلَّ سَلاًّ منه، أسَلّه الله.

(سن([14])) السين والنون أصلٌ واحد مطرد، وهو جريَان الشيء وإطرادُهُ في سهولة، والأصل قولهم سَنَنْتُ الماءَ على وجهي أَسُنُّهُ سَنَّاً، إذا أرسلتَه إرسالاً. ثمَّ اشتُقَّ منه رجل مسنون الوجه، كأنَّ اللحم قد سُنَّ على وجهه. والحَمَأُ المسنون من ذلك، كأنه قد صُبَّ صَـبّاً.

ومما اشتقَّ منه السُّنَّة، وهي السّيرة. وسُنَّة رسول الله عليه السلام: سِيرته. قال الهذلي([15]):

فلا تَجْزَعَنْ من سُنَّةٍ أنت سرْتَها *** فأوَّلُ راضٍ سُنَّةً من يسيرُها

وإنّما سمِّيَت بذلك لأنها تجري جرياً. ومن ذلك قولهم: امضِ على سَنَنِك وسُنَنِك([16])، أي وجهك. وجاءت الريح سَنائِنَ، إذا جاءتْ على طريقة واحدة. *ثمَّ يحمل على هذا: سنَنْتُ الحديدة أسُنُّها سَنّاً. إذا أمْرَرْتَها على السِّنان. والسِّـنَان هو المِسَنّ. قال الشاعر:

* سِنَانٌ كحدِّ الصُّلَّبيِّ النَّحِيضِ([17]) *

والسِّنان للرُّمح من هذا؛ لأنّه مسنون، أي ممطول محدّد. وكذلك السَّناسِنُ، وهي أطراف فَقار الظهرِ، كأنَّها سُنّت سَنّاً.

ومن الباب: سِنُّ الإنسانِ وغيره مشبّه بسنان الرّمح. والسَّنون: ما يُسْتاك به؛ لأنَّه يُسَنُّ به الأسنان سَنّاً. فأمّا الثّور([18]). فأمّا قولهم: سَنَّ إبلَه، إذا رعاها، فإنّ معنى ذلك أنّه رعاها حَتى حسُنَت بَشَرتُها، فكأنّها قد صُقِلَتْ صَقْلاً، كما تُسنّ الحديدة. هذا معنى الكلام، ويَرجِعُ إلى الأصل الذي أصّلناه.

(سم([19])) السين والميم الأصل المطّرد فيه يدلُّ على مدخلٍ في الشيء، كالثَّقب وغيره، ثم يشتقّ منه. فمن ذلك السَّم والسُّم: الثّقب في الشّيء. قال الله عز ذكره: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الخِيَاطِ} [الأعراف 40]، والسُّم القاتل، يقال فتحاً وضمّاً. وسمِّي بذلك لأنّه يرسُب في الجسم ويداخلُهُ، خِلافَ غيرهِ ممّا يذاق.

والسَّامّة: الخاصّة، وإنّما سُمّيت بذلك لأنّها تَدَاخَلُ بأُنْسٍ لا يكون لغيرها والعرب تقول: كيف السَّامّة والعامّة؟ فالسَّامَّة: الخاصّة.

والسَّموم: الريح الحارّة، لأنَّها أيضاً تُداخِل الأجسامَ مداخَلةً بقوة. والسّمّ: الإصلاح بين الناس، وذلك أنّهم يتباينون ولا يتداخلون، فإذا أُصلح بينهم تداخَلُوا.

وممّا شذَّ عن الباب: السَّمّ: شيءٌ كالوَدَعِ يخرج من البحر. والسَّمْسام: طائر. والسَّمْسَم: الثّعلب. والسُّمْسُمَانِيّ: الرجل الخفيف. والسَّماسم: النَّمل الحُمْر، الواحدة سِمْسِمَة. والسِّمْسِمُ: حبّ.

ويمكن أن يَحمِل هذا الذي ذكرناه في الشذوذ أصلاً آخر يدلُّ علىخفّة الشيء. ومما شذّ عن الأصلين جميعاً قولهم: "ما لَهُ سَُمٌّ  ولا حَُمٌّ غيرك"، أي ما لَه همٌّ سواك.

(سب) السين والباء حَدّهُ بعضُ أهل اللغة ـ وأظنّه ابنَ دريد([20]) ـ أنَّ أصل هذا الباب القَطع، ثم اشتقَّ منه الشَّتم. وهذا الذي قاله صحيح. وأكثر الباب موضوعٌ عليه. من ذلك السِّبّ: الخِمار، لأنّه مقطوع من مِنْسَجه.

فأمّا الأصل فالسَّبّ العَقْر؛ يقال سَبَبْت الناقة، إذا عقرتَها. قال الشاعر([21]):

فما كان ذنبُ بني مالكٍ *** بأنْ سُبّ منهم غلامٌ فَسبّْ

يريد معاقرة غالب بن صعصعة وسُحيم([22]). وقوله سُبَّ أي شُتِمَ. وقولـه سَبّ أي عَقَر. والسَّبّ: الشتم، ولا قطيعة أقطع من الشَّتِم. ويقال للذي يُسابّ سِبّ. قال الشاعر([23]):

لا تَسُبَّنَّنِي فلستَ بِسبّي *** إنَّ سَبِّي من الرجال الكريمُ([24])

ويقال: "لا تسبُّو الإِبلَ، فإنَّ فيها رَقوءَ الدّم([25])"، فهذا نهيٌّ عن سبّها، أي شتمها. وأما قولهم للإبل: مُسَبَّبَة فذلك لما يقال عند المدح: قاتلَها الله فما أكرمها مالاً! كما يقال عند التعجُّب من الإنسان: قاتله الله! وهذا دعاءٌ لا يراد به الوقوع. ويقال رجل سُبَبَة، إذا كانَ يسُبُّ الناسَ كثيراً. ورجل سُبَّة، إذا كان يُسَبُّ كثيراً. ويقال بين القوم أُسْبُوبة يتسابُّون بها. ويقال مضت سَبَّة من الدهر، يريد مضت قطعة منه.. ([26])

* وذكرك سَبَّاتٍ إليَّ عجيبُ([27]) *

وأما الحبل فالسّبب، فممكن أن يكون شاذّاً عن الأصل الذي ذكرناه، ويمكن أن يقال إنَّه أصلٌ آخَر يدلُّ على طول وامتداد.

ومن ذلك السَّبَب. ومن ذلك السِّبُّ، وهو الخِمار الذي ذكرناه. ويقال للعمامة أيضاً سِبّ. والسِّبّ: الحبل  أيضاً في قول الهذليّ([28]):

* تدلَّى عليها بين سِبٍّ وخَيْطة([29]) *

ومن هذا الباب السِّبسب، وهي المفازة الواسعة، في قول أبي دُؤاد:

وخَرْقٍ سَبْسَبٍ يجري *** عليه مَوْرُهُ سَهْبِ([30])

فأمّا السَّباسِب فيومُ عيدٍ لهم. ولا أدري مِمَّ اشتقاقه. قال:

* يُحَيَّوْن بالرَّيحانِ يومَ السَّباسبِ([31]) *

(ست) السين والتاء ليس فيه إلا ستّة*  وأصل التاء دال. وقد ذكر في بابه.

(سج) السين والجيم  أصلٌ يدلُّ على اعتدالٍ في الشيء واستواء. فالسَّجْسج: الهواء المعتدل الذي لا حرَّ فيه ولا بردَ يُؤذي.

ومن ذلك الحديث: "إنَّ ظِلَّ الجنة سَجْسَجٌ". ويقال أرض سجسج، وهي السَّهلة التي ليست بالصُّلْبة. قال:

*والقوم قد قطعوا مِتَانَ السَّجْسَجِ*([32])

ويقال ـ وهو من الباب ـ سَجَّ الحائطَ بالطِّين، إذا طلاهُ به وسوَّاه. وتلك الخشبة المِسَجَّة. والسَّجَاج: اللّبَن الرقيق الصّافي.([33])

ومما يقرب  من هذا الباب الكبشُ السّاجِسِيُّ، وهو الكثير الصُّوف.

ومما شذّ عن الأصل قولُهم: لا أفعل ذلك سَجِيسَ الليالي، وسَجِيسَ الأوْجَسِ، أي أبداً. وماءٌ سَجَِس([34])، أي متغيّر. والسَّجَّة: صنمٌ كان يُعبَد في الجاهلية. وفي الحديث: "أخرِجوا صدقاتِكم؛ فإنَّ الله عزَّ ذكرُهُ قد أراحكم من الجَبْهَة والسَّجَّة والبَجَّة"([35]). وتفسيره في الحديث أنها أسماءُ آلهة كانوا يعبدونها في الجاهليَّة.

(سح) السين والحاء أصلٌ واحد يدلُّ على الصَّبّ، يقال سححت [الماء] أسُحُّ سَحّاً. وسَحَابَةٌ سحوح، أي صَبَّابة. وشاةٌ ساحٌّ، أي سمينة، كأنّها تَسُحّ الودكَ سَحّاً. وفرس مِسَحٌّ، أي سريعةٌ يشبه عدوُها انصبابَ المطر. ويقال سَحسَح الشيء، إذا سال. ويقال إن السحسحة هي السَّاحة([36]).

(سخ) السين والخاء أصلٌ فيه كلمة واحدة. يقال إن السَّخَاخ. الأرض اللَّيِّنة الحُرَّة. وذكروا ـ إن كان صحيحاً ـ سَخَّت الجرادة، إذا غرزت بذنبها في الأرض.

(سد) السين والدال أصل واحد، وهو يدلُّ على ردم شيء ومُلاءَمَته من ذلك سدَدت الثُّلمة سدَّاً. وكلُّ حاجزٍ بين الشيئين سَدٌّ. ومن ذلك السَّديد، ذُو السَّداد، أي الاستقامة([37])؛ كأنّه لا ثُلْمة فيه. والصَّواب أيضاً سَداد. يقال قلتُ سَدَاداً.  وسَدَّدَهُ الله عزَّ وجلَّ. ويقال أسَدَّ الرجلُ، إذا قال السَّداد. ومن الباب: "فيه سِدادٌ من عَوَز" بالكسرة. وكذلك سِداد الثُّلمة والثَّغر. قال:

أضاعُوني وأيَّ فتىً أضاعُوا *** ليومِ كريهةٍ وسِدَادِ ثغرِ([38])

والسُّدَّة كالفِناء حول البيت. واستدَّ الشيء، إذا كان ذا سَداد. ويقال: السُّدَّة الباب. وقال الشاعر:

تَرَى الوفودَ قياماً عند سُدَّتِهِ *** يَغْشَوْنَ بابَ مَزُورٍ غيرِ زَوَّارِ([39])

والسُّدَاد: داءٌ يأخذ في الأنف يمنع النَّسيم. والسَّدّ والسُّدُّ: الجراد يملأ الأفق. وقولهم السُّدة: الباب، لأنَّه يُسَدّ، وفي الحديث في ذكر الصَّعاليك: "الشعث رؤوساً  الذين لا يُفْتَحُ لهم السُّدَد".

(سر) السين والراء يجمع فروعَه إخفاءُ الشيء. وما كان من خالصه ومستقرِّه. لا يخرج شيءٌ منه عن هذا. فالسِّرّ: خلاف الإعلان. يقال أسْرَرت الشيءَ إسراراً، خلاف أعلنته. ومن الباب السِّرّ، وهو النِّكاح، وسمِّي بذلك لأنَّه أمرٌ لا يُعْلَن به. ومن ذلك السِّرَار والسَّرَار، وهو ليلةَ يستسرّ الهلال، فربما كان ليلة، وربماكان ليلتين إذا تمّ الشهر. ومن ذلك الحديث: "أنّه سأل رجلاً هل صُمْتَ مِنْ سِرَارِ الشَّهر شيئاً؟"، قال: لا، فقال: "إذا أفطرتَ رمضانَ فصُمْ يومين". قال في السِّرار:

نحنُ صَبَحْنا عامراً في دارِها ***

جُرداً تَعَادَى طَرَفي نهارِها

عَشِيَّةَ  الهِلال أو سَِرَارها([40])

وحدّثني محمد بن هارون الثّقفي، عن عليّ بن عبد العزيز، عن أبي الحسن الأثرم، عن أبي عبيدة قال: أسررت الشيء: أخفيته. وأسررته: أعلنته. وقرأ:{وأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ}  [يونس 54]. قال: أظهروها. وأنشد قول امرئ القيس:

* لو يُسِرُّون مَقْتَلي([41]) *

أي لو يُظهرون. ثم حدّثني بعضُ أهل العلم، عن أبي الحسن عبد الله بن سفيان النحويّ قال: قال الفرَّاء: أخطأ أبو عبيدة التفسيرَ، وصحّف في الاستشهاد. أمَّا *التفسير فقال: أَسَرُّو النّدامة أي كتموها خوف الشَّماتة. وأمّا التصحيف فإنما قال امرؤ القيس:

* لو يُسِرُّون مَقتلي *

أي لو يظهرون. يقال أشْرَرت الشيءَ، إذا أبرزتَه، ومن ذلك قولهم أشْرَرت اللحمَ للشّمسِ. وقد ذُكِر هذا في بابه.

وأمّا الذي ذكرناه من مَحض الشيء وخالِصِهِ  ومستقرّهِ، فالسِّر: خالص الشيء. ومنه السُّرور؛ لأنه أمرٌ خالٍ من الحزْنِ. والسُّرَّة: سُرَّة الإنسان، وهو خالص جسمه وليّنه. ويقال قطع عن الصبي سَِرَرُه([42])، وهو [السُّرُّ]([43])، وجمعه أسِرَّة. قال أبو زيد: والسِّرَر: الخطّ من خطوط بطن الراحة. وسَرَارَة الوادي وسِرُّه: أجوده. وقال الشاعر:

هَلاَّ فوارسَ رحرحانَ هجوتَهم *** عُشَراً تناوَحَ في سَرارَةِ وادِ

يقول: لهم منظر وليس لهم مخبر. والسَّرَرُ: داءٌ يأخذ البعير في سُرَّتِهِ. يقال: بعيرٌ أَسَرّ. والسَّرُّ: مصدر سررت الزَّنْدَ، وذلك أن يبقى أَسَرَّ، أي أجوف، فيُصلَح. يقال سُرَّ زَنْدُكَ فإنّه أسرُّ. ويقال قَنَاة سَرَّاءُ، أي جوفاء. وكل هذا من السُّرَّة والسَّرَر، وقد ذكرناه.

فأمَّا الأسارير، وهي الكسور التي في الجبهة، فمحمولةٌ على أساريرَ السُّرَّة، وذلك تكسُّرها. وفي الحديث: "أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل على عائشة تبرقُ أساريرُ وجهه". ومنه أيضاً مما هو محمولٌ على ما ذكرناه: الأسرار: خطوط باطن الراحة، واحدها سِرّ. والأصل في ذلك كلّه واحد، قال الأعشى:

فانظرْ إلى كفٍّ وأسرارِها *** هل أنتَ إن أوعدتَني ضائري([44])

فأمّا أطرافُ الرّيحان فيجوز أن تسمَّى سُروراً لأنّها أرطَبُ شيء فيه وأغضَّه. وذلك قوله([45]):

كَبَردِيَّة الغِِيل وَسْطَ الغَرِيفِ *** إذا خالطَ الماءُ منها السرورا([46])

وأمَّا الذي ذكرناه من الاستقرار، فالسَّرير، وجمعهُ سرُر وأَسِرَّة. والسرير: خفض العيش؛ لأنّ الإنسان يستقرّ عنده وعندَ دَعَتَه. وسرير الرأس: مستقَرُّهُ. قال:

* ضرباً يُزيل الهامَ عن سريرِه *([47])

وناسٌ يروُون بيت الأعشى:

* إذا خالطَ الماءُ منها السريرا *

بالياء([48])، فيكون حينئذٍ تأويله أصلَها الذي استقرّت عليه، وأنشدوا قول القائل:

وفارقَ منها عِيشةً  دَغْفَلِيّةً *** ولم تَخْشَ يوماً أن يزولَ سريرُها([49])

والسِّرر من الصبي والسَّرر: ما يقطع. والسُّرة: ما يبقى. ومن الباب السَّرير: ما على الأكمَة من الرَّمل.

ومن الباب الأول سِرّ النسب، وهو محضُهُ وأفضلُهُ. قال ذو الأصبع:

وهم مَنْ وَلَدُوا أَشبَوْا *** بسِرِّ النّسب المحضِ([50])

ويقال السُّرسُور: العالم الفطن، وأصله من السِّر، كأنّه اطّلع على أسرار الأمور. فأما السُّرِّيَّة فقال الخليل: هي فُعليّة. ويقال يتسرَّر، ويقال يتسرَّى. قال الخليل: ومن قال يتسرَّى فقد أخطأ. لم يزد الخليلُ على هذا. وقال الأصمعي السُرِّية من السِّرّ، وهو النّكاح؛ لأنَّ صاحبها اصطفاها للنكاح لا للتجارة فيها. وهذا الذي قاله الأصمعيّ، وذكر ابن السِّكيت في كتابه. فأمّا ضمّ السين في السُّرّية فكثيرٌ من الأبنية يغيَّر عند النسبة، فيقال في النسبة إلى الأرض السَّهلة سُهْليّ، وينسب إلى طول العمر وامتدادِ الدَّهر فيقال دُهريّ. ومثل ذلك كثير. والله أعلم.

ــــــــــــــــــ

([1]) لرؤبة في ديوانه 88 واللسان (سعع) وقبله.

* قالت ولم تأل به أن يسمعا *

وبعده:                             * من بعد ما كان فتى سرعرعا *.

([2]) سبق البيت وتخريجه في (2: 457).

([3]) السف: بكسر السين وضمها.

([4]) في المجمل: "إذا ذر عليه شيء"، وفي اللسان: "وأسف وجهه النؤور، أي ذر عليه".

([5]) ضابئ بن الحارث البرجمي. وفي الأصل: "الصابي" صوابه من المجمل واللسان، حيث أنشد البيت.

([6]) ديوان النابغة 52، والمجمل واللسان (سكك)، برواية: "أتاني أبيت اللعن".

([7]) السكي، بالفتح والكسر، وقيل هو المسمار وقيل الدينار، وقيل البريد، وقيل الحداد، وقيل البواب، وقيل الملك.

([8]) في الأصل" الخراب"، صوابه من المجمل واللسان.

([9]) في الأصل: "للبيت إذا اشتد خصاصه"، صوابه من المجمل واللسان.

([10]) الجمهرة (1: 94).

([11]) من كتاب الحديبية حين وادع أهل مكة.

([12]) ديوان الأخطل. والمجمل (سلل).

([13]) في الأصل: "ساقته"، صوابه من المجمل واللسان.

([14]) كذا وردت  هذه المادة سابقة لتاليتها، وهي في المجمل على الترتيب المطرد.

([15]) هو خالد بن زهير الهذلي. انظر ديوان أبي ذؤيب 157، ونسخة الشنقيطي من الهذليين 30، وفي اللسان: "خالد بن عتبة الهذلي".

([16]) ويقال أيضاً بفتح فكسر، وبضمتين.

([17]) لامرئ القيس في ديوانه 110 واللسان (نحض، صلب). وصدره:

* يباري شباة الرمح خد مذلق *.

([18]) كذا في الأصل

([19]) كذا وردت هذه المادة، وحقها التقدّم على سابقتها، وآثرت إبقاءها في الترتيب كما هي محافظة على أرقام الأصل.

([20]) هو ابن دريد كما ظن، انظر الجمهرة: (1: 31).

([21]) هو ذو الخرق الطهوي، كما في اللسان (سبب).

([22]) سحيم بن وثيل الرياحي، انظر الخزانة (1: 129، 462).

([23]) هو عبد الرحمن بن حسان، يهجو مسكيناً الدارمي.

([24]) في الأصل: "الكرام"، صوابه من المجمل واللسان والمخصص (12: 175).

([25]) تمام الحديث في  اللسان (رقأ): "مهر الكريمة". أي إنها تعطى في الديات بدلاً من القود، فتحقن بها الدماء ويسكن بها الدم.

([26]) في الكلام سقط، تقديره: "والسبة: العار. وأنشد".

([27]) لحميد بن ثور في ديوانه 51. وانظر ما سبق في (تلع).

([28]) هو أبو ذؤيب الهذلي ديوانه 79 واللسان (سبب، خيط، وكف). وقد سبق في (1: 234).

([29]) عجزه:                                       * بجرداء مثل الوكف يكبو غرابها *.

([30]) البيت مطلع قصيدة له في الأصمعيات 8 ليبسك.

([31]) للنابغة الذبياني كما سبق (1: 140). وصدره:

*رقاق النعال طيب حجزاتهم *

([32]) للحارث بن حلزة اليشكري، كما في اللسان (رجل، متن، سجج). وصدره:

* أنى اهتديت وكنت غير رجيلة *

والبيت من قصيدة له في المفضليات (2: 55).

([33]) وقيل الذي ثلثه لبن وثلثاه ماء. وأنشد:

يشربه محضاً ويسقي عياله *** سجاجا كأقراب الثعالب أورقا

([34]) بالتحريك، وبفتح فكسر، ويقال سجيس: أيضاً. على أن حق هذه الكلمات أن تكون في مادة (سجس)،  لكن هكذا وردت في الأصل والمجمل.

([35]) ورد في الحديث في مادة (بجج، سجج، جبه). وروي في الموضع الأول: "من الشجة والبجة"، وقد فسر بتفاسير أخر.

([36]) في الأصل: "سمى الساحة". وفي المجمل: "ويقال إن السحسحة الساحة".

([37]) في الأصل: "والسداد إلى الاستقامة".

([38]) للعرجي، كما في اللسان (سدد).

([39]) أنشد البيت في المجمل أيضاً.

([40]) الرجز في اللسان (سرر).

([41]) من معلقته والبيت بتمامه:

تجاوزت أحراساً إليها ومعشراً *** علي حراصاً لو يسرون مقتلي

([42]) يقال بالتحريك، وبكسر ففتح.

([43]) التكملة من المجمل.

([44]) ديوان الأعشى 107 واللسان (سرر 24).

([45]) الأعشى، ديوانه 67، واللسان (سرر).

([46]) ويروى: "السريرا" أي شحمة البردي.

([47]) بعده في اللسان (سرر): * إزالة السنبل عن شعيره *.

([48]) ويروى أيضاً: "السرورا"، بالواو كما سبق.

([49]) في اللسان (6: 26): "ولم تخش يوماً".

([50]) وكذا في المجمل (سر)، وأشبوه: رفعوه. وفي اللسان (شبا): "إن ولدوا أشبوا"، يقال أشبى الرجل، إذا أنجب ولداً مثل شبا الحديد. وبعض هذه القصيدة في الأصمعيات 37 ليبسك.

 


ـ (باب السين والطاء وما يثلثهما)

(سطع) السين والطاء والعين أصلٌ يدلُّ على طول الشيء وارتفاعِهِ في الهواء. فمن ذلك السَّطع، وهو طول العنق. ويقال ظليم أسطَعُ، ونَعامة سَطْعاء. ومن الباب السِّطاع، وهو عمود من عُمُد البيت. قال القطاميّ:

أليسُوا بالأُولى قَسَطوا جميعاً  *** على النُّعمانِ وابتدروا السِّطاعا([1])

ويقال سَطَع الغبارُ* وسطعت الرائحة، إذا ارتفعت. والسَّطْع: ارتفاع صوت الشيء إذا ضربتَ عليه شيئاً. يقال سطعَه. ويقال: إنَّ السَّطيع الصبح. وهذا إنْ صحَّ فهو من قياس الباب؛ لأنه شيء يعلو ويرتفع. فأما السِّطاع في شعر هذيل فهو جَبَل بِعينه([2]).

(سطل) السين والطاء واللام ليس بشيء. على أنَّهم يسمُّون إناء من الآنية سَطلاً وسَيْطلا.

(سطم) السين والطاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على أصل شيء ومجتمَعِهِ. يقولون: الأسطمّ: مجتمع البحر. ويقال هذه أُسْطُمَّةُ الحَسَب، وهي واسطته. والناس في أُسطُمّة الأمر. ويقال إنَّ الأسطمّ والسِّطام: نَصل السيف. وفي الحديث: "سِطَام الناس" أي حَدُّهم.

(سطن) السين والطاء والنون، هو على مذهب الخليل أصلٌ، لأنه يجعل النون فيه أصلية. قال الخليل: أُسْطُوانة أُفْعُوَالة. تقول هذه أساطينُ مُسَطَّنة. قال: ويقال جملٌ أُسطوانٌ، إذا كان مرتفعاً. قال:

* جَرَّبْنَ منِّي أُسطواناً أَعْنَقَا([3]) *

(سطا) السين والطاء والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على القهر والعلوّ. يقال سطا عليه يسطو، وذلك إذا قهره ببطش. ويقال فرسٌ ساطٍ، إذا سطا على سائر الخيل. والفحلُ يسطو على طَرُوقته. ويقال سطا الرَّاعي على الشاة، إذا مات ولدُها في بطنها فسطا عليها فأخرجَه. ويقال سطا الماء، إذا كثُر. وقال بعض أهل اللغة في الفرس السَّاطي: هو الذي يرفع ذنبه في الحُضْر. قال الشيبانيّ:  السَّاطي: البعير إذا اغتلم خرج من إبلٍ إلى إبل. قال:

* هامته مثل الفَنيق السَّاطِي([4]) *

(سطح) السين والطاء والحاء أصلٌ يدلّ على بسط الشيء ومَدّه، من ذلك السَّطْح معروف. وسَطح كلِّ شيء: أعلاه الممتدُّ معه. ويقال انْسَطَح الرجلُ، إذا امتدَّ على قفاه فلم يتحرَّك، ولذلك سمِّي المنبسط على قفاه من الزَّمانة سَطيحاً. وسطيحٌ الكاهن سُمّي سطيحاً لأنه كذلك خُلِقَ بلا عَظْم. والمَسْطَح، بفتح الميم: الموضع الذي يبسط فيه التَّمر. والمِسطح، بكسر الميم: الخِباء، والجمع مساطح. قال الشاعر:

تَعَرَّضَ ضَيْطَارُو خُزاعةَ دوننا  *** وما خير ضَيْطارٍ يقلِّبُ مِسطَحا([5])

وإّنّما سمِّيَ بذلك لأنه تمدُّ الخيمةُ به مَدَّا. والسَّطيحة: المزادة، وإنّما سمِّيت بذلك لأنّه إذا سقط انسطح، أي امتَدَّ. والسُّطَّاح: نبت من نبات الأرض، وذلك أنّه ينبسط على الأرض.

(سطر) السين والطاء والراء أصلٌ مطّرد يدلُّ على اصطفافِ الشيء، كالكتاب والشجر، وكلِّ شيء اصطَفَّ. فأمَّا الأساطير فكأنها أشياءُ كُتبت من الباطل فصار ذلك اسماً لها، مخصوصاً بها. يقال سَطَّر فلانٌ علينا تسطيراً، إذا جاء بالأباطيل. وواحد الأساطير إسطار وأُسطورة.

ومما شذ عن الباب المُسَيطِر([6])، وهو المتعهّد للشيء المتسلّط عليه.

ــــــــــــــــــــ

([1]) ديوان القطامي 41 واللسان (سطع). وفي شرح الديوان: "أراد قتل عمرو بن كلثوم عمرو بن هند".

([2]) يعني في قول صخر الغي الهذلي. اللسان (سطع):

فذاك السطاع خلاف النجا *** ء تحسبه ذا طلاء نتيفا

وقصيدته في شرح السكري للهذليين 42 ونسخة الشنقيطي 57.

([3]) لرؤبة في اللسان  (سطن).

([4]) لزياد الطماحي، كما في اللسان (سطا).

([5]) البيت لمالك بن عوف النصري، كما في اللسان (سطح، ضطر). وقد سبق في (2: 102).

([6]) في الأصل: "المسطير"، صوابه من المجمل.

 

ـ (باب السين والعين وما يثلثهما)

(سعف) السين والعين والفاء أصلان متباينان، يدلُّ أحدُهما على يُبْس شيء وتشعُّثه، والآخر على مواتاة الشيء.

فالأوَّل السّعف جمع سَعَفة، وهي أغصان النخلة إذا يبست. فأما الرَّطْب فالشَّطْب. وأما قول امرئ القيس في الفرس:

* كَسَا وجْهَهَا سَعَفٌ منتشر([1]) *

فإنّه إنّما شبّه ناصيتها به. ومن الباب: السَّعْفَة: قروح تخرج برأس الصبيّ. ومنه قول الكسائيّ: سَُعِفت يدُه، وذلك هو التشعّث حول الأظفار، والشُّقاق. *ويقال ناقةٌ سَعْفاء، وقدسُعِفَتْ سَعفا، وهو داءٌ يتمعّط منه خُرطومها. وذلك في  النُّوق خاصّة.

والأصل الثاني: أَسْعَفْت الرجل بحاجته، وذلك إذا قضيتَها لـه. ويقال أسعفته على أمره، إذا أعنْتَه.

(سعل) السين والعين واللام أصل يدل على صخب وعلوِّ صوت. يقال للمرأة الصّخّابة قد استسعَلَتْ، وذلك مشبّه بالسِّعلاة. والسَّعالى: أخبثُ الغِيلان. والسُّعال، مشتقّ من ذلك أيضاً؛ لأنه شيءٌ عالٍ. فأما قول الهذليّ([2]) في وصف الحمار:

* وأسعلته الأمرُعُ([3]) *

فإنه يريد نَشّطته الأمرُعُ حتى صار كالسِّعلاة، في حركته ونشاطه.

(سعم) السين والعين والميم كلمةٌ واحدة. فالسَّعْم: السَّير. يقال سَعَم البعيرُ، إذا سار.. وناقةٌ سَعُوم.

(سعن) السين والعين والنون كلمة واحدة. يقولون ماله سَعْنة ولا مَعْنَة، أي ما له قليلٌ ولا كثير. ويقال إن كان صحيحاً إنَّ السُّعْن شيء كالدَّلو.

(سعو) السين والعين والحرف المعتل وهو الواو، كلمتان إن صحّتا. فذكر عن الكسائي: مضى سَعْوٌ من الليل، أي قِطْع منه. وذكر ابن دريد([4]) أن السَّعْوَ الشَّمَع، وفيه نظر. [والمَسْعاة([5])] في الكرم والجُود. والسِّعاية في أخذ الصدقات. وسِعاية العَبد، إذا كُوتِبَ: أن يسعى فيما يفُكُّ رقبتَه.

ومن الباب ساعَى الرّجلُ الأمَةَ، إذا فَجَرَ بها، كأنَّه سعى في ذلك وسَعَتْ فيه. قالوا: لا تكون المساعاة إلاّ في الإماء خاصّة.

(سعد) السين والعين والدال أصلٌ يدل على خير وسرور، خلاف النَّحْس. فالسَّعْد: اليُمْن في الأمر. والسَّعْدان: نبات من أفضل المرعى. يقولون في أمثالهم: "مرعى ولا كالسَّعدان". وسعود النجم عشرة([6]): مثل سعد بُلَعَ، وسعد الذابح. وسمِّيت سُعوداً ليُمنها. هذا هو الأصل، ثم قالوا لساعد الإنسان ساعد، لأنَّه يتقوَّى به على أموره. ولهذا يقال ساعده على أمره، إذا عاونَه، كأنه ضم ساعده إلى ساعِده. وقال بعضهم: المساعدة المعاونة في كل شيء، والإسعاد لا يكون إلاَّ في البكاء. فأما السَّعْدانة، التي هي كِركِرة البعير، فإنما سمِّيت بذلك تشبيهاً لها في انبساطها على الأرض بالسَّعْدان الذي ينبسط على الأرض في منبِتِه([7]). والسَّعْدانة عقدة الشِّسْع([8]) التي تلي الأرض. و السَّعْدانات: العقَد التي تكون في كِفَّة الميزان. وسُعْد: موضع. قال جرير:

ألاَ حَيِّ  الدِّيار بسُعْد إنِّي *** أحبُّ لحبِّ فاطمةَ الدِّيارا([9])

ويقال إنَّ السَّعدانة: الحمامة الأنْثى، وهو مشتقٌّ من السَّعْد.

(سعر) السين والعين والراء أصل واحدٌ يدل على اشتعال [الشيء] واتّقاده وارتفاعه. من ذلك السعير سعير النار. واستعارها: توقُّدها. والمِسْعر: الخشب الذي يُسْعر به([10]). والسُّعار: حَرّ النار. ويقال سُعِر الرَّجُل، إذا ضربته السَّموم. ويقال إِنَّ السِّعْرارة هي التي تراها في الشّمس كالهباء. وسَعَرتُ النّارَ وأسْعَرْتُها، فهي مُسْعَرَة ومسعُورة. ويقال استَعَرَ اللُّصوص كأنهم اشتعلوا. واستعر الجَرَب في البعير. وسمِّي الأسعر الجُعفيّ([11]) لقوله:

فلا يَدْعُني الأقوامُ من آل مالكٍ *** لئن أنا لم أَسْعَر عليهم وأُثْقِبِ([12])

قال ابن السِّكيت: ويقال سَعَرهم شَرَّا، ولا يقال أَسْعَرَهُم.

ومن هذا الباب: السُّعْر([13])، وهو الجنون، وسمِّي بذلك لأنّه يَسْتَعِر في الإنسان. ويقولون نَاقة مسعورة. وذلك لِحِدّتها كأنّها مجنونة. فأمّا سِعْر الطعام فهو من هذا أيضاً؛ لأنَّه يرتفع ويعلو. فأمَّا مساعِر البعير فإنَّها مشاعِرُهُ([14]). ويقال

 

هي آباطه وأرفاغه وأصل ذنبِهِ حيث رَقَّ وَبَرُهُ، وإنّما سُمِّيت بذلك لأنّ الجرب يستَعِر فيها أولاً ويستعر فيها أشدّ. وأما قول عروة بن *الورد:

* فطاروا في بلاد اليَستَعور([15]) *

فقالوا: أراد  السعير. ويقال إنه مكان، ويقال إنَّه شجرٌ يقال له اليستعور يُستاك [به].

(سعط) السين والعين والطاء أصل، وهو أن يُوجَر الإنسانُ الدواء، ثم يحمل عليه. فمن ذلك أسعطته الدواءَ فاسْتَعطَه([16]). والمُسْعُط([17]): الذي يجعل فيه السَّعوط. والسَّعوط هو الدواء، وأصل بنائه سَعَطَ. ومما يحمل عليه قولهم طعنته فأسعَطْتُه([18]) الرُّمح، والله أعلم.

ـــــــــــــــــ

([1]) صدره كما في اللسان (سعف) والديوان 12:

* وأركب في الروع خيفانة *

([2]) هو أبو ذؤيب الهذلي. ديوانه ص 4 والمفضليات (2: 223)، واللسان (سعل، مرع).

([3]) البيت بتمامه:

أكل الجحيم وطاوعته سمحج *** مثل القناة وأسعلته الأمرع

([4]) الجمهرة (3: 34).

([5]) التكملة من المجمل.

([6]) في اللسان: "وهي عشرة أنجم، كل واحد منها سعد. أربعة منها منازل ينْزل بها القمر، وهي سعد الذابح، وسعد بلع، وسعد  السعود، وسعد الأخبية، وهي في برجي الجدي والدلو. وستة لا ينْزل بها القمر وهي سعد ناشرة، وسعد الملك، وسعد البهام، وسعد الهمام، وسعد البارع، وسعد مطر. وكل سعد منها كوكبان، بين كل كوكبين في رأي العين قدر ذراع".

([7]) في الأصل: "الذي يبسط على الأرض في تنبته"، تحريف.

([8]) الشسع، بالكسر: قبال النعل الذي يشد إلى زمامها. وفي الأصل: "السبع"، صوابه في المجمل واللسان.

([9]) ديوان جرير 280 ومعجم البلدان (سعد) وهو بضم السين.

([10]) في اللسان : "ويقال لما تحرك به النار من حديد أو خشب مسعر ومسعار".

([11]) اسمه مرثد بن أبي حمران بن معاوية. المؤتلف 47.

([12]) البيت في المجمل واللسان (سعر) والمؤتلف 47.

([13]) السعر، بضم وبضمتين. وفي الكتاب: {إنا إذاً لفي ضلال وسعر} [القمر 24].

([14]) في الأصل: "مشافره" تحريف. وفي المجمل: "ومساعر البعير مشاعره، وهي آباطه وأرفاغه وأصل ذنبه حيث رق وبره، ويقال بل تلك المشاعر لأن عليها شعراً وسائر جسده وبر".

([15]) البيت من أبيات تروى أيضاً للنمر بن تولب، كما في ديوان عروة 89، وصدره:

* أطعت الآمرين بصرم سلمى *         ورواية الديوان: "في عضاه اليستعور".

([16]) في الأصل: "فأسعطه".

([17]) كمنبر، وبضم الميم والعين.

([18]) في الأصل: "فأسعته"، صوابه في المجمل.

 

ـ (باب السين والغين وما يثلثهما)

(سغل) السين والغين واللام أصلٌ يدل على إساءة الغِذاء وسوء الحال فيه. من ذلك السَّغِل: الولد السيِّئ الغذاء. وكلُّ ما أسيء غذاؤه فهو سَغِل. قال سلامة بن جندل يصف فَرساً:‏

ليس بأسْفَى ولا أقْنى ولا سَغِلٍ *** يُسقى دواء قَفِيّ السَّكْنِ مربُوبِ(1)‏

ويقال: بل السَّغِل: الدقيق القوائم الصغير. وقال ابن دريد: السغِل: المتخدِّد لحمه، المهزول المضطرب الخَلْق.‏

(سغم) السين والغين والميم ليس بشيء. على أنّهم يقولون للسغِل سَغِم.‏

(سغب) السين والغين والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الجوع. فالمَسْغَبَة: المجاعة، يقال سَغِبَ يَسْغَبُ سُغُوباً، وهو ساغب وسغبان. قال ابن دريد(2): قال بعض أهل اللغة: لا يكون السَّغَب إلا الجوعَ مع التعب. قال وربَّما سمي العطَش سَغَباً؛ وليس بمستعمل.‏

ـــــــــــــ

(1) كلمة "ولا أقنى" ساقطة من الأصل، وإثباتها من المجمل واللسان (سغل) وديوان سلامة 8 والمفضليات (1: 119).‏

(2) الجمهرة (1: 286).‏

 

ـ (باب السين والفاء وما يثلثهما)

(سفق) السين والفاء والقاف أصَيلٌ يدلُّ على خلاف السخافة. فالسَّفيق لغة في الصفيق، وهو خلاف السخيف. ومنه سَفَقْتُ الباب فانْسَفَقَ، إذا أغلقته. وهو يرجع إلى ذاك القياس. ومنه رجل سَفيق الوجه، إذا كان قليل الحياء. ومن الباب: سفَقْت وجهَه، لطمتَه.

(سفك) السين والفاء والكاف كلمة واحدة. يقال سَفَكَ دمَه يسفِكه سفْكاً ، إذا أساله، وكذلك الدّمع.

(سفل) السين والفاء واللام أصلٌ واحد، وهو ما كان خلافَ العلوّ. فالسُّفل([1]) سُِفل الدارِ وغيرها. والسُّفُول: ضدّ العُلُوّ. والسَّفِلة: الدُّون من الناس، يقال هو من سَفِلة الناس ولا يقال سَفِلة([2]). والسَّفَال:نقيض العَلاء. وإنّ أمرهم لفي سَفَال. ويقال قَعَدَ بسُفالة الرّيح وعُلاوتها. والعُلاوة من حيث تَهُبُّ، والسُّفالة ما كان بإزاء ذلك.

(سفن) السين والفاء والنون أصلٌ واحد يدلُّ على تنحية الشيء عن وجه الشيء، كالقَشْر، قال ابن دريد([3]): السفينة فعيلة بمعنى فاعلة، لأنَّها تسفِن الماء، كأنّها تقشِره. والسَّفّان: ملاّح السفينة. وأصل الباب السَّفْن، وهو القشر، يقال سَفَنْتُ العودَ أسفِنُه سَفْناً. قال امرؤ القيس:

فجاء خفِيَّاً يسفِنُ الأرضَ بطنُهُ *** تَرَى التُّربَ منه لاصقاً غير مَلْصَقِ([4])

والسَّفَن: الحديدة التي يُنحَت بها. قال الأعشى:

وفي كلِّ عامٍ لـه غزوةٌ *** تَحُكّ الدّوابِرَ حَكَّ السَّفَنْ([5])

وسفنتِ الريح التراب عن وجه الأرض.

(سفه) السين والفاء والهاء أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على خفّة وسخافة. وهو قياس مطَّرد. فالسَّفَه: ضدّ الحِلْم. يقال ثوب سفيه، أي رديء النسج. ويقال تَسَفَّهَت الريحُ، إذا مالت. قال ذو الرمة:

مَشَيْن كما اهتَزَّت رياحٌ تسفَّهت *** أعالِيَها مَرُّ الرِّياحِ الرواسِمِ([6])

وفي شعره أيضاً:

* سَفيهٍ جَديلُها([7]) *

يذكر الزّمام واضطرابه. ويقال تسفّهتُ فلاناً عن ماله، إذا خدعْتَه، كأنَّك مِلت به عنه واسْتَخْفَفْتَه. قال([8]):

تَسَفَّهْتَهُ عن ماله إِذْ رأيته *** غلاماً كغُصنِ البانةِ المتغايِدِ([9])

وذكر ناسٌ * أنَّ السَّفَه أن يُكثِر الإنسانُ من شُربِ الماءِ فلا يَروَى. وهذا إن صحَّ فهو قريبٌ من ذاك القياس.

وكان أبو زيد يقول: سافَهْتُ الوَطْبَ أو الدّنَّ، إذا قاعَدْتَه فشربتَ منه ساعةً بعد ساعة. وأنشد:

أبِنْ لي يا عُمَيْرُ أذُو كعوبٍ *** أصَمُّ، قناتُهُ فيها ذُبُولُ

أحَبُّ إليكَ أم وَطْبٌ مُدَوٍّ *** تُسافِهُهُ إذا جَنَح الأَصِيلُ([10])

(سفو) السين والفاء والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خِفّة في الشيء. فالسَّفْو: مصدر سَفَا يَسْفو سَفْواً([11])، إذا مشى بسُرعة، وكذلك الطائر إذا أَسْرَعَ في طيرانه. والسَّفَا: خِفّة النّاصية، وهو يُكرَه في الخيلِ ويُحمَد في البِغال، فيقال بغلةٌ سفواء. وسَفت الريحُ التّراب تَسفيه سَفْياً. والسَّفا: ما تَطَايَرُ به الرِّيحُ من التُّراب. والسَّفا: شوك البُهْمَى، وذلك [أنه] إذا يبس خَفّ وتطايرت به الرّيح. قال رؤبة:

* واسْتَنَّ أعراف السَّفَا على القِيَقْ *([12])

ومن الباب: السَّفا، وهو تُراب القَبر. قال:

وحالَ السّفا بيني وبينكِ والعِدَا *** ورَهْنُ السّفا غَمْرُ الطبيعة ماجدُ([13])

والسَّفاءُ، مهموز: السَّفَه والطَّيش. قال:

كم أزلّتْ أرماحُنا من سفيهٍ *** سافَهونا بغِرّة وسَفَاءِ

(سفح) السين والفاء والحاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إِراقة شيء. يقال سفح الدّمَ، إذا صبَّه. وسفح الدّم: هَرَاقه. والسِّفاح: صبُّ الماء بلا عَقد نكاح، فهو كالشيء يُسفَح ضَياعاً. والسَّفّاح: رجلٌ من رؤساء العرب([14])، سَفَح الماء في غزوةٍ غزاها فسُمّي سفَّاحاً. وأمَّا سَفْح الجبل فهو من باب الإبدال، والأصل فيه صَفح، وقد ذُكر في بابه. والسَّفيح: أحد السِّهام الثلاثة التي لا أنصباءَ لها، وهو شاذٌّ عن الأصل الذي ذكرناه.

(سفد) السين والفاء والدال ليس أصلاً يتفرّع منه، وإنّما فيه كلمتان متباينتان في الظاهر، وقد يمكن الجمع بينهما من طريق الاشتقاق. من ذلك سِفاد الطَّائر، يقال سَفِد يَسْفَد، وكذلك التَّيس. والكلمة الأخرى السّفُّود، وهو معروف. قال النابغة:

كأنَّه خارجاً من جَنب صَفحته *** سَفُّود شَرْبٍ نَسُوه عند مفتأدِ([15])

(سفر) السين والفاء والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الانكشاف والجَلاء. من ذلك السَّفَر، سمِّي بذلك لأنَّ الناس ينكشفون عن أماكنهم. والسَّفْر: المسافرون. قال ابن دريد([16]): رجلٌ سَفْرٌ وقوم سَفْرٌ.

ومن الباب، وهو الأصل: سَفَرتُ البَيت كنستُه. ومنه الحديث: "لو أمَرْتَ بهذا البيت فسُفِر([17])". ولذلك يسمَّى ما يسقُطُ من ورق الشّجر السَّفِير. قال:

وحائل مِنْ سَفير الحولِ جائلهُ *** حولَ الجراثيمِ في ألوانه شَهَبُ([18])

وإنّما سمّي سفيراً لأنَّ الرّيح تسفره. وأما قولهم: سَفَر بَيْن القوم سِفارة، إذا أصلح، فهو من الباب؛ لأنَّه أزال ما كان هناك من عَداوة وخِلاف. وسَفَرتِ المرأةُ عن وجهها، إذا كشفَتْهُ. وأسفر الصبح، وذلك انكشاف الظّلام، ووجه مُسفِر، إذا كان مُشرِقاً سروراً. ويقال استفَرَت الإبل: تصرفت وذهبَتْ في الأرض. ويقال للطعام الذي يُتّخذ للمسافر سُفْرة. وسمِّيت الجِلدة  سُفْرة([19]). ويقال بعير مِسفَر، أي قويٌ على السَّفر.

ومما شذّ عن الباب السِّفار: حديدةٌ تُجعَل في أنف الناقة. وهو قوله:

ما كان أجمالي وما القِطارُ *** وما السِّفار، قُبِحَ السِّفارُ

وفيه قول آخر؛ أنه خيطٌ يشدُّ طرَفُه على خطام البعير فيدارُ عليه، ويُجعَل بفيه زِماماً، والسَّفْر: الكتابة. والسفَرَة: الكَتبة، وسُمّي بذلك لأنَّ الكتابة تُسفِرُ عما يُحتاج إليه من الشيء المكتوب.

(سفط) السين والفاء والطاء ليس بشيء، وما في بابه ما يعوّل عليه، إلاّ أنّهم سمّوا هذا السَّفَط. ويقولون: السفيط السخيّ من *الرجال. وأنشدوا:

* ليس بذي حزم ولا سَفيطِ([20]) *

وهذا ليس بشيء.

(سفع) السين والفاء والعين أصلان: أحدهما لونٌ من الألوان، والآخر تناوُل شيءٍ باليد.

فالأوّل السُّفْعَة، وهي السَّوَاد، ولذلك قيل للأثافيّ سُفْعٌ. ومنه قولهم: أرى به سُفْعَةً من غضب، وذلك إذا تَمَعَّرَ لونُهُ. والسَّفْعاء: المرأة الشاحبة؛ وكلُّ صَقْرٍ أسْفَعُ. والسَّفْعَاء: الحمامة، وسُفعتُها في عنقِها، دُوَينَ الرّأس وفُوَيقَ الطّوق. والسُّفْعة: في آثار الدار: ما خالَفَ من رَمادها سائرَ لونِ الأرض. وكان الخليل يقول: لا تكون السُّفْعَةُ في اللَّوْن إلاّ سواداً مشْرَباً حُمْرَة.

وأمّا الأصل الآخر فقولهم: سَفَعْتُ الفرسَ، إذا أخذْتَ بمقدّم رأسه، وهي ناصيته، قال الله جلَّ ثناؤه: {لَنَسْفَعنْ بالنَّاصِيَةِ} [العلق 15]، وقال الشاعر:

* من بين مُلجِمِ مُهرِهِ أو سافِعِ([21]) *

ويقال سَفَعَ الطائرُ ضريبتَه، أي لَطَمَه. وسَفَعْتُ رأس فلان بالعصا، هذا محمولٌ على الأخْذ باليد. وفي كتاب الخليل: كان عُبيد الله بن الحسن قاضي البصرة مولعاً بأن يقول: "اسفَعا بيده فأقيماهُ"، أي خُذا بيده.

ــــــــــــــــ

([1]) يقال بالضم والكسر.

([2]) في اللسان: "يقال هو من السفلة ولا يقال هو سفلة، لأنها جمع".

([3]) الجمهرة (3: 39).

([4]) في الأصل: ("خفيفاً")، صوابه من المجمل واللسان. وفي اللسان: "وإنما جاء متلبداً على الأرض لئلا يراه الصيد فينفر منه". ورواية اللسان في عجزه الذي لم ينشد في المجمل: "لاصقاً كل ملصق".

([5]) ديوان الأعشى 19 والمجمل واللسان (سفن).

([6]) وكذا رواية المجمل. وفي الديوان 616 واللسان : "الرياح النواسم".

([7]) البيت بتمامه كما في الديوان 553 واللسان (سفه):

وأبيض موشيّ القميص نصبته *** على ظهر مقلات سفيه جديلها

وفي شرح الديوان :"أبيض، يعني السيف. وقميصه، يعني جفنه. موشى: منقوش".

([8]) البيت من قصيدة لمزرد بن ضرار في المفضليات (1: 76).

([9]) المتغايد: المتثني، من قولهم رجل أغيد وامرأة غيداء، إذا كانت أعناقهما تتثنى للنعمة. وفي الأصل: "المتفائد"، تحريف.

([10]) دوى اللبن والمرق تدوية: صار عليه دواية، أي قشرة.

([11]) كذا ضبط في الأصل والجمهرة (3: 40)، لكن في المجمل واللسان (19: 111 س 24): "سفوا" بضم السين والفاء وتشديد الواو.

([12]) في الأصل "الفتق"، صوابه من الديوان 105 واللسان (قيق).

([13])  البيت لكثير عزة كما في اللسان (سفا). وأنشده في المجمل مقدم العجز على الصدر. وفي اللسان: "غمر النقيبة".

([14]) هو السفاح بن خالد، واسمه سلمة. وكان جراراً للجيوش، وإنما سمي السفاح لأنه سفح المزاد، أي صبها يوم كاظمة، وقال لأصحابه: قاتلوا، فإنّكم إن هزمتم متم عطشاً. ذكره ابن دريد في الاشتقاق 203، وأنشد:

وأخوهما السفاح ظمأَ خيله *** حتى وردت جبا الكلاب نهالا

([15]) ديوان النابغة 20 واللسان (فأد).

([16]) الجمهرة (2: 333).

([17]) في اللسان: "وفي الحديث أنَّ عمر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو أمرت بهذا البيت فسفر".

([18]) البيت لذي الرمة في ديوانه 19 واللسان (سفر). والشهب، بالتحريك، والشهبة بالضم: لون بياض يصدعه سواد في خلاله.

([19]) في اللسان: "السفرة طعام يتخذه المسافر، وأكثر ما يحمل في جلد مستدير". وفي المجمل: "والسفرة طعام يتخذ للمسافر؛ وبه سميت الجلدة سفرة". في الأصل: "مسفرة"، تحريف.

([20]) لحميد الأرقط كما في اللسان (سفط). وأنشده في المجمل بدون نسبة. في الأصل: "ليس بيني" صوابه في المجمل واللسان.

([21]) البيت لعمرو بن معد يكرب، كما في تفسير أبي حيان (8: 491)، وصدره:  * قوم إذا كثر الصياح رأيتهم *

 

ـ (باب السين والقاف وما يثلثهما)

(سقل) السين والقاف واللام ليس بأصل، لأنَّ السين فيه مبدلة عن صاد.

(سقم) السين والقاف والميم أصلٌ واحد، وهو المرض: يقال سُقْمٌ وسَقَمٌ وسَقامٌ، ثلاثُ لغات.

(سقي) السين والقاف والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ، وهو إشراب الشيء الماء وما أشبَهَه. تقول: سقيته بيدي أَسقيهِ سَقيا، وأَسْقيته، إذا جعلتَ لـه سِقياً. والسُّقْي: المصدر، وكم سِقيُ أرضك، أي حظُّها من الشرب. ويقال: أسقيتُك هذا الجِلدَ، أي وهبتُهُ لك تتّخذه سِقاء. وسَقَيْتُ على فلان، أي قلتَ: سقاه الله. حكاه الأخفش. والسِّقاية: الموضع الذي يُتَّخذ فيه الشراب في الموسم. والسِّقاية: الصُّواع، وفي قوله جلَّ وعزَّ: {جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ}  [يوسف 70]، وهو الذي كان يَشرَب فيه الملك. وسَقَى بَطْنُ فلان، وذلك ماء أصفر يَقَع فيه. وسَقَى فلانٌ على فلانٍ بما يكره، إذا كرّره عليه. والسَّقِيُّ: البَرديّ في قول امرئ القيس:

* وساقٍ كأنبوبِ السَّقِيِّ المَذَلَّلِ([1]) *

والسَّقِيّ، على فعيل أيضاً: السَّحابة العظيمة القَطْر. والسِّقاء معروف، ويشتق من هذا أسقيت الرَّجل، إذا اغتبْتَه. قال ابن أحمر:

* ولا أيّ من عاديت أسقى سقائيا([2]) *

(سقب) السين والقاف والباء أصلان: أحدهما القرب، والآخر يدلُّ على شيء مُنْتَصِب. فالأوَّل السَّقَب، وهو القُرْب. ومنه الحديث: "الجار أحقُّ بسَقَبِه". يقال منه سقبتِ الدّارُ وأسْقبت. والساقب: القريب. وقال قوم: السّاقب القريب والبَعيد. فأمّا القريب فمشهور، وأما البعيد فاحتجُّوا فيه بقول القائل:

تَرَكْتَ أباكَ بأرضِ الحجاز *** ورُحتَ إلى بَلدٍ ساقبِ

وأما الأصل الآخر فالسقْب والصَّقْب، وهو عمود الخِباء، وشُبّه به السقب ولدُ الناقة. ويقال ناقة مِسقاب، إذا كان أكثر وضْعِها الذّكور، وهو قوله:

* غَرَّاءَ مِسقاباً لفحلٍ أَسْقَبا([3]) *

هذا فعلٌ لا نعت.

(سقر) السين والقاف والراء أصلٌ يدل على إحراق أو تلويح بنار. يقال سقَرتْه الشَّمسُ، إذا لوّحتْه. ولذلك سمِّيت سَقَر. وسَقَرات الشمس: حَرُورها. وقد يقال بالصَّاد، وقد ذكر في بابه.

(سقط) السين والقاف والطاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الوقوع، وهو مطّرد. من ذلك سَقط الشيءُ يسقُطُ سقوطاً. والسَّقَط: رديء المتاع. والسِّقاط والسَّقَط: الخطأ من القول والفعل. قال سويد:

*كيف يرجُونَ سِقاطي بعدما  *** جَلَّلَ الرأسَ مَشيبٌ وصَلَعْ([4])

قال بعضهم: السقاط في القول: جمع سَقْطة، يقال سِقاط كما يقال رَملة ورمال. والسّقط: الولد يسقُط قبل تمامه، وهو بالضم والفتح والكسر. وسَِـُـقْط النار: ما يسقط منها من الزَّند. والسَّقَّاط: السيف يسقُط من وراء الضريبة، يقطعها حتى يجوزَ إلى الأرض. والسّاقطة: الرجل اللئيم في حَسبه. والمرأة السَّقِيطة: الدَّنيئة. وحُدِّثنا عن الخليل بالإسناد الذي ذكرناه في أول الكتاب، قال: يقال سقطَ الولدُ من بطن أمه، ولا يقال وقَع. وسُقط الرمل وسِقطه وسَقطه: حيث ينتهي إليه طَرَفه، وهو مُنقَطَعه. وكذلك مَسقِط رأسِه، حيث وُلد. وهذا مَسقط السّوط حيث سقط. وأتانا في مَسقِط النَّجم، حيث سقط. وهذا الفعل مَسقَطة للرّجُل من عيون الناس. وهو أن يأتي ما لا ينبغي. والسِّقاط في الفَرَس: استرخاء العَدْو. ويقال أصبحت الأرض مُبْيضّة من السقيط، وهو الثّلج والجليد. ويقال إن سِقْط السحاب حيث يُرى طرَفُه كأنَّه ساقط على الأرض في ناحيةِ الأفقِ، وكذلك سِقْط الخِباء. وسِقْطا جناحَيِ الظليم: ما يُجَرُّ منهما على الأرض في قوله:

* سِقطانِ مِنْ كَنَفَيْ ظليمٍ نافِرِ([5]) *

قال بعض أهل العلم في قول القائل:

حتَّى إذا ما أضاءَ الصُّبح وانبعَثَتْ *** عنه نَعامةُ ذي سِقْطين مُعْتَكِرِ([6])

يقال إنَّ نعامة الليل سوادُهُ، وسِقْطاه: أوَّلُهُ وآخره. يعني أنّ الليل ذا السقطينِ مضَى وصَدَقَ الصُّبْحُ.

(سقع) السين والقاف والعين ليس بأصل؛ لأنّ السين فيه مبدلة من صاد. يقال صُقْع وسُقْع. وصَقَعْته وسَقَعته. وما أدري أين سَقَعَ أي ذهب.

(سقف) السين والقاف والفاء أصل يدلُّ على ارتفاعٍ في إطلال وانحناء. من ذلك السقف سقف البيت، لأنه عالٍ مُطلٌّ. والسقيفة: الصُّفّة. والسقيفة: كلُّ لوحٍ عريض في بناء إذا ظهر من حائط. والسَّماء سقفٌ، قال الله تعالى: {وجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} [الأنبياء 32]. ومن الباب الأسْقَفُ من الرِّجال، وهو الطويل المنحني؛ يقال أسقَفُ بيِّنُ السقَف. والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــ

([1]) صدره كما في معلقته:         * وكشح لطيف كالجديل مخصر *.

([2]) صدره كما في اللسان:         * ولا علم لي ما نوطة مستكنة *

([3]) البيت لرؤبة في ديوانه 170 واللسان (سقب). يمدح أبوي رجل ممدوح، وقبله: * وكانت العرس التي تنخبا *

([4]) البيت في اللسان (سقط) وهو من قصيدة طويلة له في المفضليات (1: 188 ـ 200).

([5]) البيت لثعلبة بن صعير المازني في المفضليات (1: 127). وصدره:

* وكأنَّ عيبتها وفضل فتانها *.

([6]) البيت للراعي كما في اللسان (9: 192).

 


ـ (باب السين والكاف وما يثلثهما)

(سكم) السين والكاف والميم ليس بشيء. على أنَّ بعضهم ذكر أن السكم مقَارَبة الخطو.

(سكن) السين والكاف والنون أصلٌ واحد مطّرد، يدلُّ على خلاف الاضطراب والحركة. يقال سَكَن الشّيءُ يسكُن سكوناً فهو ساكن.

والسَّكْن: الأهل الذين يسكُنون الدّار. وفي الحديث: "حتَّى إنَّ الرُّمّانَة لَتُشْبِعُ السَّكْن". والسَّكَن: النار، في قول القائل:

* قد قُوِّمَتْ بسَكَنٍ وأَدْهانْ([1]) *

وإنّما سمّيت سَكَنا للمعنى الأوّل، وهو أنَّ النّاظر إليها يَسْكُن ويَسْكُن إليها وإلى أهلها. ولذلك قالوا: "آنَسُ من نار". ويقولون: "هو أحسن من النّار في عين المقرور". والسَّكَن: كلُّ ما سكنتَ إليه من محبوب. والسِّكِّين معروف، قال بعضُ أهل اللغة: هو فِعِّيل لأنّه يسكّن حركةَ المذبوح به. ومن الباب السّكينة، وهو الوقار، وسُكان السفينة سمِّي لأنَّه يُسكّنها عن الاضطراب، وهو عربيٌّ.

(سكب) السين والكاف والباء أصلٌ يدلُّ على صبّ الشيء. تقول: سكب الماء يسكبه. وفرسٌ سَكْبٌ، أي ذرِيعٌ، كأنّه يسكُبُ عدْوَه سكبا، وذلك كتسميتهم إيّاه بحراً.

(سكت) السين والكاف والتاء يدلُّ على خِلاف الكلام. تقول: سكت يَسْكُت سكوتاً، ورجلٌ سِكِّيت. ورماه بُسكاتَة، أي بما أسكته. وسَكَت الغضبُ، بمعنى سكن. والسُّكْتَةُ: ما أسكتَّ به *الصبيّ. فأمّا السُّكيت([2]) فإنه من الخيل العاشر عند جريها في السّباق. ويمكن أن يكون سمِّي سُكَيتاً لأنَّ صاحبَه يسكت عن الافتخار، كما يقال أجَرَّه كذا، إذا منعه من الافتخار، وكأنَّه جَرَّ لسانَه.

(سكر) السين والكاف والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حَيرة. من ذلك السُّكْر من الشراب. يقال سَكِر سُكْراً، ورجلٌ سِكِّير، أي كثير السُّكْر. والتَّسْكير: التَّحيير في قولـه عزَّ وجل: {لَقَالُوا إنَّما سُكِّرَتْ أَبْصَارُنا}  [الحجر 15]، وناس يقرؤونها {سُكِرَتْ} مخففة([3]). قالوا: ومعناه سُحِرت. والسِّكْر: ما يُسكَر فيه الماء من الأرض. والسَّكْر: حَبْس الماء، والماء إذا سُكِر تحيَّر. وأمّا قولهم ليلة ساكرة، فهي السَّاكنة التي [هي] طلقةٌ، التي ليس فيها ما يؤذِي. قال أوس:

تُزادُ ليالِيَّ في طُولِها *** فليست بطَلْقٍ ولا ساكِرهْ([4])

ويقال سَكَرت الرِّيح، أي سكَنت. والسَّكَر: الشَّراب. وحكى ناسٌ سكَره إذا خَنَقَه. فإنْ كان صحيحاً فهو من الباب. والبعير يُسَكِّر الآخر بذراعه حتى يكاد يقتلُه. قال:

* غَثَّ الرِّباعِ جَذَعاً يُسَكَّرُ *

(سكف) السين والكاف والفاء ليس أصلاً، وفيه كلمتان: أحدهما أُسْكُفَّة الباب: العَتَبة التي يُوطأ عليها. وأُسْكُفّ العين، مشبّه بأُسْكُفَّة الباب. وأمّا الإسكاف فيقال إن كلَّ صانعٍ إسكافٌ عند العرب. وينشد قول الشمّاخ:

* وشُعْبَتَا مَيْسٍ بَرَاها إسكافْ([5]) *

قالوا: أراد القَوَّاس.

ــــــــــــــ

([1]) البيت في وصف قناة ثقفها بالنار والدهن. اللسان (17: 75).

([2]) بضم السين وفتح الكاف مشددة ومخففة.

([3]) هي قراءة ابن كثير، انظر إتحاف فضلاء البشر 274.

([4]) ديوان أوس بن حجر 10 والمجمل واللسان (سكر).

([5]) ديوان الشَّماخ 103. وهو في اللسان (سكف 58) بدون نسبة.

 

ـ (باب السين واللام وما يثلثهما)

(سلم) السين واللام والميم معظم بابه من الصّحّة والعافية؛ ويكون فيه ما يشذُّ، والشاذُّ عنه قليل، فالسّلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذَى. قال أهلُ العلم: الله جلَّ ثناؤُه هو السلام؛ لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء. قال الله جلَّ جلاله: {واللهُ يَدْعُو إلى دَارِ  السَّلاَمِ} [يونس 25]، فالسلام الله جلَّ ثناؤه، ودارُهُ الجنَّة. ومن الباب أيضاً الإسلام، وهو الانقياد؛ لأنَّه يَسْلم من الإباء والامتناع. والسِّلام: المسالمة. وفِعالٌ تجيءُ في المفاعلة كثيراً نحو القتال والمقاتلة. ومن باب الإصحاب والانقياد: السَّلَم الذي يسمَّى السَّلف، كأنَّه مالٌ أسلم ولم يمتنع من إعطائه. وممكن أن تكون الحجارة سمِّيت سِلاماً لأنّها أبعدُ شيء  في الأرض من الفَناء والذَّهابِ؛ لشدّتها وصلابتها. فأمّا السَّليم وهو اللّديغ ففي تسميته قولان: أحدهما أنَّه أُسلم لما به. والقول الآخر أنّهم تفاءلوا بالسَّلامة. وقد يسمُّون الشيءَ بأسماء في التفاؤُل والتطيُّر. والسُّلَّم معروف، وهو من السلامة أيضاً؛ لأنَّ النازل عليه يُرْجَى لـه السَّلامة. والسَّلامة: شجر، وجمعها سَلاَم.

والذي شذَّ عن الباب السَّلْم: الدلو التي لها عروة واحدة. والسَّلَم: شجر، واحدته سَلَمة. والسَّلامانُ: شجرٌ([1]).

ومن الباب الأول السَِّلْم وهو الصُّلح، وقد يؤنَّث ويذكَّر. قال الله تعالى: {وإِنْ جَنَحُوا لِلْسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال 61]. والسَّلِمَة: الحجر، فيه يقول الشاعر:

ذاكَ خليلي وذو يعاتِبُني *** يَرمِي ورائيَ بالسهمِ والسَّلِمَهْ([2])

وبنو سلِمَة: بطنٌ من الأنصار ليس في العرب غيرهم. ومن الأسماء سَلْمَى: امرأةٌ. وسلمى: جبلٌ. وأبو سُلمى أبو زُهَير، بضم السين، ليس في العرب غيره.

(سلو/ي) السين واللام والحرف المعتلّ أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خفض وطيب عيش. ومن ذلك قولهم فلان في سَلْوَةٍ من العيشِ، أي في رَغدٍ يسلِّيهِ الهم. ويقول: سَلاَ المحب يَسْلوا سُلُوَّاً، وذلك إذا فارقه ما كان به من همٍّ وعشق. والسُّلْوانة: الخَرزة، وكانوا يقولون إنَّ من شرب عليها سَلاَ ممّا كان به، وعَمَّن كان يحبه. قال الشاعر:

شربت* على سُلْوانة ماءَ مُزنةٍ *** فلا وَجديدِ العيش يا مَيَّ ما أسلُو([3])

قال الأصمعيّ: يقول الرجل لصاحبه: سقيتَني منك سَلْوَةً وسُلواناً، أي طيَّبت نفسي وأذهلْتَها عنك. وسَلِيت بمعنى سلوت. قال الراجز:

* لو أشربُ السُّلوانَ ما سَليتُ([4]) *

ومن الباب السَّلا، الذي يكون فيه الولد، سمي بذلك لنَعمته ورقَّته ولينه. وأما السين واللام والهمزة فكلمة واحدة لا يقاس عليها. يقال سَلأَ السّمن يَسْلؤُه سلأ، إذا أذابه وصفّاه من اللَّبن، قال:

ونحن منعناكم تميماً وأنتم  *** موالِيَ إلاَّ تُحْسِنُوا السَّلْءَ تُضرَبوا

(سلب) السين واللام والباء أصلٌ واحدٌ، وهو أَخْذُ الشَيء بخفّة واختطاف. يقال سلبتُهُ ثوبَهُ سلْباً. والسَّلَب: المسلوب. وفي الحديث: "مَنْ قَتَل قتيلاً فله سَلَبُه". والسَّليب: المسلوب. والسَّلوب من النوق: التي يُسلَبُ ولدها والجمع سُلُب. وأسلبت الناقةُ، إذا كانت تلك حالَها. وأمّا السَّلَب وهو لِحاء الشجر فمن الباب أيضاً؛ لأنَّه تَقَشَّرَ عن الشَّجر، فكأنَّما قد سُلِبَته. وقول ابن مَحْكانَ:

فَنشنش الجلدَ عنها وهي باركةٌ *** كما تُنَشْنِشُ كَفَّا قاتِلٍ سَلَبا([5])

ففيه روايتان: رواه ابن الأعرابي "قاتل" بالقاف. ورواه الأصمعي بالفاء. وكان يقول: السَّلَب لحاء الشَّجَر، وبالمدينة سوقُ السَّلابين، فذهب إلى أنَّ الفاتل هو الذي يَفتِل السَّلَب. فسمعتُ عليّ بن إبراهيم القطان يقول: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلباً يقول: أخطأ ابنُ الأعرابيّ، والصحيح ما قاله الأصمعيّ.

ومن الباب تسلّبَت المرأة، مثل أَحَدَّتْ. قال قوم: هذا من السُّلُب، وهي الثياب السُّود. والذي يقرب هذا من الباب الأوّل [أنَّ] ثيابَها مشبّهة بالسَّلَب، الذي هو لِحاء الشّجر. قال لبيد:

* في السُّلُب السُّود وفي الأمساحِ([6])*

وقال بعضهم : الفرق بين الإحداد والتَّسلُّب، أنَّ الإحداد على الزّوج والتَّسَلُّب قد يكون على غير الزّوج.

فأمّا قولهم فرس سَلِيبٌ، فيقال إنَّه الطويل القوائم. وقال آخرون: هو الخفيف نَقل القوائم؛ يقال رجلٌ سليب اليدين بالطَّعن، وثورٌ سليب القرن بالطَّعن. وهذا أجود القولَين وأَقيسُهما؛ لأنَّه كأنَّه يسلب الطّعنَ استلابا.

(سلت) السين واللام والتاء أصلٌ واحدٌ، وهو جلْفُ الشيء عن الشيء وقَشره. يقال سلتت المرأةُ خضابَها عن يدها. ومنه سَلَتَ فلانٌ أنفَ فلانٍ بالسيف سَلْتاً، وذلك إذا أخذه كلَّه. والرَّجُل أسْلَتُ. ويقال إنَّ المرأة التي لا تتعهَّد الخضاب يقال لها السَّلْتاء. ومن الباب السُّلْت: ضربٌ من الشعير لا يكاد [يكون] له قشر، والعرب تسمّيه العُرْيان.

(سلج) السين واللام والجيم أصلٌ يدل على الابتلاع. يقال سلج الشيء يَسلَجُه، إذا ابتلعه سَلْجَاً وسَلَجَاناً. وفي كلامهم: "الأخْذُ سَلَجَانٌ والقَضَاءَ لَِيَّانٌ". ومن الباب: فلان يتسلَّج الشراب، أي يُلِحُّ في شُرْبه.

(سلح) السين واللام والحاء السلاح، وهو ما يُقَاتَل به، وكان أبو عبيدة يفرِقُ بين السّلاح والجُنة، فيقول: السلاح ما قُوتِلَ به، والجُنّة ما اتُّقي به، ويحتج بقوله:

حيثُ تَرى الخيلَ بالأبطال  عابسة *** يَنْهَضْنَ بالهندوانيّاتِ والجُنَنِ([7])

فجعل الجُنَن غَيْرَ السُّيوف([8]). والإسليح: شجرةٌ تغزُرُ عليها الإِبل. وقالت الأعرابية: "الإسليح([9])، رُغوَةٌ  وسَريح، وسَنامٌ وإطريح".

(سلخ) السين واللام والخاء أصلٌ واحد، وهو إخراج الشيء عن جلده. ثم يُحْمَل عليه. والأصل سلخْتُ جلدةَ الشاةِ سلخاً. والسِّلْخ: جلد الحية تنسلخ. ويقال أسود سالخ لأنَّه يسلخ جلده كلَّ عام فيما يقال. وحكى بعضُهم سلختِ المرأة دِرْعَها: نزعَتْهُ. ومن قياس الباب: سلخت الشَّهرَ، إذا صرتَ في آخر يومه. وهذا مجاز. وانسلخَ الشَّهرُ، وانسلخ النَّهارُ من الليل المقْبِل. ومن الباب نخلة مِسْلاخٌ، وهي التي تنثُر بُسرَها أخضر.

(سلس) السين واللام والسين يدلُّ على سهولة في الشيء. يقال هو سَهْلٌ سَلِسٌ. والسَّلْس: جنس من الخَرز، ولعلَّه سمِّي بذلك لسلاسته في نَظْمه. قال:

* وقلائدٌ مِنْ حُبْلَةٍ وسُلوسِ([10]) *

(سلط) السين واللام والطاء أصلٌ واحدٌ، وهو القوّة والقهر. من ذلك السَّلاطة، من  التسلط وهو القَهْر، ولذلك سمِّي السُّلْطان سلطاناً. والسلطان: الحُجَّة. والسَّليط من الرجال: الفصيح اللسان الذَّرِب. والسَّليطة: المرأة الصَّخَّابة.

ومما شذَّ عن الباب السَّلِيط: الزّيت بلغة أهل اليَمَن، وبلغة غيرهم دهن السِّمسِم.

(سلع) السين واللام والعين أصلٌ يدلُّ على انصداع الشيء وانفتاحه. من ذلك السَّلْع؛ وهو شقٌّ في الجبل كهيئة الصَّدْع، والجمع سُلوع. ويقال تَسَلّع عَقِبُه، إذا تشقّقَ وتَزَلَّع. ويقال سَلَعَ رأسه، إذا فَلَقَه. والسِّلعة: الشيء المبيع، وذلك أنَّها ليست بِقُِنْيَةٍ تُمْسك، فالأمر فيها واسعٌ. والسَّلَع: شجر.

(سلغ) السين واللام والغين ليس بأصلٍ، لكنه من باب الإبدال فسينُهُ مُبْدَلة من صاد. يقال سَلَغَت البقرةُ، إذا خرجَ نابُها، فهي سالغ. ويقولون لحمٌ أسلَغُ، إذا لم ينضج. ورجلٌ أسلَغُ: شديد الحمرة.

(سلف) السين واللام والفاء أصلٌ يدلُّ على تقدُّم وسبْق. من ذلك السَّلَف: الذين مضَوا. والقومُ السُّلاَّف: المتقدِّمون. والسُّلاَف: السائل من عصير العنب قبل أن يُعصَر. والسُّلْفَة: المعجَّل من الطَّعام قبل الغَدَاء. والسّلوف: الناقة تكون في أوائل الإبل إذا وَرَدَت. ومن الباب السَّلَف في البيع، وهو مالٌ يقدَّم لما يُشتَرى نَساءً([11]). وناس يسمُّون القَرضَ السَّلَف، وهو ذاك القياسُ لأنَّه شيءٌ يُقدَّم بعوض يتأخّر. ومن غير هذا القياس السِّلْف سِلْف الرِّجال، وهما اللذان يتزوّج هذا أُخْتاً وهذا أُخْتاً. وهذا قياس السَّالفتين، وهما صفحتا العنق، هذه بحذاء هذه.

ومما شذَّ عن البابين السَّلْف وهو الجراب. ويقال إنَّ القلفة تَسمَّى سَلْفاً([12]).

ومنه أسْلَفتُ الأرضَ للزَّرْع([13])، إذا سوَّيتها. وممكن أن يكون هذا من قياس الباب الأوّل: لأنه أمرٌ قد تقدّم في إصلاحه.

(سلق) السين واللام والقاف فيه كلماتٌ متباينة لا تكاد تُجمع منها كلمتانِ في قياسٍ واحد؛ وربُّك جلُّ ثناؤُهُ يفعل ما يشاء، ويُنْطِقُ خَلْقه كيف أراد.

فالسَّلَق: المطمئنّ من الأرض. والسِّلْقَة: الذِّئبة. وسَلَقَ: صاح. والسَّلِيقة: الطبيعة. والسَّليقة: أثر النِّسع في جنب البعير. وسَلُوق: بلدٌ. والتَّسلُّق على الحائط: التَّوَرُّد عليه إلى الدار. والسّلِيق: ما تَحَاتَّ من الشجر. قال الرَّاجز:

تَسْمَعُ منها في السَّليقِ الأشهبِ  *** مَعمعةً مثل الضِّرَام المُلْهَبِ([14])

والسُّلاَق: تقشُّر جِلد اللِّسان. وسَلَقْت المزَادةَ، إذا دهنْتَها. قال امرؤ القيس:

كأنّهما مزادتا متعجِّلٍ *** فَرِيّانِ لَمَّا يُسلَقَا بدِهانِ([15])

والسَّلْقُ:أن تُدخِل إحدى عُروتي الجُوالِق في الأخرى، ثم تثنيَها مرَّةً أخرى.

(سلك) السين واللام والكاف أصلٌ يدلُّ على نفوذ شيءٍ في شيء. يقال سلكت الطَّريقَ أَسلُكُه. وسَلكت الشيء في الشيء: أنفذْته. والطَّعْنَة السُّلْكَى، إذا طَعَنَه تِلقاءَ وجهِه. والمسلَكَة: طُرَّةٌ تُشَقُّ من ناحية الثوب([16]). وإنّما سمّيت بذلك لامتدادها. وهي كالسِّكَك.

ومما شذَّ عن الباب السُّلَكَة: الأنثى من ولد الحَجَل، والذكر سُلَك، *وجمعه سِلْكانٌ. والله أعلم.

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "شجرة"، صوابه في المجمل واللسان. وواحده "سلامانة".

([2])  البيت لبجير بن عنمة الطّائي، كما في اللسان (15: 189) والمشهور في روايته: "بامسهم وامسلمة" على لغة حمير في إبدال لام "أل" ميماً.

([3]) البيت في اللسان (سلا) بدون نسبة .

([4]) ديوان رؤبة 25 واللسان (سلا).

([5]) ديوان الحماسة (2: 255). واللسان (سلب).

([6]) ديوان لبيد 50 طبع 1881، واللسان (سلب).

([7]) سبق البيت في (1: 422).

([8]) في الأصل "عن السيوف".

([9]) في اللسان: "قالت أعرابية، وقيل لها: ما شجرة أبيك؟ فقالت: شجرة أبي الإسليح".

([10]) سبق البيت وتخريجه في (2: 132). وصدره:

* ويزينها في النحر حَليٌ واضحٌ *

([11]) النساء، بالفتح: اسم من نسأت الشيء: أخرته.

([12]) القلفة، بالضم والتحريك: غرلة الصبي. والسلف، كذا وردت في الأصل والمجمل. وفي اللسان (11 : 61) أنها "السلفة" بالضم.

([13]) في الأصل: "للذراع"، صوابه في المجمل واللسان.

([14]) الرجز بدون نسبة في اللسان (سلق).

([15]) ديوان امرئ القيس 124 واللسان (سلق).

([16]) في المجمل: "من ناحيتي الثوب". ونص المقاييس يطابق نص القاموس. وهذه الكلمة "المسلكة" مما فات صاحب اللسان.

 


ـ (باب السين والميم وما يثلثهما)

(سمن) السين والميم والنون أصلٌ يدل على خلاف الضُّمْر والهزال. من ذلك السِّمَن، يقال هو سمين. والسَّمْن من هذا.

ومما شذَّ عن هذا الأصل كلامٌ يقال إن أهل اليمن يقولونه دونَ العرب، يقولونَ: سَمّنْتُ الشّيءَ، إِذا بَرّدْتَه. والتَّسْمِين: التَّبْريد. ويقال إنَّ الحجّاج قُدِّمت إليه سمكة فقال للذي عمِلها: "سَمِّنْها" يريد بَرِّدْها([1]).

(سمه) السين والميم والهاء أصلٌ يدلُّ على حَيْرة وباطل. يقال سَمَه إذا دُهِشَ، وهو سَامِهٌ وقومٌ سمّهٌ. ويقولون: سَمَه البعيرُ، إذا لم يعرف الإعياء([2]). وذهبت إبلُهم السُّمَّهَى، إذا تفرَّقَت. والسُّمَّهَى([3]): الباطل والكذب. فأما قولُ رؤبة:

* جَرْيَ السُّمَّه([4]) *

(سمو) السين والميم والواو أصلٌ يدل على العُلُوِّ. يقال سَمَوْت، إذا علوت. وسَمَا بصرُه: عَلا. وسَمَا لي شخصٌ: ارتفع حتّى استثبتُّه([5]). وسما الفحلُ: سطا على شَوله سَماوَةً. وسَمَاوَةُ الهلال وكلِّ شيءٍ: شخصُهُ، والجمع سَماوٌ([6]). والعرب تُسمِّي السّحاب سماءً، والمطرَ سماءً، فإذا أريدَ به المطرُ جُمع على سُمِيّ. والسَّماءة: الشَّخص. والسماء: سقف البيت. وكلُّ عالٍ مطلٍّ سماء، حتَّى يقال لظهر الفرس سَماء. ويتَّسِعون حتَّى يسمُّوا النَّبات سماء. قال:

إذا نَزَلَ السَّماءُ بأرضِ قومٍ *** رَعَيْناهُ وإن كانوا غِضابا([7])

ويقولون: "ما زِلْنا نطأُ السَّماءَ حتَّى أتيناكم"، يريدون الكلأ والمطر. ويقال إن أصل "اسمٍ" سِمْو، وهو من العلوّ، لأنَّه تنويهٌ ودَلالةٌ على المعنى.

(سمت) السين والميم والتاء أصلٌ يدل على نَهجٍ وقصدٍ وطريقة. يقال سَمَتَ، إذا أخذ النَّهْج. وكان بعضُهم يقول: السَّمْت: السّير بالظنّ والحَدْس. وهو قول القائل:

* ليس بها ربعٌ لِسَمْتِ السَّامِت *

ويقال إنَّ فلاناً لحَسنُ السَّمْتِ، إذا كان مستقيمَ الطريقةِ متحرِّياً لفعل الخَير. والفعل منه سَمَت. ويقال سَمَت سَمْتَه، إذا قصد قصده.

(سمج) السين والميم والجيم أصلٌ يدلُّ على خِلاف الحُسن. يقال هو سَمِجٌ وسَمْجٌ([8])، والجمع سِمَاجٌ وسَمَاجَى. ومن الباب السَّمْج من الألبان، وهو الخبيث الطَّعْم.

(سمح) السين والميم والحاء أصلٌ يدلُّ على سَلاسةٍ وسُهولة. يقال سَمَح له بالشيء. ورجلٌ سَمْحٌ، أي جواد، وقومٌ سُمَحاء ومَسامِيح. ويقال سَمَّح في سيره، إذا أسرع. قال:

* سَمَّحَ واجتابَ فلاةً قِيّا([9]) *

ومن الباب: المُسامَحة في الطِّعان والضَّرب، إذا كان على مُساهَلة. ويقال رُمْحٌ مسَمَّحٌ: قد ثُقِّفَ حتَّى لانَ.

(سمخ) السين والميم والخاء ليس أصلاً؛ لأنَّه من باب الإبدال. والسين فيه مبدلة من صاد. والسِّمَاخ في الأذن: مَدْخَله. ويقال سَمَخْت فلاناً: ضربت سِمَاخَه. وقد سَمَخني بشدة صوتِهِ.

(سمد) السين والميم والدال أصلٌ يدلُّ على مضيٍّ قُدُماً من غير تعريج. يقال سمَدت الإبلُ في سيرها. إذا جَدّتْ([10]) ومَضَت على رؤوسها. وقال الرَّاجز:

* سَوَامِدُ الليلِ خفافُ الأزوادْ([11]) *

يقول: ليس في بطونها عَلَف. ومن الباب السُّمود الذي هو اللَّهو. والسَّامد هو اللاهي. ومنه قوله جلَّ وعلا: {وأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم 61]، أي لاهون. وهو قياس الباب؛ لأنَّ اللاهي يمضي في أمره غير معرِّج ولا مُتَمَكِّث. وينشدون:

قيل قُمْ فانظر إليهم *** ثمّ دَع عنكَ السُّمودا([12])

فأمَّا قولهم سَمَّد رأسه، إذا استأصل شَعره، فذلك من باب الإبدال؛ لأن أصله الباء، وقد ذكر.

(سمر) السين والميم والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف البياض في اللون. من ذلك السُّمْرة من الألوان، وأصله قولهم: "لا آتيك السَّمَر والقَمَر"، فالقَمر: القمر. والسَّمَر: سواد الليل، ومن ذلك سمِّيت السُّمْرَة. فأمّا السَّامر فالقوم

*يَسْمُرُون. والسامر: المكان الذي يجتمعون فيه للسَّمَر. قال:

* وسامِرٍ طالَ لهم فيه السَّمَرْ([13]) *

والسَّمراء: الحِنطة، للَوْنها. والأسمر: الرُّمح. والأسمر: الماء. فأمَّا السَّمَار فاللّبن الرقيق، وسمِّي بذلك لأنَّه إذا كان [كذلك كان] متغيِّر اللون. والسَّمُر: ضربٌ من شجر الطَّلْحِ، واحدته سَمُرة، ويمكن أن يكون سمِّي بذلك للونه. والسَّمار: مكان في قوله:

لَئنْ وَردَ السَّمَارَ لنَقْتُلَنْه *** فلا وأبيكِ ما وَرَدَ السَّمَارا([14])

(سمط) السين والميم والطاء أصلٌ يدلُّ على ضمّ شيء إلى شيء وشدِّه به. فالسَّميط: الآجُرُّ القائم بعضُهُ فوقَ بعض. والسِّمْط: القِلادة، لأنَّها منظومةٌ مجموعٌ بعضُها إلى بعض. ويقال سَمَّط الشيء على مَعاليق السَّرْج. ويقال خُذْ حقَّك مُسَمَّطاً، أي خُذْهُ وعلِّقْه على مَعاليق رَحْلِكَ. فأما الشِّعْر المُسَمَّط، فالذي يكون في سطر البيت([15]) أبياتٌ مسموطةٌ تجمعها قافيةٌ مخالفةٌ مُسمَّطة ملازمة للقصيدة. وأما اللبن السَّامط، وهو الحامض، فليس من الباب؛ لأنَّه من باب الإبدال، والسين مبدلة من خاء.

(سمع) السين والميم والعين أصلٌ واحدٌ، وهو إيناسُ الشيء بالأُذُن، من النّاس وكلِّ ذي أُذُن. تقول: سَمِعْت الشيء سَمْعاً. والسَِّمع : الذِّكْر الجميل. يقال قد ذَهَب سَِمْعُهُ في الناس، أي صِيته. ويقال سَمَاعِ بمعنى استمِعْ. ويقال سَمَّعْتُ بالشيء، إذا  أشعتُهُ ليُتَكلَّم به. والمُسْمِعَة: المُغَنِّية. والمِسْمَع: كالأذن للغَرْبِ؛ وهي عُروةٌ تكون في وسط الغَرْبِ يُجْعَل فيها حبلٌ ليعدل الدّلو. قال الشاعر:

ونَعـدِل ذا المَيْل إن رامَنا  *** كما عُدِل الغَرْبُ بالمِسمعِ([16])

ومما شذّ عن الباب السِّمْع: ولد الذّئب من الضَّبُع.

(سمق) السين والميم والقاف فيه كلمة. ولعلَّ القاف أن تكون مبدلة من الكاف. سَمَق، إذا عَلاَ.

(سمك) السين والميم والكاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على العُلُوِّ. يقال سَمَك، إذا ارتفَعَ. والمسموكات: السماوات. ويقال سَمَكَ في الدَّرَج. واسمُكْ، أي اعْلُ. وسَنَامٌ سامك، أي عالٍ. والمِسْمَاك: ما سَمَكْتَ به البيتَ. قال ذو الرّمة:

كأنَّ رِجلَيْهِ مِسماكانِ مِنْ عشَرٍ  *** سَقْبَانِ لم يتقشَّرْ عنهما النَّجَبُ([17])

والسِّماك نجم. ومما شذَّ عن الباب وباين الأصل: السَّمَك.

(سمل) السين والميم واللام أصلٌ يدلُّ على ضعفٍ وقلّة. من ذلك  السَّمَل، وهو الثَّوْب الخَلَق. ومنه السَّمَل: الماء القليل يَبقى في الحوض، وجمعه أسمال. وسَمَّلت([18]) البئر: نقَّيتها. وأما الإسمال، وهو الإصلاح بين النَّاس. فمن هذه الكلمة الأخيرة، كأنَّه نَقَّى ما بينهم من العَداوةِ. والله تعالى أعلم.

ـــــــــــــ

([1]) في اللسان: "والتسمين: التبريد، طائفية. وفي حديث الحجاج أنّه أتى بسمكة مشوية فقال للذي حملها: سمنها. فلم يدرِ ما يريد، فقال عَنْبَسة بن سعيد: إنه يقول لك: بردها قليلاً".

([2]) الإعياء: التعب، وفي الأصل: "الأحياء"، صوابه في المجمل واللسان.

([3]) في الأصل "السهمى" في هذا الموضع وسابقه، صوابها من المجمل، ويقال أيضاً "السميهى" كخليطى.

([4]) في الكلام نقص. والبيت بتمامه، كما في ديوانه 165 واللسان:

*ياليتنا والدهر جري السمه*

([5]) وكذا في اللسان. لكن في المجمل "استبنته".

([6]) في الأصل "سمو"، تحريف. وفي اللسان: "والجمع من كل ذلك سماء وسماو".

([7]) البيت لمعود الحكماء معاوية بن مالك، كما في اللسان.

([8]) وسميج أيضاً.

([9]) في اللسان (3: 320): "بلادا قيا".

([10]) في الأصل "أخذت"، صوابه من المجمل واللسان.

([11]) البيت في المجمل مضبوطاً بهذا الضبط.

([12]) البيت في اللسان بدون نسبة.

([13]) وكذا وردت روايته في المجمل. وفي اللسان (6: 43):

* وسامر طالَ فيه اللهو والسمر *

([14]) لعمرو بن أحمر الباهلي، كما في اللسان (6: 46).

([15]) وكذا في المجمل. وفي اللسان: "صدر البيت".

([16]) البيت لعبد الله بن أوفى، كما في اللسان (سمع).

([17]) ديوان ذي الرمة 28 واللسان  (سقب، سمك).

([18]) يقال بالتخفيف والتشديد.

 

ـ (باب السين والنون وما يثلثهما)

(سنه) السين والنون والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على زمانٍ. فالسَّنَة معروفة، وقد سقطت منها هاء. ألا ترى أنّك تَقول سُنيْهَة. ويقال سَنَهَتِ النخلةُ، إذا أتت عليها الأعوام([1]). وقوله جل ذكره: { فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة 259]، أي لم يصر كالشيء الذي تأتي عليه السنُون فتغيِّره. والنَّخْلة السَّنْهاء([2]).

(سني) السين والنون والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سقْي، وفيه ما يدل على العلوّ والارتفاع. يقال سَنَتِ النَّاقَةُ، إذا سقت الأرض، تسنُو وهي السَّانِيَة. والسَّحابةُ تسنُو الأرضَ، والقوم يَسْتَنُون([3]) لأنفسهم إذا اسْتَقَوا.

ومن الباب سانيت الرَّجُلَ، إذا راضَيتَه، أُسانيه؛ كأنَّ الوُدَّ قد كان ذَوِي ويَبِس، كما جاء في الحديث: "بُلُّوا أرحامَكم ولو بالسَّلام".

وأمّا الذي يدلُّ على الرِّفعة فالسَّناء ممدود، وكذلك إذا قصرته دلَّ على الرفعة، إلاّ أنَّه لشيءٍ مخصوص، *وهو الضَّوْء. قال الله جلَّ ثناؤُه: { يَكَادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بالأَبْصَارِ}  [النور 43].

(سنب) السين والنون والباء كلمتان متباينتان فالسَّنْبَةُ: الطائفة من الدَّهْر. والكلمة الأخرى السَّنِب، وهو الفرس الواسع الجَري.

(سنت) السين والنون والتاء ليس أصلاً يتفرّع منه، لكنّهم يقولون السَّنُوت([4])، فقال قوم: هو العسل، وقال آخرون: هو الكَمُّون. قال الشاعر:

هم السَّمْن والسَّنُّوتُ لا أَلْسَ فيهمُ *** وهُمْ يمنَعون جارهُمْ أنْ يُقَرَّدا([5])

(سنج) السن والنون والجيم فيه كلمة. ويقولون: إن السِّناج أثرُ دُخَان السِّرَاج في الحائط.

(سنح) السين والنون والحاء أصلٌ واحدٌ يُحمَل على ظهور الشيء من  مكانٍ بعينهِ، وإن كان مختلَفَاً فيه. فالسّانح: ما أتاك عن يمينك من طائرٍ أو غيره، يقال سَنَحَ سُنُوحاً. والسانح والسَّنيح واحد. قال ذو الرمة:

ذكَرْتُكِ أنْ مَرت بنا أُمُّ شادنٍ *** أمام المطايا تشرئبُّ وَتسنَحُ([6])

ثم استُعير هذا فقيل: سنح لي رأيٌ في كذا، أي عَرَض.

(سنخ) السين والنون والخاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على أصل الشيء. فالسِّنْخ: الأصل. وأَسْنَاخُ([7]) الثنايا: أصولُها. ويقال سَنَخَ الرجل في العِلم سُنوخاً أي عَلِمَ أصولَه. فأمَّا قولهم سَنِخَ الدُّهْن، إذا تغيَّر، فليس بشيء.

(سند) السين والنون والداء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على انضمام الشيء إلى الشيء. يقال سَنَدتُ إلى الشيء أَسْنُدُ سنوداً، واستندت استناداً. وأسندتُ غيري إسناداً. والسِّناد: النّاقة القويّة، كأنها أُسنِدت من ظهرها إلى شيءٍ قويّ. والمُسْنَدُ: الدهرُ؛ لأن بعضَه متضامّ. وفَلان سَنَدٌ، أي معتمَدٌ. والسَّنَد: ما أقبل عليك من الجبل، وذلك إذا علا عن السَّفْح. والإسناد في الحديث: أن يُسْنَد إلى قائله، وهو ذلك القياس. فأمَّا السِّناد الذي في الشعر فيقال إنَّهُ اختلافُ حركتي الرِّدفين. قال أبو عبيدة: وذلك كقوله:

* كأنَّ عيونَهن عيونُ عِينِِ([8]) *

ثم قال:

* وأصبح رأسُهُ  مثلَ اللُّجَيْنِ([9]) *

وهذا مشتق من قولهم: خرج القوم متسانِدين، إذا كانوا على راياتٍ شتى. وهذا من الباب؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ من الجماعة قد ساندت رايةً.

(سنط) السين والنون والطاء ليس بشيء إلاّ السِّناط، وهو الذي لا لِحْيَة له.

(سنع) السين والنون والعين إن كان صحيحاً فهو يدلُّ على جَمَالٍ وخيرٍ ورِفعةٍ. يقال شرفٌ أسنعُ، أي عالٍ مرتفع. وامرأة سنيعة: أي جميلة.

(سنف) السين والنون والفاء أصلٌ يدلُّ على شدّ شيءٍ. أو تعليق شيء على شيء. فالسِّنَاف: خيط يُشدّ من حَِقْو البعير إلى تصديره ثم يشدُّ في عنقه. قال الخليل: السِّنَاف للبعير مثل اللَّبَبِ للدابّة. بعيرٌ مِسْناف، وذلك إذا أُخّر الرجل فجعل له سناف. يقال أسنفت [البعير([10])]، إذا شددتَه بالسِّناف. ويقال أسنَفُوا أمرَهم، أي أحكَموه. ويقال في المثل لمن يتحيّر في أمره: "قد عَيَّ بالأسناف". قال:

إذا مَا عَيَّ بالأسنافِ قومٌ *** من الأمر المشبَّه أن يكُونا([11])

وحكى بعضهم: سَنَفْتُ البعير، مثل أَسنفْت. وأبى الأصمعيُّ إلاّ أسنفت. وأما السِّنْف فهو وعاء ثَمَر المَرْخِ يشبه آذانَ الخيل. وهو من الباب؛ لأنَّهُ مُعلَّق على شجرة. وقال أبو عمرو: السِّنْف: الورقة. قال ابن مُقبل:

* تَقَلْقُلَ سِنْفِ المَرْخِ في جَعبةٍ صِفْرِ([12]) *

(سنق) السين والنون والقاف فيه كلمةٌ واحدة، وهي السَّنَق، وهو كالبَشَم. يقال شرِب الفَصيل حتى سَنِق. وكذلك الفرس، من العلَف. وهو كالتُّخَم في الناس.

(سنم) السين والنون والميم أصلٌ واحد، يدلُّ على العلوّ والارتفاع.فالسَّنَام معروف. وتسنَّمت: علَوت. وناقة سَنِمَةٌ: عظيمة السَّنام. وأسنمتُ النارَ : أعلَيْتُ لهبَها. وأَسْنُمَةُ: موضع.

ــــــــــــــــــ

([1]) وكذلك تسنهت.

([2]) لم يصرح بتفسيرها. والسنهاء: التي أصابتها السنة المجدبة.

([3]) في المجمل: "يسنون". وفي اللسان: "والقوم يسنون لأنفسهم، إذا استقوا. ويستنون، إذا سنوا لأنفسهم".

([4]) وفيه لغة أخرى: "سنوت" كسنور.

([5]) البيت للحصين بن القعقاع. كما في اللسان (سنت، قرد)، وروايته في (سنت، قرد، ألس): "هم السمن بالسنوت".

([6]) ديوان ذي الرمة 79 برواية : "إذ مرت".

([7]) في الأصل والمجمل: "سناخ"، صوابه من اللسان والجمهرة.

([8]) البيت لعبيد بن الأبرص في ديوانه 45 واللسان (سند). وصدره: * فقد ألج الخباء على جوار *

([9]) صواب إنشاد البيت بتمامه:

فإن يَكُ فاتني أسفاً شبابي *** وأضحى الرأس مني كاللجين

لكن كذا ورد إنشاده في المجمل والمقاييس والصحاح، ويروى: "كاللجين" بفتح اللام، وهو ورق الشجر يخبط، فهو لونان: رطب ويابس.

([10]) التكملة من المجمل.

([11]) لعمرو بن كلثوم في معلقته واللسان.

([12]) صدره كما في اللسان (سنف):  * تقلقل من ضغم اللجام لهاتها *.

 

ـ (باب السين والهاء وما يثلثهما)

(سهو) السين والهاء والواو معظم الباب [يدلّ] على الغفلة والسُّكون. فالسَّهْو: الغفلة، يقال سَهَوْتُ في الصلاة أسهو سَهْواً. ومن الباب المساهاة: حُسْن المُخَالَقَة، كأنَّ الإنسانَ يسهو عن زَلَّةٍ إن كانت من غيره. والسَّهْو: السُّكون. يقال جاء سَهْواً رَهْواً.

ومما شَذَّ عن هذا الباب [ السَّهْوَة([1])]، وهي كالصُّفَّة تكون أمامَ البيت.

وممّا يبعُد عن هذا وعن قياس الباب: قولهم حملت المرأةُ ولدَها سَهْواً، أي على حَيْضٍ. فأمًَّا السُّهَا فمحتمل أن يكون من الباب الأول: لأنَّه خفيٌّ جدّاً فيُسهَى عن رؤيته.

(سهب) السين والهاء والباء أصلٌ يدلُّ على الاتّساع في الشيء. والأصل السَّهْب، وهي الفَلاة الواسعة، ثم يسمَّى الفرس الواسعُ الجري سَهْباً.

ويقال بئر سَهْبَةٌ، أي بعيدة القعر. ويقال حفر القوم فأسهبوا، أي بلغوا الرَّمْل. وإذا كان كذا كان أكثر للماء وأوسَعَ لـه. ويقال للرّجُل الكثير الكلام مُسْهَب، بفتح الهاء. كذا جاء عن العرب أَسْهَبَ فهو مُسْهَبٌ، وهو نادر([2]).

(سهج) السين والهاء والجيم أصلٌ يدلُّ على دوامٍ في شيء. يقال سَهَجَ القوم لَيْلَتَهم، أي ساروا سيراً دائماً. ثمَّ يقال سَهَجَت الرِّيحُ، إذا دامت وهي سَيْهَجٌ، وسَيْهُوجٌ. ومَسْهَجُها: مَمرُّها.

(سهد) السين والهاء والدال كلمتانِ متباينتان تدلُّ إحداهما على خلاف النّوم، والأخرى على السكون.

فالأولى السُّهاد، وهو قِلَّة النوم. ورجل سُهُدٌ، إذا كان قليلَ النّوم. قال:

فأتَتْ به حُوشَ الفُؤادِ مبطَّناً *** سُهُداً إذا ما نام ليلُ الهَوْجَلِ([3])

وسَهَّدْتُ فلاناً، إذا أطرتَ نومَه.

والكلمة الأخرى  قولُهم شيءٌ سَهْدٌ مَهْد، أي ساكن([4]) لا يُعَنِّي. ويقال ما رأيت من فلان سَهْدَةً، أي أمراً أعتمد عليه من خبر أو كلام، أو أسكُن إليه.

(سهر) السين والهاء والراء معظم بابه الأرَق، وهو ذَهاب النوم. يقال سَهَرَ يَسْهَرُ سَهَراً. ويقال للأرض: السّاهرة، سمِّيت بذلك لأن عملها في النَّبت دائماً ليلاً ونهاراً. ولذلك يقال:"خَير المالِ عينٌ خَرّارة، في أرض خوَّارة، تَسْهَرُ إذا نِمتَ، وتشهَد إذا غِبْتَ". وقال أميّة بن أبي الصلت:

وفيها لَحْمُ ساهرةٍ وبحرٍ *** وما فاهُوا بِهِ لهمُ مقيم([5])

وقال آخر، وذكر حَميرَ وحْش:

يرتَدْنَ ساهرةً كأنَّ عميمَها *** وجَمِيمَها  أسدافُ ليلٍ مظلمِ([6])

ثم صارت السّاهرةُ اسماً لكلِّ أرض. قال الله جلَّ جلالُهُ: {فإنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ. فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات 13-14] والأسهران: عِرقان في الأنف من باطن، إذا اغتلم الحِمارُ سالا ماءً. قال الشَّمّاخ:

تُوائِلُ من مِصَكٍّ أنْصَبَتْهُ  *** حوالبُ أسهريهِ بالذَّنِينِ([7])

وكأنَّما سمِّيتا بذلك لأنّهما يسيلان ليلاً كما يسيلان نهاراً. ويروى "أسهرته". ويقال رجلٌ سُهَرَةٌ: قليل النّوم. وأمّا السَّاهور فقال قوم: هو غلاف القمر؛ ويقال هو القمر. وأيَّ ذلك كان فهو من الباب؛ لأنَّه يسبح في الفَلَك دائباً، ليلاً ونهاراً.

(سهف) السين والهاء والفاء تقلّ فروعه. ويقولون إنَّ السَّهَف([8]): تشحُّط القتيلِ في دمِهِ واضطرابُهُ. ويقال إن السُّهَاف: العطش.

(سهق) السين والهاء والقاف أصلٌ يدلُّ على طول وامتداد. وهو صحيح. فالسَّهْوَق: الرَّجُلُ الطويل. والسَّهْوق الكذَّابُ، وسُمِّيَ بذلك لأنَّه يغلو في الأمر ويزيدُ في الحديث. والسَّهْوقُ من الرياح: التي تَنْسِج العَجَاج. *والسَّهْوق: الرَّيَّان من سُوق الشَّجر؛ لأنّه إذا رَوِيَ طال.

(سهك) السين والهاء والكاف أصلان: أحدهما يدلُّ على قَشْر ودقٍّ، والآخر على الرَّائحة الكريهة.

فالأوّل قولُهم: سَهَكَت الرِّيحُ التّرابَ، وذلك إذا قَشَرتْه عن الأرض. والمَسْهَكَة: الذي يشتدّ مرُّ الرّيح عليه. ويقال سَهَكْتُ الشّيءَ، إذا قشرتَه، وهو دونَ السَّحْق. وسَهَكَت الدَّوابُّ، إذا جرت جرياً خفيفاً. وفَرَسٌ مِسْهَكٌ، أي سريع. وإنما قيلَ لأنَّه يسهَك الأرضَ بقوائمه.

والأصل الثاني السَّهَك، قال قوم: هو رائحة السمك من اليَد. ويقال بل السَّهَك: ريحٌ كريهة يجدُها الإنسان إذا عَرِقَ. ومن هذا الباب السَّهَك: صدأ الحديد. ومنه أيضاً قولهم: بِعينِه ساهكٌ، أي عائرٌ من الرَّمَد. قال الشاعر في السَّهَك:

سَهِكِينَ مِنْ صَدأ الحديدِ كأنّهم *** تحت السَّنَـوَّرِ جِنّةُ البَقَّارِ([9])

(سهل) السين والهاء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على لينٍ وخلاف حُزونة. والسَّهْل: خلاف الحَزْن. ويقال النّسبةُ إلى الأرض السَّهلة سُهْليٌّ. ويقال أسْهَلَ القومُ، إذا ركبوا السَّهل. ونهرٌ سَهِلٌ: فيه سِهْلَةٌ، وهو رملٌ ليس بالدُّقَاق. وسُهَيْلٌ: نجم.

(سهم) السين والهاء والميم أصلان: أحدهما يدلُّ على تغيُّرٍ في لون، والآخرُ على حظٍّ ونصيبٍ وشيءٍ من أشياء.

فالسُّهْمَة: النَّصيب. ويقال أسَهم الرَّجُلانِ، إذا اقْترعا، وذلك من السُّهْمَة والنّصيبِ، أن يفُوز([10]) كلُّ واحد منهما بما يصيبه. قال الله تعالى: { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المُدْحَضِينَ}[الصافات 141]. ثمّ حمل على ذلك فسُمِّي السَّهمُ الواحد من السِّهَام، كأنّه نصيبٌ من أنصباء وحظٌّ من حظوظ. والسُّهْمَة: القرابة؛ وهو من ذاك؛ لأنّها حَظٌّ من اتّصال الرحم. وقولهم بُرْدٌ مسهَّم، أي مخطّط، وإنّما سمِّي بذلك لأنّ كلَّ خَطٍّ منه يشبّه بسهم.

وأمّا الأصلُ الآخَر فقولهم: سَهَُمَ وجْهُ الرّجلِ([11])، إذا تغيَّرَ  يَسْهَُم، وذلك مشتقٌّ  من السَُّهَام، وهو ما يصيب الإنسانَ من وَهَج الصّيف حتى يتغيَّرَ لونُه. يقال سهمَ الرَّجُل، إذا أصابَه السَُّهَام. والسَُّهَام أيضاً: داء يصيب الإبل، كالعُطَاش. ويقال إِبلٌ سَواهِمُ، إذا غيَّرها السّفَر([12]). والله أعلم.

 

ــــــــــــــــــــ

([1]) التكملة من المجمل.

([2]) يقال أيضاً:"مسهب" بكسر الهاء. وقيل بفتحها للإكثار من الخطأ، وبكسرها للإكثار من الصواب.

([3]) البيت لأبي كبير الهذلي، كما في اللسان (سهد)، وسيعيده في (هجل). وقصيدته في نسخة الشنقيطي من الهذليين  61.

([4]) في الأصل: "ساكت"، تحريف. وفي المجمل واللسان: "أي حسن".

([5]) البيت في اللسان (سهر) بدون نسبة.

([6]) البيت لأبي كبير الهذلي، كما في اللسان (سهر)، وقصيدته في نسخة الشنقيطي من الهذليين 66.

([7]) ديوان الشماخ 93، وقد سبق في (2: 348).

([8]) ضبط في الأصل والمجمل بفتح الهاء، وفي اللسان والقاموس بسكونها.

([9]) البيت للنابغة في ديوانه 35 واللسان (سهك)، وسبق تخريجه في مادة (بقر).

([10]) في الأصل: "يقول".

([11]) يقال سَهم من بابي فتح وظرف، وسهم بهيئة المبني للمفعول.

([12]) في الأصل: "غمرها"، صوابه من المجمل.

 

ـ (باب السين والواو وما يثلثهما)

(سوي) السين والواو والياء أصلٌ يدلُّ على استقامةٍ واعتدالٍ بين شيئين. يقال هذا لا يساوي كذا، أي لا يعادله. وفلانٌ وفلانٌ على سَوِيّةٍ من هذا الأمر، أي سواءٍ. ومكان سُوىً، أي مَعْلَمٌ قد عَلِمَ القومُ الدّخولَ فيه والخروج منه. ويقال أسْوَى الرّجلُ، إذا كان خَلَفُهُ وولدُهُ سَوِيّاً.

وحدَّثنا علي بن إبراهيم القَطّان، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عُبيد، عن الكسائيّ قال: يقال كيف أمسيتم؟ فيقال: مَستوُون صالحون. يريدون أولادُنا ماشيتُنا سَوِيَّةٌ صالحة.

ومن الباب السِّيُّ: الفضاء من الأرض، في قول القائل([1]):

* كأنَّ نَعَامَ السِّيِّ باضَ عليهمُ([2]) *

والسِّيّ: المِثْل. وقولهم سِيّانِ، أي مِثلان.

ومن ذلك قولهم:  لا سيّما، أي لا مثلَ ما. هُوَ من السِّين والواو والياء، كما يقال ولا سَواء. والدَّليل على أن السّيَّ المِثل قولُ الحطيئة:

فإيّاكم وحَيّةَ بطنِ وادٍ *** هَمُوزَ النّابِ لكم بسِيِّ([3])

ومن الباب السَّواء: وسَط الدَّارِ وغَيرِها، وسمِّي بذلك لاستوائه. قال الله جلَّ ثناؤه: {فاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}  [الصافات 55].

وأمَّا قولُهم: هذا سِوَى ذلك، أي غيرُهُ، فهو من الباب؛  لأنَّه إذا كان سِواه فهما كلُّ واحدٍ منهما في حَيِّزِه على سواء. والدّليل على ذلك مدُّهم السِّواء بمعنى سِوى. *قال الأعشى:

* وما عدلَتْ  من أهلِها لِسوائكا([4]) *

ويقال قصدتُ سِوَى فلانٍ: كما يقال قصدت قصده. وأنشد الفراء:

فَلأَصْرِفَنّ سِوَى حُذيفة مِدْحتي *** لِفَتى العَشيِّ وفارسِ الأجرافِ([5])

(سوء) فأمّا السين والواو والهمزة فليست من ذلك، إنّما هي من باب القُبح. تقول رجلٌ أسوَأُ، أي قبيحٌ، وامرأةٌ سَوآء، أي قبيحة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سوْآءُ([6]) وَلودٌ خيرٌ مِنْ حَسناءَ عقيم". ولذلك سمّيت السَّيِّئة سيّئة. وسمِّيت النار سُوأَى، لقُبْح منظرها. قال الله تعالى : {ثُمَّ كاَنَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤوا السُّوأَى} [الروم 10]. وقال أبو زُبَيْد:

لم يَهَبْ حُرْمَةَ النَّدِيم وحُقَّتْ  *** يا لَقَومِي للسَّوأةِ السَّوآءِ([7])

(سوح) السين والواو والحاء كلمةٌ واحدةٌ. يقالُ ساحة الدار، وجمعها ساحات وسُوح. 

(سوخ) السين والواو والخاء كلمةٌ واحدة. يقال ساخت قوائمه في الأرض تسوخ. ويقال مُطِرْنا حتى صارت الأرض سُوَّاخَى، على فُعَّالَى، وذلك إذا كثرت رِزاغُ المطر. وإذا كانت كذا ساخت قوائمُ المارّة فيها.

(سود) السين والواو والدال أصلٌ واحد، وهو خلاف البياضِ في اللّونِ، ثم يحمل عليه ويشتقّ منه. فالسَّواد في اللّون معروف. وعند قومٍ أن كلَّ شيءٍ خالف البياضَ، أيَّ لونٍ كان، فهو في حيّز السواد.  يقال: اسودّ الشيء واسوادَّ. وسوادُ كلِّ شيء: شخصه. والسِّواد: السِّرار؛ يقالُ ساوده مساودةً وسِواداً، إذا سارّه. قال أبو عبيد: وهو من إدناء سَوادِكَ من سَواده، وهو الشَّخص. قال:

مَنْ يكنْ في السِّواد والدَّدِ والإغْـ *** ـرامِ زِيراً فإنّني غيرُ زيرِ([8])

والأساود: جمع الأسود، وهي الحيّات. فأمّا قول أبي ذَرّ رحمة الله عليه: "وهذه الأساودُ حولي"، فإنّما أراد شخص آلاتٍ كانت عنده؛ [وما حولَه([9])] إلا مِطْهرةٌ وإِجّانةٌ وجَفْنة. والسَّواد: العدد الكثير، وسمِّي بذلك لأن الأرض تسوادُّ له.

فأمَّا السِّيادة فقال قوم: السيِّد: الحليم. وأنكر ناسٌ أن يكونَ هذا من الحِلم، وقالوا: إنّما سمِّي سيِّداً لأنَّ الناس يلتجِئون إلى سَواده. وهذا أقيس من الأوَّل وأصحّ. ويقال فلانٌ أسوَد من فلانٍ، أي أَعْلَى سِيادةً منه. والأسودان: التَّمر والماء. وقالوا: سَوَاد القَلب وسُوَيداؤُه، وهي حَبّته. ويقال سَاوَدَني فلانٌ فسُدْته، من سَوَاد اللونِ والسّؤدُد جميعا. والقياسُ في الباب كلِّه واحد.

(سور) السين والواو والراء أصلٌ واحد يدلُّ على علوٍّ وارتفاع. من ذلك  سَار يَسُور إذا غضب وثار. وإنَّ لغضبِهِ لَسَورةً. والسُّور: جمع سُورة، وهي كلُّ منْزلةٍ من البناء. قال:

ورُبَّ ذِي سُرادقٍ محجورِ  *** سُرْتُ إليه في أعالي السُّورِ([10])

فأمّا قول الآخر([11]):

وشاربٍ مُرْبحٍ في الكأسِ نادَمَني *** لا بالحَصُور ولا فيها بسَوَّارِ

فإنّه يريد أنّه ليس بمتغضّب. وكان بعضهم يقول: هو الذي يَسُور الشَّرابُ في رأسِهِ سريعاً. وأما سِوار المرأة، والإسوار([12]) من أساورة الفُرس وهم القادة، فأُراهما غيرَ عربيَّين. وسَورة الخمر: حِدّتُها وغلَيانها.

(سوط) السين والواو والطاء أصلٌ يدلُّ على مخالطة الشَّيءِ الشيءَ. يقال سُطت الشّيءَ: خلطتُ بعضَهُ ببعض. وسَوَّط فلانٌ أمرَهُ تسويطاً، إذا خَلَطَه. قال الشَّاعر:

فَسُطْها ذَميمَ الرّأيِ غيرَ موفَّقٍ *** فلستَ على تسويطها بمُعان([13])

 

ومن الباب السَّوط، لأنّه يُخالِط الجِلدة؛ يقال سُطْتُهُ بالسَّوط: ضربتُهُ. وأمَّا قولهم في تسمية النَّصيب سَوطاً فهو من هذا. قال الله جلَّ ثناؤه: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ}  [الفجر 13]، أي نَصيباً من العذاب.

(سوع) السين والواو والعين يدلُّ على استمرار الشّيء ومُضيِّه. من ذلك  السَّاعة *سمِّيت بذلك. يقال جاءنا بعد سَوْعٍ من الليل وسُوَاعٍ، أي بعد هَدْءٍ منه. وذلك أنَّه شيءٌ يمضي ويستمرّ. ومن ذلك قولهم عاملته مُساوعةً، كما يقال مياومَة، وذلك من السَّاعة. ويقال أَسَعْتُ الإبلَ إساعةً، وذلك إذا أهملتَها حتَّى تمرَّ على وجهها. وساعت فهي تَسُوع. ومنه يقال هو ضائع سائع. وناقة مِسياعٌ، وهي التي تذهب في المرعى. والسِّياع: الطِّين فيه التِّبن.

(سوغ) السين والواو والغين أصلٌ يدلُّ على سهولة الشيء واستمراره في الحلق خاصّة، ثم يحمل على ذلك. يقال ساغ  الشَّرابُ في الحَلْق سَوغاً. وأساغَ الله جلَّ جلالُهُ. ومن المشتقّ منه قولُهم: أصاب فلانٌ كذا فسوَّغْتُهُ إياه. وأمَّا قولُهُم هذا سَوْغُ هذا، أي مثله، فيجوز أن يكونَ من هذا، أي إنه يَجري مجراه ويستمرُّ استمراره. ويجوز أن يكون السّين مُبدَلة من صادٍ، كأنَّه صِيغَ صياغَته. وقد ذُكِرَ في بابه.

(سوف) السين والواو والفاء ثلاثة أصول: أحدها الشَّمُّ . يقال سُفْت الشَّيءَ أَسُوفُه سَوْفاً، وأَسَفْتُهُ. وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنّ قولهم: بيننا وبينهم مَسافةٌ، مِنْ هذا. قال: وكان الدَّليل يَسُوف التُّرَابَ ليعلمَ على قصدٍ هو أم  على جَور. وأنشدوا:

* إذا الدّليلُ استافَ أخلاقَ الطُّرُق([14]) *

أي شَمّها.

والأصل الثّاني: السُّوَاف: ذَهاب المال ومَرَضُه. يقال أساف الرّجُلُ، إذا وقع في مالِهِ السُّواف. قال حُميد بن ثور:

* أَسَافا من المال التِّلادِ وأَعْدَما([15]) *

وأمّا التأخير فالتسويف.  يقال سوَّفتُه، إذا أخّرتَه، إذا قلتَ سوف أفعلُ كذا.

(سوق) السين والواو والقاف أصل واحد، وهو حَدْوُ الشَّيء. يقال ساقه يسوقه سَوقاً. والسَّيِّقة: ما استيق من الدوابّ.  ويقال سقتُ إلى امرأتي صَدَاقها، وأَسَقْتُهُ. والسُّوق مشتقّةٌ من هذا، لما يُساق إليها من كلِّ شيء، والجمع أسواق. والساق للإنسان وغيره، والجمع سُوق، إنّما سمّيت بذلك لأنَّ الماشي ينْساق عليها. ويقال امرأة سَوْقاء، ورجلٌ أَسوَق، إذا كان عظيمَ السّاق. والمصدر السَّوَق. قال رؤبة:

* قُبٌّ من التَّعْداء حُقْبٌ في سَوَق([16]) *

وسُوق الحرب: حَومة القِتال، وهي مشتّقةٌ من الباب الأول.

(سوك) السين والواو والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على حركةٍ واضطراب. يقال تساوَقَت الإبل: اضطرَبَتْ أعناقُها من الهُزال وسوء الحال. ويقال أيضاً: جاءت الإِبل ما تَسَاوَكُ هُزالاً، أي ما تحرِّك رؤوسَها. ومن هذا اشتق اسم السِّواك، وهو العُود نفسُه. والسِّواك استعماله أيضاً. قال ابن دريد:  سُكْتُ الشيءَ سَوكاً، إذا دَلكتَه. ومنه اشتقاق السِّواك، يقال ساك فاهُ، فإذا قلت استاك لم تذكر الفم.([17])

(سول) السين والواو واللام أصلٌ يدلُّ على استرخاءٍ في شيء يقال سَوِلَ يَسْوَل سَوَلا. قال الهذليّ([18]):

كالسُّحْلِ البيض جَلا لونَها  *** سَحُّ نِجَاءِ الحَمَل الأَسْوَلِ

فأَمّا قولهم سَوّلتُ له الشيءَ، إذا زيّنْتَه له، فممكن أن تكون أعطيته سُؤلَه، على أن تكون الهمزة مُليَّنَةً من السُّؤل.

(سوم) السين والواو والميم أصلٌ يدل على طلب الشيء. يقال سُمت الشيءَ، أَسُومُهُ سَوْمَاً. ومنه السَّوام في الشِّراء والبيع. ومن الباب سامت الرَّاعيةُ تسوم، وأَسَمْتُهَا أنا. قال الله تعالى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل 10]، أي تُرعُون. ويقال سّوَّمْت فلاناً في مالي تسويماً، إذا حكَّمتَه في مالك. وسَوَّمْتُ غُلامي: خَلّيته وما يُريد. والخيل المُسَوَّمَة: المرسلة وعليها رُكبانُها. وأصل ذلك كلِّه واحد.

ومما شذَّ عن الباب السُّومَةُ، وهي العلامةُ تُجْعَل في الشيء. والسِّيما مقصور من ذلك *قال الله سبحانه: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح 29]. فإذا مدُّوه قالوا السيماء.

(سوس) السين والواو والسين أصلان: أحدهما فسادٌ في شيء، والآخر جِبلّة وخليقة. فالأوّل ساس الطّعامُ يَساسُ، وأساس يُسِيسُ، إذا فَسَدَ بشيء يقال لـه سُوس. وساست الشّاة تَسَاس، إذا كثر قَمْلها. ويقال إنَّ السَّوَسَ داءٌ يصيب الخيل في أعجازها.

وأمّا الكلمةُ الأخرى  فالسُّوس وهو الطّبع. ويقال: هذا من سُوس فلان، أي طبعه.

وأمَّا قولهم سُسْته أسُوسُه فهو محتملٌ أن يكون من هذا، كأنه يدلُّه على الطبع الكريم ويَحمِله عليه.

والسِّيساء([19]):  مُنتَظَم فَقَار الظهر. وماء مَسُوسٌ وكلأٌ مَسُوسٌ([20])، إذا كان نافعاً في المال([21])، وهي الإبل والغنم. والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــــــ

([1]) هو زيد الخيل كما في الحيوان (4: 339)، والشعر والشعراء في أثناء ترجمة الأعشى، ونقد الشعر

39. وروي أيضاً من قصيدة لمعقر البارقي في الأغاني (10: 44).

([2]) عجزه: * فأحداقهم تحت الحديد  خوازر *.

([3]) ديوان الحطيئة 69 واللسان (سوا).

([4]) ديوان الأعشى 66. وقد سبق تخريجه في (جنف). وصدره:

* تجانف عن جل اليمامة ناقتي *

([5]) في اللسان (19: 143) : "فارس الأحزاب"، تحريف. والبيت من أبيات فائية في الأغاني (14:

127) منسوبة إلى رجل من بني الحارث بن الخزرج، أو إلى حسان بن ثابت. وانظر تنبيه البكري على الأمالي 67.

([6]) ويروى أيضاً: "سوداء".

([7]) البيت في اللسان (سوأ).

([8]) سبق البيت في مادة (زير).

([9]) التكملة من اللسان. وفي المجمل "من" بدل "إلا".

([10]) البيت في اللسان (6: 55).

([11]) هو الأخطل. ديوانه 116. وقد سبق في (2: 73).

([12]) ضبط في الأصل والمجمل بكسر الهمزة، ويقال أيضاً بضمها.

([13]) البيت في المجمل واللسان (سوط).

([14]) البيت لرؤبة في ديوانه 104 واللسان (سوف).

([15]) صدره كما في اللسان (سوف):

* فيا لهما من مرسلين لحاجة *

([16]) ديوان رؤبة 106.

([17]) الجمهرة (3: 48).

([18]) هو المتنخل الهذلي، كما في اللسان (سول) من قصيدة في القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 81، ونسخة الشنقيطي 44.

([19]) حقه أن يكون في مادة (سيس).

([20]) وصواب هاتين أن يكونا في مادة (مسس).

([21]) النافع الذي يشفي غلة العطش. وفي الأصل : "ذفعا" تحريف.

 

ـ (باب السين والياء وما يثلثهما)

(سيب) السين والياء والباء أصلٌ يدلُّ على استمرارِ شيءٍ وذهابِهِ. من ذلك سَيْبُ الماء: مجراه. وانْسَابت الحَيَّة انسياباً. ويقال سيَّبت الدّابّة: تركته حيث شاء. والسائبة: العبد يُسَيَّب من غير وَلاءٍ، يَضَعُ مالَهُ حيث شاء.

ومن الباب [السَّيْب([1])]، وهو العَطاء، كأنَّه شيءٌ أُجْرِيَ لـه. والسُّيُوب: الرِّكاز، كأنَّه عطاءٌ أجراه الله تعالى لمن وَجَده.

وممّا شذّ عن هذا الأصل السَّيَابُ، وهو البلح، الواحدة سَيَابةٌ.

(سيح) السين والياء والحاء أصلٌ صحيح، وقياسه قياسُ ما قبلَه. يقال ساح في الأرض. قال  الله جلّ ثناؤه: { فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}  [التوبة 2]، والسَّيْح: الماء الجاري، والمساييح في حديث علي كرَّم الله وجهه في قولـه: "أولئك مصابيح الدُّجَى، ليسوا بالمَذَاييع ولا المساييح البُذُر([2])"، فإنَّ المذاييع جمع مِذْيَاع، وهو الذي يُذيع السرّ لا يكتُمهُ. والمساييح، هم الذين يَسِيحون في الأرض بالنَّميمة والشّرّ والإفساد بين الناس.

ومما يدلُّ على صحّة هذا القياس قولُهم ساح الظّلُّ، إذا فاء. والسَّيْح:  العَباءة المخطَّطة. وسمِّي بذلك تشبيهاً لخطوطها بالشَّيء الجاري.

(سيد) السين والياء والدال كلمةٌ واحدةٌ، وهي السِّيد. قال قومٌ: السِّيد الذئب. وقال آخرون: وقد يسمَّى الأسَد سِيداً. وينشدون:

* كالسِّيد ذي اللِّبْدة المستأسِدِ الضّاري([3]) *

(سير) السين والياء والراء أصلٌ يدلُّ على مضيٍّ وجَرَيان، يقال سار يسير سيراً، وذلك يكونُ ليلاً ونهاراً. والسِّيرة: الطَّريقة في الشيء والسُّنّة، لأنَّها تسير وتجري. يقال سارت، وسِرْتُها أنا. قال:

فلا تجزَعَنْ مِنْ سُنّة أنْتَ سِرتَها *** فأوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يسيرُها([4])

والسَّيْر:الجِلْد، معروف، وهو من هذا سمِّي بذلك لامتداده؛ كأنَّه يجري. وسَيَّرتُ الجُلَّ عن الدَّابَّة، إذا ألقيتَهُ عنه. والمُسَيَّر مِنَ الثِّيَاب: الذي فيه خطوط كأنَّه سيور.

(سيع) السين والياء والعين أصلٌ يدلُّ على جريانِ الشيء. فالسَّيْع: الماء الجاري على وجْه الأرض، يقال ساع وانساع. وانساع الجَمَد: ذاب. والسَّيَاع: ما يُطيَّن به الحائط. ويقال إنَّ السَّياع الشحمة تُطلَى بها المزادة. وقد سَيَّعَت المرأةُ مَزادتَها.

(سيف) السين والياء والفاء أصلٌ يدلُّ على امتدادٍ في شيء وطول. من ذلك السَّيف، سمِّيَ بذلك لامتداده. ويقال منه امرأةٌ سَيفانةٌ، إذا كانت شَطْبة وكأنَّها نَصْلُ سَيف. قال الخليل بن أحمد: لا يُوصَف به الرَّجُل.

وحدَّثني عليُّ بن إبراهيم* عن عليّ بن عبد العزيز، عن أبي عبيد، عن  الكسائيّ: رجلٌ سيفانٌ وامرأةٌ سيفانة.

ومما يدلُّ على صحَّة هذا الاشتقاق، قولُهم سِيف البحر، وهو ما امتدَّ معه من ساحله ومنه السِّيف، ما كان ملتصقاً بأصول السَّعَف من الليف، وهو أردؤُه. قال:

* والسِّيفُ واللِّيف على هُدَّابِها([5]) *

فأمَّا السَّائفة من الأرض فمن هذه أيضاً، لأنَّه الرَّمل الذي يميل في الجَلَد ويمتدُّ معها. قالوا: وهو الذي يقال لـه العَدَاب([6]). قال أبو زِياد: السَّائفة([7])من الرَّمل ألينُ ما يكون منه. والأوَّل أصحّ. وهو قول النّضر؛ لأنّه أقيس وأشْبَه بالأصل الذي ذكرناه. وكلُّ ما كان من اللُّغة أقيَسَ فهو أصحُّ. وجمع السائفة سوائف. قال ذو الرمة:

تَبَسَّمُ عن أَلْمَى اللِّثاتِ كأنَّه *** ذُرَى أُقْحُوانٍ من أقاحِي السوائفِ([8])

وقال أيضاً:

..................... كأنَّها *** بسائفةٍ قفرٍ ظهورُ الأراقمِ([9])

فأمَّا قولهم أَسَفْتُ الخَرْزَ، إذا خَرمْتَه، فقد يجوزُ أن يكون شاذاً عن هذا الأصل، ويجوز أن يكونَ من ذوات الواو وتكون من السُّواف، وقد مضى ذِكره. يقال هو مُسيفٌ، إذا خَرَمَ الخرْز. قال الرَّاعي:

مَزَائدُ خَرقاءِ اليدينِ مُسيفةٍ ***  أخَبَّ بهنَّ المَخْلِفان وأحفَدَا([10])

(سيل) السين والياء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على جريانٍ وامتدادٍ. يقال سال الماء وغيرُهُ يسيل سَيْلاً وسَيلاناً. ومَسيل الماء. إذا جعلت الميم زائدة فمن هذا، وإذا جعلت الميم أصليّةً فمن بابٍ آخر، وقد ذكر.

فأمَّا السِّيلان من السَّيف والسِّكِّين، فهي الحديدةُ التي تُدخَل في النصال.

وسمعت عليّ بن إبراهيم القطّان يقول: سمعت عليَّ بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا عُبيدٍ يقول: السِّيلان قد سمعتُه، ولم أسمَعْهُ من عالم.

وأمّا سِيَةُ القَوس([11])، وهي طرفها، فيقال إنَّ النسبة إليها سِيَويٌّ. والله أعلم.

ــــــــــــــــــ

([1]) التكملة من المجمل.

([2]) البذر: جمع بذور، كصبر وصبور، وهو الذي يذيع الأسرار.

([3]) الشطر في المجمل واللسان (سيد).

([4]) هو خالد بن زهير، أو خالد بن أخت أبي ذؤيب. انظر قصة الشعر في اللسان  (سير).

([5]) البيت من أبيات في اللسان (سيف).

([6]) العداب، بالدال المهملة. وفي الأصل: "العذاب"، تحريف.

([7]) أوردها اللسان في مادة (سوف).

([8]) ديوان ذي الرمة 279 واللسان (سوف) برواية: "تبسم عن".

([9]) البيت بتمامه كما في ديوان ذي الرمة 613:

وهل يرجع التسليم ربع كأنه *** بسائفة قفر ظهور الأراقم.

([10]) البيت في اللسان (سوف 67).

([11]) لم يعقد لهذه الكلمة مادة، ومادتها (سيو). وعقد لها في المجمل مادة (سيه) وزاد على ما هنا:"وكان رؤبة ربما همزها".

 

ـ (باب السين والهمزة وما يثلثهما)

(سأب) السين والهمزة والباء ليس أصلاً يتفرّع، لكنّهم يقولون سأبَهُ سأْبا، إذاخَنَقَه. والسأب: السِّقاء، وكذلك المِسْأَبُ.

فأمَّا التاء([1]) فيقولون أيضاً سأتَهُ إذا خَنَقه. وفي جميع ذلك نظر.

(سأد) السين والهمزة والدال كلمتان لا ينقاسان. فالإسْآد: دأَب السَّير بالليل.

والكلمة الأخرى السَّأَد: انتقاض الجُرح. وأنشد:

فبتُّ مِن ذاك ساهراً أرِقاً *** ألقى لِقاءَ اللاقي من السَّأَدِ([2])

وربما قالوا: سأدتِ الإِبلُ الماءَ: عافَتْه.

(سأل) السين والهمزة واللام كلمةٌ واحدةٌ. يقال سأل يسأل سؤالاً ومَسْأَلةً. ورجل سُؤَلةٌ: كثير السؤال.

(سأو) السين والهمزة والواو كلمةٌ مختلَفٌ في معناها. قال قوم: السّأو: الوطن. وقال قوم: السَّأو: الهمّة. قال:

كأنّني من هَوَى خَرْقاءَ مُطَّرَفٌ *** دامِي الأَظَلِّ بعيدُ السَّأوِ مَهيُومُ([3])

والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــــ

([1])ولم يعقد لهذه الكلمة مادة، وهي (سأت).

([2]) البيت في المجمل واللسان (سأد).

([3]) المهيوم: الذي أصابه الهيام، وهو داء يصيب الإبل من ماء تشربه. وفي الأصل: "مهموم"، صوابه من ديوان ذي الرّمة 569 واللسان (سأى).

 

ـ (باب السين والباء وما يثلثهما)

(سبت) السين والباء والتاء أصلٌ واحد يدلُّ على راحةٍ وسكون. يقال للسَّير السهل اللّين. سَبْتٌ. قال:

ومطوِيّة الأقرابِ أمّا نَهارُها *** فسَبْتٌ وأما ليلُها فَذَمِيل([1])

ثمّ حُمل على ذلك السَّبْت: حلق الرّأس. ويُنشَد في ذلك ما يصحح هذا القياسَ، وهو قولُه:

* يُصبح سكرانَ ويُمسِي سَبْتَا([2]) *

لأنَّه يكون في آخر النهار مُخْثِراً([3]) قليلَ الحركة فلذلك يقال للمتحيِّر مَسْبُوت. وأمَّا السَّبْت بعد الجمعة، فيقال إنَّه سمِّيَ بذلك لأنَّ الخلْق فُرغ منه يومَ الجمعة وأكمل، فلم يكن اليومُ الذي بعد الجمعة يوماً خُلِق فيه شيء. والله أعلم بذلك. هذا بالفتح. فأمَّا السِّبْت فالجلود *المدبوغة بالقَرَظِ، وكأنَّ ذلك سمِّي سِبْتاً لأنّه قد تناهى إصلاحُه، كما يقال للرُّطَبَة إذا جرى الإرطابُ فيها: مُنْسَبِتة.

(سبج) السين والباء والجيم ليس بشيء ولا لـه في اللغة العربيَّة أصلٌ.  يقولون السُّبْجة: قميصٌ لـه جَيب. قالوا: وهو بالفارسية "شَبِي([4])". والسَّبج: أيضاً ليس بشيء. وكذلك قولهم إنَّ السَّبَج حجارةُ الفضّة. وفي كل ذلك نظر.

(سبح) السين والباء والحاء أصلان: أحدهما جنسٌ من العبادة، والآخر جنسٌ من السَّعي. فَالأوَّل السُّبْحة، وهي الصَّلاة، ويختصّ بذلك ما كان نفلاً غير فَرض. يقول الفقهاء: يجمع المسافرُ بينَ الصَّلاتين ولا يُسبِّح بينهما، أي لا يتنفَّل بينهما بصلاةٍ. ومن الباب التَّسبيح، وهو تنْزيهُ الله جلَّ ثناؤه من كلِّ سوء. والتَّنْزيه: التبعيد. والعرب تقول: سبحان مِن كذا، أي ما أبعدَه. قال الأعشى:

أقولُ لمّا جاءني فخرُهُ  *** سُبحانَ مِنْ علقمةَ الفاخِر([5])

وقال قوم : تأويلُهُ عجباً لـه إِذَا  يَفْخَر. وهذا قريبٌ من ذاك لأنَّه تبعيدٌ له من الفَخْر. وفي صفات الله جلَّ وعز: سُبَّوح. واشتقاقه من الذي ذكرناه أنّه تنَزَّه من كل شيء لا ينبغي لـه. والسُّبُحات الذي جاء في الحديث([6]): جلال اللّه جلَّ ثناؤه وعظمته.

والأصل الآخر السَّبْح والسِّباحة: العَوم في الماء. والسّابح من الخيل: الحَسَنُ مدِّ اليدين في الجَرْي. قال:

فولَّيْتَ عنه يرتَمِي بِكَ سابحٌ  *** وقد قابَلَتْ أذْنَيه  منك الأخادعُ([7])

يقول : إنّك كنتَ تلتفتُ تخافُ الطّعنَ، فصار أخْدَعُك بحذاء أذُن فرسِك.

(سبخ) السين والباء والخاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خفّة في الشَّيء. يقال للذي يسقط مِنْ ريش الطّائرِ السَّبِيخ. ومنه الحديث: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمِع عائشة تدعو على سارقٍ سَرَقَها، فقال: "لا تُسبِّخي عنه بدعائك عليه"، أي لا تخفِّفي. ويقال في الدّعاء: "اللهمَّ سَبِّخْ عنه الحُمَّى"، أي سُلَّها وخَفِّفْها. ويقال لما يتطاير من القُطن عند النَّدْف: السَّبِيخ. قال الشاعر يصف كِلاباً:

فأرسلوهُنَّ يُذْرِينَ التُّرَابَ كما  *** يُذْرِي سَبائخَ قُطْنٍ نَدْفُ أوتَارِ([8])

وقد رُوِيَ  عن بعضهم([9]) أنَّه قرأ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْخَاً طَوِيلاً} [المزمل 7]، قال: وهو معنى السَّبْخ، وهو الفَراغ؛ لأنَّ الفارغ خفيف الأمر.

(سبد) السين والباء والدال عُظْمُ بابِهِ  نبات شعرٍ أو ما أشبهه. وقد يشذُّ الشيء اليسير. فالأصلُ قولُهم: "ماله سَبَدٌ ولا لَبَدٌ". فالسَّبَد: الشعر. واللَّبَد: الصوف. ويقولون: سَبَّدَ الفَرْخُ، إذا بدا رِيشُهُ وشَوَّكَ. ويقال إنَّ السُّبدَة العانة. والسُّبَد: طائر، وسمِّيَ بذلك لكثرة ريشه. فأمَّا التَّسبيد فيقال إنَّه استئصال شَعر الرأس، وهو من الباب لأنَّه كأنّه جاء إلى سَبَدِهِ فحلَقَه واستأصَله. ويقال إنَّ التسبيد كثرةُ غَسْل الرأس والتدهُّن.

والذي شذَّ عن هذا قولُهم: هو سِبْدُ أسبادٍ، أي داهٍ مُنْكَر. وقال:

* يعارض سِبْدا في العِنانِ عَمَرَّدا([10]) *

(سبر) السين والباء والراء، فيه ثلاث كلماتٍ متباينةُ القياس، لا يشبهُ بعضُها بعضاً.

فالأوَّلُ السَّبْر،  وهو رَوْزُ الأمْرِ وتعرُّف قدْرهِ. يقال خَبَرْتُ ما عند فلان وسَبَرْتُهُ. ويقال للحديدة التي يُعرف بها قدرُ الجِراحة مِسْبار.

والكلمة الثانية: السِّبْر، وهو الجمال والبهاء. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يخرج من النار رجلٌ قد ذهَبَ حِبره وسِبْرُهُ"، أي ذهب جمالُهُ وبهاؤُه. وقال أبو عمرو: أتيتُ حيّاً من العرب فلمَّا تكلّمتُ قال بعضُ مَنْ حضر: "أما اللسانُ فبدويٌّ، وأما السِّبْر فحضريّ". وقال ابنُ أحمر:

لبِسنا حِبْرهُ حتى اقتُضِينا  *** لأعمالٍ وآجالٍ قُضِينا([11])

وأما الكلمة الثالثة فالسَّبْرَة، وهي الغَدَاة الباردة. وذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَضْلَ إسباغ الوُضوء في السَّبَرَات([12]).

(سبط) السين والباء والطاء أصلٌ يدلُّ على امتداد شيء، وكأنه مقاربٌ لباب الباء والسين والطاء، يقال شعر سَبْط وسَبَِطٌ، إذا لم يكن جَعداً. ويقال أَسْبَطَ الرَّجلُ إِسباطاً، إذا امتدَّ وانبسط بعدما يُضرَب. والسُّباطة: الكُناسة، وسمِّيت بذلك لأنَّها لا يُحتَفَظُ بها ولا تحْتَجن. ومنه الحديث: "أتى سُبَاطَةَ قومٍ فبال قائماً؛ لوجعٍ كان بمأبِضه"([13]). والسَّبَط: نباتٌ في الرمل، ويقال إنَّه رَطب الحَلِيِّ؛ ولعلَّ فيه امتداداً.

(سبع) السين والباء والعين أصلان مطردان صحيحان: أحدهما في العَدَد، والآخر شيءٌ من الوحوش.

فالأوّل السَّبْعة. والسُّبْع: جزءٌ من سبعة. ويقال سَبَعْت القومَ أسْبَعُهم إذا أخذت سُبْع أموالهم  أو كنتَ لهم سابعاً. ومن ذلك قولهم: هو سُباعيُّ البدَن، إذا كان تامَّ البدن. والسِّبع: ظمءٌ من أظماء الإبل، وهو لعددٍ معلوم عندهم. وأما الآخر فالسَّبُع واحدٌ من السّباع. وأرض مَسْبَعَةٌ، إذا كثُر سِباعُها.

ومن الباب سَبعْتُهُ، إذا وقَعتَ فيه، كأنه شبّه نفسه بسبُع في ضرره وعَضّه. وأسبعته: أطعمته السَّبع. وسَبعتِ الذّئابُ الغنَم، إذا فرستْها وأكلَتْها.

فأمّا قول أبي ذؤيب:

صَخِبُ الشَّواربِ لا يزالُ كأنَّهُ  *** عبدٌ لآلِ أبي ربيعةَ مُسْبَعُ([14])

ففيه أقاويل: أحدهما المُتْرَف، كأنَّه عبد مترف، له ما يتمتَّعُ به، فهو دائم النَّشاط. ويقال إنَّه الرَّاعي، ويقال هو الذي تموت أمُّه فيتولى إرضاعَهُ غيرُها. ويقال المُسبَع مَنْ لم يكن لِرشْدة. ويقال هو الراعي الذي أغارت السباع على غنمه فهو يصيحُ بالكلاب والسِّباع. ويقال هو الذي هو عبدٌ إلى سبعة آباء. ويقال هو الذي وُلد لسبعة أشهر. ويقال المُسبَع: المُهمَل. وتقول العرب: لأفعلنَّ به فِعْل سَبْعة؛ يريدون به المبالغة في الشر. ويقال أراد بالسَّبعة اللَّبُؤة، أراد سَبعةٍ فَخَفّف.

(سبغ) السين والباء والغين أصلٌ واحد يدلُّ على تمامِ الشيء وكماله. يقال أَسْبَغْتُ الأمر، وأسْبَغَ فلان وضوءَه. ويقال أسبغ الله عليه نِعَمَه. ورجل مُسْبِغ، أي عليه درعٌ سابغة. وفحل سابغٌ: طويل الجُرْدَان([15])، وضدُّه الكَمْش. ويقال سَبَّغَت الناقةُ، إذا ألقت ولدَها وقد أَشْعَرَ.

(سبق) السين والباء والقاف أصل واحد صحيح يدل على التقديم. يقال سَبَقَ يَسْبِق سَبْقاً. فأما السَّبَق فهو الخَطَر الذي يأخذه السَّابق.

(سبك) السين والباء والكاف أُصَيلٍ يدل على التناهي في إمهاء الشيء([16]). من ذلك: سَبَكْتُ الفضة وغيرَها أَسْبِكُها سَبْكَاً. وهذا يستعار في غير الإذابة أيضاً. [والسُّنبُك: طرف الحافر([17])]. فأما السُّنْبُك من الأرض فاستعارةٌ، طَرفٌ غليظٌ قليل الخير.

(سبل) السين والباء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على إرسال شيءٍ من عُلو إلى سُفل، وعلى امتداد شيء.

فالأوّل من قِيلِكَ: أسبلتُ السِّتْرَ، وأسبلَتِ السَّحابةُ ماءَها وبمائِها. والسَّبَل: المطر الجَوْد. وسِبال الإنسان من هذا، لأنّه شعر منسدل. وقولهم لأعالي الدَّلو أسبْال، من هذا، كأنَّها شُبِّهَت بالذي ذكرناه من الإنسان. قال:

إِذْ أرسَلوني ماتحاً بدلائهمْ *** فملأْتُها عَلَقَاً إلى أسبالِها([18])

والممتدُّ طولاً: السّبيل، وهو الطَّريق، سمِّي بذلك لامتداده. والسَّابلة: المختلِفَةُ في السُّبُل جائيةً وذاهبة. وسمِّي السُّنْبُل سُنْبُلا لامتداده. يقال أَسبَلَ الزّرعُ، إذا خَرَج سُنبله. قال أبو عبيد: سَبَلُ الزَّرعِ وسُنْبُلُه سواء. وقد سَبَلَ([19]) وأَسْبَلَ.

(سبه) السين والباء والهاء كلمةٌ، وهي تدلُّ على ضعف العقل أو ذَهابه. فالسبَه: ذهاب العقل من هَرَم، يقال رجل مَسْبُوهٌ ومُسَبَّه، وهو قريب من  المسبوت، والقياس* فيهما واحد.

(سبي) السين والباء والياء أصلٌ واحد يدلُّ على أخذِ شي من بلد إلى بلد آخر كرْهَاً([20]). من ذلك السَّبْيُ، يقال سَبَى الجاريَةَ يَسبيها سبْياً فهو سابٍ، والمأخوذة سَبِيَّة. وكذلك الخمرُ  تُحمَل من أرضٍ إلى أرض. يَفْرِقُونَ بين سَبَاهَا وسَبَأها. فأما سِباؤها فاشتراؤُها. يقال سَبَأْتها، ولا يقال ذلك إلاَّ في الخمر. ويسمون الخَمَّار السَّبَّاء. والقياس في ذلك واحد.

ومما شذَّ عن هذا الأصل السَّابياء، وهي الجِلْدة التي يكون فيها الولد. والسَّابِيَاء: النِّتَاج([21]). يقال إنَّ بني فلان ترُوح عليهم من مالهم سَابِياء. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تسعة أعشارِ الرِّزق في التجارة. والجزء الباقي في السَّابياء".

ومما يقرب من الباب الأوّل الأسابيّ، وهي الطرائق. ويقال أسابيُّ الدِّماء، وهي طرائقها، قال سلامة:

والعادِيَاتُ أسابيُّ الدِّماء بها *** كأنَّ أعناقَها أنصابُ ترجيبِ([22])

وإذا كان ما بعدَ الباء من هذه الكلمة مهموزاً خالف المعنى الأوَّل، وكان على أربعةِ معانٍ مختلفة: فالأول سبأت الجِلد، إذا محَشْته حتى أُحرِق شيئاً من أعاليه. والثّاني سبأت جلده: سلختُهُ. [والثالث سَبَأَ فلانٌ([23])]  على يمين كاذبةٍ، إذا مرَّ عليها غير مكترث.

ومما يشتق من هذا قولهم : انْسبَأ اللّبن، إذا خَرج من الضَّرع. والمَسبْأ: الطَّريق في الجبل.

والمعنى الرابع قولهم: ذهبوا أيادي سبأ، أي متفرِّقين. وهذا من تفرُّقِ أهل اليمن. وسبأ: رجل يجمع([24]) عامّة قبائل اليمن، ويسمَّى أيضاً بلدُهم بهذا الاسم. والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــ

([1]) كلمة "ليلها" ساقطة من الأصل، وإثباتها من اللسان (سبت)، حيث نسب البيت إلى حميد بن ثور.

([2]) في اللسان: "يصبح مخمورا".

([3]) المخثر: الذي يجد الشيء القليل من الوجع والفترة.

([4]) فسرت هذه الكلمة  في معجم استينجاس 732 بأنها قميص يلبس في المساء.

([5]) ديوان الأعشى 106 واللسان (سبح).

([6]) هو حديث : "إن لله دون العرش سبعين حجاباً لو دنونا من أحدها لأحرقتنا سبحات وجه ربنا".

([7]) أنشده في المجمل أيضاً.

([8]) البيت للأخطل في ديوانه 115 واللسان والتاج (سبخ).

([9]) هي قراءة يحيى بن يعمر، كما في اللسان.

([10]) للمعذل بن عبد الله. وصدره كما في اللسان (سبد):

* من السح جوالا كأن غلامه *

([11]) في الأصل: "وآل قضينا".

([12]) في الأصل: "فضل له سباغ الوضوء في السبرات"، تحريف. وفي اللسان: "وفي الحديث: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ فسكت. ثم وضع الرب تعالى يده بين كتفيه فألهمه. إلى أن قال: في المضي إلى الجمعات، وإسباغ الوضوء في السبرات".

([13]) المأبض: بكسر الباء: باطن الركبة والمرفق.

([14]) ديوان أبي ذؤيب: 4 واللسان (سبع).

([15]) الجرادن بضم الجيم وبعد الراء دال مهملة: قضيبه. في الأصل: "الجرذان"، تحريف.

([16]) الإمهاء: الإسالة. وفي الأصل: "إنهاء الشيء".

([17]) التكملة من المجمل.

([18]) البيت لباعث بن صريم اليشكري، كما في اللسان (سبل).

([19]) وكذا في المجمل، والمعروف بدلها "سنبل".

([20]) بعدها في الأصل: من "المأخوذة" مقحمتان.

([21]) في الأصل: "السباج"، صوابه ما أثبت من اللسان.

([22]) ديوان سلامة  8 واللسان (سبي).

([23]) تكملة استضأت بالمجمل في إثباتها.

([24]) في الأصل: "بجميع"، صوابه في المجمل.

 

ـ (باب السين والتاء وما يثلثهما)

(ستر) السين والتاء والراء كلمةٌ تدلُّ على الغِطاءِ. تقول: سترت الشيء ستراً. والسُّتْرَة: ما استترت به، كائناً ما كان. وكذلك السِّتَار([1]). فأمَّا الإستار، وقولهم إستار الكعبة، فالأغلبُ أنه من السِّتْر، وكأنَّه أراد به ما تُستَر به الكعبة من لباسٍ. إلاَّ أنَّ قوماً زعموا أنْ ليس ذلك من اللِّباس، وإنما هو من العَدَد. قالوا: والعرب تسمِّي الأربعة الإستار([2])، ويحتجُّون بقول الأخطل:

لعمرك إنَّني وابنَيْ جُعَيْلٍ *** وأُمَّهُمَا لَإِسْتَارٌ لئيمُ([3])

ويقول جرير:

قُرِنَ الفرزدقُ والبَعيثُ وأمُّه *** وأبُو الفرزدق قُبِّحَ الإستارُ([4])

قالوا: فأستار الكعبة: جُدرانها وجوانبها، وهي أربعة، وهذا شيءٌ قد قيل، والله أعلم بصحته.

(ستن) السين والتاء والنون ليس بأصل يتفرَّع، لأنَّه نبت، ويقال لـه الأسْتَنُ. وفيه يقول النابغة:

تَنِفرُ مِن أَسْتَنٍ سُودٍ أسافلُهُ *** مثل الإماءِ اللّواتي تَحمِل الحُزَما([5])

(سجح) السين والجيم والحاء أصل منقاس، يدلُّ على استقامةٍ وحسن. والسُّجُح: الشّيء المستقيم. ويقال: "مَلَكْتَ فأَسْجِحْ"، أي أَحْسِن العَفْو. ووجهٌ أَسْجَحُ، أي مستقيم الصُّورة. قال ذو الرمَّة:

* ووجهٌ كمرآةِ الغريبة أسجحُ([6]) *

وهذا كلُّه من قولهم: تنَحَّ عن سُجُْح الطَّريقِ([7])، أي عن جادّته ومستقيمه.

(سجد) السين والجيم والدال أصلٌ واحدٌ مطّرد يدلّ على تطامُن وذلّ. يقال سجد، إذا تطَامَنَ. وكلُّ ما ذلَّ فقد سجد. قال أبو عمرو: أسْجَدَ الرَّجُل، إذا طأطأَ رأسَهُ وانحنى. قال حُميد:

فُضُولَ أزِمّتِها أسْجَدَتْ *** سُجودَ النَّصارى لأربابِها([8])

وقال أبو عبيدة مثلَه، وقال: أنشدَني أعرابيٌّ أسديّ:

* وقُلنَ له أَسْجِدْ لليلَى فأسْجَدَا([9]) *

يعني البعيرَ إذا طأطأَ رأسه. وأما قولهم: أسجَدَ إِسجاداً، إذا أدام النَّظر، فهذا صحيحٌ، إلاَّ أن القياسَ يقتضي ذلك في خَفض، ولا يكون *النّظرَ الشّاخصَ ولا الشزْر. يدلُّ على ذلك قولُهُ:

أَغَرَّكِ مِنِّي أنَّ دَلَّكِ عندنا *** وإِسجادَ عينيكِ الصَّيُودَينِ رابحُ([10])

ودراهم الإسجاد: درَاهمُ كانت عليها صورٌ، فيها صورُ ملوكهم، وكانوا إذا رأوها سَجَدُوا لها. وهذا في الفُرس. وهو الذي يقول فيه الأسود:

مِنْ خَمرِ ذِي نُطَفٍ أغَنَّ مُنَطّقٍ *** وافَى بها لِدراهم الإِسجادِ([11])

(سجر) السين والجيم والراء أصولٌ ثلاثة: المَلء، والمخالطة، والإيقاد.

فأمّا الملء، فمنه البحر المسجور، أي المملوء. ويقال للموضع الذي يأتي عليه السّيلُ فيملؤه: ساجر. قال الشّمّاخ:

* كُلَّ حِسْيٍ وسَاجِرِ([12]) *

ومن هذا الباب، الشَّعر المنْسجِرُ، وهو الذي يَفِرُ([13])حتى يَسترسلَ من كثرته. قال:

* إذا ما انثَنَى شَعْرُها المنْسجِرْ([14]) *

وأمَّا المخالَطة فالسّجير: الصاحب والخليط، وهو خلاف الشَّجير. ومنه عينٌ سَجْراءُ، إذا خالط بياضَها حمرة.

وأمَّا الإيقاد فقولهم : سجرت التّنُّور، إذا أوقدتَه، والسَّجُور: ما يُسجَرُ به التّنُّور. قال:

ويوم كتَنُّور الإماءِ سَجَرْنَهُ *** وألَقْيَنَ فيه الجَزْلَ حَتَّى تأجَّمَا([15])

ويقال للسَّجُور السجار([16]).

ومما يقارب هذا استَجَرَت([17])الإِبل على نَجَائِها، إذا جدّت، كأنَّها تتَّقد في سيرها اتّقاداً. ومنه سَجَرَت النّاقةُ، إذا حَنَّتْ حنيناً شديداً.

(سجع) السين والجيم والعين أصلٌ يدلُّ على صوت متوازن. من ذلك السَّجع في الكلام، وهو أن يُؤتَى به وله فواصلُ كقوافِي الشِّعر، كقولهم: "مَنْ قَلَّ ذَلّ، ومن أَمِِرَ فَلّ"، وكقولهم: "لا ماءَكِ أَبقيْتِ، ولا دَرَنَكِ أنْقَيْت". ويقال سجَعت الحمامةُ، إذا هَدَرَتْ.

(سجف) السين والجيم والفاء أصلٌ واحد، وهو إسبال شيءٍ ساتر. يقال أسجفت السِّتر: أرسلتُهُ. والسَّجْف والسِّجف([18]): سِتر الحَجَلة. ويقال أسجَفَ اللّيلُ، مثل أسدَفَ.

(سجل) السين والجيم واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على انصبابِ شيءٍ بعد امتلائِهِ. من ذلك السَّجْل، وهو الدَّلو العظيمة. ويقال سَجَلت الماءَ فانسجَلَ، وذلك إذا صَبْبَته. ويقال للضَّرْع الممتلئ سَجْل([19]). والمساجلة: المفاخرة، والأصل في الدِّلاء، إذا تساجَلَ الرجلان، وذلك تنازعُهما، يريد كلُّ واحدٍ منهما غلبةَ صاحبه. ومن ذلك الشّيء المُسْجَل، وهو المبذول لكلِّ أحد، كأنَّه قد صُبَّ صبّاً.  قال محمّد بن علي في قوله تعالى: {هل جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ}  [الرحمن 60]: هي مُسْجَلَة للبَرِّ والفاجر. وقال الشاعر في المُسْجَل:

* وأصَبَحَ معروفي لقومِيَ مُسْجَلا *

فأما السِّجِلّ فمن السَّجْل والمساجلة، وذلك أنَّه كتَابٌ يجمَع كتباً ومعانيَ. وفيه أيضاً كالمساجلة، لأنّه عن منازعةٍ ومُداعاة. ومن ذلك قولهم: الحرب سِجَالٌ، أي مباراةٌ مرَّة كذا ومرةً كذا. وفي كتاب الخليل: السَّجْل: ملء الدلو. وأما السِّجِّيل فمن السِّجِلّ، وقد يحتمل أن يكون مشتقاً من بعض ما ذكرناه. وقالوا: السِّجِّيل: الشديد.

(سجم) السين والجيم والميم أصلٌ واحدٌ، وهو صبُّ الشّيء من الماء والدَّمعِ. يقال سَجَمَت العينُ دَمعَها. وعينٌ سَجوم، ودمعٌ مسجوم. ويقال أرض مسجومة: ممطورة.

(سجن) السين والجيم والنون أصلٌ واحد، وهو الحَبْس. يقال سجنته سَجناً. والسِّجن: المكان يُسجَن فيه الإنسان. قال الله جلَّ ثناؤه في قصّة يوسف عليه السلام: {قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف 33]. فيقرأ فتحاً على المصدر، وكسراً على الموضع([20])، وأما قولُ ابنِ مُقْبل:

* ضرباً تَوَاصَى به الأبطالُ سِجِّينا([21]) *

فقيل إنَّهُ أراد سِجِّيلاً. أي شديداً. وقد مضى ذِكرُهُ. وإِنَّما أبدل اللام نوناً. والوجه في هذا أنَّهُ قياس الأوَّل من السَّجن، وهو الحبس؛ لأنَّه إذا كان ضرباً شديداً ثبت المضروب، كأنَّه قد حبسه.

(سجو) السين والجيم والواو أصلٌ يدلُّ على سكونٍ وإطباق. يقال* سَجَا اللّيلُ، إذا ادلهمَّ وسكَن. وقال:

يا حبَّذَا القَمراءُ واللَّيْلُ السَّاجْ *** وطُرقٌ مثلُ مُلاءِ النُّسَّاجْ([22])

وطرف ساجٍ، أي ساكن.

ــــــــــــــــ

([1]) والستارة ، بالهاء أيضاً.

([2]) ذكر في اللسان والمعرب 42 أنه معرب "جهار" الفارسية، بمعنى أربعة. على أن اللفظ "استار" في الفارسية يظن أنَّه مأخوذ من اليونانية. انظر استينجاس 49.

([3]) ديوان الأخطل 297 واللسان (ستر) . وابنا جعيل، هما كعب وعمير.

([4]) كذا وردت الرواية في الأصل والمجمل والديوان 208. ورواية اللسان:

إن الفرزدق والبعيث وأمه *** وأبا البعيث لشر ما إستار

([5]) ديوان النابغة 68 واللسان (ستن).

([6]) صدره كما في الديوان 88 واللسان (حشر): * لها أذنٌ حشرٌ وذِفْرَى أسيلة *

([7]) سجح الطريق، بالضم وبضمتين.

([8]) ذكر ابن بري أن صواب إنشاده: "لأحبارها". وقبله:

فلما لوين على معصم  *** وكف خضيب وأسوارها

([9]) الشطر في المجمل واللسان (سجد).

([10]) البيت لكثير عزة كما في اللسان (سجد).

([11]) البيت في اللسان (سجد). وقصيدة الأسود بن يعفر في المفضليات (2: 16-20).

([12]) البيت لم يرد في الديوان. وهو بتمامه كما في اللسان (سجر):

وأحمى عليها ابنا يزيد بن مسهر *** ببطن المراض كل حسي وساجر

([13]) وفر يفر، كوعد يعد، ويقال أيضاً وفر يوفر من باب كرم، أي كثر.

([14]) وكذا روايته في المجمل. وفي اللسان (6: 9): "شعره المنسجر". لكن في اللسان (6: 10):  * إذا ثنى فرعها المسجر *.

بعد أن ذكر قبله:" المسجر: الشعر المسترسل". على أنه يقال المسجّر، بتشديد الجيم، والمنسجر، والمسوجر أيضاً.

([15]) البيت لعبيد بن أيوب العنبري، "كما في اللسان (أجم)". وتأجم، مثل تأجج، وزناً ومعنى. وبعده:

رميت بنفسي في أجيج سمومه *** وبالعنس حتى جاش منسمها دما

([16]) لم أجد هذه الكلمة في غير المقاييس. ولا أدري ضبطها.

([17]) في اللسان والمجمل: "انسجرت".

([18]) في الأصل: "السجيف"، محرف.

([19]) وكذا في المجمل. وفي اللسان: "السجيل"، و"الأسجل".

([20]) قرأ بالفتح عثمان ومولاه طارق، وزيد بن علي، والزهري، وابن أبي إسحاق، وابن هرمز، ويعقوب. تفسير ابن حيان (5: 306).

([21]) في اللسان "تواصت به". وصدره: *ورجلة يضربون الهام عن عرض*.

([22]) الرجز لأحد الحارثيين، كما في اللسان (سجا).

 

ـ (باب السين والحاء وما يثلثهما)

(سحر) السين والحاء والراء أصولٌ ثلاثة متباينة: أحدها عضْوٌ من الأعضاء، والآخر خَدْعٌ وشِبههُ، والثالث وقتٌ من الأوقات.

فالعُضْو السَّحْر، وهو ما لَصِقَ بالحُلقوم والمَرِيء من أعلى البطن. ويقال بل هي الرِّئة. ويقال منه للجبان: انتفَخَ سَحْرُه. ويقال له السُّحْر والسَّحْر والسَّحَر.

وأمّا الثّاني فالسِّحْر، قال قوم: هو إخراج الباطل في صورة الحقِّ، ويقال هو الخديعة. واحتجُّوا بقول القائل:

فإِنْ تسألِينا فيمَ نحنُ فإننا  *** عصافيرُ من هذا الأنام المسحَّرِ([1])

كأنَّه أراد المخدوع، الذي خدعَتْه الدُّنيا وغرَّتْه. ويقال المُسَحَّر الذي جُعِلَ لـه سَحْر، ومن كان ذا سَحْر لم يجد بُدَّاً  من مَطعَم ومشرب.

وأمَّا الوقت فالسَّحَر، والسُّحْرة، وهو قَبْل الصُّبْح([2]). وجمع السَّحَر أسحار. ويقولون: أتيتُك سَحَرَ، إذا كان ليومٍ بعينه. فإن أراد بكرةً وسَحَراً من الأسحار قال: أتيتك سَحَراً.

(سحط) السين والحاء والطاء كلمة. يقولون: السَّحط: الذَّبْح الوَحِيّ.([3])

(سحف) السين والحاء والفاء أصلٌ واحدٌ صحيح، وهو تنحِيَة الشّيء عن الشيء، وكشفُه. من ذلك سَحفْت الشَّعرَ عن الجلدِ، إذا كشطْتَه حتّى لا يبقى منه شيء. وهو في شعر زهير:

* وما سُحِفَتْ فيه المقاديمُ والقَمْلُ([4]) *

والسَّيْحَفُ: نصالٌ عِراض، في قول الشّنفَرَى:

لها وفْضَةٌ فيها ثلاثونَ سَيْحَفاً *** إِذا آنَسَتْ أُولَى العديِّ اقشعرَّتِ([5])

والسَّحيفة([6]): واحدة السحائف، وهي طرائق الشَّحم الملتزقة بالجلد، وناقةٌ سَحْوفٌ من ذلك. وسمِّيت بذلك لأنّها تُسحَفُ أي يمكن كشْطها. والسَّحِيفة: المَطْرة تجرُف ما مَرَّت به.

(سحق) السين والحاء والقاف أصلان: أحدهما البعد، والآخر إنهاك الشَيء حتى يُبلغ به إلى حال البِلَى.

فالأوّل السُّحْق، وهو البُعد، قال الله جلَّ ثناؤه: {فَسُحْقاً لأَصْحابِ

السَّعِيرِ}  [الملك 11]. والسَّحُوق: النَّخلة الطويلة، وسمِّيت بذلك لبعد أعلاها عن الأرض.

والأصل الثاني: سَحَقت الشيء أسحَقُهُ سَحقاً. والسَّحْق: الثوب البالي. ويقال سَحَقه البِلى فانسحق. ويستعار هذا حتَّى يقال إنَّ العين تسحق الدَّمع سحقاً. وأسحق الشَّيءُ، إذا انضمر وانضمّ. وأسحَقَ الضَّرعُ، إذا ذهب لبنُهُ وبَلِيَ.

(سحل) السين والحاء واللام ثلاثة أصول: أحدها كَشْط شيءٍ عن شيء، والآخَر من الصَّوت، والآخر تسهيلُ شيءٍ وتعجيلُه.

فالأوَّل قولهم: سَحَلت الرِّياحُ الأرضَ، إذا كشطت عنها أَدَمتَها. قال ابن دريدٍ وغيره: ساحل البحر مقلوب في اللفظ، وهو في المعنى مَسحُولٌ، لأنَّ الماءَ سَحله. وأصلُ ذلك قولهم سَحلت الحديدةَ أسحَلُها. وذلك إذا بَرَدْتَها. ويقال للبُرادة السُّحالة. والسحْل: الثّوب الأبيض، كأنّه قد سُحِل من وسَخِه ودَرَنِهِ سَحْلا. وجمعه السُّحُل. قال:

كالسُّحُلِ البِيضِ جَلا لونَها *** سَحُّ نِجَاءِ الحَمَل الأَسْوَلِ([7])

والأصل الثاني: السَّحيل: نُهاق الحمار، وكذلك السُّحال. ولذلك يسمَّى الحِمارُ مِسْحَلاً.

ومن الباب المِسحَل لِلسانِ الخطيب، والرَّجُلِ الخطيب.

والأصل الثالث: قولهم سَحَلَهُ مائةً، إذا عَجّل له نَقْدَها. ويستعار هذا فيقال سحله مائةً، إذا ضربه مائةً عاجلاً.([8])

ومن الباب السَّحِيل: الخيط الذي فُتِلَ  فَتْلاً رِخْوا. وخِلافُهُ المبرَمِ والبريم، وهو في شعر زهير:

* مِن سَحِيلٍ ومُبْرَمِ([9]) *

ومما شَذَّ عن هذه الأصول المِسْحلان، وهما حَلْقتان على طرفَيْ شَكِيمِ اللِّجام. والإِسْحِلُ: شجر.

(سحم) السين والحاء والميم* أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سواد. فالأسحم: [ذو] السواد، وسوادُهُ السُّحْمَة. ويقال للَّيل أسحم. قال الشاعر:

رضيعَيْ لِبَانٍ ثَدْي أمٍّ تقاسما *** بأسحَمَ داجٍ عَوضُ لا نتفرّق([10])

والأَسحم: السحاب الأسود. قال النابغة:

* بأَسْحَمَ دانٍ مُزْنُهُ متصوّبُ([11]) *

والأَسحم: القرن الأسود، في قول زهير:

*وتَذْبيبُها عنها بأَسحَمَ مِذْوَدِ([12]) *

(سحن) السين والحاء والنون ثلاثة أصول: أحدها الكسر، والآخَر اللَّون والهيئة، والثالث المخالطة.

فالأوَّل قولهم: سَحَنْت الحجر، إذا كَسَرتَه. والمِسْحَنة، هي التي تُكسَر بها الحِجارة، والجمع مَساحن. قال الهذليّ([13]):

* كما صَرَفَتْ فوق الجُذَاذ المساحنُ([14]) *

والأصل الثاني: السَّحنة: لِينُ البَشَرة. والسَّحناء: الهيئة. وفرسٌ مُسْحَنَة([15]) أي حسنة المنظر. وناسٌ يقولون: السَّحَناء على فَعَلاء بفتح العين، كما يقولون في ثَأْداء ثَأَداء([16]). وهذا ليس بشيء، ولا له قياس، إنّما هو ثأْدَاء وسَحْناء على فعلاء. وأما الأصل الثالث فقولهم: ساحَنتُك مساحنةً، أي خالطتُكَ وفاوضتُك.

(سحو) السين والحاء والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على قشر شيء عن شيء، أو أخذِ شيءٍ يسير. من ذلك سَحَوت القِرطاسَ أسحوه. وتلك السِّحاءَة.([17]) وفي السماء سِحَاءَة من سحاب. فإذا شددته بالسِّحاءَة قلتَ سَحَيْتُه، ولو قلت سحوتُهُ ما كان به بأس. ويقال سَحَوت الطِّينَ عن وجه الأرض بالمسْحاة أسحوه سَحواً وسَحياً، وأسحاه أيضاً، وأَسحِيه: ثلاث لغات. ورجلٌ أُسْحُوانٌ: كثير الأكل كأنَّه يسحو الطّعامَ عن وجه المائدة أكلاً، حتَّى تبدُوَ المائدة. ومَطْرةٌ ساحية: تقشِر وجه الأرض.

(سحب) السين والحاء والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على جرِّ شيء مبسوطٍ ومَدِّه. تقول: سحبتُ ذيِلي بالأرضِ سحبا. وسمِّي السَّحابُ سحاباً تشبيهاً له بذلك، كأنه ينسحب في الهواء انسحاباً. ويستعيرون هذا فيقولون: تسحّب فلانٌ على فلانٍ، إذا اجتَرَأَ عليه، كأنَّه امتدَّ عليه امتداداً. هذا هو القياس الصحيح. وناسٌ يقولون: السَّحْب: شدّة الأكل. وأظنُّهُ تصحيفاً؛ لأنّه لا قياس له، وإِنّما هو السَّحْت.

(سحت) السين والحاء والتاء أصلٌ صحيح منقاس. يقال سُحِت الشيء، إذا استُؤصل، وأُسْحِت. يقال سحت الله الكافر بعذابٍ، إذا استأصله. ومال مسحوتٌ ومُسْحَت في قول الفرزدق:

وعَضُّ زمانٍ يا بنَ مروانَ لم يَدَعْ *** من المال إلاّ مُسْحَتاً أو مُجَلَّفُ([18])

 

ومن الباب: رجلٌ مسحوت الجوف، إذا كان لا يشبَع، كأنَّ الذي يبلعه يُستأصل من جوفِه، فلا يبقى. المال السُّحْـت: كلُّ حرامٍ يلزمُ آكلَه العارُ؛ وسمِّي سُحتاً لأنّه لا بقاء لـه. ويقال أَسْحَت في تجارته، إذا كَسَبَ السُّحت. وأسْحَت مالَهُ: أفسده.

(سحج) السين والحاء والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على قشر الشيء. يقال انْسَحج القِشر عن الشيء. وحمار مُسَحَّج، أي مكدَّم، كأنه يكدّم حتى يُسحجَ جلدُه. ويقال بعيرٌ سَحَّاج، إذا كان يَسحَج الأرضَ بخفّه، كأنّه يريد قشر وجهها بخفّه، وإذا فعل ذلك لم يلبث أن يَحْفَى. وناقة مِسْحاجٌ، إذا كانت تفعل ذلك.

ـــــــــــــ

([1]) البيت للبيد بن ربيعة كما في ديوانه 81 طبع 1880 والبيان (1: 179 مكتبة الجاحظ)، والحيوان: (5: 229/ 7: 63) واللسان (سحر).

([2]) في المجمل: "والسحر قبيل الصبح".

([3]) الوحي: العاجل السريع.

([4]) في الأصل: "المقالم"، تحريف، صوابه من الديوان 99، واللسان (سحف)، وصدره:

* فأقسمت جهداً بالمنازل من منى *

([5]) البيت في اللسان (سحف). وقصيدته في المفضليات: (1: 106).

([6]) في الأصل: "والسحف"، صوابه من المجمل.

([7]) البيت للمتنخل الهذلي، وقد سبق إنشاده في (سول).

([8]) جعله في اللسان من القشر، قال: "سحله مائة سوط سحلا: ضربه فقشر جلده".

([9]) من بيت في معلقته. وهو بتمامه:

يميناً لنعم السيدان وجدتما *** على كل حال من سحيل ومبرم.

([10]) للأعشى في ديوانه 150 واللسان (سحم) وسيأتي منسوباً في (عوض).

([11]) ليس في ديوانه. وصدره كما في اللسان (سحم):

* عفا آيه صوب الجنوب مع الصبا *.

([12]) في الأصل: "وتذيبها"، صوابه في الديوان 229 واللسان (سحم). وصدره * نجاء مجد ليس فيه وتيرة *. عنها، أي عن نفسها. وفي اللسان: "عنه"، تحريف.

([13]) هو المعطل الهذلي. وقد سبق إنشاد البيت في (جذ).

([14]) صدره:                    * وفهم بن عمرو يعلكون ضريسهم *.

([15]) ضبطت بفتح الحاء في الأصل والمجمل. وفي اللسان بالكسر ضبط قلم، وقيد في القاموس "كمحسن". ثم قال: "وهي بهاء".

([16]) نسب القول إلى الفراء في اللسان، وقال: "قال أبو عبيد: ولم أسمع أحداً يقولهما بالتحريك غيره".

([17]) السحاءة والسحاية: ما انقشر من الشيء.

([18]) ديوان الفرزدق 556 واللسان (سحت، جلف)، والخزانة (2: 347) وقبله:

إليك أمير المؤمنين رمت بنا  *** هموم المنى والهوجل المتعسف

 

 

ـ (باب السين والخاء وما يثلثهما )

(سخد) السين والخاء والدال أصلٌ. فيه السَّخْد، وهو الماء الذي يخرج مع الولد. ولذلك يقال: أصبح فلان مُسْخَداً، إذا أصبح خاثِر النفس ثقيلاً. وربَّما قالوا للذي يخرج من بطن المولود قبل أن يأكل: السُّخْد. وهذا مُختلَف فيه، فمنهم من يقول سُخْد، ومنهم من يقول بالتاء سُخْت. وكذلك حُدِّثنا به عن ثَعْلب في آخر كتابه الذي أسماه الفصيح([1]). وقال بعض أهل اللُّغة: إنَّ السُّخْد الورَم، وهو ذلك القياس.

(سخر) السين* والخاء والراء أصلٌ مطّرد مستقيم يدلُّ على احتقار  واستذلال. من ذلك قولنا سَخَّر الله عزَّ وجَلَّ الشيء، وذلك إذا ذَلَّلَه لأمره وإرادته. قال الله جلّ ثناؤه: { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّموَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الجاثية 13]. ويقال رجل سُخْرةُ: يُسَخَّر في العمل، وسُخْرةٌ أيضاً، إذا كان يُسْخَر منه. فإن كان هو يفعل ذلك قلت سُخَرَة، بفتح الخاء والراء. ويقال سُفُنٌ سواخِرُ مَوَاخِرُ. فالسَّواخر: المُطِيعة الطيِّبة الرِّيح. والمواخر: التي تمخَر الماءَ تشُقّه. ومن الباب: سَخِرت منه، إذا هزئت به. ولا يزالون يقولون: سخِرت به، وفي كتاب الله تعالى: {فإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُون}  [هود 38].

(سخف) السين والخاء والفاء أصلٌ مطَّرد يدلُّ على خفّة. قالوا: السُّخْفُ: الخفّة في كلِّ شيء، حتّى في السَّحاب. قال الخليل: السُّخْف في العقل خاصة، والسَّخافة عامّةٌ في كلِّ شيء. ويقال وجدت سَخْفَة من جوع، وهي خِفّـةٌ تعتري الإنسانَ إذا جاعَ.

(سخل) السين والخاء واللام أصلٌ مطرد صحيح ينقاس، يدلُّ على حَقَارة وضَعف. من ذلك السَّخْل من ولد الضّأن، وهو الصّغير الضَّعيف، والأنثى سَخلة. ومنه سَخّلتِ النَّخلة([2])، إذا كانت ذاتَ شِيص، وهو التَّمر الذي لا يشتدُّ نواه. والسُّخَّل: الرّجال الأراذل، لا واحد لـه من لفظه. ويقال كواكبُ مَسخُولة، إذا كانت مجهولة. وهو قول القائل:

ونحنُ الثُّرَيَّا وجَوزاؤُها *** ونحنُ الذّراعانِ والمِرْزمُ

وأنتم كواكبُ مسْخُولةٌ *** تُرَى في السماءِ ولا تعلمُ([3])

وذكر بعضُهم أنَّ هذيلاً تقول: سخَلْت الرجلَ، إذا عبتَه.

(سخم) السين والخاء والميم أصلٌ مطَّرد مستقيم، يدلُّ على اللِّين والسواد. يقال شَعرٌ سُخَاميّ: أسود لَيِّن. كذا حُدِّثنا به عن الخليل. وحدّثني عليّ بن إبراهيم القطَّان، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عُبيد، قال: قال الأصمعي: وأما الشَّعر السُّخام، فهو الليِّن الحَسن، وليس هو من السَّواد. ويقال للخمر سُخامِيَّة إذا كانت ليِّنة سَلِسَة. قال ابن السكِّيت: ثوب سُخَامٌ: ليِّن. وقطنٌ سُخامٌ([4]). قال:

* قطنٌ سُخامِيٌّ بأَيْدِي غُزَّلِ([5]) *

ومما شذَّ عن هذا الأصل السَّخيمة، وهي الموجدة في النَّفس. ويقال سَخَّم الله وجهه، وهو من السُّخام، وهو سواد القِدْر.

(سخن) السين والخاء والنون أصل صحيح مطَّرد منقاس، يدل على حرارةٍ في الشيء. من ذلك سخّنت الماء. وماءٌ سُخْن وسَخِينٌ. وتقول: يوم سُخْنٌ وساخن وسَُخْنانٌ، وليلة سُخْنة وسَُخْنَانة. وقد سَخُن يومُنا. وسخِنَتْ عينهُ بالكسر تَسخَن. وأسخن الله عينَه. ويقولون إنَّ دَمعة الغَمِّ تكون حارّة. واحتُجَّ بقولهم: أقرّ الله عينَه. وهذا كلامٌ لا بأس به. والمِسْخَنة: قُدَيرةٌ كأنَّهَا تَوْر. والسَّخينة: حَسَاءٌ يُتّخَذُ من دقيق. وقال: قريشٌ([6]) يعيَّرُون بأكل السَّخينة، ويُسَمَّون بذلك، وهو قولهم:

يا شَدَّةً ما شَدَدْنا  غيرَ كاذبةٍ  *** على سَخِينةَ لولا اللَّيْلُ والحَرَمُ([7])

والتَّساخين: الخِفَاف([8]). وممكنٌ أن تكون سمِّيَت  بذلك لأنها تُسَخِّن على لُبسها القَدَم. وليس ببعيد.

(سخي) السين والخاء والحرف المعتلّ أصلٌ واحد، يدلُّ على اتّساعٍ في شيءٍ وانفراج. الأصل فيه قولهم: سَخَيْتُ القِدر وسَخَوتُها، إذا جعلتَ لِلنارِ تحتها مَذْهباً.

ومن الباب: سَخَاوِيُّ الأرض، قال قوم: السَّخاويّ: سعة المفازة. وقول بعضهم "سَخَاوَِى الفلا"([9])، قال ابن الأعرابيّ: واحدةُ السخاوَِى سَخْواةٌ. وقال أيضاً: السَّخْواءُ([10]) الأرض السَّهلة. قال أهل اللغة: ومن هذا القياس: السّخاء:  الجُود؛ يقال سخا يسخُو سَخَاوةً وسَخَاء، يمدّ ويقصر. * والسَّخِيّ: الجواد.

ومما شذَّ عن الباب: السَّخا، مقصورٌ: ظَلْع يكون من أن يثِبَ البعيرُ بالحِمْل فتعترض ريحٌ بين جِلْدِهِ وكَتِفه، فيقال بعيرٌ سَخٍ.

(سخب) السين والخاء والباء كلمةٌ لا يقاس عليها. يقولون: السِّخاب: قِلاَدَةٌ من قَرنفُلٍ أو غيره، وليس فيها من الجواهر شيء، والجمع سُخُب.

(سخت) السين والخاء والتاء ليس أصلاً، وما أحسَِب الكلام الذي فيه من محض اللغة. يقولون للشيء الصُّلب سَخْتٌ وسِخْتيتٌ. ثم يقولون أمرٌ مِسخاتٌ([11]) إذا ضعُف وذهب. وهذان مختلفانِ، ولذلك قُلْنا إنَّ البابَ في نفسه ليس بأصل. على أنَّهم حكوا عن أبي زيد: اسْخَاتّ الجُرح: ذهب ورَمُه. فأمّا السُّخْت الذي ذكرناه عن ثعلب في آخر كتابه، فقد قيل إنَّه السُّخْد([12]). وهو على ذلك من المشكوك فيه.

ـــــــــــــــــ

([1]) نص ثعلب في آخر كتاب الفصيح 98: "ويقال له من ذوات الخف السخت والسخد".

([2]) في  الأصل: "الناقة"، صوابه من المجمل واللسان.

([3]) في الأصل: "الراكب"، صوابه من المجمل واللسان وما يقتضيه السياق.

([4]) البيتان سبق إنشادهما في (2: 182) في مادة (خسل) على أنه يقال: "كواكب مخسولة".

([5]) كذا ورد إنشاده، وفي اللسان (سخم) مع نسبته إلى جندل بن المثنى الطهوي:

* قطن سخام بأيادي غزل *

([6])  في الأصل: "قوم".

([7]) البيت لخداش بن زهير العامري كما في العمدة : (1: 46)، وحماسة ابن الشجري 31. وهو أول من لقب قريشاً "سخينة".

([8]) ذكر في اللسان أن مفردها "التسخان" بالفتح، وأنه معرب من "تَشْكَنْ" الفارسية. وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كان العلماء والموابذة  يأخذونه على رؤوسهم خاصة دون غيرهم، وأنَّ اللغويين من العرب أخطؤوا  في تفسيره بالخف.

([9]) في المجمل: "الفلاة".

([10]) في الأصل: "السخوة"، صوابه من المجمل.

([11]) هذه الكلمة لم أجدها في غير المقاييس.

([12]) السخت، بالضم، والسخد كذلك: الماء الذي يكون على رأس الولد.

 

ـ (باب السين والدال وما يثلثهما)

(سدر) السين والدال والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شِبه الحَيْرة واضطراب الرأي. يقولون: السادر المتحيِّر. ويقولون سَدِرَ بصرُهُ يَسْدَر، وذلك إذا اسمدَّ وتحيَّرَ. ويقولون: السَّادر هو الذي لا يبالي ما صَنَعَ، ولا يهتمُّ بشيء. قال طرفة:

سادراً أحْسَِب غَيِّي رَشَداً *** فتناهَيتُ وقد صَابَتْ بقُرّْ([1])

فأمَّا قولهم: سَدَرت المرأة شعرها، فهو من باب الإبدال، مثل سدلتُ، وذلك إذا أرسلَتْه. وكذلك قولهم: "جاء يضربُ أسدرَيْه"، وهو من الإبدال، والأصل فيه الصاد، وقد ذُكر.

(سدع) السين والدال والعين ليس بأصلٍ يُعوَّل عليه ولا يقاس عليه، لكنَّ الخليل ذكر الرجل المِسْدَع، قال: وهو الماضي لوجهه. فإن كان كذا فهو من الإبْدال؛ لأنَّه من صَدَعت، كأَنَّه يصدع الفلاةَ صدعاً. وحكى أنَّ قائلاً قال: "سَلامَةً لك من كلِّ نكبة وسَدْعَةٍ([2])"، وقال: هي شبه النَّكبة. هذا شيء لا أصل [له].

(سدف) السين والدال والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على إرسال شيءٍ على شيء غِطَاءً لـه. يقال أَسْدَفَت القناعَ: أرسلتْه. والسُّدْفَة: اختلاط الظَّلام. والسَّديف: شحمُ السَّنام، كأنَّه مُغَطٍّ لما تحته؛ وجمع السُّدْفة سُدَف. قال:

نحن بغَرس الوَدِيِّ  أعلمُنا  *** مِنَّا بركض الجيادِ في السُّدَفِ([3])

وحكى ناسٌ: أسْدَف الفجر: أضاء، في لغةِ هَوَازنَ، دونَ العرب. وهذا ليس بشيء، وهو مخالفٌ القياس.

(سدك) السين والدال والكاف كلمةٌ واحدة لا يقاس عليها. تقول: سَدِك به، إِذَا لزِمَه.

(سدس) السين والدال والسين أصلٌ في العدد، وهو قولهم السُّـدُْس: جزءٌ من ستَّة أجزاء. وإزارٌ سَدِيس، أي سُداسيّ. والسِّدْس من الوِرد في أظماء الإِبل: أن تنقطع الإبل عن الوِرد خمسةَ أيام وتَرِدَ السّادس. وأسدَسَ البعير، إذا ألَقى السّنّ بعد الرُّباعِيَة، وذلك في السنة الثامنة. فأمّا الستة فمن هذا أيضاً غير أنَّها مُدْغمة، كأنَّها سِدْسَة.

ومما شذَّ عن هذا السُّدُوس: الطَّيلَسان. واسم الرّجل سَدُوس. قال ابن الكلبيّ: سَدوس في شيبان بالفتح، والذي في طيٍّ بالضمّ.

(سدل) السين والدال واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على نزول الشيء من عُلْوٍ  إلى سُفْلٍ ساتراً لـه. يقال منه([4]) أرخى اللَّيل سُدُولَه، وهي سُتُرُه. والسَّدْل: إرخاؤك الثّوب في الأرض. وشَعْر مُنْسَدلٌ على الظَّهْر. والسِـُّدْل: السِّتْر. والسِّدْل: السِّمط من الجواهر، والجمع سُدُول.  والقياس في ذلك كلِّه واحد.

(سدم) السين والدال والميم أصلٌ في شيءٍ لا يُهتدَى لوجهه. يقال رَكِيَّةٌ سُدُم، إذا ادَّفَنَتْ. ومن ذلك البعير الهائج يسمَّى سَدِماً، أنَّه إذا هاجَ لم يَدرِ من حاله * شيئاً، كالسَّكران الذي لا يَهتدي  لوجهٍ. ومن ذلك قول القائل:

يا أيُّها السّدِم المَلَوِّي رأسَه *** ليقودَ مِنْ أهل الحجازِ بَريمَا([5])

(سدن) السين والدال والنون أصلٌ واحد لشيء مخصوص. يقال إنَّ  الـِسَّدانة الحِجابة. وسَدَنة البيت: حَجبَتُه. ويقولون: السَّدَن([6]) السِّتر. فإنْ كان صحيحاً فهو من باب الإِبدال، والأصل السُِّدْل.

(سدو) السين والدال والواو أصلٌ واحد يدلُّ على إِهمال وذَهابٍ على وجه. من ذلك السَّدْو، وهو ركوبُ الرأس في السَّير. ومنه قولُهُ جلَّ ثناؤه:{أيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدَىً} [القيامة 36]، أي مُهْمَلاً لا يؤمر ولا يُنْهَى. قال الخليل:  زَدْوُ الصِّبيان بالجوز إنَّما هو السَّدو. فإن كان هذا صحيحاً فهو من الباب؛ لأنَّه يخلّيه من يده. ومن الباب: أسْدَى النّخلُ، إذا استرخت ثَفاريقُه([7])، وذلك يكون كالشَّيء المخلَّى من اليَدِ، والواحدة من ذلك السَّـدِية. وكان أبو عمرو يقول: هو السَّداء ممدود، الواحدة سَداءة. قال أبو عبيد: لا أحفظ الممدود. والسَّدَى: النَّدَى؛ يقال سَدِيَتْ ليلتُنا، إذا كثُر نَداها. وهو من ذاك، لأن السحاب يُهمِله ويُهمَل به.

ومن الباب السَّدَى، وهو ما يُصطنع من عُرْف؛ يقال أسدى فلانٌ إلى فلان معروفاً. ومن الباب: تسدَّى فلانٌ أَمَتَه، إذا أخذها من فَوقها؛ كأنه رمى بنفسه عليها. قال:

فَلَمَّا دَنَوْتُ تسدَّيتُها *** فثوباً نسيتُ وثوباً أجُرّْ([8])

وقال آخر:([9])

تَسَدَّى مع النَّوم تِمثالُها  ***  دُنُوَّ الضَّبَابِ بطلٍّ زُلالِ([10])

(سدج) السين والدال والجيم، يقولون إنَّ المستعمَل منه حرفٌ واحد، وهو التسدُّج، يقال [رجلٌ] سدّاجٌ، إذا قال الأباطيل وألّفها.

(سدح) السين والدال والحاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بسطٍ على الأرض، وذلك كَسَدْح القِربة المملوءة، إذا طَرَحَها بالأرض. وبها يشبَّه القتيل. قال أبو النَّجم يصف قتيلاً:

* مُشَدّخَ الهامةِ أو مسدُوحا([11]) *

فأما رواية المفضَّل:

بينَ الأراكِ وبين النّخل تَشدخُهم *** زُرق الأسنّة في أطرافِها شَبَمُ([12])

فيقال إنَّه تصحيف، وإنَّما هو "تسدحُهم". والسَّدحُ: الصَّرْع بَطْحاً على الوجه وعلى الظهرِ، لا يقع قاعداً ولا متكوِّراً.

وأمَّا قولُهم فلانٌ سادحٌ، أي مُخصِب، فهو من هذا أيضاً؛ لأنَّه إذا أخصب انسدحَ مستلقياً. وهو مَثَلٌ.

(سدخ) السين والدال والخاء لا أصلَ لـه في كلام العرب. ولا معنى لقول من قال: انسدخَ مثل انسدح، إذا استلقى عند الضرب أو انبطح. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (سدر) بدون نسبة. وهو في ديوان طرفة 75.

([2]) في اللسان: "نقذاً لك من كل سدعة" أي سلامة لك من كل نكبة.

([3]) لسعد القرقرة، كما في اللسان (سدف)، وهو من شواهد النحو في الجمع بين إضافة أفعل وبين من. انظر العيني (4: 55).

([4]) في الأصل: "له".

([5]) البيت لليلى الأخيلية، كما سبق في (1: 232). وانظر التحقيق هناك.

([6]) ضبط في المجمل بسكون الدال، وفي اللسان والقاموس بفتحها.

([7]) الثفاريق: جمع ثفروق، كعصفور، وهو قمع البسرة. في الأصل: "تفاريقه"، صوابه بالثاء المثلثة.

([8]) البيت في اللسان (سدا) بدون نسبة أيضاً. وهو لامرئ القيس في ديوانه 9. ويروى: "فثوب نسيت وثوب". وللنحاة في الرواية الأخيرة كلام.

([9]) لم يرو في اللسان. وهو لأمية بن أبي عائذ الهذلي، من قصيدة لـه في شرح السكري للهذليين180 ونسخة الشنقيطي 79.

([10]) الزلال: البارد الصافي. والرواية في المصدرين السابقين: "مع الليل".

([11]) قبله، كما في اللسان (سدح):

* ثم يبيت عنده مذبوحا *.

([12]) البيت لخداش بن زهير، كما في اللسان (سدح).

 

ـ (باب السين والراء وما يثلثهما)

(سرط) السين والراء والطاء أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على غَيبة في مَرٍّ وذَهاب. من ذلك: سَرَطْتُ الطّعام، إذا بَـلعْته؛ لأنَّه إذا سُرِطَ غاب. وبعضُ أهل العلم يقول: السِّراط مشتقٌّ من ذلك، لأنَّ الذاهبَ فيه يغيب غيبةَ الطعام المُستَرَط. والسِّرِطْراط على فِعِلاّل([1]): الفالوذُ؛ لأنَّه يُستَرط. والسُّراطُ: السّيف القاطع الماضِي في الضَّريبة. قال الهذليّ([2]) يصف سيفاً:

كلون المِلح ضربتُه هَبِيرٌ *** يُتِرُّ اللَّحمَ سَقّاطٌ سُراطِي([3])

(سرع) السين والراء والعين أصل صحيح يدلُّ على خلاف البطء. فالسَّريع: خلاف البطيء. وسَرْعَان([4]) النَّاس:  أوائِلهم الذين يتقدمون سِراعاً. وتقول العرب: لَسَرْعان([5]) ما صنعتَ كذا، أي ما أسرع ما صَنَعتَه. وأما السَِّرْع من قُضبان الكرْم، [فهو]  أسرعُ ما يطلُعُ  منه. ومثله السَّرَعْرَع، ثم يشبَّه به الإنسان الرَّطِيب الناعم.

(سرف) السين والراء والفاء * أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تعدِّي الحدّ والإِغفالِ  أيضاً للشيء. تقول: في الأمر سرَفٌ، أي مجاوزَةُ القدر. وجاء في الحديث: "الثالثة في الوضوء شَرف، والرَّابعة سَرف". وأمّا الإِغفال فقول القائل: "مررتُ بكم فَسرِفتكم"، أي أغفلتكم. وقال جرير:

أعطَوْا هُنيدَةَ يحدُوها ثمانيةٌ *** ما في عطائِهم مَنٌّ ولا سَرَفُ([6])

ويقولون إنَّ السَّرَف: الجهل. والسَّرِف: الجاهل. ويحتجُّون بقول طرفة:

إنّ امرأً سرِف الفؤادِ يَرَى *** عسلاً بماء سحابةٍ شَتْمِي([7])

وهذا يرجع إلى بعض ما تقدَّم. والقياس واحد. ويقولون: إنَّ السَّرفَ أيضاً الضَّرَاوة. وفي الحديث: "إنَّ للحم سَرَفَاً كسَرف الخَمْر"، أي ضَرَاوة. وليس هذا بالبعيد من الكلمة الأولى.

ومما شذَّ عن الباب: السُّرْفة: دويْبَّة تأكل الخشَب. ويقال سَرَفت السُّرْفةُ الشَّجرَة سَرْفاً، إذا أكلَتْ ورقها، والشجرةُ مسروفة. يقال إنَّها تبني لنفسها بيتاً حسناً. ويقولون في المثل: "أصنَعُ من سُرْفة([8]) ".

(سرق) السين والراء والقاف أصلٌ يدلُّ على أخْذ شيء في خفاء وسِتر. يقال سَرَقَ يَسْرق سَرِقَةً. والمسروق سَرَقٌ. واستَرَقَ السَّمع، إذا تسمَّع مختفياً. ومما شذَّ عن هذا الباب السَّرَق: جمعَ سَرَقة،  وهي القطعة من الحرير.

(سرو) السين والراء والحرف المعتل بابٌ متفاوت جداً، لا تكاد كلمتان منه تجتمعان في قياسٍ واحد. فالسَّرو: سخاءٌ في مروءَة؛ يقال سَرِي وقد سَرُو. والسَّرْو: محلّة حمير. قال ابن مقبل:

بِسَرْوِ حِميرَ أبوالُ البِغَال به *** أنّى تسدّيتِ وهناً ذلك البِينَا([9])

والسَّرْو: كشْف الشّيءِ عن الشيء. سَرَوت عنّي الثوبَ أي كَشفتُهُ. وفي الحديث في الحَسَاء([10]): "يَسْرُو عن فؤاد السَّقِيم([11])" أي يكشف. وقال ابن هَرْمة:

سَرَى ثَوبَه عنك الصِّبا المتخايلُ  *** وقَرَّبَ للبَينِ  الحبيبُ المزايلُ([12])

ولذلك يقال سُرِّيَ عنه. والسِّروة: دويْبَّة([13])، يقال أرض مسرُوّة، من السِّروة إذا كثُرت بالأرض. والسَّاريَة: الأسطُوانة. والسُّرَى: سير اللَّيل، يقال سَرَيْت وأسريت. قال:

* أَسْرَتْ إِليكَ ولم تكن تَسْرِي([14]) *

والسَّراء: شجرٌ. وسَرَاة الشيء: ظَهْره. وَسَراة النَّهار: ارتفاعُهُ. وهذا الذي ذكرناه بعيدٌ بعضُهُ من بعض، فلذلك لم نحمله على القياس.

وإذا همز كان أبعد، يقال سرأت الجرادة: ألقَتْ بيضَها. فإذا حان ذلك منها قيل: أسرأتْ.

(سرب) السين والراء والباء أصلٌ مطرد، وهو يدلُّ على الاتّساع والذهاب في الأرض. من ذلك السِّرْب والسُّرْبة، وهي القطيع من الظِّباء والشاء. لأنَّه ينسرب في الأرض راعياً. ثمَّ حُمل عليه السِّرب من النِّساء. قالوا: والسرْب بفتح السين، أصله في الإبل. ومنه تقول العرب للمطلَّقة: "اذهبي فلا أنْدَهُ سَرْبَك"،  أي لا أردُّ إبلَك، لتذهب حيث شاءت. فالسِّرب  في هذا الموضع: المال الرّاعي. وقال أبو زيد: يقال خلِّ سرْبه، أي طريقه يذهب حيث شاء. وقالوا: يقال أيضاً سِرْب بكسر السين. ويُنشَد بيت ذي الرّمّة:

* خَلَّى لها سرْبَ أُولاَهَا([15]) *

وقال: يعني الطريق. ويقال انسرَبَ([16])  الوحشيُّ في سربه. ومن هذا الباب: السَّرَب والسَّرِب، وهو الماء السائل من المزادة، وقد سَرِبَ سَرَباً. قال ذو الرّمة:

ما بال عَينِكَ منها الماءُ ينسكبُ *** كأنّه من كُلَى مَفْرِيّةٍ سَرَبُ([17])

بفتح الراء وكسرها. ويقال : سَرَّبت القربةَ، إذا جعلتَ فيها ماءً حتى ينسدّ الخَرْز. والسَّرْب: الخَرْز؛ لأن الماء ينسرب منه، أي يخرج. والسارب: الذَّاهب في الأرض. وقد سَرَب سروباً. قال الله جلَّ ثناؤه:  {وَسَارِبٌ بِالنَّهار}[الرعد 10]. قال الشاعر: 

أنّى سَرَبْتِ وكنتِ غيرَ سروبِ *** و*تُقَرِّبُ الأحلامُ غيرَ قريبِ([18])

والمَسْرَبة: الشّعر النابت وسط الصدر،  وإنما سمِّي بذلك لأنَّه  كأنه سائل على الصدر جارٍ فيه. فأمّا قولهم:آمِنٌ في سِرْبِه، فهو بالكسر، قالوا: معناه آمنٌ في نفسه. وهذا صحيح ولكن في الكلام إضماراً، كأنه يقول: آمِنَة نفسه حيث سَرِب، أي سعى. وكذلك هو واسع السِّرب؛ أي الصدر. وهذا أيضاً بالكسر. قالوا: ويراد به أنّه بطيء الغضب. وهذا يرجع إلى الأصل الذي ذكرناه. يقولون: إنَّ الغضب لا يأخذ فيَقْلَق؛ وينسدّ عليه المذاهب.

(سرج) السين والراء والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على الحسن والزّينة والجمال. من ذلك السِّراج، سمِّي لضيائه وحُسْنه. ومنه السرج للدّابّة. هو زينته. ويقال سَرَّج وجهَه، أي حَسَّنه، كأنه جعله له كالسِّراج. قال:

* وفاحِماً ومَِـرْسَِـنَاً مُسَرَّجا([19]) *

ومما يشذُّ عن هذا قولُهم للطَّريقة: سُرْجُوجَة.

(سرح) السين والراء والحاء أصلٌ مطّرد واحد، وهو يدلُّ على الانطلاق. يقال منه أمر سريح، إذا لم يكن فيه تعويق ولا مَطْل. ثمَّ يحمل على هذا السَّراح وهو الطَّلاق؛ يقال سَرَّحت المرأةَ. وفي كتاب الله تعالى: {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة 231]. والسُّرُح: النّاقة السريعة. ومن الباب المنْسرح، وهو العريانُ الخارج من ثيابه. والسَّرْح:  المال السَّائم. والسارح: الرَّاعي. ويقال السَّارح: الرجل الذي لـه السَّرْح. وأمَّا الشجرة العظيمة فهي السَّرْحة، ولعلَّه أن يكون شاذاً عن هذا الأصل. ويمكن أن تسمَّى سَرْحة لانسراح أغصانها وذَهابها في الجهات. قال عنترة:

بَطلٍ كأنّ ثيابَه في سرحَةٍ *** يُحذَى نِعالَ السِّبتِ ليس بتَوأَمِ([20])

ومن الباب السِّرحانُ: الذِّئب، سمِّي به لأنَّه ينسرح في مَطالبه. وكذلك الأسدُ إذا سُمِّي سِرحانا.

وأما السَّريحة فقطعةٌ من الثِّياب.

(سرد) السين والراء والدال أصلٌ مطّرد منقاس، وهو يدلُّ على تَوالِي أشياء كثيرةٍ يتّصل بعضُها ببعض. من ذلك السَّرْد؛ اسمٌ جامعٌ للدروع وما أشبهها من عمل الحَِـلَق. قال الله جلَّ جلالُه، في شأن داود عليه السلام: {وَقَدِّرْ  فِي السَّرْدِ} [سبأ 11]، قالوا: معناه ليكنْ ذلك مقدَّراً، لا يكونُ الثَّقْب ضيّقاً والمِسمارُ غليظاً، ولا يكون المسمار دقيقاً والثقب واسعاً، بل يكون على تقدير. قالوا: والزّرَّاد إنّما هو السّرّاد. وقيل ذلك لقُرب الراء من السين. والمِسْرَد: المِخْرز: قياسُه صحيح.

ـــــــــــــــــ

([1]) كذا. وصواب وزنه "فعلعال".

([2]) وهو المتنخل الهذلي كما في اللسان (سرط). وقصيدته في القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 89 ونسخة الشنقيطي 47.

([3]) جاء "سراطي" على لفظ النسب وليس بنسب، يقال سيف سراط وسراطي، كما يقال أحمر وأحمري.

([4]) يقال بفتح السين، وبالتحريك أيضاً.

([5]) يقال هذا بالفتح وبفتح فضم، وبالكسر.

([6]) ديوان جرير 389 واللسان (سرف).

([7]) ديوان طرفة 61 واللسان (سرف).

([8]) انظر الحيوان (1: 220/ 2 : 147/ 6: 385/ 7: 10).

([9]) سبق البيت في مادة (بول، بين).

([10]) في الأصل: "الحياء"، صوابه من اللسان (19: 105).

([11]) في اللسان: "إنّه يرتو فؤاد الحزين، ويسرو عن فؤاد السقيم".

([12]) البيت في اللسان (سرا). قرب، أي قرب الرواحل. اللسان: "ووَدَّعَ".

([13]) هي الجرادة أول ما تكون وهي دودة.

([14]) لحسان بن ثابت في ديوانه 168 واللسان (19: 103). وصدره: * حي النضيرة ربة الخدر *

([15]) البيت بتمامه كما في الديوان 586 واللسان (سرب، همم):

خلّى لها سرب أولاها وهيجها  *** من خلفها لاحق الآطال همهيم

([16]) في الأصل: "السرب" صوابه من المجمل واللسان.

([17]) ديوان ذي الرمة ص 1 ـ وهو أول بيت في ديوانه ـ واللسان (سرب). وفي الأصل: "عينيك".

([18]) البيت لقيس بن الخطيم في ديوانه 5 واللسان (سرب).

([19]) للعجاج في ديوانه 8  واللسان (رسن، سرج). والمرسن، كمجلس ومنبر، أصله موضع الرسن من أنف الفرس، ثم كثر حتى قيل مرسن الإنسان، أي أنفه.

([20]) البيت من معلقته المشهورة.

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله سين)

من ذلك (المُسْمَقِرُّ([1])):  اليوم الشديد الحرّ، فهذا من باب السَّقَرات سَقَراتِ الشَّمسِ، وقد مضى ذكره، فالميم الأخيرة فيه زائدة.

ومن ذلك (السَّحْبل): الوادي الواسع، وكذلك القِرْبة الواسعة: سَحْبلة. فهذا منحوت من سحل إذا صبَّ، ومن سَبَل، ومن سَحَبَ إذا جرى وامتدّ. وهي منحوتةٌ من ثلاث كلمات، تكون الحاء زائدة مرَّة، وتكون الباء زائدة، وتكون اللام زائدة.

ومن ذلك (السَّمادِيرُ): ضَعف البَصَر، وقد اسمدَرَّ. ويقال هو الشيء يتراءَى  للإنسان من ضَعف بصره عند السُّكر من الشراب وغيره. وهذا ممّا زِيدت فيه الميم، وهو من السَّدَرِ وهو تحيُّر البَصر، وقد مضى ذِكْره بقياسه.

ومن ذلك فرسٌ (سُرْحُوب)، وهي الجَوادُ، وهي منحوتةٌ من كلمتين: من سرح وسرب، وقد مضى ذكرُهما.

ومن ذلك ناقة (سِرْداحٌ): سريعة كريمة، فالدّال زائدة، وإنّما هي من سَرَحَت.

ومن ذلك (اسْلَنْطح) الشَّيء، إذا انبسط وعَرُض([2])، وإنما أصلُه سطح، وزيدت فيه * اللام والنون تعظيماً ومبالغَة.

ومن ذلك (اسمَهَدَّ) السَّنام، إذا حسُن وامتلأ. وهذا منحوتٌ من مهد، ومن مهدت الشَّيءَ إذا وثَّرْته([3])، قال أبو النَّجْم:

* وامتَهَدَ الغاربُ فِعْلَ الدُّمْلِ([4]) *

ومن قولهم هو سَهْد مَهْد. وقد فسَّرناه.

ومن ذلك (السَّمْهريَّة): الرِّماح الصِّلاب، والهاء فيه زائدة، وإنّما هي من السُّمْرَة([5]).

ومن ذلك (المُسْلَهِبُّ): الطويل، والهاء فيه زائدة، والأصل السَّلب، وقد مضى.

ومن ذلك قولهم (اسْلَهَمَّ)، إذا تغيَّرَ لونُه. فاللام فيه زائدة، وإنّما هو سَهُمَ وجهه يسْهُم، إذا تغيَّرَ. والأصل السُّهام.

ومن ذلك العجوز (السَّمْلَق): السَّيئة الخُلُق، والميم فيه زائدةٌ، وإنّما هي من السِّلْقَة.

ومن ذلك (السَِّرطَِم): الواسع الحَلْقِ، والميم فيه زائدة، وإنّما هو من سَرَِطَ، إذا بَلِع.

ومن ذلك (السَّرمَد): الدائم، والميم فيه زائدة، وهو من سَرَدَ، إذا وَصَل، فكأنَّه زمان متّصل بعضُه ببعض.

ومن ذلك (اسْبَغَلَّ) الشّيءُ اسْبِغلالاً، إذا ابتلَّ بالماء. واللام فيه زائدة، وإنما ذلك من السُّبوغ، وذلك أنَّ الماءَ كثُر عليه حتَّى ابتلَّ.

ومما وُضِع وضعاً وليس قياسُه ظاهراً: (السِّنَّوْرُ)، معروف. و(السَّنَوَّر): السِّلاح الذي يُلبس. و(السَّلْقَع) بالقاف([6]): المكان الحزْن. و(السَّلْفَع)  بالفاء([7]):  المرأة الصَّخَّابة. و(السَّلْفَع) من الرِّجال: الشجاع الجَسور. قال الشاعر:

بَينا يُعانِقُهُ  الكماةُ ورَوْغِهِ *** يوماً أُتِيحَ لـه جرِيءٌ سَلْفَعُ([8])

وقال في المرأة:

فما خَلَفٌ عن أُمِّ عِمران  سلفع *** من السُّود وَرهاء العِنان عَروبُ([9])

 (والسِّمْحاق) : جِلْدةٌ رقيقةٌ في الرأس، إذا انتهت الشّجَّة إليها سمِّيت سِمْحاقاً. وكذلك سَمَاحيق السَّلَى، وسماحيق السَّحاب: القطع الرّقاق منه.

ومن ذلك (اسْحَنكَك) الظّلام. و(اسحَنْفَرَ) الشّيء: طال وعَرُض. وسَنامٌ (مُسرْهَدٌ): مقطوع قِطعاً. و(اسمَهَرَّ) الشوك: يَبِس. ويقال للظلام إذا اشتدَّ: اسمَهَرَّ. و(السَّرْهَفَة). و(السَّرعَفَة): حسن الغِذاء.

و(السَّخْبَر([10])): شجر. و(السَّماليخ): أماسيخ النَّصِيّ([11])،  الواحدة سُملوخ. و(السَّمْسَق): الياسَمِين. و(السَّفَنَّجُ): الظّليم. و(السَّلْجَم): الطويل. و(السَّرَوْمط): الطويل. و(السِّلْتِم): الغُول. و(السِّلْتِم): السّنة الصّعبة.

قال الشاعر:

وجاءت سِلتمٌ لا رَجْعَ فيها *** ولا صَدْعٌ فينجر الرِّعَاءُ([12])

و(السِّلْتِم) الداهية. و(السَّبَنْتَى): النَّمِر، وكذلك (السَّبَنْداةُ). قال في السَّبَنْتَى: 

وما كنتُ أخشى أن تكون وفاتُهُ *** بكفَّيْ سَبَنْتَى أزرقِ العينِ مُطرِقِ([13])

و(السِّربال): القميص. و(اسْرَنْدَانِي) الشَّيءُ: غلَبني. و(السِّفْسِير): الفَيْج والتابع. و(السَّـُوْذَق) و(السَّوْذَنِيق([14])) و(السُّوذَانِق): الصّقر.

و(السَّبَاريت): الأرض القَفر. و(السُّبْروت): الرَّجل القصير. و(السَّرْبَخُ): الأرض الواسعة. و(السِّنْدَأْوة): الرَّجل الخفيف. و(السَّجَنْجَل): المرآة. وغلام (سَمَهْدَرٌ): كثير اللَّحم. و(المُسْمَهِرُّ): المعتدل. و(المُسْجَهِرُّ): الأبيض. و(المُسْمغِدّ): الوارم. و(المُسْلَحِبّ): المستقيم. و(السُّرادِق): الغبار. و(السَّمْحَج): الأتَانُ الطَّويلة الظهر. و(السِّجِلاَّط): نَمَط الهَوْدج، ويقال إنَّه ليس بعربيّ([15]). و(السَّمَهْدَر):  البعيد، في قول الراجز:

* ودُونَ ليلَى بَلدٌ سَمَهْدَرُ([16]) *

ويقال (سَرْدَجْته) فهو مُسردَج([17])، أي أهملتُهُ، فهو مُهمل. قال أبو النجم:

قد قَتَلَتْ هِنْدُ ولمَ تَحَرَّجِ *** وتركَتْكَ اليومَ كالمُسَرْدَجِ

و(اسبَكَرَّ) الشَّيء: امتدَّ. والله أعلم.

(تم كتاب السين)

ـــــــــــــــ

([1]) لم يعقد لـه صاحب اللسان مادة خاصة، بل ذكره في مادة (سقر). وأما صاحب القاموس فقد عقد له، والوجه ما صنع صاحب اللسان فإن الميم فيه زائدة.

([2]) عرض يعرض عرضاً، مثل صغر يصغر صغراً.

([3]) وثرت الشيء: وطأته وسهلته. وفي الأصل "وترته"،  تحريف.

([4]) سبق إنشاد البيت في (دمل) وسيأتي في (مهد).

([5]) تذكر المعاجم أن السمهرية من الرماح منسوبة إلى "سمهر": رجل كان يصنع الرماح بالخط، وامرأته "ردينة"  التي تنسب إليها الرماح الردينية.

([6]) في المجمل: "بنقطتين".

([7]) في المجمل: "بنقطة".

([8]) رواية الديوان 18 والمفضليات (2: 228) "بينا تعنقه"، مصدر تعنقه تعنقاً. وفي رواية المقاييس  عطف الاسم على الفعل، وهو مسموع. انظر همع الهوامع (2: 140).

([9]) في اللسان (سلفع): "وما بدل من أم عثمان".

([10]) في الأصل: "السنجر"، صوابه من المجمل واللسان.

([11]) في اللسان: "وسماليخ النصي: أماصيخه، وهو ما تنزعه منه مثل القضيب".  والأماسيح وردت بالسين في كل من المقاييس والمجمل، فلعلها مما جاء بالإبدال من الصاد.

([12]) سبق البيت في مادة (رجع)، ولست أحق كلمة "فينجر"، ورواية اللسان (فتحتلب)، ولعلها هنا "فيتجر الرعاء"، من الوجور.

([13]) البيت للشماخ من مقطوعة في الحماسة (1: 454). وأنشده في اللسان (سبت) والمخصص  (1: 124/ 16: 8). ولم يرو في ديوان الشماخ.

([14]) ويقال أيضاً "سيذنوق". واللفظ  معرب من الفارسية. انظر المعرب للجواليقي 186-187.  والسان (سذق)، وأدّي شير.

([15]) في اللسان أنه معرب عن الرومية: "سجلاطس".

([16]) البيت لأبي الزحف الكليبي الراجز، ابن عم جرير. انظر اللسان (سمهدر). وفي اللسان "الكليني" وهو تحريف أوقع  مصحح اللسان في خطأ.

([17])  لم تذكر مادة (سردج) بالجيم في اللسان، وذكرها صاحب القاموس.

 

كتاب الشين:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب أوله شين في المضاعف والمطابق)

(شص) الشين والصاد أصلٌ واحدٌ مطّرد. يدلُّ على شدّة وَرَهق. من ذلك قولهم: شَصَّتْ مَعِيشتُهم * وإنَّهم لفي شَصَاصَاء، أي في شِدّة. وأصله من قولهم شَصَّ الإنسان، إذا عَضَّ بنواجذه على الشيء عَضّاً. ويقال في الدعاء: نَفَى الله عنك الشَّصائص، وهي الشّدائد.

ومن الباب الشَّصّ:  شيء لا يُصاد به السّمك. ويقال للِّصِّ الذي لا يَرَى شيئاً إلاَّ أتى عليه: شِصّ. قال الكسائيّ: يقال إنَّ فلاناً على شَصَاصاء، أي على عَجَلة. قال:

نحنُ نَتَجْنا ناقةَ الحَجّاجِ *** على شَصَاصاء من النِّتاجِ([1])

(شط) الشين والطاء أصلان صحيحان: أحدهما البُعد. والآخر يدلُّ على المَيل.

فأما البُعد فقولهم: شطّت الدارُ، إذا بعُدت تَشُطّ  شُطوطا. والشَّطَاط: البُعد. والشَِّطاط: الطُّول؛ وهو قياسُ البُعد؛ لأنَّ أعلاه يبعُد عن الأرض.

ويقال أَشَطَّ فلانٌ في السَّوْم، إذا أَبْعَدَ وأتَى الشَّطَط، وهو مجاوزة القَدْر. قال جلَّ ثناؤه: {وَلا تُشْطِطْ}  [ص 22]. ويقال أشطَّ القومُ في طلبِ فلانٍ، إذا أمعَنُوا و أَبعَدوا.

وأمَّا الميل فالميل في الحُكم. ويجوز أن يُنقل إلى هذا الباب الاحتجاجُ بقوله تعالى: {وَلاتُشْطِطْ} [ص 22]. أي لا تَمِلْ. يقال [شَطَّ، و([2])] أَشَطّ،  وهو الجور والميل في الحكم. وفي حديث تميمٍ الداريّ: "إنّك لشاطِّي حتَّى أحملَ قوّتَك على ضعفي"([3])، شاطِّي، أي جائر في الحكم عليَّ. والشَّطُّ: شَطّ السَّنام، وهو شِقُّه، ولكلِّ سَنامٍ شَطَّانِ. وإنّما سمِّيَ شطّاً لأنَّه مائل في أحد الجانبين. قال الشاعر([4]):

كأنَّ تحتَ دِرعِها المُنْعَطِّ ***  شطّاً رميتَ فوقَه بشَطِّ

وناقة شَطَوْطَى من هذا. وشَطُّ النَّهر يسمى شَطّاً لذلك، لأنَّه في الجانبين.

(شظ) الشين والظاء أصلٌ يدلُّ على امتدادٍ في شيء. من ذلك الشِّظَاظانِ: العُودان اللذان يُجعَلان في عُرَى الجُوالِق. قال:

أين الشِّظاظانِ وأين المِرْبَعهْ *** وأين وَسَقُ الناقةِ المُطَبَّعهْ([5])

 

ويقولون: أَشَظَّ الرجُل، إذا تحرَّك ما عنده. ويقولون: أشَظَّ البعيرُ، إذا مدَّ بذنَبه.

(شع) الشين والعين في المضاعف أصلٌ واحد يدلُّ على التفرُّق والانتشار. من ذلك الشعاع شُعاع الشّمس، سمِّي بذلك لانبثاثه([6]) وانتشاره، يقال أَشَعّت الشّمسُ تُشِعُّ، إذا طرحَتْ شُعَاعَها. والشَّعَاع بالفتح: الدّم المتفرِّق. قال قيس بن الخطيم:

طعنتُ ابنَ عبدِ القَيسِ  طعنةَ  ثائرٍ *** لها نَفَذٌ لولا الشُّعَاعُ  أضاءَها([7])

وشعاع([8]) السُّنْبُل: سَفَاه إذا يَبِس. قال أبو النَّجم: 

* لِمَّةَ فَقْرٍ كشعاع السُّنبلِ([9]) *

ويقال نَفْسٌ شَعاعٌ، إذا تَفرَّقَ هِمَمُها، قال:

فَقدتُكِ من نَفْسٍ شَعاعٍ ألم أكنْ *** نَهيتُكِ عن هذا وأنتِ جميعُ([10])

والشَّعُّ: رمي الناقة بولَها على فَخذِها. يقال شَعَّتْ تَشُعُّ شَعّاً. ويقال ظلٌّ شَعْشَعٌ، إذا لم يكن كثيفاً. وقال الراجز في التفرُّق:

* صَدْقُ اللِّقاءِ غيرُ شَعْشاع الغَدَرْ([11]) *

يقول: هو جميع الهِمَّة غيرُ متفرِّقِها.

ومن هذا الباب الشَّعشاع والشَّعشَعان من النّاس والدوابّ: الطويل. يقال بَعيرٌ شعشاعٌ وناقةٌ شَعْشَاعةٌ وشَعْشَعَانةٌ. قال ذو الرّمة:

هيهاتَ خَرقاءُ إلاَّ أنْ يقرِّبَها *** ذُو العرش والشّعشعاناتُ العَياهيمُ([12])

ومن الباب: شَعْشَعْتُ الشّرابَ، إذا مزجتَه؛ وذلك أن المِزاج ينبثُّ وينتشر فيه. قال:

مشعشعةً كأنَّ الحُصَّ فيها *** إذا ما الماءُ خالَطَها سَخِينَا([13])

(شغ) الشين والغاء أصلٌ يدل على القلّة. قال أهل اللُّغة: الشّغشغة في الشرب: التّصريد، وهو التقليل. قال رؤبة:

لو كنتُ أَسْطِيعُك لم يُشَغْشَغِ  *** شُرْبي وما المشغولُ مِثْلُ  الأَفْرغِ([14])

هذا هو الأصل. وفيه كلمةٌ طريقتُها طريق الحكاية، وذلك ربَّما حُمل على القياس وربما لا يُحمَل. يقولون إنَّ الشَغشغة صَوت الطَّعْن، في قول الهذليّ([15]):

فالطعن شَغْشغةٌ والضَّرب هَيْقعةٌ *** ضربَ المُعَوِّل تحت الدِّيمة* العَضَدا

والشغشغة: ضربٌ من هدير الإبل.

(شف) الشين والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على رقّة وقلّة، لا يشذ منه شيءٌ عن هذا الباب. من ذلك الشَِّفّ: السِّتْر الرّقيق. يقولون: سُمِّي بذلك لأنَّه يُستَشفُّ ما وراءه. والأصل أن السِّتر في نفسه يشفُّ([16]) لرقّته إِذْ كان كذا. وإن كان ما قاله القومُ صحيحاً فهو قياسٌ أيضاً؛ لأنَّ الذي يُرى من ورائه هو القليل المتفرِّق في رأي العين والبصر. ومن ذلك الشَِّفّ الزيادة؛ يقال لهذا على هذا شَِفٌّ، أي فضْل. ويقال: أَشففتَ بعضَ ولدك على بعضٍ، أي فضّلت. وإنما قيل ذلك لأنَّ تلك الزيادة لا تكاد تكثُر، فإنْ أَعطَى أحدَهما مائةً والآخرَ مائتين لم يُقَل أَشففتَ، لكن يقال أَفْضَلْتَ وأَضْعَفت وضعَّفت، وما أشبَهَ ذلك.

وقولُ مَنْ قال: الشَِّف: النُّقصان أيضاً محتمل، كأنَّه ينقُص الشيءَ حتى يصيِّرَه شُفافَة([17]). والشُّفُوف: نُحول الجِسم، يقال شفَّه المرضُ يشُفُّه شَفّاً. فأما الشَّفيف فلا يكون إلا بَرْدَ ريح في نُدُوّة قليلة، فسمِّي شفيفاً لتلك النُّدُوّة وإن قَلَّتْ. ويقال لذلك الشَّفَّانُ أيضاً، قال:

* ألجاهُ شَفَّانٌ لها شَفِيفُ([18]) *

والاستشفاف في الشَّراب: أن يستقصِيَ ما في الإِناء لا يُسْئِرُ([19]) فيه شيئاً، كأنَّ تلك البقيَّة شُفافة، فإذا شربَها الإنسان قيل اشتفَّها  وتَشَافَّها. وفي حديث أمّ زرع: "إنْ أكلَ لَفَّ، وإِنْ شرِبَ اشتَفَّ". وكلُّ شيءٍ استوعَبَ شيئاً فقد اشتفَّه. قال الشَّاعِر:([20])

له عنق تُلْوِي بما وُصِلَتْ به *** ودَفَّانِ  يشتَفّان كلَّ ظِعانِ

الظِّعَان: الحبل. يقول: جَنْباه عريضانِ، فما يأخُذان الظِّعانَ كلَّه. وأما قول الفرزدق:

* ويُخْلِفْن ما ظَنَّ الغَيورُ المشَفْشَفُ([21]) *

فيقال: الرَّجل الشديد الغَيرة. وهذا صحيح، إلاَّ أنّه الذي شفّتْه الغَيرة حتّى نَحَلَ جسمُه.

(شق) الشين والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على انصداعٍ في الشيء، ثم يحمل عليه ويشتقُّ منه على معنى الاستعارة. تقول شقَقت الشيء أَشُقه شقَّا، إذا صدعتَه. وبيده شُقوق، وبالدابّة شُقاق. والأصل واحد. والشِّقَّة: شَظِيَّةٌ تُشَظَّى من لوحٍ أو خشبة.

ومن الباب: الشِّقَاق، وهو الخِلاف، وذلك إذا انصدعت الجماعةُ وتفرَّقتْ يقال: شَقُّوا عصا المسلمين، وقد انشقّت عصا القومِ بعد التئامها، إذا تفرَّقَ أمرُهم. ويقال لنِصف الشيء الشِّقّ. ويقال أصابَ فلاناً شِقٌّ ومَشقّة، وذلك الأمر الشديد كَأنَّه من شدّته يشقُّ الإنسان شقّا.  قال الله جل ثناؤه { وتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُس}  [النحل 7]. والشِّقّ أيضاً: الناحية من الجبل. وفي الحديث: "وَجَدني في أهل غُنَيْمَةٍ بِشَقّ". والشِّقّ: الشقيق، يقال هذا أخي وشقيقي وشِقُّ نفسي. والمعنى أنه مشبَّه بخشبةٍ جعلت شِقّيْنِ. ويقولون في الغضبان: احتدَّ فطارت منه شِقَّةٌ، كَأنه انشقّ من شدة الغضب. وكلُّ هذه أمثال.

والشُّقَّة: مسيرٌ بعيدٌ إلى أرض نطيَّة. تقول: هذه شُقّةٌ شاقّة. قال الله سبحانه: {ولَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّة}  [التوبة 42]. والشُّقة من الثياب، معروفة. ويقال اشتقَّ في الكلام في الخصومات يميناً وشِمالاً مع ترك القَصْد، كأنَّه يكون مرةً في هذا الشِّق، ومرَّة في هذا. وفرسٌ أَشَقُّ، إذا مالَ في أحد شِقَّيه عند عَدْوِهِ. والقياس في ذلك كلِّه واحد.

والشّقِيقة: فُرْجَةٌ بين الرمال تُنْبِتُ. قال أبوخَيْرَة: الشَّقيقة: لَيِّن من غلظ الأرض، يطول ما طال الحَبْل. وقال الأصمَعيّ: هي أرضٌ غليظةٌ بين حَبْلَينِ من الرَّمل. وقال أبو هشامٍ الأعرابيّ: هي ما بين *الأمِيلَين. والأمِيل والحَبْل سواء. وقال  لبيد:

خَنْسَاء ضيَّعتِ الفريرَ فلم يَرِمْ *** عُرْضَ الشقائقِ طَوْفُها وبُغَامُها([22])

وقال الأصمعيُّ: قِطعٌ غِلاظٌ بين كلّ حَبْلَيْ رمْل. وفي رواية النَّضْر: الشقيقة الأرض بين الجبلَين على طَوَارهما، تنقاد ما انقاد الأرض، صلبة يَسْتَنْقِعُ الماء فيها، سَعَتُها الغَلْوَةُ والغَلْوتان. قلنا: ولولا تطويلُ أهل اللُّغَةِ في ذكر هذه الشَّقائق، وسلوكُنا طريقَهم في ذلك، لكان الشّغل بغيره مما هو أنفع منه أولى، وأيُّ منفعةٍ في علم ما هي حتى تكون المنفعة في علم اختلاف الناس فيها. وكثيرٌ  مما ذكرناه في كتابنا هذا جارٍ هذا المجرى، ولاسيما فيما زاد على الثلاثيّ، ولكنَّه([23]) نَهج القوم وطريقَتُهم.

ومن الباب الشِّقْشِقَة: لَهَاة البعير، وهي تسمَّى بذلك لأنّها كأنَّها منشقَّة. ولذا قالوا للخطيب هو شقشقة، فإنما يشبّهونه بالفحل. قال الأعشى:

فاقْنَ فإني طَبِنٌ عالمٌ *** أقطعُ من شِقشقة الهادِرِ([24])

وفي الحديث: "إنَّ كثيراً من الخطب شقاشقُ الشَّيْطان"([25]).

ومما شذَّ عن هذا الباب: الشَّقيق، قالوا: هو الفَحْلُ إذا استَحْكَم وقوِيَ. قال الشاعر:

* أبوكَ شَقِيقٌ ذو صَياص مذَرَّبُ *

(شك) الشين والكاف أصل واحدٌ مشتقٌّ بعضُه من بعض، وهو يدلُّ على التَّداخُل. من ذلك قولهم شكَكْتُه بالرُّمح، وذلك إذا طَعنتُه فداخَل السِّنانُ جسمَه. قال:

فشككت بالرُّمح الأصَمِّ ثيابَه *** ليس الكريمُ على القنا بمحرَّمِ([26])

ويكون هذا من النَّظْم بين الشيئين إذا شُكّا.

ومن هذا الباب الشكُّ، الذي هو خلاف اليقين، إنما سمِّي بذلك لأنَّ الشَّاكَّ كأنه شُكَّ له الأمرانِ في مَشَكٍّ واحد، وهو لا يتيقن واحداً منهما، فمن ذلك اشتقاق الشك. تقول: شككت بين ورقتين، إذا أنت غَرَزْتَ العُود فيهما فجمعتَهما.

ومن الباب الشِّكَّةُ، وهو ما يلبسه الإنسان من السّلاح، يقال هو شاكٌّ في السّلاح. وإنما سمِّي السّلاحُ شِكَّة لأنه يُشَكُّ به، أوْ لأنه كأنه شُكَّ بعضُه في بعض. فأمّا قول ذي الرُّمَّة:

وَثْبَ المُسَحَّج مِن عاناتِ مَعْقُلةٍ  *** كأنّه مُستَبانُ الشَّكِّ أو جَنِبُ([27])

فالشك يقال إنّه ظلْع خفيف؛  يقال بعيرٌ شاكٌّ، وقد شَكّ شَكّاً. وهذا قياس صحيح؛ لأنّ ذلك وَجَع([28]) يداخِله. ويقال بل الشَّكّ: لُصوق العَضد بالجنْب. فإن صحَّ هذا فهو أظهر في القياس. والشكائك: الفِرَق من الناس، الواحدة شَكِيكة، وإنما سمِّيت بذلك لأنها إذا افترقت فكلُّ فِرقةٍ منها يداخل بعضُهم بعضاً.

(شل) الشين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تباعُد، ثم يكون ذلك في المسافة، وفي نسج الثَّوب وخياطته وما قارب ذلك. فالشلُّ: الطرْد، يقال شَلَّهم شَلاًّ، إذا طَرَدهم. ويقال أصبح القوم شِلاَلاً، أي متفرِّقين. قال الشاعر:

أما والذي حَجَّت قريشٌ قَطينةً *** شِلالاً ومولَى كلِّ باقٍ وهالكِ([29])

والشَّلل: الذي قد شُلّ، أي طُرِد. ومنه قوله:

* لا يَهُمُّون: بإِدْعاق الشَّلَلْ ([30]) *

ويقال شَللت الثوب أشُلُّه، إذا خِطته خياطةً خفيفة متباعدة.

ومن الباب الشلل: فساد اليد، يقال: لا تشْلل ولا تَكْللْ، ورجلٌ أَشَلُّ وقد شَلَّ يَشَلّ. والشلل: لَطْخ يُصيب الثوبَ فيبقى فيه أثر. والشلشَلة: قَطَرَانُ([31]) الماء متقطعاً. والشُّلة([32]): النَوَى نوى الفِراق. وهو من الباب، وذلك حيثُ ينتوي القومُ. قال أبو ذؤيب:

وقلتُ تجنَّبَنْ سُخْطَ ابنِ عمٍّ  *** ومَطلبَ شُلَّةٍ وهي الطَّروحُ([33])

فأما الشَّليل فقال قوم: هو الحِلْس، وهو لا يكون محقق النَّسْج. وأمَّا الجُنَنُ([34]) ففيها الشَّليل، فقال قوم: هو ثوبٌ يُلبَس تحت الدِّرع *ولا يكون ضعيفاً، وقال آخرون: هي الدِّرع القصيرة، وتُجمع أشِلّة. قال أوس:

وجاؤُوا بها شَهباءَ ذاتَ أَشِلَّةٍ  *** لها عارضٌ  فيه المنيَّةُ تلمعُ([35])

وأيّ ذلك كان فإنما هو تشبيهٌ واستعارة.

(شم) الشين والميم أصلٌ واحد يدلُّ على المُقارَبة والمداناة. تقول شَمَمت الشيءَ فأنا أشمُّهُ([36]). والمشامَّة: المفاعلة من شاممته، إذا قاربتَهَ ودنوتَ منه. وأشمَمْتُ فلاناً الطيبَ. قال الخليل: تقول للوالي أشمِمني يدك، وهو أحسنُ من قولك: ناوِلْني يدَك. وأمّا الشمم فارتفاعٌ في الأنف، والنعت منه الأشمُّ؛ في الظاهر كأنه بعيدٌ من الأصل الذي أصَّلناه، وهو في المعنى قريبٌ، وذلك أنه إذا كان مرتفعَ قصبة الأنف كان أدنى إلى ما يريد شَمَّهُ. ألا تراهم يقولون: [آنفُهُمْ([37])] تنال الماء قبل شفاههم. وإذا كان هذا كذا كان منه أيضاً ما حُكي عن أبي عمرو: أشمَّ فلانٌ، إذا مرَّ رفعاً رأسه. وعرضت عليه كذا فإذا هو مُشِمٌّ([38]). وبينا هُمْ في وجهٍ أشَمُّوا، أي عدَلوا؛ لأنه إذا باعدَ شيئاً قاربَ غيره. وإذا أشمَّ عن شيءٍ قارَبَ غيره، فالقياسُ فيه غير بعيد.

(شن) الشين والنون أصلٌ واحد يدلُّ على إخلاقٍ ويُبْس. من ذلك الشَّنُّ، وهو الجِلد اليابس الخَلَق البالي، والجمع شِنانٌ. وفي الحديث في ذكر القرآن: "لا يَتفه ولا يتشَانُّ([39])"، أي لا يَقِلُّ ولا يُخْلِق. والشنين: قَطَرانُ الماء من الشَـنّة. قال الشاعر:

* يا مَن لِدمعٍ دائم الشَّـنينِ([40]) *

ومن الباب: الشِّنْشِنَة، وهي غريزة الرَّجُل. وفي أمثالهم: "شِنْشِنة أعرفُها من أخزم"، وهي مشتقة مما ذكرناه، أي هي طبيعتُه التي وُلِدَت معه وقَدُمَت، فهي كأنها شَنّة. والشَّنُون، مختلف فيه، فقال قوم: هو المهزول، واحتجُّوا بقول الطرِمَّاح في وصف الذئب الجائع:

* كالذّئب الشّنونِ([41]) *

وقال آخرون: هو السَّمين. ويقال إنّه الذي ليس بسمينٍ ولا مهزُول. وإذا اختلفت الأقاويل نُظِرَ إلى أقربها من قياس الباب فأُخِذَ به. وقد قال الخليل: إن الشَّنُون الذي ذهب بعضُ سِمَنه، [شُبّهَ([42])] بالشَّنّ. وقال: يقال للرّجُل إذا هُزِلَ: قد استَشَنّ. وأمّا إِشْنانُ([43]) الغارةِ فإنما هو مشتقٌّ من الشَّنين، وهو قَطَران الماء من الشَّنَّة، كأنهم تفرَّقوا عليهم فأتَوْهم من كلِّ وجه. ويقال شننت الماءَ، إذا صَبَبْته متفرِّقاً. وهو خلافُ سَنَنْت.

(شب) الشين والباء أصلٌ واحد يدلُّ على نَمَاء الشيء، وقوّته في حرارةٍ تعتريه. من ذلك شَبَبْتُ النّارَ أَشُبُّها شَبّاً وشُبُوباً. وهو مصدر شُبَّت. وكذلك شَبَبْتُ الحرب، إذا أوقدتَها. فالأصل هذا. ثم اشتقَّ منه الشَّباب، الذي هو خلاف الشَّيْب. يقال: شَبَّ الغلامُ شَبِيباً وشَباباً([44])، وأَشَبَّ الله قَرْنَهُ([45]) والشَّبَاب أيضاً: جمع شابّ، وذلك هو النَّماء والزيادةُ بقوّة جسمِه وحرارته. ثم يقال فَرقاً: شَبَّ الفرسُ شِباباً، بكسر الشين، وذلك إذا نَشط ورفَع يديه جميعاً. ويقولون: بَرِئْت إليكَ من شِبابه وعِضَاضِه([46]). والشَّبيبة: الشَّباب([47]). ومن الباب: الشَّبَبُ: الفتيُّ من بقر الوحش. قال ذو الرّمة:

* ناشِطٌ شَبَبُ([48]) *

ومن هذا القياس: أُشِبّ له الشيءُ، إذا قُدِّرَ وأُتيح؛ وكأنّه رُفع وأُسْمِيَ له([49]).

(شت) الشين والتاء أصلٌ يدلُّ على تفرُّق وتزيُّل، من ذلك تشتيت الشيء المتفرّق، تقول: شَتّ شَعْبُهم شَتَاتاً وشَتّاً، أي تفرَّقَ جَمْعُهم. قال الطرِمّاح:

شَتَّ شَعْبُ الحيِّ بعد التِئامْ *** وشَجَاكَ الرّبعُ رَبعُ المُقامْ([50])

ويقال: جاء القوم أشتاتاً. وثَغْر شَتِيتٌ: مفلَّجٌ حَسَن. وهو من هذا، كأنَّه يقال إنَّ الأسنانَ ليست بمتراكِبة. وشتّانَ ما هما، يقولون إنّه الأفصح، وينشدون:

وشَتّانَ ما يومِي على كُورِها *** ويومُ حَيَّانَ أخِي جابرِ([51])

و* رّبما قالوا: شَتَّانَ ما بينهما، والأوّل أفصح.

(شث) الشين والثاء ليس بأصل، إنما هو الشّثُّ: شَجر.

(شج) الشين والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على صَدْع الشيء. يقال شَجَجْتُ  رأسَهُ أَشُجُّه شَجّاً. وكان بين القوم شِجاجٌ ومشاجّة، إذا شجَّ بعضُهم بعضاً. والشَّجَجُ: أثر الشَّجّة في الجبينِ؛ والنّعت منه أَشَجّ. وشجَجت المفازةَ شَجّاً، إذا صَدَعْتَها بالسَّير. وشَجَجْتُ الشَّرابَ بالمِزَاج([52]). وشَجَّت السفينةُ  البحر. والشَّجِيج: المشجوج. والوَتِد شجيج.

(شح) الشين والحاء، الأصل فيه المنع، ثم يكون منعاً مَعَ حِرص. من ذلك الشُّحُّ، وهو البُخل مع حِرص. ويقال تَشَاحَّ الرّجلانِ على الأمر، إذا أراد كلُّ واحدٍ منهما الفوزَ به ومنْعَه من صاحبه. قال الله جلَّ ثناؤه: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}  [الحشر 9، التغابن 16]. والزّنْد الشَّحَاحُ: الذي لا يُورِي.

قال ابن هَرْمَة:

وإِنِّيَ وتركي نَدى الأكرمينَ  *** وَقَدْحِي بكفَّيَّ زَنْداً شَحَاحا([53])

هذا هو الأصل في المضاعف.

فأمَّا المطابَقُ فقريبٌ من هذا. يقولون للمواظِب على الشيء: شَحْشَحٌ. ولا يكون مواظبتُه عليه إلاَّ شُحّاً به. ويقولون للغَيور: شَحْشَح، وهو ذاك القياس؛ لأنّه إذا غار مَنَع. وكذلك الشُّجَاع، وهو المانع ما وراءَ ظهرِه. وأمَّا الماضي في خطبته فيقال له شَحشح؛ كأنّه محمولٌ على الشُّجاع مشبَّه به.

(شخ) الشين والخاء ليس بأصل، إنما يقولون شَخَّ الصبيُّ ببوله، إذا بال وكان له صوت. وشَخَّتْ رجلُه دماً، أي سالت.

(شد) الشين والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على قوةٍ في الشيءِ، وفُروعُه ترجِع إليه. من ذلك شَدَدْتُ العقد شَدّاً أشُدُّه. والشَّدّة: المرّة الواحدة. وهذا القياسُ في الحرْب أيضاً. يَشُدُّ شَدّاً. قال:

يا شَدَّةً ما شددنا غيرَ كاذبةٍ  *** على سَخِينَةَ لولا اللّيلُ والحرَمُ([54])

ومن الباب: الشّديد والمتشدّد: [البَخِيل([55])]. قال الله سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ}  [العاديات 8]. [و] قال طرَفة في المتشدّد:

أَرَى الموتَ يعتامُ الكِرامَ ويَصْطَفي *** عَقيلةَ مالِ البَاخِلِ المتشدِّدِ([56])

وحُكِي عن أبي زيد: أصابتني شُدَّى، أي شِدَّة. ويقال: أَشَدَّ القومُ، إذا كانت دوابُّهم شِداداً([57]). وشَدُّ النّهارِ: ارتفاعه([58]). والأَشُدُّ: العشرون، ويقال أربعون سنة. وبعضهم يقولون لا واحدَ لها، ويقال بل واحدها شَدٌّ.

(شذ) الشين والذال يدلُّ على الانفراد والمفارَقة. شَذّ الشيء يَشِذُّ شذوذاً. وشُذَّاذُ الناس:  الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم ولا مَنَازِلهم([59]). وَشُذَّانِ الحصى([60]): المتفرِّق منه. قال امرؤ القيس:

تُطَايِرُ شُذّانَ الحصى بمَنَاسمٍ *** صلابِ العُجى ملثومُها غَيرُ أَمْعَرا([61])

(شر) الشين والراء أصلٌ واحد يدلُّ على الانتشار والتّطايُر. مِن ذلك الشرّ خلاف الخير. ورجلٌ شِرِّير، وهو الأصل؛ لانتشاره وكثرته. والشَّرُّ: بسْطُك الشيءَ في الشمس. والشّرارة، والجمع الشّرَارُ. والشّرَر: ما تطاير من النّار، الواحدة شَرَرَة. قال الله جلَّ وعلا: {إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقَصْرِ}  [المرسلات 32]. ويقال: شرشَرَ الشيءَ، إذا قطّعه. والإِشرارة: ما يُبْسَط عليه الشيء. والشِّواء الشّرْشار([62]): الذي يتقاطر دَسَمُه. والشَّرشرة: أن تنفُض الشَّيء من فيك بعد عضِّك إِيَّاه. وشراشر الأذناب: ذَباذِبُها. وأنشد:

فعوين يَستعجِلْنه ولَقِينَه *** يَضْرِبْنَه بِشراشر الأَذْنابِ([63])

فإن قال قائل: فعلى أيِّ قياسٍ من هذا البابُ يُحمل الشَّراشر، وهي النَّفْس، يقال ألقى عليه شراشِرَه، إذا ألقى عليه نفسه حرصاً ومحبّة. وهو قوله:

* ومِنْ غَيَّةٍ تُلقَى عليها الشَّراشرُ([64]) *

فالجوابُ أنَّ القياس في ذلك صحيح، وليس يُعنَى بالشّراشر الجسمُ والبدَن، إنّما يراد به النَّفْس. وذلك عبارةٌ عن الهِمم والمَطَالب * التي في النَّفْس. يقال ألقى عليه شراشِرَه، أي جَمَع ما انتشر من هِمَمه لهذا الشيء، وشَغَلَ همومَه كلَّها به. فهذا قياس.

ويقال أشررتُ فلاناً، إذا نسبتَه إلى الشرّ. قال طرفة:

وما زال شُربِي الرّاحَ حتّى أَشَرّنِي *** صديقي وحَتَّى ساءني بعضُ ذلِكِ([65])

ويقال أشررت الشّيءَ، إذا أبرزْتَه وأظهرتَه. قال:

* وَحَتَّى أُشِرّتْ بالأكفِّ المصاحفُ([66]) *

وقال:

إِذا قِيلَ أيُّ النّاسِ شرٌّ قبيلةً *** أَشَرَّت كليباً بالأكفّ الأصابع([67])

وقال امرؤ القيس:

تجاوزتُ أحراساً عليها ومَعْشَراً *** عليَّ حِراصاً لو يُشِرُّون مَقتَلي

(شز) الشين والزاء أصلٌ واحد ضعيف. يقولون: إنّ الشَّزازة: اليُبْس الشَّديد.

(شس) الشين والسين قريب من الذي قبله. فالشَّسُّ: الأرض الصُّلْبة، والجمع شِسَاس وشُسوس.

ـــــــــــــــــ

([1]) الرجز في اللسان (شصص).

([2]) التكملة يقتضيها الاستشهاد التالي، وكذا جاء في المجمل: "قال أبو عبيد: شططت فلان وأشططت، وهو الجور في الحكم". ثم استشهد بحديث تميم الداري.

([3]) في اللسان: "وفي حديث تميم الداري أن رجلاً كلمه في كثرة العبادة فقال: أرأيت إن كنت أناً مؤمناً ضعيفاً وأنت مؤمن قوي إنك لشاطّي حتى أحمل قوتك على ضعفي فلا أستطيع فأنبت". يقول: إذا كلفتني مثل عملك وأنت قوي وأنا ضعيف فهو جور منك.

([4]) هو الراجز أبو النجم العجلي. اللسان (شطط، عطط).

([5]) سبق البيتان في مادة (ربع).

([6]) في الأصل: "لابتشائه"، تحريف.

([7]) ديوان قيس بن الخطيم 3 واللسان (شعع).

([8]) شعاع السنبل بتثليث حركات الشين. في الأصل: "شعا"، تحريف.

([9]) البيت في أرجوزته المنشورة بمجلة المجمع العلمي العربي، السنة الثامنة ص 475. وقبله:

* تفرى له الريح ولما يقمل *.

([10]) البيت في المجمل، وهو لقيس بن ذريح، كما في اللسان (شمع).

([11]) البيت في المجمل واللسان (شعع).

([12]) ديوان ذي الرّمة 579 واللسان (شعع). وسيعيده في (عهم).

([13]) البيت لعمرو بن كلثوم في معلقته.

([14]) ديوان رؤبة 97 واللسان (شغغ).

([15]) هو عبد بن مناف بن ربع الهذلي، كما في اللسان (شغغ). وقصيدته في بقية أشعار الهذليين

3 ونسخة الشنقيطي 51، وانظر ما سيأتي في (عضد).

([16]) في الأصل: "شفّ".

([17]) الشفافة، بالضم: البقية من الشيء.

([18]) البيت في المجمل (شف).

([19]) في الأصل: "لا تسار"، صوابه من المجمل.

([20]) هو كعب بن زهير. والبيت سبق إنشاده في (دف).

([21])  أنشد هذا الصدر في اللسان (شفف). وصدره في الديوان 552:

* موانع للأسرار إلا لأهلها *.

([22]) البيت من معلقة لبيد.

([23]) في الأصل: "ولكن".

([24]) ديوان الأعشى: 107 واللسان (شقق). وفي الديوان: "واسمع فإنّي".

([25]) في اللسان: "من شقاشق الشيطان".

([26]) البيت من معلقة عنترة العبسي.

([27]) البيت في ديوان ذي الرمة 10 واللسان (جنب، شكك). وقد سبق في (جنب).

([28]) في الأصل: "رجع".

([29]) البيت لابن الدمينة في اللسان (شلل).

([30]) عجز بيت للبيد، سبق إنشاده في (دعق). وسيأتي في (عور) وصدره:

* في جميع حافظي عوراتهم *.

([31]) القطران، بفتح الطاء: مصدر قطر. وفي الأصل: "قطرات"، تحريف.

([32]) ويقال أيضاً "الشُّلَّى" بالقصر.

([33]) ديوان أبي ذؤيب 69 واللسان (شلل).

([34]) الجنن: جمع جنة، وهو ما استترت به من السلاح. وفي الأصل: "الحسن"، تحريف، صوابه من المجمل.

([35]) ديوان أوس بن حجر 11  واللسان (شلل).

([36]) يقال من بابي علم ونصر.

([37]) تكملة يفتقر إليها الكلام.

([38]) في الأصل: "متشم"، صوابه في المجمل واللسان.

([39]) سبق الاستشهاد بالحديث في (تفه) برواية أخرى حيث فسر التافه بالقليل.

([40]) البيت في اللسان (شنن 108).

([41]) وكذا ورد إنشاد هذه القطعة في المجمل. والبيت بتمامه في الديوان 178 واللسان (شنن):

يظل غرابها ضرما شذاه *** شج بخصومة الذئب الشنون

([42]) التكملة من المجمل.

([43]) في الأصل: "شنان"، تحريف، وإنما هو "إشنان" مصدر "أشن".

([44]) وشبوبا أيضاً.

([45]) في اللسان: "وأشبّه الله وأشبّ الله قرنه. والقرن زيادة في الكلام".

([46]) ويقال أيضاً: "من شبيبه وعضيضه".

([47]) في الأصل: "الشاب"، صوابه في المجمل واللسان.

([48]) البيت بتمامه كما في الديوان 17 واللسان (نمش، نشط)، وما سيأتي في (نشط):

أذاك أم نمش بالوشي أكرعُهُ *** مسفع الخد هاد ناشط شبب

([49]) أسماه له: رفعه. وفي الأصل: "سمى به له".

([50]) ديوان الطرماح 95 واللسان (شتت).

([51]) للأعشى في ديوانه 108 واللسان (شتت).

([52]) في الأصل: "بالمزج" مع ضبط الميم بالكسر، صوابه من المجمل.

([53]) اللسان (شحح) والحيوان (1: 199) ، والموشح: 237، وثمار القلوب 353.

([54]) لخداش بن زهير، كما سبق في حواشي مادة (سخن).

([55]) التكملة من المجمل واللسان.

([56]) البيت من معلقته المعروفة.

([57]) منه الحديث: "يرد مشدهم على مضعفهم".

([58]) منه قول عنترة في معلقته:

عهدي به شد النهار كأنما  *** خضب البنان ورأسه بالعظلم.

([59]) في الأصل: "مساولهم"، صوابه في المجمل واللسان.

([60]) شذان، بالضم: جمع شاذ، كشاب وشبان. وبالفتح: صفة على فعلان.

([61]) ديوان امرئ القيس 98 واللسان (شذذ).

([62]) وكذا في المجمل. وفي اللسان والقاموس: " الشرشر" .

([63]) في المجمل: "يعوين".

([64]) لذي الرمة. وصدره في ديوانه 251 واللسان (شرر): * وكائن ترى من رشدة في كريهة *.

([65]) ديوان طرفة 55 واللسان (شرر). وفي الأصل: "شرب الراح"، وصوابه في الديوان واللسان. وفي اللسان: "بعض ذلكا"، تحريف. ومطلع القصيدة:

ففي قبل وشك البين يا ابنة مالك *** وعوجي علينا من صدور جمالكِ

([66]) لكعب بن جعيل كما في وقعة صفين 336 واللسان (شرر). ونسب في وقعة صفين 411 إلى أبي جهمة الأسدي. وذكر في اللسان نسبته إلى الحصين بن الحمام المري.

([67]) للفرزدق في ديوانه 520 والخزانة (3: 669). ويروى: "أشارت كليب" بنَزع "إلى" وإبقاء عملها. و"أشارت كليباً " بالنصب بعد نزع الخافض.

 

ـ (باب الشين والصاد وما يثلثهما)

(شصب) الشين والصاد والباء أصلٌ يدلُّ على شِدَّة في عيشٍ وغيره. يقال: الشَّصائب: الشَّدائد. ويقال عيشٌ شاصبٌ، أي شديد. وقد شَصَب شُصوباً. ويقال أَشْصَب اللهُ عيشَهُ.‏

ومن هذا الباب، إن كان صحيحاً: شَصَبت النّاقةُ على الفَحل(1)، وذلك إذا أَكْثَرَ ضرابَها فلم تَلْقَحَ له.‏

وما بعد ذلك من قولهم أنَّ الشِّصْبَ(2): النَّصِيب، وأنَّ المَشْصوبَةَ(3) المسلُوخة، فكلُّ ذلك مشكوكٌ فيه، غيرُ معوَّل عليه.‏

(شصر) الشين والصاد والراء أصلٌ إن صحَّ يدلُّ على وصلِ شيء بشيء. من ذلك الشِّصَار: خشبة تشدُّ مِن مَنْخِرَي الناقة. تقول: شَصَّرتها أُشصِّرها تشصيراً. وقريبٌ من هذا: الشَّصْر: الخياطة ويكون فيها بعض التّباعُد. وأمّا قولهم شَصَرَ بصرُ فلان، فهو من باب الإِبدال، وإِنّما الصاد [مبدلة] من الطاء، وقد ذُكَر في بابه.‏

ومما شذّ عن ذلك: الشَّصَر، يقال إنَّه الظَّبْي الشّادن. وربما سمَّوه الشَّاصِر. وقد ذكره جرير(4).‏

ــــــــــــــــــ

(1) هذه الكلمة مما فات صاحب اللسان، وذكرت في المجمل والقاموس.‏

(2) وهذه أيضاً مما فات صاحب اللسان، وذكرت في القاموس، وقال: "كالشصيب".‏

(3) ذكرت في اللسان عن ثعلب. وقد ذكر في المجمل بدلها "الشصب" بضمتين. وفي القاموس: "وكعنق: الشاة المسلوخة".‏

(4) في المجمل: "وهو في شعر جرير". وقد عثرت على الشاهد الذي أشار إليه في ديوان جرير 306 وهو:‏

عرقت وجوه مجاشع وكأنها *** عقل تدلع دون مدرى الشاصر‏

 

ـ (باب الشين والطاء وما يثلثهما)

(شطن) الشين والطاء والنون أصلٌ مطّرد صحيح يدلُّ على البُعد. يقال شَطَنت الدار تَشْطُن شطوناً إذا غَرَبَت. ونوىً شَطونٌ، أي بعيدة. قال النابغة:

نَأَتْ بسعادَ عنك نوىً شَطونُ    *** فبانتْ والفؤادُ بها رهينُ([1])

ويقال بئرٌ شَطون، أي بعيدة القَعر، والشَّطَن: الحَبْل. وهو القياس، لأنَّه بعيدُ ما بينَ الطَّرَفين. ووصَفَ أعرابيٌّ فرساً فقال: "كأنّه شيطانٌ في أشطان". قال الخليل: الشَّطَن: الحبل الطويل. ويقال للفرس إذا استعصى على صاحبه: إنه لَينْزُو([2]) بين شَطَنين. وذلك أنّه يشده موثقاً بين حَبْلَين([3]).

وَأمَّا الشَّيطان فقال قوم: هو من هذا الباب، والنون فيه أصليّة، فسُمِّي بذلك لبُعده عن الحقّ وتمرُّده. وذلك أنّ كلَّ عاتٍ متمرّدٍ من الجنّ والإنس والدوابّ شيطان. قال جرير:

أيَّامَ يَدْعُونَني الشّيطانَ مِنْ غَزَلي *** وهنّ يَهوَيْنَني إِذْ كُنتُ شيطانا([4])

وعلى ذلك فُسِّرَ قولُهُ تعالى: {طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِين}  [الصافات 65]. وقيل إنّه أرادَ الحيّات: وذلك أنَّ الحيَّة تسمَّى شيطاناً. قال:

تُلاعِبُ مَثْنَى حَضْرَميٍّ كأنّه  *** تَعَمُّجُ شيطانٍ بذي خِرْوعٍ قَفْرِ([5])

ويشبه أن يكون مِنْ حُجّة من قال بهذا القول، وأنَّ النون في الشيطان أصليةٌ قولُ أميَّة:

أيُّما شاطنٍ عَصَاهُ عَكاهُ *** ورماهُ  في القَيد والأغلالِ([6])

أفلا تراه بناه على فاعلٍ وجعل النّونَ فيه أصلية؟! فيكون الشيطان على هذا القول بوزن فَيْعال. ويقال إنَّ النون *فيه زائدة، [على([7])] فعلان، وأنَّه من شاط، وقد ذكر في بابه.

(شطأ) الشين والطاء والهمزة فيه كلمتان: إحداهما الشَّطْء شَطءُ النَّبات، وهو ما خرج من حول الأصل، والجمع أشطاء. وقد شَطَأت الشَّجرة. قال الله  جلَّ ثناؤه: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ}  [الفتح 29]. والأصل شاطئ الوادي: جانبه. وشاطأتُ([8]) الرّجُل: مشيت على شاطئٍ ومشى هو على الشاطئِ الآخر. وهما متبايِنَتَان.

(شطب) الشين والطاء والباء أصلٌ مطَّرد واحد، يدلُّ على امتدادٍ في شيءٍ رَخص، ثم يقال في غير ذلك. فالشَّطْبة: سَعَفَة النَّخل الخضراء، والجمع شَطْبٌ([9]). وفي حديث أمِّ زرع: "كَمَسَلّ شَطْبة([10])". ويقال للجارية الغَضَّة شَطْبة. وفرسٌ أيضاً شَطْبة. وعلى ذلك الذي ذكرناه من سَعَف النّخْل يُحمَل الشّطبة من شُطب السّيف؛ والشّطبة([11]): طريقة في متنه، والجمع شُطُب. ويقال سيف مُشَطَّب. ويقال إنَّ الشُّطبة أو الشِّطبة القطعة من السَّنام تُقطَع طولاً، يقال شَطبت السَّنام. والشَّواطب من النساء: اللواتي يَقْدُدن الأديمَ طويلاً. والشواطب: اللاتي يشقّقن السَّعَف للحُصْر، في قوله:

* نَشْطَ الشَّواطِبِ بينهنَّ حَصيرَا([12]) *

وقال آخر:

تَرَى قِصَدَ المُرَّان تُلقَى كأنَّها *** تَذَْرُّع خرصانٍ بأيدي الشَّواطِب([13])

والواحدة شاطبة. ويقال للفرس السَّمين الذي انبتر مَتْناه وتباينَتْ غُرورُه([14]): هو مشطوب المَتْن والكَفَل، وذلك أنَّه يكون على ظهوره كالطَّرائق، فكلُّ طريقةٍ منها كأنَّها شَطْبة. ويقال أرضٌ مشطّبة، إِذا خَطّ فيها السّيلُ خَطّاً([15]).

(شطر) الشين والطاء والراء أصلان، يدلُّ أحدهما على نِصف الشيء، والآخر على البُعد والمواجهة.

فالأوَّل قولُهم شَطَر الشيء، لِنصفه، وشاطرت فلاناً الشيءَ، إذا أخذتَ منه نصفه وأخذ هو النِّصف. ويقال شاةٌ شَطور، وهي التي أَحَدُ طبييها أطولُ من الآخر.

ومن هذا الباب قولهم: شَطَر بصرُهُ شُطوراً وشَطْراً، وهو الذي ينظُر إليك وإلى آخَر. وإنّما جُعِلَ هذا من الباب لأنَّه إذا كان كذا فقد جَعل لكلِّ واحدٍ منهما شَطرَ نظرِه. وفي قول العرب: "حلَب فلانٌ الدّهرَ أشطُرَه"، فمعناه أنّه مرّت عليه ضروبٌ من خيرِهِ وشرِّه. وأصله في أخلاف الناقة: خِلْفان قادمان، وخِلفان آخِران، وكلُّ خِلفَين شَطر؛ لأنّه إذا كانت الأخلاف أربعة فالاثنان شطر الأربعة، وهو النصف. وإذا يبس أحدُ خِلفَي الشّاة فهي شَطور، وهي من الإبل التي يَبِس خِلْفان من أخلافها؛ وذلك أنّ لها أربعةَ أخلافٍ، على ما ذكرناه.

وأما الأصل الآخر: فالشَّطير: البعيد. ويقولون: شَطَرت الدّارُ، ويقول الرّاجز:

* لا تتركَنِّي فيهمُ شطيرا([16]) *

ومنه قولهم: شَطَرَ فلانٌ على أهله([17])، إذا تركهم مُراغما مخالِفا. والشَّاطر: الذي أعيا أهلَه خُبْثا. وهذا هو القياس؛ لأنَّه إذا فَعل ذلك بعُد عن جَماعَتِهم ومُعظَم أمرِهم.

ومن هذا الباب الشَّطْر الذي يقال في قَصْد الشّيءَ وجِهَتِهِ. قال الله تعالى في شأن القِبْلة: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة 144 و150] أي قَصْدَه. قال الشّاعر:

أقولُ لأمِّ زِنباعٍ أقيمي  *** صُدورِ العِيسِ شَطْرَ بني تميم([18])

وقال آخر([19]):

وقد أظلَّكُم من شَطْرِ ثَغْرِكُم *** هَولٌ لـه ظُلَمٌ تغشاكُم قِطَعا

ولا يكون شطر ثغركم([20]) تلقاءه، إلاّ وهو بعيدٌ عنه، مباينٌ له، والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــــ

([1]) البيت بهذه النسبة في اللسان (شطن)، وليس في ديوان النابغة.

([2]) ينْزو: يثب. وفي الأصل: "ينْز"، صوابه من اللسان (شطن : 103).

([3]) في اللسان: "يقال للفرس العزيز النفس: إنه لينْزو بين شطنين. يضرب مثلاً للإنسان الأشر القويّ".

([4]) ديوان جرير 597 واللسان (شطن).

([5]) لطرفة بن العبد، كما في الحيوان (4: 133). وأنشده في الحيوان (1: 153/ 6: 192)، بدون نسبة، وكذا في اللسان (3: 153 / 17: 105). وليس في ديوانه. وسيعيده في (عمج) بدون نسبة.

([6]) أنشده في اللسان (شطن، عكا)، وذكر أنه في صفة سليمان.

([7]) التكملة من المجمل.

([8]) في الأصل: "وشطأت"، صوابه في المجمل واللسان.

([9]) في الأصل: "أشطب"، صوابه في المجمل واللسان.

([10]) المسل: مصدر ميمي أريد به اسم المفعول، أي المسلول. وفي الأصل: "كمثل"، صوابه في المجمل واللسان. وانظر حديث أم زرع في المزهر (2: 532 ـ 536).

([11]) الشطبة، بالضم، وبالكسر وبضم ففتح. وجمعها شطب بضم ففتح وبضمتين.

([12]) في المجمل: "بسط الشواطب".

([13]) لقيس بن الخطيم كما سبق في حواشي (ذرع)، حيث أنشد عجز البيت. وفي الأصل: "كأنَّه"، تحريف.

([14]) الغرور: جمع غر، بالفتح، وهو الكسر في الجلد من السمن. وفي الأصل: "عروقه". صوابه من اللسان (شطب).

([15]) في المجمل: "خطاء ليس...." مع تآكل الكلمة الأخيرة. والكلمة وردت في القاموس وفسرها بقوله: "مشطبة كمعظمة: خط فيها السيل قليلاً". ولم تذكر في اللسان.

([16]) أنشده في اللسان (شطر) وذكره العيني في شرح شواهد شروح الألفية (3: 383). ولم يعرف نسبته.

([17]) وكذا في المجمل. وفي اللسان والقاموس: "عن أهله".

([18]) البيت لأبي زنباع الجذامي، كما في اللسان (شطر).

([19]) هو لقيط بن يعمر الإيادي، وقصيدة البيت هي أولى مختارات ابن الشجري.

([20]) في الأصل: "شطركم".

 

ـ (باب الشين والظاء وما يثلثهما)

(شظف) الشين والظاء والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على الشّدّة في العيشِ وغيره. والأصل من ذلك الشَّظيف * من الشَّجر: الذي لم يجِدْ رِيَّهُ  فيبِس وصلُب، فيقال من هذا: فلانٌ هو في شَظَف من العَيش، أي ضِيق وشِدّة. وجاء في الحديث: "لم يشبَعْ من خُبزٍ ولحم إلاَّ على شظف". وقال ابن الرِّقَاع:

ولقد أَصبتُ من المعيشةِ لَذَّةً *** ولقيتُ من شَظَفِ الأمور شدادَها([1])

ويقال في هذا الباب من الشدة: بعيرٌ شَظف الخِلاط، أي يُخالِط الإبلَ مخالَطة شديدة. وشَظِف السّهمُ، إذا دخل بين الجلد واللّحم.

(شظم) الشين والظاء والميم كلمة واحدة. يقال للفرس الطويل: شَيْظَم، ثم يستعار للرّجُل.

(شظي) الشين والظاء والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على تصدُّع الشيء من مواضع كثيرة، حتى يصيرَ صُدُوعاً متفرّقة، من ذلك الشَّظِيّة من الشيء: الفِلْقة. يقال تَشَظَّت العصا، إذا كانت فِلَقا([2]). قالت فَروةُ بنتُ [أبانَ بن([3])] عبدِ المَدَان.

يا مَنْ أحسَّ بُنَيَّيَّ اللّذِينَ هما *** كالدُّرَّتين تَشظّى عنهما الصَّدفُ([4])

ـــــــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (شظف).

([2]) كانت، هنا بمعنى صارت. وفي المجمل: "صارت".

([3]) التكملة من المجمل.

([4]) البيت في اللسان ( شظى) بدون نسبة.

 


ـ (باب الشين والعين وما يثلثهما)

(شعف) الشين والعين والفاء يدلُّ على أعالي الشيء ورأسه. فالشَّعَفة: رأس الجبل، والجمع شَعَفات وشَعَفٌ. وضُرب فلانٌ على شَعفات رأسه، أي أعالي رأسِه. وشَعَفةُ القلب: رأسُه عند مُعَلَّق النِّياط. ولذلك يقال شَعَفه الحُبَّ، كأنَّه غَشّى قلبَه من فَوقه. وقرأها ناس([1]): {قد شَعَفَهَا حُبَّاً}  [يوسف 30]، وهو من هذا. وجاء في الحديث: "خيرُ النّاسِ رجُلٌ في شَعَفَةٍ في غُنَيْمةٍ"، يريد: أعلى جَبَل.

(شعل) الشين والعين واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على انتشارٍ وتفرُّق في الشيء  الواحد من جوانبه. يقال أشعلْتُ النّار في الحطب، واشتعلت النّارُ. واشتعل الشّيب. قال الله تباركَ وتعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأسُ شَيْباً} [مريم 4].

والشَّعِيلة: النار المُشْعَلة في الذُّبَال. وأشعلْنا الخيلَ في الإِغارة: بَثَثْناها. والشُّعْلة من النّار، معروفة. والشَّعَل: بياضٌ في ناصيةِ الفَرَس وذَنبه؛ يقال فرس أشعل، والأنثى شَعْلاء.

ومن الباب: تفرَّقَ القومُ شعاليلَ، أي فِرَقاً كأنَّهم اشتعلوا. وشَعْل: لقب، ويقال اسم امرأة([2]).

ومما شذَّ عن الباب المِشْعَل، وهو شيءٌ من جلود، لـه أربعُ قوائم يُنْتَبذ فيه. قال ذو الرُّمَّة:

أَضَعْنَ مَوَاقِتَ الصَّلَواتِ عَمْداً *** وحالَفْنَ المشاعِلَ والجِرارا([3])

(شعي) الشين والعين والحرف المعتل، أصلٌ يَدُلُّ على مِثل ما دلَّ عليه الذي قَبْلَه. يقال أَشْعَى القومُ الغارةَ إشعاء، إذا أَشْعَلُوها. وغارةٌ شَعْواء: فاشية. قال ابنُ قيس الرّقيَّات:

كيفَ نَومِي على الفِراشِ ولمَّا *** تَشْمَل الشّامَ غارةٌ شعواءُ([4])

(شعن) الشين والعين والنون كلمة. يقولون: هو مُشْعَانُّ الرأس، إذا كان ثائر الرأس.

(شعب) الشين والعين والباء أصلان مختلفان، أحدهما يدلُّ على الافتراق، والآخر على الاجتماع. ثمَّ اختلف أهلُ اللغة في ذلك، فقال قومٌ: هو من باب الأضداد. وقد نصَّ الخليلُ على ذلك. وقال آخرون: ليس ذلك من الأضداد، إنّما هي لغات. قال الخليل: من عجائب الكلام ووُسْع العربيَّة، أنَّ الشَّعْب يكون تفرُّقاً، ويكون اجتماعاً. وقال ابن دريد([5]):  الشَّعب: الافتراق، والشَّعْب: الاجتماع. وليس ذلك من الأضداد، وإنّما هي لغةٌ لقوم. فالذي ذكرناه من الافتراق. وقولهم للصَّدْعِ في الشيء شَعْب. ومنه الشَّعْب: ما تشعّبَ من قبائل العرب والعجم، والجمع شعوب. قال جل ثناؤه: {وَجَعلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ} [الحجرات 13]. ويقال الشَّعب: الحَيُّ([6]) العظيم. قالوا: ومَشعب الحقّ: طريقُه.

قال الكميت:

فما لِيَ إلاَّ * آلَ أحمدَ شيعةٌ *** وما لي إلاّ مَشعَب الحقِّ مَشْعَبُ([7])

ويقال: انشعبت بهم الطُّرق، إذا تفرَّقَتْ، وانشعبت أغصانُ الشجرة. فأمَّا شُعَب الفَرَس، فيقال إنَّه أقطارُهُ التي تعلُو منه، كالعنق والمَنْسِج، وما أشرف منه. قال:

* أشمُّ خِنذيذٌ منيفٌ شُعَبُهْ([8]) *

ويقال ظبيٌ أشعبُ، إذا تفرَّق قرناه فتبايَنَا ببينونةً شديدة. قال أبو دُؤاد:

وقُصْرَى شَنجِ الأنسا *** ءِ نَبّاحٍ من الشُّعْبِ([9])

والشِّعب: ما انفرَجَ بين الجبلَين. وشَعوبُ: المنِيّة؛ لأنَّها تَشعَب، أي تفرِّق. ويقال شَعبتْهم المنيّة فانشعبوا، أي فرّقتْهم فافترقوا. والشَّعِيب: السِّقاء البالي، وإنَّما سمِّي شَعِيباً لأنَّهُ يَشْعَب الماء الذي فيه، أي لا يحفظُهُ بل يُسيله. قال:

* ما بالُ عَيْنِي كالشَّعيب العَيَّن([10]) *

قال ابن دريد([11]): "وسمِّي شعبانُ لتشعُّبِهم فيه، وهو تفرُّقُهم في طلب المياه". وفي الحديث: "ما هذه الفُتْيا التي شعَّبت الناس؟". أي فرّقتهم.

وأما الباب الآخر فقولهم شَعَبَ الصَّدْعَ، إذا لاءمَه. وشَعَبَ العُسَّ وما أشبهه. ويقال للمِثْقَب المِشْعَب. وقد يجوز أن يكون الشَّعْب الذي في باب القبائل سمِّي للاجتماع والائتلاف. ويقولون: تفرَّق شَعْب بني فلان. وهذا يدلُّ على الاجتماع. قال الطّرِمَّاح:

* شَتَّ شعبُ الحَيِّ بعدَ التئامْ([12]) *

ومن هذا الباب وإن لم يكن مشتقاً شَعَبْعَـب، وهو موضعٌ. قال:

هل أَجْعلنَّ يدِي للخَدّ مِرْفَقةً *** على شَعَـبْعَب بين الحوض والعَطَنِ([13])

وُشعَبَى([14]): موضع أيضاً.

(شعث) الشين والعين والثاء أصل يدل على انتشارٍ في الشَّيء. يقولون: لمّ اللهُ شَعثَكم، وجَمَعَ شَعَثَكم. أي ما تفرَّق من أمركم. والشَّعَث شَعَثُ رأس السِّواكِ والوتِد. ويسمُّون الوتِدَ أشعثَ لذلك.

(شعذ) الشين والعين والذال ليس بشيء. قال الخليل: الشَّعْوَذة ليست من كلام أهل البادية، وهي خِفّة في اليدين، وأُخْذةٌ كالسِّحر.

(شعر) الشين والعين والراء أصلان معروفان، يدلُّ أحدهما على ثَباتٍ، والآخر على عِلْمٍ وعَلَم.

فالأوّل الشَّعَْر، معروف، والجمع أشعار، وهو جمع جمعٍ، والواحدة شَعَْرة. ورجلٌ أَشْعَرُ: طويل شَعَْر الرّأس والجسد. والشَّعار: الشَّجر، يقال أرض كثيرة الشَّعار. ويقال لِمَا استدار بالحافر من مُنتهى الجلد حيثُ ينبت الشَّعر حوالَيِ الحافر: أَشْعَرٌ، والجمع الأشاعر. والشَّعراء من الفاكهة: جنسٌ من الخَوْخِ، وسمي بذلك لشيءٍ يعلوها كالزَّغَب. والدليل على ذلك أنَّ ثَمَّ جنساً ليس عليه زَغَب يسمُّونه: القَرْعَاء. والشَّعْراء: ذبابةٌ كأنَّ على يديها زَغَبا.

ومن الباب: داهيةٌ شَعْراء، وداهيةٌ وَبْرَاء. قال ابن دريد: ومن كلامهم إذا تكلَّمَ الإنسانُ بما استُعْظِمَ([15]): "جئت بها شَعراءَ ذاتَ وبَر". وروضةٌ شَعْراء: كثيرة النَّبْت. ورملةٌ شَعْرَاء: تُنبِت النَّصِيَّ وما أشبهه. والشَّعراء: الشَّجَر الكثير.

ومما يقرب من هذا الشَّعير، وهو معروف، فأمَّا الشعيرة: الحديدة التي تُجعَل مِسَاكاً لنصل السّكِّين إذا رُكّب، فإنّما هو مشبَّه بحبّة الشَّعير. والشَّعارير: صِغار القِثَّاء. والشِّعار: ما وَلِيَ الجسدَ من الثِّياب؛ لأنّه يَمُسُّ الشَّعر الذي على البشَرة.

والباب الآخر: الشِّعار: الذي يتنادَى به القومُ في الحرب ليَعرِف بعضُهم بعضاً. والأصلُ قولُهم شَعَرتُ بالشّيء، إذا علمتَه وفطِنْتَ له. ولَيْتَ شِعْرِي، أي ليتني علِمْتُ. قال قومٌ: أصله من الشَّعْرة([16]) كالدُّرْبة والفِطنة، يقال شَعَرَت شَُِعْرة. قالوا: وسمِّي الشَّاعر لأنه يفطِن لما لا يفطن لـه غيرُهُ. قالوا: والدليل على ذلك قولُ عنترة:

هل غادَرَ الشُّعراءُ من مُتَرَدَّمِ  *** أم هل عَرَفْتَ الدَّارَ بَعد توهُّم([17])

يقول: إنَّ الشّعراء لم يغادِرُوا شيئاً إلاّ فطِنُوا لـه. ومَشَاعِرُ الحجّ: مواضِع المَناسك، سمِّيت بذلك لأنَّها مَعالم الحجّ. والشعِيرة: واحدة الشَّعائر، وهي أعلامُ الحجّ وأعمالُه. قال الله جل جلالُه: {إنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ}  [البقرة 158]. ويقال الشعيرة أيضاً: البَدَنَة تُهدَى. ويقال إشعارها أنْ يُجَزَّ  أصل سَنامها حتَّى يسيلَ الدّمُ فيُعلَم أنّها هَدْي. ولذلك يقولون للخليفة إن قُتِلَ: قد أُشْعِر، يُختَصّ بهذا من دون كلِّ قتيل. والشِّعْرى: كوكبٌ، وهي مُشتهِرة. ويقال أَشْعَرَ فلانٌ فلاناً شرّاً، إذا غَشِيه به.

وأشعَرَه الحبُّ مَرَضاً، فهذا يصلُح أن يكون من هذا الباب إذا جعل ذلك عليه كالعَلَم، ويصلح أن يكون من الأوّل، كأنّه جُعِلَ له شِعاراً.

فأمّا قولهم: تفرّق القومُ شعاريرَ، فهو عندنا من باب الإبدال، والأصل شَعاليل، وقد مضى.

ــــــــــــــــ

([1]) هي قراءة الحسن وابن محيصن. إتحاف فضلاء البشر 264.

([2]) في المجمل: "وشعل رجل، وأم شعل: اسم امرأة".

([3]) ديوان ذي الرمة 200 واللسان ( شعل).

([4]) ديوان ابن قيس الرّقيات 183 واللسان (شعا).

([5]) الجمهرة (1: 291-292).

([6]) في الأصل: "الحق"، صوابه من المجمل.

([7]) الهاشميات 39 واللسان (شعب).

([8]) لدكين بن رجاء الراجز، كما في اللسان (شعب).

([9]) اللسان (شعب، قصر، شنج) والحيوان: (1: 349 / 5: 214).

([10]) العين، بفتح الياء المشددة. والرجز لرؤبة في ديوانه 160 واللسان (عين).

([11]) الجمهرة (1: 292).

([12]) ديوان الطرماح 95 واللسان (شعب). وقد سبق إنشاد البيت في (شت).

([13]) البيت للصمة بن عبد الله القشيري، كما في اللسان (شعب).

([14]) في الأصل: "شعباء". صوابه في المجمل.

([15]) في الجمهرة: (2: 342): "ومن كلامهم للرجل إذا تكلم بما ينكر عليه".

([16]) نص في القاموس على أنها مثلثة، بالكسر والفتح والضم.

([17]) مطلع معلقة  عنترة. وفي الأصل: "من مترنم"، تحريف.

 

ـ (باب الشين والغين وما يثلثهما)

(شغف) الشين والغين والفاء كلمةٌ واحدة، وهي الشَّغَاف، وهو غِلاف القلب. قال الله تعالى: {قَدْ شَغَفَهَا حُبَّاً} [يوسف 30]، أي أوصَلَ الحبَّ إلى شَغاف قلبها.

(شغل) الشين والغين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف الفَراغ. تقول: شَغَلْتُ فلاناً فأنا شاغِلُهُ، وهو مشغول. وشُغِلْت عنك بكذا، على لفظ ما لم يسمَّ فاعلُه. قالوا: ولا يقال أُشغِلْت. ويقال شُغْل شاغلٌ. وجمع الشُّغْل أشغال. وقد جاء عنهم: اشتُغِلَ فلانٌ بالشيء([1])، وهو مشتَغَل. وأنشد:

حَيَّتكَ ثُمَّت قالت إنّ نَفْرَتَنَا  *** اليومَ كلَّهم يا عُرْوَ مشتَغَلُ([2])

وحكى ناسٌ: أشْغَلَني بالألف.

(شغم) الشين والغين والميم أصلٌ قليلُ الفروع صحيح، يدلُّ على حُسن. يقال الشُّغْموم: الحَسن. والشُّغموم: المرأة الحَسناء. والشُّغموم من الإبل: الحسن المنظرِ التامُّ.

(شغن) الشين والغين والنون ليس بشيء، وليس لما ذكره ابنُ دريدٍ: أنَّ الشغْنة الكارَةُ([3])، أصلٌ ولا معنىً.

(شغو) الشين والغين والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على عَيب في الخِلْقة لبعض الأعضاء. قالوا: الشُغوُّ، من قولك رجلٌ أشغى وامرأة شَغْواء، وذلك إذا كانت أسنانه العُليا تتقدم السُّفْلَى. وقال الخليل: الشَّغا: اختلاف الأسنان، ومنه يقال للعُقاب شَغْواء، وذلك لفَضْل منقارها الأعلى على الأسفل. وزعم ناسٌ أنّ الشَّغَا الزيادة على عدد الأسنان.

(شغب) الشين والغين والباء أصلٌ صحيح يدلّ على تهييج الشر، لا يكون في خير. قال الخليل: الشَّغَْب: تهييج الشرّ، يقال للأتان إذا وَحِمَتْ([4]) واستعصَتْ على الجَأْب: إِنَّها لذات شَغْب وضِغْن. قال أبو عبيد: يقال شَغَبْت على القوم وشَغْبتُهم وشَغبْتُ بهم.

(شغر) الشين والغين والراء أصلٌ واحد يدلُّ عَلى انتشارٍ وخلوٍّ من ضبط، ثم يُحمَل عليه ما يقاربُه. تقول العرب: اشتَغَرت([5]) الإِبلُ، إذا كثرت حتى لا تكاد تُضبَط. ويقولون: تفرَّقوا شَغَرَ بَغَر، إذا تفرَّقوا في كلِّ وجه. وكان أبو زيد يقول: لا يقال ذلك إلاّ في الإقبال.

ومن الباب: شَغَرَ الكلبُ، إذا رَفَعَ إحدى رجليه ليبول. وهذه بلدة شاغرةٌ برجلها، إذا لم تمتَنِعْ من أحدٍ أن يُغِيرَ عليها.

والشِّغَار الذي جاء في الحديث، المنهيُّ عنه: أنْ يقول الرجل للرجل زوِّجني أختَك على أن أزوِّجك أُختي، لا مهر بينهما إلا ذلك. وهذا من الباب لأنَّهُ أمرٌ لم يُضْبَط بمهرٍ ولا شرطٍ صحيح. وهو من شَغَر الكلبُ، إذا صار في ناحيةٍ من المَحَجَّة بعيداً عنها.

واشتغَرَ على فلانٍ حسابُه، إذا لم يهتدِ لـه. واشتغَرَ فلان في الفلاة، إذا دوّم فيها وأَبْعَد. وحكى الشيبانيّ: شَغَرْتُ بني فلانٍ من موضع كذا، أي أخرجتُهم. قال:

ونحن شَغَرْنَا ابني نزار كليهما *** وكلباً بوَقْعٍ مُرهبٍ متقاربِ([6])

والله أعلم.

ـــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "الشيء"، تحريف.

([2]) أنشده في المجمل. وفي المجمل: "يا زيد".

([3]) نص الجمهرة (3: 64) : "الشغنة: الحال، وهي التي تسميها العامة كارة. ويمكن أن تكون الكارة عربية من قولهم كورت الشيء، إذا لففته وجمعته، فكأن أصلها كورة". والحال: الشيء يحمله الرجل على ظهره، يقال: تحول كساءه: جعل فيه شيئاً ثم حمله على ظهره.

([4]) في الأصل "أوجمت"، صوابه في المجمل واللسان.

([5]) في الأصل "أشغرت"، صوابه في المجمل واللسان.

([6]) البيت في المجمل واللسان (شغر).

 

ـ (باب الشين والفاء وما يثلثهما)

(شفق) الشين والفاء والقاف أصلٌ واحد، يدلُّ على رِقَّةٍ في الشيء، ثم يشتقُّ منه. فمن ذلك قولهم: أشفقت من الأمر، إذا رَقَقْت وحاذَرت. وربَّما قالوا: شَفِقت: وقال أكثر أهل اللغة: لا يقال إلا أشفقت وأنا مُشْفِق. فأمَّا قول القائل:

* كما شَفِقَتْ على الزّادِ العِيالُ([1]) *

فمعناه بَخِلَت به.

ومن الباب الشَّفَق من الثياب، قال الخليل: الشَّفَق: الرديء من الأشياء. ومنه الشَّفَق: النُّدأة([2]): التي تُرَى في السَّماء عند غُيُوبِ الشَّمس، وهي الحمرة. وسمِّيت بذلك للونها ورقّتها.

وحدَّثنا عليُّ بن إبراهيمَ القَطَّان، عن المَعْداني، عن أبيه، عن أبي مُعاذ، عن اللَّيث عن الخليل قال: الشَّفَق: الحمرة التي بين غروب الشمس إلى وقت صلاةِ العشاء الآخرة.

وروى ابن نَجيح، عن مجاهدٍ قال: هو النَّهار في قوله جلَّ ثناؤه: {فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ}  [الانشقاق 16]. وروى العَوّامُ بن حوشبٍ، عن مجاهد قال: هي الحمرة.

وفي تفسير مقاتل، قال: الشَّفَق: الحمرة. قال الزّجاج: الشَّفَق هي الحمرة التي تُرَى في المغرِبِ بعد سُقوطِ الشمس.

وأخبرنا عليُّ بن إبراهيم، عن محمَّد بن فَرَج قال: حَدَّنا سَلَمة، عن الفَرَّاء قال: الشَّفَق الحمرة.

قال: وحدثني ابن [أبي([3])] يحيى، عن حُسَين([4]) بن عبد الله بن ضُمَيرة عن أبيه عن جدهِ يرفعه، قال: الشَّفَق الحمْرة.

قال الفرّاء: وقد سمعت بعضَ العرب يقول: عليه ثوب مصبوغ كأنَّه الشفق، وكان أَحْمَر. قال: هذا شاهدٌ لمن قال إنَّه الحمرة.

(شفن) الشين والفاء والنون أصلٌ يدلُّ على مداومة النّظَر، والأصل فيه قولهم للغَيُور الذي لا يَفْتُرُ عن النَّظَرِ([5]): شَفُون. ومن الناس من يقول شَفَنَ يَشْفِنُ، إذا نظر بمُؤْخر عينه، وشَفِن أيضاً يشفَن شَفْناً، وهو شَفُونٌ وشافن. وأنشد الخليل:

* حِذَار مرتقبٍ شَفُونِ([6]) *

قال الأمويّ: الشَّفِن: الكيِّس العاقل. وكلُّ ذلك يقرُب بعضُهُ من بعض.

(شفي) الشين والفاء والحرف المعتل يدل على الإشراف على الشيء؛ يقال أشفى على الشيء إذا أشرفَ عليه. وسمِّي الشِّفاء شفاءً لغلَبته للمرض وإشفائه عليه. ويقال استشفَى فلانٌ، إذا طَلَبَ الشِّفاء. وشَفَى كلِّ شيء: حَرْفه. وهذا ممكنٌ أن يكون من هذا الباب، وممكنٌ أن يكون من الإبدال، وتكون الفاءُ مبدلةً من ياء.

ويقال أعطيتك الشّيءَ تستشفي به، ثم يقال أَشْفَيتُكَ الشيءَ، وهو الصحيح. ويقال أَشْفَى المريضُ على الموت، وما بَقيَ منه إلا شَفىً أي قليل. فأمَّا قول العجاج:

* أوْفَيْتُهُ قَبْلَ شَفىً أو بِشَفَى([7]) *

قالوا: يريد إذا أشفت الشّمس على الغروب.

وأما الشَّفَة فقد قيل فيها إن الناقص منها واوٌ، يقال ثلاث شَفَوات. ويقال رجلٌ أشْفَى، إذا كان لا ينضمّ شفتاه، كالأرْوَق. وقال قوم: الشَّفَة حذفت منها الهاء، وتصغيرها شُفَيْهة. والمشافهة بالكلام: مواجهةٌ من فيك إلى فيه. ورجل شُفاهِيٌّ: عظيم الشفتين. والقولان محتملان، إلاَّ أنَّ الأول أجود لمقاربة القياس الذي ذكرناه، لأنَّ الشفتين تُشفِيان على الفم.

ومما شذَّ عن الباب قولهم: شَفَهني فلانٌ عن كذا، أي شَغَلني.

(شفر) الشين والفاء والراء أصلٌ واحد يدلُّ على حدِّ الشيء وحَرْفِهِ. من ذلك شَفْرَة السَّيف: حَدُّه. وشَفير البئر وشَفيرُ النَّهر: الحدّ. والشُّفْر: مَنْبِت الهُدْب من العين، والجمع أشفار. وشُفْر الفَرْج: حروفُ أشَاعرِهِ. ومِشْفَر البعير كالجَحْفَلة([8]) من الفَرَس. والشَّفْرَة معروفة([9]). هذا كلُّه قياس واحد. وأمّا قولُهم: ما بالدار* شُفْر([10])، وقولُ من قال: معناه ليس بها أحدٌ فليس الأمر كذلك، إنما يراد بالشُّفْر شُفر العين، والمعنى ما بها ذو شُفْر، كما يقال ما بها عينٌ تطرف، يراد ما بها ذُو عين. والذي حُكِيَ عن أبي زيد أنَّ شَفْرَة القوم أصغَرهم، مثل الخادم، فهذا تشبيهٌ، شُبِّهَ بالشَّفْرَة التي تُسْتَعمَل.

(شفع) الشين والفاء والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على مقارنة الشيئين. من ذلك الشَّفْع خلاف الوَتْر. تقول: كان فرداَ فشفَعْتُه. قال الله جل ثناؤه:وَالشَّفْعِ وَالوَتْرِ[الفجر 3]، قال أهل التفسير: الوَتْر الله تعالى، والشَّفْع الخلق. والشُّفْعَة في الدار من هذا. قال ابن دريد([11]): سُمِّيَتْ شُفْعةً لأنَّه يَشفَع بها مالَه. والشاة الشَّافع: التي معها ولدُها. وشَفَعَ فلانٌ لفلانٍ إذا جاء ثانِيه ملتمساً مطلبه ومُعِيناً له.

ومن الباب ناقَةٌ شَفُوع، وهي التي تجمع بين مِحْلَبَيْن([12]) في حَلْبَةٍ واحدة.  وحُكِيَ: إنَّ فلاناً يشفع [لي([13])] بالعداوة، أي يعين عليَّ.  وهذا قياس الباب، كأنَّه يصيِّر مَنْ  يعاديه [شَفْعاً]. ومما شذَّ عن هذا الباب ولا نعلم كيف صحّتُه: امرأةٌ مشفوعة، وهي التي أصابتها شُفْعَة، وهي العَين. وهذا قد قيل، ولعلّهُ أنَّ يكون بالسِّين غير معجمة. والله أعلم.

وبنو شافع، من بني المطّلِب بن عبد مناف، منهم محمد بن إدريس الشّافعيّ والله أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) أنشده أيضاً في المجمل. وصدره في اللسان: *فإني ذو محافظة لقومي*.

([2]) الندأة، بضم النون وفتحها: الحمرة تكون في الغيم. وقد بيض لهذه الكلمة في اللسان (12: 47).

([3]) التكملة من المجمل، وهو محمد بن أبي يحيى، وابناه إبراهيم، وعبد الله.

([4]) كذا ورد مضبوطاً في المجمل. وفي الأصل: "حسن".

([5]) في الأصل: "الذي يغير عن النظر"، صوابه في المجمل واللسان.

([6]) قطعة من بيت للقطامي  في ديوانه واللسان (شفن)، وهو بتمامه:

يسارقن الكلام إليّ لما *** حسسن حذار مرتقب شفون

([7]) ديوان العجاج 83 واللسان (شفي).

([8]) في الأصل: "الجحفلة"، صوابه في المجمل.

([9]) الشفرة، بالفتح: السكين العريضة.

([10]) مقتضى تفسيره هنا أن يُضبط بالضم. وقد رواها ابن سيده بالضم والفتح، وقال الأزهري بفتح الشين. قال شمر: ولا يجوز شفر بضمها.

([11]) الجمهرة: (3: 60).

([12]) في الأصل: "مجلسين"، صوابه من المجمل واللسان.

([13]) التكملة من المجمل.

 

ـ (باب الشين والقاف وما يثلثهما)

(شقل) الشين والقاف واللام ليس بشيء، وقد حُكيَ فيه ما لا يعرَّج عليه.

(شقن) الشين والقاف والنون. يقولون إنَّ الشَِّقْن([1]): القليل من العطاء؛ تقول: شَقَنْتُ العَطِيَّة([2])، إذا قلّلتَها.

(شقو) الشين والقاف والحرف المعتلّ أصلٌ يدلُّ على المعاناة وخلاف السُّهولة والسّعادة.

والشِّقوة: خلاف السعادة. ورجلٌ شقيٌّ بين الشَّقاء والشِّقوة والشَّقاوة. ويقال إنَّ المشاقاة: المعاناة والممارسة. والأصل في ذلك أنَّه يتكلّف العَناء ويَشقَى به، فإذا هُمِزَ تَغيَّر المعنى. تقول: شقأ نابُ البعير يَشْقَأ، إذا بدا. قال: الشَّاقئ: النَّاب الذي لم يَعْصَل([3]).

(شقب) الشين والقاف والباء كلمةٌ تدل على الطُّول. منها الرَّجُل الشّوقب. ويقولون: إنَّ الشَِّـقْب كالغار في الجبَل.

(شقح) الشين والقاف والحاء أُصَيْل يدل على لونٍ غيرِ حسَن. يقال: شَقَّحَ النَّخْل، وذلك حين زُهُوِّه، ونُهِي عن بيعه قبل أَنْ يشقِّح. والشَّقيح إتباع القبيح، يقال قبيحٌ شقيح.

(شقذ) الشين والقاف والذال أُصَيل يدلُّ على قلَّة النَّوم. يقولون: إنَّ الشَّـقِْذ العينِ، هو الذي لا يكاد ينام. قالوا: وهو الذي يُصيب النَّاسَ بالعينِ. فأما قولهم: أَشْقَذْتُ فلاناً إذا طردتَه، واحتجاجُهم بقول القائل:

إِذَا غَضِبُوا عليَّ وأشقَذُوني *** فَصِرتُ كأنّني فَرَأٌ مُتارُ([4])

فإنّ هذا أيضاً وإن كان معناه صحيحاً فإنه يريد رَمَزوني بعيونهم بِغضَةً، كما ينظر العدوُّ إلى من لا يحبُّه.

ومن الباب الشَّقْذاء: العُقاب الشديدة الجُوع، سمّيت بذلك لأنَّها إذا كانت كذا [كان ذلك] أشدَّ لنظرها. وقد قال الشُّعراء في هذا المعنى ما هو مشهور. وذكر بعضهم: فلانٌ يشاقِذُ فلاناً، أي يُعادِيه. فأمَّا قولُهم: ما به شَقَذ ولا نَقَذٌ. فمعناه عندهم: ما به انطلاق. وهذا يبعد عن القياس الذي ذكرناه. فإنْ صحَّ فهو من الشاذّ.

(شقر) الشين والقاف والراء أصلٌ يدلُّ على لون. فالشقرة من الألوان في الناس: حُمرة تعلو البياض. والشُّقرة في الخَيل حُمرةٌ صافية يَحمَرُّ معها السَّبيب والناصية والمَعْرَفة. ويمكن أن يحمل على هذا الشَّقِر، وهو شقائق النُّعمان. قال طرفة:

* وعَلاَ الخَيْلَ دماءٌ كالشَّقِرْ([5]) *

ومما ينفرد  عن هذا الأصل كلماتٌ ثلاثٌ: قولهم: أخبرتُ فلاناً بشقُوري، أي بحالي *وأمري. قال رؤبة:

جارِيَ لا تَستنكري عَذيرِي ***

سَيرِي وإِشفاقي على بعيري

وكثرة الحديث عن شُقوري([6])

والكلمة الثانية: قولهم: جاء بالشُّقَر والبُقَر، إذا جاء بالكذب.

والثالثة: المِشْقَر، وهو رملٌ متصوِّبٌ في الأرض، وجمعه مَشَاقِر([7]).

(شقص) الشين والقاف والصاد ليس بأصلٍ يتفرّع منه أو يُقاس عليه. وفيه كلمات. فالشِّقْصُ طائفةٌ من شيء. والمِشْقَص: سهمٌ فيه نصلٌ عريض. ويقولون: إن كان صحيحاً إنَّ الشَّقِيص في نعت الفرس: الفارِهُ الجَواد.

(شقع) الشين والقاف والعين كلمةٌ واحدة. يقولون شَقَع الرَّجُل في الإناء، إِذا شرِب. وهو مثل كرَع.

ــــــــــــــ

([1]) يقال بالفتح، وبفتح فكسر، وشقين أيضاً.

([2]) زاد في المجمل: "وأشقنتها".

([3]) عصل يعصل عصلا: التوى. وبابه تعب. وفي الأصل: "يعضل" بالضاد المعجمة، صوابه في المجمل.

([4]) البيت لعامر بن كثير المحاربي، كما في اللسان (شقذ، تور).

([5]) رسمت "علا" في الأصل رسماً مزدوجاً يجمع بين الألف والياء بعد اللام، إشارة إلى الروايتين فيها. ورواية الديوان 67: "وعلى". أما اللسان (شقر) فقد أشار إلى الروايتين. وصدره:

* وتَساقى القوم كأساً مرة *.

([6]) الصواب نسبته إلى العجاج. انظر اللسان (شقر) حيث نسب إلى العجاج، وديوان العجاج 26.

([7]) لم يذكر واحده في القاموس، وذكر في اللسان وضبط بالقلم "مشقر"، بفتح الميم. وقد اعتمدت ضبط المجمل لها بكسر الميم.

 

ـ (باب الشين والكاف وما يثلثهما)

(شكل) الشين والكاف واللام مُعظمُ بابِهِ المُماثَلة. تقول: هذا شَِكل هذا، أي مِثله. ومن ذلك يقال أمرٌ مُشْكِل، كما يقال أمر مُشْتبِه، أي هذا شابَهَ هذا، وهذا دخل في شِكل هذا، ثم يُحمل على ذلك، فيقال: شَكَلتُ الدّابةَ بِشكالِهِ،  وذلك أنَّه يجمع بين إحدى قوائمهِ وشِكْلٍ لها.  وكذلك دابّة بها شِكال، إذا كان إحدى يديه وإحدى رجليه مُحَجَّلا.  وهو ذاك القياس؛ لأنَّ البياض أخذَ واحدةً وَشَِكْلَها.

ومن الباب: الشُّكلة، وهي حُمرةٌ يخالطها بياض. وعينٌ شَكْلاء، إذا كَانَ في بياضها حُمرة يسيرة. قال ابن دريد([1]): ويسمَّى الدَّمُ  أشكلَ، للحمرة والبياض المختلطين منه. وهذا صحيح، وهو من الباب الذي ذكرناه في إشكال هذا الأمر، وهو التباسه؛ لأنَّها حُمرةٌ لابَسَها بياض.

قال الكسائيّ: أشكلَ النَّخْل، إِذا طابَ رُطَبُه وأَدرَك. وهذا أيضاً من الباب؛ لأنَّه قد شاكل التَّمر في حلاوَتِه ورُطوبَتهِ وحُمرته. فأمَّا قولُهم: شَكَلت الكتاب أشْكُله شكْلاً، إِذا قيَّدْتَه بعلامات الإعراب فلستُ أحْسِبه من كلام العرب العاربة، وإِنما هو شيءٌ ذكره أهلُ العربيَّة، وهو من الألقاب المولَّدة. ويجوز أن يكون قد قاسوه على ما ذكرناه؛ لأنَّ ذلك وإن لم يكن خطّاً مستوياً فهو مُشاكلٌ له([2]).

وممّا شذّ عن هذا الأصل: شاكِل الدَّابَّة وشاكلتُه، وهو ما عَلاَ الطِّفْطِفَةَ منه. وقال قُطرب: الشَّاكِل: ما بين العِذار والأُذن من البياض.

ومما شذّ أيضاً: الشَّكلاء، وهي الحاجة، وكذلك الأَشْكَلَة. وبنو شَكَل: بطنٌ من العرب.

ومن هذا الباب: الأَشْكَل، وهو السِّدْر الجبَليّ. قال الراجز:

* عُوجاً كما اعوَجَّت قِياسُ الأَشْكَلِ([3]) *

(شكم) الشين والكاف والميم أصلان صحيحان: أحدهما يدلُّ على عطاء، والآخر يدلُّ على شِدَّةٍ في شيءٍ وقوّة.

فالأوّل: الشَّكْمُ وهو العطاء والثَّواب. يقال شَكَمني شَكْماً، والاسم الشُّكْم. وجاء في الحديث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [احتَجَمَ([4]) ثم قال: "اشْكُمُوه"]، أي أعطوه أَجْره. وقال الشاعر:

أم هل كبيرٌ بكَى لم يَقْضِ عَبْرته *** إِثْرَ الأَحِبَّة يومَ البينِ مشكومُ([5])

وقال آخر:

أبلِغْ قتادةَ غيرَ سائِلِهِ *** منه العطاءَ وعاجلَ الشُّكْمِ([6])

والأصل الآخر: الشّكيمة: أي شِدة النفس([7]). والشكيمة شكيمة اللِّجام، وهي الحديدة المعترضة التي فيها الفأس، والجمع شكائم. وحكى ناس: شكَمه، أي عضّه. والشَّكيم: العَضّ في قول جرير:

* أَصابَ ابن حمراءِ العِجانِ شكيمُها([8]) *

وشكيم القدر: عُراها.

(شكه) الشين والكاف والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مشابَهةٍ ومقارَبة. يقال: شاكَهَ الشيءُ [الشيءَ([9])] مشاكهةً وشِكاهاً، إِذا شابَهه وقاربَه. وفي المثل: "شاكِهْ، أبا يسارٍ([10])" أي قارِبْ. وحُكي عن أبي عمرو بن العلاء: أشْكَه الأمر، إذا اشْتَبه الأمر.

(شكو) الشين والكاف والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على توجُّع من شيء. فالشّكو المصدر؛ شكوته [شكْواً([11])، و] شَكاةً، وشِكايةً. وشكوتُ فلاناً فأشكاني، أي أعتبني من شَكواي([12]). وأشكاني، إذا فعل بك ما يُحوِجُك إلى شكايته. والشَّكاة والشِّكاية بمعنى. والشكِيّ: الذي يشتكي وجعاً. والشكِيُّ المشكوِّ أيضاً؛ شكَوتُه فهو شَكِيٌّ ومشكوٌّ.

(شكد) الشين والكاف والدال أصلٌ. يقولون: إنَّ الشُّكد: الشُّكر. وسمعت علي بن إبراهيم القطّان يقول: سمعت عليّ بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا عبيد يقول: سمعت الأمويّ يقول: الشُّكد: العَطاء، والشُّكم: الجَزاء، والمصدر: الشَّكْد. وقال الكسائيّ: الشُّكم: العِوَض. والأصمعيُّ يقول الشُّكم والشُّكْد: العطاء.

(شكر) الشين والكاف والراء أصولٌ أربعةٌ متباينةٌ بعيدة القياس. فالأول: الشُّكر: الثَّناء على الإنسان بمعروف يُولِيكَهُ. ويقال إنَّ حقيقة الشُّكر الرِّضا باليسير. يقولون : فرسٌ شَكور، إذا كفاه لسِمَنِه العلفُ القليل. وينشدون قول الأعشى:

ولابُدَّ مِنْ غَزوةٍ  في المَصِيـ *** ـف رَهْبٍ تُكِلُّ الوَقَاحَ الشَّكُورا([13])

ويقال في المثل: "أَشْكَرُ مِنْ بَرْوَقَة"، وذلك أنَّها تخضرّ من الغيم من غير مطَر.

والأصل الثاني: الامتلاء والغُزْر في الشيء. يقال حَلُوبة([14]) شَكِرَةٌ إِذا أصابت حَظّاً من مرعىً فَغزُرت. ويقال: أشكر القومُ، وإنهم ليحتلبون شَكِرَةً، وقد شَكِرت الحَلُوبة. ومن هذا الباب: شَكِرَت الشّجرةُ، إذا كَثُر فيئُها.

والأصل الثالث: الشَّكير من النبات، وهو الذي ينبُت من ساق الشَّجرة، وهي قُضبان غضّة. ويكون ذلك في النَّبات أوّلَ ما ينبُت. قال:

* حَمَّم فرخٌ كالشَّكير الجَعْدِ *

والأصل الرابع: الشَّكْر، وهو النِّكاح. ويقال بل شَكْر المرأةِ: فَرْجها. وقال يحيى بن يعمر، لرجلٍ خاصمته امرأتُه: "إن سأَلَتْكَ ثَمن شَكْرِها وشَبْرِك أَنشأْتَ تطُلُّها وتَضْهَلها".

(شكع) الشين والكاف والعين أصلٌ يدل على غضَب وضجرٍ وما أشبه ذلك. يقال شَكِعَ الرَّجُل، إذا كثُر أنينُه. وكذلك الغضبان إذا اشتدَّ غضبُهُ، يَشْكَع شَكَعاً.

وقد حكَوْا كلمتين أخريين ما أدري ما صحتهما؟ قالوا: شَكَعَ رأسَ بعيرِهِ بزمامه، إذا رَفَعَه. ويقولون: شَكِعَ الزَّرعُ([15])، إِذا كَثُر حَبُّه.

ـــــــــــــــــــ

([1]) الجمهرة: (3: 68).

([2]) في الأصل: "مشكل له".

([3]) للعجاج في ديوانه 51 واللسان (شكل). والقياس: جمع قوس. ورواية الديوان:

* معج المرامي عن قياس الأشكل  *

([4]) التكملة من المجمل. وفي اللسان: "أن أبا طيبة حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اشكموه".

([5]) البيت لعلقمة بن عبدة الفحل في ديوانه 129 من خمسة دواوين العرب، والمفضليات (2: 197).

([6]) البيت في المجمل واللسان (شكم) بدون نسبة، وروايتهما: "جزل العطاء".

([7]) في الأصل: "شديد النفس"، تحريف.

([8]) صدره في الديوان 450، واللسان (شكم):

* فأبقوا عليكم واتقوا ناب حية *.

([9]) التكملة من المجمل.

([10]) أبا يسار، نصب على النداء، انظر أمثال الميداني.

([11]) التكملة من المجمل.

([12]) الإعتاب: الإرضاء. وفي الأصل: "اعتنى"، صوابه في المجمل.

([13]) ديوان الأعشى 72 واللسان (شكر). برواية: "في الربيع حجون". وأنشده في (رهب) بروايتنا هذه بدون نسبة. وفي الأصل: "في الصيف"، تحريف.

([14]) في الأصل: "خلفة"، صوابها من اللسان. وفي المجمل: "ناقة".

([15]) هذه الكلمة والتي قبلها مما فات صاحب اللسان. وقد ذكرهما في القاموس.

 

ـ (باب الشين واللام وما يثلثهما)

(شلو) الشين واللام والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على عضوٍ من الأعضاء، وقد يقال الجسدُ نفسه. فيقول أهلُ اللُّغة: إنَّ الشِّلو العُضو. وفي الحديث عن عليّ عليه السلام: "ايتِني بِشلوها الأيمن". ويقال إنَّ بني فلانٍ أشلاءٌ في بني فلان، أي بقايا فيهم. وكان ابن دريد يقول([1]): "الشِّلو شِلو الإنسان، وهوجَسَدُه بعد بِلاهُ". والذي ذكرناه من حديث عليّ "ايتني بشِلْوها الأيمن" يدلُّ على خلاف هذا القول. فأمَّا إشلاء الكلب، فيقولون: إشلاؤه: دعاؤه. وحُجّته قولُ القائل:‏

* أشليتُ عَنزِي ومسحتُ قَعْبِي([2]) *‏

وهذا قياسٌ صحيح، كأنّك لمّا دعوتَه أشليته كما يُشتَلى الشِّلو من القِدر، أي يرفع. وناسٌ يقولون: أشليتُه بالصَّيد: أغريتُهُ، ويحتجُّون بقول زيادٍ الأعجم:‏

أتينا أبا عمروٍ فأَشْلَى كلابَه *** علينا فكِدْنا بين بَيْتَيْهِ نُؤكَلُ([3])

وحدّثَنا عليُّ بن إبراهيمَ القطان، عن ثعلب، عن ابن الأعرابيّ قال: يقال: أشليتُهُ، إذَا أغريْتَه.‏

(شلح) الشين واللام والحاء ليس بشيء. يقولون: إنَّ الشَّلْحاء: السَّيف([4]).‏

ــــــــــــــــ

([1]) الجمهرة (3: 71).‏

([2]) لأبي النجم العجلي، كما في اللسان (قأب). وأنشده في (شلا) بدون نسبة. وبعده:‏  * ثم تهيأت لشرب قأب *.‏

([3]) كلمة : "علينا" ساقطة من الأصل، وإثباتها من المجمل واللسان. وأشار صاحب اللسان إلى رواية: "فأغرى كلابه".‏

([4]) زاد في اللسان: "بلغة أهل الشحر".‏

 

ـ (باب الشين والميم وما يثلثهما)

(شمت) الشين والميم والتاء أصلٌ صحيح، ويشذُّ عنه بعضُ ما فيه إشكالٌ وغموض. فالأصل فرَحُ عدوٍّ ببليّةٍ تصيبُ مَنْ يعاديهِ. يقال: شَمِتَ به يَشْمَت شَماتةً، وأشمَتَه الله عزّ وجلّ بعدوِّه. وفي كتاب الله تعالى: {فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْداءَ}  [الأعراف 149]،. ويقال بات فلانٌ بليلةِ الشَّوامت، أي بليلة سَوء تُشمت به الشَّوامت. قال:

فارتاعَ مِن صوتِ كَلاَّبٍ فبات لـه *** طَوعَُ الشَّوامتِ مِنْ خوفٍ ومن صَرَدِ([1])

ويقال: رجع القوم شَمَاتَى أو شِمَاتاً من متوجَّههم، إِذا رَجَعُوا خائبين. قال ساعدة في شعره([2]).

والذي ذكرتُ أنَّ فيه غموضاً واشتباهاً فقولهم في تشميت العاطس، وهو أَنْ يقالَ عند عُطاسه: يرحُمُك الله. وفي الحديث: "أنَّ رجُلين عَطَسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فشمَّتَ أحدَهما ولم يشمِّت الآخر، فقيل لـه في ذلك، فقال: إنَّ هذا حمِدَ الله عزَّ وجلَّ وإنَّ الآخرَ لم يَحمَد الله عزَّ وجلَّ". قال الخليل: تشميت العاطِس دعاءٌ لـه، وكلُّ داعٍ لأحدٍ بخير فهو مشمِّتٌ لـه. هذا أكثرُ ما بلَغَنَا في هذه الكلمة، وهو عِندي من الشّيء الذي خفيَ عِلْمُهُ، ولعلّه كانَ يُعلَم قديماً ثمَّ ذَهَبَ بذهاب أهله.

وكلمة أخرى، وهو تسْمِيَتهم قوائم الدّابّة: شوامت. قال الخليل: هو اسمٌ لها. قال أبو عمرو: يقال: لا ترك الله لـه شامِتة: أي قائمة. وهذا أيضاً من المشِكل؛ لأنَّه لا قياس يقتضي أن تسمَّى قائمةُ ذي القوائم شامتة. والله أعلم.

(شمج) الشين والميم والجيم أصلٌ يدل على الخلْط وقلّة ائتلافِ الشيء. يقال شَمَجه يَشْمُجُه شَمْجاً، إذا خلطه. وما ذاق شَمَاجاً، أي شيئاً من طعام. ويقولون: شَمَجوا، إذا اختبزوا خبزاً غِلاظاً، ويستعار هذا حتَّى يقال للخياطة المتباعدة شَمْج. يقال شمج الثوبَ شَمْجَاً يَشْمُج. وقياس ذلك كله واحد.

(شمخ) الشين والميم والخاء أصلٌ صحيح يدل على تعظُّم وارتفاع. يقال جَبَلٌ شامخٌ، أي عالٍ. وشَمَخَ فلانٌ بأنفه، وذلك إذا تَعَظَّمَ في نفسه. وشَمْخٌ: اسم رجل.

(شمر) الشين والميم والراء أصلان متضادّان، يدلُّ أحدُهما على تقلّص وارتفاع، ويدلُّ الآخر على سَحْبٍ وإِرسال.

فالأوّل قولهم: شمَّر للأمر أذياله. ورجل شَمّرِيٌّ: خفيف في أمره جادٌّ قد تشمَّرَ له. ويقال شاةٌ شامرٌ([3]): انضمَّ ضَرْعُها إلى بَطْنها. وناقة شِمِّير: مشمِّرة سريعة، في شعر حُميد([4]).

والأصل الآخر: يقال شَمَرَ يَشْمُر، إِذا مَشَى بخُيَلاء. ومَرَّ يَشْمُر. ويقال منه: شَمَّرَ الرَّجُل السَّهمَ، إِذا أَرسَلَه.

(شمس) الشين والميم والسين أصلٌ يدلُّ على تلوُّنٍ وقِلَّة استقرار. فالشَّمس معروفة، وسمِّيت بذلك لأنَّها غير مستقرّة، هي أبداً متحرّكة. وقُرئَ:{والشَّمْسُ تَجْرِي لاَ مُسْتَقَرَّ لَهَا([5])}  [يس 38]. ويقال شَمَسَ يومُنا، وأشمس، إذَا اشتدّت شمسُهُ. والشَّموس من الدوابّ: الذي لا يكاد يستقرّ. يقال شَمَسَ شِماساً. وامرأةٌ شَموسٌ، إِذا كانت تنفر من الرِّيبَة([6]) ولا تستقرُّ عندها؛ والجمع شُمُس. قال:

شمُسٌ مَوَانِعُ كلِّ ليلةِ حُرَّةٍ *** يُخْلِفْن ظنَّ الفاحش المِغيارِ([7])

ورجلٌ شموسٌ، إِذا كان لا يستقرُّ على خُلُق، وهو إلى العُسْر ما هو. ويقال شمِسَ لي فلانٌ، إِذا أبدَى لك عداوتَهُ. وهذا محمولٌ على ما ذكرناهُ من تغيُّر الأخلاق. فهذا قياسُ هذا الاسم، وأمَّا ما سمَّت العرب به فقال ابن دريد: "وقد سمَّت العرب عَبد شمسٍ". قال: "وقال ابنُ الكلبيّ: الشّمس صَنَمٌ قديم. ولم يذكرْه غيره". قال: "وقال قوم: شَمْسُ: عين *ماءٍ معروفة. وقد سمت العرب عَبْشَمس، وهم بنو تميم، وإليهم يُنسَب عبشمِيّ"([8]).

(شمص) الشين والميم والصاد كلمةٌ واحدة. يقال شَمَصْتُ الفَرس، إِذا نَزَّقْتَه([9]) ليتحرَّك. ويقال شمَّص إبلَه، إذا طردها طرداً عنيفاً.

(شمط) [وأما] الشين والميم والطاء فقياس صحيحٌ يدلُّ على الخُلْطَة. من ذلك الشَّمَط، وهو اختلاطُ الشَّيب بسَواد الشّباب.

ويقال لكل خليطين خلطتهما: قد شَمَطتُهما، وهما شَمِيط([10]). وقال : وبِهِ([11]) سُمّي الصّباح شَمِيطاً لاختلاطه بباقي ظُلمة اللَّيل. وقالوا: قال أبو عمرو: يقال أشمَطُوا حديثاً مرّة وشِعراً مَرّة.

ومن الباب: الشَّمَاطيط: الفِرق؛ يقال جاء([12]) الخَيل شَماطِيطَ. ويقولون: هذه القدر تَسَعُ شاةً بشَمْطِها وَبِشِمْطِها([13])، أي بما خُلِطَ معها من تَوابلها.

(شمع) الشين والميم والعين أصلٌ واحد وقياسٌ مطّرد في المِزاح وطِيب الحديث والفَكاهة وما قاربَ ذلك، وأصلُهُ قولهم: جاريةٌ شَموع، إِذا  كانت حسنةَ الحديثِ طَيِّبة النَّفْس مَزَّاحة. وفي الحديث: "مَنْ تَتَبَّع المَشمَعة يُشَمِّع الله به". وقال بعض أهل العلم: المَشْمَعَة: المِزاحُ والضّحك، ومعنى ذلك أنَّ من كانت هذه حالَه وشأنَه؛ لا أنَّه كرِهَ المِزاح والضَّحك جملةً إذا كانا في غير باطلٍ وتهزُّؤ. قال الهذليُّ وذكر ضَيْفَهُ:

سَأَبْدَؤُهُمْ بِمَشْمَعَةٍ وآتِي *** بِجُهْدِي مِنْ طعامٍ أو بِساطِ([14])

يريد أنَه يبدأ ضِيفَانَه عند نزولهم بالمزاح والمضاحكة؛ ليُؤنسَهم بذلك.

ومن الباب: أَشْمَعَ السِّرَاجُ، إِذا سَطَعَ نورُه. قال:

* كَلَمعِ بَرقٍ أو سِرَاجٍ أَشْمَعا([15]) *

وأمَّا الشَّمَْعُ فيقال بسكون الميم وفتحها، وهو معروف، وهو شاذٌّ عن الأصل الذي ذكرته.

(شمق) الشين والميم والقاف يقولون إِنَّه أصلٌ صحيح، ويذكرون فيه الشَّمَق، وهو إما النَّشَاط، وإِمَّا الوَلوع بالشيء.

(شمل) الشين والميم واللام أصلان منقاسان مطّردان، كل واحدٍ منهما في معناه وبابه.

فالأوّل يدلُّ على دَوَران الشيء بالشيء وأخْذِهِ إيّاه من جوانبه. من ذلك قولهم: شَمَِلَهم الأمرُ([16])، إذا عمَّهم. وهذا أمرٌ شاملٌ. ومنه الشَّملَة، وهي كساءٌ يُؤتَزَرُ به ويُشْتَمَل. وجمع الله شَمْله، إِذا دَعَا له بتألُّف أموره، وإِذا تألَّفَتْ اشتمل كلُّ واحدٍ منهما بالآخر([17]).

ومن الباب: شملت الشاة، إِذا جعلتَ لها شِمالاً، وهو وعاء كالكيس يدُخَل فيه ضرعُها فيشتمل عليه. وكذلك شَمَلْتُ النَّخلَة، إِذا كانت تنفضُ حَمْلَها فشُدَّت أعذاقُها بقِطَع الأكسية.

ومن الباب: المِشْمل: سيفٌ صغير يَشْتَمِل الرَّجُل عليه بثوبه.

والأصل الثاني يدلُّ على الجانب الذي يخالف اليمين. من ذلك: اليد الشِّمال، ومنه الرِّيح الشِّمال لأنها تأتي عن شمال القِبلة إذا استند المستنِد إليها من ناحية قِبلة العراق. وفي الشمول، وهي الخمر، قولان: أحدهما أنَّ لها عَصْفَةً كعَصْفَة الريح الشمال. والقول الثّاني: أنّها تَشمَل العقل. وجمع شِمال أَشْمُل. قال أبو النجم:

* يأتي لها من أَيْمُنٍ وأَشْمُلِ([18]) *

ويقال غديرٌ مشمول: تضرِبُهُ ريحُ الشِّمال حتى يبرُد. ولذلك تسمَّى الخمر مشمولة، أي إِنَّها باردة الطَّعم. فأمَّا قول ذي الرُّمَّة:

وبالشَّمائل من جَِلاّنَ مُقتِنصٌ *** رَذْل الثِّياب خفيُّ الشَّخصِ مُنْزَرِبُ([19])

فيقال إنَّه أراد القُتَر([20])، واحدتها شمالة. فإن كان أراد هذا فكَأنَّه شَبَّه القُتْرَة بالشِّمالة([21]) التي تُجعَل للضَّرع. وقد ذكرناها. ويقال: إنَّه أراد بناحية الشِّمال.

وممّا شذَّ عن هذين البابين، الشَّمَلةَ: ما بقي في النَّخلة من رُطَبها. يقال: ما بقي فيها إلاَّ شماليل. ويقال: إنَّ الشَّماليل ما تشعَّبَ من الأغصان. و*الشَّمْلَلَة: السرعة، ومنه الناقة الشِّملال والشِّمْليل. قال:

حرفٌ أخُوها أبوها من مُهجَّنةٍ *** وعمُّها خَالُها قَوْداءُ شِمليلُ([22])

ـــــــــــــــــ

([1]) للنابغة، في ديوانه 19 واللسان (شمت).

([2]) في المجمل وصحاح الجوهري: "وهو في شعر ساعدة". قال ابن بري: ليس هو في شعر ساعدة كما ذكر الجوهري، وإنما هو في شعر المعطل الهذلي، وهو:

فأبنا لنا مجد العلاء وذكره *** وآبوا علينا فلها وشماتها

قلت: وقصيدته هذه في شرح السكري للهذليين 277 ونسخة الشنقيطي 109. لكن هذا البيت روي أيضاً منسوباً لساعدة بن جؤية في ملحق القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 45.

([3]) يقال شامر وشامرة أيضاً، كما في القاموس، واقتصر في اللسان على "شامرة".

([4]) زاد في المجمل: "والشماخ".

([5]) هي قراءة ابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، وعطاء، وزين العابدين، والباقر، وابنه الصادق، وابن أبي عبلة. قرؤوا جميعاً بالنفي وبناء "مستقر" على الفتح، ما عدا ابن أبي عبلة فقرأها بالرفع على إعمال "لا" عمل ليس، كقوله:

تعز فلا شيء على الأرض باقيا *** ولا وزر مما قضى الله واقيا

انظر تفسير أبي حيان (7: 336).

([6]) في الأصل: "الزينة"، تحريف.

([7]) للنابغة في ديوانه 36، وقد سبق في (2: 6).

([8]) هذه النصوص الثلاثة من الجمهرة (3: 23).

([9]) وكذا في المجمل. وعبارة اللسان: "وشمص الفرس: نخسه أو نزقه ليتحرك"، مع ضبط "شمص" بالتشديد. والفعل يقال بالتخفيف وبالتشديد، كما في القاموس: ويقال نزق الفرس بالتشديد، وأنزقه أيضاً، إذا ضربه حتى ينْزو وينْزق.

([10]) في الأصل: "شمط" مع ضبط الميم بالكسر، صوابه في المجمل واللسان.

([11]) في الأصل: "رؤية" صوابه في المجمل.

([12]) في المجمل: "جاءت".

([13]) في اللسان: "الناس كلهم على فتح الشين من شمطها إلا العكلي فإنه يكسر الشين".

([14]) للمتنخل الهذلي، كما في اللسان (شمع). وقصيدته في القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 89 ونسخة الشنقيطي 47.

([15]) في اللسان: "كلمح برق". وفي المخصص (11: 39): "كمثل برق".

([16]) يقال من بابي نصر وفرح.

([17]) في الأصل: "إذا تألف اشتمل كل واحد منهما بالآخر"، تحريف.

([18]) البيت في اللسان (13: 387) وأمالي ابن الشجري (1: 306).

([19]) ديوان ذي الرمة 14 واللسان (زرب، شمل). و"جلان" ضبط في اللسان والقاموس بفتح الجيم، وفي الديوان والاشتقاق 196 والمجمل بالكسر.

([20]) القتر : جمع قترة، كغرف وغرفة، وهي حفرة يكمن فيها الصائد.

([21]) لم يذكر في المعاجم المتداولة إلا "الشمال" بدون هاء.

([22]) لكعب بن زهير كما سبق في (أشر، حرف).

 

ـ (باب الشين والنون وما يثلثهما)

(شنأ) الشين والنون والهمزة أصلٌ يدلُّ على البِغضة والتجنُّب للشيء. من ذلك الشَّنُوءَة، وهي التقزُّز؛ ومنه اشتقاق أَزْدِشَنوءة. ويقال: شَنِئَ فُلانٌ فلاناً إِذا أَبغَضَه. وهو الشَّنَآن، وربما خَفَّفوا فقالوا: الشَّنَان. وأنشدوا:

فما العيشُ إلاَّ ما تَلَذُّ وتَشْتَهي *** وإِنْ لاَمَ فيه ذو الشَّنَانِ وأَفْنَدَا([1])

والشنْءُ: الشَّنَآن أيضاً. ورجلٌ مِشناءٌ على مِفعال، إِذا كان يُبْغِضُه النَّاسُ([2]). وأمَّا قولهم شَنِئْت للأمر وبه، إِذا أَقرَرْت، وإِنشادُهم:

فلو كان هذا الأمرُ في جاهليَّةٍ *** شَنِئْتَ به أو غَصَّ بالماء شاربُه([3])

..................([4])

(شنب) الشين والنون والباء أصلٌ يدلُّ على بردٍ في شيء. يقولون: شَنِب يومُنا، فهو شَنِب وشانب، إِذا برد.

ومن ذلك الثّغر الأشنب، هو البارد العذب. قال:

* يا بِأبي أنتِ وفُوكِ الأَشْنَبُ([5]) *

(شنث) الشين والنون والثاء ليس بأصل، وفيه كلمة. يقولون: شَنِثَت مَشافِر البعير، إِذا غلظت من أكل الشَّوْك.

(شنج) الشين والنون والجيم كلمةٌ واحدةٌ، وهو الشَّنَجُ، وهو التقبُّض في جلدٍ وغيره.

(شنح) الشين والنون والحاء كلمة واحدة، وهي الشَّناحِيُّ، وهو الطويلُ، يقال هو شَنَاحٌ كما ترى.

(شنص) الشين والنون والصاد كلمة إن صحت. يقولون: فَرَس شَناصِيٌّ، أي طويل. قال:

* وشَنَاصيٌّ إِذا هِيجَ طَمَرْ([6]) *

ويقال:  إنما هو نَشَاصيٌّ. وحكى : شَنَِصَ به، مثل سَدِك.

(شنع) الشين والنون والعين أصلٌ واحد يدلُّ على رفْع الذِّكر بالقبيح. من ذلك الشَّناعة. يقال شَنُع الشيءُ فهو شنيع. وشَنَعتُهُ، إذا قهرتَه بما يكرهه. وذكر ناسٌ شَنَعَ فلانٌ فلاناً، إِذا سَبَّه. وأنشدوا لكُثَـيِّر:

وأسماءُ لا مَشنوعةٌ بمَلالةٍ  *** لَدَيْنا......................([7])

ويحملون على هذا فيقولون: تشنَّعت الإبل في السير، إذا جدَّت. وإنما يكون ذلك في أرفعِ السَّير، فيعود القياسُ إلى ما ذكرناهُ من الارتفاع وإن لم يكن في ذلك قبح.

(شنف) الشين والنون والفاء كلمتان متباينتان: أحدهما الشَّنْف، وهو من حَلْي الأذُن. والكلمة الأخرى: الشَّنَف: البُغض. يقال شَنِف له يَشْنَف شنَفاً.

(شنق) الشين والنون والقاف أصلٌ صحيح منقاس، وهو يدلُّ على امتدادٍ في تعلّقٍ بشيء، من ذلك الشِّناق، وهو الخيط الذي يُشَدُّ به فمُ القربة. وشَنَقَ الرَّجل بزمام ناقته، إذا فعل بها كما يفعل الفارسُ بفرسه، إذا كَبَحَه بلجامه. ويقال إنَّ الشَّنَق: طولُ الرأس، كأنما يمتدُّ صُعُداً. وفرسٌ مشنوق: طويل.

ومن الباب وهو قياسٌ صحيح: الشَّنَق نِزَاع القلب إلى الشيءِ، وذلك أنَّه لا يكون إلاّ عن عَلَقٍ، فقد يصحُّ القياس الذي ذكرناه.

فأمَّا الأشناق فواحدها شَنَق، وهو ما دون الدِّية الكاملة، وذلك أن يسوق ذُو الحمالة ديةً كاملةً، فإذا كانت معها دياتُ جراحاتٍ دون التمام فتلك الأشناق، وكأنّها متعلِّقة بالدِّية العُظمى. والذي أراده الشاعر هذا بقوله:

قَرْمٌ تُعَلَّقُ أشناقُ الدِّيات به *** إِذا المئُون أُمِرَّتْ  فَوقَه حَمَلاَ([8])

والشَّنَق، في الحديث: ما دون الفريضتين، وذلك في الإبل والغنم والبقر. وهو قولـه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا شِناق"، أي لا يُؤخذ في الشَّنَق فَريضة حتى تتمّ. 

ومن الباب اللحم المشَنَّق، وهو المشَرَّح المقطَّع طُولاً. قال الأمويّ: يقال للعجين الذي يُقطَّع ويعمل بالزيت * : مشَنّق. ولا يكون ذلك إلا وفيه طول.

ـــــــــــــــــ

([1])  البيت للأحوص، كما في اللسان (شنأ). وروايته: "وفندا". يقال فنده وأفنده: لامه وضعف رأيه.

([2]) في هذا التفسير كلام. انظر اللسان (1:  96).

([3]) البيت ملفق من بيتين للفرزدق في ديوانه 56. وهما:

فلو كان هذا الحكم في جاهلية  *** عرفت من المولى القليل حلائبه

ولو كان هذا الأمر في غير ملككم *** لأديته أو غص بالماء شاربه

ورواه في اللسان (شنأ):

ولو كان في دين سوى ذا شنئتم *** لنا حقنا أو غص بالماء شاربه

([4]) هنا سقط لم يبيض له. وتقديره: "فكلام فيه نظر".

([5]) البيت من شواهد ابن هشام في أوضح المسالك وقطر الندى، في (باب اسم الفعل)، ورواه: "وابأبي"، ونسب إلى راجز من بني تميم. وانظر العيني (4: 310).

([6]) للمرار بن منقذ في المفضليات (1: 82) واللسان (شنص). وفي المفضليات: "فإذا طؤطئ طيار طمر". وصدره:  * شندف أشدف ما روعته *.

([7]) وكذا ورد إنشاده منقوصاً في المجمل. وتمامه، كما في اللسان:

* لدينا ولا مقلية باعتلالها *

([8]) للأخطل في ديوانه 143 واللسان (شنق).

 

 

ـ (باب الشين والهاء وما يثلثهما)

(شهو) الشين والهاء والحرف المعتل كلمة واحدة، وهي الشّهوة. يقال: رجلٌ شَهْوانُ، وشيءٌ شَهِيّ.

(شهب) الشين والهاء والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بياض في شيءٍ من سواد، لا تكون الشُّهبةُ خالصةً بياضاً. ومن ذلك الشُّهبة في الفرَس، هو بياضٌ يخالطُهُ سَواد. ويقال كَتِيبةٌ شَهباء، إِذا كانت عِليتُها بياضَ الحديد، ويقال لليوم ذي البرد والصُّرَّاد([1]): أشهبُ، والليلة الشّهباءُ. ويقال: اشهابَّ الزَّرْع، إذا هاجَ وبَقي في خِلاله شيءٌ أخضر. ومن الباب: الشِّهاب، وهو شُعلة نارٍ ساطعة. وإنَّ فُلاناً لَشِهابُ حربٍ، وذلك إذا كان معروفاً فيها مشهوراً كشُهرة الكواكب اللّوامع. ويقال إنَّ النّصل الأشهبَ الذي قد بُرِدَ بَرْداً خفيفاً حتى ذهب سوادُهُ. ويقال إنَّ الشّهاب اللّبَنَ الضَّيَاح، وإِنما سمِّيَ بذلك لأنَّ ماءَه ([2]) قد كثر فصار كالبياض الذي يخالطه لونٌ آخر.

(شهد) الشين والهاء والدال أصلٌ يدلُّ على حضور وعلم وإعلام، لا يخرُج شيءٌ من فروعه عن الذي ذكرناه. من ذلك الشَّهادة، يجمع الأصولَ التي ذكرناها من الحضور، والعلم، والإعلام. يقال شَهد يشهد شهادةً. والمَشهد: محضر النّاس.

ومن الباب: الشُّهود: جمع الشاهد، وهو الماء الذي يخرج على رأس الصبيّ إِذا وُلد، ويقال بل هو الغِرْس([3]). قال الشاعر:

فجاءَت بمثل السّابرِي تَعجَّبُوا  *** لهُ والثَّرَى ما جفَّ عنه شُهودها([4])

وقال قوم: شهود النّاقة: آثار موضع مَنْتَجِها من دمٍ أو سَلَىً. والشَّهيد: القتيل في سبيل الله، قال قومٌ: سمِّيَ بذلك لأنّ ملائكة الرحمة تشهده، أي تحضُره. وقال آخرون: سمِّي بذلك لسقوطه بالأرض، والأرض تسمَّى الشاهدة. والشاهد: اللِّسان، والشَّاهد: المَلَك. وقد جمعهما الأعشى في بيت:

فلا تحسَِبَنّي كافراً لك نعمةً *** عَلَى شاهِدِي يا شاهِدَ اللهِ فاشْهَدِ([5])

فشاهده: اللسان: وشاهد الله جلَّ ثناؤه، هو المَلَك، فأمَّا قوله جلَّ وعزَّ:

{شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُو}  [آل عمران 18]، فقال أهلُ العِلم: معناه أَعلَمَ الله عزَّ وجلَّ، بيَّن اللهُ، كما يقال: شَهِدَ فلانٌ عند القاضي، إذا بيَّنَ وأعلَمَ لمن الحقُّ وعلى مَنْ هو. وامرأةٌ مُشْهِد، إِذا حضر زوجها، كما يقال للغائب زوجُها: مُغِيب. فأمَّا قولهم أشْهَدَ الرّجُلُ، إِذا مَذَى، فكأنَّهُ  محمولٌ على الذي ذكرناه من الماء الذي يخرج على رأس المولود.

ومما شذّ عن هذا الأصل: الشُّهْد: العسلُ في شَمَعِها؛ ويجمع على الشِّهاد. قال:

إلى رُدُحٍ من الشِّيزَى مِلاءٍ  *** لُبابَ البُرِّ يُلبَكُ بالشِّهادِ([6])

(شهر) الشين والهاء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على وضوحٍ في الأمر وإِضاءة. من ذلك الشَّهر، وهو في كلام العرب الهِلال، ثمَّ سمِّي كلُّ ثلاثين يوماً باسم الهلال، فقيل شهر. قد اتَّفق فيه العربُ والعجم؛ فإنَّ العجم يسمُّون ثلاثين يوماً باسم الهلال في لغتهم. والدليل على هذا قولُ ذي الرّمّة:

فأَصْبَحَ أَجْلَى الطرفِ ما يستزيدُهُ *** يَرَى الشَّهرَ قبلَ الناسِ وهو نحيلُ([7])

والشُّهرة: وضوح الأمر. وشَهَرَ سيفَه، إِذا انتضاه. وقد شُهِر فلانٌ في الناس بكذا، فهو مشهور، وقد شَهَرُوه. ويقال: أَشْهَرْنا بالمكان، إِذا أَقَمنا به شهراً. وشَهْرانُ: قبيلة.

(شهق) الشين والهاء والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على علوّ. من ذلك جبلٌ شاهِق، أي عال. ثمَّ اشتُقَّ من ذلك الشَّهيق: ضدّ الزَّفير؛ لأنَّ الشَّهيق ردُّ النّفَس، والزّفير إخراج النَفَس. والأصل في ذلك ما ذكرناه. وقال بعضهم: فلان ذو شاهقٍ، إِذا اشتدَّ غضبُه. ولعلَّه أن *يكون مع ذلك صوت.

(شهل) الشين والهاء واللام أصلٌ في بعض الألوان، وهي الشُّهْلة في العين، وذلك أن يَشُوبَ سوادَها زُرْقة.

ومما ليس في هذا الباب: امرأةٌ شهلة، قالوا: هي النَّصَف العاقلة. قالوا: وذلك اسمٌ لها خاصّةً، لا يوصَف به الرجل. كذا قال أهل اللُّغة. فأمَّا العرب فقد سمَّت بشَهْل، وهو الفِند الزِّمَّانيّ، يقال إنّ اسمَه شَهْل بن شيبان.

ومما شذَّ أيضاً: المشاهَلة: المُشَارَّة، وأظنُّ الشين مبدلةً من جيم. وكذلك قولهم للحاجَةِ: شهلاء، وهو من باب الإبدال، والأصل الكاف: الشَّكْلاء.

(شهم) الشين والهاء والميم أصلٌ يدلُّ على ذَكاء. يقال من ذلك: رجلٌ شَهْمٌ.  وربَّما قالوا للمذعور: مَشهوم، وهو قياسٌ صحيح لأنَّه إذا تَفَزَّعَ بَدَا ذكاءُ قلبِه([8]). ويقولون: إنَّ الشَّهامَ السِّعلاة. فإنْ صحَّ هذا فهو أيضاً من الذكاء. والشَّيهم: القنفذ؛ وليس ببعيدٍ أن يكون من قياس الباب. وفيه يقول الأعشى:

لَئِنْ جَدَّ أسبابُ العداوةِ بيننا  *** لترتَحِلَنْ منِّي على ظهر شَيهمِ([9])

والله أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) الصراد: ريح باردة مع ندى.

([2]) في الأصل: "لأنه ما"

([3]) في الأصل : "الفرس"، صوابه في المجمل واللسان. والغِرس، بكسر الغين: جلدة رقيقة تخرج مع الولد عند خُروجه.

([4]) لحميد بن ثور الهلالي، كما في اللسان (شهد).

([5]) ديوان الأعشى 133، واللسان (شهد).

([6]) لأمية بن أبي الصلت، وقد سبق إنشاده وتخريجه في (2: 312).

([7]) ديوان ذي الرمة 671، وأنشد عجزه في اللسان (شهر).

([8]) في الأصل: "إذا تفرع ذكاء قلبه".

([9]) ديوان الأعشى 95 واللسان (شهم).

ـ (باب الشين والواو وما يثلثهما)

(شوي) الشين والواو والياء يدلُّ على الأمر الهيِّن. من ذلك الشَّوى وهو رُذال المال. قال:

أَكَلْنا الشَّوَى حَتَّى [إِذا لم تَجِدْ شَوىً([1])] ***  أَشَرْنا إلى خيراتها بالأصابعِ

ومن ذلك الشَّوَى: جمع شَواة، وهي جِلْدة الرأس. والشَّوَى: الأطراف، وكلُّ ما ليس بمَقتل. وكلُّ أمرٍ هَيّنٍ شَوىً. ويقولون في الإتباع: عَيِيٌّ شَوِيٌّ. قال ابن دريد([2]): هو من الشَّوى، وهو الرُّذَال. ويقال رميتُ الصَّيدَ فأَشْوَيْتُهُ، إِذا أَصَبْتَ شَواهُ، وهي أطرافه. والشَّوايا: بقيَّة قومٍ هَلَكوا، الواحِد شَوِيَّة؛ وإِنَّما  سمِّيت بذلك لقلَّتها وهُونِها. قالوا: والشّواية([3]) الشيء الصغير من الكبير، كالقِطعة من الشّاة. ويقال: ما بَقِيَ من المال إِلا شَُِـوايَة، أي شيءٌ يسير. والذي لا نشكُّ فيه أنَّ الشِّواء مشتقٌّ من هذا؛ لأنّه إِذا شُوِيَ فكأنَّه قد أهين. فإن قال قائل: فينبغي أن يكون إِذا قُدِر وكبِّب([4]): شِواءٌ لأنَّه  قد أهين. قيل لـه: نحن نعلِّل ما يقوله العربُ حتَّى نردَّه إلى أصلٍ مطَّرد متّفَقٍ عليه، فأمَّا ما سوى ذلك فليس لنا ما نفعلَه. وتقول: شَوَيتُ اللَّحمَ شَيَّاً واشتويتُهُ، فأنا مشتوٍ. قال الشاعر:

* فاشتوَى ليلةَ ريحٍ واجْتَمَلْ([5]) *

ويقال انْشَوَى اللَّحم. قال:

قَد انشَوى شِواؤنا المرَعْبل([6]) *** فاقترِبوا إلى الغَداءِ فكلُوا

قال الخليل: الإشواء: الإبقاء أو في معناه([7])، حتى يقول بعضهم: تعشَّى فلانٌ فأَشْوَى من عَشَائِه، أي أبقى. قال:

فإنَّ من القول التي لا شَوى لها *** إِذا زلَّ عن ظهر اللِّسان انفلاتها([8])

أي لا بقيَّةَ لها. والأصلُ يَرجع إلى ما أصَّلناه.

(شوب) الشين والواو والباء أصلٌ واحدٌ، وهو الخَلْط. يقال: شُبْتُ الشيءَ أشوبُه شَوباً. قال أهلُ اللُّغة: وسمِّي العَسَل شَوباً، لأنَّه كان عندهم مِزاجاً لغيره من الأشربة. والشِّياب: اسمٌ لما يُمزَج به. ويقولون: ما عنده شوبٌ ولا رَوب. فالشَّوب: العَسَل. والرّوب: اللبن الرائب.

 

(شوذ) الشين والواو والذال ليس فيه إلاَّ المِشْوَذ، وهي العمامة. قال الوليد بن عقبة:

إِذا ما شددتُ الرأس مِنّي بِمشوذٍ *** فَغَيَّكِ مِنِّي تغلبَ ابنةَ وائلِ([9])

(شور) الشين والواو والراء أصلان مطَّردان، الأوَّل منهما إبداء شيء وإِظْهارُهُ وعَرْضه، والآخر أخْذ شيء.

فالأوَّل قولهم: شُرت [الدَّابّة([10]) ] شَوْراً، إِذا عَرضْتَها. والمكان الذي يُعْرض فيه الدَّوابّ هو المِشوار. يقولون: "إِيَّاكَ والخُطَبَ * فإنَّها مِشْوارٌ كثير

العِثار".

قال بعض أهل اللغة في قولهم شَوّرَ بِهِ، إذا أخجله: إِنما هو من الشُّوار، والشُّوار: فَرْج الرّجُل. ومن ذلك قولهم: أَبْدَى الله شُواره. قال: فكأنَّ قولَه شَوّر به، أراد أَبْدَى شواره حتَّى خَجِل.  قال: والشَّوار([11]): مَتاع البيت أيضاً. فإنْ كان صحيحاً فلأنَّه مِن الذي يُصان كما يصُون الرّجلُ ما عنده.

والباب الآخر: قولهم: شُرْت العسلَ أَشُوره. وقد أجاز ناسٌ: أَشَرْت العسَل، واحتجُّوا بقوله:

وَسَمَاعٍ يأذَنُ الشّيخُ لـهُ  *** وحديثٍ مثلِ ماذِيّ مُشَارِ([12])

[وقال الأصمعيّ: إنما هو "ماذيِّ مَشارِ"]([13]) على الإضافة. قال: والمَشار: الخليَّة يُشتار منها العَسَل.

قال بعض أهلُ اللُّغة: من هذا الباب شاورتُ فلاناً في أمري. قال: وهو مشتقٌّ من شَوْر العسل([14])، فكأنَّ المستشير يأخذ الرأيَ من غيره.

قالوا: ومما اشتُقّ من هذا قولهم في البعير: هو مُستشِير، وهو البعير الذي يعرف الحائلَ من غير الحائل. وأنشد:

أَفزَّ عنها كلَّ مستشيرِ *** وكلَّ بَكْرٍ داعِرٍ مِئْشِيرِ([15])

ويقال : بل هو السَّمين.

(شوس) الشين والواو والسين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على نَظَرٍ بتغيُّظ. من ذلك الشَّوَس: النَّظَرَ بأحد شِقَّي العين تغيُّظاً. ورجلٌ أشوسُ من قومٍ شُوس. ويقال هو [الذي ([16])] يصغِّر عينيه ويضمُّ أجفانه.

(شوص) الشين والواو والصاد أصلٌ يدلّ على زعزعةِ شيءٍ وَدَلْكِه. من ذلك الشَّوْص، وهو التسوُّك بالسِّواك. وفي الحديث: "أنَّه كان يَشُوص فاه بالسِّواك". وقال امرؤ القيس:

بأَسوَدَ ملتفِّ الغدائرِ واردٍ  *** وذي أُشُرٍ تَشُوصه وتمُوصُ([17])

والشّوْص: الدلْك، وقد يقال في الثَّوْب أيضاً. ويقال شاص الشيء، إِذا زَعزَعَه. وأما الشَّوْصة فداءٌ يقال إنَّه يتعقَّد في الأضلاع.

(شوط) الشين والواو والطاء أصلٌ يدلُّ على مضيٍّ في غير تثبُّت ولا في حَقٍّ. من ذلك قولُهم جَرى شَوطاً أي طَلَقاً. ويقولون للضَّوءِ الذي يدخل البيوتَ من الكُوّة: شَوط باطلٍ. وكان بعض الفقهاء يكره أن يقال: طاف بالبيت أشواطاً، وكان يقول: الشَّوط باطل، والطّوافُ بالبيت من الباقيات الصالحات.

(شوظ) الشين والواو والظاء كلمة واحدة صحيحة، فالشوَاظ: شُواظُ اللّهب من النار لا دُخانَ معه. قال تعالى: شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ[الرحمن 35].

(شوع) الشين والواو والعين أصلٌ يدل على انتشارٍ وتفرُّق. من ذلك: الشَّوَع، وهو انتشار الشَّعْر وتفرُّقه. والشُّوع: شَجَر([18]) ولَعله متفرِّق النبت.

(شوف) الشين والواو والفاء أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على ظهور وبُروز. من ذلك قول العرب: تَشَوَّفَت الأوعالُ، إذا عَلَتْ مَعاقل الجبال. ثم حُمِل على ذلك واشتُقَّ منه: تشوَّفَ فُلانٌ للشَّيء، إذا طَمَح به، ثمَّ قِيلَ لجَلْو الشيء شَوف. تقول: شُفْتُه أشوفُهُ شَوفاً. والمَشُوف: المجلُوّ. والدِّينار المَشُوف من ذلك. وفيه يقول عنترة:

* رَكَدَ الهواجرُ بالمَشُوفِ المُعْلَمِ([19]) *

وإِنَّما سمِّيَ ذلك شَوفاً لأنَّه يبرز به عن وجهِهِ ولونه. ويقال من ذلك: تشوَّفَت المرأةُ، إِذا تزيَّنَت. ويقال إنَّ الجَمل المَشُوف: الهائج. قال:

* مِثْلِ المَشُوفِ هَنَأْتَه بعَصِيمِ([20]) *

وقال قوم في البيت: إنَّما هو "المَسُوف" بالسين، وهو الفَحل الذي تَسوفُه الإِبل، أي تشمّه([21]). ويقال اشتافَ فلانٌ، إِذا تطاوَلَ ونظَر. وأشافَ على الشيء، إِذا أَوفَى عليه وأَشْرَفَ. ومن ذلك سُمِّي الطَّليعةُ الشَّيِّفَة.

(شوق) الشين والواو والقاف يدلُّ على تعلُّق الشّيء بالشيء، يقال شُقتُ الطُّنُب، أي الوتِد، واسم ذلك الخيط الشِّيَاق. والشَّوْق مثل النَّوْط، ثم اشتقَّ من ذلك الشَّوق، وهو نزاعُ النَّفْس إلى الشيء. ويقال شاقَنِي يَشُوقُني، وذلك لا يكون إلاَّ *عن عَلَق حُبّ.

(شوك) الشين والواو والكاف أصلٌ واحِدٌ يدلُّ على خشونةٍ وحدَّةِ طرَفٍ في الشّيء. من ذلك الشَّوك، وهو معروف. يقال شجرةٌ شَوِكَة وشائكة ومُشِيكة([22]). ويقال شاكَني الشّوكُ. وأَشَكْتُ فلاناً، إِذا آذَيتَه بالشَّوك. وشوَّكَ الفرخ، إِذا أَنْبَت([23]). ويشتقُّ من ذلك الشَّوْكة، وهي شدة البَأس. ويقال جاء بالشَّوك والشَّجر([24])، أي في العدد الجَمّ. ويقال بُرْدةٌ شَوكاء، وهي الخَشِنة المَسِّ من جِدّتها، وقيل هي الخشنة النَّسْج. ويقال: شَوَّكَ ثَديُ المرأةِ، إذا انتصب وتَحدَّد طَرَفه. ويقال شوَّك البعير، إِذا طالت أنيابُهُ.

(شول) الشين والواو واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الارتفاع. من ذلك شالَ المِيزان، إِذا ارتفعت إحدى كِفّتَيه. وأَشَلْت الشّيءَ: رفعتُهُ، والشَّول من الإِبل: التي ارتفت ألبانُها، الواحدة شائلة. والشوَّل: اللواتي تَشُول بأذنابها عند اللِّقاح، الواحدة شائل. وزعم قومٌ أنّ شَوّالاً سمِّي بذلك لأنَّه وافق وقتَ أن تشولَ الإبل. والشَّوْلة: نجم، وهي شَوْلة العقرب، وهي ذَنَبها. وتسمَّى العقربُ شَوّالة([25]). ويقال تشاوَلَ  القَومُ بالسِّلاح عند القتال، وذلك أَنْ يُشيل كلٌّ السِّلاح لصاحِبه. فأمَّا الماء القليل فيسمى شَولاً، لأنَّه إِذاً قد خف وسَرُع ارتفاعه وذهابه. قال:

* وصَبَّ رُواتُها أشوالَها([26]) *

ويسمَّى الخادم الخفيف في الخِدمة: شَوِلاً؛ لسرعة ارتفاعه فيما ينهض فيه.

(شوه) الشين والواو والهاء أصلان: أحدهما يدلُّ على قُبح الخِلقة، والثاني نوعٌ من النَّظَر بالعين.

فالأوّل الشَّوَه: قُبح الخلقة؛ يقال شاهَت الوجوه أي قَبُحت. وشوَّهه الله فهو مشوَّه. وفي الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم رَمَى المشركين بالتُّراب وقال: "شاهت الوُجوه". وأمَّا الفرس الشَّوهاء فالتي في رأسها طُول.

وأمّا الأصل الآخر فقالوا: رجل شائِهُ البصر، إذا كان حديد البصَر. ويقال شاهِي البَصَر أيضاً، وكأنه من المقلوب. ويقال الأشْوَه الذي يُصيب النَّاسَ بالعين. ويقولون: لا تَشَوَّه عَلَيَّ([27])، إِذا قال ما أحَسَنَك، أي لا تُصِبْني بعينك.

ومما شذّ عن الباب: الشَّاة. قالوا: أصل بنائها من هذا، يقال تشوَّهْت شاةً، أي أخذتها.

ــــــــــــــــــ

([1]) التكملة من اللسان (شوا) والمخصص (14: 29/ 15: 166). والبيان (3: 342).

([2]) الجمهرة (3: 430).

([3])  الشواية، بتثليث حركات الشين.

([4]) قدر: طبخ في القدر. كبب عمل كباباً، وهو ضرب من اللحم المقلي يعرفُ بالطباهجة. وفي الأصل: "كتب"، تحريف.

([5]) البيت للبيد في ديوانه 12 طبع 1881 واللسان (شرا). وصدره: * أو نهته فأتاه رزقه *.

([6]) في الأصل: "فلما انشوى"، صوابه من المجمل واللسان.

([7]) في المجمل: "وفي معناها".

([8]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 163، وأنشده في اللسان (شوا) بدون نسبة. وفي الأصل: "الذي لا شوى"، صوابه من المجمل واللسان والديوان.

([9]) أنشده في اللسان (شوذ) قال: "وكان قد ولي صدقات تغلب". وعقب عليه بقوله: "يريد غياً لك ما أطوله مني". في الأصل: "غيك عني".

([10]) التكملة من المجمل.

([11]) الشوار هذا بتثليث الشين.

([12]) لعدي بن زيد، كما في اللسان (شور، أذن)، برواية: "في سماع".

([13]) التكملة من المجمل. ونحوها في اللسان.

([14]) في الأصل: "شوار العسل"، تحريف.

([15]) الرجز في اللسان (شور).

([16]) التكملة من المجمل.

([17]) ماص الشيء يموصه: غسله.

([18]) في المجمل: "الشوع: شجر البان". وفي اللسان: "والشوع بالضم: شجر البان، وهو جبلي".

([19]) لعنترة في معلقته: وصدره: * ولقد شربت من المدامة بعدما  *

([20]) البيت للبيد في ديوانه 88 طبع 1880 واللسان (شوف). وصدره :

* بخطيرة توفي الجديل سريحة *.

([21]) في الأصل: "تسوقه الإبل أي تشبه"، تحريف.

([22]) وشاكة أيضاً.

([23]) وكذا في المجمل، وفي اللسان: "وشوك الفرخ تشويكا: خرجت رؤوس ريشه".

([24]) هذه العبارة بعينها في المجمل، ولم تذكر في اللسان والقاموس. وذكرها الزمخشري في أساس البلاغة.

([25]) في اللسان: "وشولة وشوالة: العقرب: اسم علم لها".

([26]) للأعشى في ديوانه 26 واللسان (شول). وهو بتمامه:

حتى إذا لمع الدليل بثوبه *** سقيت وصب رواتها أشوالها

([27]) تشوه أي تتشوه، بحذف إحدى التاءين، كذا ضبطت في الأصل والمجمل. ويقال أيضاً: لا تشوه، من التشويه. كما في اللسان.

 

ـ (باب الشين والياء وما يثلثهما)

(شيأ) الشين والياء والهمزة كلمةٌ واحدة. يقال شَيَّأ الله وجْهَه؛ إِذا دعا عليه بالقُبح. ووجهٌ مُشَيَّأٌ.وأنشد:

إِنَّ بَنِي فزارةَ بنِ ذُبيانْ ***

قد طَرَّقَتْ ناقتُهم بإنسانْ

مُشَيَّأٍ أعجِبْ بِخَلْقِ الرَّحمن([1])

(شيب) الشين والياء والباء. هذا يقرب من باب الشين والواو والباء، وهما يتقاربان جميعاً في اختلاط الشّيء بالشيء. من ذلك الشَّيب: شَيب الرأس؛ يقال شاب يَشيب. قال الكسائيّ: شيّب الحُزنُ رأَسَه وبرأسه، وأشابَ الحُزْن رأسَه وبرأْسه. والرجل إِذا شابَ فهو أَشْيَب. والشِّيب: الجبال يسقُط عليها الثلج، وهو من الشَّيْب. وقال الشاعر:

شيوخٌ تَشِيب إِذا ما شتَت  *** وليسَ المشيبُ عليها معيبا

يريد الجبال إِذا ابيضَّت من الثلج. ووجدت في تفسير شعر عبيد في قوله:

* والشَّيبُ شَينٌ لمن يشِيبُ([2]) *

أنَّ الشَّيب والمَشِيب واحد. قال: وقال الأصمعيّ: الشَّيب: بياض الشَّعر، والمشيبُ: دخولُ الرَّجُل في حدِّ الشِّيبِ من الرِّجال ذوي الكِبَر والشَّيب. وقال أيضاً في هذا الموضع: قال ابن السّكّيت في قول عديٍّ:

* والرأسُ قد شابَهُ المَشِيبُ([3]) *

أراد بَيّضه المَشيب، وليس معناه خالَطَه، وأنشد:

قد رابَه ولِمِثْلِ ذلك رابَهُ  *** وَقَعَ المَشيبُ على المشيبِ فشابَهُ([4])

أي بَيَّضَ مسوَدَّه. وشِيبان ومِلْحان: شهرا *قِماح، وهما أشدُّ الشتاء برداً؛ سمِّيا بذلك لبياض الأرض بما عليها من الصَّقيع.

ومما شذَّ عن هذا الباب قولُهم: باتت فلانة بليلةِ شَيْباءَ، إِذا افْتُضَّت. وباتَتْ بليلةِ حُرّةٍ، إِذا لم تُفْتَضّ.

(شيح) الشين والياء والحاء أصلان متباينان، يدلُّ أحدهما على جِدٍّ وحَذَرٍ، والآخر على إعراض.

فأمَّا الأوَّل فقول العرب: أشاحَ على الشيءِ، إِذا واظَبَ عليه وَجَدّ فيه قال الراجز:

* قُبَّاً أطاعَت راعياً مُشِيحاً([5]) *

وقال آخر:

* وشايَحْتَ قبل اليَومِ إِنَّكَ شِيحُ([6]) *

وأمَّا الشِّياح فالحِذَار. ورجل شائحٌ. وهو قوله:

* شايَحْن منه أَيَّما شِيَاحِ([7]) *

والمَشْيُوحاء: أَنْ  يكون القومُ في أمرٍ يَبْتَدِرونه؛  يقال هم في مَشْيُوحاءَ.

وأما الآخر فيقال: أشاحَ بوجهه، أي أعرض. ويقال إِنَّ اشتقاقَه من قولهم أشاحَ  الفرسُ بذنَبه، إذا أرخاه.

ومما شذَّ عن البابين جميعاً: الشِّيح، وهو نبتٌ.

(شيخ) الشين والياء والخاء كلمة واحدة، وهي الشَّيخ. تقول: هو شيخٌ، وهو معروف، بيِّن الشَّيخوخة([8]) والشَّيَخ والتّشييخ. وقد قالوا أيضاً كلمةً، قالوا: شَيَّخت عليه([9]).

(شيد) الشين والياء والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على رفعِ الشّيء. يقال شِدْت القَصر أَشِيدُهُ شَيْداً. وهو قصرٌ مَشِيدٌ، أي معمولٌ بالشِّيد. وسمِّي شِيداً  لأنَّ به يُرفَعُ البناء. يقال قَصرٌ مَشِيدٌ أي مُطَوّل. والإشادة: رفْع الصَّوت والتنويه.

(شيص) الشين والياء والصاد. يقال إنَّ الشِّيص أردأ التَّمْر.

(شيط) الشين والياء والطاء أصلٌ يدلُّ على ذَهاب الشيء، إمّا احتراقاً وإما غَيْرَ ذلك. فالشَّيْط مِنْ شاط الشَّيءُ، إِذا احترق. يقال شيَّطت اللَّحم. ويقولون: شَيَّطه، إذا دَخَّنه ولم يُنْضِجْه. والأوَّلُ أصحُّ وأقيَس.

ومن المشتقّ من هذا : استشاط الرَّجلُ، إذا احتدَّ غضَباً. ويقولون: ناقةٌ مِشياط، وهي التي يطير فيها السِّمَن.

ومن الباب الشَّيطان، يقارب الياء فيه الواو، يقال شَاط يَشِيط، إِذا بَطَل. وأشاطَ السُّلطانُ دمَ فلانٍ، إِذا أبطَلَه. وقد مضى الكلامُ في اشتقاقِ اسم الشَّيطان.

(شيع) الشين والياء والعين أصلان، يدلُّ أحدُهما على معاضدة ومساعفة، والآخر على بَثٍّ وإشادة.

فالأوّل: قولُهم شَيَّعَ فلانٌ فلاناً عند شُخوصه. ويقال آتِيكَ غداً أو شَيْعَه، أي اليوم الذي بعده، كأنَّ الثاني مُشَيِّع للأوّل في المضيّ. وقال الشّاعر([10]):

قال الخليطُ غداً تَصَدُّعُنا  *** أو شَيْعَه أفلا تُوَدِّعُنا

وقال للشجاع : المشيَّع؛ كأنَّه لقُوَّته قد قَوِي وشُيِّع بغيره، أو شُيِّع بقُوّة.

وزعم ناسٌ أنَّ الشَّيْعَ شِبل الأسد، ولم أسمْعه من عالمٍ سَماعاً. ويقول ناس: إنَّ  الشَّيْع المِقدار، في قولهم: أقام شهراً أو شَيْعَه. والصَّحيح ما قلته، في أنَّ المشيِّع هو الذي يُساعِد الآخَر ويقارنه. والشِّيعة: الأعوان والأنصار.

وأما الآخر [فقولهم] : شاع الحديث، إِذا ذاع وانتشر. ويقال شَيَّع الراعي إِبلَه، إِذا صاح فيها. والاسم الشِّيَاع: القصبة التي ينفُخُ فيها الراعي. قال:

* حنينَ النِّيبِ تَطربُ للشِّياع *

ومن الباب قولهم في ذلك: له سهم شائع، إذا كان غير مقسومٍ. وكأنَّ من لـه([11]) سهمٌ ونَصِيب انتشرَ في السَّهم حتَّى أخذه، كما يَشِيعُ الحديثُ في الناس فيأخذ سَمع كلِّ أحد.

ومن هذا الباب: شيَّعت النّارَ في الحطب، إِذا ألهَبْتَها.

(شيق) الشين والياء والقاف كلمة. يقال إنَّ الشِّيق الشّق الضّيق في رأس الجبل. قال:

* شغْواء تُوطنُ بين الشِّيقِ والنِّيقِ([12]) *

(شيم) الشين والياء والميم أصلان متباينان، وكأنَّهما من باب الأضداد إِذْ أحدُهما يدلُّ على الإظهار، والآخَر يدلُّ على خلافه.

فالأول قولهم: شِمْت السّيفَ، إذا سللَتَه. ويقال للتُّراب الذي يُحفَر فيستخرج من الأرض الشِّيمة، والجمع الشِّيَم.* ومن الباب: شِمْت البرقَ أشِيمُه شَيماً، إِذا رَقَبْتَه تنظر أينَ يَصُوب. وهذا محمول على الذي ذكرناه من شَيْم السَّيف. وقال الأعشى:

فقلتُ للشَّرْبِ في دَُرْنا وقد ثَمِلوا *** شيموا وكيف يَشيم الشَّارِبُ الثَّمِلُ([13])

كأنّه لما رَقَبَ السَّحاب شام بَرقَه كما يُشامُ السَّيف.

والأصل الآخَر: قولُهم شِمت السّيفَ، إِذا قَرَبْتَه([14]). ومن الباب الشِّيمة: خَلِيقة الإنسان، سمِّيت شيمةً لأنَّها كأنها مُنْشامة فيه داخلةٌ مستكِنّة. والانشيام: الدُّخول في الشيء؛ يقال: انشام في الأمر، إذا دخلَ فيه. والمَشِيمَة: غِشاءُ وَلَدِ الإنسان، وهو الذي يقال لـه مِنْ غيرِهِ السَّلَى. وسمِّيت بذلك كأن الولد قد انشام فيها.

فأمَّا الشَّامَة فيمكن أن يكون من الباب الأول؛ لأنَّها شيء بارزٌ، يقال منها رجلٌ أشيم، وهو الذي به شامة.

(شين): الشين والياء والنون كلمةٌ تدلُّ على خلاف الزينة. يقال شانَه خلافُ زانه. والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــــ

([1]) الرجز لسالم بن دارة، كما في الخزانة (1: 293).

([2]) ديوان عبيد بن الأبرص 6 والقصائد العشر 304 وصدره:

* إِما قتيل وإما هالك *

([3]) صدره في اللسان (شيب):  * تصبو وأنى لك التصابي*

على أنَّ الصواب نسبته إلى عبيد بن الأبرص. انظر المرجعين السابقين.

([4]) البيت في المجمل واللسان (شيب).

([5]) لأبي النجم العجلي، كما في اللسان (شيح).

([6]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 116، واللسان (شيح) وصدره:

* بدرت إلى أولاهم فسبقتهم *

([7]) لأبي السوداء العجلي، كما في اللسان (شيح). وقبله :

* إذا سمعن الرز من رباح *.

([8]) في المجمل: "الشيخ معروف، وهو بين الشيخوخة".

([9]) في المجمل: "وذكر أبو عبيد: شيَّخت عليه، أي عبت وشنعت".

([10]) هو عمرو بن أبي ربيعة. ديوانه 106 واللسان (شيع).

([11]) في الأصل: "وكأنَّه من الأول".

([12]) أنشده في اللسان (شيق).

([13]) البيت من معلقته المشهورة.

([14]) قرب السيف: جعله في قرابه، وهو الغمد.

 

 


ـ (باب الشين والهمزة وما يثلثهما)

(شأت) الشين والهمزة والتاء. إنَّ الشئِيت من الأفراس: العَثُور.

* كميتٌ لا أحَقُّ ولا شئِيتُ([1]) *

(شأز) الشين والهمزة والزاء أُصَيْلٌ يدل على قلق وتَعَادٍ([2]) في مكان. من ذلك المكان الشّأْز، وهو الخشِن المتعادِي. قال رؤبة:

* شأزٍ بمَنْ عَوَّه جدْبِ المنطَلَق([3]) *

ويقال أشْأَزهُ([4]) الشيءُ، إِذا أقْلَقَه.

(شأس) الشين والهمزة والسين، هو كالباب الذي قَبلَه، وليس يبعُد أن يكونَ من باب الإِبدال. فشأْسٌ: اسم رجل، والشَّأْس: المكان الغليظ.

(شأف) الشين والهمزة والفاء كلمةٌ تدل على البِغْضة. من ذلك الشّآفَة([5]) وهي البِغْضَة؛ يقال شأفْتُهُ شَأَفاً. قال: ومن الباب الشَّأْفة، وهي قَرْحة تخرج بالأسنان فتُكوَى وتذهب، يقولون: استأصَلَ الله شأفَته، يقال شُئِفَت رجلُه، فمعناه أَذْهَبَه الله كما أذهب ذاك. وإِنّما سمِّيت شأفةً لِمَا ذكرناه من الكراهة والبغضة.

(شأن) الشين والهمزة والنون أصلٌ واحد يدلُّ على ابتغاءٍ وطلب. من ذلك قولُ العرب: شَأنْتُ شأنَهُ، أي قصدت قصده. وأنشدوا:

يا طالبَ الجُودِ  إنَّ الجُود مكرُمةٌ *** لا البخلُ منك ولا من شأنك الجُودَا([6])

قالوا: معناه ولا من طلبك الجودَ.

ومن ذلك قولُهم: ما هذا من شأني، أي ما هذا مِنْ مَطْلَبِي والذي أبتغيه([7]). وأمّا الشؤون فَمَا بينَ قبائل الرأس، الواحد شأن. وإِنَّما سمِّيتْ بذلك لأنَّها مَجارِي الدَّمع، كأنَّ الدَّمعَ يطلبُها ويجعلُها لنفسه مَسِيلاً.

(شأو) الشين والهمزة والواو كلمتان متباعدتان جدّاً.

فالأول السَّبْق، يقال شأوته أي سَبَقْتُه.

والكلمة الأخرى الشَّأْوُ: ما يخرجُ من البئر إذا نُظِّفَت. ويقال للزَّبيل الذي يُخرَج به ذلك المِشْآة([8]).

(شأي) الشين والهمزة والياء كلمةٌ من باب الإِبدال، على اختلافٍ فيها. قال قوم: شأيت مثل شأوت في السَّبْق؛ يقال منه شأى واشتأى. [قاله المفضّل]([9]) وأنشد:

فأيِّهْ بكِنْدِيرٍ حِمار ابنِ واقِع *** رآكَ بِكِيرٍ فاشْتأَى من عُتَائِدِ([10])

وقال قوم: اشتأى: أشرفَ. والذي قاله المفضَّل أصوب وأقيَس.

(شأم) الشين والهمزة والميم أصلٌ واحد يدلُّ على الجانب اليَسار. من ذلك المشأمة، وهي خلاف الميمنة. والشَأم: أرضٌ عن مَشْأَمة القِبلة. يقال الشَّأمُ والشَّآم. ويقال رجل شآمٍ وامرأةٌ شآمِيَة. قال:

أُمِّي شآمِيَةً إِذْ لا عَرَاقَ لنا *** قوماً نودُّهُمُ إِذْ قومُنا شُوسُ([11])

ورجل مشؤوم من الشُّؤم.

ــــــــــــــــ

([1]) لرجل من الأنصار، أو عدي بن خرشة الخطمي. وقد سبق في (حق).

([2]) التعادي: التفاوت وعدم الاستواء. في الأصل: "ويقاد"، تحريف.

([3]) ديوان رؤبة 104. وأنشده في اللسان (شأز) بلفظ "شاز" بترك الهمز.

([4]) في الأصل: "الشأز"، تحريف وفي المجمل: "أشأزني".

([5]) شاهده قوله:

وما لشآفة في غير شيء *** إِذا ولى صديقك من طبيت

([6]) كتب تحت البيت في حاشية المجمل: "مفعول به، أعني الجودا".

([7]) ف ي الأصل: "والذي أبتغيه الجودا". وكلمة "الجود" مقحمة.

([8]) في الأصل: "الشاة"، صوابه من المجمل واللسان.

([9]) التكملة من المجمل. والكلام بعد يتطلبها.

([10]) كير: جبل في أرض غطفان. وعتائد: ماء بالحجاز.

([11]) البيت للمتلمس في ديوانه 5 مخطوطة الشنقيطي. أمي، أي اقصدي تلك الجهة الشآمية، يخاطب بذلك ناقته. وقد يكون فهم ابن فارس أن المتلمس عنى أن أمه شآمية، ولكني أجل قدره عن ذلك.

 


ـ (باب الشين والباء وما يثلثهما)

(شبث) الشين والباء والثاء أُصَيلٌ يدل على تعلق الشيءِ بالشيء. من ذلك قولُهم تشبّثْت، أي تعلّقت. ومن ذلك الشَّبَثُ، وهي دويْبَّة من أحْناش الأرضِ، كأنها تشبَّثت بما مرَّت. والجمع شِبْثَانٌ. قال:

* مدارجُ شِبْثانٍ لهنَّ هميمُ([1]) *

أي دبيب.

(شبح) الشين والباء والحاء أصلٌ صحيح يدلُّ على امتداد الشيء في عِرَض. من ذلك الشَّبَح، وهو الشَّخْص، سمِّي بذلك لأنَّ فيه امتداداً وعِرَضاً. والمشبوح: الرجلُ العُظَام. قال أبوذُؤَيبٍ الهذليّ:

* وذلك مشبوحُ الذِّراعينِ خلجمٌ([2]) *

وشبَحْتُ الشيءَ: مددتُه. و[من] ذلك شَبْحُه ذراعَيه في الدُّعاء وغيرِهِ. ويقال للحرباء إِذا امتدَّ على العود: قد شَبَحَ.

(شبر) الشين والباء والراء أصلان: أحدهما بعض الأعضاء، والآخر  الفَضْل والعطاء.

فالأول: الشِّبر: شِبر الإنسان، وهو مذكر، يقال: شَبَرْتُ الثّوبَ شَبراً. والشِّبر: الذي يُشبَر به. ويقال للرّجُل القصير المتقارِب الخلْق: هو قصير الشَّبر. والمَشَابِر: أنهارٌ تنخفض فيتأدَّى إليها الماء. وكأنَّها إِنما سمِّيت مشابِرَ لأنَّ عَرْضَها قليل.والأصل الثاني الشّبَرُ: الخير والفضل والعطاء. قال عديّ:

* لم أخُنْهُ والذي أَعطَى الشَّبَرْ([3]) *

ويقال : أَشْبَرتُه بكذا، أي خَصَصْتُهُ. ورُويَ عن بعضهم أنَّه قال: الشَّبَر: شيء يعطيه النّصارى بعضُهم بعضاً على معنى القُربان([4]). وليس هذا بشيء. وقياس الشَّبَر ما ذكرناه.

ومن الباب قولُهم: أعطاها شَبْرَها، وذلك في حقِّ النِّكاح إِذا أعطاها حقَّها. وجاء في الحديث أنَّه نهى عن شَبْر الجَمَل، وذلك كِراؤه والذي يُؤخَذ على ضرابه، وذلك كعَسْب الفحل. ويقال من الباب شُبِّرَ، إِذا عُظِّم.

(شبص) الشين والباء والصاد ليس بشيء. وحكى ابنُ دريدٍ([5]): الشَّبَص الخُشونة. وليس هو بشيءٍ. قال: ويقال: تَشَبَّصَ الشجر: دخل بعضُهُ في بعضٍ([6]).

(شبع) الشين والباء والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على امتلاءٍ في أكل وغيره. من ذلك شَبِعَ الرجل شِبَعاً وشِبْعاً، ورجلٌ شبعانُ. ثمَّ اشتُقَّ من ذلك أشبعت الثّوبَ صِبْغاً. ويقال امرأة شَبْعَى الخَلخال، أي ممتلئة، وذلك مِنْ كَثْرَة لحمِ ساقها. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "المتشبِّع بما ليس عنده كلابسِ ثَوْبَيْ زُورٍ"، يريد المتكَثِّر بما ليس عنده، وهذا مَثَلٌ، كأنَّه أرادَ: يُظهر شِبَعاً وهو جائع، وذلك كما تقول العرب: "تَجَشَّأَ لُقْمَانُ من غير شِبَع". ومن الباب قولُهم: [ثوبٌ([7])] شَبِيع الغَزْلِ، أي كثيرُهُ.

ومما يجري مَجرى التّشبيه من هذا الباب: قولهم: شبِعت من هذا الأمر ورَوِيت، وذلك [إِذا] كرهتَه.

(شبق) الشين والباء والقاف كلمةٌ واحدة: الشَّبَق، وهو شهوة النِّكاح.

(شبك) الشين والباء والكاف أصلٌ صحيح يدلُّ على تداخلُ الشيء. يقال شبَّكَ أصابعَهُ تشبيكاً. ويقال: بين القوم شُبْكَةُ نَسَبٍ، أي مُداخَلة. ومن ذلك الشَّبَكة.

(شبل) الشين والباء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على عطفٍ ووُدٍّ. يقال لكل عاطفٍ على شيء وادّ له: مُشْبِل. ومنه اشتقاق الشِّبْل، وهو ولد الأَسَد. لعطف أَبَوَيْه عليه. ويقال لبؤةٌ مُشْبِلٌ، إِذا كان معها أولادُها. وأشبلتِ المرأةُ، إِذا صَبَرتْ على أولادها فلم تتزوَّجْ. وقال الكميت:

* المُلَبْلِبُ والمُشْبِلُ([8]) *

وحكي عن الكسائيّ: شَبَلْت في بني فلانٍ، إِذا نَشَأتَ فيهم. وقد شَبَل الغلامُ أحْسَنَ الشُّبول، إِذا أدْرَكَ. وهذا على السَّعة والمجاز، لأنَّه يُشبَل عليه أي يُعطَف.

(شبم) الشين والباء والميم كلمتان متباينتان جدّاً. إحداهما الشَّبَم: البَرْد، والشّبِم : البارد. والأخرى الشِّبَام: خشبة تُعَرَّضُ في *فم الجدْي لئَلا يرضع، ثمّ يشبَّه بذلك فيقال الشِّبامان: خيطانِ في البرقع، تشدُّهما المرأةُ في قفاها.

(شبه) الشين والباء والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تشابُه الشّيء وتشاكُلِهِ لوناً وَوَصْفاً. يقال شِبْه وشَبَه وشَبيه. والشّبَهُ([9]) من الجواهر: الذي يشبه الذّهَب. والمُشَبِّهَات([10]) من الأمور: المشكلات. واشتبه الأمرانِ، إذا أَشْكَلاَ.

ومما شذ عن ذلك الشّبَهَانُ([11]).

(شبو) الشين والباء والحرف المعتل أصلان، أحدهما يدل على حَدٍّ وحِدّة، والآخر يدل على نَمَاءٍ([12]) وفضلٍ وكرامة.

فالشّبَاةُ حَدُّ كلِّ شيء شَبَاتُهُ، والجمع الشّبَا والشَّبَوَات. والشَّبْوَةُ([13]): اسم للعقرب، وإِنّما سمِّيت بذلك لِشَبَاةِ إِبْرَتها. قال:

* قد جَعلَتْ شَبْوَةُ تزبَئِرُّ([14]) *

وذكر اللِّحياني أنَّ الجاريةَ الفحّاشة يقال لها شَبْوة. وإِنّما سمِّيت بذلك تشبيهاً لها بالعقرب.

والأصل الآخر الإشباء: الإكرام: يقال أتى فلانٌ فلاناً فأَشْبَاهُ، أي أكرمَه. ويقال أَشَبَيْتُ الرَّجُلَ، إِذا رفعتَه للمجد والشّرف. قال ذو الإصبع:

وهم مَنْ ولدوا أَشبَوْا *** بسِرِّ النّسبِ المَحضِ([15])

والمُشْبِي: الذي يُولَد لـه ولدٌ ذكيٌّ، وقد أَشْبَى. وأَشْبَت الشَّجرةُ: طالت. ويقال أَشبَى فلاناً ولدُهُ، إِذا أَشْبهوه. وأنشدوا:

أنا ابنُ الذي لم يُخْزِنِي في حياته  *** قديماً ومن أشَبى أباه فما ظَلَمْ([16])

والله أعلم.

ـــــــــــــ

([1]) لساعدة بن جؤية في اللسان (شبث) وديوانه 230، وسيأتي في (هم). وصدره:

* ترى أثره في صفحتيه كأنه *.

([2]) صدر بيت لأبي ذؤيب في ديوانه 30. وعجزه: * خشوف إذا ما الحرب طال مرارها *.

([3]) قبله في اللسان (شبر): * إذا أتاني نبأ من منعمر *.

([4]) ذكر هذا المعنى في القاموس، ولم يذكر في اللسان.

([5]) الجمهرة (1: 291).

([6]) زاد بعده في الجمهرة: "لغة يمانية"، وكذا في اللسان.

([7]) التكملة من المجمل واللسان.

([8]) جزء من بيت له في اللسان (لبب، شبل). وسيأتي في (لب). وهو بتمامه:

ومنا إذا حزبتك الأمور *** عليك المبلب والمشبل

([9]) ويقال أيضاً الشبه بالكسر. وتحقيقه أنه ضرب من النحاس يلقى عليه مادة أخرى فيصفر ويشبه الذهب.

([10]) وكذا في المجمل مع هذا الضبط. وفي اللسان "المشتبهات". وفي القاموس: "وأمور مشتبهة ومشبهة، كمعظمة: مشكلة". فهن ثلاث لغات.

([11]) الشبهان: ضرب من العضاه أو من الرياحين.

([12]) في الأصل: "ماء"، تحريف.

([13]) في اللسان: "والنحويون يقولون: شبوة العقرب، معرفة لا تـنصرف، ولا تدخلها الألف واللام".

([14]) بعده في اللسان (شبا):

* تكسو استها لحماً وتقشعر *

([15]) سبق الكلام على هذا البيت في مادة (سر) ص 70.

([16]) في الأصل: "فقد ظلم"، وليس يقولها العرب.

 

ـ (باب الشين والتاء وما يثلثهما)

(شتر) الشين والتاء والراء يدلُّ على خرقٍ في شيء. من ذلك الشتَر في العين: انقلابٌ في جفنها الأسفل مع خرقٍ يكون. ويشتقُّ من ذلك قولهم: شَتَّر به، إِذا انتقصَه وعابَه ومزّقه.‏

(شتم) الشين والتاء والميم يدلُّ على كراهةٍ وبِغضة. من ذلك الأسد الشتيم، وهو الكريه الوَجه. وكذلك الحِمار الشتيم. واشتقاقُ الشتم منه، لأنَّه كلامٌ كريه.‏

(شتو) الشين والتاء والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ لزمانٍ من الأزمنة، وهو الشِّتاء: خلافُ الصَّيف. وهي الشَّتْوة، بفتح الشين. والموضع المَشْتاة والمَشْتَى. قال طَرَفة:‏

نَحْنُ في المشتاةِ نَدعُو الجَفَلَى *** لا تَرَى الآدِبَ فينا ينتقِرْ‏

وقال الخليل: الشِّتاء معروف، والواحد الشَّتوة. وهذا قياسٌ جيِّد، وهو مثل شَكوة وشِكاء. ويقال أشتى القوم، إِذا دخَلوا في الشتاء؛ وشَتَوا؛ إذا أصابهم الشِّتاء.‏

 

ـ (باب الشين والثاء وما يثلثهما)

(شثن) الشين والثاء والنون. الشَّثْن: الغليظ الأصابع. وكلُّ ما غلُظ من عُضوٍ فهو شَثْن. وقد شَثُن وَشَثِن. والله أعلم.‏

 

ـ (باب الشين والجيم وما يثلثهما)

(شجذ) الشين والجيم والذال كلمةٌ واحدة. يقال أشْجَذَت السماء، إِذا سَكَنَ مطرُها، قال امرؤُ القيس:

تُظهِرُ الوَدَّ إِذا ما أَشْجَذَتْ  *** وتُواريهِ إذا ما تَشْتكِرْ([1])

قال ابن دريد([2]):  "الوَدّ: جبلٌ معروف. وتشتكر: يشتدُّ مطرُها، من قولهم اشتكر الضَّرعُ، إِذا امتلأَ لَبَناً". وأَمَّا نُسختي مِن كتاب العين للخليل، ففيها أنَّ الشّين والجيم والذال مهمل، فلا أدرِي أهي سَقَطٌ في السَّماع، أم خفيت الكلمةُ على مؤلِّف الكتاب([3]). والكلمة صحيحة([4]).

(شجر) الشين والجيم والراء أصلان متداخلان، يقرُب بعضُهما من بعض، ولا يخلو معناهما من تداخُل الشيء بعضِه في بعض، ومن عُلُوٍّ في شيءٍ وارتفاع. وقد جمعنا بين فروع هذين البابين، لما ذكرناه من تداخُلِهما.

فالشَّجَر مَعروفٌ، الواحدةُ شَجرة، وهي لا تخلو من ارتفاعٍ وتداخُلِ أغصان. ووادٍ شَجِر([5]): كثير الشجر. ويقال: هذه الأرضُ أَشجَرُ من غيرها، أي أكثر شَجَراً. والشَّجَر: كلُّ نبتٍ لـه ساقٌ. قال الله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ} [الرحمن 6]. وشَجَرَ بين القوم الأمرُ، إِذا اختلف أو اختَلَفوا وتشاجَرُوا فيه، وسمِّيت مشاجرةً([6]) لتداخُلِ كلامِهم بعضِه في بعض.  واشتَجَروا: تنازَعوا. قال الله سبحانه وتعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء 65].

وأمَّا شَجْرُ الإنسان، فقال قوم: هو مَفْرَج الفم. وكان الأصمعيّ يقول: الشَّجْر الذَّقَنُ بعينه. والقولان عندنا متقاربان؛ لأنَّ اللَّحيين إِذا اجتمعا، فقد اشتجرا، كما ذكرناهُ من قياس الكلمة. ويقال اشتَجَرَ الرَّجُل، إذا وضع يده على شَجْرِهِ([7]). قال:

إِنِّي أَرِقْتُ فَبِتُّ اللّيلَ مشتجِراً    *** كأَنَّ عَيْنِيَ فيها الصَّابُ مذبوحُ([8])

ويقال: شجرتُ الشّيءَ، إِذا تدلّى فرفعتَه. والشَِّجار: خشب الهَوْدَج. والمعنيان جميعاً فيه موجودان، لأنّ ثمَّ ارتفاعاً وتداخُلاً. والمِشْجَر سمِّي مِشْجَراً لتداخُل بعضِهِ في بعض. وتشاجَرَ القومُ بالرِّماح: تطاعَنُوا بها. والأرض الشَّجْراء والشَّجِرةُ: الكثيرة الشجَر. قال ابنُ دريد: ولا يقال وادٍ شجراء.

(شجع) الشين والجيم والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على جُرأةٍ وإقدام، وربَّما كان هناك ببعض الطُّول، وهو بابٌ واحدٌ. من ذلك الرَّجُلُ الشجاع، وهو المِقدام، وجمعه شجْعةٌ([9]) وشجَعاء. قال ابن دريد([10]): "ولا تلتفت إلى قولهم شُجْعانٌ، فإنّه خطأ. قال أبو زيد: سمعت الكِلابيِّين يقولون: رجلٌ شُجاع، ولا يوصف به المرأة. هذا قول أبي زيد".

وحُدِّثْنا عن الخليل بإسنادِ الكتاب: رجلٌ شجاعٌ وامرأةٌ شُجاعة ونسوةٌ شُجاعات. وقد ذَكر أيضاً الشجعانَ في جمع شجاع. والشجاع: الحيَّة. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يجيءُ كَنْزُ أحدهم يومَ القيامة شُجاعاً أَقْرَعَ". فأمَّا الشَّجَع في الإِبل فقال قوم: هو سرعةُ نَقْلِ القوائمِ، ثم يقال جمل شَجِع وناقةٌ شجِعة. ويقال هو الطُّول، وأنشد:

فَرَكِبْناها على مَجهولها *** بِصِلاب الأرضِ فيهنَّ شَجَع([11])

ويقال: إنَّ الشَّجَع الجُنون. وقال أهلُ اللغة: وهذا خطأ، ولو كانَ الشَّجع جُنوناً [ما([12])] وصفَ قوائمها. والشَّجِعة من النِّساء: الجريئة. واللّـبُؤة الشجْعاء هي الجريئة، وكذلك الأسد أَشْجَع. فيقال إنَّ الأَشْجَعَ من الرِّجال: الذي كأَنَّ به جنوناً. والأشجع: العصب الممدود في الرِّجل فوق السُّلاَمَى.

(شجن) الشين والجيم والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على اتّصال الشيء والتفافِهِ. من ذلك الشِّجْنة، وهي الشجَر الملتفّ. ويقال بيني وبينه شِجْنةُ رَحمٍ، يريد اتّصالَها والتفافَها. ويقال للحاجة الشجَن، وإِنّما سمِّيت بذلك لالتباسها وتعلُّق القلبِ بها؛ والجمع شجون. قال:

* والنّفس شتَّى شجونُها([13]) *

والأشجان: جمع شجَن. قال:

لي شَجَنانِ شَجَنٌ بنجدِ *** وشجَنٌ لي ببلادِ الهِنْدِ([14])

والشواجن: أوديةٌ غامضة كثيرةُ الشجَر. وسمِّيت به لتشاجُنِ الشجَر. قال الطرمّاح:

كَظَهْرِ الّلأى لو تُبتَغَى  رَيَّةٌ بِها *** نَهاراً لعَيَّتْ في بطون الشَّواجِنِ([15])

(شجو/ي) الشين والجيم والحرف المعتل يدلُّ على شِدَّةٍ وصُعوبة، وأن يَنْشَب الشَّيءُ في ضيقٍ. من ذلك الشَّجْو: الحُزْن والهَمّ، يقال شجاه يشجوه. وشجاني الشيء، إِذا حَزَنَكَ([16]). والشَّجَى: ما نَشِبَ في الحَلْقِ من غُصَّةِ هَمٍّ. ومفازةٌ شَجْواء: ضيّقة المسلك.

(شجب) الشين والجيم والباء كلمتان، تدلُّ إحداهما على تداخلٍ، والأخرى تدلُّ على ذَهابٍ وبُطلان.

الأولى: قول العرب تشاجَبَ الأمر، إِذا اختلطَ ودخل بعضُهُ في بعض. قالوا: ومنه اشتقاق المِشجَب، وهي خشباتٌ متداخلة موثَّقة تُنصَب وتُنْشَر عليها الثِّياب. والشُّجُوب: أعمدةٌ من عَُمَُـد البيت. قال:

* وهُنَّ معاً قِيَامٌ كالشُّجُوبِ([17]) *

ويقال ـ * وهو ذلك المعنى ـ إن الشجاب السِّداد، يقال شجبه بشجابٍ، أي سدَّه.

وأمّا الأصل الآخر فالشجِب، وهو الهالك. يقال قد شَجِب. وقال:

فَمَنْ يَكُ في قتلِهِ يمترى  *** فإنَّ أبا نوفل قد شجِبْ([18])

وربَّما سمَّوُا المحزون شَجِباً. ويقولون شجَبَه، إِذا حَزَنه. وشجبه الله، أي أهلكه الله. قال ابن السِّكِّيت: شَجَبَهُ يَشْجُبُهُ شَجْبَاً، إِذا شغله، وأصل الشَّجْب ما ذكرناه، وكلُّ ما بعدَه فمحمولٌ عليه.

ـــــــــــــــ

([1]) ديوان امرئ القيس 143 واللسان (شجذ، شكر).

([2]) الجمهرة (2: 72).

([3]) في الأصل: "أعني سقط" الخ، والصواب ما أثبت. وفي المجمل: "فلا أدري أسقط من كتابي أم خفي على مؤلفه".

([4]) زاد في المجمل: "لا شك فيها".

([5]) المجمل: "شجير"،  وكلاهما صحيح. اللسان (شجر 62).

([6]) في الأصل: "مشاجرتهم".

([7]) في الأصل: "شجرة"، تحريف.

([8]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، في ديوانه 104 واللسان (شجر).

([9]) الشجعة، هذه بتثليث حركات الشين.

([10]) الجمهرة (2: 96).

([11]) البيت لسويد بن أبي كاهل اليشكري، في المفضليات (1: 188)، واللسان (شجع).

([12]) التكملة من المجمل.

([13]) البيت بتمامه، كما في اللسان رواية عن ابن بري:

ذكرتك حيث استأمن الوحش والتقت *** رفاق به والنفس شتى شجونها

([14]) وكذا في اللسان (شجن). وفي الصحاح: "ببلاد السند".

([15]) ديوان الطرماح 165 واللسان (شجن) برواية: "رية به". وسيأتي في (لأي).

([16]) في الأصل: "حزنه".

([17]) البيت لأبي رعاس الهذلي، أو أسامة بن الحارث الهذلي. انظر اللسان (شجب، هدن)، وملحق القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 110. وصدره:

* فسامونا الهدانة من قريب *

([18]) نسب لعنترة في شرح الحماسة للمرزوقي 420.


ـ (باب الشين والحاء وما يثلثهما)

(شحذ) الشين والحاء والذال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خِفَّة  وحِدّة. من ذلك شَحَذْتُ الحديدَ، إذا حَدَّدتَه. ويقال إنَّ المشاحيذ رؤوس الجبال، وإِنّما سمِّيت بذلك للحِدَّة التي ذكرنَاها. ومن الخِفّة قولهم للجائع: شَحْذان. ويقال إنَّ الشحْذان الخفيف في سَعيه.

(شحر) الشين والحاء والراء ليس بشيء، وهو لعلّه اسم بلد([1]).

(شحص) الشين والحاء والصاد كلمةٌ واحدة، يقال إنَّ الشحَص الشاةُ لا لبَنَ لها، ويقال هي التي لم يُنْزَ عليها قط. وفي كتاب الخليل: الشّحْصاء.

(شحط) الشين والحاء والطاء أصلان: أحدهما البُعد، والآخر اختلاطٌ في شيءٍ واضطراب.

فالأوّل: قولهم شَحَطَتِ الدّار تَشْحَطُ شَحْطَاً وشحوطاً، وهي شاحطة.

وأمّا الأصل الآخر فالشَّحْط، وهو الاضْطرابُ في الدَّمِ. ويُقال للولدِ إِذا اضْطربَ في السَّلى: هو يتشحط في دمه. ومنه اللّبن المشحوط، وهو الذي يُصَبُّ عليه الماء. ومن الباب: الشَّحْطَة: داءٌ يأخذ الإِبلَ لا تكاد أن تنجوَ منه. ومن الباب المِشحط: عُوَيدٌ يُوضَع عند قضيب الكرم يَقِيهِ الأرضَ.([2]) وقال قوم: إنَّ الشَّحْطَ ذَرْقُ الطّير. وأنشدوا:

ومُلْبِدٍ بين مَوْماةٍ بِمَهْلَكَةٍ *** جاوزتُهُ بِعَلاةِ الخَلْقِ عِلْيانِ([3])

كأنَّما الشحْط في أعلى حَمائره  *** سبائِب الرَّيْط من قَزٍّ وَكَتّانِ

فإن صح هذا فهو أيضاً من الاختلاط.

(شحم) الشين والحاء والميم أصلٌ يدلُّ على جِنسٍ من اللّحم. من ذلك الشَّحْم، وهو معروف. وشَحْمة الأُذُنِ: مُعَلَّق القُرْطِ. ورجلٌ مُشْحِمٌ كثير الشَّحْم، وإن كان يحبُّه قيل شَحِم، وإن كان يطعمه أصحابَه قيل شاحم، فإن كان يبيعه قيل شَحَّام.

(شحن) الشين والحاء والنون أصلانِ متباينانِ، أحدُهما يدلُّ على المَلء، والآخر على البُعْدِ.

فالأوّل قولهم: شَحَنْتُ السّفينةَ، إِذا مَلأتَها. ومن الباب أشحن فلان للبكاء، إِذا تَهيّأ لَهُ كأنَّه اجتمع له([4]).

وأما الآخر فالشَّحْن الطَّرْد، يقال شَحَنَهم إِذا طَرَدَهم. ويقال للشّيءِ الشديد الحموضة: إِنَّهُ لَيَشْحَن الذِّبّانَ، أي يطردُها، ومن الباب الشَّحْناء، وهي العداوة. وعدُوٌّ مشاحِنٌ، أي مُباعِد. والعداوةُ تَبَاعُدٌ.

(شحو/ي) الشين والحاء والحرف المعتلّ يدلُّ على أصلٍ، وهو فَتْحُ الشَّيء. فالشَّحْوَة: ما بينَ الرِّجلين إِذَا خَطَا الإنسان. ويقال للفَرَسِ الواسع الخَطْو: وهو بعيدُ الشَّحْوة. وشَحَا الرَّجلُ فاه. وشَحا الفمُ نفسُه. ويصلح في مصدرهِ الشَّحْيُ والشَّحْو. ويقال شَحَى اللِّجامُ فمَ الفرسِ شَحْياً. ويقال جاءت الخيل شواحِيَ، أي فاتحاتٍ أفواهَها. قال:

* شاحِيَ لَحْيَيْ قَعْقُعانيِّ الصَّلَقْ([5]) *

(شحب) الشين والحاء والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تغيُّر اللَّون، والمصدر منه الشُّحوب. يقال شَحَبَ وَشَحُب يَشْحَُب. ولونٌ شاحب. قال:

تقول ابنتي لمَّا رأتنيَ شاحباً *** كأنّك فينا يا أَباتَ غَرِيبُ([6])

ويقال، حكاه الدريدي: شَحَبتُ الأرضَ: قشرتُها. فإِذا كانت الرواية صحيحةً فهو القياس.

(شحج) الشين والحاء والجيم أصلٌ يدلُّ على صوتٍ. من ذلك شَحَجَ الغراب يَشْحَج، وكذلك البغل. [والبغال] بَناتُ شاحج([7]). ويقولون للحمار الوحشيّ مِشحج وشَحَّاج. والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــــــ

([1]) يعني (الشحر) بالكسر، وهو بلاد بين عدن وعمان.

([2]) في الأصل: "يقيد الأرض"، تحريف. وفي المجمل: "يقيه من الأرض".

([3]) البيتان في اللسان (بلد، علا، حمر)، وسبق إنشادهما في (بلد، حمر).

([4]) في الأصل: "أجمع له".

([5]) لرؤبة بن العجاج في ديوانه 106 واللسان (قعع).

([6]) البيت في اللسان (أبي 8، 10).

([7]) التكملة قبله من المجمل. وفي المجمل: "بنات شحاج". وفي القاموس أيضاً: "والبغال بنات شحاج ككتان"، ولم تذكر في اللسان (شحج)، وذكرت في (بني 14: 93)، قال: "وبنات شحاج: البغال". أما ابن سيده فقد ذكر في باب البنات من المخصص (13: 212) "ابن السكيت: بنات شحاج البغال، وبنات صهال الخيل". وكذا في المزهر: (1: 525).

 

ـ (باب الشين والخاء وما يثلثهما)

(شخر) الشين والخاء والراء. الأصل الصحيح يدلُّ على صوت. وقد حُكِيت فيه كلمةٌ أخرى إِنْ صحَّتْ.

فالأصل الشَّخير: تردُّدُ الصَّوت في الحَلْق. ويقال الشَّخير: رفْع الصوت بالنّخْر. وهذا  مشهورٌ.

والكلمة الأخرى قولهم إنَّ الشَّخير ما تحاتَّ من الجَبَل، إِذا وَطِئَتْه الأقدام. قال الشاعر:

بنُطفةِ بارقٍ في رأسِ نِيقٍ *** مُنيفٍ دونَها منه شَخير([1])

(شخز) الشين والخاء والزاء كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على عَنَاءٍ وأَذَىً. قالوا: الشَّخْز: المشقّة والعَناء. قال الراجز([2]):

* إذا الأمور أُولِعَتْ بالشَّخْزِ *

ويقال إنَّ الشّخْز الطّعْن.

(شخس) الشين والخاء والسين أصلٌ صحيح يدلُّ على اعوجاج وزوالٍ عن نهج الاستقامة. من ذلك الأسنان المتشاخسة، وذلك أن يَميل بعضُها ويسقُطَ بعضُها، ويكون ذلك من الهَرَمِ. قال الطرِمّاح:

* وَشَاخَسَ فاه الدّهرُ حتَّى كأنَّه([3]) *

ويقال ضربَه فتشاخَسَ، أي تمايل. وكلُّ متمايلٍ متشاخِس.

(شخص) الشين والخاء والصاد أصلٌ واحدٌ يدلُّ على ارتفاع في شيء. من ذلك الشّخص، وهو سوادُ الإنسان إذا سما لكَ مِن بُعد. ثم يحمل على ذلك فيقال شَخَصَ من بلدٍ إلى بلد. وذلك قياسُهُ. ومنه أيضاً شُخُوص البَصَر. ويقال رجلٌ شَخِيصٌ وامرأةٌ شَخِيصة، أي جَسيمة. ومن الباب: أَشْخَصَ الرّامي، إذا جاز سَهْمُه الغرضَ من أعلاه، وهو سهمٌ شَاخِص. ويقال، إذا ورد عليه أمر أقلقه: شُخِص به([4])، وذلك أنَّه إِذا قَلِقَ نَبَا به مكانُهُ فارتفع.

(شخل) الشين والخاء واللام ليس بشيء، وحكيت فيه كلمةٌ ما أراها من كلام العرب، على أنّها في كلام الخليل، قال: الشَّخْل: الغلام يصادق الرّجُل.

(شخم) الشين والخاء والميم كلمةٌ تدلُّ عَلَى تغيّرٍ في شيء. من ذلك: أشخم اللّبن، إِذا تغيّرت رائحتُهُ. وشَخِـُمَ الطَّعامُ: فَسَد([5]).

(شخب) الشين والخاء والباء أصيلٌ يدلُّ على امتدادٍ في شيءٍ يجري ويسيل. من ذلك الشُّخْب، وهو ما امتدَّ من اللّبَن حين يُحلَب. وشخَبتْ أوداجُ القَتْلَى دماً.

(شخت) الشين والخاء والتاء كلمةٌ واحدة، وهو الشيء الشّخْت، وهو الدقيقُ من خشبٍ وغيره. وقال:

وهل تَسْتوِي المُرّانُ تَخْطِرُ في الوَغَى *** وسَبعةُ عِيدانٍ من العوسج الشَّخْتِ

ـــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (شخر).

([2]) هو رؤبة بن العجاج. ديوانه 64، واللسان (شخر).

([3]) عجزه في الديوان 370 واللسان (شخس، نمس، كرص):

* منمس ثيران الكريص الضوائن *

([4]) في الأصل: "أشخص به"، صوابه من المجمل واللسان والقاموس.

([5]) في الأصل : "فيه". صوابه من المجمل واللسان والقاموس.

 

ـ (باب الشين والدال وما يثلثهما)

(شدف) الشين والدال والفاء يدلُّ على ارتفاعٍ في شيء. من ذلك الشَّدَف وهو الشَّخص، وقد قلنا إن الشَّخْصَ يدلُّ على سُمُوٍّ وارتفاع. وجمع الشَّدَف شُدوف. ومنه فرسٌ أشدفُ وشُنْدُفٌ. وناسٌ يقولون: الشَّدَف كالمَيل في أحد الشِّقَّيْن والصواب هو الأوّل، وهو أقْيَس. ويقال للقوس: الشَّدْفاءُ؛ لاعوجاجها.‏

(شدق) الشين والدال والقاف أصلٌ يدلُّ على انفراج في شيء. من ذلك الشِّدق للإنسان وغيره. والشَّدَق: سَعة الشِّدق. ورجلٌ أشدقُ، وخطيبٌ أشدَقُ. والأصل في ذلك شِدْقُ الوادي: عُرْضُه. ويقال نزلنا شِدْقَ العراق، أي ناحيتَه، وهو الشِّدْقُ(1).‏

(شدن) الشين والدال والنون أُصيل يدلُّ على صلاحٍ في جسم. يقال شَدَن الظبيُ يشدُن شدوناً، إذا صَلَحَ جسمه. ويقال للمُهْر أيضاً شَدَنَ. فإذا أفردْتَ الشادنَ فهو ولد الظّبْي. وظبيةٌ مُشْدِنٌ. فأمّا الشّدَنية فيقال إنّها المنسوبة إلى موضعٍ باليمن، قال عنترة:‏

هل تُبَلغَنِّي دارَها شَدَنِيَّةٌ *** لُعِنَتْ بمحروم الشَّرَابِ مُصَرَّمِ(2)‏

(شده) الشين والدال والهاء كلمة من الإبدال. يقال شُدِهَ الرجل مثل دَُهِش.‏

(شدو) الشين* والدال والحرف المعتلّ أصيلٌ يدلُّ على أخْذٍ بطَرَف من عِلم. من ذلك الشَّدْو، أنْ يحسِن الإِنسانُ من العلم أو غيره شيئاً. يقال يَشْدُو شيئاً من عِلْم. وقال بعضهم: كلُّ مَن عَلِم شيئاً واستدلَّ ببعضه على بعض فذلك الشَّدْو.‏

(شدح) الشين والدال والحاء ليس بشيء. وحُكي أنّ الشَّوْدَح: الطّوِيل من النُّوق. ويقال بل هي السَّريعة. وانشَدَحَ الرجل، إذا استلقَى على ظهره. وهذا ليس بشيءٍ، ولعلّه أن يكون انسدَح. وقد ذكرناه(3).‏

(شدخ) الشين والدال والخاء كلمةٌ تدلُّ على كسرِ شيءٍ أجوفَ. من ذلك شدخت الشيءَ شَدْخاً. والمُشَدَّخ: البسر يُغمَز حتى ينشدخ. ومن ذلك الغُرّة الشَّادِخة: التي تَغْشَى الوجهَ من أصل النّاصية إلى الأنف.‏

ـــــــــــــــــــ

(1) أي يقال بفتح الشين أيضاً. وذكر في القاموس لغة ثالثة، وهي "الشديق".‏

(2) البيت في معلقته المشهورة.‏

(3) انظر ما سبق في (سدح).‏

 


ـ (باب الشين والذال وما يثلثهما)

(شذر) الشين والذال والراء أصلان: أحدهما يدلُّ على تفرُّقِ شيءٍ وتميُّزِه. والآخَر على الوعيد والتسرُّع. من ذلك قولُ العرب: تفرّق القومُ شَذَر مذَر، إذا تبدَّدُوا في البلاد. ومنه الشُّذْرة: قطعة من ذَهَب.‏

وأمّا الأصل الآخَر فالتشذُّر، وهو كالنَّشاط والتسرُّع للأمر. وتشذَّرَ القومُ في الحرب: تطاوَلوا. وتشَذّرت النّاقة: حَرّكَتْ رأسَها فَرَحا. والتشذُّر: الوعيد؛ ومنه حديث سليمان بن صُرَد، أنَّه بلغه عن عليّ عليه السلام قولٌ "تَشَذَّرَ فيه(1)".‏

فأما قولهم إنّ التشذُّر الاستثفار بالثَّوب، فذلك من قياس الباب الذي ذكرناه، وكأنَّه وُصِف بالجِدّ في أمره فقيل تشذَّر. ومنه: أتَى فلان فرسَه فتشذَّره، أي ركِبه من ورائه.‏

(شذم) الشين والذال والميم ليس بشيء، وذكروا فيه كلمةً يقال إنّها من المقلوب. قالوا: الشَّيذمان الذي في قول الطرماح:‏

* فَرَاها الشَّيذُمانُ عن الجَنِينِ(2) *‏

يقال إنّما هو الشَّيْمُذان.‏

(شذي) الشين والذال والحرف المعتل أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على الحَدّ والحِدّة. يقال إنّ فيه شَذَاةً، أي حِدّةً وجُرأة. وقال الخليل: يقال للجائع إذا اشتد جُوعه: ضَرِم شَذاهُ(3). والشَّذَى: الأذى والشّرّ. ويقال إنّ الشَّذَا ذُباب الكَلْب. والشَّذا: كِسَرُ العُود، وأحسَبُه سمِّي بذلك لحِدّة رائحته. قال الشّاعر:‏

إذا ما مشَت نَادَى بما في ثيابِها *** رياحُ الشَّذا والمَنْدَليُّ المَطَّيرُ(4)‏

فأمّا الذي من السُّفُن يُعرف بالشَّذَا فما أُراه عربيّاً.‏

(شذب) الشين والذال والباء أصلٌ يدلُّ على تجريدِ شيءٍ من قِشره، ثم يُحمَل عليه. فالشَّذْب: قَشْر اللَّحم. وكلُّ شيءٍ نحَّيتَه عن شيءٍ فقد شَذَبته. ومن الباب: التَّشذيب: التقطيع. فأَمَّا الشوْذَب فمن هذا الباب أيضاً، وهو الطَّوِيلُ من كلِّ شيء، كأنّه في طوله مشذّب، أي مجرَّد؛ وإذا جُرِّد الشّيءُ من قِشرِه كانَ أظهَرَ لطُوله. وفرسٌ مشذّب: طويل، بمنْزلة الجذْع المشذّب.‏

ــــــــــــــــــ

(1) في اللسان: "بلغني عن أمير المؤمنين ذرء من قول، تشذر لي فيه بشتم وإيعاد، فسرت إليه جواداً. أي مسرعاً".‏

(2) صدره في الديوان 179 واللسان (شذم):‏  * على حولاء يطفو السخد منها *‏

(3) في الأصل: "ضرم شذواه"، صوابه من اللسان.‏

(4) هو العجير السلولي، أو عمرو بن الإطنابة. اللسان (شذا، طير).‏

 

ـ (باب الشين والراء وما يثلثهما)

(شرز) الشين والراء والزّاء أصلٌ يدلُّ على خلافِ الخَير، في جميع فروعهِ: من هلاك، ومنازَعة وغير ذلك. ومن ذلك قول العرب للعدوّ: أَشْرزَه الله، أي أهلكَه. ورماه بِشَرْزةٍ، أي مَهلكة. ويقال إنَّ المشارَزة كالمصاحبة والمنازعة. والمشارِز: الرجل السيِّئ الخلُق، الشَّديد الخَلْق.

ومن الباب : أَشْرزت [الشيء([1])]، إِذا قطعتَه فلم تصلْه.

(شرس) الشين والراء والسين أصلٌ قريبٌ من الذي قبله. من ذلك الشَّرْس: شِدّة الدَّعْكِ للشّيء. يقال شرَسْتُهُ شَرساً. والشَّريس: الشَّكِس الكثير الخِلاف([2]). ويقال تَشَارَسَ القومُ، إِذا تَعَادَوا([3]). ويقال إنَّ الشِّرْس نبتٌ بَشِع الطّعم. والأشرس: الرَّجُل الجريء على القتال. ويقال إن الشِّراس الرِّباق([4]).

(شرص) الشين والراء والصاد ما أحسب فيه شيئاً * صحيحاً، لأنِّي لا أرى قياسَهَ مطّرِداً. على أنَّهم يقولون إن الشِّرْصَتَيْن([5]): ناحيتا النّاصية مما رقَّ فيه الشَّعَر. ويقال لكلِّ ضخمٍ رِخْو: شِرْواص([6]). ويقال إنَّ الشَّرَص الغَلْظَ من الأرض.

(شرط) الشين والراء والطاء أصلٌ يدلُّ على عَلَمٍ وعلامة، وما قارب ذلك من عَلَم. من ذلك الشَّرَط العَلاَمة. وأشراط الساعة: علاماتُها. ومن ذلك الحديث حين ذكر أشراط الساعة، وهي علاماتها. وسمِّي الشُّرَط لأنّهم جعلوا لأنفسهم عَلامةً يُعرَفون بها. ويقولون: أَشرَطَ فلاَنٌ نفسَه للهَلكة، إِذا جعلَها عَلَمَاً للهلاك. ويقال أَشْرَطَ من إِبله وغنمه، إِذا أعدَّ منها شيئاً للبيع. قال الشاعر:([7])

فأَشْرَطَ فيها نفسَه وهو مُعْصِمٌ *** وألقى بأسبابٍ لـه وتوكُّلا

ومن الباب شَرْط الحاجم، وهو معلومٌ، لأنَّ ذلك علامةٌ وأَثَر. ويقال إنَّ أشراطَ السّاعة أوائِلُها. ومن الباب الشّريط، وهو خَيط يُرْبَق به البَهْم. وإِنّما سمِّي بذلك لأنَّها إذا رُبِطَتْ به صار لذلك أَثَر. ومن الباب الشَّرَط، وهو المَسِيل الصَّغير يجيء من قدر عشر أذرع، وسمِّي بذلك لأنَّه أثّر في الأرض كَشَرْط الحاجم.

ومن الباب الشَّرَطانِ : نجمانِ يقال إنَّهما قرنا الحَمَل، وهما مَعْلَمانِ مُشْتَهِران. ويقال جملٌ شِرواطٌ، أي ضَخْم. وإِنّما سُمِّيَ شِرواطاً لأنَّه إِذا كان مع إِبل تبيَّن كأنَّه عَلَم. قال حسّانٌ:

في نَدَامَى بيضِ الوجوهِ كرامٍ  *** نُبِّهُوا بعد هَجْعَةِ الأَشراطِ([8])

ففيه أقوال: قال قوم: أراد به الشّرَطينِ والثالثَ بين يديهما، ويكون على هذا قول من سمّى الثلاثة أشراطاً([9]). قال العجاج:

* من باكِرِ الأشراطِ أشْرَاطِيُّ([10]) *

وقال قوم: أراد بالأشراط الحَرَس. ويقال: الأشراط سِفْلة القوم. قال الشاعر:

أشاريط من أَشْراطِ أشراطِ طَيِّئٍ *** وكانَ أبوهُم أَشْرَطاً وابنَ أَشْرَطا([11])

ومن ذلك شَرَط المِعْزَى، وهي رُذَالُها، في قول جرير:

ترى شَرَطَ المِعْزَى  مُهورَ نسائِهمْ *** وفي شَرَط المِعزَى لهُنَّ مُهورُ([12])

وقال قوم: اشتقاق الشُّرَط من هذا لأنَّهم رُذَال. وقال آخرون: إِنَّما سُمُّوا شرَطاً لأنَّهم جَعَلوا لأنفسهم علامةً يُعرَفون بها، فأمَّا الشَّرَط التي هي الرُّذَال فإنّ وجهَ القياس فيها أنَّها تُشْرَط، أي تقدّم أبداً للنّوائب قبل الجُبار، فهي كالذي قُلْنَاهُ في قوله: "فأشرط فيها نَفْسَه"، أي جعلها عَلَماً للهلاك.

(شرع) الشين والراء والعين أصلٌ واحدٌ، وهو شيءٌ يُفتَح في امتدادٍ يكون فيه. من ذلك الشّريعة، وهي مورد الشَّارِبة الماء. واشتُقّ من ذلك الشِّرْعة في الدِّين، والشَّريعة. قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَاً}  [المائدة 48]، وقال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ}  [الجاثية 18]. وقال الشَّاعر في شريعة الماء:

ولمَّا رأتْ أنَّ الشَّرِيعة همُّها *** وأنَّ البياضَ من فرائِصها دامِي([13])

ومن الباب: أشرعت الرُّمَح نحوه إشراعاً. ورَّبما قالوا في هذا شَرَعْت. والإبْل الشُّرُوع: التي شَرَعَت ورَوِيَت. ويُقال أشرعْتُ طريقاً، إِذا أنفذتَه وفتحتَه، وشرعت أيضاً. وحِيتانٌ شُرَّع: تَخفِض رؤوسَها تشرب([14]). وشَرَعْت الإِبلَ، إِذا أمكنتَها من الشّريعة. هذا هو الأصل ثم حُمِل عليه كلُّ شيءٍ يُمدُّ في رفعةٍ وغير رفعة. من ذلك الشِّرَع، وهي الأوتار، واحدتها شِرْعة، والشراع جمع الجمع. قال الشاعر:

* كما ازدهرت قَينةٌ بالشِّراع([15]) *

ومن ذلك شِرَاع السَّفينة، وهو ممدودٌ في علوٍّ،  وشُبّه بذلك عنقُ البعير فقيل شرَعَ البعيرُ عنقَه. وقد مَدَّ شِراعَه إذا رفَعَ عُنقَه. وقيل في التَّفسير في قولـه تعالى: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً} [الأعراف 163]: إِنّها الرافعةُ رؤوسَها، ومنه قولهم: رُمْحٌ شُرَاعيٌّ، أي طويل، في قول الهُذَليّ([16]). ومن الفتح الذي ذكرناه أوّلاً روايةُ ابنِ السِّكّيت: شرعت الإهاب، إِذا شقَقتَ ما بين رِجلَيه.

(شرف) الشين والراء والفاء أصلٌ يدلُّ على علوٍّ وارتفاع. فالشَّرَف: *العُلُّوّ. والشريف([17]): الرجل العالي. ورجلٌ شريفٌ من قوم أشراف، يقال إِنَّه جمعٌ نادر، كحبيب وأحباب، ويتيم وأيتام. ويقال للذي غَلَبَهُ غيرُه بالشَّرَف مشروف. ويقال استشرفتُ الشّيءَ، إِذا رفعتَ بصرك تنظرُ إليه. ويقال للأنوف الأشراف، الواحدُ شرف. والمَشْرَف([18]): المكان تُشرِف عليه وتعلوه. ومشارف الأرض: أعاليها. والمشرفيّة: منسوبة إلى مَشَارف الشام. ويقال إنَّ الشُّرْفَة: خِيار المال، واشتقاقه من الشُّرْفة التي تُشَرَّفُ بها القصور، والجمع شُرَف. والمُستشرِف من الخيل: العظيم الطَّويل. قال الخليل: سهمٌ شارف: دقيق طويل، وأُذُنٌ شَرْفاءُ: طويلةُ القُوف([19]). ومَنْكِبٌ أشرفُ:عالٍ. فأَمَّا النّاقة الشَّارفُ فهي المُسِنَّة الهَرِمَة من الإِبل، وهذا ممكنٌ  أن يكون من العلوّ في السّنّ. وذُكِر عن الخليل أنَّ السَّهْم الشارف من هذا، وهو الذي طال [عهدُهُ] بالصِّيان([20]) فانتكث عَقَبُهُ وريشُهُ. قال أوس:

يُقلِّبُ سَهماً راشَهُ بمناكِبٍ  *** ظُهَارٍ لُؤامٍ فهو أعجفُ  شارفُ([21])

ويزعمون أن شُرَيْفَاً أطولُ جَبَلٍ في الأرض.

(شرق) الشين والراء والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إضاءةٍ وفتحٍ. من ذلك شَرَقَت الشّمسُ، إذا طلعت. وأشرقت، إذا أضاءت. والشُّرُوق: طُلوعها. ويقولون: لا أفعل ذلك ما ذرَّ شارقٌ، أي طَلَعَ، يُرَاد بذلك طُلُوع الشمس. وأيّام التَّشْريق سمِّيت بذلك لأنَّ لحوم الأضاحِي تُشرَّق فيها للشَّمس. وناسٌ يقولون: سمِّيت بذلك لقولهم: "أشرِقْ ثَبِير، لكيما نُغير". والمَشْرِقَانِ: مَشْرِقَا الصَّيفِ والشِّتاء. والشَّرْق: المَشْرِق. وقال قوم: إنَّ اللحمَ الأحمرَ يُسمَّى شَرْقاً.  فإنْ كان صحيحاً فلأنَّه من حُمرته كأنه مُشْرِق.

ومن قياس هذا الباب: الشّاةُ الشّرقاء: المشقوقة الأُذُن، وهو من الفَتح الذي وصفناه.

ومما شذَّ عن هذا الباب قولهم: شَرِقَ بالماء، إِذا غَصَّ به شَرَقَاً. قال عديّ:

لو بِغَيْرِ الماءِ حَلْقِي شَرِقٌ *** كنتُ كالغَصَّانِ بالماء اعتصارِي([22])

(شرك) الشين والراء والكاف أصلانِ، أحدُهما يدلُّ على مقارنَة وخِلاَفِ انفراد، والآخر يدلُّ على امتدادٍ واستقامة.

فالأول الشِّرْكة، وهو أن يكون الشيءُ بين اثنين لا ينفردُ به أحدهما. ويقال شاركتُ فلاناً في الشيء، إذا صِرْتَ شريكه. وأشركْتُ فلاناً، إذا جعلتَه شريكاً لك. قال الله جلَّ ثناؤهُ في قِصَّةِ موسى: {وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي} [طه 32]. ويقال في الدُّعاء: اللهم أشرِكْنا في دعاء المؤمنين، أي اجعلنا لهم شركاءَ في ذلك، وشَرِكتُ الرَّجُلَ في الأمرِ أشْرَكُه.

وأمّا الأصل الآخر فالشرَك: لَقَم الطّريق، وهو شِرَاكُه أيضاً. وشِرَاك النَّعْل مشبَّه بهذا. ومنه شَرَكُ الصّائِدِ، سمِّي بذلك لامتداده.

(شرم) الشين والراء والميم أصلٌ واحدٌ لا يُخْلف، وهو يدلُّ على خَرْقٍ في الشيء ومَزْق. من ذلك قولُهم: تشرّم الشيء، إذا تمزّق. ومنه الحديث: "أَنَّهُ أُتِيَ بِمُصْحَفٍ قد تَشَرَّمتْ حواشيه". ومن الباب الشّرِيم، وهي المرأة المُفْضاة. والشَّرْم: قَطْعٌ من الأرنبة، وقَطْعٌ من ثَفْر النَّاقة([23]). والشَّارم: السهم الذي يَشرِمُ جانبَ الغَرَض. ويقال شَرَم له من ماله، إِذا قَطَع له من ماله قطعةً قليلة. والشَّرْم يقال إِنّه لُجَّة في البحر. وسَمِعت مَن يقول إِن الشَّرْمَ كالخَرْق في جانب البحر، كالمدخَل إلى البحر. وهذا أقيَسُ من القول الأوّل. قال:

تَمنّيتُ مِنْ حُبِّي بُثينَة أنّنا  *** على رَمَثٍ في الشَّرْمِ ليس لنا وَفْرُ([24])

ويقال عُشْب شَرْمٌ، إِذا شُرِمَ أعلاه، أي أُكِل.

(شري) الشين والراء والحرف المعتل أصولٌ ثلاثة: أحدها يدلُّ على تعارضٍ من الاثنين في أمرين أخذاً وإِعطاءً مُمَاثَلةً، والآخر نبتٌ، و*الثالث هَيْجٌ في الشيء وعلُوّ.

فالأوّل قولهم: شَرَيت الشيء واشتريتُه، إِذا أخذتَه من صاحبه بثَمنه. وربما قالوا: شَريتُ: إِذا بعتَ. قال الله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف 20]. ومما يدلُّ على المماثلة قولهم: هذا شَرْوَى هذا، أي مِثْلُهُ. وفُلاَنٌ شَروَى فلانٍ. ومنه حديث شريح في قوسٍ كَسَرَها رجلٌ لرجُل فقال شُريح: "شَرواها" أي مثلُها. وأشراء الشيء: نواحيه، الواحد شَرىً، وسمِّي بذلك لأنَّه كالنّاحية الأخرى. والشِّرَى مقصور، يقال شَرَى الشيءَ شِرىً. وأمَّا النَّبْت فالشّرْيُ، يقال إِنّه الحنظل. ويقولون الشَّرْية: النَّخْلة التي تنبُت من النَّواة. قال رُؤبة:

* وشرية في قرية *

والشَّرَى : موضع كثير الدّغَل والأُسْدِ. قال:

أسودُ شَرَى لاقت أُسودَ خفِيَّةٍ *** تَسَاقَوْا على حَرْدٍ دِماءَ الأساوِدِ([25])

والشِّريان من شجر القِسِيّ.

والأصل الثالث: قولهم شَرِيَ الرّجلُ شَرَىً، إِذا استُطِيرَ غَضَبَاً، ويقال شَرِيَ البعيرُ في سيرهِ شَرىً، إِذا أسرع. وشَرِي البرقُ، إِذا استطار. قال الشاعر:

أصاحِ تَرَى البرقَ لم يغتمضْ *** يموتُ فُواقاً ويَشْرَى فُواقا([26])

ويقال استشرى الرجُل، إِذا لجَّ في الأمر. ويقال شَرِي زِمامُ النّاقة يَشْرى شَرىً، إِذا كثُر اضطرابُهُ. ويقولون: "كلُّ مُجْرٍ في الخَلاءِ يَشْرَى"([27]).

(شرب) الشين والراء والباء أصلٌ واحد منقاسٌ مطّرد، وهو الشُّرب المعروف، ثمّ يُحمل عليه ما يقاربُه مجازاً وتشبيهاً. تقول: شربت الماءَ أشرَبُهُ شَرْباً، وهو المصدر. والشُّرْب الاسم. والشَّرب: القوم الذين يَشْرَبون. والشِّرب: الحظُّ من الماء. قال الشاعر([28]) في الشَّرْب:

فقلتُ للشَّرب في درنا وقد ثَمِلُوا  *** شِيمُوا وكيف يَشِيم الشارب الثملُ

والشَّرَبَة: ماءٌ يجمع حول النَّخلة يكون منها شُربها، والجمع شَرَبٌ. والمَشْرَبة: الموضع الذي يَشْرب منه النّاس، وفي الحديث: "ملعونٌ من أَحاطَ على مَشْرَبةٍ". والمَشْرَب: الوجه الذي يُشرب منه، ويكون موضعاً ويكون مصدراً. والشَّريب: الذي يُشارِبُكَ. ويقال أَشْرَبتَنِي ما لم أَشْرَبْ، أي ادَّعيتَ عليَّ شُربَه، وهذا مَثَلٌ، وذلك إِذا ادَّعَى عليه ما لم يفعَلْه. وماء شَروبٌ وشَريبٌ، إذا صلَح أن يُشْرَبَ وفيه بعضُ الكراهة. والإشراب: لونٌ قد أُشْرِبَ من لَون، يقال: [فيه([29])] شُرْبَةُ حُمْرةٍ. ويقال أُشْرِبَ فلانٌ حبَّ فلانٍ، إِذا خالطَ قلبه. قال الله جلَّ ثناؤه: {وَأُشْرِبُوا في قُلُوبِهِمُ العِجْلَ}  [البقرة 93]، قال المفسرون حُبَّ العِجْل. قال الشيباني: الشَّرْب الفَهْم، يقال شَربَ يَشْرُب شَرْباً، إِذا فَهِم. ويقال اسْمَع ثم اشْرُبْ([30]). والشاربة: القوم يكونون على ضَفّةِ نهر، ولهم ماؤُه. وشارب الإنسان معروف، ويجمع على شواربَ. والشَّوارب أيضاً: عروقٌ مُحدقةٌ بالحُلْقوم. وحمارٌ صَخِب الشَّوارب من هذا، إِذا كان شديدَ النَّهيقِ. والشارب في السيف([31]).

وأمّا اشرأبَّ فليس ببعيدٍ أن يكون من هذا القياس كأنّه كالمتهيِّئ للشُّرب، فيمدُّ عنقَه لـه. ثم يقاس على ذلك فيقال اشرأبّ لينظر شُرَأْبِيبَةً. وإنمّا زيدت الهمزةُ فرقاً بين المعنيين. وشَرَبَّةُ: مكان.

(شرث) الشين والراء والثاء أصلٌ واحدٌ، وهو الشَّرَث، وهو غِلظ الأصابع والكَفّيْن.

(شرج) الشين والراء والجيم أصلٌ منقاس يدُلُّ على اختلاطٍ ومُداخَلة. من ذلك الشَّرَجُ وهي العُرَى، سُمِّيت بذلك لأنّها تتداخل. ويقال شَرَجْتُ اللَّبنَ ، إِذا نضَدْته. ويقال شَرَّجْتُ الشرابَ، إِذا مَزَجْتَه. ويقال: إنَّ الشَّريجة القوسُ يكون عودُها لونَين. ويقال تَشَرَّجَ اللّحمُ باللّحمِ، إِذا تداخَلاَ. هذا هو الأصل. قولهم: أصبَحَ الناسُ في هذا الأمر شَرْجَيْنِ، فيُظَنُّ  أنّهم أصبحوا فِرْقَين. وهذا كذا يقال، وهو يرجع إلى المعنى الذي ذكرناه؛  لأنهم إذا اختلفوا اختلَطَ * الرّأيُ  والكلامُ وصارت مراجعاتٌ، كما قال زُهير:

رَدَّ القِيانُ جِمَالَ الحيِّ فاحتملوا  *** إلى الظهيرة أمرٌ بينَهمْ لَبِكُ([32])

وأمّا شَرَج الوادي فمنفَسَحُه، والجمع أشراج.

(شرح) الشين والراء والحاء أُصَيْلٌ يدلُّ على الفتح والبيان. من ذلك شرحت الكلام وغيرَهُ شَرْحاً، إِذا بيَّنتَه. واشتقاقهُ من تشريح اللحم.

(شرخ) الشين والراء والخاء أصلان: أحدهما رَيْعان الشيء، وذلك يكون في النّتاج في غالب الأمر. والآخَر يدلُّ على تساوٍ في شيئين متقابلين.

فالأوّل شَرخ الشّباب: أوّلُه ورَيْعانه. وشَرخُ كلِّ سنةٍ: نِتاجها من أولاد الأنعام. وقد شَرَخَ نابُ البعيرِ، إذا شقَّ البَضْعة وخرج. وقال الشاعر([33]):

إنَّ شَرخَ الشَّبابِ والشَّعَرَ الأسـ *** ـودَ ما لم يُعَاصَ كان جُنونا

والأصل الآخر: الشَّرْخانِ، يقال لآخِرةِ الرّحْل وواسطتِه شَرخانِ. وَشَرْخَتَا السَّهمِ: زَنَمَتَا فُوقِه([34])،  و[هو([35])] موضِعُ الوتر بينهما.

(شرد) الشين والراء والدال أصلٌ واحدٌ، وهو يدلُّ على تنفيرٍ وإِبعاد، وعلى نِفَارٍ وبُعدٍ، في انتشار. وقد يقال للواحد([36]). من ذلك شَرَد البعيرُ شُرودا. وشَرّدْتُ الإبلَ تشريداً أُشرِّدُهَا. ومنه قوله جلَّ ثناؤه:{فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}  [الأنفال 57]، يريد نكِّل بهم وسَمِّع. وهو ذلك المعنى، أنَّ المُذْنِب إذا أَذْنَبَ وعُوقِبَ عليه، فقد شُرِّدَ بتلك العقوبة غيرُهُ، لأنَّه يحذرُ مثلَ ما وقع بالمذْنِبِ فَيَشْرُد عن الذَّنْبِ وَينْكُلُ. والله أعلم.

ــــــــــــــ

([1]) التكملة من المجمل. وقبلها في الأصل: "شرزت"، صوابه من المجمل.

([2]) ويقال: "شرس" و"أشرس" أيضاً.

([3]) في الأصل:" تهادوا"، صوابه من المجمل واللسان.

([4]) كذا وردت الكلمة بضبطها في الأصل. فإن صحت كانت جمع ربق، بالكسر، وهو الحبل والحلقة  يشد بها الغنم الصغار.

([5]) في الأصل:" الصرشصتين"، صوابه في المجمل واللسان.

([6]) ذكرت في القاموس، ولم تذكر في اللسان.

([7]) هو أوس بن حجر. ديوانه 21 واللسان (شرط، عصم).

([8]) ديوان حسان 235 واللسان (شرط). وفي الديوان: "خفقة الأشراط".

([9]) في المجمل: "وعلى ذلك تأويل من يسمي تلك الثلاثة أشراطاً".

([10]) ديوان العجاج 69 واللسان (شرط).

([11]) أنشده في اللسان (شرط).

([12]) ديوان جرير 266 واللسان (شرط).

([13]) البيت لامرئ القيس، وليس في ديوانه، هو في معجم البلدان، في رسم (ضارج) مع قصة تتعلق به.

([14]) في المجمل: "والحيتان الشرع: الرافعة رؤوسها، ويقال بل الخافضة".

([15]) سبقت قطعة منه في (زهر)، وتمام إنشاده في الحواشي.

([16]) هو قول ساعدة بن جُؤَيَّة:

أنحى عليها شُرَاعيَّاً فغادرها  *** لدى المزاحِفِ تلَّى في نضوخ دمِ

([17]) في الأصل: "والشرف"، صوابه في المجمل.

([18]) ضبطت في اللسان بضم الميم، من أشرف. وضبطت في المجمل بفتحها.

([19]) قوف الأذن، بضم القاف، أعلاها، أو مستدار سمها. وفي الأصل: "الفوق"، تحريف. وفي المجمل: "طويلة" فقط.

([20]) الصيان والصيانة والصون والحفظ بمعنى. وفي الأصل: "بالصبيان"، صوابه في المجمل. وفي اللسان:

(11: 74): "بالصيانة". وكلمة "عهده" من المجمل.

([21]) ديوان أوس بن حجر 16 واللسان (شرف).

([22]) اللسان (عصر، شرق)، والحيوان ( 5: 138، 593)،  والأغاني (2: 24).

([23]) في الأصل: "من فقر الناقة"، تحريف. وفي المجمل: "قطع الأرنبة وثفر الناقة".

([24]) البيت لأبي صخر الهذلي من قصيدة في بقية أشعار الهذليين 93، وأمالي القالي (1: 148). ويروى: "على رمث في البحر".

([25]) هو الأشهب بن رميلة، كما في البيان (2: 242)، والكامل 33، 348 والعقد (1: 53)، واللسان (حرد). وانظر الحيوان (4: 245).

([26]) البيت في اللسان (شرى).

([27]) المعروف: "كل مجر في الخلاء يسر". انظر الحيوان (1: 88/ 4: 207).

([28]) هو الأعشى، ديوانه 43، وشرح القصائد العشر للتبريزي 283، وقد سبق في (شيم).

([29])  التكملة من المجمل. وفي اللسان (1: 473): "وفيه شربة من حمرة، أي إشراب".

([30]) في اللسان: "ويقال للبليد: احلب ثم اشرب، أي ابرك ثم افهم. وحلب، إذا برك".

([31]) في اللسان: "الشاربان في السيف أسفل القائم، أنفان طويلان، أحدهما من هذا الجانب والآخر من هذا الجانب".

([32]) ديوان زهير  164 واللسان (لبك). واللبك: المختلط.

([33]) هو حسان بن ثابت. ديوانه 413 واللسان (شرخ)، والحيوان: (3: 108 / 6: 244).

([34]) في الأصل: "وشرختا السهم زينا فوقه". صوابه من المجمل، ونحوه في اللسان.

([35]) التكملة من المجمل.

([36]) كذا وردت هذه الجملة، وأراها مقحمة.

 


ـ (باب الشين والزاء وما يثلثهما)

(شزغ) الشين والزاء والغين ليس بشيء. ويقولون إنَّ الشِّزْغ الضِّفْدَع. وهذا ممّا لا معنَى له.‏

(شزن) الشين والزاء والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على امتدادٍ في شيء، من ذلك قولهم للأرض الغليظة شَزَنٌ(1). ويقولون: تَشَزَّنَ الشَّيء، إِذا امتدَّ. فأمَّا قولهم نَزَلَ شَُـزَُناً من الدار، أي ناحيةً، فهو قريبٌ من الذي ذكرناه. قال ابن أحمر:‏

* فلا يَرمين عَنْ شُزُنٍ حَزِينَا(2) *‏

ويقولون إن الشَّزَنَ الإِعياء من الحَفَا(3)، وذلك ممّا يشتدُّ على الإنسان.‏

(شزب) الشين والزاء والباء ليس بأصلٍ، لأنَّه من باب الإِبدال. ويقال للشيء إذا يَبِس: شَزَب، والزاء مبدلةٌ من السين، وقد ذُكِرَ في موضعه. وربّما قالوا: مكان شازِبٌ، أي جافٍ(4) صُلب.‏

(شزر) الشين والزاء والراء أصلٌ صحيحٌ مُنْقَاس، يدلُّ على انفتالٍ(5) في الشيء عن الطريقة المستقيمة. من ذلك قولُهم: نظر إليه شَزْرَاً، إِذا نظر بِمُؤْخِر عينهِ متبغِّضاً. والطَّعنُ الشَّزْر: الذي ليس بِسَحِيج الطّريقة. والحبل المَشْزُور: المفتول مما يلي اليَسار.‏

فأَمّا أبو عبيد فقال: طَحَنَ بالرَّحَى شَزْراً، إذا ذَهَبَ بيدِهِ عن يمينه، وَبَتّا(6)؛ إذا ذهب عن شِماله.‏

ــــــــــــــــــ

(1) في الأصل: "شُزْن وشَزْن"، بضم الشين في الأولى وفتحها في الثانية مع إسكان الزّاي فيهما. ولم أجد لذلك سنداً. وأثبت ما في المجمل واللسان والقاموس وسائر المعاجم المتداولة.‏

(2) صدره في اللسان (شزن) ومجالس ثعلب (262): *ألا ليت المنازل قد بلينا*‏

وفي الأصل: "من شزن"، صوابه في المجمل والمرجعين السالفين.‏

(3) في الأصل: "من الجفاء"، صوابه من المجمل واللسان. وفي اللسان: "شزنت الإبل شزناً: عيت من الحفاء".‏

(4) كذا ورد ضبطه في الأصل. والجفوة من لوازم اليبس أيضاً. ويصح أن تقرأ من الجفوف.‏

(5) الانفتال: الانصراف. وفي الأصل: "القتال"، تحريف.‏

(6) في الأصل: "تبا"، صوابه بتقديم الباء كما في المجمل واللسان (بتت).‏

 

ـ (باب الشين والسين وما يثلثهما )

(شسع) الشين والسين والعين يدلُّ على أمرين: الأَوَّلَ قلّةٌ والآخرَ بُعد.‏

فالأوّلُ: قولُ العربِ: له شسْعٌ من المال، أي قليل. ولعل شِسْعَ النَّعل من ذلك، لقلَّته. يقال شَسَّعْتُ النَّعلَ.‏

والآخَر: الشاسع: البعيد. وَقَدْ شَسَعت الدّارُ. وذكر ابن دريد كلمةً إن صحَّتْ فهو من القياس. قال: يقال شَسِعَ [الفرس(1)]، إِذا كان بين ثناياه انفراج.‏

(شسف) الشين والسين والفاء يدلُّ على قَحَل ويُبْس. يقال للشيء القاحل شاسف، وقد شَسَفَ يَشْسِف. ولحم شسيفٌ: قد كادَ يَيْبَس.‏

(شسب) الشين والسين والباء هو من الذي قبله. يقال شَسِبَتِ القَوس، إذا قُطِعت حتَّى يذبُل قضيبها.‏

ـــــــــــــــــ

(1) التكملة من المجمل وجمهرة ابن دريد (3: 23).‏

 


ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف وأوله شين)

فأوَّلُ ذلك: (الشَّرْجَب)، وهو الطّويل. فالراء فيه زائدةٌ، وقد قلنا إنَّ الشُّجوب أعمِدة البُيوت، فالطويل * مشبَّه بذلك العمودِ الطويل.‏

ومنه (الشَّوْقَب) والواو زائدة، وقد مضى ذكره.‏

ومن ذلك قولهم: (شَبْرَقْتُ) اللّحمَ، إِذا قَطّعته، فالقاف منه زائدة، كأنّك قَطّعتَه شِبراً شِبرا. وشَبْرَقْتُ الثّوبَ، إِذا مَزّقتَه.‏

ومن ذلك (الشَّفَلَّحُ): العظيم الشّفتين. وهذا ممّا يزيدون فيه للتقبيح والتّهويل. وإلاَّ فالأصل الشَّفَة، كما يقولون: الطِّرِمَّاح، وإِنّما هو من طرح، وقد ذكرنا مِثْله.‏

ومن ذلك (الشُّمْرُج): الرَّقيق من الثِّياب وغَيره في قول القائل(1):‏

* غَداةَ الشّمالِ الشُّمرُجُ المتنصَّحُ(2) *‏

فهذا مما زِيدت فيه الرّاء. وقد قلنا إِنّهم يقولون: شَمَجَ الثّوبَ، إِذا خاطَ خياطةً متباعدة. فهذا إذا رقَّ فكأنَّ سِلكَه يتباعد بعضُه عن بعض.‏

ومن ذلك (الشَّرَنْبث): الغليظ الكفَّين. والأصل الشَّرَثُ، وهو غِلظ الأصابعِ والكَفّينِ، وزيدت فيه الزِّيادات للتقبيح.‏

ومن ذلك (الشَّماريخ): رؤوس الجِبال، فالراء فيه زائدة، وإِنّما هو من شَمَخ، إِذا عَلا.‏

ومن ذلك (الشَّناعِيف)، الواحد شِنْعَاف، وهي رؤوسٌ تخرُج من الجبل. وهذا منحوتٌ من كلمتين، من شعَف ونعَف. فأمَّا الشَّعَفة فرأسُ الجبل، والنَّعْف: ما ينسدُّ بين الجبلين، وقد ذكر في النون.‏

ومن ذلك (الشُّرْسُوف)، والجمع الشَّراسِيف، وهي مَقَاطُّ الأضلاع حيث يكون الغُضْرُوف الدَّقيق. فالرَّاء في ذلك زائدة، وإِنّما هو شسف، وقد مرَّ.‏

ومن ذلك (الشِّرْذِمة)، وهي القليل من الناس، فالذّال زائدة، وإِنّما هي من شَرَمْتُ الشَّيء، إذا مَزَّقْتَه، فكأنَّها طائفةٌ انمزَقَت وانمارت عن الجماعة الكثيرة. ويقال ثوب (شَرَاذِمُ) أي قِطَعٌ.‏

ومن ذلك (الشَّمَيْذَر)، وهو الخفيف السَّريع. وهذا منحوتٌ من كلمتين من شمذ وشمر، وقد مر تفسيرهما.‏

ومن ذلك (الشِّنذارة): الرَّجل المتعرِّض لأعراض الناس بالوقيعة(3)، والنون فيه زائدة، والأصل التشذر الوَعيد، وقد مضى، ثمَّ أُبْدِلت الذَّالُ ظاءً فقيل (شِنْظِيرة)، وقد (شَنْظر شَنْظَرةً).‏

ومن ذلك (الشُّبْرُمُ) وهو القَصير من الرجال، والميم فيه زائدة كأنَّه في قدر الشِّبرْ.‏

ومن ذلك (الشَّمَرْدَل): وهو الرَّجل الخفيف في أمره، ويقال [الفتيُّ القويُّ من الإِبل(4)]. وأيَّ ذلك كانَ، فهو من شَمر.‏

فأمَّا ما يقال، أن (الشَّناتِر) الأصابعُ بلغة اليمانيِّين فلعل قياسهم غيرُ قياس سائر العرب، ولا معنى للشُّغْل بذلك.‏

ومما وُضعَ وضعاً (شَمَنصير)، وهو موضع، قال:‏

مستأرضاً بين بَطنِ اللَّيثِ أيمَنُهُ *** إلى شَمَنْصِيرَ غَيثاً مرسَلاً مَعِجا(5)‏

(تم كتاب الشين)‏

ــــــــــــــ

(1) هو ابن مقبل: كما في ديوانه 36 واللسان والصحاح (شمرج)، واللسان والتاج (نصح).‏

(2) صدره:‏  * ويرعد إرعاد الهجين أضاعه *.‏

(3) فسر في اللسان بأنه الغيور، ويقابله في المجمل: "الشنظير: الفاحش". وفي القاموس: "رجل شنذارة: غيور أو فاحش، كشنذيرة".‏

(4) التكملة من المجمل.‏

(5) البيت لساعدة بن جُؤَيَّة الهذلي. اللسان (معج، شمصر). وقصيدته في القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 37، وشرح السكري للهذليين 87. وسيأتي في (ليث).‏

 


كتاب الصَّاد:

ـ (باب الصاد وما معها في الذي يقال في المضاعف والمطابق)

(صع) الصاد والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على تفرُّق وحرَكة. يقال تصعصع القومُ، إذا تفرَّقوا. قال الخليل: يقال ذهبت الإبل صَعاصِعَ، أي فِرَقاً. ويقولون: صَعْصَعْتُ الشّيءَ فَتَصَعْصَع، وذلك إِذا حرّكتَه فتحرّك.

(صف) الصاد  والفاء  يدلُّ على أصلٍ واحدٍ، وهو استواءٌ في الشيء وتساوٍ بين شَيئين في المَقَرّ. من ذلك الصَّفُّ، يقال وقفَا صفَّاً، إِذا وَقَفَ كلُّ واحدٍ إلى جنْب صاحبه. واصطفَّ القومُ وتصافُّوا. والأصل في ذلك الصَّفْصَف، وهو المستوي من الأرض، فيقال للمَوقِف في الحرب إِذا اصطفَّ القومُ: مَصَفٌّ، والجمع المصافّ. والصَّفوف: النّاقة التي تَصُفُّ، أي تجمع بين مِحْلَبَين في حَلْبة. والصَّفُوفُ أيضاً: التي تصفُّ يدَيْها عند الحَلَب.

وممّا شذَّ عن الباب، وقد يمكن أن يُتطَلَّب لـه في القياس وجهٌ، غيرَ أنَّا نكره القياسَ المتمَحَّل المستَكْرَه، وهذا الذي ذكرناه، فهو الصفيف، قال * قومٌ: هو القَديد. وقال آخرون: هو اللَّحم يُحْمَل في الأسفار طبيخاً أو شِواءً فلا يُنْضَجُ. قال:

فَظَلَّ طُهَاةُ اللَّحمِ مِنْ بين مُنضجٍ *** صَفِيفَ شِواءٍ أو قديرٍ مُعَجَّلِ([1])

(صك) الصاد والكاف أصلٌ يدلُّ على تلاقِي شيئين بقوَّة وشِدَّة، حتَّى كأنَّ أحدَهما يضرِبُ الآخر. من ذلك قولهم: صَكَكْتُ الشيءَ صكَّا. والصَّكَك: أن تَصْطَكَّ رُكبتا [الرَّجُل([2])]. [وصَكَّ البابَ([3])]: أغْلقه بعنفٍ وشِدَّة. ويقال بعير مُصَكَّكٌ([4])، إذا كان اللَّحمُ قد صُكَّ فيه صَكّاً. ورجلٌ مِصكٌّ: شديد. ويقال ذلك في الخَيل والحُمُر وغيرها.

وأمَّا قولُهم: "جئتُهُ صَكَّةَ عُمَيٍّ([5])" فإِنَّما يُراد أنَّ الأعمى  يلقى مثلَهُ فيصطكّانِ، أي يصكُّ كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه. وذلك كلامٌ وضَعوه في الهاجرة وعند اشتداد الحرِّ خاصَّة.

(صل) الصاد واللام أصلان: أحدهما يدلُّ على ندىً وماء قليل، والآخر على صوت.

فأمَّا الأول فالصَّلّة، وهي الأرضُ تسمَّى الثَّرَى لِنداها. على أنَّ من العرب من يسمِّي الصَّلّة التُّرابَ الندِيّ. ولذلك تُسمَّى بقيَّةُ الماء في الغدير صُلْصُلة.

ومن الباب: صِلال المَطَر: ما وقع منه شيءٌ بعد شيء. ويقال للعُشْب المتفرِّق صِلالٌ، لأنَّه يسمَّى باسم المطرِ المتفرِّق. قال:

* كجَنْدَلِ لُبْنَ تَطَّرِدُ الصِّلالا([6]) *

ومن الباب صَلّ اللحمُ، إِذا تغيَّرَتْ رائحتُهُ وهو شواءٌ أو طبيخ. وإِنّما هو من الصَّلّة، كأنَّه دُفِنَ في الصّلّة فتغيَّر. ومصدر ذلك الصُّلول. قال:

ذاك فتىً يبذُلُ ذا قِدْرِهِ *** لا يُفْسِدُ اللَّحمَ لديه الصُّلولْ([7])

وأمَّا الصَّوت فيقال صَلَّ اللِّجام وغيرُهُ، إِذا صَوَّت. فإِذا كثُر ذلك منه، قيل صَلْصَلَ. وسمِّيَ الَخَزَفُ صَلصَالاً لذلك، لأنَّه يصوّت ويصلصِل.

وممّا شذّ من هذين البابين الصِّلّ: الدَّاهية؛ والجمع أصلال. ويقال صَلَّتْهم الصَّالَّة. إذا دَهَتْهم الدَّاهية.

(صم) الصاد والميم أصلٌ يدلُّ على تَضَامِّ الشِّيءِ وزوالِ الخرْق والسَّمّ. من ذلك الصَّمَم في الأُذن. يقال صَمِمْت، وأنت تَصَمُّ صَمَما. وربَّما قالوا صُمَّ بمعنى صَمّ. ويقال: أصممتُ الرَّجُلَ، إِذا وَجدته أصمَّ. قال ابنُ أحمر:

أَصَمَّ دُعاءُ عاذِلَتي تَحَجَّى  *** بآخِرِنا وتَنْسَى أوَّلينَا([8])

والصَّمّاء: الدَّاهية، كأنَّه من الصَّمَم. أي هو أمرٌ لا فُرجَةَ له فيه. ومن ذلك اشتمالُ الصَّمّاء: أنْ تلتحفَ بثوبك ثم تُلقيَ الجانبَ الأيسر على الأيمن. والعرب تقول في تعظيم الأمر: "صَمِّي صَمَامِ". والأصل في ذلك قولهم: "صَمّت حصاةٌ بِدَمٍ"، وذلك أنَّ الدِّماءَ تكثُر في الأرض عند الوغَى، حتَّى لو أُلْقِيَتْ حصاةٌ لم يُسْمَع لها وَقْع، وهو في قول امرئ القيس:

بُدِّلتُ مِنْ وائلٍ وكِندةَ عَدوا *** نَ وفهْمَاً صَمِّي ابنةَ الجبَلِ([9])

يريد تعظيمَ ما وقع فيه وأُدِّيَ إِليه. وصِمام القارورة سمِّيَ بذلك لأنّه يسُدُّ الفُرْجَة. وقولهم: صَمَّم في الأمر، إِذا مضى فيه راكباً رأسَه، فهو من القياس الذي ذكرناه، كأنَّه لما أراد ذلك لم يسمع عَذْلَ عاذلٍ ولا نَهْيَ ناهٍٍ، فكأَنّهُ أَصمُّ.

واشتُقَّ منه السَّيف الصَّمصام والصَّمصامة. ومنه صَمَّم، إِذا عَضَّ في الشيء فأثبت أسنانه فيه. والصَّمَّانُ: أرضٌ. وقال بعضهم: كلُّ أرضٍ إلى جنبِ رَمْلة فهي صَمَّانةٌ.  وهذا صحيح؛ لأنَّ الرّمل فيه خَلَل، والصَّمَّانةُ ليست كذلك.

ومن الباب: الصِّمْصِم([10]): الرَّجلُ الغليظ، وسمِّي بذلك لما ذكرناه، كأنَّه ليست في لحمه فُرجة ولا خَرْق. وكذلك الأسد صِمَّةٌ، كأنَّه لا وصول إليه من وجه.

ومن الباب الصِّمصِمة: الجماعة، سمِّيت بذلك، كأنَّها اجتمعت حتى لا خلل فيها ولا خَرْق.

(صن) الصاد والنون أصلان: أحدهما يدلُّ على إِباء وصَعَرٍ من كِبر. من ذلك الرّجلُ المُصِنُّ، قالوا: هو الرَّافعُ رأسَهُ لا يلتفت إلى أحدٍ. وقالوا: هو السَّاكت. وقالوا: هو الممتلئ غيظاً. قال الرَّاجز([11]):

* أَإِبلِي تأخذُها مُصِنَّا *

أي أتأخُذُ إبلي لا يمنعُكَ زَجْرُ زاجر ولا تلتفت إلى أحد.

والأصل الآخر يدلُّ على خُبْث رائحة. من ذلك الصِّنُّ، و* هو بول الوَبْرِ، في قول جرير:

تَطَلَّى وهي سيِّئةُ المعَرَّى *** بِصِنِّ الوَبْرِ تَحسَِبُهُ مَلاَبا([12])

ثم اشتق منه [الصُّنَان]: ذَفَر الإبط. فأمَّا قولُهم إنَّ أحدَ أيّام العَجُوز يقال لـه الصَّنُّ فهذا شيءٌ ما رأيتُ أحداً يَضبِطه ولا يعلم حقيقتَهُ، فلذلك لم أذكره.

(صه) الصاد والهاء كلمة تقال عند الإسكات، وهي صه([13])، ولا قياسَ لها.

(صي) الصاد والياء كلمة واحدة مُطَابَقة، وهي كلُّ شيءٍ  يُتَحَصَّنُ به. من ذلك تسميتُهم الحصونَ صَياصِيَ، ثمَّ شُبِّه بذلك ما يُحارِب ويتَحصَّن به الدِّيك [وسُمِّي] صيصِيَة، وكذلك قَرن الثور يسمَّى بذلك؛ لأنه يَتحصَّن ويُحارِب به.

(صأ) الصاد والهمزة كلمة واحدة. يقال صأصأ الجَرْوُ، إِذا حرَّك عينَيه ليفتحَهما. وفي حديث بعض التابعين([14]): "فقَّحْنا وصأصأتم". ويقال صأصأت النَّخْلة، إذا لم تقبل اللَّقاح.

(صب) الصاد والباء أصلٌ واحدٌ، وهو إراقة الشيء، وإليه ترجع فروعُ البابِ كلِّه.

من ذلك صَبَبت الماءَ أصبُّه صَبّاً. ويُحمَل على ذلك فيقال لِمَا انحدرَ من الأرض صَبَبٌ، وجمعه أصبابٌ، كأنَّه شيءٌ منصبٌّ في انحداره. وفي الحديث: "أنَّه كان صلى الله عليه وآله وسلم إِذا مشى فكأنَّما يمشي في صَبَب". وقال الراجز([15]):

* بل بَلَدٍ ذي صُعُدٍ وأصبابْ *

والصُّبَّة: القِطعةُ من الخيل، كأنَّها تنصبُّ في الإِغارَةِ انصباباً، والقِطعةُ من الغَنَم أيضاً صُبَّة، لذلك المعنى. ويقال للحيَّات الأساودِ: الصُّبُّ، وذلك أنها إِذا أرادت النكْزَ انصبَّتْ على الملدوغ انصباباً. فأما الصَّبيب فيقال إِنه ماءُ ورق السِّمسِم، ويقال بل هو عُصارة الحِنّاء. وقال الشَّاعر([16])، وهو يدلُّ على صحّة القول الأوّل:

فأوردتُها ماءً كأنَّ جِمَامه *** من الأَجْنِ حِنّاءٌ مَعَاً وصَبيبُ

وقال قومٌ: الصَّبيب: الدَّم الخالص، والعُصفُر المُخْلَص. والصُّبَابة: البقيَّة من الماء في الإناء. والصَّبَابة مِنْ صَبَّ إليه. ورجلٌ صَبٌّ، إِذا غَلبَه الهوى، وهو من انصباب القَلْب. ويقال تصبَّبَ الحرُّ: اشتدَّ، كأَنَّه شيء صُبَّ على الأرض صَبّا. وتصبصب([17]) الشَّيء: ذَهَبَ ومُحِقَ، كأنَّهُ صُبَّ صبّاً. ويقال تصابَبْتُ الإناء، إِذا شربتَ صُبَابَتَه. وكذلك تصابَبتُ الشّيء، إذا نِلتَه قليلاً. قال الشّمّاخ:

لَقَومٌ تَصَابَبْتُ المعيشة بعدَهم  *** أحبُّ إليَّ من عِفاءٍ تَغَيَّرَا([18])

(صت) الصاد والتاء أصلٌ يدلُّ على نِزاعٍ وخصومةٍ وافتراق، يقال للجَلَبَة الصَّتيت. وما زلتُ أُصَاتُّ فلاناً، أي أخاصِمُهُ. والصَّتُّ، فيما يقال: الصَّدْم. والصَّـتِيت: الفِرْقَة. ويقولون إِنَّ الصَّت الصَّدُّ.

(صح) الصاد والحاء أصل يدلُّ على البَراءَة من المرض والعَيب، وعلى الاستواءِ. من ذلك الصِّحَّة: ذَهاب السُّقْم، والبراءةُ من كلِّ عَيب. والصَّحِيح والصَّحَاح بمعنىً. والمُصِحُّ: الذي أهلُهُ وإبلُه صِحَاحٌ وأَصِحَّاء. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يُورِدَنَّ ذو عاهةٍ على مُصِحّ"، أي الذي إبلُهُ صِحاحٌ. والصَّحْصح والصَّحصَحانُ والصَّحصَاحُ: المكان المستوِي.

(صخ) الصاد والخاء أصلٌ يدلُّ على صوتٍ من الأصوات. من ذلك الصَّاخَّة يقال إِنَّها الصَّيحةُ تُصِمُّ الآذان. ويقال ضَرَبْتُ الصخرةَ بحجرٍ فسمعتُ لها صَخّا([19]). ويقال صَخَّ الغُرابُ بمنقارِهِ في دَبَرة البَعير، إِذا طَعَن.

(صد) الصاد والدال معظمُ بابِهِ يَؤولُ إلى إِعراضٍ وعُدول. ويجيء بعد ذلك كلماتٌ تَشِذّ. فالصَّدُّ: الإعراض. يقال صَدَّ يصُدُّ، وهو مَيلٌ إلى أحد الجانبين. ثم تقول: صَدَدْتُ فلاناً عن الأمر، إِذا عَدَلْتَه عنه. والصَُّدَّانِ: جانِبا الوادي، الواحد صَُدٌّ،  وهو القياس، لأنَّ الجانب مائلٌ لا محالة. ويقولون: إنّ الصَّدَدَ ما استَقْبَلَ([20]). يقال: هذه الدَّارُ على صَدَدِ هذه. ويقولون: الصَّدد: القُرب. والصُّدَّاد([21]): الطَّريق إلى الماء. والصَُّدُّ: الجبَل. وهذه الكلماتُ التي ذكرتُها فليست عندي أصلاً؛ لبُعدها عن القياس، وإنْ صحَّتْ فهي محمولةٌ *على الأصل.

ومما هو صحيحٌ وليس من هذا الباب، قولهم : صَدَّ يَصِدُّ، وذلك إِذا ضَجَّ. وقرأ قومٌ([22]): { إِذا قَوْمُكَ منه يَصِدُّون}  [الزخرف 57]، قالوا: يَضِجُّون. والصَّديد: الدَّم المختلِط بالقَيْح، يقال منه أَصَدَّ الجُرْح.

(صر) الصاد والراء أصولٌ: الأول قولهم صَرَّ الدَّرَاهمَ يصُرُّها صَرّاً. وتلك الخِرقة صُرَّة. والذي تعرفه العربُ الصِّرَار، وهي خِرقةٌ تُشدُّ على أَطْباء النّاقة لئلا يرضَعَها فَصِيلُها.  يقال صَرَّها صَرَّا. ومن الباب: الإِصرار: العَزْم على الشيء. وإنما جعلْناه من قياسِه لأن العَزْم على الشيء والإجماعَ عليه واحد وكذلك الإصرار: الثَبَات على الشيء.

ومن الباب: هذه يمين صِرِّي([23]) أي جدّ، إنا ثابتٌ عليها مُجمِع.

ومن الباب :الصَّرَّة، يقال للجماعة صَرَّةٌ. قال امرؤُ القَيس:

فأَلحَقَنَا بالهادياتِ ودونه  *** جَوَاحِرُها في صَرَّةٍ لم تَزَيَّلِ([24])

ومن الباب: حافرٌ مصرورٌ، أي منقبضٌ. ومنه الصُّرْصُور، وهو القَطيع الضَّخْم من الإبل.

وأَمَّا الثاني، وهو من السُّمُو والارتفاع، فقولهم: صَرَّ الحمارُ أُذُنَه، إِذا أقامها. وأَصَرَّ إذا لم تذكر الأُذُن، وإن ذكرتَ الأُذُن قلتَ أَصَرَّ بأذنه. وأظنُّه نادراً. والأصل في هذا الصِّرَار، وهي أماكنُ مرتفعةٌ لا يكَادُ الماء يعلوها. فأما صِرَارٌ فهو اسمُ علَمٍ، وهو جَبَلٌ. قال:

إنَّ الفرزدقَ لن يُزايل لؤمَه *** حتى يَزُولَ عن الطريقِ صِرَارُ([25])

وأمَّا الثالث: فالبرد والحَرُّ، وهو الصِّرُّ. يقال أصاب النَّبتَ صِرٌّ، إذا أصابَه بردٌ يُضرُّ به. والصِّرُّ: صِرُّ الرّيح الباردة. وربما جعلوا في هذا الموضع الحَرَّ. قال قوم: الصَّارَّةُ شدة الحرِّ حرِّ الشمس. يقال قطع الحِمار صارَّتَه. إِذا شرِب شُرْباً كَسَرَ عطشَه. والصَّارَّة: العَطَش، وجمعها صَوَارُّ. والصَّرِيرة: العطش، والجمع صرائر. قال:

* وانصاعت الحُقْبُ لم يُقْصَعْ صَرائرُها([26]) *

وذكر أبو عبيدٍ: الصَّارّة العطش، والجمع صرائر. وهو غلط، والوجه ما ذكرنا.

وأما الرَّابع، فالصَّوت. من ذلك الصَّرَّة: شِدَّة الصِّياح. صَرَّ الجُنْدَب صرِيراً، وصَرْصَرَ الأَخْطَبُ صَرصرة. والصَّرَارِيُّ: الملاَّح، ويمكن أن يكون لرفعِه صوتَه.

ومما شذَّ عن هذه الأصول كلمتان، ولعلَّ لهما قياساً قد خَفِيَ علينا مكانُه فالأولى: الصّارَّة، وهي الحاجةُ. يقال لي قِبَلَ فلانٍ صَارَّةٌ، وجمعها صَوَارُّ، أي حاجة. والكلمةُ الأخرى  الصَّرورة، وهو الذي لم يحجُجْ، والذي لم يتزوَّج. ويقال الصَّرُورة: الذي يَدَعُ النكاح متبتِّلاً. وجاء في الحديث: "لا صَرْورة في الإسلام".

قال أبو بكر محمّد بن الحسن بن دُريد([27]): "الأصل في الصَّرورة أنَّ الرجلَ  في الجاهلية كانَ إذا أحدَثَ حدَثاً فلجأ إلى الكعبة لم يُهَجْ، فكان إِذا لقِيَه وليُّ الدَّمِ بالحرَم قيل له: هو صرورة فلا تَهِجْه. فكثُر ذلك في كلامهم حتَّى جعلوا المتعبِّد الذي يجتنِب النِّساء وطِيبَ الطعام صَرورةً، وصروريَّاً. وذلك عَنَى النابغةُ بقوله:

لو أنَّها عَرَضَتْ لأشمَطَ راهبٍ *** عَبَدَ الإِلـه صرورةٍ متعبِّدِ([28])

أي مُنْقَبضٍ عن النِّساء والطِّيب([29]). فلما جاء الله تعالى بالإسلام وأوجَبَ إِقامةَ الحدود بمكَّة وغيرِها سُمِّي الذي لم يحجَّ صَرورةً وصَرُوريّاً، خلافاً لأمر الجاهلية. كأنَّهم جَعلُوا أنَّ تَرْكَه الحجَّ في الإِسلام، كترك المتأَلِّهِ إِتيانَ النِّساء والتّنعّمَ في الجاهليَّة".

وهذا الذي ذكرناه في معنى الصَّرورة يحتمل أنَّه من الصِّرار، وهو الخِرقة التي تُشَدُّ على أَطْباء النّاقة لئلا يرضَعَها فصيلها. والله أعلم بالصَّواب.

ــــــــــــــ

([1]) لامرئ القيس في معلقته.

([2]) التكملة من المجمل.

([3]) التكملة من المجمل. وبين هاتين التكملتين في المجمل: "يقال منه صكك. والصكة: أشد الهاجرة".

([4]) في المجمل: "مِصَكّ"، وكلاهما صحيح، يقال : مصك ومصكوك ومصكك.

([5]) عُمَيّ، هنا: تصغير ترخيم للأعمى.

([6]) البيت للراعي، كما في معجم البلدان (لبن). وصدره في اللسان (صلل):

* سيكفيك الإله بمُسنَمات *

([7]) للحطيئة في ديوانه 84 واللسان (صلل).

([8]) البيت في اللسان (صمم؛ حجا).

([9]) البيت في اللسان (صمم)، وليس في ديوانه.

([10]) ويقال أيضاً "صمصم" كعلبط.

([11]) هو مدرك بن حصن. اللسان (صنن، شنن)، ونوادر أبي زيد 50 .

([12]) ديوان جرير 73، واللسان (صنن).

([13]) تقال بالسكون، وبالكسر مع التنوين.

([14]) هو عبيد الله بن جحش، كان أسلم  وهاجر إلى الحبشة، ثم ارتد وتنصر بالحبشة، فكان يمرُّ بالمهاجرين فيقول ذاك.  اللسان (صأصأ).

([15]) هو رؤبة. ديوانه 6، واللسان (صبب).

([16]) هو علقمة بن عبدة الفحل. ديوانه 132، والمفضليات (2: 193)، واللسان (صبب).

([17]) في الأصل: "تصبب"، صوابه في المجمل والقاموس واللسان. وأنشد للعجاج:

* حتى إذا ما يومها تصبصبا *.

([18]) ديوان الشمَّاخ 27 واللسان (صبب). وروي في اللسان أنه ينسب للأخطل.

([19]) في المجمل واللسان: "صخة"، وكلاهما صحيح؛ فإن "الصخ"، كذلك والصخيخ بمعنى الصوت.

([20]) في اللسان: "ما استقبلك".

([21]) ضبط في الأصل والمجمل بضم الصاد، وضبط في القاموس كرمان وكتاب.

([22]) قرأ بضم الصاد نافع وابن عامر والكسائي وأبو جعفر وخلف، وقرأ الباقون بكسرها. إتحاف فضلاء البشر 386 في سورة الزخرف.

([23]) في المجمل: "صِرِّي وأصِرِّي". ويقال أيضاً: "صِرَّى" و"أصِرَّى"، و"صُرِّي" و "صُرَّى".

([24]) البيت من معلقته المشهورة.

([25]) البيت لجرير في ديوانه 206 واللسان (صرر)

([26]) لذي الرمة في ديوانه 588 واللسان (صرر، قصع، نشح)، وسيأتي في (قصع). وعجزه:  * وقد نشحن فلا ري ولا هيم *

([27]) في الجمهرة: (3 :428).

([28]) ديوان النابغة 31 وشرح المعلقات  للزوزني 198. واللسان (صرر).

([29]) في نسخة الجمهرة: "والتنعم".

 

ـ (باب الصاد والعين وما يثلثهما)

(صعف) الصاد والعين والفاء ليس بشيء. على أنهم يقولون الصَّعَْف: شرابٌ([1]).

(صعق) الصاد والعين والقاف أصلٌ واحدٌ *يدلُّ على صَلْقَةٍ وشِدَّة صَوت. من ذلك الصَّعْق، وهو الصَّوت الشَّديد. يقال حِمارٌ صَعِقُ الصَّوتِ، إِذا كان شديدَه. ومنه الصَّاعقة، وهي الوقع الشّديدُ من الرَّعْدِ. ويقال إنَّ الصُّعاق الصَّوت الشديد. ومنه قولهم: صَعِق، إِذا ماتَ، كأنَّه أصابته صاعقةٌ. قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرضِ إلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ} [الزمر 68].

(صعل) الصاد والعين واللام أُصَيلٌ يدلُّ على صِغَرٍ وانجراد. من ذلك الصَّعْل، وهو الصَّغير الرَّأْس من الرِّجال والنَّعام. قال:

* صَعْلِ الرَّأْسِ قُلتُ له([2]) *

ويقال حمار صَعْل: ذاهب الوبر. ويقال رجلٌ أصعَلُ، وامرأةٌ صَعلاءُ. والصَّعْلة من النَّخْل: العَوجاء الجَرداءُ أصول السَّعَف.

(صعن) الصاد والعين والنون أُصَيلٌ يدلُّ على لُطْف في الشيء. يقال: فلانٌ صِعْوَنُّ الرأس: دقِيقُه. ويقال أُذُنٌ مُصْعَنَّة. قال:

* والأذْن مُصْعَنَّةٌ كالقَلَمْ([3]) *

(صعو) الصاد والعين والحرف المعتل كلمةٌ واحدةٌ، وهي الصَّعْوَة، وهي عصفورة، والجمع صِعاء.

(صعب) الصاد والعين والباء أصلٌ صحيح مطَّرد، يَدَلُّ على خِلاف السهولة. من ذلك الأمر الصَّعْب، خلاف الذَّلول، يقال صعُبَ يصعُب صُعوبةً، ويقال أَصْعَبْتُ الأمر: ألفَيْتُهُ صعباً.

ومن الباب المُصْعَب، وهو الفَحل، وسمِّي بذلك لقُوَّته وشدَّته. ويقال أَصْعَبنا الجمل، إِذا تركناه فلم نركبْه، وذُكر أنَّهم يقولون: أَصْعَبتُ الناقة، إِذا تركتَها فلم تَحمِل عليها. وهذه استعارة. وفي الرَّمْل مَصَاعِبُ.

(صعد) الصاد والعين والدال أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على ارتفاعٍ ومشقّة. من ذلك الصَّعُود خلاف الحَدُور، ويقال صَعِدَ يَصْعَد. الإِصعاد مقابلة الحَدُور من مكانٍ أرفع. والصَّعود: العقَبة الكَؤود، والمشقّة من الأمر، قال الله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودَاً}  [المدثر 17]. قال:

نَهَى التَّيْمِيَّ عُتْبةُ والمعلَّى *** وقالا: سوف يَنهرك الصَّعُودُ

وأما الصُّعُدات فهي الطُّرُق، الواحد صَعيد. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"إِيّاكم والقعودَ بالصُّعُدات إِلاَّ من أدَّى حَقَّها". ويقال صعيد وصُعْد وصُعُدات، وهو جمع الجمع، كما يقال طريق وطُرُقٌ وطُرُقات. فأمَّا الصعيد فقال قَومٌ: وجه الأرض. وكان أبو إسحاقَ الزَّجَّاجُ يقول: هو وجه الأرض، والمكانُ عليه ترابٌ أو لم يكن. قال الزَّجّاج: ولا يختلف أهلُ اللَّغة أنَّ الصَّعيد ليس بالتراب. وهذا مذهبٌ يذهب إليه أصحابُ مالكِ بن أَنَس. وقولهم إنَّ الصَّعيد وجهُ الأرض سواءٌ كان ذا ترابٍ أو لم يكُنْ، هُو مذهبُنا، إلاَّ أنَّ الحقَّ أحقُّ أن يُتَّبع، والأمر بخلاف ما قاله الزّجّاج. وذلك أنَّ أبا عبيدٍ حَكى عن الأصمعيّ أنَّ الصّعيدَ التراب. وفي الكتاب المعروف بالخليل، قولهم تيمَّمْ بالصَّعيد، أي خُذْ من غُبارِهِ. فهذا خلافُ ما قاله الزَّجّاج.

ومن الباب الصُّعَداء، وهو تنفُّسٌ بتوجُّع، فهو نَفَسٌ يعلو، فهو من قياس الباب، وأما الصَّعود من النُّوق فهي التي يموت حُوارها فتُرْفَع إلى ولدها الأوَّل فتدرُّ عليه. وذلك فيما يقال أطيَبُ للبنها. ويقال: بل هي التي تُلقي ولدها. وهو تفسير قوله:

* لها لَبَنُ الخَلِيّةِ والصَّعودِ([4]) *

ويقال: تَصَعَّدَني الأمرُ، إِذا شقَّ عليكَ. قال عمر: "ما تصعَّدتْني خطبةُ النكاح([5])". وقال بعضهم: "الخطبةُ صُعُد، وهي على ذي اللُّبِّ أَرْبَى". ومما يُقارب هذا قولُ أبي عمروٍ: أَصْعَدَ  في البِلاد: ذهب أينما توجَّه. ومنه قولُ الأعشى:

فإنْ تسألي عنِّي فيا رُبَّ سائلٍ *** حَفِيٍّ عن الأعشى به حيث أَصْعَدَا([6])

ومما لا يبعد قياسه الصَّعْدة من النِّساء: المستقيمةُ القامةِ، فكأنها صَعْدَةٌ، وهي القناةُ المستوِيةُ تنبت كذلك، لا تحتاج إلى تثقيف.

(صعر) الصاد والعين والراء أصل مطرد يدلُّ على مَيَل في * الشيء. من ذلك الصَّعَر، وهو المَيَل في العُنُق. والتصعير: إمالة الخدِّ عن النّظَرِ عُجْبا. وربَّما كان الإنسان والظَّليمُ أَصْعَرَ خِلقة. قال الله تعالى: وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ[لقمان 18]، وهو من الصَّيعِريّة، وهو اعتراضُ البَعِير في سيره. والصَّيْعِريّةُ: سِمَةٌ من سِمات النوق في أعناقها، ولعلًَّ فيها اعتراضاً. قال المسيّب:

* بِنَاجٍ عليه الصَّيْعريَّةُ مُكْدَمِ([7]) *

فأما الحديث: "ليس فيهم إلاَّ أصعَرُ أو أبتر"، فمعناه ليس إلاّ معجبٌ ذاهب أو ذَليل. ويقال سَنامٌ صَيْعَرِيٌّ، أي عظيم. وإِنّما قيل له ذلك لأنَّه إذا عظم مالَ.

ومما شذَّ عن الباب قولهم: قَرَبٌ مُصْعَرٌّ، أي شديد. قال:

* وقد قَرَبْنَ قَرَباً مُصْعَرَّا([8]) *

والله أعلم بالصَّواب.

ـــــــــــــــــ

([1]) في اللسان: "الصَّعْف والصَّعَف: شراب لأهل اليمن، وصناعته أن يشدخ العنب ثم يلقى في الأوعية حتى يغلي".

([2]) لم أجد تتمته. ولعله التبس عنده ببيت لذي الرُّمة:

وخافق الرأس فوق الرحل قلت لـه *** زع بالزمام وجوز الليل مركوم

([3])  لعدي بن زيد في اللسان (صعن). ويروى "مُصَعَّنة". والبيت بتمامه:

له عنق مثل جذع السحوق *** وأذن مصعنة كالقلم

([4]) لخالد بن جعفر الكلابي. وصدره كما في اللسان (صعد): * أمرت لها الرعاء ليكرموها *

([5]) القول بتمامه: "ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح".

([6]) ديوان الأعشى 102 واللسان (صعد).

([7]) صدره كما في اللسان (صعر):  * وقد أتناسى الهم عند احتضاره *

([8]) بعده في اللسان :  * إذا الهدان حار واسبكرا *

 

ـ (باب الصاد والغين وما يثلثهما )

(صغو/ي) الصاد والغين والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على المَيْل، من ذلك قولُهم: صِغْو فلانٍ معك، أي ميلُه. وصَغتِ النجوم: مالت للغُيوب. وأصغى إليه، إِذا مال بسمعِهِ نحوَه. وأَصْغَيت الإِناءَ أَمَلْتُهُ. ومنه قولهم للذين يَميلون مع الرَّجُل من أصحابِهِ وذوي قُرْباه: صاغِيةٌ. وحُكي: صَغَوْتُ إليه أَصْغَى صَغْواً وصَغىً، مقصور.

(صغر) الصاد والغين والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على قِلَّةٍ وحقارة. من ذلك الصِّغَر: ضدّ الكِبَر. والصَّغير: خلاف الكبير. والصاغِر: الرَّاضي بالضَّيمِ صُغْراً وصَغاراً. ويقال أصغَرت النَّاقةُ وأكبَرَتْ. والإِصْغار: حنينُها [الخفيض. والإِكبار([1]):] العالي. قالت الخنساء:

* لها حنينان إِصْغارٌ وإِكبارُ([2]) *

(صغل) الصاد والغين واللام ليس بشيء، إِنَّما الصَّغِل السَّيِّئ الغِذاء. والأصل فيه السين: سَغِلٌ. والله أعلم بالصواب.

(صفق) الصاد والفاء والقاف أصلٌ صحيح يدلُّ على ملاقاةِ شيءٍ ذي صَفْحةٍ لشيءٍ مثله بقُوَّة. من ذلك صَفَقْتُ الشَّيءَ بيدي، إِذا ضربتَه بباطن يدكِ بقُوّة. والصَّفْقَة: ضربُ اليدِ على اليدِ في البَيْعِ والبَيْعةِ، وتلك عادةٌ جاريةٌ للمتبايِعين. وإذا قيل أصفَق القومُ على الأمر، إِذا اجتمعوا عليه، فهو من ذلك، وإِنَّما شُبِّهوا بالمتصافِقين على البيع.

وممّا حُمِل على ذلك الصَّفَقُ، وهو الماء يُصَبُّ على الأديمِ الجديد فيخرُج مُصْفرَّا.

ومن الباب أيضاً: الشَّراب المصفَّق، وهو أن يُحوَّل من إِناءٍ إلى إِناءٍ، كأنَّه صَفَقَ الإِناءَ إذا لاقاه، وصُفِقَ به الإِناء. ومنه صَفَقَ الإِبلَ، إِذا حوَّلـها مِن مرعَىً إلى مرعَىً.

ثم حُمِل على ذلك فقيل لكلِّ منبسطٍ صَفقٌ وإن لم يُضربْ به على شيء. فيقال لجانِبَي العُنُق صفقانِ، ولكلِّ ناحيةٍ صَفْق وصُفْق([3]). ويقال للجِلدِ الذي يلي سوادَ البطنِ صُفْق.

ومما شذَّ عن الباب، وقد يمكن أن يُخرّج له وجه، قولهم: قَوسٌ صَفوقٌ، إِذا كانت ليّنة راجعة.

(صفن) الصاد والفاء والنون أصلانِ صحيحانِ، أحدهما جنسٌ من القيامِ، والآخر وِعاءٌ من الأوعية.

فالأوّل: الصُّفون، وهو أن يقومَ الفرسُ على ثلاثِ قوائمَ ويرفعَ الرَّابعة، إلاَّ أنَّه ينالُ بطرَف سُنْبُكِها الأرض. والصَّافن: الذي يصفُّ قدمَيه. وفي حديث البَرَاء: "قمنا خَلْفَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صُفُوناً". ومنه تَصَافَنَ القومُ [الماء([4])]، وذلك إِذا اقتسموه بالصُّفْن، والصُّفْن: جلدةٌ يُسْتَقَى بها. قال:

فلما تصافَنَّا الإداوةَ أجهشَتْ *** إِلَيَّ  غُصونُ العنبريِّ الجُراضِمِ([5])

ويقال إنَّ ذلك إِنَّما يكون على المَقْلَة، يُسقى أحدُهم قَدْر ما يغمُرها.

ومما شذَّ عن الأصلين: الصَّافن، وهو عِرْقٌ([6]).

(صفو) الصاد والفاء والحرف المعتلّ أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلوصٍ من كل شَوب. من ذلك الصَّفاءُ، وهو ضدُّ الكَدَرِ؛ يقال صفا يصفو، إذا خَلص. يقال لكَ صَفْوُ هذا الأمرِ وصِفْوته. ومحمَّد صِفوة الله تعالى وخِيرَتُه من خَلْقِه، ومُصْطفاهُ صلَّى الله عليه * وآلهِ وسلّم. والصَّفِيُّ: ما اصطفاه الإمام من المَغْنم([7]) لنفسه، وقد يسمَّى بالهاء الصَّفِيَّة، والجمع الصَّفَايا. قال:

لك المِرْبَاعُ منها والصَّفَايا *** وحُكْمُكَ والنَّشيطةُ والفُضُولُ([8])

والصَّفِيَّة والصَّفِيّ، وهو بغير الهاء أشهر: النّاقةُ الكثيرة اللّبَن، والنَّخْلة الكثِيرةُ الحَمْل، والجمع الصَّفَايا. وإِنَّما سُمِّيت صفيّاً لأنَّ صاحِبَها يصطفيها.

ومن الباب قولهم: أَصْفت الدَّجاجةُ، إِذا انقطع بيضُها، إِصفاءً. وذلك كأنَّها صَفَتْ أي خَلَصت من البَيْضِ، ثم جُعِلَ ذلك على أَفْعَلتْ فرقاً بينها وبين سائرِ ما في بابها، وشبّه بذلك الشَّاعِرُ إذا انقطع شِعْرُهُ.

ومن الباب الصَّفَا، وهو الحجر الأَمْلَسُ، وهو الصَّفْوانُ، الواحدة صَفوانةٌ، وسمِّيت صفوانَةً لذلك، لأنَّها تَصْفُو من الطِّين والرَّمْل. قال الأصمعيُّ: الصَّفْوان والصَّفْواءُ والصَّفَا، كله واحد. وأنشد:

* كما زَلَّتِ الصَّفْواء بالمتنَزِّلِ([9]) *

ويقال يومٌ صفوانُ، إِذا كان صافِيَ الشَّمسِ شديدَ البَرْدِ.

(صفح) الصاد والفاء والحاء أصلٌ صحيحٌ مطَّرد يدلُّ على عَرْض وعِرَض. من ذلك صَُفْح الشَّيء: عُرْضُهُ. ويقال رأس مُصْفَحٌ: عريض. والصفيحة: كلُّ سيفٍ عريض. وصَفْحَتا السَّيف: وَجْهاه. وكلُّ حجرٍ عريضٍ صفيحةٌ، والجمع صَفائِح. والصُّفَّاح: كلُّ حجرٍ عريض. قال النّابغة:

تقدُّ السَّلوقيَّ المضاعفَ نسجُهُ *** ويُوقِدْن بالصُّفّاحِ نارَ الحُباحِبِ([10])

ومن الباب: المُصافحةُ باليد، كأنَّه ألصقَ يدَه بصَفحةِ يدِ ذاك. والصَّفْح: الجنْب. وصَفحا كلِّ شيء: جانباه. فأمَّا قولهم: صَفَح عنه، وذلك إِعْراضُهُ عن ذنْبِهِ، فهو من البابِ؛ لأنَّه إِذا أعرضَ عنه فكأنَّه قد ولاَّه صَفْحتَه وصُفحه، أي عُرضه وجانِبَه، وهو مَثَلٌ.

ومن الباب: صَفحت الرَّجلَ وأصفحتُهُ، إِذا سألك فمنعتَه([11]). وهو من أنّك أريتَه صَفْحَتَك مُعْرِضاً عنه. ويقال: صَفحتُ الإِبلَ على الحوض، إِذا أمررتَها عليه، وكأنَّكَ أَرَيْتَ الحوضَ صَفَحَاتِها، وهي جُنوبُها.

ومما شذَّ عن الباب قولُهم: صفحت الرَّجل صفحاً، إِذا سَقيتَه أيَّ شرابٍ كان ومتى كان.

(صفد) الصاد والفاء والدال أصلان صحيحان: أحدُهما عَطاءٌ، والآخَر شَدٌّ بشيء.

فالأوَّل الصَّفَد؛ يقال أَصفدتُهُ، إِذا أعطيتَه. قال:

هذا الثناءُ فإِنْ تَسمعْ لقائِلِهِ *** فماعَرَضتُ أبيتَ اللَّعنَ بالصَّفَدِ([12])

وأمَّا الصَّفْد فالغُلّ، ويقال الصَّفْد التقييد([13]). والأصفاد: الأقْياد. والصِّفاد: القَيد أيضاً. قال:

هَلاَّ مننتَ على أَخيكَ مَعْبَدٍ *** والعامِريُّ يقودُه بِصِفادِ([14])

وفي الحديث:  "إذا دخل شهرُ رمضانَ صُفِّدت الشياطين".

(صفر) الصاد والفاء والراء ستّة أوجه:

فالأصل الأوَّل لونٌ من الألوان. والثاني الشَّيء الخالي. والثالث جوهرٌ من جواهر الأرضِ. والرَّابع صَوت. والخامس زَمان. والسادس نَبْت.

فالأوَّلُ: الصُّفْرة في الألوان. وبنو الأصفر: مُلوكُ الرُّومِ؛ لِصُفْرةٍ اعتَرَتْ أبَاهم. والأصفر: الأسود في قوله:

تلكَ خَيْلِي منه وتلك ركابي *** هنَّ صُفْرٌ أولادُها كالزَّبيبِ([15])

والأصل الثاني: الشيء الخالي، يقال هو صِفْر. ويقولون في الشتم: ما له صَفِر إِناؤه. أي هلكت ماشيتُهُ. ومن الباب قولُهم للذي به جنونٌ: إنه لفي صُفْرَةٍ وصِفْرة بالضم والكسر، إِذا كان في أيامٍ يزول فيها عقلُهُ. والقياس صحيح؛ لأنه كأنه خالٍ بين عقله.

والأصل الثالث: الصُّفْر من جواهر الأرض، يقال إنَّه النُّحاس. وقد يقال الصِّفْر. وقد أخبرني عليُّ بن إبراهيمَ القطانُ، عن عليّ بن عبد العزيز، عن أبي عُبيد قال: قال الأصمعي: النُّحاس الطَّبيعة والأصل، والنُّحاس هو الصُّفر الذي تعمل منه الآنية، فقال "الصُّفْر"، بضم الصاد. قال أبو عبيدٍ مثلَهُ، إلاَّ أنَّه قال الصِّفْر، بكسر الصاد.

وأمَّا الرَّابع فالصَّفير للطّائر. وقولهم: ما بها صافرٌ، من هذا، أي كأنَّه يصوِّت.

وأمَّا الزمان فصَفَر: اسم هذا الشهر. قال ابنُ دريد([16]): الصَفَرَانِ * شهرانِ في السَّنة، سمِّي أحدُهما في الإِسلام المحرَّم. والصَّفَريّ، نباتٌ يكون في أوّلِ الخريفِ. والصَّفَريّ في النَّتاج بعد اليقظيّ.

وأمَّا النَّبات فالصَّفَار، وهو نبتٌ، يقال إنَّه يبيس البُهْمَى. قال:

فبتنا عُرَاةً لدى مُهرِنا *** ننزِّعُ من شَفَتيهِ الصَّفَارا([17])

(صفع) الصاد والفاء والعين كلمةٌ واحدة معروفة.

ـــــــــــــــ

([1]) هذه التكملة من المجمل.

([2]) صدره كما في الديوان 42 واللسان (صغر):

* فما عجول على بوٍّ تطيفُ به *

([3]) وصفق أيضاً، بالتحريك، كما في المجمل.

([4]) التكملة من المجمل واللسان.

([5]) البيت للفرزدق في اللسان (صفن، جرضم).

([6]) في اللسان: "عرق في باطن الصلب طولاً، متصل به نياط القلب، ويسمى الأكحل".

([7]) في الأصل: " من الغنم"، وأثبت ما في المجمل.

([8]) البيت لعبد الله بن عنمة الضبي، كما سبق في (ربع)، وهو من أبيات ثمانية رواها أبو تمام في الحماسة: (1: 420). وأنشده في اللسان (ربع، صفا، نشط، فضل)، وسيأتي في (نشط).

([9]) لامرئ القيس في معلقته. وصدره: * كميت يزلُّ اللِّبد عن حال متنه *.

([10]) ديوان النابغة 7 برواية : "وتوقد".

([11]) فرق بينهما ابن الأثير فقال: "يقال صفحته، إذا أعطيته، وأصفحته إذا حرمته".

([12]) للنابغة في ديوانه 27 واللسان (صفد)، والرواية فيهما: "فلم أعرض".

([13]) كذا ضبطت العبارة في المجمل. وفي اللسان بفتح فاء الصفد. والظاهر أن التقييد بسكون الفاء، والغل بفتحها. يؤيده عبارة اللسان: "والاسم من العطية الصفد ـ أي بالتحريك ـ وكذلك من الوثاق".

([14]) البيت لعوف بن عطية التيمي، يعير لقيط من زرارة بموت أخيه معبد في الأسر. اللسان (بدد). وروايته في (بدد): "ألا كررت على ابن أمك معبد". وروايته في (صفد) كروايته هنا، مع تحريف في عجز البيت.

([15]) البيت للأعشى في ديوانه 219، واللسان (صفر).

([16]) الجمهرة (2: 355).

([17]) البيت لأبي دُوَاد الإِيادي، كما في حواشي الجمهرة. وسيأتي منسوباً في (عري).

 

ـ (باب الصاد والقاف وما يثلثهما)

(صقل) الصاد والقاف واللام أُصَيلٌ يدلُّ على تمليسِ شيء، ثم يقاس على ذلك. يقال صَقَلْتُ السَّيْفَ أَصقُله، وصائغ ذلك الصَّيقل. والصَّقِيل: السَّيف. ويقال: الفرسُ في صِقاله، أي صِوَانِهِ، وذلك إِذا أُحسنَ القيامُ عليه، كأنَّهُ يُصقَل صَقلاً ويُصنَع.

ومن الباب الصُّقل من الإنسان والفرس، وهو الجنْب، والجنب أشدُّ الأعضاء ملاسةً، فلذلك سمِّي صُقلاً، كأنَّه قد صُقِل. ويقال منه فرس صَقِلٌ، أي طويل الصُّقْلين.

(صقب) الصاد والقاف والباء لا يكاد يكون أصلاً؛ لأنَّ الصَّاد يكون مرَّةً فيه السين، والبابان متداخلان، مرّةً يقال بالسين ومرَّةً بالصاد، إِلاَّ أنَّه يدلُّ على القرب ومع الامتداد مع الدّقَّة.

فأمَّا القُرب فالصَّقَب. وجاء في الحديث:"الجار أحقُّ بِصَقَبِه"، يراد في الشُّفْعة. والصَّاقب: القريب. والرَّجُلان يتصاقبان في المحلّة، إِذا تقارَبا.

وأما الآخر فالصَّقْب: العمودُ يُعمَد به البيت، وجمعه صقوب. قال ذو الرُّمَّة:

* صَقْبانِ لم يتقشَّرْ عنهما النَّجَبُ([1]) *

وأما قولهم: صقبت الشيء، إِذا ضَربته فلا يكون إلاَّ على شيءٍ مُصْمَتٍ يابس. فممكنٌ أن يكونَ من الإِبدال، كأنه من صَقعته، فيكون الباء بدلاً من العين.

(صقر) الصاد والقاف والرَّاء أُصَيلٌ يدلُّ على وقع شيء بشدّة. من ذلك الصَّقْر. وهو ضربُكَ الصَّخرةَ بِمعولٍ، ويقال لِلمعْول الصَّاقُور. ويجوز أن يدخل فيه الهاء فيقال الصَّاقُورة.

والصَّقْر هذا الطائرُ، وسمِّي بذلك لأنه يَصقْـُر الصّيد صقراً بقُوّة. وصَقَرات الشَّمس: شدّة وقْعِها على الأرض. قال:

إِذا ذابت الشَّمسُ اتَّقى صَقَرانِها *** بأفنانِ مَربوعِ الصَّريمةِ مُعْبِلِ([2])

وحكي عن العرب([3]): جاء فلان بالصُّقَر والبُقَر، إِذا جاء بالكذِب.

فهذا شاذٌّ عن الأصل الذي ذكرناه. وكذلك الصَّاقورة في شعر أميّة بن أبي الصَّلت([4])  من الشاذّ. ويقال إِنَّها السَّماء الثالثة. وما أحسب ذلك من صحيح كلام العرب. وفي شعر أميَّةَ أشياءُ. فأما الدِّبْس وتسميتُهم إيّاهُ صَقْراً فهو من كلام أهل المدَر، وليس بذلك الخالِص من لغة العرب.

(صقع) الصاد والقاف والعين أصول ثلاثة: أَحدها وقْع شيءٍ على شيءٍ كالضَّرب ونحوه، والآخر صَوت، والثالث غِشْيانُ شيءٍ لشيء.

فالأوَّل: الصَّقْع وهو الضَّرْب بِبُسْط الكفِّ. يقال صَقعه صَقْعاً.

وأمَّا الصَّوت([5]) فقولهم صَقَع الدِّيك يصقَع. ومن الباب خطيب مِصْقعٌ، إِذا كان بليغاً، وكأنَّه سمِّي بذلك لجهارة صوته.

وأمَّا الأصل الثالث، في غِشيان الشَّيءِ الشيءَ، فالصِّقَاعِ، وهي الخرْقة التي تتغشَّاها المرأةُ في رأسها، تقي بها خِمارَها الدُّهنَ. والصَّقيع: البَرْد المحرِق للنَّبات فهذا يصلح في هذا، كأنَّه شيءٌ غَشَّى النَّبات فأحرَقه، ويصلح في باب الضَّرب.

ومن الباب العُقاب الصَّقْعاء: البيضاء الرّأس: كأنَّ البياضَ غشَّى رأسَها. ويقال الصِّقَاع البُرْقُع. والصِّقَاع: شيءٌ يشدُّ به أنفُ الناقة. قال القُطاميّ:

إِذا رأسٌ رأيتُ به طِماحاً *** شددتُ لـه الغمائمَ والصِّقاعا([6])

ومنه الصَّقَع، مثل الغَشْي يأخذ الإنسانَ من الحرِّ، في قول سويد:

* يأخُذ *السَّائرَ فيها كالصَّقَعْ([7]) *

ومن الباب الصَّاقِعة، فممكن أن تُسمَّى بذلك لأنَّها تَغْشى. وممكن أن يكون من الضَّرْب. أما قولُ أوس:

يا بَا دُلَيْجَةَ من لِحَيٍّ مفرَدٍ *** صقِع من الأعداءِ في شَوَّالِ([8])

فقال قومٌ: هذا الذي أصابه من الأعداء كالصَّاعقة. والصَّوقَعة: العِمامة؛ لأنَّها تُغَشِّي الرأس.

وما بقي من الباب فهو من الإِبدال؛ لأنَّ الصُّقْع النَّاحية. والأصل، فيما ذكر الخليل، السِّين كأنه في الأصل سقع. ويكون من هذا الباب قولهم: ما أدري أين صقَع، أي ذهب، والمعنى إلى أيِّ صقْعٍ ذهبَ. وقال في قول أوسٍ "صقع من الأعداء" هو المُتَنَحِّي الصُّقع.

ـــــــــــــــــ

([1]) صدره كما في ديوان ذي الرمة 28 والحيوان (4: 312): * كأن رجليه مسماكان من عشر *.

([2]) البيت لذي الرمة، وقد سبق بتخريجه في (ذوب).

([3]) بدله في المجمل: "قال ابن دريد". انظر الجمهرة (2: 357).

([4]) هي في قول أمية في ديوانه 24:

لمصفدين عليهم صاقورة  *** صماء ثالثة تماع وتجمد

([5]) في الأصل: "الصقع"، تحريف.

([6]) ديوان القطامي 45 واللسان (صقع).

([7]) صدره كما في المفضليات (1: 191). واللسان (صقع): * في حرور ينضج اللحم بها *.

([8]) في ديوان أوس بن حجر 23 واللسان (صقع): "أأبا دليجة". ورواية المقاييس هذه بحذف همزة الأب، كما جاء في قوله:

يا با المغيرة والدنيا مغيرة *** وإن من غرت الدنيا لمغرور


ـ (باب الصاد والكاف وما يثلثهما)

(صكم) الصاد والكاف والميم أصلٌ واحد يدلُّ على ضربِ الشَّيْء بشدة. فالصَّكْمة: الصَّدْمة الشديدة. والعرب تقول: صكمتهم صواكم الدَّهر. والفرس يصْكُم، إِذا عَضَّ على لجامه مادَّاً رأسه. وقال الفراء: صكمه، إِذا ضَرَبَه ودَفعه.‏

 

ـ (باب الصاد واللام وما يثلثهما)

(صلم) الصاد واللام والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على قطع واستئصال. يقال صَلَمَ أُذُنَه، إذا استأصَلها. واصْطُلِمَت الأُذُن. أنشد الفرّاء:

مثل النَّعامةِ كانت وهي سالمةٌ *** أذْنَاءَ حتَّى زَهَاهَا الحَيْنُ والجُبُنُ([1])

جاءت لتشرِيَ قَرناً أو تعوِّضَه *** والدّهر فيه رَبَاحُ البيع والغَبَنُ

فقيل أُذْناكِ ظَلْمٌ ثُمّت اصطُلِمَتْ  *** إلى الصِّماخ فلا قَرْنٌ ولا أُذُنُ

والصَّيْلم: الدَّاهِية، والأمر العظيم، وكأنَّه سمِّي بذلك لأنَّه يَصْطَلِم. فأمَّا الصَّلامَة، ويقال بالكسر الصِّلاَمة، فهي الفِرقة من النّاس، وسمّيت بذلك لانقطاعِها عن الجماعة الكثيرة. قال:

لأمِّكم الويلاتُ أنّى أتيتُم *** وأنتم صَِـلاَماتٌ كثيرٌ عديدُها([2])

(صلي) الصاد واللام والحرف المعتل أصلان: أحدهما النار وما أشبهها من الحُمَّى، والآخر جنسٌ من العبادة.

فأمَّا الأوّل فقولهم: صَلَيْتُ العُودَ بالنار([3]). والصَّلَى صَلَى النّار. واصطّليتُ بالنَّار. والصِّلاَء: ما يُصْطَلَى بِهِ وما يُذكَى به النَّار ويُوقَد. وقال([4]):

تَجْعَلُ العودَ واليَلَنْجُوجَ والرَّنْـ *** ـدَ صِلاَءً لَها على الكَانونِ([5])

وأمَّا الثاني : فالصَّلاَةُ وهي الدُّعاء. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِذا دُعِيَ أحدُكم إلى طَعامٍ فليُجِبْ، فإِنْ كان مفطراً فليأكلْ، وإِنْ كانَ صائماً فليصلّ"، أي فليَدْعُ لهم بالخير والبركة. قال الأعشى:

تقول بِنْتي وقد قرَّبتُ مُرْتَحَلاً *** ياربِّ جنِّبْ أبي الأوصابَ والوَجَعَا([6])

عليكِ مثلُ الذي صَلَّيتِ فاغتَمِضِي *** نوماً فإنَّ لِجَنْبِ المرءِ مُضْطَجَعا

وقال في صفة الخمر:

وقابَلَها الرِّيحُ في دَنِّها *** وصلَّى على دَنِّها وارتَسمْ([7])

والصلاة هي التي جاء بها الشَّرع من الركوع والسُّجود وسائرِ حدودِ الصلاة. فأمَّا الصَّلاة من الله تعالى فالرَّحمة، ومن ذلك الحديث: "اللهمَّ صلِّ على آل أبي أوْفى". يريد بذلك الرَّحمة.

ومما شذَّ عن الباب كلمةٌ جاءت في الحديث: "إنَّ للشّيطان فُخوخاً وَمَصَالِيَ"، قال: هي الأشراك، واحدتها مِصْلاَةٌ.

(صلب) الصاد واللام والباء أصلان: أحدهما يدلُّ على الشدّة والقوّة، والآخر جنس من الوَدَك.

فالأوَّل الصُّلب، وهو الشيء الشَّديد. وكذلك سُمِّيَ الظَّهر صُلْباً لقوّته. ويقال إنَّ الصَّلَبَ الصُّلْبُ. ويُنشَد:

* في صَلَبٍ مثلِ العِنانِ المُؤْدَم([8]) *

ومن ذلك الصَّالب من الحُمَّى، وهيَ الشَّديدة. قال:

وماؤُكما العذب الذي لو شربتُهُ *** وبي صالبُ الحمَّى إِذاً لَشَفَاني([9])

وحكى الكسائيّ: صَلَبَتْ عليه الحمَّى، إذا دامت عليه واشتدَّت، فهو مصلوبٌ عليه.

ومن الباب الصُّلّبيَّة: حجارة المِسَنّ([10])، يقال سِنان مصَلَّبٌ، أي مسنون. ومنه التّصليب، وهو* بلوغ الرُّطَب اليُبس؛ يقال صَلَّبَ. ومن الباب الصَّليب، وهو العَلَم. قال النابغة:

ظلَّتْ أقاطيعُ أنعامٍ مؤبّلةٍ  *** لدى صَلِيبٍ على الزوراءِ منصوبِ([11])

وأما الأصل الآخر فالصَّليب، وهو وَدَك العَظْم. يقال اصطَلَبَ الرجُل، إِذا جَمَع العظامَ فاستخرج وَدَكها ليأْتدِم به. وأنشد:

* وباتَ شَيخ العِيال يَصطَلِبُ([12]) *

قالوا: وسمِّيَ المصلوبُ بذلك كأنَّ السِّمَن يجري على وجهه.([13])[والصليب: المصلوب]، ثمَّ سمِّي الشيء الذي يُصلَب عليه صَليباً على المجاورة. وثوب مُصَلَّبٌ، إذا كان عليه نقشُ صَليب. وفي الحديث في الثوب المصلَّب، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "كان إِذا رآه في ثوبٍ قَضَبه"، أي قَطَعَه. فأمَّا الذي يقال، إنَّ الصَّولَبَ البَذْر يُنْثَر على وجه الأرض ثم يُكرَبُ عليه، فمن الكلام المولّد الذي لا أصلَ له.

(صلت) الصاد واللام والتاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بروزِ الشيء ووضوحه. من ذلك الصُّلْت، وهو الجبين الواضح؛ يقال صَلْت الجبين، يُمدَح بذلك. قال كُثَيِّر:

صَلْت الجبين إِذا تبسَّم ضاحكاً *** غلِقَتْ لِضَحْكَتِهِ رقابُ المالِ

وهذا مأخوذٌ من السَّيف الصَّلْت والإِصليت، وهو الصَّقيل. يقال: أَصْلَتَ فلانٌ سيفَهُ، إِذا شامَهُ من قِرابِهِ.

ومن الباب الصُّلت([14]) وهو السّكّين، وجمعه أصلات. ويقال: ضَرَبَهُ بالسيف صَلْتاً وصُلْتاً. ومن الباب: الحمار الصَّلَتان، كأنَّه إذا عدا انصلت، أي تبرَّز وظَهَرَ. ومن الباب قولهم: جاء بمرَق يَصْلِت، إِذا كان قليلَ الدَّسَمِ كثيرَ الماءِ. وإِنَّما قيل ذلك  لبُروزِ مائِهِ وظُهورهِ، من قلّة الدَّسَمِ على وجهه.

(صلج) الصاد واللام والجيم ليس بشيءٍ، لقلّة ائتلافِ الصاد مع الجيم. وحكيت فيه كلماتٌ لا أصل لها في قديم كلام العرب. من ذلك الصَّولَج، وهي فيما زعموا الفضَّة الجيدة. يقال هذه فضَّةٌ صوْلج. ومنه الصَّولَجان. ويقال: الأصلج: الأملس الشَّديد. وكلُّ ذلك لا معنى له.

(صلح) الصاد واللام والحاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خِلاف الفَساد. يقال صلُحَ الشَّيءُ يصلُحُ صلاحاً. ويقال صَلَح بفتح اللام. وحكى ابنُ السكِّيت صلَحَ وصلُح. ويقال صَلَح صُلوحاً. قال:

وكيف بأطْرافي  إِذا ما شتمتَني *** وما بعد شَتْم الوالِدَينِ صُلوحُ([15])

وقال بعض أهل العلم: إنَّ مكة تسمَّى صَلاحاً([16]).

(صلخ) الصاد واللام والخاء فيه كلمة واحدة. يقال إنَّ الأَصلَخَ الأصمّ. قال سَلَمَة: قَال الفرّاء: "كان الكميتُ أصمَّ أَصْلَخَ".

(صلد) الصاد واللام والدال أصلٌ واحدٌ صحيح، يدلُّ على صلابةٍ ويُبْس. من ذلك الحجر الصَّلْد، وهو الصُّلْب. ثم يُحْمَل [عليه] قولُهم: صَلِدَ الزّندُ، إِذا صلع

لم يُخرِج نارَه. وأصْلَدته أنا. ومنه الرّأسُ الصَّلْد الذي لا يُنبِتُ شعراً، كالأرضِ التي لا تُنبِتُ شيئاً. قال رؤبة:

* برّاقَ أصلادِ الجبينِ الأجلهِ([17]) *

ويقال للبخيل أَصْلَد، فهو إمَّا من المكان الذي لا يُنبِت، أو الزَّنْد الذي لا يُورِي. ويقال ناقةٌ صلودٌ، أي بكِيئَةٌ قليلة اللّبَن غليظةُ جلدِ الضَّرع. ومنه الفَرسُ الصَّلُود، وهو الذي لا يَعرَق. فإِذا نُتِجَت النّاقةُ ولم يكن لها لبنٌ قيل ناقة مِصلادٌ.

(صلع) الصاد واللام والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على ملاسةٍ. من ذلك الصَّلَع في الرّأْس، وأصله مأخوذٌ من الصُّلاَّع، وهو العريض من الصَّخر الأملس، الواحد صُلاَّعة. وجبلٌ [صليع([18])]: أملس لا ينبت شيئاً. قال عمرو بن معد يكرب:

[وزَحفُ كتيبةٍ للقاء أخرى  *** كأنَّ زهاءَها رأسٌ صليع]([19])

ويقال للعُرفُطةِ إِذا سقطت رؤوسُ أغصانِها: صَلْعَاء. وتسمَّى الداهية صلعاء، أي بارزة ظاهرة لا يَخْفَى أمرُها. والصَّلْعة([20]): موضع الصَّلَع من الرَّأْس. والصَّلْعاء من الرمال: ما لا يُنبِتُ شيئاً من نَجْم ولا شجر. ويقال * لجنسٍ من الحيات: الأُصَيْلِع، وهو مثل الذي جاء في الحديث: "يجيء كَنْزُ أحدهم يومَ القيامة شجاعاً أَقْرَع([21])". ويريد بذلك الذي انمارَ ([22]) شعَر رأسه، لكثرة سِمَنه. قال الشاعر:

قَرَى السُّمَّ حتَّى انمارَ فروةُ رأسِهِ *** عن العظم صِلٌّ فاتكُ اللَّسْعِ ماردُ([23])

(صلغ) الصاد واللام والغين ليس بأصلٍ؛ لأنّه من باب الإِبدال. يقال للذي تَمَّ سِنُّه من الضَّأنِ في السَّنةِ الخامسة: صالغ. وقد صَلَغ صُلُوغاً.

(صلف) الصاد واللام والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على شِدّةٍ وكَزازة.  من ذلك الصَّلَف، وهو قِلّة نَزَلِ الطّعام([24]). ويقولون في الأمثال: "صَلَفٌ تحت الرّاعِدة"، يقال ذلك لمن يُكثِر كلامه ويَمدح نفسَه ولا خير عنده.

ومن الباب: قولهم: صَلِفَت المرأةُ عند زوجها، إِذا لم تَحْظَ عنده. وهي بيِّنة الصَّلَف. قال:

* وآبَ إِليها الحزْنُ والصَّلَفُ([25]) *

قال الشيبانيّ: يقال للمرأة : أَصلَفَ اللهُ رُفْغَها([26]). وذلك أن يبغّضَها إلى زوجها.

والأصل في هذا الباب قولهم للأرض الصُّلْبَة صَلْفاء، وللمكان الصُّلب أصلف. والصَّلِيفُ([27]): عُرْض العُنُق، وهو صلْبٌ. والصَّلِيفان: عُودانِ يعترضانِ على الغَبيطِ تَشَدُّ بهما المَحامِل. قال:

* أقبُّ كأنَّ هادِيَهُ الصَّليفُ([28]) *

فأمّا الرَّجل الصَّلِف فهو من هذا، وهو من الكَزازة وقِلّة الخير. وكان الخليل يقول: الصَّلف مجاوزة قدر الظَّرف، والادِّعاءُ فوق ذلك.

(صلق) الصاد واللام والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على صيحةٍ بقوّة وصَدْمةٍ وما أشبَهَ ذلك. فالصَّلْق: الصوت الشَّديد. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس مِنَّا مَنْ صَلَقَ أو حَلَقَ". يريد شدّة الصِّياح عند المصيبةِ تَنْزِل. والصَّلاَّق والمِصلاق: الشديد الصوت. والصَّلْقة: الصَّدْمة والوقعة المُنكَرة. قال لبيد:

فصَلَقْنا  في مُرادٍ  صَلْقةً *** وصُداءٍ ألحَقَتْهم بالثَّلَلْ([29])

قال الكسائي: الصَّلْقة الصِّياح، وقد أصلَقُوا إصلاقاً. واحتجَّ بهذا البيت. وقال أبو زيد: صَلَقَه بالعصا: ضَرَبَه. والصَّلْق : صَدم الخَيل في الغارة. ويقال صَلَقَ بنو فلانٍ بني فلان، إِذا أوقعوا بهم فقتلوهم قتلاً ذَريعاً. ويقال تصلَّقت الحاملُ، إِذا أخذها الطَّلْق فألقت بنفسها [على] جَنْبَيْها([30]) مرَّةً كذا ومرَّة كذا. والفحل يُصْلِق بنابه إِصلاقاً، وذلك صَريفُهُ. والصَّلَقات: أنياب الإِبل التي تَصْلِق. قال:

لم تَبْكِ حولك نِيبُها وتقاذفَتْ *** صَلَقاتُها كَمَنابتِ الأشجارِ([31])

فأمَّا القاع المستدير فيقال لـه الصَّلَق، وليس هو من هذا، لأنَّه من باب الإبدال وفيه يقال السَّلَق، وقد مضى ذِكره. وينشد بيت أبي دؤاد بالسين والصاد:

تَرى فاه إذا أقبـ *** ـل مثل الصَّلَقِ الجَدْبِ([32])

ولا انكر أن يكون هذا البابُ كلُّه محمولاً على الإِبدال. فأمَّا الصَّلائق فيقال هو الخبز الرّقيق، الواحدة صليقة، فقد يقال بالراء الصريقة، ويقال بالسين السَّلائق. ولعلَّه من المولّد.

ـــــــــــــــــــ

([1]) كذا جاء على الصواب في الأصل واللسان (جنن). والجنن بضمتين: الجنون. وفي المجمل : "والجبن" تحريف. وفي أمثال الميداني عند قولهم: (كطالب القرن جدعت أذنه): "حتى زهاها الحين والحبن"، تحريف أيضاً.

([2]) في الأصل: "أي أتيتم صلامات"، وتصحيحه وإكماله من المجمل.

([3]) زاد في المجمل: "إذا لينته".

([4]) هو أبو دهبل الجمحي كما في شرح القصائد السبع لابن الأنباري في البيت السابع من القصيدة السادسة.

([5]) الرند: العود الذي يتبخر به. وفي الأصل: "الزند"، تحريف.

([6]) ديوان الأعشى 73.

([7]) ديوان الأعشى 29 واللسان (رسم). وروي في الديوان: "وارتشم".

([8]) البيت للعجاج كما في إصلاح المنطق 46، 98. وليس في ديوانه.

([9]) لطهمان بن عمرو الكلابي، كما في معجم البلدان (دمخ)، من أبيات سبق أحدها (دمخ).

([10]) شاهده قول امرئ القيس:

* كحد السنان الصلبي النحيض *    أراد بالسنان: المسن.

([11]) ديوان النابغة: 11.

([12]) للكميت الأسدي، في اللسان (صلب 16)، وإصلاح المنطق 46. وصدره:

* واحتل برك الشتاء منزله *.

([13]) في المجمل: "لأن ماء السمن يجري فيه".

([14]) يقال بفتح الصاد وضمها.

([15]) إصلاح المنطق 124. وقال: وأطرافه: أبواه وإخوته وأعمامه وكل قريب لـه محرم". وفي اللسان (صلح): "بإطراقي"، تحريف. وسيأتي في (طرف).

([16]) ويقال أيضاً: "صلاح" كقطام.

([17]) قبله في ديوانه 165 واللسان (جله):

* لما رأتني خلق المموه *.

([18]) التكملة من جمهرة ابن دريد (3: 77).

([19]) البيت ساقط من الأصل، وليس في المجمل. وإثباته من الجمهرة في الموضع السالف. وفي الأصمعيات 44: "وسوق كتيبة دلفت لأخرى".

([20]) تقال بالتحريك، وبالضم أيضاً.

([21]) سبق الحديث في مادة (شجع) ص 248.

([22]) في الأصل: "انماز" في هذا الموضع والبيت التالي، تحريف. وانمار الشعر: انتتف.

([23]) قرى السم: جمعه. وفي الأصل: "ترى"، تحريف.

([24]) النّزل، بالتحريك وبالضم: البركة. وفي الأصل: "ترك الطعام"، تحريف، صوابه في المجمل واللسان.

([25]) من بيت للأعشى، وهو بتمامه كما في الديوان 210 والجمهرة (3: 81):

إذا آب جارتها الحسناء قيمها  *** ركضا وآب إليها الحزن والصلف

ويروى : "الثكل والتلف".

([26]) الرفغ، بالضم: واحد الأرفاغ، وهي المغابن من الآباط وأصول الفخذين، وفي الأصل: "رفعها" تحريف. وفي المجمل واللسان:"رفغك".

([27]) بدلها في الأصل: "وهو"، وأثبت ما في المجمل واللسان.

([28]) صدره في تاج العروس:

* ويحمل بزه في كل هيجا *.

([29]) سبق  البيت وتخريجه في (1: 369).

([30]) في الأصل: "جبينها"، وتصحيحها والتكملة قبلها من المجمل واللسان.

([31]) في الأصل: "لمنابت الأشجار"، صوابه من اللسان (صلق).

([32]) البيت مع قرين له في اللسان (صلق).

 

 


ـ (باب الصاد والميم وما يثلثهما )

(صمي) الصاد والميم والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على السُّرعة في الشيء. يقال للرَّجُل المبادِر إلى القتال شَجاعةً: هو صَمَيانٌ. وهو من الصَّمَيان وهو الوثْب والتقلُّب. ويقال انصمى الطائر، إِذا انقضَّ. ويقال أصمى الفَرسُ، إِذا مضى على وجْهه عاضّاً على لجامه.

ومن الباب: رمى الرَّجُل الصّيدَ فأصمى، إذا قتله مكانه، وهو خلاف أنْمَى.

(صمت) الصاد والميم والتاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إبهام وإغلاق. من ذلك صَمَتَ الرّجُل، إذا سَكَتَ، وأَصْمَت أيضاً. ومنه قولهم: "لقيتُ فلاناً  ببلدة إِصْمِتَ"، وهي القَفر التي لا أحد بها، كأنها صامتةٌ ليس بها ناطق. ويقال "ماله صامتٌ ولا ناطق". فالصَّامت: الذّهب والفِضّة. والنَّاطق: الإِبل والغنم والخيل. والصَّمُوت: الدِّرْع * الليّنة التي إِذا صَبَّها([1]) الرَّجُل على نفسه لم يُسمَع لها صوت. قال:

وكلِّ صموتٍ نثرةٍ تُبّعيَّةٍ  *** ونسج سليمٍ كل قَضَّاءَ ذائِلِ([2])

وبابٌ مُصْمَت: قد أُبْهِمَ إغلاقه. والصامت من اللبن: الخاثر؛ وسمِّي بذلك لأنه إذا كان كذا فأفرغ في إناء لم يُسمع لـه صوت. ويقال: بِتُّ على صِمات ذاكَ، أي على قَصْدِهِ. فيمكن أن يكون شاذّاً، ويمكن أن يكون من الإِبدال، كأنّه مأخوذٌ من السَّمْت، وهي الطَّريقة. قال:

وحاجةٍ بتُّ على صِمَاتِها([3]) *** أتيتُها وَحْدِيَ مِنْ مَأْتاتها

ويقال : رمَاه بصِماتِهِ، أي بما أصمته. وأعطى الصَّبيَّ صُمْتَةً، أي ما يسكّنه.

(صمج) الصاد والميم والجيم ليس بشيء، على أنَّهم يقولون: الصَّمَج: القناديل، الواحدة صَمَجة. وينشدون:

* والنَّجم مثل الصَّمَج الرُّوميَّاتْ([4]) *

(صمح) الصاد والميم والحاء أُصَيلٌ يدلُّ على قوّةٍ في الشيء، أو طُول. يقال الصَّمَحْمَح: الطَّويل. ويقولون: إنَّ الصُّمَاح الكيّ. والصُّمَاح: النَّتن. والصِّمحاءَةُ: المكان الخَشن.

(صمخ) الصاد والميم والخاء أصلٌ واحد وكلمة واحدة، وهو الصِّماخ: خَرْق الأُذُن. يقال صَمَخْتُهُ، إِذا ضَربتَ صِماخَه.

(صمد) الصاد والميم والدال أَصلان: أحدهما القَصْد، والآخَر الصَّلابة في الشَّيء.

فالأوَّل: الصَّمْد: القصد. يقال صَمَدْتُه صَمْداً. وفلان مُصَمَّدٌ، إِذا كان سيِّداً يُقصَدُ إليه في الأمور. وصَمَدٌ أيضاً. والله جلَّ ثناؤه الصَّمَد؛ لأنه يَصْمِد إليه عبادُهُ بالدُّعاء والطَّلَب. قال في الصَّمَد([5]):

علوتُهُ بحُسامٍ ثم قلتُ لـه *** خذْها حُذَيفَُ فأنت السيِّد الصَّمَدُ([6])

وقال في المصَمَّد طَرَفَة:

وإِنْ يَلْتَقِي الحيُّ الجميعُ تُلاقِني *** إلى ذِروةِ البيت الرَّفيعِ المُصمَّدِ([7])

والأصل الآخر الصَّمْد، وهو كلُّ مكانٍ صُلْب. قال أبو النَّجم:

* يغادِرُ الصَّمْدَ كظَهْر الأَجزَلِ([8]) *

(صمر) الصاد والميم والراء، قال ابن دريد([9]): فعلٌ ممات، وهو أصل بناء الصَّمِير. يقال رجل صَمِير: يابس اللَّحم على العِظام.

ويقال الصَّمْر: النَّتْن. ويقال المتصمِّر: المتشمِّس. ويقولون: لقيتُه بالصُّمَير، أي وقتَ غُروب الشّمس. وفي كلِّ ذلك نظَر.

(صمع) الصاد والميم والعين أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على لطافةٍ في الشّيء وتضامٍّ. قال الخليلُ وغيره: كلُّ منضمٍّ فهو متصمِّع. قال: ومن ذلك اشتقاق الصَّومعة. ومن ذلك الصَّمع في الأُذنَين. يقال هو أصمعُ، إِذا كان أَلصَق([10]) الأذنين. ويقال: قلبٌ أصمع، أي لطيف ذكيّ. ويقال للبُهْمَى إِذا ارتفعت ولم تتفَقأ: صَمْعاء. وذلك أنَّها [إِذا] كانت كذا كانت منْضَمَّةً لطيفة. وإِذا تلطَّخَ الشَّيء بالشيء فتجمَّعَ كريش السَّهم فهو متصمِّع. قال:

فرمَى فأنفَذَ من نَحُوصٍ عائطٍ *** سهماً فخرّ وريشُه مُتصمِّعُ([11])

أي متلطّخ بالدّم منْضمّ. والكلاب صُمْعُ الكعوب، أي صغارُها ولِطافُها قال النابغة:

* صُمْعُ الكُعوبِ بريئاتٌ من الحَردِ([12]) *

(صمغ) الصاد والميم والغين كلمةٌ واحدة، هي الصَّمغ([13]).

(صمك) الصاد والميم والكاف أُصَيلٌ يدلُّ على قوةٍ وشِدة. من ذلك الصمكْمَك، وهو القويّ. وكذلك الصَّمْكُوك: الشَّيء الشديد. والصَّمكيك: كلُّ شيءٍ لزِج كاللُّبان ونحوِه. ويقال اصْمَاكَّ الرَّجلُ، إذا تغضّبَ([14]). وهو ذاك القياس. واصماكّ اللّبنُ، إِذا خثُر حتَّى يشتدّ فيصير كالجبْن.

(صمل) الصاد والميم واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شِدّة وصلابة. يقال صَمَلَ الشيء صُمُولاً، إِذا صلُب واشتدَّ. ورجل صُمُلٌّ: شديد البَضْعة . وكان الخليل يقول: لا يقال ذلك إلاّ للمجتمع السنّ. واصمألَّ النّباتُ، إِذا قوِيَ والتفّ. والصَّامل مِنْ كلِّ شيء: اليابس. وصَمَل الشّجر، إِذا لم يجد رِيّاً فَخشُن. ويقال صَمَله بالعصا، إِذا ضَربَهُ. والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــــ

([1]) صبها، أي لبسها. وفي الأصل: "صلبها"، تحريف. وفي المجمل: "إذا صبت".

([2]) البيت للنابغة في ديوانه 64 واللسان (صمت). ورواية الديوان واللسان: "نثلة" وهما سيان.

([3]) البيت في اللسان (صمت 361).

([4]) البيت للشماخ، كما في اللسان (صمج). وفي ديوانه 103 أرجوزة  البيت وليس فيها البيت.

([5]) بدله في المجمل: "أنشدني أبي رحمه الله".

([6]) أنشده في اللسان (صمد) بدون نسبة.

([7]) البيت من معلقته المشهورة.

([8]) أنشده في اللسان (صمد، جزل). وقد سبق في (جزل) حيث نبهت على أن صواب روايته: "تغادر" بالتاء. ويؤيد هذا الصواب أيضاً أنها رويت بالتاء في "أم الرجز" المنشورة في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق في العدد 8 سنة 1347.

([9]) في الجمهرة: (2: 359).

([10]) كذا وردت هذه التكملة، وفي المجمل: "الأصمع: اللاصق الأذنين".

([11]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 8، والمفضليات (2: 225) واللسان (صمع).

([12]) صدره كما في الديوان 19 واللسان (صمع):

* فبثهن عليه واستمر به *.

([13]) الصمغ، بسكون الميم، وقد تفتح.

([14]) في الأصل، "تغضت"، صوابه في المجمل.

 

ـ (باب الصاد والنون وما يثلثهما)

(صنو) الصاد والنون والحرف المعتلّ أصلٌ صحيح يدلُّ على تقارُب بين شيئين، قرابةً أو مسافةً. من ذلك الصِّنو: الشَّقيق. وعمُّ الرّجل صِنوُ أبيه. وقال الخليل، يقال فلانٌ صِنْوُ فلانٍ، إذا كان أخاه وشقيقَه لأمِّه وأبيه. والأصل في ذلك النَّخلتانِ تخرجان([1]) من أصلٍ واحدٍ، فكلُّ واحدة منهما على حيالها صِنوٌ، والجمع صِنوانٌ. قال الله تعالى: {وَنَخِيل صِنْوانٌ وغيرُ صِنْوانٍ.[الرعد 4]. قال أبو زيد رِكيَّتانِ صِنْوانِ، وهما المتقاربتان حتى لا يكونَ بينهما من تقارُبهما حَوْض.

ومما شذَّ عن هذا الأصل الصِّنو: مثل الرّدْهَة تُحفَر في الأرض، وتصغيره، صُنَيٌّ. قالت ليلى:

أنابِغَ لم تَنْبَغْ ولم تكُ أوَّلاً *** وكنْتَ صُنَيَّاً بين صُدَّيْن مَجْهَلا([2])

(صند) الصاد والنون والدال أصلٌ صحيح، يدلُّ على عظم قدْر وعظم جِسْم. من ذلك الصِّندِيد، وهو السَّيّد الشَّريف، والجمع صناديد. ويقال صناديد البَرَدِ: باباتٌ منه ضِخام. وغيثٌ صِنديدٌ: عظيم القَطْر.  ويقال للدَّواهِي الكبارِ صناديد. ويروى عن الحسن في دعائِة: "نعوذُ بك من صناديد القَدَر" أي دواهِيه.

(صنر) الصاد والنون والراء ليس بأصلٍ، ولا فيه ما يعوَّل عليه لقلَّة الرَّاء مع النون. على أنَّهم  يقولون الصِّنَارة بلغة اليمن: الأذُن. والصِّنَارة: حديدةٌ في المِغْزَل مُعَقَّفَة. وليس بشيء.

(صنع) الصاد والنون والعين أصلٌ صحيح واحد، وهو عملُ الشيء صُنْعَاً. وامرأة صَنَاعٌ ورجلٌ صَنَعٌ، إِذا كانا حاذقَين فيما يصنعانه. قال:

خَرقاء بالخيرِ لا تهْدِي لوِجْهَتِهِ *** وهي صَنَاعُ الأَذى في الأهلِ والجارِ

والصَّنِيعة: ما اصطنعتَه مِنْ خير. والتصنُّع: حُسن السَّمْت. وفرسٌ صَنِيعٌ: صَنَعَه أهلُه بحُسْن القِيام عليه. والمَصانع: ما يُصنَعُ من بئرٍ وغيْرِها للسَّقي.

ومن الباب: المُصانَعة، وهي كالرِّشْوة.

وممّا شذَّ عن هذا الأصل الصِّنْع، يقال إِنَّه السَّفُّود. وقال المَرّار([3]):

(صنف) الصاد والنون والفاء أَصلٌ صحيح مطّرد في معنيين، أحدهما الطّائفة من الشّيء، والآخر تمييز الأشياء بعضها عن بعض.

فالأوَّل الصِّنْف، قال الخليل: الصِّنْف طائفةٌ من كلِّ شيء. وهذا صِنفٌ  من الأصناف أيْ نوع. فأمّا صنفة الثَّوب([4]) فقال قوم: هي حاشيتُهُ. وقال آخرون: بل هي النّاحية ذات الهُدْب.

والأصل الآخَر، قال الخليل: التَّصنيف: تمييز الأشياءِ بعضها عن بعض.

ولعَّل تصنيف الكتاب من هذا. والغريب المصنَّف من هذا، كأنَّه مُيِّزَت أبوابُه فجُعِلَ لكلِّ بابٍ حَيِّزُه. فأمَّا أصله في لغة العرب فمن قولهم صَنّفَت الشَّجرةُ، إذا أخرجت ورقَها. قال ابن قيسِ الرُّقيّات:

سَقْياً لِحُلْوانَ ذي الكُرومِ وما  *** صَنَّفَ من تينه ومن عِنَبِه([5])

(صنق) الصاد والنون والقاف كلمة إن صحَّت. يقولون إنَّ الصَّنَق: الذَّفر. وحكى بعضُهم : أَصْنَقَ الرجلُ في ماله، إِذا أحسَنَ القيامَ عليه.

(صنم) الصاد والنون والميم كلمةٌ واحدةٌ لا فرعَ لها، وهي الصَّنَم. وكان شيئاً يُتَّخَذُ من خشبٍ  أو فضّة أو نُحاسٍ فيُعبَد.

(صنج) الصاد والنون والجيم ليس بشيء. والصَّنْج دَخِيل.

ـــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "تخرج".

([2]) أنشده في اللسان (صنا). تقوله للنابغة الجعدي.

([3]) كذا ورد الكلام مبتوراً. وفي المجمل: "والصنع في شعر المرار السفود". ولم أجد شاهداً إلا قول الشاعر في اللسان (صنع):

* صنع اليدين بحيث يكوى الأصيد *

([4]) يقال صنفة، بفتح  فكسر، وبكسر فسكون.

([5]) ديوان ابن قيس الرقيات 82 واللسان (صنف).

 

ـ (باب الصاد والهاء وما يثلثهما)

(صهو) الصاد والهاء والحرف المعتلّ أُصَيْلٌ يدلُّ على علوّ. من ذلك الصَّهْوَة، وهو مَقعد الفارس مِنْ ظَهْر الفَرَس. والصَّهَوات: أعالي الرَّوَابِي، ربما اتُّخِذَت فوقَها بُرُوج، الواحدة صَهْوَة. وقال الشيباني: الصِّهاء: مناقع الماء الواحد صهوة. وهذا وإن كان صحيحاً فإنّ القِياس أن يكون مناقِعَ في أماكنَ عالية.

ومن الباب أن يصيب الإنسان جُرْحٌ ثم يَنْدَى دائماً، فيقال صَهِيَ يَصْهَى، وهو ذلك القِياس؛ لأنَّه ندىً يعلو الجُرح.

(صهر) الصاد * والهاء والراء أصلان: أحدهما يدلُّ على قُربَى، والآخر على إِذابة شيء.

فالأوّل الصِّهْر، وهو الخَتَن. قال الخليل: لا يقال لأهلِ بيت الرجل إلاَّ أَخْتَانٌ، ولا لأهل بيت المرأة إلاَّ أصهار. ومن العرب من يجعلهم أصهاراً كلَّهُم. قال ابن الأعرابيّ: الإصهار: التَّحَرُّم بجِوارٍ أو نَسَب أو تَزَوُّج. وفي كلِّ ذلك يُتأَوَّل قولُ القائل:

قَود الجياد وإِصهارُ الملوك وصَـبـ *** ـرٌ في مواطنَ لو كانوا بها سئموا([1])

والأصل الآخر: إِذابة الشَّيء. يقال صَهَرْتُ الشَّحمةَ. والصُّهارة: ما ذاب منها. واصطهرتُ الشَّحمة. قال:

وكنتَ إِذا الوِلدانُ حَانَ صَهيرُهم *** صَهَرْتَ فلم يَصْهَرْ كصهرِكَ صاهر([2])

يقال صَهَرْتَه الشَّمْسُ، كأنّها أذابته. يقال ذلك للحِرباء إِذا تلألأ ظَهْرُه من شدّة الحرّ. ويقال إِنّهم يقولون: لأَصْهَرنَّه بيمينٍ مُرَّة. كأنه قال: لأُذِيبَنَّه.

(صهد) الصاد والهاء والدال بناءٌ صحيح يدلُّ على ما يُقارب الباب الذي قبله. يقولون: صَهَدَته الشَّمس مثل صَهَرَتْه الشَّمْس. ثم يقال على الجِوار للسَّرابِ الجاري صَيْهَد. قال الهذلي([3])في صيهد الحَرِّ:

وذكَّرها فَيْحُ نَجْمِ الفُرو *** عِ من صَيْهدِ الصَّيْفِ بَرْدَ الشَّمالِ([4])

(صهب) الصاد والهاء والباء بناءٌ صحيح، وهو لونٌ من الألوان من ذلك الصُّهْبَة: حُمرةٌ في الشَّعر، يقال رجلٌ أصهب. والصَّهْباء: الخمْر؛ لأنَّ لونَها شبيبهٌ بهذا، والمُصَهَّب من اللحم: ما اختلطت حُمرتُهُ ببياض الشَّحم وهو يابس. وأمَّا الصُّخور فيقال الصَّياهِب، فممكنٌ أن يكون ذلك اللّون، ويمكن أن يكون لشدتها، أو يكون من الصَّيْخَد ويصير من باب الإِبدال. ويقولون لليوم الشَّديد البرد: أصهب، وذلك لما يعلو الأرض من الألوان.

(صهل) الصاد والهاء واللام أصلٌ صحيحٌ، وفروعه قليلة، ولعلّه ليس فيه إلاّ صَهَل الفرس، وفرسٌ صَهَّال.

(صهم) الصاد والهاء والميم أصلٌ صحيح قليل الفروع، لكنَّهم يقولون: الصِّهْميم: السيِّئُ الخُلق من الإِبل، ويشبِّهون به الرَّجُلَ الذي لا يثبت على رأيٍ  واحد. والله أعلم.

ـــــــــــــ

([1]) البيت لزهير في ديوانه 161 واللسان (صهر). وقبله:

فضله فوق أقوام ومجده *** ما لن ينالوا وإن جادوا وإن كرموا

([2]) أنشده في المجمل أيضاً.

([3]) هو أمية بن أبي عائذ الهذلي. وقصيدته في شرح السكري للهذليين 180 ونسخة الشنقيطي 79.

([4]) في اللسان (صهر): "فأوردها فيج". وأنشده في (فرع) بروايتنا هذه وقال: "هي فروع الجوزاء بالعين، هو أشد ما يكون من الحر. فإذا جاءت الفروغ بالغين، وهي من نجوم الدلو، كان الزمان حينئذٍ بارداً ولا فيح يومئذٍ".

 

ـ (باب الصاد والواو وما يثلثهما)

(صوي) الصاد والواو والياء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على شدّةٍ وصَلابة ويُبْس. عن ابن دريد([1]): "صَوَى الشَّيء، إذا يَبِس، فهو صاوٍ. ويقال صوِيَ يَصوَى". والصَّوَّانُ: حجارةٌ فيها صلابة. وربَّما استُعِير من هذا وحُمِلَ عليه فقيل صَوَّيْت لإِبلي فَحْلاً، إذا اخترتَه لها. ولا يكون الاختيارُ وحدَه تصويَةً، لكن يُصنَع لذلك حتَّى يقوَى ويصلُب. قال:

* صَوَّى لها ذا كِـَدْنَةٍ جُلْذيَّا([2]) *

وهذا مشتقٌّ من التَّصوية في الشتاء، وذلك أن يُيَبَّس أخلافُ الشَّاة ليكون أسمَنَ لها. يقال صَوَّاها أصحابُها.

ومن الباب الصُّوَى، وهي الأعلام من الحجارة. وقول من قال إنّها مُخْتَلَف الرِّياح فالأعلام لا تكون إلاّ كذا. قال:

* وَهَبَّتْ له ريحٌ بمختلَفِ الصُّوى([3]) *

(صوب) الصاد والواو والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على نزولِ شيءٍ واستقرارِهِ قَرَارَه. من ذلك الصَّوَابُ في القول والفعل، كأنَّه أمرٌ نازلٌ مستقِرٌّ قرارَه. وهو خلاف الخطأ. ومنه الصَّوْب، وهو نزول المطر. والنازل صَوبٌ أيضاً. والدّليلُ على صحّة هذا القياس تسميتُهم للصَّواب صَوْباً. قال الشاعر([4]):

ذَرِيني إِنَّما خطئي وصَوبِي *** عليَّ وإِنَّما أَنفقتُ مالِي([5])

ويقال الصَّيِّب السّحاب ذو الصَّوْب. قال الله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة 19]. والصَّوْب: النُّزول. قال:

فَلَسْتَ لأنسيٍّ ولكن لملأَكٍ *** تَنَزَّلَ من جوِّ السَّماءِ يَصوبُ([6])

ويقال للأمر إذا استقرَّ قرارَه على الكلام الجارِي مَجْرى الأمثال: "قد صابت بِقُرّ". قال طرَفة: 

سادراً * أحسَبُ غَيِّي رشَداً *** فتناهيتُ وقد صابَت بِقُرّْ([7])

والتَّصويب:  حَدَب في حَدور، لا يكون إلاَّ كذا. فأمَّا الصُّيَّابة فالخِيار من كلِّ شيء، كأنَّه من الصَّوب، وهو خالصُ ماءِ السَّحاب، فكأنَّها مُشْتقّةٌ من ذلك.

(صوت) الصاد والواو والتاء أصلٌ صحيح، وهو الصَّوت، وهو جنسٌ لكلِّ ما وَقَرَ في أُذنِ السَّامعِ. يقال هذا صوتُ زَيد. ورجل صيِّت، إِذا كان شديدَ الصَّوت؛ وصائتٌ إذا صاحَ. فأمَّا قولهم: [دُعيَ([8]) ] فانصات([9])، فهو من ذلك أيضاً، كأنه صُوِّتَ به فانفَعل من الصَّوت، وذلك إِذا أجاب. والصِّيت: الذِّكر الحسَن في النَّاس. يقال ذهب صِيتُهُ.

(صوح) الصاد والواو والحاء أُصَيْلٌ يدلُّ على انتشارٍ في شيء بعد يُبْس. من ذلك تصوَّحَ البقلُ، وذلك إِذا هاجَ وانتثرَ بعد هَيجه. وصوَّحتْه الرِّيح، إذا أيبسَتْه وشقَّقته ونثَرتْه. قال ذو الرمة:

وصَوّح البَقْلَ نَآّجٌ تجيءُ به *** هَيْفٌ يمانيةٌ في مرّها نَكبُ([10])

ومن الباب أنَّهم يسمُّون عَرَق الخيل الصُّوَاح. فإن كان صحيحاً فلا يكون إلاَّ إذا يَبِس، ويُسمُّونه اليبيس يبيس الماء. قال الشاعر في الصُّواح:

جَلَبْنا الخيل دامِيةً كُلاَها *** يُسَنُّ على سنابكها الصُّواحُ([11])

ثم يقال تصوَّح الشعَر، إذا تشقَّقَ وتناثر.

ومما يجوز أن يُحمَل على هذا القياس الصُّوح: حائط الوادي، وله صُوحانِ. وإِنّما سُمِّيَ صُوحاً لأنَّه طينٌ يتناثر حتّى يصير ذلك كالحائط.

(صور) الصاد والواو والراء كلماتٌ كثيرةٌ متباينة الأصول. وليس هذا الباب ببابِ قياسٍ ولا اشتقاق. وقد مضى فيما كتبناه مثله([12]).

ومما ينقاس منه قولُهم صوِرَ يَصْوَر، إذا مال. وصُرْت الشَّيءَ أُصُورُهُ، وأَصَرْتُه، إِذا أَمَلته إليك. ويجيء قياسُه تَصَوَّر، لِمَا ضُرِب، كأنًّه مال وسَقط. فهذا هو المنقاس، وسِوى ذلك فكلُّ كلمةٍ منفردةٌ بنفسها.

من ذلك الصُّورة صُورة كلِّ مخلوق، والجمع صُوَر، وهي هيئةُ خِلْقته. والله تعالى البارئ المُصَوِّر. ويقال: رجلٌ صَيِّرٌ إذا كان جميل الصورة. ومن ذلك الصَّور: جماعةُ النَّخْل، وهو الحائش. ولا واحدَ للصَّوْر من لفظه. ومن ذلك الصُِّوار، وهو القَطيع من البقر، والجمع صِيران. قال:

فَظَلَّ لصيران الصَّريم غَماغِمٌ *** يُدَاعِسُها بالسَّمْهرِيِّ المعلَّبِ([13])

ومن ذلك الصُِّوار، صُِوار المِسْك، وقال قوم: هو ريحُهُ، وقال قوم: هو وعاؤه. ويُنشِدون بيتاً وأخلِقْ به أن يكون مصنوعاً، والكلمتان صحيحتان:

إِذا لاح الصُِِّوار ذكرتُ ليلَى *** وأذكرُها إِذا نَفَحَ الصِّوارُ([14])

ومن ذلك قولهم: أَجِدُ في رأسي صَوْرة، أي حِكَّة. ومن ذلك شيءٌ حكاه الخليل، قال : عصفور صَوَّار، وهو الذي إِذا دُعِيَ أجابَ. وهذا لا أحسبه عربيَّاً، ويمكن إنْ صحّ أن يكون من الباب الذي ذكرناه أوّلاً؛ لأنه يميل إلى داعِيه. فأمَّا شَعَر النّاصية من الفَرَس فإنه يسمى صَوْراً. وهذا يمكن أن يكون على معنى التشبيه بصَوْر النَّخل، وقد ذُكِرَ. قال:

* كأنَّ عِرقاً مائلاً من صَوْرهِ([15]) *

ويقال: الصَّارَةُ: أرض ذات شَجَر.

(صوع) الصاد والواو والعين أصلٌ صحيح، وله بابان: أحدهما يدلُّ على تفرُّقٍ وتصدُّع، والآخر إناء.

فالأوَّل قولُهم: تصوَّعُوا، إِذا تفرَّقوا. قال ذو الرُّمَّة:

* تظَلُّ بها الآجالُ عَنِّي تَصَوَّعُ([16]) *

ويقال : تصوّع شَعَره، إذا تشقق. كذا قال الخليل. وقال أيضاً: تصوَّعَ النَّبْت: هاج. ويقال انصاع القوم سِراعاً: مَرُّوا.

فأمَّا الإناء فالصَّاع والصُّوَاع، وهو إناءٌ يشرب به. وقد يكون مكيالٌ من المكاييل صاعاً، وهو من ذات الواو، وسمِّيَ صاعاً لأنَّه يدور بالمَكِيل.

ويقال إنَّ الكَمِيَّ يَصُوع بأقرانه صَوْعاً، إِذا أتاهم من نَواحيهم. والرَّجلَ يَصُوع الإبل.

ومن الباب: الصَّاع، وهو بطنٌ من الأرض، في قوله:

* بكَفَّيْ ماقِطٍ في صاعِ([17]) *

ومنه صاعُ جؤجُؤِ* النَّعامة، وهو موضعُ صَدْرِها إِذا وضعَتْهُ بالأرض.

(صوغ) الصاد والواو والغين أصلٌ صحيح، وهو تهيئة على شيءٍ على مثالٍ مستقيم. من ذلك قولهم: صاغ الَحَلْيَ يصوغُهُ صَوغاً. وهما صَوْغان، إِذا كان كلُّ واحدٍ منهما على هيئة الآخَر. ويقال للكذَّابِ: صاغ الكذبَ صَوغاً، إِذا اختلقَه. وعلى هذا تفسير الحديث: "كِذْبة كذَبَتْها الصَّوَّاغُون"، أراد الذين يصُوغُون الأحاديثَ ويَختلقونها.

(صوف) الصاد والواو والفاء أصلٌ واحد صحيح، وهو الصُّوف المعروف. والباب كله يَرجِع إليه. يقال كبش أَصْوَفُ وصَوِفٌ وصائفٌ وصَافٌ، كلُّ هذا أن يكونَ كثيرَ الصُّوف. ويقولون: أخذ بصُوفَةِِ قَفاه، إذا أَخَذَ بالشَّعَر السائِل في نُقْرته. وصُوفةُ: قومٌ كانوا في الجاهليّة، كَانوا يَخْدُمون الكعبة، ويُجِيزون الحاجَّ. وحُكي عن أبي عُبيدةَ أنَّهم أفناء القبائل تجمَّعُوا فتشبَّكُوا كما يتشبَّك الصُّوف. قال:

وَلاَ يَرِيمُون في التَّعريفِ مَوقِفَهم ***  حتَّى يقالَ أَجِيزُوا آلَ صُوفانا([18])

فأمَّا قولهم: صاف عن الشَّرِّ([19])، إذا عَدَل، فهو من باب الإبدال، يقال صَابَ([20]) إذا مال. وقد ذُكِر في بابه.

(صول) الصاد والواو واللام أصلٌ صحيحٌ، يدلُّ على قَهْرٍ وعُلُوّ. يقال: صال عليه يَصُول صَولةً، إذا استطال. وصال العَيْر، إِذا حَمَلَ على العانة يَصُول صَوْلاً وصِيالاً. وحُكِيَ عن أبي زيد شيءٌ إن صحَّ فهو شاذٌّ. قال: المِصْول: هو الذي يُنقَع فيه الحنظلُ لتَذهب مرارتُه.

(صوك) الصاد والواو والكاف كلمةٌ واحدةٌ. يقال لقيتُه أوَّل صَوْكٍ، أي أوّلَ وَهْلة.

(صوم) الصاد والواو والميم أصلٌ يدلُّ على إِمساكٍ وركودٍ في مكان. من ذلك صَوم الصَّائم، هو إمساكُهُ عن مَطعَمه ومَشربه وسائرِ ما مُنِعَهُ. ويكون الإمساك عن الكلام صوماً، قالوا في قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحمنِ صَوْماً} [مريم 26]، إنَّه الإمساكُ عن الكلامِ والصَّمتُ. وأمَّا الرُّكود فيقال للقائم صائم، قال النابغة:

خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ *** تحتَ العَجَاجِ وخيلٌ تَعلُك اللُّجُما([21])

والصَّوم: رُكود الرِّيح. والصَّوم: استواء الشَّمس انتصافَ النَّهار، كأنَّها ركدت عند تدويمها([22]). وكذا يقال صامَ النَّهارُ. قال امرؤ القيس:

* إذا صامَ النَّهارُ وهَجَّرَا([23]) *

ومَصَامُ الفَرَسِ: موقِفه، وكذلك مَصَامَتُه. قال الشَّماخ:

* إذا ما استافَ منها مَصَامَةً([24]) *

(صون) الصاد والواو والنون أصلٌ واحدٌ، وهن كَنٌّ وحفْظ. من ذلك صُنتُ الشّيءَ أصونُه صوناً وصِيانة. والصُِّوان: صُِوان الثَّوب، وهو ما يُصان فيه. فأمَّا قولهم للفرس القائم صائن. فلَعلَّه أن يكون من الإِبدال، كأنّه أريد به الصَّائم، ثمّ أبدلت الميم نوناً. قال النابغة:

وما حاولتُما بِقِيادِ خيلِ *** يَصونُ الوَردُ فيها والكُميتُ([25])

وممّا شذَّ عن الباب الصَّوَّان، وهي ضربٌ من الحجارة، الواحدةُ صَوَّانة.

ــــــــــــــــــ

([1]) الجمهرة (3: 91).

([2]) الكدنة، بضم الكاف وكسرها. والبيت للفقعسي، كما في اللسان (صوي). وأنشده في (جلذ)، بدون  نسبة.

([3]) لامرئ القيس. وعجزه في الديوان 54 واللسان (صوي):

* صبا وشمال في منازل قفال  *.

([4]) هو أوس بن غلفاء، كما في اللسان (صوب).

([5]) كذا ورد إنشاده. وصوابه: "وإن ما أهلكت  مال"، بالقافية المرفوعة الروي. وقبله كما في اللسان:

ألا قالت أمامة  يوم غول *** تقطع بابن غلفاء الحبال

([6]) قال ابن بري: "البيت لرجل من عبد القيس يمدح النعمان. وقيل هو لأبي وجزة يمدح عبد الله بن الزبير، وقيل هو لعلقمة بن عبدة".

([7]) ديوان طرفة 75.

([8]) التكملة من المجمل.

([9]) في الأصل: "وانصاتا"، صوابه من المجمل.

([10]) ديوان ذي الرمة 11 واللسان (صوح).

([11]) أنشده في اللسان (صوح) بدون نسبة.

([12]) أي في تباين أصوله.

([13]) البيت لامرئ القيس في ديوانه 87 واللسان (علب) بدون نسبة.

([14]) وكذا أنشده في المجمل واللسان بدون نسبة.

([15]) في اللسان (صور):

كأن جذعاً خارجاً من صوره *** ما بين أذنيه إلى سنوره

([16]) صدره في الديوان 346:  *عسفت اعتساف الصدع كل مهيبة*

وفي اللسان (صوع): *عسفت اعتسافاً دونها كل مجهل *.

([17]) البيت للمسيب بن علس من قصيدة في المفضليات: (1: 60). وهو بتمامه:

مرحت يداها للنجاء كأنما  *** تكرو بكفي لاعب في صاع

([18]) البيت لأوس بن مغراء السعدي، كما في اللسان (صوف).

([19]) في الأصل: "الشعر"، وفي اللسان:"صاف عني شر فلان، وأصاف الله عني شره".

([20]) في الأصل: "صاف".

([21]) البيت في اللسان (صوم) وليس في قصيدته التي على هذا الروي في ديوانه 65 . وسيأتي في (علك).

([22]) في الأصل: "نديمها"، تحريف. وتدويمها: دورانها.

([23]) قطعة من بيت لامرئ القيس في ديوانه 97  واللسان (صوم). وهو بتمامه:

فدعها وسل الهم عنك بجسرة *** ذمول إذا صام النهار وهجرا

([24]) قطعة من بيت للشماخ في ديوانه 67. وهو بتمامه.

كروف إذا ما استاف منها مصامة  *** له من ثرى أبوالهن نشوق.

([25]) البيت في اللسان (صون)، وليس في ديوان النابغة.

 

 

ـ (باب الصاد والياء وما يثلثهما)

(صيأ) الصاد والياء والهمزة. يقال صيَّأت رأسي تصييئاً، إِذا بَلَلْتَه.

(صيح) الصاد والياء والحاء أصلٌ صحيح، وهو الصَّوت العالي. منه الصِّياح، والواحدة منه صَيْحة. يقال: لقيتُ فلاناً قبلَ كلِّ صَيْحٍ ونَفْر. فالصَّيْح: الصِّياح. والنَّفْر: التفرُّق. وممّا يُستعار من هذا قولهم: صاحت الشَّجرةُ، وصاحَ النَّبْت، إذا طال، كأنَّه لمَّا طالَ وارتفعَ جُعِلَ طولُهُ كالصِّياح الذي يدلُّ على الصَّائح. وأمَّا التصيُّح، وهو تشقُّق الخشَب، فالأصل فيه الواو، وهو التصوُّح، وقد مضى. ومنه انصاحَ البَرق انصياحاً، إذا تصدَّعَ وانشقَّ. قال:

* مِنْ بَينِ مُرتَتِقٍ منها ومُنصاحِ([1]) *

(صيخ) الصاد والياء والخاء كلمةٌ واحدةٌ. يقال أصاخَ يُصيخ، إذا استمع. قال:

* إصاخةَ النَّاشد للمُنْشِد([2]) *

(صيد) الصاد والياء والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على معنىً واحد، وهو ركوبُ الشَّيء رأسَه ومُضِيُّه غيرَ ملتفتٍ ولا مائل.  من ذلك الصَّيَدُ، وهو أن يكون الإنسانُ ناظراً أمامَه. قال أهلُ اللُّغة: الأَصْيَد: المَلِك، وجمعه الصِّيد. قالوا: وسمِّيَ بذلك لقلَّة التفاتِه. ومن الناس مَنْ يكونُ أصيَدَ خِلقةً. واشتقاق الصَّيْد من هذا، وذلك أنَّه يمرُّ مرَّاً لا يعرِّج، فإذا أُخِذَ قيل قد صِيد. فاشتُقَّ ذلك من اسمه. كما يقال رأَسْت الرّجُلَ، إِذا ضَربتَ رأسَه؛ وبطَنْتُهُ، إذا ضربتَ بطنَه. كذلك إذا وقَعْتَ بالصَّيد فأخذتَه قلتَ صِدتُه. وممّا يدلُّ على صِحّة هذا القياس قولُ ابن السّكّيت إن الصَّيْدانةَ من النِّساء: السيِّئة الخُلُق. وسمِّيت بذلك لقلّة التفاتِها. ومن الباب: الصَّيدانة: الغُول.

(صير) الصاد والياء والراء أصلٌ صحيح، وهو المآلُ والمرجِع. من ذلك صار يصير صَيْراً وصَيرورة. ويقال: أنا على صِيرِ أمرٍ، أي إشرافٍ من قضائه، وذلك هو الذي يُصار إليه. فأمَّا قولُ زهير:

وقد كنت من سَلْمَى سنينَ ثمانياً *** على صِيرِ أمرٍ ما يُمِرُّ وما يَحلُو([3])

فإنّ صِير الأمر مَصِيرُهُ وعاقبتُهُ. والصِّير([4]) كالحظائر يُتخذ للبقر، والواحدة صيرة، وسمِّيت بذلك لأنَّها تصير إليه. وصَيُّور الأمرِ: آخِره، وسمِّيَ بذلك لأنّه يُصار إليه. ويقال: لا رأْيَ لفلانٍ ولا صَيُّورَ، أي لا شيء يَصِيرُ إليه من حزمٍ ولا غيرِهِ. وتصَّيرَ فلانٌ أباه: إِذا نَزَعَ إليه في الشَّبه. وسمِّي كذا كأنه صار إلى أبيه.

ومما شذَّ عن الباب الصِّير، وهو الشَّقّ. وفي الحديث: "مَنْ نَظَرَ في صِيرِ بابٍ بغير إذْنٍ فعينُهُ هَدَر". فأمَّا الصِّير، وهو شيءٌ يقال لـه الصِّحْناة، فلا أحسبه عربيّاً، ولا أحسب العربَ عرفَتْهُ. وقد ذكرهُ أهلُ اللُّغة، ولا معنى له.

(صيف) الصاد والياء والفاء أصلان: أحدهما يدلُّ على زمانٍ، والآخر يدلُّ على مَيْلٍ وعُدول.

فالأوَّل الصَّيف، وهو الزَّمانُ بعد الرَّبيع الآخِر. ويقال للمطر الذي يأتي فيه: الصَّيِّف. وهذا يومٌ صائف، وليلةٌ صائفة. وعاملته مُصايفةً، أي زمانَ الصَّيف، كما يقال مُشَاهَرَة. والصَّيفيُّون: أولاد الرَّجُل بعد كِبَرهِ. وَوَلَدُ فلانٍ صيفيُّون. قال:

إنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صيفيُّونْ *** أَفْلَحَ مَنْ كان لـه رِبْعيُّونْ([5])

وأمَّا الآخَر فصاف عن الشيء، إذا عَدَلَ عنه. [وَصَافَ السَّهْمُ عن الهدفِ([6])] يَصِيفُ صَيْفاً، إذا مال، قال أبو زُبَيْد:

كلَّ يومٍ ترميه منها برِشْقٍ *** فمصيبٌ أو صَافَ غيرَ بعيدِ([7])

فأمَّا صائف، في قول أوس:

* تَنَكَّرَ بَعدي من أُمَيْمَةَ صائفُ([8]) *

فاسمُ موضع.

(صيق) الصاد والياء والقاف. يقال فيه إنَّ الصَّيْق الغُبار، وقد فتح رؤبةُ ياءَه فقال: "الصَّيَقْ([9])". ويقال إنَّ الصِّيق الرِّيحُ المنتنة من الدَّوابّ.

(صيك) الصاد والياء والكاف، يقال صاكَ يَصِيكُ، إِذا لَزِمَ ولصِق. قال الأعشى:

ومثلك مُعْجَبَة بالشَّبا *** ب صاكَ العبيرُ بأجسادِها([10])

وقال الخليل: أراد صَئِكَ فليَّن الهمزة. ويقال صَئِكَ الدّمُ، إِذا جَمَد.

واعلم أنَّ الألِف في هذا الباب مُبدَلةٌ؛ فالصَّاب : شجر مُرٌّ، محتملٌ أن يكون من الواو. قال:

إنِّي أَرِقْتُ فَبِتُّ اللَّيْلَ مرتفقاً *** كَأَنّ عَيْنِيَ فيها الصَّابُ مذبوحُ([11])

والصَّادُ : قدور النُّحاس، والألف مُبدَلة. قال حسان:

*رأيتَ قُدُورَ الصَّادِ حولَ بُيُوتِنا ([12]) *

ــــــــــــــــــ

([1]) لعبيد بن الأبرص في ديوانه 77 واللسان (صيح). وصدره:

* وأمست الأرض والقيعان مثرية *.

([2]) للمثقب العبدي، كما في البيان والتبيين (2: 288)، وحواشي الجمهرة (2: 270). وصدره:  * يصيخ للنبأة أسماعه *

([3]) ديوان زهير 96، واللسان (صير).

([4]) يقال صير، بالكسر، وبكسر ففتح.

([5]) الرجز لأكثم بن صيفي، أو سعد بن مالك بن ضبيعة. اللسان (صيف).

([6]) التكملة من المجمل.

([7]) سبق البيت وتخريجه في (رشق).

([8])  مطلع قصيدة له في ديوانه 14. وعجزه: *فبون فأعلى تولب فالمخالف*.

([9]) يعني قوله في ديوانه 106 واللسان (صيق): * يتركن ترب الأرض مجنون الصيق *.

([10]) وكذا في المجمل مادة (صاك). وفي مادة (صيك) "بأجلادها"، كما جاء في اللسان (صيك). ورواية الديوان 51 تطابق رواية المقاييس.

([11]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 104 واللسان (صوب، ذبح، شجر)، وقد سبق في (شجر).

([12]) عجزه في الديوان 370 واللسان (صيد):

* قنابل سحما في المحلة صيما *.

 

ـ (باب الصاد والباء وما يثلثهما)

(صبح) الصاد والباء والحاء أصلٌ واحدٌ مطّرد. وهو لونٌ من الألوان قالوا أصله الحُمْرة. قالوا: وسمِّيَ الصُّبْحُ صُبْحاً لحُمْرَته، كما سمِّيَ المِصْباح مِصباحاً لحُمْرَته. قالوا: ولذلك يقال وجهٌ صَبيحٌ. والصَّباح: نُورُ النَّهارِ. وهذا هو الأصل ثمُ يُفَرَّع. فقالوا: لِشُرْب الغَداة الصَّبوح، وقد اصطَبَحَ، وتلك هي الجاشِرِيَّة. قال:

إِذا ما اصطبحنا الجاشريّة لم نُبَلْ *** أميراً وإن كان* الأميرُ من الأَزْدِ([1])

ويقال: "أكذَبُ من الأخيذ الصَّبْحَان"، يعنون الأسير المصطَبِح، وأصله أنَّ قوماً أسرُوا رجلاً فسألوه عن حَيِّه فكَذَبَهُمْ وأومَأَ إلى شُقَّةٍ بعيدة، فطعنوهُ فسَبقَ اللّبَنُ الذي كان اصطبحه الدّمَ، فقالوا: "أكذَبُ من الأخيذ الصَّبْحَان". والمِصباح: الناقة تَبْرُك في معرَّسِها فلا تَنْبَعِثُ حتى تُصْبِح. والتَّصَبُّح: النَّوْم بالغداة. ويوم الصَّباح: يوم الغَارة. قال الأعشى:

به تَرْعُفُ الألفَ إِذ أُرْسِلَتْ  *** غَدَاةَ الصَّبَاحِ إِذا النَّقْعُ ثارا([2])

ويقال أتيتهُ أصبوحةَ كلِّ يومٍ، ولقيتُهُ ذا صَبوح. والمصابيح: الأقداح التي يُصطَبَح بها. ويقال أتانا لصُبْح خامسةٍ وصِبْحِ خامسة.

ومن الكلمة الأولى: الصَّبَح: شدَّة حُمرةٍ في الشعَر؛ يقال أسدٌ أصبَحُ.

(صبر) الصاد والباء والراء أصولٌ ثلاثة، الأول الحَبْس، والثاني أعالي الشيء، والثالث جنسٌ من الحجارة.

فالأول: الصَّبْر، وهو الحَبْس. يقال صَبَرْتُ نفسي على ذلك الأمر، أي حَبَسْتُها. قال:

فَصَبَرْتُ عارفةً لذلك حُرَّةً *** ترسُو إذا نَفْسُ الجَبانِ تَطَلَّعُ([3])

والمصبورة([4]) المحبوسة على الموت. ونَهَى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل شيءٍ من الدوابّ صَبْراً.

ومن الباب: الصَّبِير، هو الكَفِيل، وإنِّما سمِّي بذلك لأنَّهُ يَصبر على الغرم. يقال صَبَرْتُ نفسي به أَصبُر صَبْراً، إذا كَفَلْتَ([5]) به، فأنا به صبير. وصبرتُ الإنسانَ، إذا حلَّفْتُهُ بالله جَهْدَ القَسَم.

وأمَّا الثاني فقالوا: صُبْر كلِّ شيءٍ: أعلاه. قالوا: وأصبار الإناء: نواحيه، والواحد صُبْر. وقال:

* فملأتها عَلَقاً إلى أصبارِهَا *

وأمَّا الأصل الثالث فالصُّبْرة من الحجارة: ما اشتدَّ وغلُظ، والجمع صِبَارٌ، وفي كتاب ابن دريد([6]): "الصُّبَّارة: قطعةٌ من حديدٍ أو حجر" في قول الأعشى([7]):

منْ مَبْلغ عَمْرَاً بأنَّ المرءَ لم يخْلَق صُبَارَه.

قال ابنُ دُريد: وروى البغداديُّون: "صَبارهْ"، وما أدري ما أرادوا بهذا. قلنا: والذي أراده البغداديُّون ما رُوِيَ أنَّ الصِّبَار ما اشتدَّ وغلُظ. وهو في قول الأعشى:

* قُبيلَ الصُّبح أصواتُ الصِّبَارِ([8]) *

فالذي أراده البغداديون هذا، وتكون الهاء داخلةً عليه للجمع.

قال أبو عُبيد: الصُّبْـرُ: الأرض التي فيها حصباءُ وليست بغليظة، ومنه قيل للحرّة: أمُّ صَبَّار.

ومما حُمِلَ على هذا قول العرب: وقعَ القومُ في أمّ صَبُّور، إذا وقعوا في أمر عظيم.

(صبع) الصاد والباء والعين أصل واحد، ثم يستعار، فالأصل إصبع الإنسان، واحدةُ أصابعه. قالوا: هي مؤنّثة.وقالوا: قد يذكَّر. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "هل أنت إلاّ إصبعٌ دميتِ، وفي سبيل الله ما لقيتِ([9])" هكذا على التأنيث . ويقال: صَبَعَ فلان بفلانٍ، إذا أشار نحوه بإصبعه، مُغتاباً له.

والإصبع: الأثر الحسَن، وهذا مستعارٌ. ومثلٌ يقال: لفلانٍ في ماله إِصبَع، أي أثَرٌ جميل. ويقال للرَّاعي الحسنِ الرِّعْيَة للإِبل، الجميلِ الأَثَر فيها: إن له عليها إصبعاً. قال الرَّاعي يَصِفُ راعياً:

ضعيف العَصَا بادِي العُروقِ ترى لـه ** عليها إِذا ما أجدَبَ النَّاسُ إِصبعا([10])

والصَّبْع: إِراقتُك ما في الإناء من بين إصبعَيك.

(صبغ) الصاد والباء والغين، أصلٌ واحدٌ، وهو تلوين الشَّيء بلونٍ ما. تقول: صبغته أصبغه([11]). ويُقال للرُّطَبة: قد صَبَّغَتْ. فأمَّا قولُه تعالى: صِبْغَةَ الله[البقرة 138] فقال قوم: هي فِطرتُهُ لخلْقِهِ. وقال آخرون: كلُّ ما تُقُرِّب به إلى الله تعالى صِبغة. والأصبغ: الفرس في طرف ذَنَبِه بياض. وذلك دون الأشكل([12])، والأوَّل مشبَّه بالشيء يُصْبَغ طرَفُهُ.

(صبي) الصاد والباء والحرف المعتلّ ثلاثةُ أصولٍ صحيحة: الأول يدلُّ على صغر السّنّ،  والثاني ريحٌ من الرياح، والثالث [الإِمالة([13])].

فالأوّل واحد الصِّبْيةَ والصِّبيان. ورأيته في صباه، أي صغره. والمصْبي: الكثير الصِّبيان. والصَّباء، ممدود الصِّبا، ويمدُّ مع الفتح([14]). أنشد أبو عمرو:

أصبحتُ لا يَحمِلُ بعضي بعضَا *** كأنما كانَ صَبَائي قَرْضَا([15])

ومن الباب: صبا إلى الشّيء يصبُو؛ إذا مال قلبُهُ إليه. والاشتقاق واحد، والاسم الصَّبْوة. وقال العجَّاج في الصِّبا:

* وإنما يأتي الصِّبا الصَّبيُّ([16]) *

والثاني: ريح الصَّبَا، وهيَ التي تستقبل القبلة. يقال صبَتْ تصبُو.

الثالث: قول العرب: صَابيْتُ الرُّمح([17]).

فأمَّا المهموز فهو يدلُّ على خروجٍ وبروز. يقال صبأٍ من دينٍ إلى دين، أي خرج. وهو قولهم: صبأ نابُ البعير، إذا طلعَ. والخارجُ من دينٍ إلى دين صابئٍ، والجمع صابئون وصُبَّاءٌ.

ــــــــــــــــ

([1]) للفرزدق في اللسان (جشر). وليس في ديوانه.

([2]) ديوان الأعشى 40. وقد سبق مع تخريجه في (رعف).

([3]) البيت لعنترة في ديوانه 158 واللسان (صبر).

([4]) في الأصل: "والصبورة"، صوابه في المجمل واللسان.

([5]) في الأصل: " كلفت به"، صوابه في المجمل. وأول العبارة في المجمل: "صبرت بفلان أصبر به صبرا".

([6]) في الجمهرة (1: 260).

([7]) الذي في الجمهرة أنه عمرو بن ملقط الطائي. وكذا صحح نسبة الشعر ابن بري، كما في اللسان. وانظر ديوان الأعشى 111 حيث قصيدة البيت  ولم يرو فيها.

([8]) صدره كما في ديوان الأعشى 244 واللسان (صبر):

* كأن ترنم الهاجات فيها *

([9]) هذا من الحديث الذي وافق وزن الشعر، وليس به.

([10]) أنشده في اللسان (صبع) وقال: "أي حاذق الرعية لا يضرب ضرباً شديداً".

([11]) في الأصل: "يقول لصبغه". ومُضارعه يقال بفتح الباء وكسرها وضمها.

([12]) الأشعل، بالعين المهملة. وفي الأصل: "الأشغل"، تحريف.

([13]) هذه الكلمة مبيض لها في الأصل. والكلام بعد يقتضيها أو يقتضي شبيهها.

([14]) أي إذا مد كان مفتوح الصاد.

([15]) أنشده في المجمل أيضاً، وقال: "وهذا لو قصر لم يضر".

([16]) ديوان العجاج 66. وأنشده في اللسان (19: 173) بدون نسبة.

([17]) فسره في المجمل بقوله: "هيأته للطعن". وفي اللسان: "أملته للطعن".

 

ـ (باب الصاد والتاء وما يثلثهما)

(صتع) الصاد والتاء والعين كلمتان: إحداهما مُخْتلفٌ في تأويلها، والأخرى تردُّدٌ في الشَّيء.‏

قال ابن دريد: "الصَّتَع، أصل بناء الصُّنْتع(1)". ثم اختلف قولُهُ وقولُ الخليل: الصَّـتَع: الشَّابّ الغليظ. وأنشد:‏

* وما وِصال الصَّتَع القُمدِّ(2) *‏

وقال ابن دريد: الصُّنْتع الظَّليم الصّغير الرأس.‏

والكلمة الأخرى: التَّصَتُّع: التردّد في الأمر مجيئاً وذهاباً.‏

(صتم) الصاد والتاء والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمام وقوة. قال ابن دريد(3): الصَّيْتَمة(4): الصَّخَرة. قال: وأَعطيتُهُ ألفاً صَتْماً. وأمَّا الصَّتَم فالشَّاب القويُّ الخَلْق.‏

ـــــــــــــــ

(1) بعده في الجمهرة (2: 18): "النون زائدة. ظليم صنتع: صغير الرأس دقيق العنق".‏

(2) قبله في اللسان (صتع):‏

يا ابنة عمرو قد منحت ودي *** والحبل مالم تقطعي فمدي

(3) الجمهرة (2: 19).‏

(4) وكذا في المجمل. وفي اللسان والجمهرة والقاموس: "الصتيمة".‏

 

ـ (باب الصاد والحاء وما يثلثهما)

(صحر) الصاد والحاء والراء أصلان: أحدهما البَرَاز من الأرض، والآخر لونٌ من الألوان.

فالأوَّل الصحراء: الفضاء من الأرض. ويقال أصحر القَوْمُ، إذا بَرَزُوا. ومن الباب قولُهُم: لقيته صَحْرَةَ بَحْرَةَ([1])، إذا لم يكن بينك وبينه سِتْر. والصُّحْرة: الصَّحراء في قول أبي ذؤيب:

سَبيٌّ مِن يَرَاعَتِهِ  نفاه *** أَتِيٌّ مَدَّهُ صُحَرٌ ولُوبُ([2])

والأصل الآخر: الصُّحْرة، وهو لونٌ أبيضُ مُشربٌ حمرةً. وأتانٌ صحراءُ: في لونها صُحْرة، وهي كُهبةٌ في بياضٍ وسواد. ويقال: اصحارَّ النّبتُ، إذا هَاج؛ وذلك أنَّ لونَهُ يتغيَّر ويختلط.

(صحف) الصاد والحاء والفاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على انبساطٍ في شيءٍ وسَعَةٍ. يقال إنَّ الصَّحِيفَ: وجهُ الأرضِ. والصَّحِيفة: بَشَرَةُ وجهِ الرجل. قال البَعِيث:

وكلُّ كُلَيْبيٍّ صحيفةُ وجْهِهِ *** أذَل لأقدامِ الرِّجال مِن النَّعلِ

ومن الباب الصَّحيفة، وهي التي يُكتَب فيها، والجمع صحائف، والصُّحفُ أيضاً، كأنَّه جمع صحيف. قال:

لما رأَوْا غُدوَةً جَبَاهَهُمُ *** حنّتْ إلينا الأرحام والصُّحُفُ

والصَّحْفَة: القَصْعة المُسْلنطِحَة. وقال الشَّيبانيّ: الصِّحاف مَناقِعُ صغارٌ تُتَّخَذ للماء، الجمع صُحُف.

(صحل) الصاد والحاء واللام كلمة، وهي بَحَحٌ في الصَّوت. يقال  للأَبحِّ الأصحل، والمصدر الصَّحَل، وهو صَحِلٌ، قال الأعشى:

* صَحِل الصوت أَبَحّ([3]) *

(صحم) الصاد والحاء والميم أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على لونٍ. فالأَصْحَم: الأغبر إلى السَّواد. وبلدةٌ صَحْمَاءُ: مُغْبَرَّة. واصحامَّت البَقْلة: اخضارَّت. وإنَّما قيل لها ذاك لأنَّها إذا رَوِيت فكأنها سوداء. ولذلك يقال: إدْهامَّتْ.

(صحن) الصاد والحاء والنون أُصَيلٌ يدلُّ على اتّساعٍ في شيء. من ذلك الصَّحْن: وَسْطُ الدَّارِ. ويقولون: جَوْبَة تنجاب في الحَرَّة. وبذلك شُبِّه العُسُّ العظيم فقيل له صَحْن.

ومما شَذَّ عن الباب قولهم: صَحَنْتُ بينَ القومِ، إذا أصلحتَ بينهم. وربَّما قالوا صحنتُهُ شيئاً، إذا أعطيتَهُ. ويقولون: صَحَنَه صَحَناتٍ، أي ضَرَبَه. ضَرَباتٍ. وناقةٌ صَحُونٌ، أي رَمُوح.

(صحو) الصاد والحاء والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على انكشاف شيءٍ. من ذلك الصَّحْو: خِلاف السُّكْر. يقال صحا يصحو السَّكْرانُ فهو صاحٍ. ومن الباب: أَصْحَت السَّماءُ فهي مُصْحِيَة. وروي عن أبي حاتم قال: العامّة تظنُّ أنَّ الصَّحو لا يكون إلاَّ ذهابَ الغَيم، وليس كذلك، إنَّما *الصحو ذَهاب البَرْدِ، وتفرُّقُ الغَيم.

ومما شذَّ عن هذا الأصل المِصحاةُ، كالجام يُشرَبُ فيه.

(صحب) الصاد والحاء والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مقارَنة([4]) شيءٍ ومقاربته. من ذلك الصَّاحب والجمع الصَّحْب، كما يقال راكبٌ ورَكْبٌ. ومن الباب: أصحب فلانٌ، إِذا انقاد. وأَصْحَبَ الرَّجُل، إذا بلغَ ابنُهُ. وكلُّ شيءٍ لاءم شيئاً فقد استصحبه. ويقال للأديم إِذا تُرِكَ عليه شَعَرُه مُصْحَبٌ. ويقال أَصحبَ الماءُ، إذا علاهُ الطُّحْلَب.

ـــــــــــــــــــ

([1]) صحرة بحرة بالتركيب، كما ضبط في المجمل. وقال في اللسان: "وهي غير مجراة.  وقيل لم يجريا لأنهما اسمان جعلا اسماً واحداً". ويقال أيضاً بالتنوين فيهما، كما في اللسان والقاموس. وبضم أولهما أيضاً في لغة.

([2]) ديوان أبي ذؤيب 92 واللسان (صحر).

([3]) البيت من قصيدة للأعشى في ديوانه 159. وهو بتمامه:

فتراه زيما من خلفها  *** ذا رنين صحل الصوت أيح

([4]) في الأصل: "مقاربة" فيكون ما بعده تكراراً.

 

ـ (باب الصاد والخاء وما يثلثهما)

(صخد) الصاد والخاء والدال أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على شدّةٍ في حَرٍّ وغيره. فالصَّيْخَد: شدّة الحَرّ. ويقال الصَّيخَد: عين الشَّمْس. واصطَخَدَ الحِرْباءُ: تَصَلَّى بحرِّ الشَّمْسِ. ويومٌ صَخَدان، على فَعَلان(1): شديد الحَرِّ. ويقال: صَخَد النهار يَصْخَد من شدّة الحرّ، وصَخِدَ يَصْخَد(2). والصَّخْرة الصَّيخود: الشَّديدة.‏

ومما يقارب هذا في باب الشِّدّة قولهم: صَخَد الصُّرَد، إِذا صاح صِياحاً شديداً. وكذلك صَخَد الرَّجُل.‏

(صخر) الصاد والخاء والراء كلمةٌ صحيحة، وهي الصَّخْرَة: الحَجَرةُ العظيمة. ويقال صَخْرَةٌ وصَخَرَة.‏

(صخب) الصاد والخاء والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على صوتٍ عالٍ. من ذلك الصَّخَب: الصَّوْتُ والجَلَبَة. وقال بعضُهم: رجلٌ صَخْبَانُ: كثير الصَّخْب. وماءٌ صَخِبُ الآذِيِّ(3)، إِذا كانَ له صوت.‏

(صخم) الصاد والخاء والميم كلمة. يقال: للمنتصب مُصْطَخِم.‏

(صخي) الصاد والخاء والياء كلمة، يقال: صَخِيَ الثَّوبُ يَصْخَى؛ وهو وَسَخٌ ودَرَنٌ، فهو صَخٍ. والاسم الصَّخَى.‏

ــــــــــــــــــ

(1) كذا ضبطت الكلمتان في المجمل. وأجازوا إسكان الخاء عن ثعلب.‏

(2) في الأصل: "وصخد يصخِد يصخَد"، بضبط المضارع الأول بكسر الخاء والثاني بفتحها. وأرى فيه تحريفاً وتكراراً.‏

(3) في الأصل: "وما صخب الأذى".‏

 

ـ (باب الصاد والدال وما يثلثهما)

(صدر) الصاد والدال والرَّاء أصلان صحيحان، أحدُهما يدلُّ على خلاف الوِرْد، والآخر صَدْر الإنسان وغيره.

فالأوّلُ قولُهم: صَدَرَ عن الماءِ، وصَدَرَ عن البِلاد، إذا كان وَرَدَها ثمَّ شَخَصَ عنها.

وقال الأَحْمَر([1]): يقال صَدَرْتُ عن البِلادِ صَدَراً، وهو الاسم، فإن أردْتَ المصدر جزمت الدَّال. وأنشد:

وليلةٍ قد جَعَلْتُ الصُّبْحُ موعدَها *** صَدْرَ المطيَّة حتَّى تعرِفَ السَّدَفا([2])

صَدْر المطية مصدر.

وأمَّا الآخر فالصَّدر للإنسان، والجمع صُدور، قال الله تعالى: {ولَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي في الصُّدور} [الحج 46]، ثم يشتقُّ منه. فالصِّدار: ثوبٌ يُغطِّي الرَّأس والصَّدْر. والصِّدَار: سِمةٌ على صدر البعير. والتَّصدير: حبل يُصدَّر به البعير لئلاَّ يُرَدَّ حِمْلُهُ إلى خَلْفه. والمُصَّدر: الأَسَد، سُمِّيَ بذلك لقوّة صَدْرِهِ. والمصدور: الذي يشتكى صَدْرَهُ.

(صدع) الصاد والدال والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على انفراجٍ في الشيء. يقال صَدَعْتُهُ فانصدَعَ وتصدَّعَ. وصَدَعْتُ الفلاةَ: قطعتُها. ودليلٌ هادٍ مِصدَع. والصَّدْع: النَّبات؛ لأنه يَصدَع الأرض، [في] قوله تعالى: {وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}  [الطارق 12].

ومن الباب: صَدَع بالحقِّ، إِذا تكلَّمَ به جهاراً. قال سُبحانَهُ لنبيِّه عليه السلام: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر 94]. ويقال تصدَّعَ القَوْمُ، إِذا تفرّقُوا. والصِّدْعَة من الإِبل: قِطعةٌ كالسِّتِّين ونحوِها، كأنَّها انصدعت عن العسكَر العظيم.

ومما شذَّ عن الباب: الصَّدَع، الفتِيُّ من الأوعال.

(صدغ) الصاد والدال والغين أصلان ، أحدهما عضوٌ من الأعضاء، والآخَر يدلُّ على ضَعْف.

فالأوّل الصُّدْغ، وهو ما بين خَطِّ العين إلى أصلِ الأُذُن. يقال صَدَغْت الرّجل، إذا حاذيتَ صُدْغَه بِصُدْغِكَ في المشي. والصِّداغ: سِمَة في الصُّدْغ.

والأصل الآخَر الصَّدِيغ: الرجل الضَّعيف. يقال ما يَصْدَغ نملةً من ضَعْف([3])، أي ما يقتُل. ويقال إنَّ الصَّديغ الولدُ إلى أن يستكملَ سبعةَ أيام([4]).

ومما شذَّ عن البابين قولُهم: صدغتُهُ  عن الشيء، أي كففتُهُ عنه.

(صدف) الصاد والدال والفاء أصلان: [الأوَّل] يدلُّ على المَيْلِ، والثاني عَرَضٌ من الأعراض.

فالأوَّلُ قولهم: صَدَفَ عن الشيء، إِذا مال* عنه وولى ذاهباً. قال الله تعالى: {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفونَ عَنْ آياتِنَا} [الأنعام 158]. والصَّدَف من البعير: أَنْ يميل خُفُّهُ من اليد أو الرِّجْل إلى الجانب الوَحْشيّ([5])؛ وقد صَدِفَ. ويقال للإِبلِ التي تقف عند أعجاز الإِبل على الحوضِ تنتظر انصرافَ الشّاربةِ لتدخُل: هي الصَّوادِف. قال:

* النّاظراتُ  العُقَبَ الصَّوادفُ([6]) *

والصَّدَف: جانب الجَبَل، وإِنّما سُمِّيَ لميْله إلى إحدى الجِهَتين.

وأمّا الآخر فالصَّدَف المَحَارة، هي معروفة.

(صدق) الصاد والدال والقاف أصلٌ يدلُّ على قوّةٍ في الشيء قولاً وغيرَه. من ذلك الصِّدْق: خلاف الكَذِبَ، سمِّيَ لقوّته في نفسه، ولأنَّ الكذِبَ لا قُوَّة له، هو باطلٌ. وأصل هذا من قولهم شيءٌ صَدْقٌ، أي صُلْب.  ورُمْح صَدْقٌ. ويقال صَدَقُوهم القِتالَ، وفي خلاف ذلك كَذَبوهم. والصِّدِّيق: الملازم للصِّدْق. والصَّدَاق: صَدَاقَ المرأة، سُمِّيَ بذلك لقوّته وأنَّه حقٌّ يَلزمُ. ويقال صَدَاقٌ وصُدْقة وصَدُقة([7]). قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتهنَّ نِحْلَةً} [النساء 4]. وقرئت: {صدقاتِهِنَّ([8])}. و[من] الباب الصَّدَقة: ما يتصدَّق به المرءُ عن نفسه وماله. وأمَّا المُصَدِّق فخبّرَنا أبو الحسن علي بن إبراهيم، عن المفسِّر،عن القُتَيْبِيّ قال: ومما يضَعُهُ النّاسُ غير موضعه قولهم: هو يتصدَّق، إِذا أعطى، ويتصدّقُ إِذا سأل. وذلك غلطٌ، لأن المتصدِّق المُعطي. قال الله تعالى في قصّة من قال: {وَتَصَدَّقْ علينا} [يوسف 88]. وحدَّثَنا هذا الشيخ عن المَعْدَانيِّ عن أبيه، عن أبي مُعاذٍ، عن اللَّيْث، عن الخليل قال: المُطْعِم مُتصَدِّق والسَّائلُ متصدِّق. وهما سواء. فأمَّا الذي في القرآن فهو المعطِي. والمُصَدِّق: الذي يأخذ صَدَقات الغنم. ويقال: هو رجلُ صِدقٍ([9]). والصَّدَاقة مشتقّة من الصِّدق في المودّة. ويقال صَدِيق للواحد وللاثنين وللجماعة، وللمرأة. وربما قالوا أصدقاء، وأصادق. قال:

فلا زِلْنَ حَسْرَى ظُلَّعاً لِمْ حَمَلْنَها  *** إلى بلدٍ ناءٍ قليل الأصادقِ([10])

(صدم) الصاد والدال والميم كلمةٌ واحدةٌ، وهي الصَّدْم، وهو ضَرْب الشَّيءِ الصُّلْبِ بمثله.

(صدن) الصاد والدال والنون أصلٌ ضعيف. يقولون: الصَّيْدَن: الثَّعْلَب.

(صدي) الصاد والدال والحرف المعتل فيه كلمٌ متباعدةُ القياس، لا يكاد يلتقي منها كلمتانِ في أصل. فالصَّدَى: الذَّكَرُ من البُومِ، والجمع أصداء. قال:

فليس الناسُ بعدَكَ في نقيرِ *** وما هم غيرَ أصداءٍ وهامِ ([11])

والصَّدَى: الدِّماغُ نفسُه، ويقال بل هو الموضع الذي جُعِلَ فيه السَّمْع من الدِّماغ، ولذلك يقال: أَصَمَّ اللهُ صَدَاهُ. ويقال بل هذا صَدَى الصَّوْت، وهو الذي يُجيبُك إذا صِحْتَ بقُرْبِ جَبَل. وقال يصف داراً:

صَمَّ صداها وعفا رسمُها *** واستعجمَتْ عن منطقِ السَّائِلِ([12])

والصَّدَى: الرَّجُلُ الحَسَنُ القِيام على ماله، يقال هو صَدَى مالٍ. ولا يقال إلاَّ بالإِضافة. والصَّدَى: العَطَش، يقال رجلٌ صَدٍ وصادٍ، وامرأة صادية. وتصدَّى فُلانٌ للشَّيء يستشرفُهُ ناظراً إليه. والتَّصدية: التَّصفيق باليدين. قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال 35]. فأمَّا الصَّوادي من النَّخْلِ فهي الطِّوال. ويقال: صاديتُ فلاناً، إِذا دارَيْتَه. وصاديت [فلاناً مُصاداةً: عاملتُهُ بمثل صَنيعه([13])].

وإِذا كان بعد الدَّال همزة تغيَّر المعنى، فيكون من الصَّدَأ صدإ الحديد. يقولون: صاغِرٌ صَدِئٌ من صدأ العار([14]).

(صدح) الصاد والدال والحاء أُصَيلٌ يدلُّ على صوت. يقال صدح الدِّيك والغُراب. وكان اللِّحياني يقول: إِنَّهُ لَصَيْدَحٌ، أي مرتفع الصَّوت. ويقولون: ـ وليس هو من هذا القِياس: إنَّ الصُّدْحَة خَرَزة يُؤَخَّذُ بِها. ويقال الصَّدَح: الإِكام([15]). والله أعلم.

ـــــــــــــــ

([1]) هو خلف الأحمر. وفي الأصل: "الآخر"، صوابه في المجمل.

([2]) البيت لابن مقبل، كما في اللسان (صدر).

([3]) في المجمل: "من ضعفه".

([4]) في اللسان: "سمي بذلك لأنَّه لا يشتد صدغاه إلا إلى سبعة أيام.

([5]) في الأصل: "من جانب الوحشي"، صوابه في المجمل واللسان.

([6]) أنشده في المجمل واللسان، وسيأتي في (عقب). وقبله في تاج العروس:

* لا ريّ حتى تنهل الروادف *.

([7]) كذا ضبطت الكلمتان في الأصل. وزاد في اللسان والقاموس: "صدقة" بالفتح، وبفتحتين وبضمتين. ويقال أيضاً: "صداق" ككتاب.

([8]) لم تضبط أي كلمة منهما في الأصل. وقد قرأ الجمهور: "صدقاتهن" بفتح الصاد وضم الدال. وقرأ قتادة بإسكان الدال وبضم الصاد، وقرأ مجاهد وموسى بن الزبير وابن أبي عبلة وفياض ابن غزوان بضمهما. تفسير ابن حيان (3: 166).

([9]) كذا ضبط في المجمل بالإضافة. ويقال أيضاً: "رجل صدق". بالوصف، مع كسر الصاد وفتحها.

([10]) لم، أي لماذا. وفي الأصل: "لم يحملنها"، صوابه من المخصص (17: 30)، حيث أنشد البيت. وأوله عنده: "فلا زلن دبرى".

([11]) البيت للبيد في ديوانه 135 واللسان (صدى، نقر). في نقير، أي ليسوا بعدك في شيء. وفي الأصل: "من نقر"، صوابه في الديوان واللسان.

([12]) لامرئ القيس في الديوان 148 واللسان (صدي).

([13]) التكملة من المجمل، وقد بيض لها في الأصل.

([14]) في اللسان: "وفلان صاغر صدئ إذا لزمه صدأ العار واللوم".

([15]) وكذا في المجمل. وفي اللسان: "الأزهري: الصدحان آكام صغار صلاب الحجارة واحدها صدح".

 

ـ (باب الصاد* والراء وما يثلثهما)

(صرع) الصاد والراء والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سقوطِ شيءٍ إلى الأرض عن مراس اثنين، ثم يُحمَلُ على ذلك ويشتقُّ منه. من ذلك صَرَعْتُ الرَّجلَ صَرْعَاً، وصارعتُهُ مصارَعة، ورجلٌ صَرِيع. والصَّريع من الأغصانِ: ما تَهدَّلَ وسقط إلى الأرض، والجمع صُرُع. وإذا جُعِلَتْ من ذلك السَّاقط قَوْسٌ فهي صَرِيع.

وأمَّا المحمول على هذا فقولُهم: هما صِرْعان، يقال إنَّ معنى ذلك أنَّهما يقعان معاً. وهذا مَثَلٌ وتشبيه. وكذلك مِصْرَاعا البابِ مأخوذانِ من هذا، أي هما متساويان يقعان معاً. والصَّرعانِ: إبلان يختلفان في المشْي، فتذهب هذه وتجيءُ هذه لكثرتها. قال:

فَرَّجْتُ عنه بِصَرْعينا لأرملةٍ *** أو بائس جاء معناه كمعناه([1])

ومَصَارع النَّاس: مَساقِطُهم. وقال أبو زيد: أتانا صَرْعَي النَّهار، غُدْوةً وعَشيَّة. وهذا محمولٌ على ما ذكرناه، من أنَّ الصَّـِرعَين المِثلان. والقياس فيه كله واحد.

(صرف) الصاد والراء والفاء معظم بابِهِ يدلُّ على رَجْع الشيء. من ذلك صَرفْتُ القومَ صَرْفاً وانصرفوا، إذا رَجَعْتَهم فرَجَعوا. والصَّرِيف: اللّبَن ساعةَ يُحلَب ويُنصرَف به. والصَّرْف في القُرْآنِ: التَّوبة([2])؛ لأنَّه يُرجَع به عن رتبة المذنبين. والصَّرْفة: نجم. قال أهلُ اللّغة سمِّيت صرفةً لانصراف البرد عند طلوعها. والصَّرْفة: خَرَزة يؤخَّذ بها الرِّجال، وسمِّيت بذلك كأنَّهم يصرفون بها القلبَ عن الذي يريده منها. قال الخليل: الصَّرْف فَضْل الدِّرهم على الدِّرهم في القِيمة. ومعنى الصَّرف عندنا أنَّه شيءٌ صُرِف إلى شيء، كأنَّ الدِّينارَ صُرِف إلى الدراهم، أي رُجِع إليها، إِذا أخذتَ بدلَه. قال الخليل: ومنه اشتُقَّ اسمُ الصَّيرفيّ، لتصريفه أحدَهما إلى الآخَر. قال: وتصريف الدَّراهِم في البِياعات كلِّها: إنفاقُها. قال أبو عُبيدٍ: صَرْف الكلام: تزيينهُ والزِّيادةُ فيه، وإِنَّما سُمِّيَ بذلك لأنَّه إِذا زيِّن صرف الأسماعَ إلى استماعه. ويقال لِحَدَث الدَّهْر صَرْفٌ، والجمع صُروف، وسمِّي بذلك لأنه يتصرَّف بالناس، أي يقلِّبهم ويردِّدهم. فأمّا حِرْمةَ الشَّاءِ والبقَر والكلاب، فيقال لها الصِّرَاف، وهو عندنا من قياس الباب، لأنَّها تَصَرَّف أي تَرَدّدَ وتُراجِع فيه. ومن الباب الصَّريف، وهو صوت نابِ البعيرِ. وسمِّي بذلك لأنَّه يردِّده ويرَجِّعه. فأمَّا قول القائل:

بَنِي غُدَانةَ ما إنْ أنتمُ ذهباً *** ولا صريفاً ولكن أنتم الخزَفُ([3])

فقال قومٌ: أراد بالصَّريف الفِضّة. فإن كان صحيحاً فسمِّيت صريفاً من قولهم: صَرَفت الدِّينارَ دراهمَ، ليس له وجهٌ غير هذا.

وممّا أحسَِبه شاذّاً عن هذا الأصل: الصَّرَفَانُ، وهو الرَّصاص. والصَّرَفَانُ في قوله:

* أمْ صرفاناً بارداً شديدا([4]) *

مختلفٌ فيه، فقال قوم هو الرَّصاص. وقال آخَرون: الصَّرَفانُ: جنْس من التَّمر. وأنشدوا:

* أَكَلَ الزُّبد بالصَّرَفان([5]) *

قالوا: ولم يكن يُهدَى للزّبّاء شيءٌ من الطُّرف كان أحبَّ إليها من التَّمر. وأنشدوا:

ولما أتتْها العير قالت أباردٌ *** من التَّمْرِ أم هذا حديدٌ وجندلُ([6])

ومما شذَّ أيضاً الصِّرْف: شيء من الصِّبْغ يُصبَغ به الأديم. قال:

كمَيْتٌ غير مُحْلِفةٍ ولكنْ *** كلون الصرْفِ عُلَّ به الأديمُ([7])

وعلى هذا يُحمَلُ قولهم: شرِب الشَّرابَ صِرْفَاً، إذا لم يمزُجْه؛ كأنَّهُ تُرِكَ على لونِهِ وحُمْرَتِه.

(صرم) الصاد والراء والميم أصلٌ واحدٌ صحيحٌ مطَّرد، وهو القَطْع. من ذلك صُرْم الهِجران. والصَّريمة: العزيمة على الشيء، وهو قَطْعُ كلِّ عُلْقَةٍ دونَه. والصُّرام: آخر اللَّبَن بعد التغزير، إِذا احتاجَ الرّجل إليه حلبَه ضرورةً. قال بشر:

ألاَ أَبْلِغْ بني سعدٍ * رسولاً  *** ومولاهُمْ فقد حُلِبَتْ صُرامُ([8])

وهذا مَثَلٌ، كأنَّه يقول: قد بُلِغَ من الشر آخِرُهُ، وآخر الشيء عند انقطاعه. ويقال: أكل فلانٌ الصَّيْرَم، وهي الوَجْبَة؛ لأنَّه إِذا أكلها قطع سائر يومه. ويقال صَرَمْتُهُ صَرْماً، بالفتح  وهو المصدر، والصُّرْم الاسم. فأمَّا الصَّريم فيقال إنّهُ اسمُ الصُّبْح واسم اللّيل. وكيف كان فهو من القياس؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَصْرِمُ صاحبَهُ ويَنصرِم عنه. قال الله تعالى: {فأَصْبَحَتْ كالصَّرِيم}  [القلم 20]. يقول: احترقت فاسوادَّت كاللَّيلِ. فهذا فيمن قاله إنَّه اللّيل. وأمَّا الصُّبح فقال بشر:

فباتَ يقول أَصبِحْ ليلُ حَتَّى *** تَجَلَّى عن صَريمتِهِ الظَّلامُ([9])

والصَّريم: الرَّمل ينقطع عن الجدَدِ والأرض الصُّلْبة. والصِّرام: وقت صَرْم الأعذاق. وقد أَصْرَمَ النَّخْلُ: حان صِرامُهُ. والصِّرْمة: القطيع من الإِبل نحوٌ من الثَّلاثين. والصِّرَم: القِطَع من السَّحاب، واحدتها صِرْمة. قال النابغة:

وهبَّت الريحُ من تِلقاءِ ذي أُرُلٍ *** تُزْجِي من اللَّيل من صُرَّادِها صِرَما([10])

والصِّرْم: طائفةٌ من القوم ينزلون بإبلهم ناحيةً من الماء، فهم أهل صرم. والرَّجُل الصَّارم: الماضي في الأمور كالسَّيف الصَّارم. وناقة مصرَّمة، أي يُصَرَّم طبْيُها فيفْسُدُ الإحليل فييْبس، فذلك أقوى لها؛ لأنَّ اللبن لا يَخرج. ويقال إنَّ التَّصريم يكون بكَيِّ خِلفَينِ. والصَّرماء: الأرض لا ماء بها. ويقال إنَّ الصَّريمة الأرض المحصودُ زرعُها([11]). فأمّا قوله:

ومَوْماةٍ يَحَارُ الطَّرْفُ فيها *** إِذا امتنعَتْ علاها الأصرَمانِ([12])

فإنَّ الأصرمَينِ الذِّئب والغراب، سُمِّيا بذلك لقطعهما الأنيس.

(صري) الصاد والراء والحرف المعتل أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على الجمع. يُقال: صَرَى الماءَ يصرِيه، إذا جمعه. وماءٌ صَرىً: مجموع. قال:

رأت غلاماً قد صَرَى في فقرتهْ *** ماءَ الشَّبابِ عُنفوانُ شِرَّتهْ([13])

وكأنَّ الصَّرَاةَ([14]) مشتقَّة مأخوذة من هذا. وسمِّيت المُصَرَّاةُ من الشَّاءِ وغيرِها لاجتماعِ اللبن في أخلافها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تُصَرُّوا الإبلَ والغنم. ومَنْ اشترى مصرَّاةً فهو بآخر النَّظَرَين([15])، إن شاء ردَّها وردَّ معها صاعاً من تمر". ويقال صَرَيْت ما بينهم: أصلحته، وذلك هو القِياس؛ لأنه يجمع الكلمةَ المشتَّتَة. وتقول: صَرَيت الرّجُل، إذا منعتهُ ما يريدُه. قال:

* وليسَ صَارِيَهُ عن ذِكْرِها صارِ([16]) *

والقِياس ذلك؛ لأنَّه إذا مُنع الشيءَ فقد حُبِس([17]) دونه وجُمِعَ عنه ويقولون: صراه الله، كما يقولون: وقاه، أي لا نَشرَ أمرَه، بل جَمَعَ مالَه. وصَرَى فلانٌ [في يدِ فلانٍ، إذا بقيَ([18])] في يده رَهْنَاً محبوساً.

وشذَّ عن الباب الصَّرَاية: الحنظل، في قوله:

* أو صَرَايةُ حَنْظَلِ([19]) *

(صرب) الصاد والراء والباء أُصَيْلٌ صحيح يدلُّ على مثل ما دلَّ عليه الباب الذي قبله. وزاد الخليل فيه وصفاً آخر، قال: الصرِيب: اللَّبن الذي قد حُقِنَ: والوَطْب مُصرَّب. وقال ابنُ دُريد: كلُّ شيءٍ أملسَ فهو صرَب. وهذا الذي قاله ابنُ دريدٍ أَقْيَس؛ لأنَّهم يسمُّون الصَّمْغ الصرَب، وينشدون:

أرض عن الخير والسُّلطانِ نائيةٌ *** والأطيبان بها الطُّرْثُوثُ  والصَّربُ([20])

والصَّمغ فيه مَلاسَة. والذي قاله الخليل فَفرْعُه قولُهم للصبيِّ إذا احتبسَ بَطْنُهُ: صرَب ليَسْمَن، وذلك عند عَقْدِهِ شَحْمه. والصَّرَْب: اللَّبَن الحامض.

(صرح) الصاد والراء والحاء أصلٌ منقاسٌ، يدلُّ على ظهور الشَّيء وبُروزه. من ذلك  الشَّيء الصريح. والصَّريح: المحض الحسَب، وجمعه صُرَحاء. قال الخليل: ويجمع الخيلُ على الصرائح. وقال: وكلُّ خالصٍ صريح. يقال هو بَيِّنُ الصَّراحة والصُّروحة. وصرَّحَ بما في نفسه: أَظهَرَه. ويقال كأس صراحٌ، إذا لم تُشَبْ بِمزاج. وصرَّحت الخمرُ، إذا ذهب عنها الزَّبد. قال الأعشى:

كُمَيتٌ تكشَّف عن حُمْرَةٍ  *** إذا صَرَّحَتْ بعد إِزْبادِها([21])

ويقال: جاء به صُِرَاحا، أي جِهارا. ولقيت فلاناً مُصارَحة وصِراحاً، أي كِفاحا. ويقال صرَّح الحقُّ عن مَحْضِه، أي انكشف الأمرُ بعد غُيوبهِ. والصَّرْحة: المكان، ويقال بل هو المَتْن من الأرض. ويقال يومُ مُصرِّح، إذا كان لا سحابَ فيه، وهو في شعر الطِّرِمَّاح([22]). والصَّرح: بيتٌ واحدٌ يُبنى منفرداً ضخماً طويلاً في السَّماء. وكلُّ بناءٍ عالٍ فهو صرْح.

(صرخ) الصاد والراء والخاء أُصَيلٌ يدلُّ على صوتٍ رفيع. من ذلك الصُّراخ، يقال صَرَخ يَصرُخ، وهو إذا صوّت. ويقال الصَّارخ: المستغيث، والصارخ: المغيث، ويقال بل المُغيث مُصرِخ؛ لقوله تعالى في قصة من قال: {ما أَنَا بِمُصرِخِكم وما أنتم بِمُصْرِخِيَّ}[إبراهيم 22].

(صرد) الصاد والراء والدال أصولٌ ثلاثة: أحدها البرد، والآخر الخلوص، والآخر القِلّة.

فالأوَّل: الصَّرْد: البَرْد، ويومٌ صرِدٌ؛ وقد صرِدَ الرَّجُل. ورجلٌ مِصرادٌ: جَزُوعٌ من البَرْد. والاسم الصَّرَد. قال الشاعر:

نِعْمَ شِعارُ الفَتى إِذا بَرَدَ اللَّيـ *** ـلُ سُحيراً وقفقَف الصَّرِدُ([23])

ومن الباب قولهم: صرِدَ القلبُ عن الشيء، إذا انتهى عنه. وذلك أنَّهُ يسلو عنه ويبرد ويَصرَد. والصُّرَّاد: غَيم رقيق.

وأمَّا الخلوص فالصَّرْد: البَحْت الخالص. ويقال كذِبٌ صرْد. وأُحِبُّك حُبّاً صَرْداً. وشرابٌ صرْد: خالص. قال:

فإنَّ النَّبيذ الصردَ إنْ شُرْبَ وحده *** على غير شيءٍ أوجع الكِبْدَ  جُوعُها([24])

ومن الباب: صرَد السَّهْمُ من الرّميَّة، إِذا نفذَ حَدُّه. ونَصْلٌ صارد. وأنا أصردته، وهو الخلوص من الرَّميَّة.

والباب الثالث: التصريد في السّقْي دون الرِّيّ. وشرابٌ مصرّد، أي مقلَّلٌ. وصرَّدَ له العَطاءَ، إذا قلَّلهُ.

ومما شذَّ عن الباب الصُّرَد: طائر. والصُّرَدَانِ: عِرقانِ تحت اللِّسان.

(صرط) الصاد والراء والطاء وهو من باب الإِبدال، وقد ذكر في السين، وهو الطَّرِيق. قال:

أَكُرُّ على الحرورِيِّينَ مُهْري *** وأحملُهم على وَضَح الصِّراطِ ([25])

ـــــــــــــــ

([1]) البيت مع قرين له في اللسان (صرع).

([2]) في الآية 19 من سورة الفرقان: { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بما تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً ولا نَصْرا}.

([3]) البيت في اللسان (صرف) والخزانة (2: 124). بدون نسبة فيهما.

([4]) من الرجز المقول على لسان الزباء. اللسان (صرف).

([5]) قطعة من بيت لعمران الكلبي في اللسان (صرف). وهو بتمامه:

أكنتم حسبتم ضربنا وجلادنا *** على الحجر أكل الزبد بالصرفان

([6]) البيت في المجمل واللسان (صرف).

([7])  لسلمة بن الخرشب الأنماري في المفضليات (1: 38). ونسب في اللسان (صرف) إلى الكلحبة اليربوعي.

([8]) المفضليات (2: 135) واللسان (صرم).

([9]) المفضليات (2: 135). واللسان (صرم).

([10])وكذا في ديوانه 66 ومعجم البلدان (أول). وفي اللسان: "ذي أرك"، تحريف.

([11]) في الأصل: "أرضها" وصوابه في المجمل.

([12]) أنشده المحبّي في جنى الجنتين 20.

([13]) للأغلب العجلي. وقد سبق الكلام عليه وعلى تخريجه في (رد 387).

([14]) الصراة: نهران ببغداد، الصراة الكبرى والصراة الصغرى. ياقوت.

([15]) في اللسان: "فهو بخير النظرين".

([16]) لابن مقبل في اللسان (صري). وصدره: *ليس الفؤاد براء أرضها أبداً*.

([17]) في الأصل: "حين".

([18]) التكملة من المجمل.

([19]) لامرئ القيس في معلقته. والبيت بتمامه:

كأن سراته لدى البيت قائماً *** مداك عروس أو صراية حنظل

([20]) أنشده في اللسان (صر) وإصلاح المنطق 45.

([21]) في ديوان الأعشى 52، واللسان (صرح): "كميتاً".

([22]) يعني قوله في ديوانه 85 واللسان (صرح):

إذا امتل يهوي قلت ظل طخاءة *** ذرى الريح  في أعقاب يوم مصرح

([23]) أنشده الكامل في المبرد 137 ليبسك. وبعده:

زينها الله في الفؤادِ كما  *** زين في عين والد ولد.

([24])  في الأصل: "الصردان يشرب وحده"، صوابه في المجمل واللسان (صرد). وشرب، هي شرب، بالبناء للمجهول سكن منه الراء للضرورة كقوله:  * لو عصر منه البان والمسك انعصر *.

([25]) أنشده في المجمل واللسان (صرط).

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله صاد)

فالذي جاء منه على القياس، الذي تقدَّم ذكره. [وأمَّا المنحوت] فقولهم (الصَّعْنب) الصَّغير الرّأس، فهذا مما زيدت فيه الباء، وأصله الصاد والعين والنون، وقد قلناه في الصِّعْوَنّ، ومضى تفسيره([1]).

ومن الباب: (اصْمَقَرَّ) اللَّبنُ، إذا اشتدَّتْ حُموضته. وهذا منحوتٌ من كلمتين. من صقر ومقر. أمَّا مقر فهو الحامض، ومن ذلك يقال سمكٌ ممقور. وأما صقر فمن الخُثورة، ولذلك سمِّيَ الدِّبْس صقراً، وقد مرَّ.

ومن ذلك قولهم: بعير (صلخد([2]))، أي صُلْب، فاللام فيه زائدة، وإنّما هو من صَخَدَ والصَّخْرَة الصَّيْخُود، وقد فسرناه.

ومن ذلك: (الصَِّلْقَم)، وهو الشديد العضّ. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من صَلَقَ ولَقَمَ، كأنّه يجعل الشَّيءَ كاللُّقمة. والصَّلْق من الأنياب الصَّلَقات، وقد مضى.

ومن ذلك: (الصِّرْداح) و(الصَّرْدَح)، وهي الناقةُ الصُّلْبَة. وهذا مما زِيدت فيه الدَّال. وأصله من الصَّرْح، وهو البناء العالي القويّ.

ومن ذلك كلمةٌ ذكرها ابن دريد([3])، وهي في القياس جيّدة صحيحة. قال: "ناقة صَيْلَخود: صُلْبة شديدة"، وقد فسرناها في الصَّلخد.

ومن ذلك (اصمَعَدَّ) الرَّجل: ذهب في الأرض. وهذا مما زيدت فيه الميم، وإِنَّما هو من أَصْعَد في الأرض، وقد فسَّرناه.

ومن ذلك (صَلْفَع) رأسَه، إِذا حلقه. والفاء فيه زائدة، وهو من الصَّلَع. وقال قومٌ: صلفَعَه، إِذا ضرب عنقَه. وهو قريبٌ، إلاَّ أنَّ الأوّل أَقْيَس.

ومن ذلك قول الأحمر: (صَلْمعتُ) الشيء، إذا قلعتَه من أصله. وقال الفرَّاء: صلْمَعَ رأسَه، إِذا حلق شعره. والميم في الكلمتين زائدة. ويقال إن *(الصَّلْمَعة) و(الصَّلْفعة): الإِفلاس. وهو القياس.

ومن ذلك (الصِّمْرِد): النّاقة القليلة اللَّبن، والميم فيه زائدة، وهو من صرد. وقد قلنا إنَّ التَّصريد: التَّقليل.

ومن ذلك (الصُّمَّلِك): الشديد القُوّة، والكاف فيه زائدة، والأصل الصُّمُلّ.

ومن الباب (الصَّهْصَلِق): الشَّديد الصَّوت الصَّخّاب. يقال امرأة صَهْصَلِق: صخّابة. وهذا منحوتٌ من كَلمتين: من صهل وصلق، وقد ذكرناهما. قال ابنُ أحمر:

صَهْصَلِق الصَّوت إذا ما غَدَتْ *** لم يَطْمَع الصَّقرُ  بها المنكدِرْ([4])

ومن ذلك (المصمئِلَّة): الدَّاهية. والأصل صَمَل، وقد مضى ذكره.

ومن ذلك (الصَّفاريت)، وهم الفُقَراء،  الواحد صِفْريت. قال ذو الرُّمّة:

* ولا خُورٍ صَفَارِيتِ([5]) *

والتاء فيه زائدة، وإنَّما هو الصِّفْر، وهو الخالي.

ومن ذلك (الصَّعْنَبة)، أي تَصَوْمُع الثَّريدة. والباء فيه زائدة، وهو من المُصْعَنّ([6]) والصِّعْوَنّ، وقد ذكرناه.

ومن ذلك (الصَّمْعَرةُ([7]))، وهو ما غلُظَ من الأرض. و(الصَّمْعَريّة) من الحيّات. الخبيثة. و(الصَّمعريُّ): اللئيم. وقياس هؤلاء الكلماتِ واحد، وهي منحوتةٌ من صَمَر ومَعَر. أمَّا صمر فاشتدّ. وأمَّا معر فقلّ نبته وخَيره. وقد ذُكِر في بابه.

ومن ذلك (الصِّمْلاَخ): خَرْق الأُذُن، واللام فيه زائدة، وإنّما هو الصِّماخ، وقد ذكرا. ومن ذلك (الصُّمَالخ): اللبن الخاثر المتلبِّد([8]). فهذا من صلخ وصمل. أمّا صمل فاشتدّ، وأمَّا صَلَخَ فمن الصَّمَم. فكأنَّ اللّبَن إِذا خثُر لم يكنْ له عند صبِّه صَوت.

ومن ذلك (الصِّقَعْل)، وهو التَّمر اليابس([9]). وهذا من الصَّقْل. والعين فيه زائدة، وذلك أنَّه إِذا يَبِسَ صار كالشَّيءِ الصَّقِيل([10]).

ومن ذلك (الصِّلْدمَة): الفَرَس الشَّديدة. وهذه من صَلَد وصَدَمَ. أمَّا الصَّلْد فالشَّديد، وهو من الصَّخْرة الصَّلْد. والصَّدْم من صَدْم الشّيء، وقد مرّ ذكره، فأمَّا (الصِّنْتِيت): وهو السيِّد، فمضى ذكرُهُ؛ لأنَّه من باب الإِبدال، وهو الصِّنْديد.

ومن ذلك (الصَّقْعب): الطّويل من الرِّجال. فهذا منحوتٌ من كلمتين من صَقَب وصَعَب. أما الصَّقْب فالطَّويل، والصَّعب من الصُّعوبة.

ومن ذلك (الصَّلْهب): الرَّجُل الطَّويل، فهذا معنيان: الإِبدال والزِّيادة. أمَّا الإِبدال فالصاد بدل السين، وهو السَّلْهَب. وإِذا كانت الهاء زائدة فهو من السَّلِب، وهو الطَّويل.

وأمَّا الذي وُضع وَضْعاً، وهو غيرُ منقاسٍ عندي، (فالصُّنْبُور) النَّخلة تبقى منفردةً ويَدِقُّ أسفلُها. والصُّنْبور: مَثْعَب الحوض. والصُّنبور: الرَّجل الفَرْد الذي لا ولدَ لـه ولا أخ. والصُّنْبور: القَصَبة التي تكون في الإداوة من حديد أو رَصاصٍ يُشرَب بها. وأمَّا (الصِّنَّبْر) وهو البرد الشديد، فالنون والباء فيه زائدتان، وهو من الصِّرّ.

ومما وُضِعَ وضعاً، ولعله أن يكون كالنَّبَز: (الصَّعافقة)، يقال الذين ليست معهم رؤوس أموال، يحضرون الأسواق فإذا اشترى واحدٌ شيئاً دخَلُوا معه فيه.

(تم كتاب الصاد)

ــــــــــــــــــ

([1]) مادة (صعن). ص 286.

([2]) يقال (صَلْخَد) و(صِلَخْد) و(صِلْخَدّ).

([3]) الجمهرة (3: 403).

([4]) في الأصل: "إذا ما عذب * لم يطمع الصفو"، صوابه في المجمل.

([5]) قطعة من بيت لذي الرُّمة في ملحقات ديوانه 663 واللسان (صفر). وهو بتمامه:

بفتية كسيوف الهند لا روع *** من الشباب ولا خور صفاريت.

([6]) في الأصل: "الصعن"، تحريف.

([7]) وكذا في المجمل. ولم تذكر في اللسان. وذكر في القاموس: "الصمعر".

([8]) في الأصل: "المتكبد"، صوابه في اللسان.

([9]) زاد في اللسان: "ينقع في المخض"،  وأنشد: * ترى لهم حول الصقعل عثيره  *.

([10]) في الأصل: "الصفقل".

 


كتاب الضاد:

ـ (باب الضاد في المضاعف [والمطابق])

(ضع) الضاد والعين في المضاعف أصلٌ واحدٌ صحيحٌ، يدلُّ على الخضوع والضَّعْفِ. يقال تضعضعَ، إِذا ذلَّ وخَضَع. قال أبو ذؤيب:

وتجلُّدِي للشَّامِتِين أرِيهِمُ *** أنِّي لرَيْبِ  الدَّهرِ لا أتضعضعُ([1])

وكلُّ ضعيفٍ ضَعْضَاعٌ، إِذا لم يكن ذا رأيٍ ولا قُوَّةٍ.

(ضغ) الضاد والغين ليس بشيء، ولا هو أصلاً يفرّع منه أو يقاس عليه، لكنَّهم يقولون: إنَّ الضَّغْضَغة: حِكايةُ أكلِ الذئبِ اللحْم. وقال الخليل: الضَّغْضَغة: لوك الدَّ‌رداء. ويقولون: الضَّغَّاغة([2]): الأحمق. والضغيغة: العجينُ *الرَّقيق. وأقاموا في عيشٍ ضغيغٍ، أي خَصيب. وليس هذا كلُّه بشيءٍ وإنْ ذُكِر.

(ضف) الضاد والفاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على أمرين: أحدهما الاجتماع، والآخر القِلة والضَّعف.

[فأمَّا الأوَّل فهو الضَّفف]، وهو اجتماع النَّاس على الشيءِ. ويقال ماء مضفوف، إذا كثُر عليه الناس. وطعامٌ مضفوف. وفي الحديث: "أنه عليه السلام لم يشبَع من خُبزٍ ولحم إلاَّ على ضَفَف". يراد بذلك كثرةُ الأيدي على الطَّعام. وقال في الماء:

لا يَسْتَقِي في النَّزَحِ المضفوفِ *** إلاَّ مُدَارَاتُ الغُروبِ الجُوفِ([3])

وجانبا النَّهْرِ: ضَفَّتَاهُ، لاجتماعهما عليه، قال الخليل: ناقةٌ ضَفوفٌ، أي كثيرةُ اللَّبنِ لا تُحلَبُ إلاَّ ضَفَّاً. والضَّفُّ: الحَلَب بالكفِّ كلِّها.

وأمّا الآخر فقولُهم: في رأيِ فلانٍ ضَفَفٌ، أي ضَعف. ولقيتُهُ على ضَفَفٍ، أي عَجَلةٍ لم أتمكَّنْ منه.

(ضك) الضاد والكاف أُصَيلٌ صحيح فيه كلمتان: امرأةٌ ضكضاكة ورجل ضكْضاكٌ، يراد به القِصَر واكتنازُ اللَّحم. والكلمة الأخرى: الضَّكْضَكة سُرعة المَشي.

(ضل) الضاد واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معنىً واحد، وهو ضَياع الشيء وذهابُهُ في غيرِ حَقِّه. يقال ضَلَّ يَضِلّ ويَضَلّ، لغتان. وكلُّ جائرٍ عن القصد ضالٌّ. والضَّلاَل والضَّلالَة بمعنى. ورجلٌ ضِلِّيل ومُضلَّل، إذا كان صاحبَ ضَلاَلٍ وباطل. وممّا يدُلُّ على أنّ أصل الضّلاَل ما ذكرناهُ، قولُهم أُضِلّ الميّتُ، إِذا دُفِنَ. وذاكَ كأنَّهُ شيءٌ قد ضاع. ويقولون: ضَلَّ اللَّبَنُ في الماءِ، ثم يقولون استُهْلِكَ. وقال في أُضِلَّ الميّت:

وآبَ مُضِلُّوهُ بعينٍ جَلِيَّةٍ *** وغودِرَ بالجَوْلان حَزمٌ ونائلُ([4])

قال ابنُ السكِّيت: يقال أَضلَلْتُ بعيري، إذا ذهبَ منك؛ وضللت المسجد والدَّارَ، إِذا لم تهتدِ لهما. وكذلك كلُّ شيءٍ مُقيمٍ لا يُهتَدَى لـه. ويقال: أرضٌ مَضِلّة ومَضَلّة. ووقعوا في وادي تُضَُـلِّلَ، إذا وَقعوا في مَضَِلَّة.

(ضم) الضاد والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مُلاءَمةٍ بين شيئين. يقال ضَمَمت الشّيءَ إلى الشيء فأنا أضُمُّه ضمّاً. وهذه إِضْمامةٌ من خَيل، أي جماعة. وفرسٌ سَبّاق الأضاميم، أي الجماعات. وإِضمامةٌ من كُتُب مثل إِضْبارة.

ومن الباب: أسدٌ ضَمْضَم وضُماضِمٌ: يضمُّ كلَّ شيءٍ.

(ضن) الضاد والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على بُخْلٍ بالشيء. يقال ضَنِنْتُ بالشّيءِ أَضَنُّ به ضَنّاً وضَنانةً، ورجلٌ ضَنين. وهذا عِلْقُ مَضَنَّةٍ ومَضِنّة، إذا كان نفيساً يُضَنُّ به. وفلانٌ ضِنِّي مِنْ بين إخواني، إذا كان النّفِيسَ الذي يُضَنُّ به. وربما قالوا ضَنَنْتُ بفتح النون.

(ضأ) الضاد والهمزة كلمة صحيحة، وهي الضِّئْضئُ، وهو الأصل. وفي الحديث: "يخرج من ضِئْضِئِ هذا قومٌ يمرُقون من الدِّين"([5]).

وأمَّا الضاد والحرف المعتل فهو يدلُّ على صِياحٍ وجَلَبَة. من ذلك الضَّوَّة والضَّوْضَاة([6]): أصوات النّاس وجَلَبَتهم. يقال ضَوْضَوْا بلا همز.

(ضب) الضاد والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ عُظْمُه على الاجتماع. قال أبو زيد: أَضَبَّ القومُ إضباباً، إذا تكلّموا جميعاً. ثمّ يُحْمَل على هذا الأصلِ أكثرُ البابِ. من ذلك ضَبَّة الحديد، والجمع ضَبَّات. والضَّبّ: الغِلُّ في القلب. وقد أَضَبَّ على غِلٍّ في صدره، إذا جَمَعَه في صدرهِ. ومنه الضَّبَاب، وهو الذي كأنَّه غبارٌ يجتمع فيَستُر. وهذا يومٌ مُضِبٌّ. وضَبِبَ البلدُ: كثُر ضَبابه.

ومن الباب: التَّضَبُّب، وهو السِّمَن. والضَّبِيبة: سمنٌ ورُبٌّ([7]) يُجمع بينهما، يقال ضَبِّبُوا لصبيِّكم. والضبُّ من دوابِّ الأرضِ معروف، وسمِّي لتجمُّع خَلْقِهِ ولحْمِه؛ والجمع ضِباب: وربَّما شبِّه الطَّلْع به. قال:

أطَافَ بِفُحَّالٍ كأنَّ ضِبابَهُ *** بُطونُ الموالي يومَ عِيدٍ تَغَدَّتِ

يقول: طَلْعُها ضخمٌ كأنَّه ضِبابٌ ممتلئة. ثم شَبَّه تلك الضِّبابَ ببطونِ موالٍ تغدَّوْا فتضَلَّعُوا. ويقال: وقَعْنا في مَضَابَّ مُنْكَرة، أي قِطَعٍ من الأرض كثيرة  الضِّباب. والضُّبَاضِب: الرّجل *القصير السمين. فأمَّا قولهم: ضبَّ النّاقة، فهو مِثل ضَفَّها([8]) إِذا حَلَبَها بالكفّ جميعاً. قال الكسائيّ: فَطَرت النّاقةَ أفطرُها، إذا حلبتَها بطرف أصابعك. وضَبَبْتُها أَضُبُّها ضبّاً، إذا حَلَبْتَها بالكفِّ كلِّها. قال الفرَّاء: هذا هو الضَّفُّ. فأمَّا الضَّبُّ فأنْ تجعل إِبهامك على الخِلْف وأصابعَك على الإبهامِ والخِلْف معاً.

ومما شذَّ عن هذا الأصل قولُهم: ناقةٌ ضَبَّاءُ وبعيرٌ أضبُّ، وهو وجعٌ يأخذهما في الفِرْسِن([9]). فأمَّا قولُهم: ضَبّت لِثَتُه دماً، وضبَّت يدُهُ إذا سالت دماً، فليس من هذا الباب، إنّما هو مقلوب من بَضَّ([10])، وقد مرَّ.

(ضج) الضاد والجيم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على صِياحٍ بِضَجَر. من ذلك ضجَّ يضِجُّ ضجيجا، وضجَّ القوم ضِجَاجاً. قال أبو عبيد: أَضجَّ القوم إِضجاجاً، إذا جَلبُوا([11]) وصَاحُوا. فإِذا جزعوا من شيءٍ وغُلِبوا قيلَ ضَجُّوا. وقال: الضِّجَاج: المشاغَبة والمشارَّة. قال غيره، الضَّجُوج من الإِبل؛ التي تضجُّ إِذا حُلِبَت.

ومما شذَّ عن هذا الباب: الضَّجاج([12])، وهو خَرَز([13]).

(ضح) الضاد والحاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على رقَّةِ شيءٍ بعينه. من ذلك الضَّحضاح: الماء إلى الكَعبَين، سمِّي بذلك لرقّته. والضَّحضحة: تَرقرُقُ الشَّراب. ومنه الضِّحّ، وهو ضَوء الشَّمس إذا استمكَنَ من الأرض. وكان ابنُ الأعرابيِّ يقول:  هو لون الشَّمس. ويقولون: جاء فلانٌ بالضِّحِّ والرِّيح، يُراد به الكَثْرة، أي ما طلَعت عليه الشَّمس وما جَرَتْ عليه الرِّيح. قال: ولا يقال [الضِّيح([14])].

(ضخ) الضاد والخاء ليس بشيء. على أنَّهم يقولون: الضَّخّ: امتداد البَول. والمِضَخَّة: قَصَبةٌ يرمَى بها الماء فيمتدّ.

(ضد) الضاد والدال كلمتان متباينتان في القياس.

فالأولى: الضِّدّ ضِدّ الشيء. والمتضادّان: الشَّيئان لا يجوز اجتماعهما في وقتٍ واحد، كالليل والنَّهار.

والكلمةُ الأخرى الضَّدُّ،  وهو المَلْء، بفتح الضاد، يقال ضَدَّ القِربَة: ملأها، ضَدّاً.

(ضر) الضاد والراء ثلاثةُ أصول: الأوّل خلاف النَّفْع، والثاني: اجتماعُ الشَّيء، والثالث القوّة.

فالأوَّل الضَّرّ: ضدُّ النَّفْع. ويقال ضَرَّه يضُرُّه ضَرّاً. ثمَّ يحمل على هذا كلُّ ما جانَسَه أو قارَبَه. فالضُّرُّ: الهُزال. والضِّرّ: تزوُّج المرأة على ضَرَّة. يقال نكحَتْ فلانةُ على ضِرّ، أي على امرأةٍ كانت قَبْلَها. وقال الأصمعيّ: تزوّجَت المرأةُ على ضُرٍّ وضِرّ. قال: والإِضرار مثلُه، وهو رجلٌ مُضِرٌّ. والضَّرَّة: اسمٌ مشتقٌّ من الضَّرِّ، كأنَّها تضرُّ الأخرى كما تضرُّها تلك. واضطُرَّ فلانٌ إلى كذا، من الضرورة. ويقولون في الشِّعر "الضَّارُورة". قال ابنُ الدُّمينة:

أثيِبِي أخا ضارورةٍ أشفَقَ العِدَى *** عليه وقَلّت في الصديق مَعاذرُهْ([15])

والضَّرِير: المُضَارَّة. وأكثر ما يُستعمَل في الغَيْرة؛ يقال ما أشدَّ ضريره عليها. وشُبِّه الحَجَرانِ للرَّحَى بالضَّرَّتينِ فقيل لهما الضَّرَّتانِ. والضَّرِير: الذي به ضَرَرٌ من ذَهاب عَيْنِه. أو ضَنَى جِسْمِه.

وأمّا الأصلُ الثاني فَضَرَّة الضَّرع: لَحْمتُه. قال أبو عُبيد: الضَّرَّة: التي لا تخلو من اللَّبن. وسمِّيت بذلك لاجتماعِها. وضَرَّةُ الإبهام : اللحم المجتمع تحتَها. ومن الباب: المُضِرّ: الذي له ضَرَّةٌ من مال، وهو من صِفَة المال الكثير. قال:

بِحَسْبِكَ في القومِ أن يَعلموا *** بأنَّكَ فيهم غَنِيٌّ مُضِرّْ([16])

وأمّا الثالث فالضرير: قُوَّة النّفْس. ويقال: فلانٌ ذو ضرير على الشيء، إذا كان ذا صبرٍ عليه ومقاساة، في قول جرير:

* جُرأةً وضَرِيرا([17]) *

ويقال للفرس: أضرَّ على فأس اللِّجامِ، إذا أَزَم عليه.

(ضز) الضاد والزاء كلمةٌ واحدةٌ، وهي الضَّزز، وهو لُصوق الحنَك الأعلى بالأسفل؛ رجلٌ أَضَزُّ.

ـــــــــــــــــــ

([1]) ديوان أبي ذؤيب 3 والمفضليات (2: 222)، واللسان (ضعع).

([2]) هذا اللفظ مما انفرد به في المجمل والمقاييس.

([3]) الرجز في اللسان (ضفف).

([4]) البيت للنابغة، كما أسلفت في حواشي (جول).

([5]) في اللسان: "وفي الحديث أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقسم الغنائم فقال لـه: اعدل فإنك لم تعدل. فقال: يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".

([6]) والضوضاء، بالهمز أيضاً.

([7]) في الأصل: "وربما"، تحريف. وفي المجمل: "والضبيبة: السمن والرب يجمع بينهما ويؤكل".

([8]) في الأصل: "ضبها" صوابه في المجمل.

([9]) في الأصل: " الفرس"، صوابه في المجمل.

([10]) في الأصل: "بضن".

([11]) يقال جلب، وأجلب، بالتشديد.

([12]) ضبطه في القاموس كسحاب، وفي المجمل بتشديد الجيم. وهذا اللفظ لم يرد في اللسان.

([13]) في القاموس: "خرزة".

([14]) التكملة من المجمل.

([15]) في الأصل: "أتتني"، صوابه في اللسان (ضرر) حيث ورد البيت بدون نسبة. ولم أجد البيت في ديوان ابن الدمينة.

([16]) البيت للأشعر الرقبان الأسدي، جاهلي، يهجو ابن عمه رضوان. اللسان (ضرر).

([17]) قطعة من بيت له في ديوانه 290 واللسان (ضرر). وهو بتمامه:

من كل جرشعة الهواجر زادها  *** بعد المفاوز جرأة وضريرا

 

 

ـ (باب الضاد والطاء وما يثلثهما)

(ضطر) الضاد والطاء والراء كلمةٌ تدلُّ على ضِخَم. ويقولون: ويكون مع ذلك لُؤم. وقال أبو عُبيد: الضَّيطر: العظيم، وجمعه ضَيطارُون وضَياطِرة. وأنشد:‏

تعرَّضَ ضَيطارُو فُعَالةَ دوننا *** وما خَير ضَيطارٍ يقلِّب* مِسْطَحَا(1)‏

ـــــــــــــــ

(1) البيت لمالك بن عوف النصري، كما سبق في حواشي (حمر، سطح)، وفعالة بالضم: كناية عن خزاعة.‏

 

ـ (باب الضاد والعين وما يثلثهما)

(ضعف) الضاد والعين والفاء أصلانِ متباينانِ، يدلُ أحدُهما على خلاف القُوَّة، ويدلُّ الآخر على أن يزاد الشَّيءُ مِثلَه.‏

فالأوَّل: الضَّعف والضُّعف، وهو خلاف القُوَّة. يقال ضَعُفَ يضعُف، ورجلٌ ضعيف وقوم ضُعفاءُ وضِعافٌ.‏

وأمَّا الأصل الآخَر فقال الخليل: أضعفت الشَّيءَ إِضعافاً، وضعَّفتُهُ تضعيفاً، وضاعْفتُهُ مُضاعَفة، وهو أن يُزادَ على أصل الشَّيء فيُجعلَ مثلين أو أكثر. قال غيره: المضعوف الشَّيء المضاعَف. قال أبو عمرو: المضعوف من أضعفْتُ الشَّيء. وذكر أبو عبيدٍ ذلك في باب أفعلتُهُ فهو مفعول. والمضاعَفَة: الدِّرع نُسِجَتْ حَلْقَتينِ.‏

(ضعو) الضاد والعين والواو كلمةٌ واحدةٌ، وهي الضَّعة: شجرة، حُذِفت واوُها؛ والجمع ضَعَوات. قال:‏

* متّخِذاً في ضَعَواتِ تَوْلجا(1) *‏

(ضعس) الضاد والعين والسين ليس بشيء. وذكر ابن دُريد أنهم يقولون للحريص النَّهم: ضَعْوَس(2).‏

ـــــــــــــ

(1) البيت لجرير في ديوانه 92 واللسان (ضعا) من رجز يهجو به البعيث المجاشعي.‏

(2) الجمهرة (3: 24) والكلمة لم تذكر في اللسان ولا في القاموس، وبدلها في اللسان: "الضَّعْرَس"، وفي القاموس: "الضَّغْرَس".‏

 

ـ (باب الضاد والغين وما يثلثهما)

(ضغت) الضاد والغين والتاء ليس بشيء([1]).

(ضغث) الضاد والغين والثاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على التباسِ الشَّيءِ بعضه ببعض. يقال للحالم: أَضْغَثْتَ الرُّؤيا. والأضغاث: الأحلام الملتبِسة. والضِّغْث: قُبضة([2]) [من([3])] قُضْبان أو حشيش، قال الخليل: أصلٌ واحدٌ. ويقال ناقة ضَغوثٌ، إِذا شَكَكْتَ في سِمَنِها فلمستَ أَبِها طِرْقٌ. والضَّغْثُ كالمَرْس.

(ضغب) الضاد والغين والباء ليس بأصل، بل هو بعضُ الأصوات. يقولون: إنَّ الضَّغيب تضوُّرُ الأرنب إذا أُخِذَت؛ ومثله: الضُّغَاب. والضَّاغب: الذي يختبئ في الخَمَر يفزِّعُ النَّاس.

(ضغم) الضاد والغين والميم أُصَيْلٌ واحد يدلُّ على العَضِّ. يقال: ضَغَمَه. ومنه اشتُقَّ الضَّيغم، وهو الأَسَد. قال أبو عُبيد: الضَّيْغَم الذي يَعَضُّ. والياء زائدة. وذكر ابنُ دُريد: الضُّغَامة: ما ضَغَمْتَه ولفظتَه.

(ضغن) الضاد والغين والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تغطية شيءٍ في ميل واعوِجاج، ولا يدلُّ على خَير. من ذلك الضِّغْن والضَّغْن: الحِقْد. وفرسٌ ضاغن، إِذا كان لا يُعطِي ما عندهُ من الجري إلاّ بالضَّرب. ويقال ضَغِنَ صَدرُ فلانٍ ضِغْنَاً وضَغَناً. وقناةٌ ضَغِنةٌ: عَوجاء. ويقولون: ناقةٌ ذات ضِغْن، عند نزاعها إلى وطَنِها.

فأمَّا الخليل فقال: يقال للنَّحُوص([4]) إِذا وَحِمَتْ فاستعصَتْ على الجأْب: إِنَّها لَذَاتُ شَغْبٍ وضِغْن. ويقال ضَغَنَ فلانٌ إلى الدُّنيا: ركَنَ ومالَ. وضِغْنِي إلى فلانٍ، أي ميلي إِليه. والذي دلَّ على ما ذكرناهُ من تغطية الشيء قولُهم إنَّ الاضطغانَ الاشتمالُ بالثَّوب. قال:

* كأنَّه مضطغِنٌ صَبِيّاً([5]) *

ويقال اضطَغْنتُ الشَّيء تحت حِضْنِي. قال ابنُ مُقْبِل:

إذا اضطغَنْتُ سِلاحي عند مَغْرِضها   ومِرْفَقٍ كرِيَاسِ السَّيف إِذْ شَسَفا([6])

(ضغط) الضاد والغين والطاء أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على مُزاحَمَةٍ بِشِدة. يقال ضَغَطَهُ، إذا زَحَمَهُ إلى حائط. والضَّغِيط: بئرٌ تُحفَر إلى جنْبِها بئر أخرى فيقل ماؤها. والمَضَاغِط: أَرَضُونَ منخفِضة. وبعيرٌ بهِ ضاغط، وهو لُزوقُ العضُد بالجَنْبِ حَكاًّ حَتَّى يضغط ذلك بعضُهُ بعضاً ويتدلَّى جِلْدُه. قال أبو عبيدٍ: الضَّاغط والضَّبّ شيءٌ واحدٌ، وهو انفتاقٌ من الإِبط وكثرةٌ من اللَّحم. ويقال: اللَّهمَّ ارفَعْ عنَّا هذه الضَّغطة، يريدون الشدَّةَ والمشقّة. ويقال: أرسلْتُهُ ضاغِطاً على فلان، وهو شِبْه الرّقيبِ يمنعُهُ من الظُّلم.

(ضغز) الضاد والغين والزاء ليس بأصلٍ صحيح، إلاّ أن يأتي به شِعْر. غير أنَّ الخليل ذكر أنَّ الضِّغْز من السِّباع: السيّئ الخُلُق([7]). والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــــــ

([1]) في اللسان:"الضغت: اللوك بالأنياب والنواجذ". وحق هذه المادة واللتين بعدها أن تكون بين مادتي (ضغن) و(ضغط).

([2]) في الأصل وكذا في المجمل: "قضية"، صوابه في اللسان.

([3]) هذه الكلمة من المجمل واللسان.

([4]) النحوص: الأتان الوحشية. وفي الأصل: "النحوض"، صوابه  في المجمل واللسان.

([5]) نسبه في اللسان (ضغن 124)، إلى "العامرية". وقبله:

لقد رأيت رجلاً دهرياً  *** يمشي وراء القومِ سيتهيا

([6]) أنشده في اللسان (ضغن، رأس، شسف)، وقد سبق في (ريس).

([7]) أنشده في اللسان:

فيها الجريش وضغز ما بنى ضئزاً *** يأوي إلى رشف منها وتقليص

 

 


ـ (باب الضاد والفاء وما يثلثهما)

(*ضفن) الضاد والفاء والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على رمْي الشَّيءِ بخفاء. والأصل فيه ضَفَنت بالرّجُل الأرضَ، إِذا رميتَه وضربتَ الأرض به. ومنه ضَفَن البعيرُ برِجْله: خبط بها. وضَفَن بغائِطِه: رمى به. وضَفَن الحِمْلَ على ناقته: حَمَله عليها. وضَفَنَه برِجْله: ضَربه. والقياس في ذلك كلِّه واحد.

ومن الباب: ضَفَنَ إلى القوم، إِذا لجَأَ إليهم فجلس عندهم. وهذا عندي مما ينبغي أن يزاد فيه وصْف، فيقال: "وهم لا يريدونه"، كأنَّه رمى بِنَفسِه عليهم. والدَّليل على هذا قولهم للطفيليّ الذي يجيء مع الضّيف: ضَيْفَن. وهذا فَيْعَل من ضَفَن. وقد سمعتُ ولم أسمعه من عالم، أنَّ الذي يجيء مع الضَّيفن الضَّيْفنَانُ([1])، ولا أدري كيف صحّتُه. والقِياس يُجيزه. قال في الضَّيْفَن:

إذا جاءَ ضيفٌ جاء للضَّيف ضيفنٌ *** فأودى بما يُقرَى الضُّيوفُ الضَّيافنُ([2])

ومن الباب الضِّفَنّ، وهو الأحمق مع عِظَم خَلْق.

(ضفو) الضاد والفاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على سبوغ وتمام. يقال: ثوبٌ ضافٍ، وفرسٌ ضافي السَّبيب، إِذا كان شَعَر ذَنبه وافياً. وفلانٌ في ضَفْو وضَفْوةٍ من عَيْشِه. قال الأخطل([3]):

إذا الهَدَفُ المِعزالُ صَوَّبَ رأسَه *** وأعجبَه ضَفْوٌ من الثَّلّةِ الخُطْلِ([4])

الخُطْل: المُسترخية الآذان. ورجلٌ ضافي الرأس، أي كثير شَعَر الرأْس، قال:

* إذا استغَثْتَ بضافي الرَّأس نَعَّاق([5]) *

وضَفَْوَى: موضعٌ.

(ضفر) الضاد والفاء والراء أصلٌ صحيح، وهو ضمُّ الشَّيءِ إلى الشَّيءِ نسجاً أو غيره عريضاً. ومن الباب ضَفائِر الشّعَر، وهي كل شَعَر ضُفِر حتى يصيرَ ذُؤابة. ومن الباب قولُهم: تضافَرُوا عليه، أي تعاوَنُوا. وأصله عندي من ضفائر الشعر، وهو أن يتقاربوا حتى كأنَّ كلَّ واحدٍ منهم قد شدَّ ضفيرتَه بضفيرة الآخر. وهذا قِياسٌ حسَن في المساعدة والمظاهَرة وغيرهما. يقال إنَّ الضفِر: حِقْفٌ من الرّمل. والذي نحفظه في كتاب أبي عُبيدٍ العَقِدة والضَّفِرة الرمل المُنْعَقد. ويقال كِنانةٌ ضَفِرةٌ، أي ممتلئة. وأصلها من تَضافُرِ ما فيها من السِّهام، وهو تجمُّعها. والضَّفيرة،  هي التي يقال لها المُسَنّاة، وسمِّيت بذلك كأنما ضُفِرَتْ ضَفْراً، كالشَّيء يُضَمُّ بعضُهُ إلى بعضٍ نسجاً وغيرَه.

(ضفز) الضاد والفاء والزاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على دَفْعِ شيءٍ بشيءٍ تلقمه، ثمَّ يُحمَل على ذلك. من ذلك [الضَّفز] : لَقْم البعير. ويقال الضَّفَر: أن تُلقِمه إِيّاه وإن كرِهَه.  والعرب تقول ضَفزْتُهُ حقَّه فما قَبِلَه، أي إِنِّي أكرهتُه عليه. ومن الباب: ضفَزت الفرسَ لجامَه، أي أدخَلتُهُ في فيه. وقد يقال الضَّفْز: الجِماع، وهو قريب من الباب.

(ضفس) الضاد والفاء والسين ليس بشيء، إلاَّ أنَّ ابنَ دُريد ذكر أن الضَّفْس مثل الضَّفْز.

(ضفط) الضاد والفاء والطاء أُصَيلٌ يقولون إنّه صحيحٌ، وأَصلهُ الحُمق والجَفَاء. يقال للأحمق ضَفِيطٌ بيِّن الضَّفَاطة. ويقال: الضَّفَّاط: الذي يُكْرِي الإِبل. والضَّفَّاطة فيما يقال: الإِبل تحمل المتاع. وأحسب أنَّ البابَ كلُّه مما لا يعوَّل عليه.

(ضفع) الضاد والفاء والعين ليس بشيء. على أنَّ الخليل حكى ضَفَع: جَعس. والسلم([6]).

ــــــــــــــــ

([1]) لم يذكر هذا اللفظ في اللسان ولا في القاموس.

([2]) أنشده في اللسان (ضيف، ضفن) بدون نسبة.

([3]) سيأتي في (هدف).

([4]) كذا في الأصل. وفي المجمل: "الهذلي"، وهو الصواب؛ إذا البيت التالي لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 43 واللسان (هدف، عزل، ضفا) كما سبق في حواشي (خطل).

([5]) لتأبطَ شراً من القصيدة الأولى في المفضليات، ويروى أيضاً "نغاق" بالمعجمة وصدره:  * فذاك همي وغزوي أستغيث به *

([6]) كذا وردت هذه الكلمة في الاصل.

 


ـ (باب الضاد والكاف وما يثلثهما)

(ضكع) الضاد والكاف والعين فيه كلمةٌ لا قياسَ لها. يقال رجل ضَوْكَعةٌ، إِذا كان كثيرَ اللَّحم ثقيلاً.‏

(ضكل) الضاد والكاف واللام. يقولون: إنَّ الضَّيْكَل: العُرْيان.‏

 

ـ (باب الضاد واللام وما يثلثهما)

(ضلع) الضاد واللام والعين أصلٌ واحدٌ صحيح مطّرد، يدلُّ على ميل واعوجاج. فالضِّلَع: ضِلَعَ الإِنسان وغيرِهِ، سمِّيت بذلك للاعوجاج الذي فيها. ويقول القائل في وصف امرأة:

هي الضِّلع العوجاءُ لستَ تقيمها *** ألا إنّ تقويمَ الضُّلوع انكسارُها([1])

وقولهم: دابّةٌ ضليعٌ مُجْفَر الجَنْبَين، إِنّما هو عندي من قوّة الأضلاع، واستعير ذلك في كلِّ شيء، حتَّى قيل لكل قويٍّ: *ضليع. وفي حديث عمر لما صَارَعَ الجنّيّ فقال له: "إِنِّي من بينهم لَضليع([2])". والرُّمح الضَّلِع([3]): المائل. قال:

* فَليقُه أجردُ كالرُّمح الضَّلِع([4]) *

ومن الباب: ضَلَعَ فلانٌ عن الحقِّ: مال. ومنه قولهم: كلَّمت فلاناً فكان ضَلْعُكَ عليَّ، أي مَيْلك.

قال ابنُ السِّكّيت: ضَلعت تضلع، إِذا مِلْت، ويقولون في المثل: "لا تنقُش الشَّوكة بالشَّوكة؛ فإِنَّ ضَلْعَها معها".

وأمَّا قولهم: تضلَّعَ الرَّجُل: امتلأَ أكلاً، فهو من هذا، أي إنَّ الشّيءَ من كثرته ملأ أضلاعَه. وأمَّا قولهم حِمْلٌ مُضْلِع، أي ثقيل، فهو من هذا، أي إنّ ثقله يصل إلى أضلاعه. وفلانٌ مُضْطَلِعٌ بهذا الأمر، أي إِنّهُ تَقْوَى أضلاعُهُ على حملهِ. فأمَّا قولُ سُوَيد:

* سَعَةَ الأخلاقِ فينا والضَّلَعْ([5]) *

فأصله من هذا، يريد القوّة على الأمور. قال المفضَّل: الضَّلَع الاتِّساع. وقال الأصمعيّ: هو احتمال الثِّقَلِ والقُوّةِ.

ومن الباب، وهو يقوِّي هذا القياس، قولهم: [هم عليه([6])] ضَلْعٌ واحد، يعنى ميلَهُمْ عليه بالعداوة. والله أعلم بالصَّواب.

ــــــــــــــــ

([1]) البيت لحاجب بن دينار، كما في اللسان (ضلع).

([2]) في اللسان: "وفي الحديث أن عمر رضي الله عنه صارع جنياً فصرعه عمر ثم قال لـه: ما لذراعيك كأنهما ذراعا كلب؟ يستضعفه بذلك. فقال له الجني: أما إني منهم لضليع".

([3]) في الأصل: "الضليع"، صوابه في المجمل واللسان.

([4]) في الأصل: "فليلقها"، صوابه من إصلاح المنطق 321 واللسان (فلق).

([5]) صدره كما في المفضليات (1: 195)  واللسان (ضلع):

* كتب الرحمن والحمد لـه*

([6]) التكملة من المجمل.

 

ـ (باب الضاد والميم وما يثلثهما)

(ضمد) الضاد والميم والدَّال: أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على جمعٍ وتجمُّع. من ذلك ضَمَدت الشيءَ أَضْمِده، إِذا جَمَعتَه. والضِّمَاد: العِصابة، يقال ضَمَدت الجُرْح. ويقولون الضَّمْد، بسكون الميم: أن تتَّخذ المرأة صديقين. قال الهذلي:

تريدين كَيْمَا تَضْمُِدِيني وخالداً *** وهل يُجمَع السّيفانِ وَيْحَكِ في غِمْدِ([1])

ويقال شبعت الإبل من ضَمْد الأرض، إِذا شَبعت من الرَّطيب واليبيس، والقديم والحديث. قالوا: ويقول الرجل للغريم: أقضيك من ضَمْدِ هذه الغَنَم، أي من خِيارها ورُذَالها، وكبارها وصغارها. ومن الباب: أَضْمَدَ العرفجُ، إذا تَجوّفَتْه الخوصةُ ولم تَنْدُر منه، أي كانت في جوفه. وهو من هذا، كأنَّها جمعته في جوفها.

ومن الباب الضَّمَد، بفتح الميم، وهو الغَيظ يُجمَع في الصدر ولا يُزاح فيخفّ. قال النابغة:

ومَنْ عَصاكَ فعاقِبْهُ مُعاقبةً *** تَنهى الظَّلومُ ولا تقْعُدْ  على ضَمَدِ([2])

يقال ضَمِدَ يَضْمَدْ ضَمَداً. قال أبو بكر([3]):  وفصَل قومٌ بين الغَيظِ والضَّمَد. فقالوا: الضَّمد: أن يغتاظ على من لا يقدر عليه والغيظ أن يغتاظ على من يقدر عليه ومن لا. واحتجُّوا بقول النابغة. والقِياس في هذه الكلمات واحد. ويقال الضَّمَد، بفتح الميم: الغابر من الحقّ. يقال لنا عند فلان ضَمَدٌ، أي غابر حقٍّ،  من مَعْقُلةٍ أو دين. وأصله شيءٌ قد تجمَّع عندهم وبقي.

(ضمر) الضاد والميم والراء أصلان صحيحان: أحدهما يدلُّ على دقّةٍ في الشَّيء، والآخر يدلُّ على غَيبةٍ وتستُّر.

فالأوّل قولهم: ضَمَرَ الفرس وغيرُهُ ضموراً، وذلك من خِفّة اللَّحمِ، وقد يكون من الهُزَال. ويقال للموضع الذي تُضمَّر فيه الخيل: المِضْمَار. ورجل ضَمْرٌ: خفيف الجسم. واللؤلؤ المضْطمِر: الذي في وسطهِ بعضُ الانضمام والانضمار([4]).

والآخر الضِّمَار، وهو المال الغائب الذي لا يُرجَى. وكلُّ شيءٍ غابَ عنك فلا تكونُ منهُ عَلَى ثقَةٍ فهو ضِمَارٌ. [قال الشاعر]([5]):

وأَنْضَاءٍ أُنِخْنَ إلى سعيد *** طُروقاً ثم عَجَّلْنَ ابتكارَا

حمِدْنَ مَزارَهُ وأَصَبْنَ منه *** عطاءً لم يكن عِدَةً ضِمارا

ومن هذا الباب: أَضْمَرتُ([6]) في ضميري شيئاً؛ لأنَّه يُغيِّبه في قلبه وصدره.

(ضمز) الضاد والميم والزاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على إمساكٍ في كلام أو إِمساكٍ على شيءٍ بفم وما أشبَهَ ذلك. من ذلك ضَمَز البَعِيرُ: أَمسك عن الجِرّة. والضَّامِز: السّاكت. وقال بشر:

وقد ضَمَزَتْ بِجِرّتها سُلَيْمٌ *** مخافتَنا كما ضَمَزَ الحِمارُ([7])

والضَّمْز: ضرب من الأكل، لأنَّه إِذا أكل أمسَكَ عليه في فمه.  وضَمَز فلانٌ على مالي، أي لزمه([8]).

ومما شذَّ عن هذا الأصل: الضَّمْزَة: الأَكَمة الخاشعة، والجمع ضَمْزٌ.

(ضمس) الضاد والميم والسين ليس بشيء. وذكر ابن دريد كلمةً إن صحَّت فهي من باب الإِبدال. قال([9]): الضَّمْس: المَضْغ. فإن كان كذا *فهو من الضَّمْز.

(ضمن) الضاد والميم والنون أصلٌ صحيح، وهو جَعْل الشَّيء في شيءٍ يحويه. من ذلك قولهم: ضمَّنت [الشيء]، إِذا جعلته في وعائه. والكَفَالة تسمَّى ضَمَاناً من هذا؛ لأنَّه كأنَّه إذا ضمِنَه فقد استوعَبَ ذمّته. والمَضَامِين: ما في بطون الحوامل. ومنه الحديث أنَّه نهى عن المَلاقيح والمَضامين. وذلك أنَّهم كانوا يبيعون الحَبَل([10])، فنَهَى عن ذلك. وأما قولـه: "لكم الضَّامِنة من النَّخْل"، فإنَّه يريد ما تضمّنَتْه قُراهم. فهذا الباب مطّرد.

وأمَّا الضَّمانة، وهي الزَّمانة. والضَّمِن: الزَّمِن، فإنَّهُ عندي من باب الإبدال كأنَّ الضاد مبدلة من زاي. وفي الحديث: "مَنْ اكتتب ضَمِناً بعثَهُ الله تعالى  ضَمِناً"، أي من كتب نفسه من الزَّمْنَى.

(ضمج) الضاد والميم والجيم ليس بشيء، وكذلك ما أشبهه. فأمَّا الضَّمْخ بالخاء فصحيح. يقال تضمَّخ بالطِّيب، وهو متضمِّخ.

ــــــــــــــــ

([1]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 159 واللسان (ضمد).

([2]) البيت في ديوانه 22 واللسان (ضمد).

([3]) أبو بكر بن دريد في الجمهرة (2: 276).

([4]) في الأصل: "الإضمار".

([5]) التكملة من المجمل. والبيتان للراعي في اللسان (ضمر).

([6]) في الأصل: "ضمرت" صوابه في اللسان.

([7]) البيت منسوب إلى بشر بن أبي خازم في المفضليات (2: 142)، لكنه نُسِب في اللسان أيضاً إلى ابن مقبل، وهذه النسبة الأخيرة غير صحيحة.

([8]) في المجمل: "إذا جمد عليه ولزمه".

([9]) في الجمهرة: (3: 24).

([10]) الحبل والحمل بمعنى، وهو اسم لما تحمل المرأة. قال:

ذا جرأة تسقط الأحبال رهبته *** مهما يكن من مسام مكره يسم.

 

 


ـ (باب الضّاد والنون وما يثلثهما)

(ضني) الضاد والنون والحرف المعتل أصلان صحيحان: أحدهما يدلُّ على مرضٍ، والآخر يتردَّد بين مهموزٍ وغيره، ويدلُّ ذلك على شيئين: إمَّا أصلٍ وإِمَّا نِتاج، والأصل والنِّتاج متقارِبان.‏

فالأوّل الضَّنَى في المرض، يقال ضَنِيَ يَضْنَى ضَنَىً شديداً، إِذا كانَ به داءٌ مُخامِر، كلَّما ظنَّ أنَّه قد بَرَأَ نُكِس. وأَضْنَاهُ المرضُ يُضْنيه.‏

وأمَّا الآخر فيقال ضَنَأتِ المرأة ضَنْأً، وهي ضانئة، وأضنأت إذا كثُر ولدها. والضِّنء: الأصل والمعدِن. وفلانٌ من ضِنْءِ صِدق. وأضنأ القومُ، إِذا كثُرت ماشيتُهم. وضَنَأ المالُ: كثر.‏

وأخبرَنا علي بن إبراهيمَ، عن عليّ بن عبد العزيز، عن أبي عمرو: الضَّنْو الولد ويقال الضِّنو. قال الأمويّ عن أبي المفضّل من بني سلامة: الضَّنْو الولد بالفتح، والضِّنْء: الأصل، مهموز.‏

ومما شذَّ عن هذا كله: أَضْنَأَ فلانٌ من كذا، استحيا منه.‏

(ضنط) الضاد والنون والطاء، يقولون فيه إنَّ الضِّنَاط: الزِّحام الكثير.‏

(ضنك) الضاد والنون والكاف أصلان صحيحان وإن قلَّ فروعُهما فالأوّل الضِّيق، والآخر مرضٌ.‏

فالأوَّل الضَّنْك: الضِّيق. ومن الباب امرأةٌ ضِناكٌ: مكتنِزة اللحم، إذا اكتنَزَ تَضَاغَطَ.‏

والأصل الآخر المضنوك: المزكوم. والضُّنَاك الزُّكام. والله أعلم.‏

 

ـ (باب الضاد والهاء وما يثلثهما)

(ضهي) الضاد والهاء والياء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على مشابهة شيءٍ لشيء([1]). يقال ضاهاه يُضاهِيهِ، إِذا شاكَلَهُ؛ وربما هُمِزَ فقيل يُضاهِئُ. والمرأة الضَّهْياء، هي التي لا تَحِيض؛ فيجوز على تمحُّلٍ واستكراه، أن يقال كأنَّها قد ضاهت الرِّجالَ فلم تَحِضْ.

(ضهب) الضاد والهاء والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على شَيءٍ وما أشبَه ذلك. فمن ذلك اللحم المضَهَّب: الذي يُشْوَى. وقال قومٌ: هو الذي يُشوى ولا يُنضَج. وقال امرؤ القيس:

نَمُشُّ بأعرافِ الجِيادِ أكفَّنا *** إِذا نحن قُمنا عن شواءٍ مُضَهَّبِ([2])

وقالوا: الضَّيْهَب: المكان يُحمَى ليُشوَى عليه اللحم. وقال قومٌ: اللحم المضهّب: المقطّع. وليس هذا بشيء إلاَّ أن يكونَ مقطعاً مشويّاً؛ لأن القياس كذا هو. تقول: ضهّبت القَوْسَ [و] الرُّمح بالنار عند التَّثقيف([3]).

(ضهر) الضاد والهاء والراء ليس بشيء، ولا فيه شاهدُ شعرٍ، لكنهم يقولون: إنَّ الضَّهْرَ: خِلْقَةٌ في الجبل من صخرٍ يخالف جِبِلّته.

(ضهس) الضاد والهاء والسين ليس بشيء. على أنَّ ابنَ دُرَيد([4]) ذكر أن العضَّ بمقدَّم الفم يسمى ضَهْساً، يقال منه ضَهَسَ ضَهْساً. قال: وفي الدُّعاء على الإنسان: "لا تأكُل [إلاّ]  ضاهساً ولا تشربُْ إلاَّ قارساً"، أي إنَّه لا يأكل ما يتكلَّف مضغَه، إِنَّما يَأكل النَّزْر من نبات الأرض. والقارس: البارد، أي لا يشرب إلاّ الماء.

(ضهل) الضاد والهاء واللام * أصلان صحيحان، أحدُهما يدلُّ على قِلّةٍ والآخر على أوبةٍ.

فالأوّل: ضَهَلَت الناقةُ إِذا قلَّ لبنُها. وهي ناقة ضَهُولٌ. وعينٌ ضاهلة: قليلة الماءِ. وفي حديث يحيى بن يَعمر: "إنْ سَأَلَتْكَ ثمنَ شَكْرها وشَبْرِك أنشأتَ تَطُلُّها وتَضْهَلُها". ومن الباب ضَهَلَ الشّرابُ: قلَّ ورقّ.

والأصل الآخر: هل ضَهَل إليكم خَبرٌ، أي عادَ. قال الأصمعي: ضَهَلْتُ إلى فلان: رجعت على وجه المقاتَلة والمغالبة.

وممّا شذَّ عن البابين: أضْهَلَت النّخلةُ: أرطبَتْ.

(ضهد) الضاد والهاء والدال كلمةٌ واحدةٌ. ضَهَدْتُ فلاناً: قهرتُهُ، فهو مضْطَهَدٌ ومضْهُودٌ.

ــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "بشيء".

([2]) ديوان امرئ القيس 88 واللسان (ضهب).

([3]) في المجمل: "ضهبت القوس بالنار والرمح، إذا عرضتهما عليها عند التثقيف".

([4]) في الجمهرة: (3: 25).

 

ـ (باب الضّاد والواو وما يثلثهما)

(ضوأ) الضاد والواو والهمزة أصلٌ صحيح، يدلُّ على نورٍ. من ذلك الضَّوء والضُّوء بمعنىً، وهو الضِّياء والنُّور. قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ ما حَوْلَهُ} [البقرة 17]. قال أبو عبيد: أَضاءَت النَّارُ وأضاءت غيرَها. وأنشد:

أضاءَت لنا النَّار وجهاً أغـ  *** ـرَّ ملتبِساً بالفؤاد التباسا([1])

(ضوي) الضاد والواو والياء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على هُزَالٍ. يقال غُلامٌ ضاوِيٌّ: مهزول؛ وزنه فاعول. وجاريةٌ ضاوِيّة. وكانت العرب تقول: إذا تقارَبَ نسبُ الأبوين خرج الولدُ ضاويّاً. وجاء في الحديث: "اسْتَغْرِبُوا لا تُضْوُوا([2])". وقال ذو الرُّمَّة:

أخوها أبوها والضَّوَى لا يَضِيرُها *** وساقُ أَبِيها أمُّها عُقِرَتْ عَقْرَا([3])

يقال منه ضَوِيَ يَضْوَى ضَوَىً.

وممّا حُمِلَ على هذا قولُهم: أضويتُ الأمرَ، إذا لم تُحْكِمْه. ويقال: أضوَيْتُهُ إِذا انتقَصتَه([4]) واستضعفته. قال:

* وكيف أضَوَى وبلالٌ حِزْبِي([5]) *

فأمَّا الضَّواة فشيءٌ يقال إنَّه يخرجُ مِنْ حَياء النّاقة قبل أن يخرُجَ الولَد. ويقال الضَّوَاة: ورمٌ يُصِيبُ البعيرَ في رأسه. قال:

* فصارت ضَواةً في لهازِم ضرْزِمِ([6]) *

ومما شذَّ عن هذا الباب: ضَوَيت إليه أضوِي ضُوِيّاً وأوَيت بمعنىً. ويجوز أن يكون من الإِبدال، أن يقام الضَّاد مقام الهمزة.

(ضوج([7])) الضاد والواو والجيم حرف واحد، وهو الضَّوْج: مُنعَطَف الوادي، وجمعه أضواج.

(ضوع) الضاد والواو والعين كلمةٌ واحدة تتفرّع، وهي تدلُّ على التحريك والإِزعاج. يقال ضَاعَني لك الشيءُ يَضُوعُني، إذا حرَّكني. قال:

* ولكنها ريحُ الدِّماء تَضُوعُ([8]) *

وتضوّعَتْ رائحتهُ: نَفَحَتْ. قال:

تَضَوَّعَ مِسكاً بطنُ نَعْمَانَ أنْ مشت *** به زينبٌ في نسوةٍ عَطِرَاتِ([9])

وضَاعَت الرِّيحُ الغُصنَ: ميَّلَتْه. وقال قوم: هذا الأمر لا يَضُوعُني، أي لا يُثْقِلُني، والأقيس أن يقال لا يُحَرِّكُ منِّي ولا أعبأ به. ويقال ضاع يضوع ويَنْضَاع، إذا تضّور. قال:

فُرَيْخَانِ ينضاعانِ بالفجرِ كلَّما *** أحسَّا دَوِيَّ الرِّيح أو صوتَ ناعبِ([10])

قال أبو عبيد عن أبي عمرو: ضاعني الشّيء: أَفْزَعَنِي. وهذا صحيحٌ؛ لأنَّ الفزع يُزْعِجُهُ ويُقْلِقُهُ.

(ضون) الضاد والواو والنون ليس بشيء. لكنهم يقولون: إنَّ الضَّيْونَ دُوَيْبَّة تشبه السِّنَّوْر.

(ضوض) الضاد والواو والضاد، الضَّوْضاة قد مضى ذِكْرُهُ([11])، والأصل مُضَاعَف.

(ضوط) الضاد والواو والطاء كلمةٌ واحدةٌ، وهي الضَّوِيطة. يقال للعجين إِذا كثُر ماؤُه حتَّى يسترخِيَ: الضَّويطة.

(ضور) الضاد والواو والراء أُصَيْلٌ صحيح وفيه بعض الإِبدال. فالتضوُّر: الصِّياح والتلوِّي عند الضَّرب. ويقال هو التقلُّب ظهراً لبَطن. ويقال الضَّوْر: الجُوع الشديد.

وأمّا الإِبدال فقال الكسائي: لا يَضُورني كذا، بمنزلة لا يَضِيرني. ورجل ضُورَة: ذليل، من هذا.

(ضوز) الضاد والواو والزاء أصلان صحيحان، أحدهما نوعٌ من الأكل، والآخر دالٌّ على اعوجاج.

فالأول ضازَ التَّمْر يَضُوزُهُ ضَوزاً، إِذا أكله بِجَفاء وشِدّة. قال:

فظَلَّ يضُوز التّمر والتّمرُ ناقعٌ *** بوَردٍ كلون الأرجوانِ سَبائِبُه([12])

قال ابنُ دُريد: هو * أن يأخذ التَّمرة في فمه حتّى تلين. ومعنى البيت هو أن يأخذ الدِّية تَمْراً بدلاً عن الدم الذي لونُهُ لونُ الأُرجوان.

والأصل الآخر: القِسمةُ الضِّيزَى.([13])

(ضوب) الضاد والواو والباء شيءٌ يقال ما أدري ما صحّتُه. الضُّوَبانُ: الجَمَل القويّ، ويقال بل الضوبان كاهل البعير.

ــــــــــــــــ

([1]) البيت للنابغة الجعدي في اللسان (ضوأ) وشروح سقط الزند 646.

([2]) وكذا في المجمل. ويروى: "اغتربوا".

([3]) ديوان ذي الرُّمة 175 واللسان (ضوا).

([4]) في الأصل: "انتضته".

([5]) لرؤبة في ديوانه 16 برواية "ولست أضوى"، من أرجوزة يمدح بها بلال بن أبي بردة.

([6]) صدره في اللسان (ضوا): * قذيفة شيطان رجيم رمى بها *.

([7]) وردت هذه المادة وسائر مفرداتها بالحاء، صوابها  الجيم.

([8]) البيت لبشار كما في حماسة ابن الشجري 113. وصدره كما في شروح سقط الزند 700، 708، 857:

* وأسيافكم مسك محل أكفكم  *

وفي الحماسة                * وبيض بها مسك لمس أكفهم  *

([9]) البيت لعبد الله بن نمير الثقفي، كما في اللسان (ضوع)، وإصلاح المنطق 287، والحماسة بشرح المرزوقي 1289.

([10]) لأبي ذؤيب الهذلي في اللسان (ضوع) وإصلاح المنطق 287، وليس في ديوانه.

([11]) في نهاية مادة (ضأ).

([12])البيت بدون نسبة أيضاً في اللسان (ضوز)، والجمهرة (3: 4).

([13]) زاد في المجمل: "الجائرة".

 

ـ (باب الضاد والياء وما يثلثهما)

(ضيل) الضاد والياء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على نَباتٍ معروف. من ذلك الضَّالُ: السِّدْرُ البَرّيّ.الواحدة ضالة. قال الفرَّاء: أَضَالَت الأرض، وأضْيَلَت، إِذا صارَ فيها الضَّالُ. ويقال إنَّ الضَّالَةَ: بُرَة النّاقة. قال ابنُ ميّادة:

قطعتُ بمِصلالِ الخِشاشِ يردُّها  *** على الكَرْهِ منها ضالةٌ وجديلُ([1])

(ضيح) الضاد والياء والحاء أُصَيلٌ صحيح، وهو اللَّبن الممزوج، وهو الضَّيَاح. يقال ضِحت اللّبن ضَيْحا، وضَيَّحت أكثَر.

(ضير) الضاد والياء والراء كلمةٌ واحدةٌ، وهو من الضَّير والمضَرَّة. ولا يَضِيرني كذا، أي لا يضرُّني. قال الله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضِرْكُم كيدُهم شيئاً([2])}  [آل عمران 120].

(ضيز) الضاد والياء والزاء قد مضى ذكره، وأصله فيما يقال الواو. وقد قيل إنَّه من بَنات الياء، فلذلك ذكرناه هاهنا. فالقِسمة الضّيزى: النّاقصة. يقال ضِزْته حقَّه، إِذا منعتَه. وحكى ناس ضَأَزَه، مهموز. وأنشدوا:

* فَحَقُّكَ مَضْؤوزٌ وأنفُكَ راغمُ([3]) *

ليس في الباب غيرُ هذا.

(ضيع) الضاد والياء والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على فَوت الشّيء وذَهابِه وهلاكه. يقال ضاعَ الشَّيءُ يَضيعُ ضَياعاً وضَيْعَةً، وأَضَعْتُهُ أنا إضاعة. فأمّا تسميتُهم العَقَار ضيعة فما أحسَبُها من اللُّغة الأَصِيلة([4])، وأظنّهُ من مُحْدَث الكلام. وسمعت من يقول: إنَّما سمِّيت بذلك لأنَّها إذا تُرِكَ تعهُّدِها ضاعت.

فإن كان كذا فهو دليلُ ما قلناهُ أنَّه من الكلام المحْدَث. ويقال أَضَاعَ فهو مُضِيعٌ، إِذا كثُر ضِياعُهُ. فأمَّا قول الشَّماخ:

* أعائِشَُ ما لأهلكِ لا أُراهم([5]) *

وبقيت كلمة ليست من الباب وهي من باب الإبدال، حكى ابنُ السِّكيت: تضيَّعت الرِّيح، مثلُ تضوَّعت.

(ضيف) الضاد والياء والفاء أصلٌ واحدٌ صحيح، يدلُّ على مَيل الشيء إلى الشيء. يقال أَضَفْتُ الشَّيءَ إلى الشَّيء: أمَلْتهُ. وضافت الشمس تَضِيف: مالت؛ وكذلك تضيَّفَتْ، إذا مالت للغروب. وفي الحديث: "أنَّه نَهى عن الصَّلاة إِذا تضيَّفت الشَّمسُ للغروب". وقال امرؤ القيس:

فلمّا دخَلْناه أضفْنا ظُهُورَنا  *** إلى كلِّ حاريٍّ جديدٍ مشَطَّبِ([6])

أي أَسْنَدْنا ظهورَنا. ويقال ضَافَ السَّهم عن الهدف يَضِيف. قال أبو زُبيد:

كلَّ يومٍ ترميهِ منها برِشْق *** فمصيبٌ أو ضافَ غيرَ بعيدِ([7])

والضَّيف منْ هذا، يقال ضِفْتُ الرَّجُل: تعرَّضْت لـه ليَضِيفَني. وأَضَفْتُهُ: أنْزلتُه عليَّ. ويقال ضَيَّفْته مثل أضفْتُهُ، إذا أنزلتَه بك. وفلانٌ يتضيَّفُ النّاسَ، إذا كان يتّبعهم ليُضِيفوه. وهو قولُ الفرزدق:

* وَمَنْ هو يرجو فَضْلَهُ المتضيِّفُ([8])*

والضَّيف يكون واحداً وجمعاً. ويقال أيضاً أضياف وضِيفانٌ. ويقال لناحية الوادي ضِيفٌ، وهما ضِيفانِ. وتَضايَفنا الوادِيَ: أتيناه من ضِيفيه([9]). وكذلك تَضَايَفَ الكلابُ [الصَّيدَ ([10])]، إذا أتوه من جوانبه([11]). قال:

* رِيمٌ تضايَفَهُ كلابٌ أَخْضَعُ([12]) *

والمضاف:  الذي قد أُحِيط به في الحرب. قال:

ويَحمِي المضافَ إِذا ما دعا *** إذا فَرَّ ذو اللِّمّة الفَيْلَمُ([13])

وهو من هذا القِياس. ويقال تضَيَّفُوه، إذا اجتمعوا عليه من جوانبه. قال:

* إذا تضيَّفْن عليه انسلاَّ([14]) *

فأمَّا قول القائل:

لَقىً حملتْه أمُّهُ وهي ضَيفةٌ *** فجاءت بِنَزٍّ للنَّزَالةِ أَرْشَمَا([15])

فهي الضَّيفةُ المعروفة من الضِّيافة. وقال قومٌ: ضافت المرأة: حاضت. وهذا ليس بشيء، ولا مما هو يدلُّ عليه قِياسٌ، ولا وجهَ للشُّغْل به.

فأمَّا قولهم أضاف من الشيء، إذا أشفقَ منه، فيجوز أن يكون شاذّاً عن الأصل الذي ذكرناه*، ويمكن أن يتَمَحَّل([16]) لـه بأن يقال أضاف من الشيء، إِذا أشفق منه، كأنَّه صار في الضِّيف، وهو الجانب، أي لم يتوسَّط إِشفاقاً. وهو بعيد، والأولى عندي أن يقال إنَّه شاذّ. والكلمة مشهورة. قال:

* وكانَ النَّكيرُ أن تُضيفَ وتجأرا([17]) *

وقال الهذليّ([18]):               * إذا يغزو تُضِيفُ ([19]) *

أي تشفِق. قال أبو سعيد: ضاف الهمُّ، إِذا نَزَلَ بصاحبه. والقياس أنَّه إذا نزل به فقد مال نحوه.

(ضيق) الضاد والياء والقاف كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على خلافِ السَّعة، وذلك هو الضِّيق والضَِّيقة: الفَقْر. يقال أضاق الرّجلُ: ذهب مالُهُ. وضاقَ، إِذا بخل. وشيءٌ ضَيْقٌ، أي ضَيِّق. والباب كلُّه قياس واحد. فأما قول القائل:

* بضيقَةَ بينَ النَّجْمِ والدّبَرانِ([20]) *

فيقال إنَّ الضِّيقة منزلٌ في منازل القمر. قال أبو عمرو: الضِّيقة هاهنا من الضِّيق.

(ضيك) الضاد والياء والكاف كلمةٌ لا تتفرَّع. يقولون الضَّيَكانُ: مشْي الرَّجُل الكثيرِ لحمِ الفخِذين، فهو ربما يتفحَّج. ويقال هذه إِبلٌ تَضِيك، أي تفرّج أفخاذها من عِظَم ضُروعها.

(ضيم) الضاد والياء والميم أصلٌ صحيحٌ، وهو كالقهر والاضطهاد. يقال ضامه يَضِيمُهُ ضَيْماً. فهو اسمٌ ومصدر. والرجل المَضِيم: المظلوم. وبقيت في الباب. كلمةٌ واحدةٌ، يقال إنَّ الضِّيم، بكسر الضاد: جانب الجبل. قال الهذَليّ([21]):

 

- (باب الضاد والهمزة وما يثلثهما)

(ضأد) الضاد والهمزة والدال أُصَيلٌ قليل الفُروع، يدلُّ على مَرض من الأمراض. قالوا: الضُّؤْد: الزكام، وكذلك الضُّؤْدَة. رجلٌ مَضْؤُود، أي مزكوم. وحُكِيت كلمةٌ أخرى عن أبي زيد، إنْ صحّت، قالوا: ضَأَدْت الرَّجُل ضأداً، إذا خَصمتَه.

(ضأل) الضاد والهمزة واللام أُصَيْلٌ  يدلُّ على ضَعف ودِقَّةٍ في جسم. من ذلك الضَّئيل، وهو الضَّعيف. والفعل منه ضَؤُل يَضْؤُل. ورجل ضُؤَلَةٌ: ضعيف. والضَّئيلة: الحيَّة الدَّقيقة.

(ضأن) الضاد والهمزة والنون أُصَيلٌ صحيح، وهو بعض الأنعام. من ذلك الضأن. يقال أَضْأَنَ الرجلُ، إِذا كَثُرَ ضأنُهُ. والضائنة الواحدة من الضأن. وحكى بعضُهم: فلانٌ ضائن البطنِ: مسترخِيهِ.

ـــــــــــــــــ

([1]) أنشده في اللسان (ضيل).

([2]) من الآية 120 في سورة آل عمران. وهذه قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو ويعقوب، ووافقهم ابن محيصن واليزيدي. وقراءة الباقين: (لايَضُرُّكم). إتحاف فضلاء البشر 178.

([3]) صدره كما في اللسان (ضأز):  * إن تنأَ عنا ننتقصك وإن تقم *.

([4]) في الأصل: "الأصلية"، وليس يقولها.

([5]) كذا ورد الكلام مبتوراً. ويستشهدون بهذين البيتين للشماخ:

أعائشَُ ما لأهلكِ لا أراهم *** يُضِيعون السوام مع المُضيعِ

وكيف يُضِيعُ صاحبَ مدفآتٍ *** على أثباجهنَّ من الصَّقيعِ

ولعل بقية الكلام بعدهما عند ابن فارس: "فهذا من الإضاعة بمعنى التضييع".

([6])ديوان امرئ القيس 88 واللسان (ضيف).

([7]) سبق البيت وتخريجه في (رشق، صيف).

([8]) صدره في ديوانه 560:

* وجدت الثرى فينا إذا يبس الثرى *

وفي اللسان (ضيف) كذلك. ومرة أخرى: * ومنا خطيب لا يعاب وقائل *.

([9]) في الأصل: "ضيفه"، وأثبت ما في المجمل.

([10])  التكملة من المجمل.

([11]) جعل للكلاب ضمير العاقل.

([12]) لمتمم بن نويرة في المفضليات: (1: 94) وصدره: * وكأنَّه فوت الجوالب جابئا *

([13]) للبريق الهذلي في اللسان (ضيف، فلم)، من قصيدة في بقية أشعار الهذليين 22 وشرح السكري للهذليين 110 وسيأتي في (فلم).

([14]) قبله في اللسان (ضيف): * يتبعن عوداً يشتكي الأظلا *.

([15]) للبعيث يهجو جريراً، كما سبق في (رشم) حيث تخريج البيت في الحواشي.

([16]) في الأصل: "يتحمل".

([17]) للنابغة الجعدي، وصدره كما في اللسان (ضيف): * أقامت ثلاثاً بين يوم وليلة *.

([18]) هو أبو ذؤيب الهذلي، والبيت في ديوانه 99.

([19]) البيت بتمامه، كما في الديوان:

وما إن وجد معولة رقوب *** بواحدها إذا يغزو تضيف.

([20]) الأخطل في ديوانه 233 واللسان (ضيق). وصدره:

* فهلا زجرت الطير ليلة جئتها *.

([21]) بدلـه في المجمل:  "وهو في شعر الهذلي: فضيمها". والهذلي الذي عناه هو ساعدة ابن جؤية. وبيته، كما في اللسان (دبب، ضيم)، وديوان الهذليين 207:

وما ضَرَبٌ بيضاء يَسقي دَبوبَها *** دُفَاقٌ فعُروانُ الكَرَاثِ فضِيمُها

 

 

ـ (باب الضاد والباء وما يثلثهما )

(ضبث) الضاد والباء والثاء أصل صحيحٌ يدلُّ على قَبْض. يقال ضبث إِذا قبض على الشَّيء. ويقال ناقةٌ ضَبُوث: يُشَكُّ في سِمَنِها، فتُضْبَث بالأيدي. ويقولون: ضُبِثَ، أي ضُرِبَ. وهو قريب مما ذكرناه.

(ضبح) الضاد والباء والحاء أصلانِ صحيحان: أحدهما صوتٌ، والآخَرُ تغيُّرُ لون من فعلِ نار.

فالأَوَّل قولُهم: ضَبَحَ الثّعلبُ يَضْبَح ضَبْحاً. وصَوْتُهُ الضُّبَاح، وهو ضابح. قال:

دعوتُ ربِّي وهو لا يُخَيِّبُ *** بأنَّ فيها ضابحاً ثعَيلِب

فأمَّا قولُه تعالى: {وَالعَادِيَاتِ ضَبْحاً}  [العاديات 1]. فيقال هو صوتُ أنفاسها، وهذا أقيَسُ، ويقال: بل هو عَدْوٌ فوق التَّقْريب. وهو في الأصل ضَبَع، وذلك أنْ يَمُدّ ضَبْعَيْهِ،  حتى لا يجدَ مَزِيداً. وإن كان كذا فهو من الإِبدال.

وأمَّا الأصل الثاني فالضَّبْح: إحراقُ أعالي العُود بالنار. والضِّبْح: الرَّماد. والحجارة المضبوحة هي قَدَّاحة النّار، التي كأنها محترقة. قال:

* والمرْوَ ذَا القَدَّاحِ مضبوحَ الفِلَق([1]) *

ويقال الانضباح تغيُّرُ اللون إلى السواد.

(ضبد)  الضاد والباء والدال ليس بشيء، وإن كان ما ذكره ابنُ دريد صحيحاً، من أن الضَّبَد الضَّمَد. فهو من باب الإِبدال. قال: يقال أَضْبَدْتُه، إِذا أنت أغضبْتَه([2]).

(ضبر) الضاد والباء والراء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدل على جمعٍ وقُوّةٍ. يقال ضَبرَ الشَّيءَ: جَمَعه، وضَبَر الفرسُ قوائِمَه، إذا جَمَعَها ليَثِب. وفرسٌ ضِبِرٌّ من ذلك. وإضبارة الكُتُب([3]) من ذلك. واشتقاق ضَبَارَة منه، وهو أبو عامر بن ضَبَارة. وناقةٌ *مضبَّرةٌ ومضبورةُ الخَلْق، أي شديدة. وقال في صفة فرس:

مُضَبَّرٌ خَلْقها تضبيراً *** ينشقُّ عن وجهها السَّبيبُ([4])

والضَّبْر : الجماعة. قال الهُذَليّ:

* ضَبْرٌ لباسُهم القَتير مؤلَّبُ([5]) *

وأمَّا الرُّمّانُ الجبليّ فيقال إنَّهم يسمونه الضَّبْر. وقد قلنا إنَّ النباتَ والأماكنَ لا تكادُ تنقاس.

(ضبس) الضاد والباء والسين أُصَيلٌ إنْ صَحَّ فليس إلاَّ في شيءٍ مذمومٍ غير محمود. قال الخليل: الضَّبِيس: الحريص، والضَّبِيس: القليل الفِطنة لا يهتدي لشيء. ويقال الضَّبِيس الجَبان.

(ضبز) الضاد والباء والزاء. يقولون الضَّبْز: شدّة اللَّحظ ولا معنَى لهذا.

(ضبط) الضاد والباء والطاء أصلٌ صحيحٌ. ضَبَطَ الشَّيء ضَبْطاً. والأضبط: الذي يَعمل بيديه جميعاً. ويقال ناقةٌ ضبطاء. قال:

عُذافرة ضَبْطاء تَخْدِي كأنَّها *** فَنِيقٌ غَدَا يَحوي السَّوامَ السَّوارحا([6])

وفي الحديث: "أنَّه سُئِل عن الأضبط".

(ضبع) الضاد والباء والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معانٍ ثلاثة: أحدها جنسٌ من الحيوان، والآخر عضو من أعضاء الإنسان، والثالث صِفة من صِفة النُّوق.

فالأوَّل الضَّبُع، وهي معروفة، والذكر ضِبْعان، وفي الحديث: "فإذا هو بِضبْعانٍ أَمْدَر([7])"، ثم يستعار ذلك فيُشبَّه السنةُ المجدِبة به، فيقال لها الضَّبُع. وجاء رجلٌ فقال: "يا رسولَ الله، أكلَتْنَا الضَّبُع"، أراد السَّنةَ التي تسميها العرب الضَّبُع؛ كأنَّها تأكلهم كما تأكل الضَّبُعُ. قال:

أبا خُراشةَ أمّا أنتَ ذا نَفَرٍ  *** فإنّ قوميَ لم تأكُلْهم الضَّبعُ([8])

وأمَّا العُضو فضَبْع اليد، واشتقاقها من ضَبْع اليد وهو المدّ. والعرب تقول: ضَبَعتِ الناقة وضَبَّعت تضبيعاً، كأنَّها تمدُّ ضَبْعَيها. قال أَبُو عُبيد: الضَّابِع: التي ترفع ضَبْعَها في سيرها.

ومما يشتقُّ من هذا: الاضطباع بالثَّوب: أن يُدْخِل الثَّوبَ من تحت يده اليمنى فيلقيَه على مَنكِبه الأيسر. ومنه الضِّباع، وهو رفع اليدين في الدُّعاء. قال رؤبة:

* وما تَنِي أيدٍ علَينا تَضَبعُ([9]) *

أي تمد أضباعَها بالدُّعاء. قال ابن السّكّيت: ضَبَعُوا لنا من الطَّريق، إِذا جعلوا لنا قسماً، يَضْبَعون ضَبْعا. كأنَّه أراد أنَّهم يقدِّرونه فيمدُّون أضباعَهم به. وضَبَعت الخيلُ والإِبلُ، إِذا مدَّت أضباعَها في عَدْوِها، وهي أعضادُها([10]). وقول القائل([11]):

* ولا صُلحَ حتَّى تضبعونا ونَضْبَعا ([12]) *

أي تمدُّون أضباعَكم إلينا بالسّيوف ونمدّ أضْبَاعَنا بها إليكم. قال أبو عمرو: ضَبَعَ القومُ للصُّلْحِ، إِذا مالوا بأضباعهم نحوه. وحَكى قومٌ: كنَّا في ضَبْعِ فلانٍ، أي كَنَفِهِ. وهو ذاك المعنى؛ لأنَّ الكَنَفين جناحا الإنسان، وجناحاه ضَبْعاه. [وَضَبَعت الناقةُ تضبع ضَبْعاً وضَبَعةً([13])]، إِذا أرادت الفحل.

(ضبن) الضاد والباء والنون أصلٌ صحيحٌ، وهو عُضوٌ من الأعضاء. فالضَّبْن: ما بين الإبط والكَشْح. يقال أَضطبنته: جعلته في ضِبْني. والضبْنَة([14]): أهل الرّجُل، يضطبِنها. وناسٌ يقولون: المضبون الزَّمِن، وهو عندي من قلب الميم. ومكان ضَبْنٌ : ضيّق. وهذه الكلمةٌ من الباب الأوّل.

(ضبأ) الضاد والباء والهمزة أصلٌ واحدٌ صحيح، وهو قريبٌ من الاستخفاء وما شاكلَه، من سُكُوتٍ ومِثلِه. قال أبو زيد: أَضْبأَ الرجُل على الشَّيء إِضْباءً، إِذا سَكَتَ عليه، وهو مُضْبِئٌ عليه. وقد أَضْبَأَ على داهية. وضَبَأْت: استخفَيت. ويقال في هذا إِنّما هو أَضْبَى غير مهموز، والأوّل أجود.

قال أبو سعيد: ضبأ يضبَأُ ضَبْأً، إِذا لصِق بالأرض، والمَضْبَأ: الذي يُضْبَأ فيه، أي يختفي. قال الكميت:

* إِذا علا سِطَةَ المضبَأَيْن([15]) *

وسمِّيَ الرَّجُل ضابئاً لذلك. ويقال ضَبَأْتُ إليه، أي لجأت([16]). والضابِئ: الرَّماد([17])، سمِّيَ بذلِكَ لأنَّهُ يَضْبَأُ، كأنَّهُ يَستخفي.

وإِذا ليّنت الهمزةَ تغيَّر المعنى، ويكون من صفات النَّار؛ يقال: ضَبَتْه النَّار، إذا شَوته، تَضْبُوه ضَبْوا. والمَضْباة: خُبز المَلَّة([18]). والله أعلم بالصَّواب.

ـــــــــــــــــــ

([1]) لرؤبة بن العجاج. وقبله في ديوانه 106 واللسان (ضبح):

* يتركن ترب الأرض مجنون الصيق *

([2]) في الجمهرة (1: 244): "ضبدت الرَّجل تضبيداً: ذكرته بما يغضبه". ومثله في القاموس. وفي اللسان: "ضبدته" مخفف الباء.

([3]) في الأصل: "الكب"، صوابه في اللسان.

([4]) البيت لعبيد بن الأبرص، من بائيته المشهورة، انظر ديوانه 9 وشرح التبريزي للمعلقات 310.

([5]) لساعدة بن جؤية الهذلي في ديوان الهذليين: (1: 185)، واللسان (ضبر). وصدره:  * بينا هم يوماً كذلك راعهم *.

([6]) لمعن بن أوس المزني في اللسان (ضبط). وكلمة (غذا) ساقطة من الأصل.

([7]) الأمدر: الذي في جسده لمع من سلحه. ويقال لون له.

([8]) لعباس بن مرداس، كما في اللسان (ضبع). وهو من شواهد النحويين لحذف "كان" بعد أن وتعويض "ما" عنها.

([9]) ديوان رؤبة 177 واللسان (ضبع).

([10]) في الأصل: "وفي أعضادها"، صوابه في المجمل واللسان.

([11]) هو عمرو بن شأس، كما في اللسان (ضبع) والخزانة (3: 599).

([12]) صدره:  * نذود الملوك عنكم وتذودنا *

([13]) التكملة من المجمل.

([14]) بتثليث الضاد ، وكفرحة، كما في القاموس.

([15]) استشهد في المجمل بكلمتي "سطة المضبأين" فقط.

([16]) في الأصل "الجأت"، صوابه في المجمل.

([17]) في الأصل: "الرماة"، صوابه في المجمل واللسان.

([18]) في اللسان : "وبعض أهل اليمن يسمون خبزة الملة مضباة من هذا، قال ابن سيده: ولا أدري كيف ذلك، إلا أن تسمّى باسم الموضع"

 

ـ (باب الضاد والجيم وما يثلثهما)

(*ضجر) الضاد والجيم والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على اغتمامٍ بكلام. يقال ضَجِرَ يَضْجَر ضَجَراً. وضجِرت النَّاقةُ: كثر رغاؤها. ويقولون في الشعر: ضجْرَ، بسكون الجيم. قال:

* فإن أهجُهُ يَضْجَرْ كما ضَجْرَ بازلٌ([1]) *.

(ضجع) الضاد والجيم والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على لُصوقٍ بالأرض على جنْب، ثم يُحمَل على ذلك. يقال ضَجَعَ ضُجوعاً. والمرَّة الواحدة الضَّجْعة. ويقال: اضطَجَع يضطجع اضطجاعاً. وضجيعُك: الذي يُضاجِعك. وهو حسن الضِّجْعة كالرِّكْبة.

ومن الباب: ضجَّعَ في الأمر، إِذا قصَّر، كأنَّه لم يقُم بهِ واضطجَعَ عنه. ويقال رجلٌ ضَجُوع، أي ضعيف الرّأي. ورجل ضُجَعَة: عاجزٌ لا يكاد يبرح. والضَّجوع: النَّاقة التي ترعى ناحية. ويقال تضجَّع السحاب، إذا أرَبّ بالمكان. وهو في شعر هذيل. ويقال أكَمَة ضَجُوع، إذا كانت لاصقةً بالأرض. والضجوع: أكمة بعينها. والضَّواجع: موضع في قوله:

* راكسٌ فالضَّواجع([2]) *

والضَّاجعة والضَّجعاء: الغنم الكثيرة، وإنما هو من الباب لأنَّها ترعى وتضطجع. والضَّجُوع: ناقة ترعى ناحيةً وتضطجع وحْدَها.

(ضجم) الضاد والجيم والميم أصلٌ صحيحٌ يدل على عِوَج في الشّيء. فالضَّجَم: العِوَج. يقال تَضَاجَم الأمرُ بالقومِ، إذا اختلف. والضَّجَم: اعوجاجٌ في الأنفِ وأن يميل إلى أحد جانِبي الوجه. وضُبَيْعةُ أضجَمَ: قومٌ من العرب، كأنّ أباهم أَضجم. ويقال الضَّجَم أيضاً اعوجاجُ المَنْكِبَين.

(ضجن) الضاد والجيم والنون، ليس بشيء، إلاَّ أنَّهم يقولون: [الضَّجَن]: جبلٌ معروفٌ. وقد قلنا في هذا. وقال الأعشى:

* كَخَلْقَاءَ مِنْ هَضَباتِ الضَّجَنْ([3]) *

وضَجْنانُ: جبلٌ بتهامة.

ـــــــــــــــ

([1]) للأخطل يهجو كعب بن جعيل، وليس في ديوانه، وعجزه كما في اللسان (ضجر):  * من الأدم دبرت صفحتاه وغاربه *.

([2]) قطعة من بيت للنابغة في ديوانه 51 واللسان (ضجع). وهو بتمامه:

وعيد أبي قابوس في غير كنهه *** أتاني ودوني راكس فالضواجع

([3]) في الأصل: "بحلقاء"، صوابه في المجمل واللسان والديوان  ص16 وصدره: * وطال السنام على جبلة *.

 


ـ (باب الضاد والحاء وما يثلثهما)

(ضحل) الضاد والحاء واللام أصلٌ صحيحٌ، وهو الماء القليل وما أشبهه. من ذلك الضَّحْل: الماء القليل، ومكانه المَضْحَل، والجمع مَضاحل. ويقال ضَحِل الماء: رقَّ وقلَّ، وهو من الكلام الفصيح الصحيح. وأتَان الضَّحْل: صَخرة بعضها في الماءِ وبعضُها خارج.

(ضحي) الضاد والحاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على بُروز الشيء. فالضَّحَاء: امتداد النَّهار، وذلك هو الوقت البارز المنكشف. ثمَّ يقال للطعام الذي يُؤكل في ذلك الوقت ضَحاء. قال:

* تَرَى الثَّوْرَ يمشي راجعاً مِنْ ضَحائِهِ([1]) *

ويقال ضحِي الرَّجلُ يَضْحَى، إذا تعرَّضَ للشَّمْس، وضَحَى مثلُهُ. ويقال اضْحَ يا زيد، أي ابرُزْ للشَّمْس. والضَّحِيَّة معروفة، وهي الأُضْحِيَّة.

قال الأصمعي: فيها أربع لغات: أُضْحِيَّة وإضْحيَّة، والجمع أضَاحِيّ؛ وضَحِيَّة، والجمع ضحايا؛ وأَضْحاةٌ، وجمعها أُضْحىً([2]). قال الفرّاءُ : الأَضْحَى مؤنّثة وقد تذكّر، يُذهَب بها إلى اليوم. وأنشد:

* دنا الأَضْحَى وصَللت اللِّحامُ([3]) *

وإِنما سُمِّيت بذلك لأنَّ الذّبيحة في ذلك اليوم لا تكون إلاَّ في وقت إشراق الشَّمس. ويقال ليلَةٌ إِضحيَانةٌ وضَحْيَاءُ، أي مضيئةٌ لا غيمَ فيها. ويقال: هم يتضحَّوْنَ، أي يتغدَّوْن. والغَداء: الضَّحاء. ومن ذلك حديث سلمة بن الأكوع: "بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم  نتضَحَّى"، يريد نتغدَّى. وضاحية كلِّ بلدةٍ: ناحيتُها البارزة. يقال هم ينزلون الضَّوَاحيَ. ويقال: فعل ذلك ضاحيةً، إِذا فعله ظاهراً بيّناً. قال:

عَمِّي الذي منعَ الدِّينارَ ضاحيةً *** دينارَ نَخَّةِ كلبٍ وهو مشهودُ([4])

وقال:

وقد جزتْكُم بنو ذُبيانَ ضاحيةً *** بما فعلتم ككيل الصَّاع بالصّاعِ([5])

فأمَّا قولُ جرير:

فما شَجَرات عِيصِكَ في قريشٍ  *** بعَشَّات الفُرُوع ولا ضَواحِ([6])

فإنَّه يقول: ليست هي في النَّواحي، بل هي [في] الواسطة. ويقال للسَّماوات كلِّها الضَّواحي. وقال تأبَّطَ شرّاً:

وقُلّةٍ كسِنانِ الرُّمح بارزةٍ *** ضحيانة…………([7])

فهي البارزة للشمس.

قال أبو زيد: ضَحَا الطريق يَضْحُو ضَحْواً وضُحُوّاً([8])، إِذا بدا وظَهَر. فقد دَلَّت هذه الفروعُ كلُّها على صحة ما أصّلناه * في بروزِ الشَّيء ووُضوحه. فأمَّا الذي يُروى عن أبي زيدٍ عن العرب: ضحَّيت عن الأمر([9]) إذا رفقت، فالأغلب عندي أنَّه شاذٌّ في الكلام. قال زَيد الخيل:

لو أنَّ نصراً أصلحَتْ ذاتَ بينِها *** لضحَّت رُويداً عن مصالحها عمرُو([10])

(ضحك) الضاد والحاء والكاف قريبٌ من الباب الذي قبله، وهو دليل الانكشاف والبروز. من ذلك الضَّحِك ضَحِك الإنسان. ويقال أيضاً الضَّحْك([11])، والأوَّل أفصح. والضَّاحكة: كل سنٍّ تبدو من مُقَدَّم الأسنان والأضراس عند الضَّحِك.

قال ابنُ الأعرابيّ: الضَّاحِك من السَّحاب مثلُ العارض، إلاَّ أنَّه إِذا بَرَقَ يقال فيه ضَحِك. والضَّحُوك: الطَّريق الواضح. ويقال أَضْحَكْتَ حوضَك، إِذا ملأتَه حتى يفيض. قال ابن دُريد([12]): الضَّاحك حجرٌ شديد البَرِيقِ يبدو في الجَبَل، أيَّ لونٍ كان. ويقال في باب الضَّحِك: الأُضحوكة ما يُضحِك منه. ورجلٌ ضُحْكة: يُضْحَك منه. وضُحَكَة: يكثر الضَّحَك. فأمَّا الضَّحْك فيقال إنَّه العَسل. ويُنشَد:

فَجاءَ بمزجٍ لم يَرَ الناسُ مثلَهُ *** هو الضَّحْكُ إلاَّ أنَّهُ عملُ النَّحْلِ([13])

ويقال هو البَلَح، قال الشَّيبانيُّ: الطَّلْعُ هو الكافور والضَّحْكُ جميعاً حين ينفتق.

ـــــــــــــــــ

([1]) لذي الرمة في ديوانه 503 واللسان (19: 210). وعجزه:

* بها مثل مشي الهبرزي المسرول *.

([2]) زاد في اللسان: "مثل أرطاه وأرطى" فألفها للإلحاق.

([3]) لأبي الغول الطهوي في اللسان (19: 211)، وإصلاح المنطق 193، 330، 397. وصدره:

* رأيتكم بي الخذواء لما  *.

([4]) أنشده في اللسان (نخخ، ضحا) وسيأتي في (نخ).

([5]) البيت للنابغة، كما في اللسان (ضحا)، وليس في ديوانه. وعجزه في اللسان:

* حقاً يقيناً ولما يأتنا الصدر *.

([6]) ديوان جرير 99 واللسان (ضحا).

([7]) من القصيدة الأولى في المفضليات. وتمام البيت: "في شهور الصيف محراق".

([8]) ويقال أيضاً "ضُحِيَّاً".

([9]) في الأصل: "في الأمر"، صوابه في المجمل واللسان.

([10]) نصر وعمرو ابنا قعين، بطنان من بني أسد، كما في اللسان عند إنشاد البيت.

([11]) ويقال أيضاً: "الضحك"، بالكسر، وبكسرتين.

([12]) في الجمهرة (2: 167).

([13]) لأبي ذؤيب في ديوانه 42 واللسان (ضحك)، وسيأتي في (مزج).

 

ـ (باب الضاد والخاء وما يثلثهما)

(ضخم) الضاد والخاء والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على عِظَمٍ في الشَّيء. يقال هذا ضَخْمٌ وضُخَامٌ. ويقال: إنَّ الأضخومة شيءٌ تعظِّم به المرأة عجيزتها.‏

 

ـ (باب الضاد والراء وما يثلثهما)

(ضرز) الضاد والراء والزاء كلمةٌ واحدةٌ. يقال إنَّ الضِّرِزّة: المرأة القصيرة اللئيمة.

(ضرس) الضاد والراء والسين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على قوّةٍ وخشونة وقد يشِذُّ عنه ما يخالفه. فالضِّرْس من الأسنان، سمِّي بذلك لقوّته على سائر الأسنان. ويقال ضَرَسَه يَضْرُسُهُ، إذا تناوله بضِرْسِه. وقال:

إِذا أنتَ عاديتَ الرّجالَ فلا تكن *** لهم جَزَرَاً واجرَحْ بنابك واضْرُسِ

والضِّرْس: ما خَشُنَ من الآكام. ويقال: تضارَسَ البِناء، إذا لم يستَوِ. وقال بعضُهم: ضَرّستْ فلاناً الخطوبُ. ويقال بئرٌ مضروسة: مطوّية بحجارة. وناقة ضَروسٌ: تَعَضُّ حالِبَها. ورجل ضَرِسٌ: صعب الخُلق. ويقال أضرَسه الأمر، إِذا أقلقه. والمضرَّس: ضربٌ من الرَّيْط، وكأنَّه سمِّي بذلك لأنَّه فيه صوراً كأنَّها أضراس. والضَّرَس: خَورٌ في الضِّرْس.

وممّا شذَّ عن الباب وقد يمكن أن يُتمحَّل لـه قياسٌ: الضِّرْس: المَطْرة القليلة، والجمع ضُروس.

(ضرع) الضاد والراء والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على لينٍ في الشَّيء. من ذلك ضَرَعَ الرجل ضَراعةَ، إذا ذلَّ. ورجلٌ ضَرَعٌ. ضعيف: قال ابنُ وَعْلة:

أناةً وحلماً وانتظاراً بهم غداً *** فما أنا بالواني ولا الضَّرَعِ الغُمْرِ([1])

ومن الباب ضَرْعَ الشّاة وغيرِهِ، سمِّيَ بذلك لما فيه من لِين. ويقال: أضْرَعَت النّاقة، إذا نَزَلَ لبنُها عند قرب النَّتاج. فأمَّا المضارعة فهي التشابُه بين الشيئين. قال بعض أهلِ العلمِ: اشتقاق ذلك من الضَّرْع، كأنهما ارتضعا من ضَرعٍ واحد. وشاةٌ ضَرِيعٌ: كبيرة الضَّرْع، وضريعةٌ أيضاً. ويقال لناحِل الجسمِ: ضارع. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ابني جعفر: "مالي أراهما ضارعَين؟".

ومما شذَّ عن هذا الباب: الضَّريع، وهو نبتٌ. وممكنٌ أن يُحمَل على الباب فيقال ذلك لضَعْفِهِ، إِذا كان لا يُسمِنُ ولا يُغنِي من جوع. وقال:

وتُرِكْن في هَزْم الضَّريع فكُلُّها *** حدباءُ داميةُ اليدينِ حَرودُ([2])

(ضرف) الضاد والراء والفاء شيءٌ من النَّبْت. يقال إنَّ الضِّرف من شجرِ الجبال، الواحدة ضِرْفة.

قال الأصمعيّ:  يقال فلانٌ في ضِرْفَة خيرٍ، أي كَثْرَة.

(ضرك) الضاد والراء والكاف * كلمةٌ واحدةٌ لا قِياسَ لها. يقال: الضَّريك: الضَّرير، والبائس السيِّئ الحال.

(ضرم) الضاد والراء والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على حرارةٍ والتهاب. من ذلك الضِّرَام من الحطب: الذي يلتهب بسرعة. قال:

ولكن بهذَاكِ اليَفَاعِ فأوقِدِي *** بجزل إِذا أوقَدْتِ لا بِضِرامِ([3])

ويقال ضَرِم الشَّيء: اشتدّ حرُّه.

ومن الباب فرس ضَرِم: شديد العَدْو. والضَّرِيم والضِّرام: اشتعال النَّار. ومما شذَّ عن الباب فيما يقولون، أنَّ الضَّرِم فَرْخ العُقاب. ولعلّه أن يكون ذلك اسمَهُ إِذا اشتدَّ جُوعه، فكأنَّه يضطرم.

(ضري) الضاد والراء والحرف المعتل أصلان: أحدهما شبه الإغراء بالشَّيء واللَّهَج به، والآخر شيء يستر.

فالأوّل قولُ العرب: ضَرِيَ بالشَّيءِ، إذا أُغْرِيَ به حتى لا يكاد يصبِر عنه. ويقال: لهذا الشَّيء ضَرَاوة: أي لا يكاد يُصبَر عنه. والضَّارِي من أولاد الكلاب، والجمع الضِّراء، وسمِّي ضارياً لأنَّه يَضْرَى بالشَّيء. والضِّرو: الضَّاري. ومن الباب: [الضَّارِي، و([4])] هو العِرق السائل. وقد ضَرَا يَضْرُو ضَرْوَاً، كأنَّه لهجَ بالسَّيَلان.

قال الخليل. الضَّرْو: اهتِزازُ الدَّمِ عند خروجه من العِرق.

وأمَّا الأصل الآخر فالضَّرَاء: مَشْيٌ فيما يُوارِي من شجرٍ أو غيرِهِ. يقال: هو يمشي له الضَّرَاء، إِذا كان يُخاتِلهُ أو يُخادِعه.

ومن الباب الضِّرْو: شجر، لأنَّه يستُر بورَقِهِ.

(ضرب) الضاد والراء والباء أصلٌ واحدٌ، ثم يُستعار ويحمل عليه. من ذلك ضَرَبت ضرباً، إِذا أوقعت بغيرك ضرباً. ويستعار منه ويشبَّه به الضَّرب في الأرض تجارةً وغيرها من السَّفر. قال الله تعالى: {وإِذا ضَرَبْتُم في الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ} [النساء 101]. ويقولونَ إِن الإسراع إلى السَّير أيضاً ضرب. قال:

فإنَّ الذي كنْتُم تحذرونَ  *** أَتَتْنا عيونٌ به تَضْرِبُ([5])

والطَّير الضَّوارِب: الطَّوالِب للِرِّزق. ويقال رجلٌ مِضْربٌ: شديد الضَّرْب. ومن الباب: الضَّرْب: الصِّيغة. يقال هذا من ضَرْب فلان، أي صيغته؛ لأنَّه إِذا صاغَ شيئاً فقد ضربه. والضَّريب: المِثْل، كأنَّهما ضُرِبَا ضَرْباً واحداً وصِيغا صياغةً واحدة. والضَّرِيب الصَّقِيع: كأن السماء ضربت به الأرض. ويقال للذي أصابه الضريب مضروب. قال:

ومضروبٍ يَئِنُّ بغيرِ ضربٍ *** يُطاوِحُهُ الطِّرافُ إلى الطِّراف

والضَّريب من اللبن: ما خُلِطَ مَحْضه بحقينه، كأنَّ أحدَهما قد ضُرِبَ على الآخر. والضَّرِيب: الشَّهْد، كأنَّ النَّحل ضربه. ويقال للسجِيَّة والطبيعة الضريبة، كأنَّ الإنسان قد ضُرِبَ عليها ضرباً وصيغ صِيغة. ومَضْرَب السّيف ومَضْرِبه: المكان الذي يُضرَب به منه. ويقال للصِّنْف من الشيء، الضَّرْب، كأنه ضُرب على مثالِ ما سواه من ذلك الشيء. والضّريبة: ما يُضرَب على الإنسان من جزيةٍ وغيرها. والقِياس واحد، كأنَّه قد ضُرِبَ به ضَرْبَاً. ثم يتّسعون فيقولون: ضَرَبَ فلانٌ على يدِ فلان، إذا حَجَرَ عليه، كأنَّه أرادَ بَسْطَ يدَه فضرب الضاربُ على يده فقبض يدَه. ومن الباب ضِراب الفَحل النّاقة.

ويقال أضْرَبْت النّاقةَ: أنْزَيت عليها الفحل. وأضرب فلان عن الأمر، إذا كفَّ، وهو من الكفّ، كأنَّه أراد التبسُّط فيه ثم أضرب، أي أوقع بنفسه ضرباً فكفها عما أرادت.

فأمَّا الذي يُحكى عن أبي زيد، أنَّ العرب تقول: أَضْرَبَ الرَّجُل في بيته: أقامَ، فقياسُهُ قياس الكلمة التي قبلها.

ومن الباب الضَّرَب: العَسَلُ الغليظة، كأنَّها ضَرِبت ضَرْبَاً، كما يقال نَفَضَت الشيء نَفْضَاً، والمنفوض نَفَض. ويقال للموكَّل بالقِداح: الضَّرِيب. وسمِّيَ ضَريباً لأنَّهُ مع الذي يضربُها، فسمِّي ضريباً كالقعيد والجليس.

ومما استُعير في هذا الباب قولهم للرَّجُل الخفيف الجسم: ضَرْب، شُبِّه في خفّته بالضَّرْبة([6]) التي يضربُها الإنسان. قال:

أنا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الذي تعرفونه *** خَشَاشٌ كرأس الحيّة المتوقِّدِ([7])

والضَّارب: المتَّسَع في الوادي، كأنَّهُ نَهْجٌ يَضْرِبُ في الوادِي ضَرْباً.

(ضرج) الضاد والراء والجيم أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على تفتُّح الشيء. تقول العرب: انضرجت عن البَقْل لفائِفُهُ، إِذا انفتحت. والانشقاق كله انضراج. قال:

* وانضرجَتْ عنه الأكاميم([8]) *

ويقال تضرَّجَ البَرْق: تشقَّق. وعينٌ مضروجةٌ: واسعة الشَّقّ. ويقال إن الإضريج من الخيل: الكثير العرق الجواد، وذلك من الباب لأنَّه كأنَّه يتفتح بالعرق تفتُّحاً. وعَدْو ضريج: شديد. ومن الباب تضرَّج بالدم.

ومما شذّ عن الباب الإضريج: أكسيةٌ تتخذ من أجود المِرعِزَّى، ويقال هو الخَزّ.

(ضرح) الضاد والراء والحاء أصلان: أحدُّهما رمْي الشّيء، والآخَر لونٌ من الألوان.

فالأوَّلُ قولهم: ضرَحت الشَّيءَ، إِذا رَميتَ به. والشيء المُضْطرَح: المرميّ. والفَرس الضَّروح: النَّضوح برجلهِ. وقوسٌ ضَروح: شديدةُ الدَّفْعِ للسَّهمِ. والضَّرِيح: القبرُ يُحْفَرُ من غير لَحْدٍ، كأنَّ الميت قد رُمِيَ فيه.

وأمّا الآخَر فالأبيض من كلِّ شيء، يقال لـه المَضْرَحيّ. والصَّقْر مضرحيٌّ، والسيِّد مضرحيّ.

ـــــــــــــــ

([1]) البيت من أبيات نسبت في حماسة البحتري 104 إلى عامر بن مجنون الجرمي. وفي حماسة ابن الشجري 70 لكنانة بن عبد ياليل. قال: وتروى للحارث بن وعلة الشيباني. وسيأتي في (غمر).

([2]) لقيس بن عيزارة الهذلي في اللسان (ضرع)، وقصيدته في شرح السكري للهذليين 115.

([3]) البيت في اللسان (ضرم) بدون نسبة، ونسبه الزمخشري في أساس البلاغة إلى حاتم الطائي، وليس ديوانه.

([4]) استأنست في هذه التكملة بما ورد في المجمل من قوله: "والضاري: العرق السائل".

([5]) نسب في اللسان (ضرب) إلى المسيب، وهو المسيب بن علس.

([6]) في الأصل: "بالضريبة".

([7]) البيت لطرفة من معلقته المشهورة.

([8]) لذي الرّمة في ديوانه 584 واللسان (ضرج، كمم)، وهو بتمامه:

مما تعالت من البهمى ذوائبها  *** بالصيف وانضرجت عنه الأكاميم

 

ـ (باب الضاد والزاء وما يثلثهما)

(ضزن) الضاد والزاء والنون أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على الضَّغْطِ والمزاحَمة. يقولون للذي يُزاحِمُ أباه في امرأته: ضَيْزَن. قال أوس:‏

* فكلكم لأبيهِ ضَيزَنٌ سَلِفُ(1) *‏

ويقال الضَّيْزَن: العدوّ. وإذا اتَّسع قَبُّ البَكَرة فضُيِّق بخشبةٍ فذلك هو الضَّيْزن. والضَّيزن: الذي يُزاحِم عند الاستقاء والإيراد.‏

ـــــــــــــــــ

(1) إنشاد البيت كما في الديوان 17 واللسان (ضزن):‏

والفارسية فيهم غير منكرة *** فكلهم لأبيه ضيزن سلف‏

وانظر أدب الكاتب 282 والاقتضاب 384 والبيان (3: 256).‏

 

ـ (باب  ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله ضاد)

من ذلك الضِّرغام: الأسد، فهذا منحوتٌ من كلمتين: من ضغم، وضرم. كأنَّه يلتهب حتَّى يَضْغَم. وقد فسَّرنا الكلمتين. ويقال ضَرْغَم الأبطالُ بعضُهم بعضاً في الحرب.

من ذلك (الضُّبَارِك) و(الضِّبْراك)، وهو الرّجلُ الضخْم. وهذا مما زِيدت فيه الكاف، وأصله من الضَّبْر وهو الجمْع؛ وقد مضى.

ومن ذلك (الضَّرْزَمة)، وهو شدّة العضّ. وأفْعَى (ضِرْزِمٌ): شديدة العضّ. وهذا مما زيدت فيه الميم، وهو من ضرز، وهو أن يشتدَّ على الشيء. وقد فُسِّر.

ومن ذلك (الضّفندد)، وهو الضَّخْم، والدال فيه زائدة. وهو من الضفن. ومنه (الضِّبَطْر)، وهو الشديد. وهي منحوتةٌ من كلمتين، من ضبط وضطر.

ومنه (الضَّيْطَر)، وقد مضى ذكره([1]).

ومنه (الضُّبارِم): الأسد، والميم فيه زائدة، وهو من الضَّبر.

ومنه (الضَّبْثَم)، وهو الشديد، وهو ممّا زِيدت فيه الميم، وهو من ضَبَث على الشيء، إِذا قَبَضَ عليه.

ومن ذلك (الضَّبَغْطَى): كلمة يفزّع بها، وهو ممّا زِيدت فيه الباء، وهو من الضَّغْط.

ومن ذلك (الضَّبَنْطَى): القويّ، وقد زيدت فيه النون، وهو من ضبط.

ومن ذلك (المُضْرَغِطُّ): الضَّخم، والغضبان. وهو أيضاً ممّا زيدت فيه الراء.

ومن ذلك (الضِّرْسامة) وهو اللئيم، والميم فيه زائدة، وهو من الضّرس.

ومما وُضِعَ وضعاً ولا أظنُّ له قياساً (الضَّمْعَج)، وهو الضَّخمة من النوق، ولا يقال ذلك للبعير. وامرأةٍ ضَمعجٌ: ضخمة.

ومن ذلك (الضُّغْبُوس)، وهو الرَّجُل الضَّعيف. قال جرير:

قد جَرّبت عَرَكِي في كلِّ مُعْتَرَكٍ *** غُلْبُ الليوث فما بالُ الضَغابيسِ([2])

والضَّغابيس: صِغار القِثّاء، وفي الحديث: "أنَّه أُهديت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضَغَابيس". والسين فيه زائدة، والدليل على ذلك قولُهم للذي يأكلها كثيراً ضَغِْبٌ.

ومن ذلك (اضمحلَّ) الشَّيء: ذهب. واضمحلَّ السحاب: تقشع.

ومن ذلك (الضِّفْدِع([3]))، وهي معروفة.

ومن ذلك ما رواه الكسائيّ: (اضبَأكّت) الأرض و(اضمأكّت)، إِذا خَرَجَ نَبْتُها.

ومن ذلك (الضِّئبِل)، وهي الدَّاهية.

*ويقال (اضْفَأَدَّ)، إِذا انتفخَ من الغضب، اضفئداداً. والله أعلم.

(تم كتاب الضاد)

ـــــــــــــــــ

([1]) انظر مادة (ضطر) ص 361.

([2]) ديوان جرير 324.  واللسان (ضغبس).

([3]) فيه لغات، كزبرج، وجعفر، وجندب، ودرهم. وهذا الأخير أقل، أو مردود.

 


كتاب الطاء:

ـ (باب الطاء في المضاعف والمطابق)

(طع) الطاء والعين ليس بشيء. فأمَّا ما حكاه الخليل، من أن الطَّعطعة حكاية صوت اللاطع فليس بشيء.

(طف) الطاء والفاء يدلُّ على قِلّةِ الشيء. يقال: هذا شيءٌ طفيف. ويقال: إِناءٌ طَفَّانُ، أي ملآن. والتَّطْفِيف: نقص المكيال والميزان. قال بعض أهل العلم: إِنّما سمِّي بذلك لأنَّ الذي ينقصه منه يكون طفيفاً. ويقال لِمَا فوق الإِناء الطَِّفَاف والطُّفافة. فأمَّا قولهم: طفّفت بفلانٍ موضعَ كذا، أي رفعتُهُ إليه وحاذيته([1]). وفي الحديث: "طَفَّفَ بي الفرسُ مسجدَ بني فلان([2])" فإنَّه يريد وثَب حتى كاد يساوي المسجد ـ فهذا على معنى التشبيه بطَفاف الإناء وطَفافته. والقياس واحد.

ومما شذَّ عن الباب قولهم: أطفَّ فلانٌ بفلان، إذا طَبَن له وأراد ختله. ومنه استطفَّ الأمرُ، إِذا أمكنَ وأُكْمِلَ([3])، وهذا من باب الإبدال، وقد ذكر في بابه.

(طل) الطاء واللام يدل على أصولٍ ثلاثة: أحدها غضاضة الشَّيء وغضارَته، والآخَر الإشراف، والثالث: إِبطال الشَّيء.

فالأول الطّلّ: وهو أضعف المطر، إِنّما سمِّي به لأنَّه يحسِّن الأرض. ولذلك تسَمّى امرأة الرَّجل طَلّته.

قال بعضهم: إنَّما سمِّيت بذلك لأنَّها غضّةٌ في عينه [كأنّها] طَلّ. ومن الباب في معنى القلَّة، وهو محمولٌ على الطّلّ، قولهُم: ما بالنّاقة طُلّ، أي ما بها لبن، يراد ولا قليلٌ منه. وضُمَّت الطاء فرقاً بينه وبين المطر.

والباب الآخر: الطّلَل، وهو ما شَخَص من آثار الديار. يقال لِشَخْصِ الرَّجل طَلَلُهُ. ومن ذلك أَطَلَّ على الشَّيء، إذا أَشْرَفَ. وطَلَل السَّفِينة: جِلالها، والجمع أطلال. ويقال: تَطَالَلْت، إِذا مددتَ عنقَكَ تنظُرُ إلى الشيءِ يبعُد عنك. قال:

كَفَى حَزناً أنِّي تطاللت كي أرَى  *** ذُرى عَلَمَيْ دَمْخٍ فما يُريَانِ([4])

وأمّا إبطال الشيء فهو إطلال الدِّماء، وهو إبطالها، وذلك إِذا لم يطلب لها. يقال طُلَّ دمه فهو مطلول، وأُطِلّ فهو مُطَلّ، إِذا أُهْدِر.

ومما شذَّ عن هذه الأصول، وما أدري كيف صحّته قولهم: إنَّ الطِّلَّ([5]): الحيَّة. والطَّلاَطِلَة: داءٌ يأخذ في الصُّلْب.

(طم) الطاء والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تغطيةِ الشَّيءِ للشَّيءِ حتى يسوّيهِ به، الأرض أو غيرها. من ذلك قولهم طمَّ البئر بالتراب: ملأها وسَوَّاها. ثم يحمل على ذلك  فيقال للبحر الطِّمُّ، كأنَّه طَمَّ الماءُ ذلك القرار. ويقولون: "له الطِّمّ والرِّم". فالطِّمّ: البحر، والرِّمّ الثَّرَى. ومن ذلك قولهم: طَمَّ الأمر، إِذا علا وغَلَبَ، ولذلك سُمِّيت القيامة: الطَّامَّة. فأمَّا قولهم: طَمَّ شَعَره، إذا أخذَ منه، ففيه معنى التَّسويَة وإنْ لم يكن فيه التغطية.

ومن الباب: الطِّمْطِم: الرجل الذي لا يُفصح، كأنَّه قد طُمَّ كما تُطَمّ البئر. ومما شذَّ عن هذا الأصل شيءٌ ذكرهُ ابنُ السكّيت، قال: يقال طَمَّ الفرسُ إذا عَلا. وطمَّ الطّائرُ إذا علا الشجرة.

(طن) الطاء والنون أصلٌ يدلُّ على صوت. يقال: طنَّ الذباب طنيناً. ويقولون: ضرب يدَه فأطنّها، كأنَّه يُراد به صوتُ القَطْع.

ومما ليسَ عندي عربياً قولهم للحُزمة من الحطب وغيرِه: طُنّ. ويقولون: طَنَّ، إذا مات، وليس بشيء.

(طه) الطاء والهاء كلمةٌ واحدةٌ. يقال للفرسِ السريع: طَهطاهٌ.

(طأ) الطاء والهمزة، وهو يدلُّ على هَبْط شيءٍ. من ذلك قولهم: طأطأ رأسَه. وهو مأخوذٌ *من الطَّأْطاءِ، وهو منهبطٌ من الأرض. وهو في قول الكُميت([6]).

(طب) الطاء والباء أصلان صحيحان، أحدهما يدلُّ على عِلمٍ بالشيء ومَهارَةٍ فيه. والآخر على امتدادٍ في الشيء واستطالة.

فالأول الطِّبّ، وهو العلم بالشيء. يقال رجلٌ طَبٌّ وطبيب، أي عالم حاذق. قال:

فإنْ تسألوني بالنِّسَاءِ فإنّني  *** بصيرٌ بأدواء النِّساءِ طبيب([7])

ويقال فحلٌ طَبٌّ، أي ماهر بالقِرَاع. ويقال للذي يتعهّد موضِعَ خُفِّه أَينَ يَطَأُ به: طَبٌّ أيضاً. ولذلك سمِّيَ السِّحْر طِبّاً؛ يقال مطبوب، أي مسحور. قال:

فإنْ كنت مطبوباً فلا زِلْت هكذا  *** وإِنْ كُنت مسحوراً فلا برأ السِّحرُ

وأمَّا الذي يقال في قولهم: ما ذاك بِطِبِّي، أي بدهري، فليس بشيء، إِنَّما معناهُ ما ذاك بالأمر الذي أَمْهَرُه، ما ذاك بالشيء الذي أقتلُهُ علماً([8])، كما جاء في الحديث: "فما طهوي إذاً([9])". وقد ذكرناه في بابه.

وأمَّا الأصل الآخَر: فالطِّبَّة: الخِرْقَة المستطيلة من الثَّوب، والجميع طِبَب. وطِبَب شُعاع الشَّمْس: الطَّرَائق الممتّدة تُرَى فيها حين تطلُع. والطِّبابة: السَّير بين الخُرْزَتين. والطِّبّة: مستطيل من الأرض دقيقٌ كثير النَّبات.

ومن ذلك قولُهم: تلقَى فلاناً عن طِبَبٍ كثيرةٍ، أي ألوان كثيرة.

(طث) الطاء والثاء ليس بشيء. ويزعمون أنّ الطَّثَّ لُعْبَةٌ بِخشبةٍ تدعى المِطَثَّة.

(طح) الطاء والحاء قريبٌ من الذي قبله على أنّهم يقولون: الطَّحُّ: أن تسحَجَ الشيء بِعَقِبك([10]). ويقال طَحْطَح بهم، إِذا بَدّدهم. وطَحْطَحَهم: غَلَبَهم.

(طخ) الطاء والخاء ليس [له] عندي أصلٌ مطرد ولا منقاس. وقد ذُكِرَ عن الخليل: طَخْطَخَ السَّحابُ: انضمَّ بعضه إلى بعض. والطَّخْطخة: تسوية الشَّيء. وهذا إِنَّما يُحتاج في تصحيحه إلى حُجّة، فأمَّا الحكاية في هذا الباب فيقال إنّ الطّخْطَخَة الضَّحك؛ والحكايات لا تُقاس.

ومما يقرب من هذا في الضَّعف قولهم: إنَّ المتطَخطِخ: الضعيف البصر. وقالوا أيضاً: والطُّخوخ: سوء الخُلُق والشَّراسَة.

(طر) الطاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على حِدّة في الشيء واستطالةٍ وامتدادٍ من ذلك قولهم: طرَّ السِّنَان، إِذا حدّده. وهذا سنان مطرور، أي محدَّد. ومن الباب الرّجل الطَّرير: ذو الهَيْئَة، كأنَّه شيءٌ قد طُرَّ وجُلِيَ وحُدِّدَ. قال:

ويُعجِبك الطّريرُ فتبتليه *** فيُخلِفُ ظنَّك الرجلُ الطّريرُ([11])

ومن الباب فَتَىً طارٌّ: ط‍رَّ شاربُهُ. والطُّرَّةُ: كُفّة الثَّوب. ويقال: رمى فأطَرَّ، إِذا أنفَذ. وكلُّ شيء حُسِّن فقد طُرَّ، حتى يقال طَرّ حوضَه([12])، إذا طيّنه. والطُّرَّة من الغيم: الطريقة المستطيلة. والخُطَّة السّوداء على ظهر الحمار طُرَّة. وطُرَّة النهر: شَفيرُه. وطَرَّ النّبتُ، إِذا أنبت؛ وهو مِنْ طَرّ شاربُهُ. قال:

منّا الذي هو ما إنْ طَرَّ شاربُهُ *** والعانسون ومنّا المُرْدُ والشِّيبُ([13])

فأمَّا الطَّرّ الذي في معنى الشَّلّ([14]) والطَّرد، فهو من هذا أيضاً؛ لأنَّ مَنْ طرد شيئاً وشَلّه فقد أَذْلَقه حتى يحتدّ في شَدِّهِ وعَدْوِه. فأمَّا قول الحطيئة:

غَضِبْتُم علينا أن قتلْنا بخالدٍ *** بني مالِكٍ ها إنَّ ذا غَضَبٌ مُطِرّ([15])

فقال أبو زيد: الإطرار الإِغراء. وهذا قريبُ القِياسِ من الباب، لأنَّه إِذا أغراه بالشَّيءِ فقد أَذْلَقه وأحدَّه. وقال آخَرون: المُطِرُّ: المدِلّ. والأوّل أحسن وأقيس. ويقال الغضب المطرّ الذي جاء من أطرار الأرض، أي هو غضب لا يُدرى من أين جاء. وهو صحيح؛ لأنَّ أطرار الأرض أطرافها وطرف كلِّ شيءٍ: الحادّ منه.

(طس) الطاء والسين ليس أصلاً. والطَّسُّ لغةٌ في الطَّسْت.

(طش) الطاء والشين أُصَيلٌ يدلُّ على قِلّةٍ في مَطَر، ويجوز أن يُستعار في غيرهِ أصلاً. من ذلك الطّشّ، وهو المطر الضَّعيف. وقال رؤبة:

* ولا نَدَى وَبْلِكَ بالطَّشيشِ([16]) *

والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــــ

([1])  وكذا في المجمل، وفي اللسان: "دفعته" بالدال.

([2]) في المجمل واللسان: "بني زريق".

([3]) في المجمل: "إذا استقامَ وأمكن".

([4]) لطهمان بن عمرو الكلابي، كما سبق في حواشي (دمخ). وأنشده في اللسان في (طلل).

([5]) يقال أيضاً بفتح الطاء، كما في اللسان (طلل 432).

([6]) في ديوانه (2: 22). وأنشده في اللسان والجمهرة (3: 285) بدون نسبة :

منها اثنتان لما الطأطاء يحجبه *** والأخريان لما يبدو به القبل

([7]) البيت لعلقمة الفحل في ديوانه 131 والمفضليات (3: 192).

([8]) في الأصل: "أقله علما".

([9]) انظر ما سيأتي في (طهي). وفي اللسان (طها): "وقيل لأبي هريرة: أأنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: وما كان طهوي ـ أي ما كان عملي ـ إن لم أحكم ذلك".

([10]) في الأصل: "يعقل"، صوابه في المجمل واللسان.

([11]) البيت من أبيات رويت في الحماسة: (2: 20). منسوبة إلى العباس بن مرداس. وذكر في اللسان (طرر) أن البيت يروى أيضاً للمتلمس.

([12]) في الأصل: "خوصته" ، صوابه في المجمل واللسان.

([13]) البيت لأبي قيس بن رفاعة. اللسان (عنس)، وشرح شواهد المغني 244. وسيأتي‎‎‎‎‎‎‎ في (عنس).

([14]) في الأصل: "الشك"، تحريف.

([15]) ديوان الحطيئة 49 واللسان (طرر) وإصلاح المنطق 320.

([16]) في اللسان :              * ولا جدا نيلك بالطشيش *.

وفي الديوان: 78:          * وما جدا غيثك بالطشوشِ *.

 

ـ (باب الطاء والعين وما يثلثهما)

(طعم) الطاء والعين والميم أصلٌ مطَّرد منقاسٌ في تذوُّقِ الشَّيء. يقال طَعِمْتُ الشيءَ طَعْماً. والطَّعام هو المأكول. وكان بعضُ أهلِ اللّغةِ يقول: الطَّعام هو البُرُّ خاصّة، وذكر حديث أبي سعيد([1]): "كُنّا نُخرج  صدقةَ الفِطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، صاعاً من طعامٍ أو صاعاً من كذا([2])". ثم يُحمَلُ على باب الطعام استعارةً ما ليس من باب التذوُّق، فيقال: استطعَمَني فلانٌ الحديثَ، إذا أرادكَ على أن تحدِّثه. وفي الحديث: "إذا استطعَمَكم الإمامُ فأطْعِمُوه"، يقول: إذا أُرْتِجَ عليه واستَفْتَح فافتحُوا عليه. والإطعام يقع في كل ما يُطعَم، حتَّى الماء. قال الله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}  [البقرة 249]. وقال عليه السلام في زمزم: "إنّها طَعامُ طُعْم، وشِفاء سُقْم"، وعِيب خالدُ بن عبد الله القسريّ بقوله: "أطعِمُوني ماءً"، وقال [بعضهم] في عيبه بذلك شعراً([3])، وذلك عندنا ليس بعيب، لما ذكرناه. ويقال رجلٌ طاعم: حسن الحال في المَطْعَم. وقال الحُطيئة:

دَعِ المَكارمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها *** واقْعُدْ فإنّك أنتَ الطَّاعُم الكاسِي([4])

ورجلٌ مِطْعامٌ: كثير القِرَى. وتقول: هو مُطعَم، إذا كان مرزوقاً. والطُّعْمة: المأكُلة. وجَعَلْتُ هذه الضيعة لفلانٍ طعمة. فأما قول ذي الرُّمّة:

وفي الشِّمال من الشِّريان مُطعمة *** كبداءُ في عَجْسِها عطفٌ وتقويمُ([5])

فإنَّه يروى بفتح العين "مُطعَمة": أنَّها قوسٌ مرزوقة. ويروى: "مُطعِمة"، فمن رواها كذا أراد أنّها  تُطعِمُ صاحبَها الصَّيد.

ويقال للإصبع الغليظة المتقدِّمة من الجارحة مُطعِمة؛ لأَنَّها تُطعمه إذا صادَ بها.  ويقولون إنَّ المطَعَّم من الإبل: الذي يوجد في مُخِّه طَعم الشحم من السِّمَن. ويقال للنَّخلة إذا أدركَ ثمرُها: قد أطعَمَتْ. والتَّطعُّم: التذوُّق. يقال: "تَطَعَّمْ تَطْعَم"، أي ذُق الطعام تشتَهِهِ وتأكُلْه. ويقال: فلانٌ خبيث الطُّعمة، إذا كان رديء الكسب. ويقال: اُدْنُ فاطْعَم، فيقول: ما بي طُعْم،  كما يقال من الشَّراب: ما بي شُرْب. ويقال شاةٌ طَعوم، إذا كان فيها بعضُ السِّمن.

(طعن) الطاء والعين والنون أصلٌ صحيحٌ مطَّرد، وهو النَّخْس في الشَّيءِ بما يُنْفِذُهُ، ثمّ يُحْمَل عليه ويستعار. من ذلك الطَّعْن بالرُّمح. ويقال تطاعن القوم واطَّعَنوا، وهم مطاعينُ في الحرب. ورجلٌ طَعّان في أعراض الناس. وفي الحديث: "لا يكون المؤمن طعَّاناً"، وحَكَى بعضُهم: طعنتُ في الرَّجُل طَعَناناً لا غير، كأنَّهُ فَرَقَ بينه وبين الطَّعَن بالرُّمح. وقال:

وأَبَى ظاهرُ الشَّناءَةِ إلاَّ *** طَعَناناً وقولَ ما لا يُقالُ([6])

وطعن في المفازة: ذهب. وقال بعضهم: طعن بالرُّمح يطعُن بالضمِّ، وطعن بالقول يطْعَن، فتحاً([7]).

ـــــــــــــــــــ

([1]) هو أبو سعيد الخدري، سعد بن مالك بن سنان، الإصابة 2189.

([2]) الذي في المجمل واللسان: "أو صاعاً من شعير".

([3]) انظر الحيوان (2: 267 ـ 268 / 4: 323 / 6: 390).

([4]) ديوان الحطيئة 54 واللسان (طعم).

([5]) ديوان ذي الرِّمة 587 والمجمل واللسان (طعم).

([6]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في اللسان (طعن) وليس في ديوانه. ورواية اللسان: "وأبى المظهر العداوة" وهي رواية الصحاح والمحكم والمخصص (6: 87 / 12: 170).  ورواية التّهذيب: "وأبى الكاشحون يا هند إلاَّ".

([7]) في الأصل: "طعن بالرمح يطعن ويطعن بالقول"، صوابه من المجمل.

 

ـ (باب الطاء والغين وما يثلثهما)

(طغي) الطاء والغين والحرف المعتل أصلٌ صحيح منقاس، وهو مجاوَزَة الحدِّ في العِصيان. يقال هو طاغٍ. وطَغَى السّيلُ، إذا جاء بماءٍ كثير. قال الله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الماءُ} [الحاقة 11]، يريد والله أعلم خروجَه عن المقدار. وطَغَى البحر: هاجت أمواجُه. وطغى الدَّمُ: تبيَّغَ. قال الخليل: "الطُّغْيان والطُّغْوان لغة. والفعل منه طَغَيْتُ وطَغَوت.‏

وممّا شذَّ عن هذا الأصل قولهم إنَّ الطَّغْيَة: الصَّفاة المَلْساء.‏

(طغم) الطاء والغين والميم كلمةٌ ما أحسبها من أصل كلام العرب. يقولون لأوغاد الناس : طَغَام.‏

 

ـ (باب الطاء والفاء وما يثلثهما)

(طفق) الطاء والفاء والقاف كلمةٌ صحيحة. يقولون: طفِقَ يفعل كذا كما يقال ظلَّ يفعلُ. قال اللهُ تعالى: {فَطَفِقَ مَسْحَاً بالسُّوقِ والأعناقِ} [ص 33]، {وَطَفِقا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف 22].

(طفل) الطاء والفاء واللام أصل صحيحٌ* مطّرد، ثم يقاس عليه، والأصل المولود الصغير؛ يقال هو طِفْلٌ، والأنثى طِفلة. والمُطْفِل: الظَّبْية معها طِفْلُها. وهي قريبة عهدٍ بالنِّتاج. ويقال طَفَّلْنا إبلَنا تطفيلاً، إذا كان معها أولادُها فرفَقْنا بها في السَّير. فهذا هو الأصل. ومما اشتُقَّ منه قولهم للمرأة الناعمة: طَفْلة، كَأنَّها مشبَّهة في رُطوبتها ونَعمتها بالطِّفلة، ثم فرق بينهما بفتح هذه وكسر الأولى. ومن الباب أو قريب منه: طِفْل الظَّلام، وهو أوَّلُه، وإِنَّما سمِّيَ طِفلاً لقلَّته ودقته؛ وذلك قبل مجيء مُعظَم الليل. قال لبيد:

فتدلَّيْتُ عليه قافلاً *** وعلى الأرضِ غَياياتِ الطَّفَلْ([1])

ويقال: طَفَلَ اللَّيل: أقبل ظلامُهُ. وأمَّا قول القائل:

* لوَهْدٍ جادَه طَفَلُ الثُّريّا([2]) *

(طفو) الطاء والفاء والحرف المعتل أصلٌ صحيح، وهو يدلُّ على الشَّيء الخفيف يَعلُو الشَّيء. من ذلك قولهم طَفَا الشَّيءُ فوق الماء يطفو طَفْوَاً وطُفُوَّاً، إذا علاهُ ولم يرسُب، وحتَّى يقولوا: طَفَا الثَّور فوقَ الرَّمْلة.

ومن الباب: الطُّفْية، وهي خُوصة المُقْلِ، وسمِّيت بذلك لأنها تَعظم([3]) حتى تغطِّيَ الشجرة. وفي كتاب الخليل: الطُّفْية: حيَّة خبيثة. وهذا عندنا غلطٌ إنما الطُّفية خُوصة المقل، والجمع طُفْيٌ، ثم يشبَّه الخطُّ الذي على ظهرِ الحيَّة بها. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحيَّات: "اقتلوا ذا الطُّفْيَتَيْنِ والأَبْتَر". ألا تَراهُ جعله ذا طُفيَتَيْنِ، لأنَّهُ شبَّهَ الخطَّينِ اللذين على ظهره بذلك. وقال الهُذَ ليّ في الطُّفْي:

عفت غيرَ نُؤْيِ الدارِ ما إنْ تُبينُه *** وأقطاعِ طُفْيٍ قد عفَتْ في المعاقِلِ([4])

فأمَّا قولُ القائل:

* كما تَذِلُّ الطُّفَى مِنْ رُقْيَةِ الرَّاقي([5]) *

فإنه أراد ذوات الطُّفَى. والعرب قد تتوسَّع بأكثر من هذا. كما قال:

* إذا حملتُ بِزَّتِي على عَدَسْ([6]) *

أراد: على التي يقال لها عَدَسْ؛ وذلك زْجرٌ للبغال.

فإذا هُمِزَت كان في معنى آخر، يقال طَفِئَت النار تَطْفَأُ، وأنا أطفَأْتُها. فأمَّا الطَّفاء مثل الطَّخاء، وهو السَّحابُ الرَّقيقِ، فهو من الباب الأول، كأنَّه شيءٌ يطفو.

(طفح) الطاء والفاء والحاء. وهو شبيهٌ بالباب الذي قبله. يقال الطُّفَاحة: ما طَفَحَ فوق الشَّيءِ يُطْبَخُ من زُبْدٍ أو غيره، ثمَّ يُحْمَلُ عليهِ  فيسمَّى كلُّ شيءٍ عَلاَ شيئاً فغطَّاهُ طافحاً. يقال طَفَحَ النهرُ: امتلأ. طَفَحَ السَّكرانُ من ذلك، فهو طافح. وطفَّحت الرِّيح القُطنةَ في الهواء، إذا سطعَت  بها.

(طفر) الطاء والفاء الراء كلمةٌ صحيحةٌ، يقال طَفَر: وثَب.

(طفس) الطاء والفاء والسين، يقولون طفس: مات، والطَّفَس الدَّرَن.

(طفن) الطاء والفاء والنون ليس بشيء. على أنهم يقولون: الطُّفَانِيَة نعتُ سَوءٍ في الرّجل والمرأة. والله أعلم بالصواب.

 

([1]) سبق البيت وتخريجه في (1: 167) مادة (أيي).

([2]) أنشده في المجمل واللسان (طفل 429). والكلام بعد مبتور، تقديره: "فالطفل هنا المطر". وفي المجمل قبل إنشاد البيت: "والطفل مطر. قال".

([3]) في الأصل: "تعلم".

([4]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 140 واللسان (طفا). ورواية الديوان واللسان: "عفا غير نؤى الدار"، يعود الضمير إلى "طلل" في بيت قبله. وفي الديوان أيضاً: "ما إن أبينه".

([5]) صدره في اللسان (طفا): * وهم يذلونها من بعد عزتها *.

([6]) انظر اللسان (عدس).

 

ـ (باب الطاء واللام وما يثلثهما)

(طلم) الطاء واللام والميم أصلٌ صحيحٌ، وهو ضَربُ الشَّيءِ بِبَسْط الشيء المبسوط. مثال ذلك الطَّلْم، وهو ضَربُكَ خُبْزَة المَلَّة بيدك تنفُضُ ما عَليها من الرَّماد. وما أقرَبَ ما بين الطّلْم واللَّطْم. والدَّليلُ على ذلك قول حسّان:

* تُطَلِّمهن بالخُمُر النِّساءُ([1]) *

فإنَّ ناساً يرونه كذا، وآخرونَ يرونه: "تلطِّمُهنَّ". وذلك دليلٌ على أن المعنى واحد. ويقال إنَّ الطلْمة الخُبْزَة، وإِنِّما سمِّيت بذلك تُلْطَم.

(طله) الطاء واللام والهاء ليس عندي بأصل يفرع منه، ولا قياسه بذلك الصَّحيح، لكنهم يقولون: طَلَهَ في البلاد، إذا ذهب، يَطْلَه طَلْهاً. ويقولون الطُّلْهة: القليل من الكلام. ويقال الطُّلْهة: الأسمال من الثِّياب؛ يقال: تَطَلَّهْ هذا [الخَلَق([2])]  حَتَّى تَسْتَجِدَّ غيرَه.

(طلي) الطاء واللام والحرف المعتل أصلان صحيحان، أحدهما يدلُّ على لطْخ شيءٍ بشيءٍ، والآخر على شيءٍ صغيرٍ كالولدِ للشَّيءِ.

فالأوَّلُ طَليْتُ الشَّيءَ بالشَّيء، * أَطْليه. [واطَّليتُ([3])]  بالشَّيءِ أَطَّلِي به. والطِّلاء: جنسٌ من الشَّراب، كأنَّه ثَخُنَ حتَّى صارَ كالقَطِران الذي يُطلى به. والمِطلاء: أرضٌ مِئْناثٌ، والجمع المَطَالِي، وهو من القِياس وذلك أنَّها قد طُليتْ بشيءٍ حتَّى لانت.

ومن الباب: كلامٌ لا طَلاَوَةَ لَـه، إذا كان غثّاً([4])، كأنَّه إذا كان خلاف ذلك فقد طُلِيَ بشيءٍ يُحلِّيهِ. وبأسنانهِ طَلِيٌّ وطِلْيَانٌ. وقد طَلِيَ فوه يَطْلَى طَلاً، وهي الصُّفْرَة، كأنها طُلِيَتْ به.

والأصل الآخر الطِّلْوَة: ولد الوحشيّة الأنثى، والذكر طِلاً. ويقولونَ الطِّلْو: الذِّئْب، ولعله أن يكون ولده؛ لما ذكرناه.

ثم يَشتَقّ من هذا فيقال للحبْل الذي يشدُّ به الطِّلاَ طِلْوَة. كذا قال ابن دريد([5]). فأمَّا أحمد بن يحيى ثعلب فأنشدني عنه القَطَّان:

ما زال مذْ قُرِّف عنه جُلَبُه *** له من اللّؤم طَلِيٌّ يجْذبُه([6])

قال الفرّاء: طَلَيْتُ الطِّلا وطَلَوْتُهُ،  إِذا ربطتَهُ بِرِجْله.

وقد بقي في الباب ما يبعُد عن هذا القِياس، إلاَّ أنَّهُ في بابٍ آخر. قال الشَّيباني: الطّلاَ: الشَّخص؛ يقال إنَّه لجميل الطَّلا. وأنشد:

وخدٍّ كمَتْنِ الصُّلَّبيِّ جَلَوْتَه *** جميلِ الطَّلاَ مستشرِبِ الوَرْسِ أكحلِ([7])

فهذا إن صحَّ فهو عندي من الإِبدال، كأنَّه أراد الطَّلَل ثم أبدل إحدى اللامين حرفاً معتلاً. وهو من باب: "تقضِّي البَازِي([8])" وليس ببعيد. ومنه أيضاً الطُّلْيَة والجمع الطُّلَى: الأعناق. وإنَّما  سمِّيت كذا لأنَّها شاخصةٌ، محمولة على الطَّلا الذي هو الشَّخْص.

(طلب) الطاء واللام والباء أصلٌ واحد يدلُّ على ابتغاء الشَّيء. يقال طلبتُ الشيء أطلبه طَلَبَاً. وهذا مَطْلَبِي، وهذه طَلِبَتِي. وأَطلبتُ فلاناً بما ابتغاهُ، أي أسعفته به. وربما قالوا أَطْلَبْتُهُ، إذا أحوجتَهُ إلى الطَّلَب. وأَطْلَبَ الكلأ:  تباعد عن الماء، حتّى طلبه القوم، وهو ماء مُطْلِب. قال ذو الرّمّة:

[أَضَلَّهُ راعيا كَلْبيَّةٍ صَدَرَا *** عن مُطْلِبٍ قاربٍ وُرَّادُهُ عُصبُ([9])]

(طلح) الطاء واللام والحاء أصلانِ صحيحان، أحدهما جنسٌ من الشجر، والآخر بابٌ من الهزال وما أشبهه.

فالأوّل الطَّلْح، وهو شجرٌ معروف، الواحدةُ طَلحة، وذو طُلُوحٍ: مكان، ولعلَّ به طَلْحَاً. ويقال إِبل طَلاَحَى وطَلِحة، إِذا شَكَتْ  عن أكل الطَّلْح.

والثاني: قولهم ناقةٌ طِلْح أسفارٍ، إِذا جهَدَها السَّير وهَزَلَهَا؛ وقد طَلِحَتْ. والطِّلْح؛ المهزول من القِرْدان. قال:

إذا نام طِلْحٌ أشعثُ الرّأس خلفَها *** هداه لها أنفاسها وزفيرُها([10])

ومن الباب الطَّلاح: ضدُّ الصَّلاح، وكأنَّه من سوء الحال والهُزَال.

(طلخ) الطاء واللام والخاء ليس بشيء، وذكروا فيه كلمةً كأنَّها مقلوبة. قال الخليل: الطَّلْخ: اللَّطْخ([11]) بالقَذَر. ويقال الغِرْيَن الذي يبقى في أسفل الحوض.

(طلس) الطاء واللام والسين أصلٌ صحيح، كأنَّه يدلُّ على ملاسة. يقال لفخِذ البعيرِ إِذا تساقطَ عنه شعره: طِلْس. ومنه طَلسْت الكتابَ([12])، إِذا محوته، كأنَّك قد مَلّسته([13]). فأمَّا الذّئب الأطلس فيقولون الأغبر، والقياس يدلُّ على أنَّه الذي قد تمعَّط شعره، فإِنْ كان ما يقولونه صحيحاً فكأنَّهُ من غُبْرته قد أُلبس طيلساناً. والطَّيْلَسان بفتح اللام صحيح([14])، وفيه يقول الشاعر:

وليلٍ فيه يُحسَبُ كلّ نجمٍ *** بدَا لكَ من خَصَاصَة طَيلسانِ([15])

 (طلع) الطاء واللام والعين أصلٌ واحد صحيح، يدلُّ على ظهورٍ وبُروز، يقال طلعت الشمس طُلوعاً ومَطْلَعاً. والمَطْلِع: موضع طلوعها. قال الله تعالى: {حَتَّى مَطْلَِعِ الفَجْر} [القدر 5]. فمن فتح اللام أراد المصدر، ومن كسر أراد الموضع الذي تطلعُ منه. ويقال طَلَعَ علينا فلانٌ، إذا هجم. وأَطْلَعْتُك على الأمر إِطْلاعاً. وقد أطلعتُك طِلْعَهُ. والطِّلاع: ما طَلعت عليه الشمس من الأرض. وفي الحديث: "لو أنَّ لي طِلاَعَ الأرض ذهباً". ونَفْسٌ طُلَعَةٌ: تتطلَّعُ للشيء. وامرأةٌ طُلَعَةٌ، إذا كانت تكثر الاطّلاع. والطَّلْع: طَلْعُ النّخلة، وهو الذي يكونُ في جوفه الكافُور، وقد أطلعت النخلة. وقوس طِلاَعُ الكفِّ، إذا كان عَجْسها* يملأ الكفّ. قال أوس:

كَتُومٌ طِلاَعُ الكفِّ لا دونَ مِلْئِها *** ولا عَجْسُها عن موضِعِ الكفِّ أفضلا([16])

ومن الباب:  استطلعتُ رأيَ فلانٍ، إذا نظرتَ ما الذي يَبْرُزُ إليك منه. وطَلْعة الإنسان: رؤيته؛ لأنَّها تطلُع، ورمى فلان فأَطْلَعَ وأشْخَص، إذا مرَّ سهمُه برأسِ الغَرَض. وطليعة الجيش: من يطَّلِع طِلْعَ العدوّ، والمُطَّلَع: المأْتَى؛ يقال أين مُطَّلع هذا الأمر، أي مأْتاه. فأمَّا قوله عليه السَّلام: "لافتدَيْتُ به من هول المُطَّلع"([17]). ومن الباب الطُّلَعاء: القيء؛ يقال أطْلَع: إذا قاء.

(طلف) الطاء واللام والفاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على إهانة الشَّيء وطَرْحه، ثم يُحمَل عليه. فالطَّلَف: الهَدَر من الدِّماء. وكلُّ شيء لم يُطْلَب فهو هَدَر. قال:

حَكَمَ الدّهرُ علينا إنه  *** طَلَفٌ ما نال منا وجُبارُ([18])

والمحمول عليه الطَّلَف: العطاء، ولا يُعطى الشَّيءُ حتّى يكون أمره خفيفاً عند المعطِي. يقال أَطْلَفَني وأَسْلَفَني. فالطَّلَف: العطاء. والسَّلَف: ما يُقتضَى. والطَّلَف: الهيِّن. قال:

وكلُّ شيءٍ من الدُّنيا نُصَاب به *** ما عِشت فينا وإنْ جلَّ الرُّزَى طَلَفُ([19])

والطَّليف والطَّلَف متقاربان. وقولهم إنَّ الطَّلَفَ الفَضْل، ليس بشيء، إلا أن يراد أنَّه الفاضل عن الشيء، لما ذكرناه.

(طلق) الطاء واللام والقاف أصلٌ صحيحٌ مطّرد واحد، وهو يدلُّ على التَّخلية والإرسال. يقال انطلقَ الرّجل ينطلق انطلاقاً. ثمَّ ترجع الفروع إليه، تقول أطْلَقْتهُ إطلاقاً. والطِّلْق: الشيء الحلال، كأنَّه قد خُلِّيَ عنه فلم يُحظَر.

ومن الباب عَدَا الفرس طَلَقاً أو طَلَقين. وامرأة طالقٌ: [طَلَّقها زوجُها]([20])، وطالقةٌ غداً. وأطلَقْتُ النّاقةَ من عِقالها وطَلّقتها فطلَقت. ورجل طَلْق الوَجه وطليقُه، كأنَّه منطلق. وهو ضدُّ الباسر؛ لأنَّ الباسر الذي لا يكاد يَهَشّ ولا ينفسِحُ ببشاشة. وأهل اليمن يقولون: أبسر المركب، إذا وقف([21]). ويقال طَلَقَ يدَه بخير وأطْلَقَ بمعنى. وأنشد ثعلب:

اُطْلُقْ يديك تنفعاكَ يا رجُلْ *** بالرَّيث ما أرويتَها لا بالعَجَلْ([22])

والطَّالق: النّاقة تُرسَل ترعى حيث شاءت. ويقال للظَّبْي إذا مرَّ لا يُلوِي على شيء: قد تَطلَّق. ورجل طَِلْق اللسان وطَلِيقُه. وهذا لسانٌ طلق ذلق([23]).

وتقول: هذا أمرٌ ما تَطَلَّقُ نفسي له، أي لا تنشرح له. ويقال طُلِّق السَّليم، إذا سكن وجعُه بعد العِداد. قال:

* تطلِّقه طَوْراً وطوْراً تُرَاجِعُ([24]) *

فأمَّا قوله:

* كما تعتري الأهوالُ رأسَ المطلَّقِ([25]) *

فإنه يُروى كذا بفتح اللام: المطلَّق، وهو الذي طُلِّق من وجع السّمّ.

ومن النّاس([26]) من يرويه "المطلِّق" بكسر اللام، فمعناه أنَّهم يسمُّون الرَّجلُ الذي يريد أن يُسابِقَ بفرسه المطلِّق، فالأهوالُ تعتريه، لأنَّه لا يدري أَيَسْبِق أم يُسْبَق.

قال الشيباني: الطالق من [الإِبل]([27]) التي يتركُها الراعي لنفسه، لا يحلبها على الماء. يقال: استطلق الرّاعي لنفسه ناقةً. وليلة الطَّلَق: [ليلةَ]([28]) يخلِّي الرَّاعي إِبلَه إلى الماء. وهو يتركها مع ذلك ترعى ليلتَئذ. يقال أطلقْتُها حتَّى طَلَقَتْ طَلَقاً وطُلوقاً، وهي قبل القَرَب وبعد التحويز.

ــــــــــــــــ

([1]) صدره كما في ديوانه 5 واللسان (طلم، مطر): * تظل جيادنا متمطرات*.

وفي الأصل: "تلطمهن"، صوابه في المجمل.

([2]) التكملة من المجمل.

([3]) التكملة من المجمل.

([4]) الطلاوة مثلثة الطاء، وفي الأصل: "إذا كان غبا"، صوابه في المجمل.

([5]) في الجمهرة: (3: 117).

([6]) في الأصل: "عنه حبله له من الطلى يجذبه"، وتصحيحه من المجمل.

([7]) عجزه في المجمل، وهو بتمامه في اللسان (طلى).

([8]) أي تقضضه. أنشد في اللسان (قضض) للعجاج: * تقضِّيَ البازي إذا البازي كسر*.

([9]) البيت ساقط في الأصل، وإثباته من الديوان 30 واللسان (طلب).

([10]) للحطيئة في ديوانه 100 واللسان (طلح).

([11]) في الأصل: "واللطخ بالقدر"، صوابه في المجمل.

([12]) يقال بتشديد اللام وتخفيفها.

([13]) في الأصل: "طلسته".

([14]) الحق أنه فارسي معرب من "تالسان".

([15]) في الأصل: "يحسب فيه"، ولا يستقيم به الوزن.

([16]) ديوان أوس 21 واللسان (طلع). وسيأتي في (عجس).

([17]) الكلام بعده مبتور. وفي اللسان: "يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت".

([18]) للأفوه الأودي في ديوانه 9 مخطوطة الشنقيطي واللسان (طلف).

([19]) أنشده في المجمل أيضاً بهذا الضبط.

([20]) التكملة من المجمل.

([21]) كذا وردت هذه العبارة.

([22]) البيت في اللسان (طلق). قال:" ويروى: أَطْلِقْ".

([23]) هذان يقالان وكل منهما ككتف وصرد، وبضمتين.

([24]) للنابغة في ديوانه 52،  واللسان (طور). وصدره:

* فبت كأني ساورتني ضئيلة *.

([25]) صدره في اللسان (طلق):  * تبيت الهموم الطارقات يعدنني *.

([26]) في الأصل: "ومن الباب".

([27]) التكملة من المجمل.

([28]) التكملة من المجمل.

 

ـ (باب الطاء والميم وما يثلثهما)

(طمن) الطاء والميم والنون أُصَيْلٌ بزيادة همزة. يقال: اطمأنَّ المكان يطمئنّ طمَأنينة. وطامنت مِنه: سَكَّنت.

(طمي) الطاء والميم والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على علو وارتفاع في شيءٍ خاص. يقال طما البحرُ يطمو ويَطْمِي لُغتان، وهو طامٍ، وذلك إذا امتلأ وعلا. ويقال طَمَى الفرسُ، إذا مرَّ مُسرِعاً. ولا يكون ذلك إلاَّ في ارتفاع.

(طمث) الطاء والميم والثاء أصلٌ صحيح يدلُّ على مسِّ الشيء. قال الشَّيباني: الطَّمْث في كلام العرب المسُّ، وذلك في كلِّ شيء. يقال: ما طَمَث ذا المرتعَ قبلنا أحد. قال: وكلُّ شيء يُطمث. ومن ذلك الطَّامث *وهي الحائض. طَمِثَتْ وطَمَثَتْ. ويقال طَمَثَ الرَّجُل المرأةَ: مسَّها بجماع. وهذا في هذا الموضع لا [يكونُ] بجماع وحدهُ([1]). قال الله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} [الرحمن 56 و74]، قال الخليل: طمثْتُ  البعير طَمْثاً، إذا عقلتهُ([2]). ويقال: ما طمث هذه الناقةَ حَبْلٌ قط. أي ما مسَّها. وأمَّا قول عديّ:

* أو طَمْثِ العَطَنْ([3]) *

فقال قوم: الطَّمْث: الدَّنَس.

(طمح) الطاء والميم والحاء أصل صحيح يدلُّ على علوٍّ في شيء. يقال طَمَحَ ببصرهِ إلى الشيء: علا. وكلُّ مرتفعٍ طامح. وطمَح ببوله. إذا رماه في الهواء. قال:

طويلٍ طامحِ الطّرف *** إلى مَفْزَعَةِ الكَلْبِ([4])

ومن الباب طَمَحات الدّهر: شدائِدُه.

(طمر) الطاء والميم والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معنيين: أحدهما الوثب، والآخر وهو قريبٌ من الأوَّل: هَوِيّ الشَّيء إلى أسفل.

فالأوَّل: طَمَرَ: وثَب؛ فهو طامر. ويقال للفرسِ طِمِرٌّ، كأنَّهُ الوثّاب. وطامرُ بن طامرٍ: البرغوث.

والأصل الآخر طَمَرَ، إِذا هَوَى. والأمر المطمِّر: المهلك. والأمور المُطَمِّرات: المهلكات. وطمارِ([5]): مكان يُرْفَع إليه الإنسان ثم يُرْمَى به. قال:

إلى رجلٍ قد عَقَرَ السَّيْفُ وجهَه *** وآخرَ يَهوي من طَمَارَِ قتيلِ([6])

ومن الباب: طمرت الشَّيءَ: أخفيتُه. والمطمورة: حفرةٌ تحتَ الأرض يُرمى فيها الشيء.

ومن الباب: طَمَرت الغِرارةَ، إِذا ملأْتَها؛ كأنَّ الشيءَ قد رُمِيَ بها.

ومما شذَّ عن الباب الطِّمْر: الثّوب الخَلَق. وقولهم إنَّ المِطْمَر زِيجٌ للبنَّاء، فهو ممّا أعلمتك أنَّه لا وجهَ للشُّغلِ به.

(طمس) الطاء والميم والسين أصلٌ يدلُّ على محوِ الشيء ومسحِهِ. يقال طَمَسْتُ الخَطَّ، وطَمست الأثرَ. والشيءُ طامسٌ أيضاً. وقد طَمَسَ هو بنفسهِ.

(طمش) الطاء والميم والشين  لا قياسَ له، ولولا أنَّه في الشَّعر لكان من المشكوك فيه؛ لأنّه لا يُشِبه كلامَ العربِ. على أنَّهم يقولون: ما أدري أيُّ الطمْشِ هو؟ أيْ أيُّ النّاس والخلْقِ هو. قال:

* وَحْشٌ ولا طَمْشٌ من الطُّمُوش([7]) *

(طمع) الطاء والميم والعين أصلٌ واحدٌ صحيح يدلُّ على رجاءٍ في القلبِ قويٍّ للشَّيء. يقال طَمِعَ في الشيءِ طَمَعاً وطَمَاعة([8]) وطماعِيَة. ولَطَمُعْتَ يازيد([9]) كما يقولون: لَقَضُو القاضي. هذا عند التعجُّب. ويقال امرأةٌ مِطْماعٌ، للتي تُطمِع ولا تُمْكِن.

(طمل) الطاء والميم واللام أُصَيْلٌ يدل على ضَعَةٍ وسَفالٍ. وأصله الذي يبقى في أسفل الحوضِ من الماء القليل والطِّينِ، يقال لذلك الطَّمْلَة. يقال اطُّمِلَ ما في الحوضِ، وقد اطَّمَلَهُ، إذا لم يترك فيه قَطْرَة([10]). ثم يحملون على هذا فيقولون للمرأة الضَّعيفة: طِمْلَة، وللرجل اللصّ طِمْل. ويقولون: إنَّ الطِّمْل: الفاحش. والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "إلا بجماع وحده". والمفهوم من صنيع اللسان أن الطمث الافتضاض بالتدمية، أي جماع البكر.

([2]) في الأصل: "علقته"، صوابه من المجمل واللسان.

([3]) قطعة من بيت له في اللسان (طمث). وهو بتمامه:

طاهر الأثواب يحمي عرضه *** من خنـثى الذمة أو طمث العطن

([4]) لأبي دواد الإيادي، كما في الحيوان (2: 168)، واللسان (طمع). وحقق البكري في التنبيه أنه لعقبة بن سابق الهزاني. انظر شرح الحيوان (2: 168). وسيأتي في (فزع).

([5]) طمار، بفتح الطاء، مثل قطام بالبناء على الكسر، ويقال أيضاً بالإعراب مع منعه من الصرف. وضبط هذه الكلمة غامض في اللسان والقاموس. انظر معهما معجم البلدان في رسمه.

([6]) لسليم بن سلام الحنفي، يقوله في مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وهانئ بن عروة المرادي. انظر اللسان (طمر)، ومعجم البلدان. وقبله فيهما:

فإن كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري  *** إلى هانئ في السوق وابن عقيل

([7]) لرؤبة كما سبق في (حشر 66).

([8]) في الأصل: "ولا طماعة". وكلمة "لا" مقحمة، ليست في المجمل.

([9])  في الأصل: "وأطمعت يا زيد"، وفي المجمل: "وقال بعضهم: لطمع الرجل بضم الميم تعجباً، وكذلك لقضو القاضي".

([10]) في الأصل: "وطرة"، صوابه من المجمل واللسان.

 

ـ (باب الطاء والنون وما يثلثهما)

(طني) الطاء والنون والحرف المعتل كلمةٌ تدلُّ على مرضٍ من أمراضِ الإِبل. يقال طَنِيَ البعير، إذا التصقت رئتُهُ بجنْبِهِ فمات، يَطْنَى طَنَى. ويقال ما طَنِيتُ بهذا الأمر، أي ما تعرَّضْتُ له، كأنَّه يقول: ما لصق بي ولا تلطَّخت به.

وأمَّا المهموز فليس من الباب في البناء، لكنه في المعنى متقارب. يقولون: إنَّ الطِّنْءَ: الرِّيبة. قال:

كأنَّ على ذي الطِّنْءِ  عَيْناً رَقِيبةً  *** بِمقْعَده أو منظرٍ وهو ناظرُ([1])

وإِنما سميت بذلك لأنَّ الريبة مما يلطَّخ ويتلطَّخ به.

ومما شذَّ عن الباب الطنْء: المنزل، وقد يهمز([2])، وهو يبعد عن الذي ذكرناه بعداً.

ومما شذَّ أيضاً قولهم: تركته بِطنْئِهِ، أي بِحُشاشةِ نفسِه.

(طنب) الطاء والنون والباء أصلٌ يدلُّ على ثَبات الشَّيء و تمكنه في استطالة. من ذلك الطُّنُب: طُنُبُ الخِيام، وهي حبالُها التي تشدّ *بها. يقال طَنَّبَ بالمكان: أقام. والإطْنابة: المِظلّة، كأنَّها إفْعالة من طَنَبَ؛ لأنها تثبت على ما تُظلِّله([3]). والإِطْنابة: سيرٌ يشدُّ في طَرَف وترِ القَوْسِ.

ومن الباب قولهم: أطنب في الشيء إذا بالغ، كأنَّهُ ثبت عليه إرادةً للمبالغة فيه. ويقولون: طَنِبَ الفَرَسُ، وذلك طول المَتن وقوَّته، فهو كالطُّنُب الذي يمدُّ ثم يثبَّتُ به الشيء. وكذلك أَطَنَبَت الإِبل، إذا تَبِعَ بعضُها بعضاً في السيرِ. وأطنبت الرِّيح إِطْناباً، إذا اشتدّت في غُبار. ومعنى هذا أن ترتفع الغَبَرة حتى تصير كالإطنابة، وهي كالمظلَّة.

(طنخ) الطاء والنون والخاء كلمةٌ إن صحت. يقولون طَنِخ، إذا بَشِم، ويقال إذا سَمِن.

(طنف) الطاء والنون والفاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على دَوْرِ شيءٍ على شيء. يقولون الطُّنُف: حَيد في الجبَل  يطنّف به. ويقولون الطُّنُف: إفريز الحائط.  والطنف([4]): السُّيور. فأمَّا الطَّنَف في التُّهَمَة فهو من المقلوب، كأنَّه من النَّطَف، وقد ذكرناه في بابه.

ومما شذَّ عن الباب شيءٌ حُكيَ عن الشيباني، أن الطنف الذي يأكل القليل([5]). يقال ما أَطْنَفه.

ــــــــــــــــ

([1]) صدره في اللسان (طنأ) برواية: "عينا بصيرة".

([2]) كذا وردت  هذه العبارة.

([3]) في الأصل: "على ما تظلل به".

([4]) هذا يقال بفتحتين وبضمتين.

([5]) ذكر هذا المعنى في القاموس، ولم يذكر في اللسان.

 

ـ (باب الطاء والهاء وما يثلثهما)

(طهي) الطاء والهاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على أمرين إمّا على معالجة شيء، وإما على رِقّة.

فالأول: علاج اللحم في الطَّبْخ. والطَّاهي: فاعل، وجمعه طُهاة. قال:

فَظَلَّ طُهَاةُ اللّحْمِ من بين مُنْضِجٍ *** صَفِيفَ شِواءٍ أو قديرٍ مُعَجَّلِ([1])

وقال أبو هريرة في شيء سُئِلَ عنه: "فما طَهْوِي إذاً ـ أي ما عملي ـ إن لم أحْكِمْ ذلك". وحكى بعضُهم طَهَت الإِبلُ تَطْهَى، إذا نَفَشَت باللَّيلِ ورعت، طَهْياً([2])، كأنَّها في ذلك تُعالجُ شيئاً. قال:

ولسنا لباغي المُهْمَلاتِ بقِرْفةٍ *** إذا ما طَهَى بالليلِ منتشراتُها([3])

والأصل الآخر الطَّهَاء، وهو غيم رقيق، وطُهَيَّةُ: حيٌّ من العرب، ومن ذلك اشتُقَّ. والنسبة إليهم طَهَوِيّ وطُهْوِيّ([4]).

(طهر) الطاء والهاء والراء أصلٌ واحدٌ صحيح يدلُّ على نقاءٍ وزوالِ دَنَسٍ. ومن ذلك الطُّهْر: خلاف الدَّنَس. والتطهُّرُ: التنـزُّه عن الذمِّ وكلِّ قبيح. وفلانٌ طاهر الثِّياب، إذا لم يدنَّس. [قال]:

ثيابُ بني عوفٍ طَهَارَى نقيّةٌ  *** وأوجُهُهمْ عند المَسَافرِ غُرّانُ([5])

والطَّهور: الماء. قال الله تعالى: وأَنْزَلْنَا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً[الفرقان 48]. وسمعتُ محمّد بن هارونَ الثَّقَفِي يقول: سمعتُ أحمد بن يحيى ثعلباً يقول: الطَّهور: الطاهر، في نفسه، المُطَهِّرُ لغيرهِ.

(طهش) الطاء والهاء والشين ليس بشيء. وذُكِرتْ كلمةٌ فيها نظر، قالوا: الطَّهْش: فَساد العمل.

(طهف) الطاء والهاء والفاء كالذي قبله. على أنَّهم يقولون: الطَّهَْفَ طعامٌ يتَّخذ من الذُّرة، ويقال هي أعالي الصِّلِّيان. ويقولون: الطُّهافة: الذُّؤابة. وكلُّ ذلك كلام.

(طهل) الطاء والهاء واللام كلمةٌ إنْ صحَّت. يقولون طَهِلَ الماء: أَجَنَ. والطهْلِئة([6]): الطين الذي يَنْحَتُّ منَ الحوضِ في الماءِ.

(طهم) الطاء والهاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على شيءٍ في خَلْقِ الإنسان وغيرهِ. فحكى أبو عبيدة أنَّ المُطَهَّم: الجميل التامّ الخَلْق من الناس والأفراس. وقال غيره: المَطَهَّم: المكلْثَم المجتَمِع. وهذا عندنا أصحُّ القولين؛ للحديث الذي رواه عليٌّ عليه السلام في وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لم يكن بالمطهَّم ولا المكلْثم"، وحكيت كلمةٌ إن صحّت، قالوا: تطهَّمْتُ الطَّعامَ: كرهته.

ــــــــــــــــــ

([1]) لامرئ القيس في معلقته.

([2]) وطهوا، بالفتح، وطهوا على فعول.

([3]) للأعشى في ديوانه 62 والمجمل واللسان (طها). وفي الأصل: "ولست"، تحريف. وفي الحيوان: (5: 434): "إذا ما طما".

([4]) ويقال أيضاً طهوي، بالفتح، وبالتحريك.

([5]) لامرئ القيس في ديوانه 115 واللسان (طهر، غرر).

([6]) في الأصل: "والطهيلة"، صوابه في المجمل واللسان.

 

ـ (باب الطاء والواو وما يثلثهما)

(طوي) الطاء والواو والياء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على إدراج شيءٍ حتَّى يدرَج بعضُه في بعض، ثم يحمل عليه تشبيهاً. يقال طويت الثَّوبَ والكِتاب طَيّاً أطويه. ويقال طَوَى الله عُمر الميّت. والطَّوِيّ: البئر المطوية. قال:

فقالت له: هذا الطَّوِيُّ  وماؤه *** ومحترقٌ من يابسِ الجِلْدِ قاحِلُ([1])

ومما حمل على هذا الباب قولهم *لمن مضى على وجهه: طوى كَشْحَه. وأنشد:

وصاحبٍ لي طوى كشحاً فقلتُ لـه *** إنَّ انطواءَكَ عنِّي سوف يَطْوِيني([2])

وهذا هو القِياس؛ لأنَّه إذا مضى وغاب عنه فكأنه أُدرج.

ومن الباب أطواء النّاقة، وهي طرائقُ شحم جنبيْها. والطَّيَّانُ: الطَّاوِي البطن. ويقال طوِيَ؛ وذلك أنَّه إذا جاع وضَمُر صار كالشَّيءِ الذي لو ابتُغِيَ طيُّه لأمكن. فإنْ تعمَّدَ للجوُع قال: طَوَى يَطْوِي طَيَّاً، وذلك في القياس صحيح، لأنَّه أدرج الأوقاتَ فلم يأكلْ فيها، قال الشاعر([3]) في الطَّوَى:

ولقد أبيتُ على الطَّوَى وأظلُّهُ *** حتَّى أنالَ به كريمَ المأكلِ

ثم غَيَّرُوا هذا البناءَ أدنى تغييرٍ فزال المعنى إلى غيرهِ فقالوا: الطَّاية([4])؛ وهي كلمةٌ صحيحةٌ تدلُّ على استواءٍ في مكان. قال قوم: الطَّاية: السَّطْح. وقال آخرون: هي مِرْبَد التَّمر. وقال قوم: هي صخرةٌ عظيمة في أرضٍ ذات رمل.

(طوب) الطاء والواو والباء ليس بأصل؛ لأنَّ الطوب فيما أحسب هذا الذي يسمى الآجُرّ، وما أَظُنُّ العربَ تعرفه. وأمَّا طُوبَى فليس من هذا، وأصله الياء، كأنها فعلى من الطِّيب، فقلبت الياء واواً للضمَّة.

(طوح) الطاء والواو والحاء ليس بأصل، وكأنه من باب الإِبدال. يقال طاحَ يَطيح. ثم يقولون: طاحَ يَطُوح، أي هَلَكَ.

(طود) الطاء والواو والدال أصلٌ صحيح، وفيه كلمةٌ واحدةٌ. فالطَّود: الجَبَل العظيم. قال الله سبحانه: {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيْمِ} [الشعراء 63]. ويقولون: "طَوَّدَ في الجبل، إذا طَوَّف، كأنه فعل مشتقٌّ من الطود.

(طور) الطاء والواو والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معنىً واحد، وهو الامتداد في شيءٍ من مكانٍ أو زمان. من ذلك طَوَار الدَّار، وهو الذي يمتدُّ معها من فِنائِها. ولذلك [يقال] عدا طَوْره، أي جاز الحدَّ الذي هو له من دارِهِ. ثم استعير ذلك في كل شيء يُتعدَّى. والطُّور: جبلٌ، فيجوز أن يكون اسماً عَلَمَاً موضوعاً، ويجوز أن يكون سمِّي بذلك لما فيه من امتدادٍ طولاً وعَرضاً. ومن الباب قولهم: فعل ذلك طَوْراً بعد طَوْر. فهذا هو الذي ذكرناه من الزَّمان، كأنَّه فَعَلَه مَدَّةً بعد مدة. وقولهم للوحشيِّ من الطَّير وغيرها طُورِيّ وطُورانيٌّ، فهو من هذا، كأنَّه توحَّشَ فعدا الطَّورَ، أي تباعد عن حدِّ الأنيس.

(طوس) الطاء والواو والسين ليس بأصل، إنّما فيه الذي يقال لـه الطَّاوُوس. ثم يشتقّ منه فيقال للشَّيء الحسن: مُطوَّس. وحُكيَ عن الأصمعيّ: تطوَّست المرأةُ: تزينَت. وذكر في الباب أيضاً أنَّ الطَّوْس: تغطيةُ الشّيء. يقال طُسْته طَوْساً، أي غطَّيته. قالوا: وَطَوَاس([5]): ليلةٌ من ليالي المَُِحَاق.

(طوع) الطاء والواو والعين أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على الإصحابِ والانقيادِ. يقال طاعَه يَطُوعه،  إذا انقاد معه ومضى لأمره. وأطاعه بمعنى طاعَ له. ويقال لمن وافَقَ غيرَه: قد طاوعه.

والاستطاعة مشتّقةٌ من الطَّوع، كأنها كانت في الأصل الاستطواع، فلما أسقطت الواو جعلت الهاء بدلاً منها، مثل قياس الاستعانة والاستعاذة.

والعرب تقول: تطاوَعْ لهذا الأمر حتى تستطيعَه. ثم يقولون: تطوَّعَ، أي تكلَّف استطاعتَه، وأمَّا قولهم في التبرُّع بالشيء: قد تطوَّعَ بهِ، فهو من الباب لكنَّه لم يلزمه، لكنَّه انقاد مع خيرٍ أحبَّ أن يفعله. ولا يقال هذا إلاَّ في باب الخير والبِرّ. ويقال للمجاهِدَةِ الذين يتطوَّعون بالجِهاد: المُطَّوِّعة، بتشديد الطاء والواو، وأصله المتطوّعة، ثم أدغمت التاء في الطاء. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المؤمِنِينَ}  [التوبة 79]، أراد ـ والله أعلم ـ المتطوِّعين.

(طوف) الطاء والواو والفاء أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يدلُّ على دَوَران الشيء على الشيء، وأن يُحفَّ به. ثم يُحمل عليه، يقال طاف * به وبالبيت يطوف طَوْفَاً وطَوَافاً، واطَّاف به، واستطاف. ثم يقال لما يدور بالأشياء ويُغَشِّيها من الماء طُوفان. قال الخليل: وشبَّه العجّاج ظلامَ الليلِ بذلك، فقال:

* وعمَّ طُوفانُ الظَّلاَمِ الأثْأَبَا([6]) *

و"غَمَّ" أيضاً. ومن الباب: الطَّائف، وهو العاسُّ. والطَّيْفُ والطَّائف: ما أَطافَ بالإنسان من الجِنَّان. يقال طاف واطَّاف. قال الله تعالى: {إِذا مَسَّهُمْ طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ} ([7]) [الأعراف 200]، و(طائِفٌ) أيضاً. قال الأعشى:

وتُصْبِحُ عن غِبِّ السُّرَى وكأنَّما *** ألمَّ بها من طائفِ الجنِّ أولَقُ([8])

ويقولون في الخيال: طافَ وأطافَ. ويُرْوَى:

أنَّى أَلَمَّ بكَ الخيالُ يُطيف *** وطوافه بك ذِكرةٌ وشُعوف([9])

ويروى: "ومطافه لك ذِكرة وشُغوف". فأمَّا الطائفة من النّاس فكأنَّها جماعةٌ تُطِيفُ بالواحد أو بالشيء. ولا تكاد العرب تحدُّها بعدَدٍ معلومٍ، إلاَّ أن الفقهاء والمفسِّرين يقولون فيها مرّة: إنَّها أربعةٌ فما فوقها، ومرَّة إنَّ الواحد طائفةٌ([10])، ويقولون: هي الثَّلاثة، ولهم في ذلك كلامٌ كثير، والعربُ فيه على ما أعلمتك، أنّ كلَّ جماعةٍ يمكن أن تحُفَّ بشيء فهي عندهم طائفة، ولا يكاد هذا يكون إلاَّ في اليسير هذا في اللغة والله أعلم. ثم يتوسَّعون في ذلك من طريق المجاز فيقولون: أخَذْتُ طائفةً من الثَّوبِ، أي قطعة منه، وهذا على معنى المجاز، لأنَّ الطَّائفة من النَّاس كالفِرقة والقِطعة منْهم. فأمَّا طائفُ القوسِ [فهو] ما يلي أَبْهَرها.

(طوق) الطاء والواو والقاف أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على مِثل ما دلَّ عليه الباب الذي قبلَه. فكلُّ ما استدار بشيء فهو طوق. وسمِّي البِناءُ طاقاً لاستدارته إذا عُقِدَ. والطَّيلَسان طاقٌ، لأنَّه يدور على لابِسه. فأمَّا قولهم أطاق هذا الأمر إِطاقةً، وهو في طَوقه، وطوَّقْتُكَ الشَّيءَ، إذا كَلَّفْتُكَه([11]) فكلُّه من الباب وقياسِه؛ لأنَّه إِذا أطاقَه فكأنَّه قد أحاط به ودار به من جوانبه.

ومما شذَّ عن هذا الأصل قولُهم: طاقةٌ من خيط أو بَقْل، وهي الواحدة الفَردةُ منه، وقد يمكن أن يتمحَّل فيقاس على الأوَّل، لكنَّه يبعُد.

(طول) الطاء والواو واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على فَضْلٍ وامتداد في الشيء. من ذلك: طالَ الشَّيءُ يطُولُ طُولاً. قال أحمد بن يحيى ثعلبٌ: الطُّول: خلاف العَرض. ويقال طاوَلْت فلاناً فطُلْتُه، إذا كنتَ أطوَلَ منه. وطال فلاناً فلانٌ، أي إنه أطول منه. قال:

إنَّ الفرزدقَ صخرةٌ ملمومةٌ *** طالت فليس تنالها الأوعالا([12])

وهذا قياسٌ مطَّرد في كلِّ ما أشبه ذلك، فيقال للحبل الطِّوَل؛ لطوله وامتداده. قال طرفة:

لعمرُكَ إنَّ الموتَ ما أخطأ الفتى *** لكالطِّوَل المُرخَى وثِنياهُ في اليدِ([13])

ويقولون: لا أكلِّمه طَوَالَ الدَّهر. ويقال جملٌ أطوَلُ، إذا طالت شفتُهُ العليا. وطاولَني فلانٌ فطُلْتُه، أي كنت أطولَ منه. والطُّوَال: الطَّويل. والطِّوَال: جمع الطَّويل. وحكى بعضهم: قَلانِسُ طِيال([14])، بالياء. وأمرٌ غير طائلٍ، إذا لم يكن فيه غَناء. يقال ذلك في المذكَّر والمؤنث. قال:

* وقد كلَّفُوني خُطَّةً غيرَ طائِلِ([15]) *

وتطاولتُ في قِيامي، إذا مددتَ رِجليكَ لتنظر. وطوِّلْ فرسَك، أي أَرْخِ طويلتَه في مرعاه([16]). واستطالُوا عليهم، إذا قتلوا منهم أكثر ممَّا قتلوا.

(طوط) الطاء والواو والطاء كلمتان إن صحَّتا. يقولون: إنَّ الطَّوطَ القطْن. والطوط: الرَّجلُ الطَّوِيل.

ـــــــــــــــــــ

([1]) البيت لمزرد بن ضرار، من مقطوعة في الحيوان (2: 18-19).

([2]) في اللسان (طوي): "هذا عنك يطويني".

([3]) هو عنترة. وفي ديوانه 181، أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد هذا البيت، فقال: "ما وصف لي أعرابيٌّ قط، فأحببت أن أراه إلا عنترة".

([4]) جعلت في اللسان في مادة (طي)، وفي القاموس في (طوى).

([5]) كذا ضبط في المجمل، ومثله في القاموس، إذ ضبطه كسحاب. وفي اللسان ضبط بالضم ضبط قلم.

([6]) للعجاج، في ديوانه 74 واللسان (طوف).

([7]) هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ويعقوب. وقراءة الباقين: "طائف". إتحاف فضلاء البشر 234، وهي الآية 200 من سورة الأعراف.

([8]) ديوان الأعشى  147، واللسان (طوف، ولق).

([9]) نسب في اللسان (طيف) إلى كعب بن زهير، وهو في ديوانه 113 طبع دار الكتاب.

([10]) في الأصل: "طائفة فما فوقها". والكلمتان الأخيرتان مقحمتان.

([11]) في الأصل: "كلفته"، صوابه في المجمل.

([12]) البيت لسنيح بن رياح الزنجي، كما في اللسان (طول). وانظر حواشي الحيوان: (7: 205).

([13]) البيت من معلقته المشهورة.

([14]) في اللسان: "ابن جني: لم تقلب إلا في بيت شاذ، وهو قوله:

تبين لي أن القماءة ذلة  *** وأن أعزاء الرجال طيالها".

([15]) أنشد هذا العجز في اللسان (طول). والطائل يقال للذكر والأنثى.

([16]) وهذا أيضاً نص الجوهري في الصحاح. قال أبو منصور: "ولم أسمع الطويلة بهذا المعنى من العرب، ورأيتهم يسمونه الطول".

 

ـ (باب الطاء والياء وما يثلثهما)

(طيب) الطاء والياء والباء أصلٌ واحد صحيحٌ يدلُّ على خلافِ الخَبيث. من ذلك الطيِّب: ضدّ الخبيث. يقال سبيّ طِيبَةٌ، أي طيِّبٌ. والاستطابة: الاستنجاء؛ لأنَّ الرجل يطيِّب نفسَه مما عليه من الخُبث بالاستنجاء. ونهى رسول الله * صلى الله عليه وآله أن يَستَطِيب الرَّجُل بيمينه. والأطيبانِ: الأكل والنِّكاح. وطَيْبَة([1]) مدينة الرسول صلى الله عليه وآله. ويقال: هذا طعام مَطْيَبةٌ للنَّفْس. والطَّيِّب:الحلال، والطَّاب: الطِّيب: قال:

مُقابَلَ الأعراقِ في الطَّابِ الطَّابْ *** بين أبي العاص وآلِ الخطّابْ([2])

 

(طيخ) الطاء والياء والخاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تلطّخٍ بغير جميل. قالوا طاخَ يَطِيخُ وتَطيَّخ، إذا تلطَّخ بالقبيح. وقالوا: الطِّيخ: الخِفَّة، وهو بمعنى الطَّيش، قال الحارث:

[فاتركوا الطَّيْخ والتَّعدّي وإمَّا *** تتعاشَوا ففي التَّعاشِي الدَّاءُ([3])]

(طير) الطاء والياء والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خِفّة الشَّيءِ في الهواءِ. ثمَّ يستعار ذلك في غيرِهِ وفي كلِّ سُرعة. من ذلك الطَّير: جمع طائر، سمِّيَ ذلك لما قُلناه. يقال طارَ يَطير طَيَراناً. ثمَّ يقال لكلِّ مَنْ خفَّ: قد طار. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خيرُ النَّاسِ رجلٌ مُمْسِكٌ بِعِنان فرسِهِ في سبيل الله، كلَّما سمِعَ هَيْعَةً طار إليها". وقال:

* فَطِرْنَا إليهم بالقنابل والقَنَا *

ويقال مِنْ هذا: تَطَايَرَ الشَّيءُ : تفرَّق. واستطار الفجر: انتشر. وكذلك كلُّ منتشِر. قال الله تعالى: {يَخَافُونَ يَوْمَاً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [الدهر 7]. فأمَّا قولهم: تطيَّر من الشيء، فاشتقاقه من الطَّيرِ كالغراب وما أشبهه. ومن الباب: طائر الإنسانِ، وهو عمَلُهُ. وبئر مُطارَةٌ، إذا كانت واسعة الفم. قال:

* هُوِيُّ الرِّيح في جَفْرٍ مُطارِ([4]) *

ومن الباب : الطَّيْرة: الغضَب، وسمِّي كذا لأنَّه يُستطَار له الإنسان. ومن الباب قولهم: خذ ما تطَايَرَ من شعر رأسك، أي طال. قال:

* وطارَ جِنّيُّ السَّنَامِ الأَطْوَلِ([5]) *

(طيس)  الطاء والياء والسين كلمةٌ واحدة. قال:

* عددتُ قومِي كعَديدِ الطَّيْسِ([6]) *

أراد به العدد الكثير.

(طيش) الطاء والياء والشين كلمةٌ واحدة، وهي الطَّيْش والخِفَّة. وطاشَ السَّهم من هذا، إذا لم يُصِبْ، كأنَّه خَفَّ وطاشَ وطار.

(طين) الطاء والياء والنون كلمةٌ واحدة، وهي الطِّين، وهو معروف. ويقال طيَّنْت البيتَ، وطِنت الكتابَ. ويقال طانَه الله تعالى على الخَيْر، أي جَبَله. وكأَنَّ معناه، والله أعلم، من طِنت الكتاب، أي ختمته؛ كأنَّه طبعه على الخير وختم أمرَهُ بهِ.

ـــــــــــــــــــــ

([1]) يقال أيضاً طيبة، بتشديد الياء، وطابة، والمطيبة، بتشديد الياء المفتوحة.

([2]) الرجز لكثير بن كثير النوفلي، يمدح به عمر بن عبد العزيز. وقبله:

* يا عمر بن عمر بن الخطاب *.

وذاك أن أم عمر بن عبد العزيز، هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وأبوه عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص.

([3]) موضع البيت بياض في الأصل، وأنشد في المجمل الكلمتين الأوليين من البيت.

([4]) صدره في المجمل واللسان (طير): * كأن حفيفها إذ بركوها *.

([5]) لأبي النجم، كما في المجمل، وهو من أم الرَّجز، مجلة المجمع العلمي بدمشق 1347. والرواية فيها وفي الحيوان (6: 185): "وقام جنى السنام الأميل".

([6]) لرؤبة بن العجاج في ملحقات ديوانه 175 واللسان (طيس). وبعده:

* إذا ذهب  القوم الكرام ليسي  *.

 

ـ (باب الطاء والباء وما يثلثهما)

(طبخ) الطاء والباء والخاء أصلٌ واحد، وهو الطَّبخ المعروف، يقال طَبَخت الشَّيءَ أطبُخه طَبْخاً، وأنا طابخ، والشَّيء مطبوخ وطَبِيخ. والطُّبَّخ: جمع الطَّابخ. وقول العجّاج:

* والله لولا أن تَحُشَّ الطُّبَّخُ([1]) *

أراد به الملائكة الموكَّلين بالنَّار. ويقال لسَمائمِ الحرِّ: طبائخُه. وطابخة: لقبُ رجلٍ من العرب، لأنَّه طبخ طَبْخَاً فسمِّي بذلك. ويقال الطُّبَاخَة: ما فار من رُِغوة القِدر إذا طبخت، وهي الطُّفَاحة والفُوَارة. ويقال للحُمَّى الصَّالبِ: طابخ.

ومما يُحمَلُ على هذا، ولعلّه أن يكون من الكلام المولَّد، قولهم: ليس به طَُباخٌ([2])، للشّيء لا قُوَّةَ له، فكأنهم يريدون ما تناهى بَعدُ ولم ينضَج.

ومما شذَّ عن الباب قولُهم، وهو من صحيح الكلام، لفَرخ الضبّ: مُطَبِّخ، وذلك إذا قوي. يقولون: هو حِسْل، ثم مطبِّخ، ثم خُضَرِمٌ، ثم ضَبّ.

(طبس) الطاء والباء والسين ليس بشيء. على أنهم يقولون: الطَّبَسانِ: كُورتان. وهذا وشِبهه ممَّا لا معنى لذكره؛ لأنَّه إِذا ذكر ما أشبه كلُّه حُمِلَ على كلام العرب ما ليس هو منه. وكذلك قول من قال([3]): إنَّ التَّطبيس: التَّطبين([4]).

(طبع) الطاء والباء والعين أصلٌ صحيح، وهو مثلٌ على نهايةٍ ينتهي إليها الشيء حتى يختم عندها يقال طبَعت على الشيء طابَعاً. ثم يقال على هذا طَبْعُ الإنسان وسجيَّتُه. ومن ذلك طَبَعَ اللهُ على قَلْب الكافر، كأنَّه ختم عليه حتى لا يصل إليه هُدىً ولا نُور، فلا يوفَّق لخير. ومن ذلك أيضاً طبْع السَّيف والدِّرهم، وذلك إذا ضربه حتى يكمّله. والطَّابع: الخاتم يُختَمُ به *. والطَّابِع: الذي يَختِم.

ومن الباب قولُهم لملْءِ المِكيال طَبع. والقياسُ واحدٌ؛ لأنه قد تكامل وخُتم. وتطبَّع النَّهر، إذا امتلأ؛ وهو ذلك المعنى. وكذلك إذا حُمِّلت النّاقة حِمْلَها الوافِيَ الكاملَ، فهي مطبَّعة. قال:

أينَ الشِّظاظانِ وأيْنَ المِرْبَعَهْ *** وأيْنَ وَسْقُ النَّاقَةِ المطبَّعهْ([5])

قال ابنُ السكِّيت: الطِّبع: النَّهر، والجمع: الطِّباع. قال:

فتولَّوْا فاتراً مشيُهم *** كروايا الطِّبْع همَّتْ بالوَحَلْ([6])

ولعلَّ الذي قالُوه في وصف النّهر، أن يكون ممتلئاً، حتى يكون أقيس.

ومما شذَّ عن هذا الأصل وقد يمكن أن يُقارَب بينهما، إلاَّ أنَّ ذلك على استكراه، قولهم للدَّنَس: طَبَع. يقال رجلٌ طَبِعٌ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استَعيذوا بالله من طمَعٍ يَهدِي إِلَى طَبَعٍ". وقال:

له أكاليلُ بالياقوت فَصَّلَها *** صَوَّاغُها لا ترى عَيْبَاً ولا طَبَعا

ومن هذه الكلمة قولهم للرجل إذا لم ينفُذْ في الأمر: قد طَبِعَ.

(طبق) الطاء والباء والقاف أصلٌ صحيحٌ واحد، وهو يدلُّ على وضع شيء مبسوط على مِثله حتى يُغطِّيَه. من ذلك الطَّبَق. تقول: أطبقْت الشيءَ على الشيء، فالأول طَبَق للثاني؛ وقد تطابَقَا. ومن هذا قولهم: أطبَقَ الناسُ على كذا، كأنَّ أقوالهم تساوَتْ حتى لو صُيِّرَ أحدُهما طِبْقاً للآخر لَصَلح. والطَّبَق: الحال، في قولـه تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَق}  [الانشقاق 19]. وقولهم: "إحدى بناتِ طَبَق" هي الدّاهية، وسمّيت طَبَقاً، لأنَّها تعمُّ وتشمل. ويقال لما علا الأرضَ  حتى غطَّاها: هو طَبَق الأرض([7]). ومنه قول امرئ القيس يصف الغيث:

ديمةٌ هطلاءُ فيها وَطَفٌ *** طَبَقُ الأرضِ تَحَرَّى وتَدُرّْ([8])

وقولهم: طَبَّق الحقَّ، إذا أصابه، من هذا، ومعناه وافقه حتى صار ما أراده وَفْقاً للحقّ مطابِقاً لـه. ثم يُحمَل على هذا حتى يقال طبَّقَ، إذا أصاب المَفْصِل ولم يخطئْه. ثم يقولون: طَبَّقَ عُنقَه بالسيف: أبانَها.

فأمَّا المُطابقة فمشْى المقيَّد، وذلك أن رجليه تقعانِ([9]) متقاربتين كأنَّهما متطابقتين. ومنه قول الجَعْدِيّ:

* طِباقَ الكِلاَبِ يَطَأْنَ الهَرَاساَ([10]) *

والطبَق: عظمٌ رقيق([11]) يفصل بين الفَقارتَين. ويد طَبِقة، إذا التزقَتْ بالجنْب. وطابقت بين الشيئين، إذا جعلتَهما على حَذْوٍ واحد. ولذلك سمَّينا نحن ما تضاعف من الكلام مرَّتين مُطابَقاً. وذلك مثل جَرجَر، وصَلْصَل، وصَعْصَع. والطَّبَق: الجماعة من الجراد؛ وإنما شبِّه ذلك بطبَقٍ يغطِّي الأرض. ويقالَ وَلدت الغنمُ  طبقاً وطبقةً، إذا ولد بعضُها بعد بعض. والقياس في ذلك كله واحد.

فأمَّا قولهم للعييِّ من الرِّجال: الطَّبَاقاء، وللبعير لا يُحسن الضِّرَابَ طَباقاءُ، فهو من هذا القِياس، كأنَّه سُتر عنه الشَّيءُ حتى أطبق فصار كالمغطَّى. قال جميل:

طَبَاقاءُ لم يشهد خُصوماً ولم يَقُدْ *** رِكاباً إلى أكوارها حين تُعْكَفُ([12])

(طبل) الطاء والباء واللام ثلاث كلمات ليست لها طَُِلاَوَةُ كلامِ العرب، وما أدري كيف هي؟ من ذلك الطَّبل الذي يُضْرَب. ويقولون إنَّ الطّبل: الخَلْق([13]). والثالثة الطُّوبالة، ولولا أنها جاءت في بعض الشِّعر ما كان لذكرها معنىً، وما أحسبها في غير هذا البيت:

نَعَاني حَنَانهُ، طُوبالةً *** تُسَفُّ يبيساً من العِشْرِقِ([14])

ويقال هي النَّعْجة.

(طبن) الطاء والباء والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على ثباتٍ. ويقال اطبأنَّ، إذا ثبت وسكَن، مثل اطمأنَّ، ويقولون: طَبَنت النار: دفنتُها لئلا تَطفَأ،  وذلك الموضعُ الطَّابون. ويقال طابِنْ هذه الحَفيرةَ: طاطئْها. ويقولون: إنَّ الخير في بني فلانٍ كثابت الطَّبْن، أي هو تليدٌ قديم.

ومن الباب الطَّبَن، وهو الفِطْنة؛ وذلك قياس الباب، لأنَّ في ذلك كالثَّبات في العِلمِ به.

(طبي) الطاء والباء والحرف المعتل أُصَيْلٌ يدلُّ على استدعاء شيء. من ذلك قولهم اطَّبى * بَنُو فُلانٍ فلاناً إذا خالُّوه وقَبَِلوه. وربما قالوا: طَبَاه واطَّباه، إذا دعاه، فإنْ حُمِلَ الطَّبيُ([15]) من أَطْبَاء النَّاقة، وهي أخلافها، على هذا وعلى أنَّه يُطَّبَى منه اللبن، لم يبعُد.

وذُكر أن العرب تقول: هذا خِلْفٌ طِبِيٌّ، أي مُجيب([16]).  فإن كان هذا صحيحاً فهو يدلُّ على صحَّة القياس الذي قِسْناه.

ــــــــــــــــ

([1]) ديوان العجاج 14 واللسان (طبخ). وبعده:

* بي الجحيم حيث لا مستصرخ *.

([2]) في اللسان: "وجد بخط الأزهري طُباخ بضم الطاء، ووجد بخط الإيادي طَباخ بفتح الطاء". وضبط في الأصل والمجمل بفتح الطاء.

([3]) هو الخليل كما صرح بذلك في المجمل.

([4]) التطبين، بالنون، كما في الأصل والمجمل والقاموس. لكن في اللسان:"التطبيق" بالقاف.

([5]) سبق البيتان في (ربع، شظ).

([6]) البيت للبيد في ديوانه 17،  طبع فينا 1881 وإصلاح المنطق 9 واللسان (طبع).

([7]) في الأصل: "طباق الأمر".

([8]) ديوان امرئ القيس 143، واللسان (طبق).

([9]) في الأصل: "يقسمان"، تحريف.

([10]) سيأتي في (هرس). وصدره في اللسان (طبق، هرس): * وخيل يطابقن بالدارعين *.

([11]) في المجمل: "دقيق" بالدال.

([12]) اللسان (طبق) والبيان والتبيين (1: 110)، بشرح محقق المقاييس.

([13]) شاهده ما أنشده في اللسان:

قد علموا أنا خيار الطبل  *** وأننا أهل الندى والفضل

([14]) البيت لطرفة في ديوانه 16 واللسان (طبل، حنن)، والمجمل (طبل). وذكر في (حنن)، أن "حنانة" اسم راع. وطوبالة منصوب على الذم، أي أذم طوبالة، عنى بذلك حنانة. وبعد البيت:

فنفسك فانع ولا تنعني  *** وداو الكلوم ولا تبرق

([15]) الطبي، بكسر الطاء وضمها.

([16]) في اللسان والقاموس: "مجيَّب"، بضم الميم وتشديد الياء المفتوحة، ولا وجه له، فإن المجيب  بمعنى المقور والأجوف، وقد أثبت الضبط الصحيح من نسخة المجمل، ومن تهذيب الصحاح، وهو من الإجابة  كما يدل عليه ما سبق. وفي الصحاح "مجبب".

 

ـ (باب الطاء والثاء وما يثلثهما)

(طثر) الطاء والثاء والراء أُصَيل صحيح يدلُّ على غَضارةٍ في الشَّيء وكثرةِ ندى. يقولون: فلان في طَثْرة من العَيش، أي في غَضارة. قالوا: واشتقاقه من اللبن الطاثر، وهو الخاثر. ويشبَّه بذلك فيقال للحَمْأة طَثْرة، وقياسُه ما ذكرناهُ(1). وسمِّيَ طَثْرَة من العَرب.‏

ومما شذَّ عن الباب وما ندري كيف صحَّةُ هذا، قولهم: إنَّ الطَّيْثار: البعوض. والله أعلم.‏

ـــــــــــــــــــ

(1) في الأصل: "ويأخذ ما ذكرناء"، وقد اقتبست تصحيحه من مألوف عباراته.‏

 


ـ (باب الطاء والجيم وما يثلثهما)

(طجن(1)) يقولون في الطاء والجيم والنون: إنَّ الطَّاجَن(2): الطَّابَق(3). وهو كلام، والله أعلم.‏

ــــــــــــــــــ

(1) الكلام من أول الباب إلى هنا مبيض لـه في الأصل، وأثبت ما يقتضيه الكلام وما هو ثابت في المجمل أيضاً.‏

(2) ضبطه في القاموس كصاحب، وزاد في تاج العروس: "وكهاجر". وضبط في الأصل والمجمل بفتح الجيم لا غير.‏

(3) الطاجن والطابق معربان كما في القاموس، وضبط الطابق في المجمل بفتح الباء، وفي القاموس: "كهاجر وصاحب". قلت: أما الطاجن، فهو معرب من اليونانية "تيكانون" كما في الألفاظ الفارسية 111 نقلاً عن فرنكل 67. وفي الجمهرة (3: 357): الطيجن. الطابق، لغة شامية وأحسها سريانية أو رومية. انظر المعرب 221. وأما الطابق، فهو معرب "تابه" بالفارسية كما في المصادر السابقة، ومعجم استيجناس.‏

 

ـ (باب الطاء والحاء وما يثلثهما)

(طحر) الطاء والحاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على الحَفز والرَّمْي والقذْف. يقولون: طَحَرَتِ العينُ قَذاها، إذا قذَفَتْ به. يقال طَحَرتْ عينُ الماء العِرمِضَ، إذا رمت به. وقوس مِطحَرٌ، إذا حَفَزت سَهْمَها فرمت به صُعُداً. وحربٌ مِطحرةٌ: زَبُون. والطَّحِير: النَّفَس العالي، وسمِّيَ بذلك لأنَّ صاحبه يَطحَر. قال الكميت:

بأهازيجَ من أغانيِّها الجُـ *** ـشِّ وإتباعها  الزَّفيرَ الطَّحِيرَا([1])

فأمَّا المُطْحَر من النِّصال، فهو المُطوَّل المسال([2]). قال الهُذَليّ([3]):

* من مُطْحَراتِ الإِلالِ([4]) *

(طحل) الطاء والحاء واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على لونٍ غير صافٍ ولا مُشرقٍ. من ذلك الطُّحْلة، وهو لون الغُبْرة. ويقال رمادٌ أطحل، وشرابٌ أطحل، إذا لم يكن صافياً. والطِّحال معروف، وممكنٌ أن يكون سمِّيَ بذلك لكُدْرَةِ لونه. ويقال طَحِلَ الماء: فسد وتغيَّر.

(طحم) الطاء والحاء والميم أصلٌ صحيحٌ  يدلُّ على تجمُّع وتكاثف. من ذلك الطّحمة([5]) من النَّاس، وهي الجماعة الكثيفة. وطُحْمة اللَّيل وطَحْمَتهُ، وطُحْمة السَّيل وطَحمته: مُعْظَمه. قال الخليل: طَحْمَة الفتنة: جَوْلَةُ النَّاس عندها. ويقال للرَّجُل الشَّديد العِراك: طُحَمَة. والباب كلُّه واحد.

(طحن) الطاء والحاء والنون أصلٌ صحيحٌ، وهو فتُّ الشيء ورَفْتُهُ([6]) بما يدور عليه من فوقِهِ. يقال طَحَنَتِ الرَّحَى طَحْناً. والطّحْن: الدَّقيق. ويقولون: "أسمعُ جَعْجَعَةً ولا أرى طِحْناً". والجعجعة: صوت الرَّحَى. ومن الباب: كتيبةٌ طَحُونٌ: تطحَنُ ما لَقِيَت. ويقال للأضراسِ الطَّواحِن.

ومن الباب الطُّحَن([7]): دويْبَّة تغيِّب نفسَها في ترابٍ قد سوَّتْهُ وأدارته.وَطَحَنتِ الأفعى، إذا تلوَّت([8]) مستديرة.

(طحو) الطاء والحاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على البسط والمدِّ. من ذلك الطَّحْو وهو كالدَّحْو، وهو البَسْط. قال الله تعالى: {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا([9])}، أي بَسَطها، وقال تعالى في موضع آخر: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحَاهَا([10])}، ويقال طحا بك هَمُّكَ يطحو، إذا ذَهَبَ بك في الأمر ومدَّ بك فيه. قال علقمة:

طحا بك قلبٌ في الحِسانِ طَروبُ *** بُعَيدَ الشَّبابِ عَصْرَ حان مشيبُ([11])

والمُدوِّمة الطَّواحِي: النُّسور تستدير حول القَتْلَى. وقال الشَّيْبَاني: طَحَيْت: اضطجَعْت. والطَّاحِي: الجمع الكثير، وسمِّيَ بذلك لأنَّهُ يجرُّ على الشيء، كما يسمَّى جرَّاراً. قال:

* من الأَنَسِ الطاحِيْ عليكَ العَرمْرَمِ([12]) *

والله أعلم.

ـــــــــــــــــ

([1]) في الهاشميات ص 93 أبيات من هذا الوزن والروي.

([2]) كذا وردت الكلمة في الأصل، وليست في المجمل.

([3]) هو أمية بن أبي عائذ الهذلي؛ وقصيدته في شرح السكري للهذليين 180 ونسخة الشنقيطي  79.

([4]) البيت بتمامه فيها:

فلما رآهن بالجلهتين  *** يكبون في مطحرات الإلال.

([5]) الطحمة مثلثة الطاء، ولكن يفهم من صنيعه بعد أنه يعرف فيها لغتين فقط: الضم والفتح، وهما ما نص عليه صاحب اللسان. أما صاحب القاموس فيروي اللغات الثلاث.

([6]) الرفت: الدق والكسر. وفي الأصل: "ورقته"، تحريف.

([7]) ويقال أيضاً: "الطحنة".

([8])في الأصل: "تولت".

([9]) الآية 6 من سورة الشمس.

([10]) الآية 30 من سورة النازعات.

([11]) ديوان علقمة  131 والمفضليات (2: 191).

([12]) لصخر الغي الهذلي من قصيدة في شرح السكري للهذليين 21 ونسخة الشنقيطي 91. وصدره:  *وخفض عليك القول واعلم بأنني *.

 

ـ (باب الطاء والخاء وما يثلثهما)

(طخف) الطاء والخاء والفاء أُصَيْلٌ يدلُّ على الشَّيء الرَّقيق. من ذلك الطَّخَاف، وهو الغَيم الرَّقيق. والطَّخْف كالهَمِّ يغشَى القلب.‏

(طخر) الطاء والخاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على خفّةٍ في شيء. من ذلك * الطَّخَارير: المتفرِّقون، يشبَّه بذلك الرَّجُل الخفيف الخَطَّاف.‏

(طخي) الطاء والخاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على ظُلْمة وغِشاء، من ذلك الطَّخْوة والطَّخْية: السَّحابة الرَّقيقة. والطَّخْياء: اللَّيْلة المُظْلمة. ويقال ظلام طاخٍ. ومن الباب: وَجَدَ على قلبه طَخَاء، وهو شبه الكَرْب. ويقال: كَلَّمَني كلمةً طَخْياء، أي أعجَميّة.‏

(طخم) الطاء والخاء والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على سوادٍ في شيء. من ذلك الطُّخْمَة: سوادٌ في مقدَّمِ الأنفِ. يقال كبشٌ أطْخَمُ، وأسدٌ أطخَم. والله أعلم بالصواب.‏

 

ـ (باب الطاء والراء وما يثلثهما)

(طرز) الطاء والراء والزاء كلمةٌ يظنُّ أنَّها فارسيّةٌ معرّبةٌ، وهي في شعر حَسَّان:

بَيضُ الوُجوهِ كريمةٌ أحسابُهُمْ *** شمُّ الأنوفِ من الطِّرَازِ الأوّلِ([1])

ويقولون: طِرْزُه، أي هيئَتُه.

(طرس) الطاء والراء والسين فيه كلامٌ لعلّه أن يكون صحيحاً. يقولون الطِّرْس: الكتاب الممحُوّ. ويقال: كلُّ صحيفةٍ طِرس. ويقولون:  التَّطرُّس: أن لا يَطعَمُ الإنسانُ ولا يشربَ إلاَّ طيّباً.

(طرش) الطاء والراء والشين كلمةٌ معروفةٌ، وهي الطَّرَش، معروف([2]). وقال أبو عمرو: تطرَّش([3]) النَّاقِهُ من المرض، إذا قام وقعَد.

(طرط) الطاء والراء والطاء كلمةٌ. يقولون الأطرط: الدَّقيق الحاجبين؛ وقد طرِطَ.

(طرف) الطاء والراء والفاء أصلان([4]): فالأوَّل يدلُّ على حدِّ الشيء وحَرفهِ، والثاني يدلُّ على حركةٍ في بعض الأعضاء.

فالأوَّل طَرَفُ الشيء والثوب والحائط. ويقال ناقةٌ طَرِفَة: ترعى أطرافَ المرعَى ولا تختلطُ بالنُّوق.

وقولهم: عينٌ مطروفة، من هذا؛ وذلك أن يصيبَها طَرَف شيءٍ ثوبٍ أو غيره فتَغْرَوْرِقَ دمعاً. ويُستعار ذلك حتى يقال: طَرَفَها الحُزْن.

فأمَّا قولُهم: هو كريم الطَّرَفين، فقال قومٌ: يُراد به([5]) نَسَب الأب والأمّ.  ولا يُدْرَى أيُّ الطَّرَفين أطول، هو من هذا. وجمع الطَّرَف أطراف. قال:

وكيف بأطرافي إذا ما شَتَمْتَنِي *** وما بعدَ شَتْمِ الوالدينِ صُلُوح([6])

ويقال إنَّ الطِّرَاف: ما يُؤخَذ من أطراف الزَّرع([7]).

ومن الباب: الطَّوَارِف من الخِباء، وهي ما رفعتَ من جوانبه لتنظُر، فأمَّا قولهم: جاء فلانٌ بطارفةِ عينٍ فهو من الذي ذكرناه في قولهم: طُرِفت العين، إذا أصابَها طَرَف شيءٍ فاغرورَقَتْ. وإذا كان كذا لم تكد تُبْصِر. فكذلك قولهم: بِطارِفةِ عينٍ، أي بشيءٍ  تَتَحيَّر له العينُ من كَثْرتهِ.

ومن الباب قولُهم للشيء المستحدَث: طريف؛ وهو خلافُ التَّليد، ومعناه أنَّهُ شيءٌ أُفِيدَ الآنَ في طَرَف زمانٍ قد مضى. يقولون منه اطَّرَفْتُ الشيءَ، إذا استحدثتَه، أطَّرِفه، اطِّرَافاً.

ومن الباب: الرَّجُل الطَّرِف: الذي لا يثبُت على امرأةٍ ولا صاحب. وذلك القياسُ؛ لأنَّه يطلُب الأطراف فالأطراف. والمرأة المطروفة، يقولون إنَّها التي لا تثبُت على رجلٍ واحدٍ، بل تَطّرِف الرِّجال. وهو قولُ الحُطيئة:

* بَغَى الودَّ من مطروفة الوُدِّ طامِحِ([8]) *

ومن الباب الطِّرف: الفرس الكريم، كأنَّ صاحبَه قد اطّرَفه. وللمطَّّرَف فضلٌ على التَّليد.

وأمَّا الأصل الآخر فالطَّرْف، وهو تَحريك الجفون في النَّظَر. هذا هو الأصل ثم يسمُّون العينَ الطَّرْف مجازاً. ولذلك يسمَّى نجمٌ من النُّجُوم الطَّرْفة([9])، كأنَّه فيما أحسب طرْفُ الأسَد. قال جرير:

إنَّ العيونَ التي في طَرْفِهَا مرضٌ *** قَتَلْنَنَا ثم لم يُحْيِينَ قتلانا([10])

فأما الطِّرَاف فإنه بيتٌ من أَدَم، وهو شاذٌّ عن الأصلين اللذين ذكرناهما.

(طرق) الطاء والراء والقاف أربعة أصول: أحدها الإتيان مَسَاءً([11])، والثاني الضَّرْب، والثالث جنسٌ من استرخاء الشيء، والرابع خَصْف شيء على شيء.

فالأوَّلُ الطُّرُوق. ويقال إنَّه إتيان المنزلِ ليلاً. قالوا: ورجلٌ طُرَقَةٌ، إذا كان يَسْرِي حتى يطرُقَ أهلَهُ ليلاً. * وذُكِرَ أنَّ ذلك يقال بالنَّهار أيضاً، والأصل اللَّيل. والدَّليل على أنَّ الأصلَ اللَّيل تسميتُهم النَّجم طارقاً؛ لأنَّه يَطلُعُ ليلاً. قالوا: وكلُّ  من أتى ليلاً فقد طَرَق. قالت:

* نحنُ بناتُ طارق([12]) *

وهو قول امرأةٍ. تريد: إنَّ أبانا نجمٌ في شرفه وعلوّه([13]).

ومن الباب، والله أعلم: الطَّريق، لأنه يُتَوَرَّدُ. ويجوزُ أن يكون من أصلٍ آخَر، وهو الذي ذكرناه من خَصْف الشيء فوق الشيء.

ومن الباب الأوَّل قولهم: أتيتُه طَرْقَتين، أي مَرَّتين([14]). ومنه طارِقةُ الرَّجُل، وهو فَخِذه التي هو منها؛ وسمِّيت طارقة لأنها تطرُقه ويطرُقها. قال:

شكوت  ذَهابَ طارقتي إليه *** وطارِقَتِي بأكناف الدُّرُوبِ([15])

والأصل الثَّاني: الضَّرْب، يقال طَرَقَ يَطْرُقُ طَرْقاً. والشيء مِطْرَق ومِطْرَقة. ومنه الطَّرْق، وهو الضَّرْب بالحصى تكهُّناً، وهو الذي جاء في الحديث النَّهْيُ عنه، وقيل: "الطَّرْق والعيافة والزَّجر من الجِبت([16])". وامرأةٌ طارقةٌ: تفعل ذلك؛ والجمع الطَّوارق. قال:

لعمرك ما تَدْرِي الطَّوَارِقُ بالحصى *** ولا زاجراتُ الطيرِ ما الله صانعُ([17])

والطرْق: ضرب الصُّوف بالقضيب، وذلك القضيبُ مِطرَقةٌ. وقد يفعلُ الكاهن ذلك فيطرُق، أي يخلط القُطْنَ بالصُّوفِ إذا تكهَّنَ. ويجعلون هذا مثلاً فيقولون: "طَرَقَ وماشَ". قال:

عاذلَ قد أولِعتِ بالتّرْقيشِ *** إليَّ سِرّاً فاطرُقي ومِيشِي([18])

ويقال: طرَقَ الفحلُ الناقةَ طَرقاً، إذا ضربها. وطَروقةَ الفَحل: أنثاه. واستطرقَ فلانٌ فلاناً فَحَلَه، إذا طَلَبَه منه ليضربَ في إبله، فأطْرَقَه إِيّاه، ويقال: هذا النَّبْل طَرْقَةُ رجلٍ واحد، أي صِيغة رجلٍ واحد([19]).

والأصل الثالث: استرِخاء الشيء. من ذلك الطَّرَق، وهو لِينٌ في ريش الطائر. قال الشاعر:

..................... *** ..................([20])

ومنه أطْرَق فلانٌ في نَظَره. والمُطْرِق: المسترخِي العَين. قال:

وما كنتُ أخشَى أن تكون وفاتُه *** بكفَّيْ سَبَنْتَى أزرقِ العَينِ مُطْرِقِ([21])

وقال في الإطراق:

فأطرَقَ إطراقَ الشُّجاعِ ولو يَرَى  *** مَساغاً لِناباه الشجَاعُ لصَمَّما([22])

ومن الباب الطِّرِّيقة، وهو اللِّين والانقياد. يقولون في المثل: "إنّ تحت طِرِّيقَته لَعِنْدَأْوَةً". أي إنّ في لِينه بعضَ العُسر أحياناً. فأمَّا الطَّرَق فقال قوم: هذا اعوجاجٌ في الساق من غير فَحَج. وقال قوم: الطّرَق: ضَعف في الرُّكبتين. وهذا القول أَقْيَسُ وأشبه لسائر ما ذكرناهُ من اللِّينِ والاسترخاء.

والأصل الرابع: خَصْفُ شيء على شيء. يقال: نعلٌ مُطارَقة، أي مخصوفة. وخُفّ مُطارَق، إذا كان قد ظُوهِر لـه نعلان. وكلُّ خَصْفةٍ طِراق. وتُرسٌ مُطرَّق، إذا طورِق بجلدٍ على قَدْره. ومن هذا الباب الطِّرْق، وهو الشحم والقُوّة، وسمِّي بذلك لأنّه شيءٌ كأنّه خُصِف به. يقولون: ما به طِرْق، أي ما به قُوّة. قال أبو محمد عبد الله بن مسلم: أصل الطِّرْق الشّحم؛ لأنّ القوّة أكثر ما تكون [عنه([23])]. ومن هذا الباب الطَّرَق: مَناقع المياه؛ وإِنَّما سمِّيت  بذلك تشبيهاً بالشيء يتراكبُ بعضهُ على بعض. كذلك الماء إذا دام تراكب. قال رؤبة:

* للعِدِّ إذْ أخْلفَه ماءُ الطَّرَقْ([24]) *

ومن الباب، وقد ذكرناه أوَّلاً وليس ببعيد أن يكون من هذا القياس: الطَّريق؛ وذلك أنَّه شيءٌ يعلو الأرضَ، فكأنَّها قد طُورِقَتْ به وخُصِفت به. ويقولون: تطارَقَت الإِبلُ، إذا جاءت يتبع بعضُها بعضاً. وكذلك الطَّرِيق، وهو النَّخْل الذي على صفٍّ واحد، وهذا تشبيهٌ، كأنَّه شُبِّه بالطَّرِيق في تتابُعه وعلوّه الأرض. قال الأعشى:

ومِنْ كلِّ أحوَى كجِذْعِ الطَّريقِ *** يزينُ الفِناءَ إذا ما صَفَنْ([25])

ومنه [ريشٌ([26])] طِراق، إذا كان تطارق بعضه فوقَ بعض، وخرج القومُ مَطارِيقَ، إذا جاؤوا مُشاةً لا دوابَّ لهم، فكأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يَخْصِف بأثر قدَميه أثَر الذي تقدَّم. ويقال: جاءت الإِبلُ على طَرْقَة واحدة، وعلى خُفٍّ واحد؛ وهو الذي ذكرناه من أنَّها *تَخصف بآثارها آثارَ غيرها. واختضَبت المرأةُ طَرْقَتينِ، إذا أعادت الخِضاب، كأنَّها تَخصِف بالثَّاني الأوَّل. ثم يشتقُّ من الطَّريق فيقولون: طَرَّقت المرأةُ عند الوِلادة، كأنَّها جَعلتْ للمولودِ طريقاً. ويقال ـ وهو ذلك الأوَّل ـ لا يقال طَرَّقت إلاَّ إذا خرج من الولد نصفُه ثمَّ احتبَس بعضَ الاحتباسِ ثمَّ خرج. تقول([27]): طرّقت ثم خلَصت.

وممّا يُشْبِه هذا قولُهم طَرَّقت القطاة، إذا عَسُر عليها بيضُها ففحصت الأرضَ بجُؤجُئِها.

(طرم) الطاء والراء والميم أُصَيْلٌ صحيح يدلُّ على تراكُمِ شيءٍ. يقولون: الطُّرَامة([28]): الخُضْرَة على الأسنان. ويقولون: الطِّرْم([29]): العَسَل. والطِّرْيَم: السَّحاب الغليظ.

(طري) الطاء والراء والحرف المعتلُّ أُصيلٌ صحيحٌ يدلُّ على غضاضةٍ وجِدّة. فالطَّرِيّ: الشيء الغَضّ؛ ومصدره الطَّرَاوة والطَّراءة، ومنه أَطْرَيْتُ فلاناً، وذلك إذا مدحتَهُ بأحسنِ ما فيهِ.

فإذا هُمِزَ قيل طرَأَ فلانٌ، إذا طلع. وأحسَِب هذا من باب الإبدال، وإنّما الأصل دَرَأ وقد ذُكِر.

(طرب) الطاء والراء والباء أُصَيْلٌ صحيحٌ. يقولون: إنَّ الطّرَب خِفّة تُصيب الرَّجُلَ من شدةِ سرور أو غيره. ويُنشدون:

وقالوا قد طرِبْتَ فقلتُ كلاَّ *** وهل يبكي من الطَّرَبِ الجليدُ

وقال نابغة بني جعدة:

وأُراني طَرِبَاً في إِثْرِهمْ *** طرَبَ الوالهِ أو كالمُخْتَبَلْ([30])

قالوا: وطرَّب في صوته، إذا مدَّه. وهو من الأوَّل. والكريم طَروبٌ. ومما شذَّ عن هذا الباب المَطَارِب؛ وهي طرقٌ ضيِّقة متفرِّقةٌ. وأراها([31]) من باب الإبدال، كأنها مدارب، مشتقة من الدَّرْب.

وأمَّا قولهم في الطُّرْطُبّ، إنَّه الثَّدي المسترخِي، وكذلك الطَّرْطَبَة: صوت الحالب بالمِعزى، فكلُّه وما أشبهه كلام.

(طرث) الطاء والراء والثاء كلمةٌ صحيحةٌ، وهي الطَُّـَرثُوث([32])، وهي نبْت.

(طرح) الطاء والراء والحاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على نَبْذ الشَّيءِ وإِلقائِهِ. يقال طَرَحَ الشَّيْءَ يطرحُه طرحا. ومن ذلك الطَّرَح، وهو المكان البعيد([33]). وطَرَحتِ النَّوَى بفلانٍ كلَّ مَطرَحٍ، إذا نأتْ به ورمت به. قال:

أَلِمَّا بميٍّ قبل أن تطرَحَ النَّوى  *** بنا مَطْرَحاً أو قبل بينٍ يُزِيلُها

ويقال فحل مِطْرَحٌ؛ بعيدُ موقع الماءِ في الرَّحِم. ومن الباب: نخلةٌ طروحٌ: طويلة العَراجين. وسَنامٌ إطريحٌ: طويلٌ. وقوسٌ طَروح: شديدة الحفْزِ للسَّهم. والقياس في كلِّه واحد.

(طرد) الطاء والراء والدال أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على إبعاد. يقال طردْتهُ طرداً. وأَطْرَدَه السُّلطانُ وطَرَّدَه، إذا أخرجه عن بلده. والطَّرْد: معالجة أخْذ الصّيد. والطرِيدة: الصَّيْد. ومُطارَدَة الأقرانِ: حملُ بعضِهم على بعض؛ وقيل ذلك لأنَّ هذا يَطْرُد ذاك. والمِطْرَد: رمح صغير. ويقال لمحَجّة الطَّريق مَطْرَدَة([34]). ويقال: اطَّرد الشَّيء اطراداً، إذا تابَعَ بعضُه بعضاً، وإِنما قيل ذلك تشبيهاً، كأنَّ الأوَّل يطرُدُ الثَّاني. ومنه قولُه:

أتعرِف رسماً كاطِّراد المذاهبِ  *** لعمرةَ وحشَّا غيرَ موقفِ راكبِ([35])

ومُطَّرَدُ النَّسيم: الأنْف. أنشدَنا علي بن إبراهيم القَطَّان، عن ثعلبٍ عن ابن الأعرابيّ:

وكأنَّ مُطّرَدَ النَّسيم إذا جَرَى  *** بعد [الكلالِ خليَّتَا زُنبورِ([36])

واطرَدَ] الأمر: استقام. وكلُّ شيءٍ امتدَّ فهذا قياسُهُ. يقال طرِّدْ سَوْطَكَ: مدِّدْه. والطَّرِيد: الذي يُولَد بعد أخيه، فالثَّاني طريدُ الأوَّل. وهذا تشبيه، كأنَّه طرَدَه وتَبِعه([37])، وطريدٌ بمعنى طارِد.

ـــــــــــــــــ

([1]) ديوان حسان  310 واللسان  (طرز).

([2]) الطرش: الصمم، وقيل أهونه . وقيل هو مولد. يقال في الوصف منه أطرش وأطروش، بضم الهمزة والراء فيهما، كما في اللسان.

([3]) هذه الكلمة في القاموس، ولم ترد في اللسان.

([4]) في الأصل: "أصول". وليس كذلك.

([5]) في الأصل:"فقال قومٌ أراد قوم أراد به".

([6]) البيت لعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، كما في اللسان (طرف). وأنشده في (صلح). بدون نسبة، وكذا في إصلاح المنطق 124. وقد سبق في (صلح)

([7]) هذا المعنى لم يذكر في اللسان، وذكر في القاموس. وفي المجمل: "مأخوذ" بدل "يؤخذ".

([8]) وكذا إنشاده في المجمل والصحاح. وفي الديوان 63 واللسان (طمح، طرف): "مطروفة العين". وصدره:

* وما كنت مثل الكاهلي وعرسه *.

([9])وكذا في المجمل والقاموس. وفي اللسان (طرف)، والأزمنة والأمكنة: (1: 191، 318): "الطرف" بدون هاء. قال المرزوقي: "وأما الطرف فكوكبان يبتدان الجبهة بين يديها، يقولون: هما عين الأسد".

([10]) ديوان جرير 595، والعمدة (1: 135). ويروى: "في طرفها حورٌ"، كما في زهر الآداب (4: 215). والأغاني (7: 37). والبيت من المائة المختارة في الأغاني (7: 35).

([11]) في الأصل: "مكاناً".

([12]) الرجز لهند بنت بياضة بن رباح بن طارق الإيادي كما في اللسان (طرق). وبعده:

لا ننثني لوامق *** نمشي على النمارق

المسك  في المفارق *** والدر في المخانق

إن تقبلوا نعانق *** أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق

 

([13]) وقد يكون أيضاً أنها تعتز بأبيها طارق الإيادي.

([14]) في القاموس: "وأتيته طرقين وطرقتين، ويضمان".

([15]) لابن أحمر، كما في اللسان (طرق) وكذا جاءت رواية البيت في المجمل، وفي اللسان: "إليها" موضع "إليه".

([16]) في اللسان: "روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: الطرق والعيافة من الجبت".

([17]) البيت للبيد في ملحقات ديوانه 55 طبع 1881 واللسان  (طرق) وبعده في الديوان:

سلوهن إن كذبتموني متى الفتى  *** يذوقُ المنايا أو متى الغيث واقعُ

([18]) لرؤبة بن العجاج، في ديوانه 77 واللسان (رقش، طرق، ميش). وسبق في (رقش).

([19]) يقال سهام صيغة، أي صنعة رجل واحد. في المجمل: "صنعة رجل واحد"، وفي القاموس: "وهذا طرقة رجل، أي صنعته".

([20]) بياض في الأصل: وشاهده في اللسان:

سكاء مخطومة وريشها طرق *** سود قوادمها صهب خوافيها

وانظر الحيوان (5: 579) والأغاني (7: 151).

([21]) لمزرد بن ضرار أخي الشماخ، يرثي عمر بن الخطاب، كما في اللسان (طرق، سبت). وجعله أبو تمام في الحماسة (1: 454) في مقطوعة للشماخ، وليست في ديوانه. على أنَّه روي من شعر منسوب للجن. زهر الآداب (4: 107). وقال أبو محمد الأعرابي إنه لجزء أخي الشماخ، وهو الصحيح. حواشي اللسان (سبت). وقد سبق البيت في ص 162، من هذا الجزء.

([22]) البيت للمتلمس في ديوانه 2 مخطوطة الشنقيطي والحيوان (4: 263)، وحماسة البحتري  15 ولباب الآداب 393 وأمثال الميداني (1: 395). وبالبيت يستشهد النحويون على إلزام المثنى الألف في أحوال الإعراب الثلاث عند بعض القبائل. انظر الخزانة (3: 337). وقد أخذه عمرو بن شأس فقال: (انظر معجم المرزباني 213):

فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى  *** مساغاً لنابيه الشجاع لقد أزم

([23]) التكملة من اللسان (طرق 92).

([24]) وكذا إنشاده في المجمل واللسان. والوجه: "إذ أخلفها"، كما في الديوان، 104. وقبله:

* قواربا من واحف بعد العبق *.

([25])ديوان الأعشى 17 ورواية البيت وسابقه في الديوان:

هو الواهب المائة المصطفا *** ة كالنخل زينها بالرجن

وكل كميت كجذع الخضاب *** يزين الغناء إذا ما صَقن

([26]) التكملة من اللسان (طرق 88).

([27]) في الأصل: "يقول".

([28]) في الأصل: "الطّرامية"، صوابه في المجمل واللسان.

([29]) يقال بكسر الطاء وفتحها، ويقال طويم أيضاً كدرهم. وفي الأصل: "الطّرام"، صوابه في المجمل واللسان.

([30]) أنشده في اللسان (خبل) بدون نسبة. وقبله في (طرب):

سألتني أمتي عن جارتي *** وإذا ما عيّ ذو اللب سأل

سألتني عن أناس هلكوا *** شرب الدهر عليهم وأكل

([31]) في الأصل: "وأرى".

([32]) شاهده ما أنشده في إصلاح المنطق 45 واللسان (طرث):

أرض عن الخير والسلطان نائية *** والأطيبان بها الطرثوث والصرب

([33]) شاهده قول الأعشى في ديوانه 161 واللسان (طرح):

يبتني المجد ويحتاز النهى  *** وترى ناره من ناء طرح

وفي اللسان:

تبتني الحمد وتسمو للعلا *** ونرى نارك من ناء طرح

([34]) ذكرت في القاموس، بفتح الميم وكسرها، ولم تذكر في اللسان. وقد ضبطت في المجمل بفتح الميم كما أثبت.

([35]) لقيس بن الخطيم في ديوانه 10 واللسان (طرب) . وقصيدة البيت في جمهرة أشعار العرب 123 ـ 125 في القصائد المذهبات.

([36]) التكملة إلى هنا من المجمل واللسان (طرد). وبقية التكملة من اللسان (طرد 257). وقد ضبط  "مطرد" في اللسان بكسر الراء، وهو خطأ، وإنما هو مكان اطراد النسيم، وهو الأنف. والضمير في "جرى" للفرس.

([37]) في الأصل: "كأنه طرده ربيعه".

 

 


ـ (باب الطاء والزاء وما يثلثهما)

هذا بابٌ يضيقُ الكلام فيه، على أنهم يقولون الطَّزِع؛ الرَّجُل لا غَيْرة له. والله أعلم.‏

 

ـ (باب الطاء والسين وما يثلثهما)

(طست) الطاء والسين والتاء ليس بشيء، إلاَّ الطَّسْت، وهي معروفة.‏

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله طاء)

(طسأ) الطاء والسين والهمزة كلمةٌ واحدةٌ. يقولون: طَسِئَتْ نفسي فهي طَسِئة.‏

(طسل) الطاء *والسين واللام فيه كلمات، ولعلَّها أن تكون صحيحة غير أنَّها لا قِياس لها. يقولون: الطَّسْل: اضطراب السَّراب. والطَّيْسَل: الكثير، يقال ماءٌ طَيْسَل. ويقولون: الطَّيْسَل: الغُبار.‏

(طسم) الطاء والسين والميم كلمةٌ واحدةٌ. يقال: طَسَمَ، مثل طَمَسَ. وطََسْم: قبيلةٌ من عاد.‏

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله طاء)‏

من ذلك (الطَّلَنْفح)، وهو السَّمِين. وهذا إنِّما هو تهويلٌ وتقبيحٌ، والزائد فيه اللام والنون، وهو من طفح، إذا امتلأَ. ومنه السَّكران الطَّافح، وقد مرَّ.‏

ومن ذلك (الطُّحْلب)(1)، معروف. والباء فيه زائدة، وإنّما هو من طَحَل، وهو من اللَّون. وقد ذكرناه.‏

ومن ذلك (طَحْمَر)، إذا وَثَب، والحاء زائدة، وإِنَّما هو طمر.‏

ومن ذلك (طَرْمَحَ) البناء: أطاله. ومنه اسم الطِّرِمّاح. والأصل فيه الطَّرَح، وهو البعيدُ والطَّوِيل، وقد فسرناه.‏

ومن ذلك (طَرْفََشَتْ) عينُه: أظلَمَتْ. والشّين زائدة، وأصله من طُرِفَت: أصابها طَرَفُ شيءٍ فاغرورقَتْ، وعند ذلك تُظْلِمُ، وقد مرَّ.‏

ومن ذلك (الطلخف(2)): الشديد. واللام زائدة، وهو الطَّخَف، وهو الشِّدَّة(3).‏

ومن ذلك (الطُّلْخُوم)، وهو الماء الآجِن(4). والميم زائدة، وإنما هو من الطّلْخ، وقد ذكرناه.‏

ومن ذلك الشَّباب (المُطْرَهِمّ(5)). وهذا مما زيدت فيه الراء، وأصله مُطَهَّمٌ، وقد مضى.‏

ومن ذلك قولهم: ما في السماء (طَحْرَبة(6))، أي سحابة، والباء زائدة، كأنَّه شيءٌ يَطْحَر المطرَ طَحْراً ، أي يدفعُه ويرمِي به.‏

ومن ذلك الرَّغِيف (الطَّملَّس): الجافّ، وهي منحوتةٌ من كلمتين: طَلَسَ وطَمَسَ، وكلاهما يدلُّ على ملاسةٍ في الشيء.‏

ومما وُضِعَ ولا يكاد يكون له قياس: (الطَّفَنَّش): الواسع صُدورِ القَدَمين.‏

و(طَرسَم) الرَّجُّل: أطرق.‏

و(الطِّرْفِسَانُ): الرَّملة العظيمة.‏

(والطّثْرَج) فيما يقال: النَّمْل(7). قال:‏

* أَثْرٌ كآثارِ فِراخ الطَّثْرَجِ(8) *‏

و(طَلْسَم) الرَّجُلُ: كرَّه وجهَه.‏

ويقولون: (الطِّلْخام): الفِيل(9).‏

و(اطْرَخَمَّ): تَعَظَّمَ.‏

ويقولون: (الطُّمْرُوس): الكذَّاب. و(الطُّرْمُوس) خُبز المَلَّة؛ و(الطِّرْمِساء): الظلمة. ويجوز أن تكون هذه الكلمة مما زيدت فيه الرَّاء، كأنَّها من طَمَس.‏

ويقولون: (طَرْبَلَ) الرَّجُل، إذا مدَّ ذُيولَه.‏

وكلُّ الذي ذكرناه مما لا قياس له، وكأنَّ النّفس شاكّة في صحّته(10)، وإن كنّا سمعناه. والله أعلم بالصواب.‏

(تم كتاب الطاء)‏

ــــــــــــــــــ

(1) بضم الطاء مع ضم اللام وفتحها، ويقال أيضاً، كزبرج، وهو الخضرة تعلو الماء المزمن.‏

(2) يقال بكسر الطاء مع فتح اللام خفيفة أو مشددة، ويقال بفتح الطاء واللام أيضاً.‏

(3) لم يذكر ابن فارس ولا غيره من أصحاب المعجمات هذا المعنى في مادة (طخف).‏

(4) والطلخوم أيضاً، العظيم الخلق.‏

(5) قال ابن أحمر:‏

أرجى شباباً مطرهما وصحة *** وكيف رجاء المرء ما ليس لاقيا‏

(6) يقال بفتح الطاء والراء، وكسرهما وضمهما.‏

(7) في الأصل: "فيما يقال له الرمل"، صوابه من المجمل واللسان.‏

(8) لمنظور بن مرثد الأسدي، وكلمة "فراخ"، من المجمل واللسان. وقبله في اللسان:‏  *والبيض في متونها كالمدرج*.‏

(9) قيده في اللسان بأنه الفيل الأنثى، وكذا في القاموس.‏

(10) في الأصل: "وكأن النفس شاكلة في صحته".‏

 

كتاب الظاء:

ـ (باب الظاء وما معها في المضاعف والمطابق([1]))

(ظل) الظاء واللام أصلٌ واحد، يدلُّ على ستر شيءٍ لشيءٍ، وهو الذي يُسمَّى الظّلّ. و[كلمات] البابِ عائدةٌ إليهِ. فالظِّل: ظِلّ الإنسان وغيرِه، ويكونُ بالغداةِ والعَشيّ، والفيءُ لا يكون إلا بالعشيّ.  وتقول: أَظلَّتْني الشَّجرة. وظِلٌّ ظليل: [دائمٌ([2])]. واللَّيل ظِلٌّ([3]). قال:

قد أَعْسِفُ النّازحَ المجهولَ مَعْسِفُه *** في ظل أخضَرَ يدعو هامَهُ البومُ([4])

يريدُ في سترِ ليلٍ أخضر. وأظَلَّكَ فلانٌ، كأنَّه وقاكَ بِظلِّه، وهو عزُّه ومَنَعَتُهُ. والمِظَلَّةُ معروفة. وأَظَلَّ يومُنا: دامَ ظِلُّه، ويقال إنَّ الظُّلَّة: أوّلَ سحابةٍ تُظِلّ.  والظُّلَّة: كهيئةِ الصُّفَّةِ. قال الله تعالى: {وإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}  [الأعراف 170].

ومن الباب قولهم: ظلَّ يفعل كذا، وذلك إذا فعله نهاراً. وإنما  قلنا إنّه من الباب لأنَّ ذلك شيءٌ يخصّ به النهار، وذلك أن الشيء يكون له ظلٌّ نهاراً، ولا يقال ظلَّ يفعلُ كذا ليلاً؛ لأنّ الليلَ نفسه ظِلّ.

ومن الباب،  وقِياسُهُ صحيح: الأَظَلّ، وهو باطنُ خُفِّ البعيرِ. ويجوز أن يكون كذا لأنَّه يستُر ما تحتَه، أو لأنَّه مُغَطَّى بما فوقه. قال:

* في نَكِيبٍ مَعِرٍ دامِي الأَظَلّ([5]) * .

فأمَّا قول الآخر([6]):

* تشكو الوَجَى من أَظْلَلٍ* وَأَظلَلِ *

فهو الأظلّ، لكنه أظهر التَّضْعِيفَ ضرورة.

(ظن) الظاء والنون أُصَيْل صحيحٌ يدلُّ على معنينِ مختلفين: يقين وشكّ.

فأمَّا اليقين فقولُ القائل: ظننت ظناً، أي أيقنتُ. قال الله تعالى: {قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهُمْ مُلاَقُو اللهِ}  [البقرة 249] أرادَ، والله أعلم، يوقِنون. والعربُ تقول([7]) ذلك وتعرفه. قال شاعرهم([8]):

فقلت لهم ظُنُّوا بأَلَْفَيْ مُدَجَّجٍ  *** سراتُهم في الفارسيِّ المُسَرَّدِ([9])

أراد: أيقِنُوا. وهو في القرآن كثير.

ومن هذا الباب مَظِنَّة الشيء، وهو مَعْلَمه ومكانُه. ويقولون: هو مَظِنَّةٌ لكذا. قال النَّابغة:

* فإنَّ مَظِنَّة الجهلِ الشَّبابُ([10]) *

والأصل الآخر: الشَّك، يقال ظننتُ الشيءَ، إذا لم تتيقّنْه، ومن ذلك الظِّنَّة: التُّهْمَةَ. والظَّنِين: المُتّهم. ويقال اظَّنَّنِي([11]) فلانٌ. قال الشاعر:

ولا كُلُّ من يَظَّنُّنِي أنا مُعْتِبٌ *** ولا كُلُّ ما يُرْوَى عليَّ أَقُول([12])

وربَّما جُعلت طاء، لأنَّ الظَّاء أُدغمت  في تاء الافتعال. والظَّنُون: السَّيِّئُ الظنّ. والتَّظَنِّي: إِعمال الظَّنّ. وأصل التظَنِّي التظنُّن. ويقولون: سُؤت به ظنَّاً وأسأْت به الظّنّ، يدخلون الألف إذا جاؤوا بالألف واللام. والظَّنُون: البِئر لا يُدرَى أَفيها ماءٌ أمْ لا. قال:

ما جُعِلَ الجُدُّ الظُّنُونُ الذي  *** جُنِّبَ صَوبَ اللّجِبِ الماطرِ ([13])

والدَّيْن الظَّنُون: الذي لا يُدرى أيقضى أم لا. والباب كلُّه واحد.

([ظب)  الظاء والباء] ما يصحُّ منه إلاَّ كلمةٌ واحدةٌ، يقال ما به ظَبْظَابٌ، أي مابه قَلَبَة، قال ابن السكِّيت: ما به ظبظابٌ([14])، أي ما به عيبٌ ولا وَجع. قال الراجز:

* بُنَيَّتي ليس بها ظبظابُ([15]) *

ويقولون: الظَّباظِب: صليل أجواف الإِبل([16]) من العطش؛ وليس بشيءٍ؛ وقيل: هو تصحيف، وهو بالطّاء. فأمَّا الذي في الكتاب الذي للخليل: أنَّ الظَّابَّ السِّلْف([17]) فأراه غلط على الخليل. لأنَّ الذي سمعناه الظَّأْب، بالتخفيف، وقد ذُكر في بابه.

(ظر) الظاء والراء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على حَجَرٍ محدَّد الطَّرَف. يقولون: إنَّ الظُّرَر: حجرٌ محدَّد صُلب، والجمع ظِرَّانٌ([18]). قال:

بِجَسْرَةٍ تَنْجُل الظِّرَّانَ ناجيةٍ *** إذا توقَّدَ في الدّيمومةِ  الظُرَرُ([19])

وأظرَّ الرَّجُل: مَشَى على الظرَار. ويقولون: "أَظِرِّيَ إِنَّك ناعلة". يقولون: امْشِي على الظُّرَر، فإنَّ عليك نَعلين، يُضرَب مثلاً لمن يُكلَّف عملاً يقوَى عليه. ويقال المَظَرّةُ: الحجر يُقدح به، ويقال بل هو حجرٌ يُقطع به شيءٌ يكون في حياة النّاقةِ كالثُؤلول. ويقال أرضٌ مَظَرَّةٌ: كثيرة الظُّرَر.

ومما شذَّ عن هذا الباب قولهم: اظْرَوْرَى([20])، أي انتفخ. والله أعلم.

ــــــــــــــــــ

([1]) بدلـه في الأصل: "باب الظاء واللام وما يثلثهما"، وهي عبارة ناسخ غافل، أثبت مألوف عبارته في مثل هذا.

([2]) في المجمل: " والظل الظليل: الدائم" وبه استأنست في إثبات هذه الكلمة.

([3]) في الأصل: "والظل ظل"، صوابه في المجمل. وفي اللسان: "وسواد الليل كله ظل" وانظر ما سيأتي في س 13.

([4]) لذي الرمة، كما سبق في حواشي (يوم).

([5]) للبيد في ديوانه 11 وصوابه روايته: "بنكيب"  كما في اللسان والديوان. وصدره:

* وتصك المرو لما هجرت *.

([6]) هو العجاج. ديوانه 47 واللسان (ظلل).

([7]) في الأصل: "يقولون".

([8]) هو دريد بن الصمة. الأصمعيات 32 ليبسك واللسان (ظنن).

([9]) البيت وما قبله، كما في الأصمعيات:

وقلت لعارض وأصحاب عارض *** ورهط بني السوداء والقوم شهدى

علانية: ظنوا بألفي مدجج *** سراتهم في الفارسي المسرد

وهما كما في الحماسة: (1/ 336):

نصحت لعارض وأصحاب عارض *** ورهط بني السوداء والقوم شهدى

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج *** سراتهم في الفارسي المسرد

([10]) البيت أول بيت في مقطوعة له بالديوان 14. وكذا أنشده في اللسان (ظنن). وصدره:

* فإن يك عامر قد قال جهلا *

([11]) اظن، بوزن افتعل، أصلها اظتن، قلبت التاء ظاء معجمة ثم أدغمت في نظيرتها. ومثله "اظلم" في قول القائل:

هو الجواد الذي يعطيك نائله *** عفواً ويظلم أحياناً، فيظلم

([12]) أنشده في اللسان (ظنن) والمخصص (12: 319). وفي المجمل: "ولا كل من يروى".

([13]) البيت للأعشى، كما سبق في (جد 407).

([14]) في إصلاح المنطق 426: "مابه وذية ولا ظبظاب".

([15]) إصلاح المنطق 426 واللسان (ظبب).

([16]) في المجمل فقط: "أجواف البقر".

([17]) السلف، بالكسر: واحد السلفين، وهما زوجا الأختين، وفي الأصل: "السليف"، محرف.

([18]) نظيره في الجموع: جرذ وجرذان، وصرد وصردان.

([19]) البيت للبيد في ديوانه 38 طبع 1880 واللسان (ظرر، نجل).

([20]) حق هذه الكلمة أن تكون في (ظرا) المعتل، كما صنع اللسان والقاموس، ومثله "اقلولى" في (قلو)، و"اعرورى"، في (عري)، و"احلولى"، في (حلو).

 

ـ (باب الظاء والعين وما يثلثهما)

(ظعن) الظاء والعين والنون أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يدلُّ على الشُّخوص من مكانٍ إلى مكان. تقول: ظَعَنَ يظعَن ظَعْناً وظَعَنَاً، إذا شَخَصَ. قال الله سبحانه: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ(1)}. والظَّعينة، ممَّا يقال فيه(2) فقال قوم: هي المرأة، وقال آخرُونَ: الظَّعائِنُ الهوادِجُ، كان فيها نساءٌ أو لم يكن. وهذا أصحُّ القولين؛ لأنَّه من أدوات الرَّحِيل. والظَّعُون: البعير الذي يُعَدُّ للظَّعْن. ومن الباب الظِّعَان، وهو الحبل الذي يُشَدُّ به القَتَبُ على البعيرِ، وسمِّيَ بذلك ظِعَاناً(3)لأنه أحدُ أدواتِ السَّير والظّعن. قال:‏

له عُنقٌ تُلوِي بما وُصِلَت به *** وَدفَّانِ يشتفّان كلَّ ظِعَانِ(4)‏

ـــــــــــــــ

(1) الآية 80 من سورة النحل، قرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، بإسكان العين، والباقون بفتحها، إتحاف فضلاء البشر 285.‏

(2) في الأصل: "والظعنة امرأة يقال فيه".‏

(3) في الأصل: "وسمي بذلك قاما".‏

(4) البيت لكعب بن زهير في اللسان (شفف). وهو بدون نسبة في (ظعن). وقد سبق في (دف، شف).‏

 

ـ (باب الظاء والفاء وما يثلثهما)

(ظفر) الظاء والفاء والراء أصلان صحيحان، يدلُّ أحدُهما على القَهر والفَوز والغَلَبة، والآخر على قُوَّةٍ في الشيءِ. ولعلَّ الأصلين يتقاربان في القياس.‏

فالأوّل الظَّفَر، وهو الفَلْج والفَوْز بالشَّيء. يقال ظَفِرَ يظفَرُ ظَفَراً. والله تعالى أَظْفَرَه. وقال تعالى: {مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح 24]. ورجل مُظَفَّر.‏

والأصل الآخَر الظُّفْرُ ظُفْرُ الإنسان(1). ويقال ظَفَّرَ في الشَّيء، إذا جعل ظُفْره *فيه. ورجلٌ أظفَرُ، أي طويل الأظفار، كما يقال أَشْعَر أي طويل الشَّعر. ويقال للمَهِين: هو كَليل الظُّفر. وهذا مَثلٌ. قال طَرفة:‏

لا كليلٌ دالفٌ من هَرَمٍ *** أَرْهَبُ اللّيلَ وَلا كَلُّ الظّفُرْ (2)‏

ويقال ظَفَّرَ النَّبتُ تظفيراً، إذا طَلَعَ. وذاك أن يَطْلُع منه كالأظفار بقوّة. وأمّا قولهم في الجُلَيدة تغشى العَين ظَفَرة، فذلك على طريق التَّشبيهِ. ويقال ظُفِرت العينُ، إذا كان بها ظفَرة. قال أبو عُبيدٍ: وهي التي يقال لها ظُفْر.‏

ومن الباب ظُفْر القَوس، وهما الجزءان اللذان يكون فيهما الوَتَر في طرفَيْ سِيَتَي القَوس. وربَّما قالوا الظَّفَرة: ما اطمأنَّ من الأرض وأنبَت(3). وهذا أيضاً تشبيه. والأظفار: كواكِبُ صغار(4)، وهي على جهة الاستعارة. فأمَّا ظَفَارِ، وهي مدينةٌ باليمن، فممكن [أن تكون] من بعض ما ذكرناه، والنسبة إليها ظَفَارِيٌّ. والله أعلم.‏

ــــــــــــــــ

(1) يقال بضمة وبضمتين، وبالكسر أيضاً، وقرئ به شاذاً.‏

(2) ديوان طرفة 66 واللسان (ظفر).‏

(3) في الأصل: "متن من الأرض نبت"، صوابه من المجمل واللسان.‏

(4) يقال لـها "أظفار الذئب". كما في الأزمنة والأمكنة (3: 374). وفي الأصل: "الصغار"، صوابه في المجمل واللسان.‏

 

ـ (باب الظاء واللام وما يثلثهما)

(ظلع) الظاء واللام والعين أُصَيْلٌ يدلُّ على مَيْل في مَشي([1]). يقال: دابَّةٌ بِهِ ظَلْعٌ، إذا كانَ يَغمِز فيميل([2]). ويقولون: هو ظالع، أي مائلٌ عن الطَّريقِ القويم. قال النابغة:

أتُوعِدُ عبداً لم يخُنْكَ أمانةً  *** وتَتْرُكَ عبداً ظالماً وهو ظالعُ ([3])

(ظلف) الظاء واللام والفاء أصل صحيحٌ يدلُّ على أدنى قوّةٍ وشِدّة. من ذلك ظِلْف البَقرة وغيرِها. ورُبَّما استُعير للفرسِ. قال:

* وَخَيلٍ تَطَأْكُمْ بأظلافها([4]) *

وإذا رميتَ الصَّيْدَ فأصبتَ ظِلفه قلت: قد ظَلَفْتُهُ، وهو مظلوف. والظّلف([5]) والظَّليف: كلُّ مكانٍ خَشِن. وقال الأمويّ: أرضٌ ظَلِفَةٌ: غليظة لا يُرَى أثرُ مَنْ مشَى فيها، بيِّنة الظَّلَف. ومنه أُخذ الظَّلَف في المعيشةِ.

وقول الناس: هو ظَلِفٌ عن كذا، يراد التشدُّد في الورع والكَفُّ، وهو من هذا القياس.

وأمَّا حِنْو القَتَب فسمِّيَ ظَلِفة لقُوَّتِه وشدَّته. ويقال أخذ الجزورَ بظَلَفها وظَلِيفتها، أي كلّها.

(ظلم) الظاء واللام والميم أصلانِ صحيحانِ، أحدهما خلافُ الضِّياء والنور، والآخَر وَضْع الشَّيءِ غيرَ موضعه تعدِّياً.

فالأوَّل الظُّلْمة، والجمع ظلمات. والظَّلام: اسم الظلمة؛ وقد أظْلَمَ المكان إظلاماً. ومن هذا الباب ما حكاه الخليل من قولهم: لقيته أوَّلَ ذِي ظُلْمة([6]). قال: وهو أوَّلُ شيءٍ سَدَّ([7]) بصرَك في الرُّؤْية، لا يشتقُّ منه فِعل. ومن هذا قولهم: لَقيته أدنى ظَلَمٍ ([8])، للقريب. ويقولونه بألفاظٍ أُخَرَ مركبةٍ من الظاء واللام والميم، وأصل ذلك الظُّلمة، كأنَّهم يجعلون الشَّخْصَ ظُلْمَةً في التشبيهِ، وذلك كتسميتهم الشَّخصَ سواداً. فعلى هذا يُحمل الباب، وهو من غريب ما يُحمل عليه كلامُهم.

والأصل الآخَر ظلَمَه يظلِمُه ظُلْماً. والأصل وضعُ الشَّيْءِ [في] غير موضعه؛ ألا تَراهم يقولون: "مَنْ أشْبَهَ [أباه] فما ظَلَمَ"، أي ما وضع الشَّبَه غيرَ موضعه. قال كعب:

أنا ابنُ الذي لم يُخْزِني في حياته *** قديماً ومَنْ يشبهْ أباهُ فما ظلمْ([9])

ويقال ظَلَّمت فلاناً: نسبتُه إلى الظُّلم. وظَلَمْتُ فلاناً فاظَّلَم وانظلم([10])، إذا احتملَ الظُّلْم. وأُنشد بيت زُهَير:

هو الجوادُ الذي يُعطيك نائلَهُ *** عَفْواً ويُظْلَمُ أحياناً فَيَظَّلِمُ([11])

بالظاء والطاء. والأرض المظلومة: التي لم تُحفَر قطُّ ثمَّ حفرت؛ وذلك التُّرابُ ظَليم. قال:

فأصبح في غَبْراءَ بعد إِشاحةٍ *** على العيشِ مردودٍ عليها ظليمُها([12])

وإِذا نُحِرَ البعيرُ من غيرِ عِلَّةٍ فقد ظُلِمَ. ومنه قوله:

عادَ الأَذِلَّةُ في دارٍ وكان بها  *** هُرْتُ الشَّقاشِقِ ظَلاَّمون للجُزُرِ([13])

والظُّلاَمة: ما تطلبه من مَظْلِمَتك عند الظَّالم. ويقال: سقانا ظَلِيمَةً طيِّبة. وقد ظَلَمَ وطْبَه، إِذا سَقَى منه قبل أن يروبَ ويُخرِج زُبَده. ويقال لذلك اللَّبن ظليمٌ أيضاً. قال:

وَقائِلةٍ ظلمتُ لكم سِقائي *** وهل يَخْفَى على العَكِدِ الظَّليمُ

والله أعلم بالصَّواب.

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "يدل على شيء".

([2]) في الأصل: "فميل".

([3]) ديوان النابغة 55 والمجمل واللسان (ظلع).

([4]) أنشد هذا الشطر في المجمل واللسان (ظلف). وفي كل منهما قبل الإنشاد: "واستعاره عمرو بن معد يكرب للأفراس فقال".

([5]) ضبط في المجمل بالكسر، وفي اللسان والقاموس بفتح الظاء وكسر اللام.

([6]) ويقال أيضاً: "أدنى ذي ظلم"، بالتحريك أيضاً.

([7]) في الأصل: "مد"، صوابه في المجمل واللسان.

([8]) في الأصل: "القريب".

([9]) سبق إنشاده في (شبي). والذي في ديوان كعب 65 طبع دار الكتب:

أنا ابن الذي لم يخزني في حياته *** ولم أخزهِ حتى تغيب في الرجم

أقول شبيهات بما قال عالماً  *** بهن ومن يشبه أباه فما ظلم

([10]) في الأصل: "وأظلم". صوابه في اللسان.

([11]) ديوان زهير 152 واللسان (ظلم).

([12]) يعني حفرة القبر يرد عليها ترابها بعد الدفن. والبيت في اللسان (ظلم).

([13]) البيت لابن مقبل في اللسان (دور، ظلم)، ودار: اسم موضع.

 

ـ (باب الظاء والميم وما يثلثهما)

(ظما) الظاء والميم والحرف المعتل والمهموز أصلٌ واحدٌ يدلُّ على ذبولٍ وقلّة ماء. من ذلك: الظَّمَا، غيرمهموز: قلّة دم اللِّثة. يقال امرأةٌ ظمياء اللثاث. وعينٌ ظمياء: رقيقة الجَفن. ثم يحمل عليه فيقال ساقٌ ظمياء: قليلة اللحم.‏

ومن المهموز: الظَّمَأ، وهو العطش، تقول: ظمئت أظمأ ظمَا. فأما الظِّمْء فما بين الشَّربتين. والقياس في ذلك كلِّه واحد. ويقولون: رمحٌ أظْمَى: أسمر رقيق. وإنما صار كذلك لذهاب مائه.‏

 

ـ (باب الظاء والنون وما يثلثهما)

(ظنب) الظاء والنون والباء كلمةٌ صحيحةٌ، وهو العظم اليابس من ساقٍ وغيره، ثم يتمثَّل به فيقال للجادِّ في الأمر: قد قرع ظنبوبَه. وقول سلامةَ بنِ جندل:‏

كُنَّا إِذا ما أَتَانا صارخٌ فزع *** كان الصُّراخُ له قَرعَ الظَّنابِيبِ (1)‏

فقال قومٌ: تقرع ظنابيب الخيل بالسِّياط ركضاً إلى العدوِّ. وقال قوم: الظُّنْبوب: مسمار جُبَّة السِّنَان، أي إِنَّا نركِّب الأسنّة.‏

ـــــــــــــــ

(1) ديوان سلامة بن جندل 11، والمفضليات (1: 122)، واللسان (ظنب، فزع).‏

 

ـ (باب الظاء والهاء وما يثلثهما)

(ظهر) الظاء والهاء والراء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على قوّةٍ وبروز. من ذلك ظَهَرَ الشيءُ يظهرُ ظهوراً فهو ظاهر، إذا انكشفَ وبرزَ. ولذلك سمِّيَ وقت الظُّهرِ والظَّهيرة، وهو أظهر أوقات النّهار وأَضْوَؤُها. والأصل فيه كلّه ظهر الإنسان، وهو خلافُ بطنه، وهو يجمع البُروزَ والقوّة. ويقال للرِّكاب الظَّهر، لأنَّ الذي يَحمِل منها الشيءَ ظهورُها. ويقال رجلٌ مظهَّر، أي شديد الظَّهْر. ورجلٌ ظَهِر([1]): يشتكي ظهره.

ومن الباب: أظهرْنا، إذا سرنا في وقت الظُّهْرِ. ومنه: ظهرتُ على كذا، إذا اطلَّعتَ عليه. والظَّهِير: البعير القويّ. والظَّهيرِ: المُعين، كأنَّه أسندَ ظَهْرَه إلى ظهرك. والظُّهور: الغَلبة. قال الله تعالى: {فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِين} [الصف 14]. والظَّاهرة: العين الجاحظة. والظِّهار: قولُ الرَّجل لامرأته: أنتِ عَلَيَّ كظهرِ أُمِّي. وهي كلمةٌ كانوا يقولونها، يريدونَ بها الفراق. وإِنَّما اختصُّوا الظَّهْر لمكان الرُّكوب، وإلاَّ فسائر أعضائِها في التَّحريمِ كالظَّهْرِ. والظُّهار من الرِّيش: ما يظهر منه في الجَناح. والظِّهريُّ: كلُّ شيءٍ تجعله بظَهْرٍ ، أي تنساه، كأَنَّكَ قد جعلتَه خلف ظهرِكَ ، إِعراضاً عنه وتركاً لـه. قال الله سبحانه: {وَاتّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً} [هود 92]. وقد جعل فلانٌ حاجتي بظهرٍ، إذا لم يُقْبِل عليها، بل جعلها وراءه. وقال الفرزدق:

تميمَ بنَ بدر لا تكوننَّ حاجتي *** بظهرٍ فلا يَخْفَى عليكَ جوابُها([2])

ومن الباب: هذا أمرٌ ظاهرٌ عنك عارُهُ. أي زائل، كأنَّهُ إذا زالَ فقد صارَ وراء ظهرك. وقال أبو ذؤيب:

وعَيَّرَها الواشون أنِّي أحبُّها *** وتلك شَكاةٌ ظاهرٌ عنك عارُها([3])

ويقولون: إنَّ الظَّهَرَة([4]): متاع البيت. وأحسب هذه مستعارة من الظَّهر أيضاً؛ لأنَّ الإنسان يستظهِر بها، أي يتقوَّى ويستعين على ما نابَه. والظَّاهرة: أن ترِدَ الإِبلُ كلَّ يومٍ نصفَ النَّهار. ويقولون: سلكْنا الظًَّهْر: يريدون طريقَ البَرِّ، وذلك لظهورهِ وبروزه. ويقولون: جاء فلانٌ في ظَهْرَته وناهضتِهِ، أي قومه. وإِنّما سُمُّوا ظَهْرَةً لأنَّه يتقوَّى بهم. وقريشُ الظَّواهِر سُمُّوا بذلك لأنهم ينزلون ظاهرَ مكة. قال:

* قُريشِ البطاحِ لا قريشِ الظَّواهِرِ([5]) *

وأقران الظَّهْر: الذين يجيئون من ورائك.

وحكى ابن دريد([6]): "تظاهر القوم، إذا تدابَرُوا، وكأنَّه من الأضداد".

وهذا المعنى الذي ذكره ابن دريد صحيح؛ لأنَّه أراد أنَّ كلّ واحدٍ منهما أدبَرَ عن صاحبهِ، وجعل ظهرَهُ إليهِ. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) في اللسان والقاموس: "ظهير"، والصواب ما أثبت من الأصل مطابقاً ما ورد في مجالس ثعلب

218 س 2 وصحاح الجوهري (ظهر).

([2]) في اللسان (ظهر): "فلا يعيا علي جوابها". وفي الأغاني (19: 36): "فلا يخفى علي". وفي ديوان الفرزدق 95:

تميم بن زيد لا تهونن حاجتي  *** لديك ولا يعيا علي جوابها

([3]) ديوان أبو ذؤيب 31 واللسان (ظهر).

([4]) الظهر، بالتحريك، وفي الأصل: "الظهيرة"، صوابه في المجمل والقاموس واللسان.

([5]) لأبي خالد ذكوان، مولى مالك الدار. انظر معجم البلدان (2: 213). حيث أنشد له:

فلا شهدتني من قريش عصابة  *** قريش  البطاح لا قريش الظواهر

ولكنهم غابوا وأصبحت شاهدا *** فقبحت من مولى حفاظ وناصر

وقد سبق إنشاد البيت في (بطح).

([6]) في الجمهرة (2: 379).

 

ـ (باب الظاء والهمزة وما يثلثهما)

(ظأر) الظاء والهمزة والراء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على العطف والدنُوّ. من ذلك الظِّئر. وإِنّما * سمِّيت بذلك لعَطْفها على من تُربيِّه. وأظَّأَرت لولدي ظِئْرا، كما مرَّ في اظَّلم بالظَّاء. والظُّؤُور من النُّوق: التي تعطف على البَوّ. وظأَرَنِي فلانٌ على كذا، أي عطَفَني. والظَّؤَار تُوصَفُ به الأثافيّ، كأنَّها متعطِّفة على الرَّماد([1]). والظِّئار: أن تُعالَج النَّاقة بالغِمامةِ في أنفها لكي تَظْأَر. وقولهم: "الطَّعْن يَظْأَر([2])"، أي يَعطِف على الصُّلح. ويقال ظِئر وظُؤَار، وهو من الجمع الذي جاءَ على فُعال، وهو نادر.

(ظأب) الظاء والهمزة والباء كلمتان متباينتان: إحداهما  الظّأب، وهو سِلْف الرَّجُل. والأُخرى الكلام والجَلَبَة([3]). قال:

يَصُوعُ عُنوقَها أَحوَى زنيمٌ *** له ظَأْبٌ كما صَخِبَ الغَريمُ ([4])

(ظأم) الظاء والهمزة والميم من الكلام وَالجَلبَة، وهو إبدال. فالظَّأْم والظأب بمعنىً. والله أعلم. 

ــــــــــــــــــ

([1]) من شواهده قوله:

سفعاً ظؤاراً حول أورق جاثم *** لعب الرياح بتربه أحوالا

([2]) ويروى أيضاً : "الطعن يظئره". ويقال ظأره، وأظأره.

([3]) زاد في المجمل: "ولا أدري أمهموز هو أم لا".

([4]) البيت للمعلى بن جمال العبدي، كما في اللسان (صوع، ظأب)، ويروى لأوس بن حجر. انظر

ديوانه 25.

 

ـ (باب الظاء والباء وما يثلثهما)

(ظبي) الظاء والباء والحرف المعتل كلمتان، إحداهما الظَّبْي، والأخرى ظُبَةُ السيف، وما لواحدةٍ منهما قياس. فالظَّبْي: واحدُ الظِّباء، معروف، والأنثى ظَبية، وقد يُجمع على ظُِبىً. وإذا قَلَّتْ فهي أظْبٍ. و[أمَّا ما] جاء في الحديث: "إذا أتيتَهُم فاربِضْ في دارِهمْ ظَبْيَاً". فإنّه يقول: كن آمِناً فيهم كأنَّك ظَبْيٌ آمن في كِناسِه لا يرى أنيساً. ويقولون: به داءُ ظبْيٍ. قالوا: معناه أنَّه لا داءَ به، كما لا داءَ بالظبْي. قال:

لا تَجهَمينا أمَّ عمروٍ فإِنَّنا *** بنا داءُ ظبيٍ لم تَخُنْهُ قوائمُه([1])

والظَّبْيَة على معنى الاستعارة: جَهازَ المرأة، وحياءُ النَّاقة. والظَّبْية: جِرَاب صغير عليه شَعر. وكلُّ ذلك تشبيه.

وأمَّا الأصلُ الآخَر فالظُّبَة: حَدُّ السيف، ولا يُدرى ما قياسُها، وتجمع على ظُبِين وظُباتٍ. قال قومٌ: هو من ذواتِ الواو، وهو من قولنا ظَبَوْت. وهذا شيءٌ لا تدُلُّ عليه حُجّة. وقال في جمعِ ظِبةٍ ظِبين:

يرى الرَّاؤونَ بالشَّفَرات منها *** كَنَارِ أبي حُباحِبَ والظُّبينا([2])

ـــــــــــــــــــ

([1]) لعمرو بن الفضفاض الجهني ، كما سبق في حواشي (3: 490).

([2]) للكميت، كما في اللسان (ظبا) برواية: بالشفرات منا وقود.

 

ـ (باب الظاء والراء وما يثلثهما)

(ظرف) الظاء والراء والفاء كلمةٌ كأنَّها صحيحة. يقولون: هذا وعاء الشيء وظَرْفُه، ثمَّ يسمُّون البراعةَ ظَرْفاً، وذكاءَ القَلْبِ كذلك. ومعنى ذلك أنّه وعاءٌ لذلك. وهو ظريفٌ. وقد أظْرَفَ الرَّجُلُ. إذا وَلَد بنين ظُرَفاء. وما أحسبُ شيئاً من ذلك من كلام العرب.‏

(ظرب) الظاء والراء والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على شيءٍ ثابتٍ أو غير ثابت مع حِدَّةٍ. من ذلك الظِّرَاب، وهو جمع ظَرِب، وهو النّابت من الحجارة مع حدَّة في طرَفه. ويقال: [إنَّ الأظراب: أسناخُ الأسنان. ويقال: بل(1)] هي الأربعة خلف النَّواجذ. وأمَّا ابنُ دريد(2) فزعم أنَّ الأظراب في اللّجام: العُقَد التي في أطراف الحديدة. وأنشد:‏

* بادٍ نواجذُهُ على الأظرابِ (3) *‏

ويقال: إنَّ الظُّرُبَّ: القصير اللَّحيم، وهذا على التَّشبيهِ. قال:‏

* لا تَعْدِلِيني بظُرُبٍّ جَعْدِ(4) *‏

والظَّرِبانُ: دُوَيْبَّة(5).‏

ـــــــــــــــ

(1) التكملة من المجمل.‏

(2) في الجمهرة (1: 263).‏

(3) للبيد بن ربيعة في ديوانه 145. ونسب أيضاً إلى عامر بن الطفيل خطأ في اللسان (ظرب). وصدره:‏ * ومقطع حلق الرحالة سابح *.‏

(4) قبله في اللسان (ظرب):‏

يا أم عبد الله أم العبد *** يا أحسن الناس مناط عقد‏

وبعده في (عدد):‏ *كز القصيرى مقرف المعد *.‏

(5) جاءت هذه العبارة بعد كلمة "شيئاً" في الباب التالي، وبهذه الصورة: "والظربان دويبة، من باب الظاء والراء والباء".‏

 

ـ (باب ما جاءَ من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله ظاء)

لم نجد إلى وقتنا شيئاً(1).‏

تم كتاب الظاء، والله أعلم بالصواب‏

ـــــــــــــــــــ

(1) أورد من هذا الباب في المجمل: "الظيان: ياسمين البر".‏

 

مراجع التحقيق والضبط

يضاف إلى المراجع المثبتة في نهاية الجزأين السابقين:‏

ـ إصلاح المنطق، لابن السكيت. طبع دار المعارف 1368 القاهرة.‏

ـ الأصمعيات، للأصمعي. طبع دار المعارف 1367 القاهرة.‏

ـ الألفاظ الفارسية لأدّي شير. طبع الكاثوليكية 1908 م. بيروت.‏

ـ أوضح المسالك، لابن هشام. طبع التجارية 1354 القاهرة.‏

ـ أيمان العرب، للنجيرمي. طبع السلفية 1343 القاهرة.‏

ـ بقية أشعار الهذليين. طبع 1884 برلين.‏

ـ البيان والتبيين، للجاحظ، بتحقيق عبد السلام هارون. طبع لجنة التأليف 1367.‏

ـ ديوان عروة بن الورد، من مجموع خمسو دواوين. طبع الوهبية 1293 القاهرة.‏

ـ ديوان كعب بن زهير، رواية السكري. طبع دار الكتب 1368.‏

ـ شرح الحماسة للمرزوقي. طبع لجنة التأليف 1372هـ.‏

ـ شرح شواهد الألفية للعيني، بهامش خزانة الأدب للبغدادي. طبع بولاق 1299.‏

ـ شروح سقط الزند، بتحقيق لجنة إحياء آثار أبي العلاء. طبع دار الكتب.‏

ـ الفصيح لثعلب. طبع السعادة 1325 القاهرة.‏

ـ قطر الندى وبل الصدى، لابن هشام. طبع السعادة 1355 القاهرة.‏

ـ لباب الآداب، لأسامة بن منقذ. طبع الرحمانية 1354 القاهرة.‏

ـ مجالس ثعلب، بتحقيق عبد السلام هارون. طبع المعارف 1367 القاهرة.‏

ـ مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1347.‏

ـ مفاتيح العلوم، للخوارزمي. طبع محمد منير 1342 القاهرة.‏

ـ الموشح، للمرزباني. طبع السلفية 1343 القاهرة.‏

ـ نقد الشعر، لقدامة. طبع الجوائب 1302 القسطنطينية.‏

ـ الهاشميات، للكميت. طبع شركة التمدن 1330 القاهرة.‏

ج4.معجم مقاييسُ اللّغة لأبي الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا

( -395)

الجُزْءُ الرابع

كتاب العين:

ـ (باب العين وما بعدها في المضاعف والمطابق والأصم) ‏

ـ (باب العين والفاء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والقاف وما يثلثهما في الثلاثي) ‏

ـ (باب العين والكاف وما يثلثهما في الثلاثي) ‏

ـ (باب العين واللام وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والميم وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب العين والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب العين والواو وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والياء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والباء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والتاء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والثاء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والجيم وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والدال وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والذال وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والراء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والزاء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والسين وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والشين وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والصاد وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والضاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب العين والطاء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب العين والظاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله عين) ‏

كتاب الغين:

ـ (باب الغين وما معها في المضاعف والمطابق) ‏

ـ (باب الغين والفاء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب الغين واللام وما يثلثهما) ‏

ـ (باب الغين والميم وما يثلثهما) ‏

ـ (باب الغين والنون وما يثلثهما) ‏

ـ (باب الغين والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الغين والواو وما يثلثهما) ‏

ـ (باب الغين والياء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب الغين والألف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الغين والباء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب الغين والتاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الغين والثاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الغين والدال وما يثلثهما) ‏

ـ (باب الغين والذال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الغين والراء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب الغين والزاء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب الغين والسين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الغين والشين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الغين والصاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الغين والضاد وما يثلثهما) ‏

ـ (باب الغين والطاء وما يثلثهما) ‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله غين)‏

كتاب الفاء:

ـ (باب الفاء وما بعدها في المضاعف والمطابق)‏

ـ (باب الفاء والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والألف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والتاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والثاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والذال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والزاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والسين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والشين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والصاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والضاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والطاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والظاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الفاء والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله فاء)‏

 

كتاب العين:

ـ (باب العين وما بعدها في المضاعف والمطابق والأصم)

(عف) العين والفاء أصلان صحيحان: أحدُهما الكفُّ عن القبيح، والآخر دالٌّ على قلّة شيء.

فالأول: العِفّة: الكفُّ عمّا لا ينبغي. ورجلٌ عفٌّ وعفيف. وقد عَفَّ يَعِفُّ [عِفّةً] وعَفَافة وعَفافاً.

والأصل الثاني: العُفَّة: بقيّة اللّبن في الضَّرع. *وهي أيضاً العُفافة. قال الأعشى:

لا تَجَافَى عنه النَّهارَ ولا تَعْـ *** ـجُوهُ إلاَّ عُفافةٌ أو فُوَاقُ([1])

ويقال: تَعافَّ ناقَتك، أي احلُبْها بعد الحلْبة الأولى ودعْ فصلَيها يتعفّفها، كأنَّما يَرتضع تلك البقيَّة. وعفّفت فلاناً([2]) : سقيتُه العفافة. فأمّا قولهم: جاء على عِفّانِ ذاك، أي إبّانه، فهو من الإبدال، والأصل إفّان، وقد مرّ.

(عق) العين والقاف أصل واحد يدلُّ [على الشَّقّ]، وإليه يرجع فروع الباب بلطف نظر. قال الخليل: أصل العقّ الشقّ. قال: وإليه يرجع العُقوق.

قال: وكذلك الشَّعَْر ينشقّ عنه الجِلد([3]) . وهذا الذي أصَّلَه الخليل رحمه الله صحيح. وبسط الباب بشرحه هو ما ذكره فقال: يقال عقّ الرّجلُ عن ابنه يُعقّ عنه، إذا حلق عقيقته([4]) ، وذبح عنه شاةً. قال: وتلك الشاة عقيقة. وفي الحديث: "كلُّ امرئٍ مرتهَنٌ بعقيقته". والعقيقة: الشَّعر الذي يولد به. وكذلك الوَبَر([5]) . فإذا سقط عنه مرّةً ذهب عنه ذلك الاسم. قال امرؤ القيس:

يا هندُ لا تَنْكِحي بُوهةً  *** عليه عقيقته أَحْسَبَا([6])

يصفه باللؤْم والشُّحّ. يقول: كأنَّه لم يُحلق عنه عقيقتُه في صِغَره حتى شاخ. وقال زهيرٌ يصف الحِمار:

أذلك أم أقبُّ البَطْنِ جأبٌ  *** عليه من عقيقته عِفاءُ([7])

قال ابن الأعرابيّ: الشُّعور والأصواف والأوبار كلها عقائق وعقِق، واحدتها عِقّة. قال عديّ:

صَخِبُ التَّعشير نَوَّام الضُّحى *** ناسِلٌ عِقَّتُه مثل المَسَدْ

وقال رؤبة:

* طيّر عنها اللَّسّ حَوْلِيَّ العِقَقْ([8]) *

ويقال أعقَّتِ النعجةُ، إذا كثر صُوفها، والاسم العقيقة. وعَقَقْتُ الشّاة: جززت عقيقها، وكذلك الإبل. والعَقُّ: الجَزُّ الأوَّل. ويقال: عُقُّوا بَهْمَكم فقد أعَقَّ، أي جُزُّوه فقد آن لـه أن يُجَزّ. وعلى هذا القياس يسمَّى نبْت الأرض الأوّلُ عقيقة. والعُقوق: قطيعة الوالدين وكلّ ذي رحمٍ مَحْرم. يقال عقَّ أَباه فهو يعقُّه عَقّاً وعُقوقاً. قال زُهير:

فأصبحتُما منها على خيرِ موطنٍ  *** بعيدَينِ فيها من عقوقٍ ومَأثمِ([9])

وفي المثل: "ذُقْ عُقَقُ". وفي الحديث أنّ أبا سفيانَ قال لحمزة رضي الله عنه وهو مقتول: "ذُقْ عُقَقُ" يريد يا عاقُّ. وجمعُ عاقٍّ عَقَقة. ويقولون: "العُقُوق ثُكْلُ من لم يَثْكَل"، أي إنَّ مَن عقّه ولدُه فكأنَّه ثَكِلهم وإنْ كانوا أحياءً. و"هو أعقُّ مِن ضَبّ"؛ لأنَّ الضَّبّ تقتُل ولدَها([10]) . والمَعَقَّة: العقوق.

قال النابغة:

أحلامُ عادٍ وأجسادٌ مطهَّرة  *** من الـمَعقَّة والآفاتِ والأثَم([11])

ومن الباب انعقَّ البرقُ. وعَقّت الرِّيحُ المُزْنة، إذا استدرَّتْها، كأنّها تشقُّها شقَّا. قال الهُذَلي([12]) :

حارَ وعَقتْ مُزنَهُ الرّيحُ وانقـ *** ـارَ به العَرض ولم يُشمَلِ([13])

وعقيقةُ البَرق: ما يبقى في السَّحاب من شُعاعه؛ وبه تشبَّه السُّيوف فتسمَّى عقائق. قال عمرو بن كلثوم:

بسُمرٍ من قَنا الخَطِّيِّ لُدْنٍ  *** وبِيضٍ كالعَقائقِ يختلينا([14])

والعَقّاقة: السَّحابة تنعقُّ بالبَرق، أي تنْشقّ. وكان معقِّر بن حمارٍ كُفَّ بصرُه، فسمِع صوتَ رعدٍ فقال لابنته: أيَّ شيءٍ ترين؟ قالت: "أرى سَحْماءَ عَقَّاقة، كأنَّها حُِوَلاءُ ناقة، ذاتَ هيدبٍ دانٍ، وسَيْرٍ وان". فقال: "يا بنتاه، وائِلِي بي إلى قَفْلة فإنها لا تنبُت إلاّ بمنجاةٍ من السَّيل([15]) ". والعَقوق: مكانٌ ينعقُّ عن أعلاه النَّبت. ويقال انعَقّ الغُبار. إذا سَطَعَ وارتفَع. قال العجّاج:

* إذا العَجَاجُ المستطار انعقَّا([16]) *

ويقال لفِرِنْد السَّيف: عَقيقة. فأمّا الأعِقَّة فيقال إنّها أودَيةٌ في الرِّمال. والعقيق: وادٍ بالحجاز. قال جرير:

فهيهاتَ هيهاتَ العقيقُ ومَن بِهِ *** وهيهات خِلٌّ بالعقيق نواصلُه([17])

وقال في الأعِقَّة:

دعا قومَه لما استُحلَّ حرامُه  *** ومن دونهم عَرضُ الأعِقَّة فالرَّملُ

وقد قلنا إنَّ الباب كلَّه يرجع إلى أصلٍ واحدٍ. [و] من الكلام الباقي في العقيقة والحمل قولُهم: أعَقّتِ الحاملُ تُعِقُّ إعقاقاً؛ وهي عقوق، وذلك إذا نَبَتت العقيقةُ* في بطنها على الولد، والجمع عُقُق. قال:

* سِرّاً وقد أوَّنَ تأوينَ العُقُقْ([18]) *

ويقال العَقاق الحمْلُ نفسه([19]) . قال الهذليّ([20]) :

أبَنَّ عَقاقاً ثم يَرمَحْنَ ظَلْمَه  *** إباءً وفيه صولةٌ وذميلُ

يريد: أظهَرْنَ حملاً. وقال آخر:

جوانِح يَمزَعْنَ مزعَ الظِّباءِ ***  لَمْ يَتْرِكْنَ لِبَطْنٍ عَقَاقا([21])

قال ابن الأعرابيّ. العَقَق: الحَمْل أيضاً. قال عدِيّ:

وتركْتُ العيرَ يدمَى نَحْرُه  *** ونَحُوصاً سَمْحَجاً فيها عَقَقْ([22])

فأمّا قولهم: "الأبلق العَقوق" فهو مَثَلٌ يقولونه لما لا يُقدَر عليه، قال يونس: الأبلق ذكَر، والعَقوق: الحامل، والذّكر لا يكون حاملاً، فلذلك يقال: "كلَّفْتَني الأبلقَ العقوق"، ويقولون أيضاً: "هو أشهَرُ من الأبلَق العَقوق" يعنون به الصُّبح؛ لأنّ فيه بياضاً وسواداً. والعَقُوق: الشَّنَق([23]) . وأنشد:

فلو قَبِلوني بالعَقوق أتيتُهمْ  *** بألفٍ أُؤَدِّيه من المال أقرَعا([24])

 

يقول: لو أتيتُهم بالأبلق العَقوق ما قبِلوني. فأمَّا العَوَاقّ من النَّخل فالرَّوادف، واحدها عاقّ، وتلك فُسْلانٌ تنبُت في العُشْب الخضر، فإذا كانت في الجِذْع لا تمسّ الأرض فهي الرَّاكبة. والعقيقة: الماء القليل في بطن الوادي. قال كُثَيّر:

إذا خرجَتْ من بيتها راقَ عينَها *** مُعَوَِّذُهُ وأعجبَتْها العَقائقُ([25])

وقياسُ ذلك صحيح؛ لأن الغدير والماء إذا لاحا فكأنَّ الأرضَ انشقَّت. يقول: إذا خرجت رأتْ حولها نبتها من معوَِّذ النَّبات والغُدْرانِ ما يروقُها. قال الخليل: العَقْعَق: طائرٌ معروفٌ أبلقُ بسوادٍ وبياض، أذْنَبُ([26]) يُعَقْعِقُ بصوته، كأنّه ينشق به حلقُه. ويقولون: "هو أحمق من عَقْعَق"، وذلك أنه يضيِّع ولدَه.

ومن الكلام الأوَّل "نَوَى العَقوق": نَوىً هَشٌّ رِخوٌ لَيِّن المَمْضَغة([27]) تأكلُه العجوز أو تلوكه، وتُعلَفُه الإبل. قال الخليل: وهو من كلام أهل البصرة، لا تعرفه البادية.

قال ابن دريد([28]) العَقَّةُ: الحُفْرة في الأرض إذا كانت عميقة. وهو من العَقِّ، وهو الشَّقُّ. ومنه اشتُقَّ العقيق: الوادي المعروف. فأمّا قول الفرزدق:

نصبتُم غداةَ الجَفْرِ بِيضاً كأنَّها  *** عقائق إذْ شمسُ النَّهار استَقَلّتِ([29])

فقال الأصمعيّ: العقائق ما تلوِّحه الشّمس على الحائط فتراه يلمع مثلَ بريق المرآة. وهذا كلُّه تشبيه. ويجوز أن يكون أراد عقائق البرق. وهو كقول عمرو:

* وبيض كالعقائق يَخْتلينا([30]) *

وأمّا قول ابنِ الأعرابيّ: أعَقّ الماءَ يُعِقّه إعقاقاً، فليس من الباب، لأن هذا مقلوبٌ من أقَعّه، أي أمَرَّه. قال([31]) :

بحرُك عذبُ الماءِ ما أعَقَّه([33]) *** ربُّك والمحرومُ من لم يلقَهُ([32])

 

(عك) العين والكاف أصولٌ صحيحة ثلاثة: أحدها اشتداد الحرّ، والآخر الحَبْس، والآخر جِنْسٌ من الضرب.

فالأوّل العَكّة([34]) : الحرّ، فورة شديدةٌ في القيظ، وذلك أشدُّ ما يكون من الحرَّ حين تركُد الرِّيح. ويقال: أكّة بالهمزة. قال الفرّاء: هذه أرض عَكَّةٍ وعُكّة. قال:

* ببلدةِ عُكَّةٍ لَزِجٍ نداها([35]) *

قال ابن دريد([36]) : عَكَّ يَومُنا، إذا سكنت رِيحُه واشتدَّ حرُّه. قال ابنُ الأعرابيّ: العُكَّة: شدّة الحرِّ مع لثَقٍ واحتباسِ ريح. قال الخليل: العُكَّة أيضاً: رملةٌ حَمِيت عليها الشمس.

قال أبو زيد: العُكَّة: بِلّةٌ تكون بقرب البحر، طَلٌّ وندىً يُصيب باللَّيل؛ وهذا لا يكون إلاّ مع حَرّ. والعرب تقول: "إذا طَلَعَتْ العُذرة([37]) ، فعُكَّة بُكرة([38]) ، على أهل البصرة، وليس بعُمَان بُسْرة، ولا لأَكّارٍ بها بَذْرة([39]) ". قال اللِّحياني: يَوْمٌ عَكٌّ أكٌّ: شديد الحرّ. وتقول العرب في أسجاعها: "إذا طلَع السِّماك، ذهبت العِكَاك، وقلَّ على الماء اللِّكاك". ويوم ذوِّ عَكيكٍ، أي حارّ. قال طرفة:

تطرُد القُرَّ بحَرٍّ ساخنٍ  *** وعكيكَ القَيظ إنْ جاء بقُرّْ([40])

وأمّا الأصل الآخَر فقال الفراء: إبلٌ معكوكة، أي محبوسة. وعُكَّ فلانٌ حُبِس. قال رؤبة:

يا ابن الرَّفيع حَسَباً وبُنْكا  *** ماذا ترى رأيَ أخٍ قد عُكَّا([41])

ومن الباب عككتُه بكذا* أعُكُّه عَكّا، أي ماطلته. ومنه عَكَّني فلانٌ بالقول، إذا رَدَّدَه عليك حتَّى يتعبَك([42]) .

ومن الباب: العُكَّة السَّمْن: أصغر من القِربة، والجمع عُكَك وعِكاك. وسمِّيت بذلك لأنَّ السَّمْن يُجمع فيها كما يُحبَس الشيء.

ومن الباب: العكَوَّك: القصير المُلَزَّز الخلْق، أي القصير. قال:

* عكوَّكاً إذا مَشَى دِرْحايهْ([43]) *

وإنّما سمِّي بذلك تشبيهاً بعُكَّة السَّمْن. والعَكَوَّكانُ، مثل العكَوَّك. قال:

* عَكَوَّكان ووَآةٌ نَهْدَه([44]) *

ومن الباب المِعَكُّ من الخيل: الذي يَجرِي قليلاً ثم يحتاج إلى الضَّرب، وهو من الاحتباس.

وأمَّا الأصل الثَّالث فقال ابنُ الأعرابيّ: عَكَّه بالسَّوط، أي ضربَه. و[يقال] عكّه وصَكَّه. ومن الباب عكَّتْه الحُمَّى، أي كسَرتْهُ. قال:

وهَمٍّ تأخُذُ النُّجَواءُ منه  *** تَعُكُّ بصالبٍ أو بالمُلاَلِ([45])

وممكنٌ أن يكون من الباب الأوَّل، كأنَّها ذُكِرت بذلك لحرِّها. ويقال في باب الضَّرْب: عكَّهُ بالحُجّة، إذا قهره بها. وقد ذكر في الباب أن عُكّة العِشَار: لونٌ يعلوها من صُهْبَةٍ في وقت أو رُمْكَةٍ في وقت. وأنّ فلاناً قال: ائتزر فلانٌ إزْرة عَكَّى وَكَّى([46]) . وكلُّ هذا مما لا معنَى له ولا مُعرَّج عليه.

وقد ذُكر عن الخليل بعضُ ما يقارب هذا: أنَّ ا لعَكَنْكَع([47]) : الذَّكَر الخبيثُ من السَّعَالي. وأنشد:

كَأَنَّها وهُوْ إذا استَبَّا معا  *** غولٌ تُدَاهِي شَرِساً عَكَنْكَعَا

وهذا قريبٌ في الضَّعْف من الذي قبله. وأرى كتابَ الخليل إنَّما تطامَنَ قليلاً عند أهل العلمِ لمِثل هذه الحكايات.

(عل) العين واللام أصول ثلاثة صحيحة: أحدها تكرُّرٌ أو تكرير، والآخر عائق يعوق، والثالث ضَعف في الشَّيء.

فالأوَّل العَلَل، وهي الشَّرْبة الثانية. ويقال عَلَلٌ بعد نَهَل. والفعل يَعُلُّون عَلاًّ وعَلَلاً([48]) ، والإبل نفسها تَعُلّ عَلَلا. قال:

عافَتا الماءَ فلم نُعْطِنْهُما  *** إنَّما يُعْطِن من يرجو العَلَلْ([49])

وفي الحديث: "إذا عَلَّهُ ففيه القَود"، أي إذا كرَّر عليه الضَّربَ. وأصله في المشْرَب. قال الأخطل:

إذا ما نديمي عَلَّنِي ثمَّ عَلَّني  *** ثلاثَ زُجاجاتٍ لهنَّ هديرُ([50])

ويقال أعلَّ القومُ، إذا شربت إبلُهم عَلَلا. قال ابنُ الأعرابيّ: في المثل: "ما زيارتُك إيّانا إلاَّ سَوْمَ عالَّة" أي مثل الإبل التي تَعُلّ. و"عَرَض عليه سَوْم عالّة". وإنّما قيل هذا لأنها إذا كرَّرَ عليها الشُّرْب كان أقلَّ لشُربها الثاني.

ومن هذا الباب العُلاَلة، وهي بقيّة اللَّبن. وبقيّةُ كلِّ شيء عُلالة، حتى يقالُ لبقيّة جَري الفرس عُلالة. قال:

إلاّ عُلالة أو بُدَاهةَ ***  قارحٍ نهدِ الجُزارَه([51])

وهذا كلُّه من القياس الأول؛ لأنَّ تلك البقيَّة يُعاد عليها بالحلب. ولذلك يقولون: عالَلْتُ النّاقة، إذا حَلبتها ثم رفَقت بها ساعةً لتُفِيق، ثم حلبتها، فتلك المُعَالّة والعِلاَل. واسم اللَّبن العُلالة. ويقال إنَّ عُلالَة السَّير أن تظنَّ الناقةَ قد ونت فتضربَها تستحثُّها في السَّير. يقال ناقةٌ كريمة العُلالة. وربما قالوا للرّجُل يُمدح بالسَّخاء: هو كريم العُلالة، والمعنى أنَّه يكرِّر العطاءَ على باقي حالِه. قال:

فإلاَّ تكنْ عُقبي فإنَّ عُلاَلةً  *** على الجهد من ولد الزّناد هَضومُ

وقال منظور بن مَرثد([52]) في تعالِّ النّاقة في السَّير:

وقد تعاللتُ ذَمِيل العَنْسِ  *** بالسَّوط في ديمومةٍ كالتُّرْسِ

والأصل الآخَر: العائق يعوق. قال الخليل: العِلّة حدَثٌ يَشغَلُ صاحبَه عن وجهه. ويقال اعتلَّه عن كذا، أي اعتاقه. قال:

* فاعتلَّهُ الدّهرُ وللدّهرِ علَلْ *

والأصل الثالث: العِلّةُ: المرض، وصاحبُها مُعتلّ. قال ابنُ الأعرابيّ: عَلّ المريض يَعِلُّ عِلّة فهو عليل([53]) . ورجل عُلَلَة، أي كثير العِلَل.

ومن هذا الباب وهو باب الضَّعف: العَلُّ من الرِّجال: المُسِنّ الذي تَضاءل وصغُر جسمُه. قال المتَنَخِّل:

ليس بعلٍّ كبيرٍ لا حَرَاكَ به  *** لكن أُثيلةُ صافي اللَّوْن مقتَبَلُ([54])

قال: وكلُّ مسِنٍّ من الحيوان عَلٌّ. قال ابنُ الأعرابيّ:*العَلّ: الضعيف من كِبرَ أو مرض. قال الخليل: العَلُّ: القُرَاد الكبير. ولعلّه أن يكون ذهب إلى أنّه الذي أتت عليه مُدّةٌ طويلةٌ فصار كالمُسِنّ([55]).

وبقيت في الباب: اليعاليل، وقد اختلفوا فيها، فقال أبو عَبيد: اليعاليل: سحائبٌ بِيضٌ. وقال أبو عمرو: بئرٌ يعاليلُ صار فيها المطرُ والماءُ مرّةً بعد مرة. قال: وهو من العَلَل. ويَعاليلُ لا واحدَ لها. وهذا الذي قاله الشَّيبانيّ أصحّ؛ لأنّه أقْيَس.

ومما شذَّ عن هذه الأصول إن صحَّ قولُها إنّ العُلْعُل: الذّكر من القنابر. والعُلْعُل. رأس الرَّهَابة مما يلي الخاصرة. والعُلْعُل: عُضو الرّجُل. وكلُّ هذا كلام وكذلك قولُهم: إنّه لعلاّن بركوب الخيل، إذا لم يكُ ماهراً. ويُنشدون في ذلك ما لا يصحُّ ولا يُعوَّل عليه.

وأمّا قولهم: لعلَّ كذا يكون، فهي كلمةٌ تقرُب من الأصل الثالث، الذي يدلُّ على الضَّعف، وذلك أنّه خلاف التَّحقيق، يقولون: لعلَّ أخاك يزورنا، ففي ذلك تقريبٌ وإطماعٌ دون التحقيقِ وتأكيدِ القول. ويقولون: علّ في معنى لعلّ. ويقولون لعلّني ولَعَلِّي. قال:

وأُشرِف بالقُورِ اليَفَاع لعَلَّني *** أرى نارَ ليلى أو يراني بصيرُها([56])

البصير: الكلب.

فأمّا لعلَّ إذا جاءت في كتاب الله تعالى، فقال قوم: إنَّها تقويةٌ للرَّجاء والطَّمع. وقال آخرون: معناها كَيْ. وحَمَلها ناسٌ فيما كان من إخبار الله تعالى، على التَّحقيق، واقتضب معناها من الباب الأوَّل الذي ذكرناه في التكرير والإعادة. والله أعلم بما أراد من ذلك.

(عم) العين والميم أصلٌ صحيح واحد يدلُّ على الطُّول والكَثرة والعُلُوّ. قال الخليل: العميم: الطَّويل من النَّبات. يقال نخلةٌ عميمة، والجمع عُمٌّ. ويقولون: استوى النَّبات على عَُمَُمه، أي على تمامه. ويقال: جارية عميمة، أي: طويلةٌ. وجسم عَمَمٌ. قال ابن شأس:

وإنَّ عِراراً إنْ يكنْ غير واضح *** فإنِّي أحبُّ الجَوْنَ ذا المَنكِبِ العَمَم([57])

قال ابن الأعرابيّ: رجل عَمَمٌ وامرأة عَمَم، ويقال عُشْبٌ عميم، وقد اعْتمّ. قال الهذليّ([58]) :

يرتدن ساهِرَةً كأنَّ عميمَها *** وجميمَها أسدافُ ليلٍ مُظلمِ([59])

وقال بعضهم: يقال للنَّخلة الطويلة عَمَّة، وجمعها عَمٌّ. واحتجَّ بقول لبيد:

سُحُقٌ يمتِّعُها الصَّفَا وَسرِيُّهُ  *** عَمٌّ نواعمُ بينهن كرومُ([60])

قال أبو عمرو: العميم([61]) من النخل فوق الجَبَّار. قال:

فَعُمٌّ لعُمِّكُمُ نافعٌ  *** وطِفْلٌ لِطفلكم يُوهَلُ

أي صغارُها لصغاركم، وكبارُها لكباركم. وقال أبو دُواد([62]) :

مَيَّالةٌ رُودٌ خَدَّلَجةٌ  *** كعَميمة البَرديِّ في الرَّفْضِ([63])

العميمة: الطَّويلة. والرَّفض: الماء القليل.

ومن الباب: العمامة، معروفة، وجمعها عِمامات وعمائم. ويقال تعمَّمت بالعِمامة واعتممت، وعمَّمني غيري. وهو حسن العِمَّة، أي الاعتمام. قال:

تنجو إذا جَعلَتْ تَدْمَى أخِشَّتُها  *** واعتمّ بالزَّبَدِ الجعدِ الخراطيمُ([64])

ويقال عُمِّمَ الرجُل: سُوِّد؛ وذلك أنّ تِيجان القوم العمائم، كما يقال في العجم تُوِّجَ يقال في العرب عُمِّمَ. قال العجاج:

* وفيهمُ إذْ عُمِّمَ المعْتَمُّ([65]) *

أي سُوِّد فأُلبس عمامةَ التَّسويد. ويقال شاة مُعمَّمة، إذا كانت سوداء الرَّأس. قال أبو عبيد: فرس مُعَمَّمٌ، للذي انحدَرَ بياضُ ناصيته إلى منْبِتها وما حولها من الرأْس. وغُرَّةٌ معمَّمة، إذا كانت كذلك. وقال: التعميم في البَلَق: أن يكون البياضُ في الهامة ولا يكون في العُنق. يقال أبلقُ مُعَمَّمٌ.

فأمّا الجماعة التي ذكرناها في أصل الباب، فقال الخليلُ وغيره: العمائم: الجماعات واحدها عَمٌّ. قال أبو عمرو: العمايم بالياء: الجماعات. يقال قوم عمايم .قال: ولا أعرف لها واحداً. قال العجاج:

* سالت لها من حِميَر العمايمُ([66]) *

قال ابن الأعرابيّ: العَمّ: الجماعة من النّاس. وأنشد:

فأُبْنا بحاجاتٍ وليس بذي مال([67])

يُريح إليه العمُّ حاجةَ واحدٍ *** يريد الحجر الأسود([68])

وقال آخر([69]) .

والعَدْوَ بين المجلسَينِ إذا  *** آدَ العَشِيُّ وتنادى العَمّْ([70])

ومن الجمع قولهم: عَمَّنا هذا الأمر يُعُمّنا* عموماً، إذا أصاب القَوم([71]) أجمعين. قال: والعامَّة ضدّ الخاصّة. ومن الباب قولهم: إنّ فيه لعُمِّيَّةً، أي كِبْراً. وإذا كان كذا فهو من العلوّ.

فأمّا النَّضْر فقال: يقال فلانٌ ذو عُمِّيّة، أي إنَّه يعمُّ بنصره أصحابَه لا يخُصّ. قال:

فذادَها وهو مخضرٌّ نواجذُه  *** كما يذود أخُو العُمِّيَّة النَّجِدُ

قال الأصمعيّ: هو [من([72]) ] عميمِهم وصميمهم، وهو الخالص الذي ليس بمُؤتَشَب. ومن الباب على معنى التشبيه: عمّم اللّبنُ: أرغَى. ولا يكون ذلك إلاّ إذا كان صريحاً ساعةَ يُحلَب. قال لَبيد:

تَكَُرُّ أحاليبُ اللّدِيدِ عليهمُ *** وتُوفَى جفانُ الضَّيف مَحْضاً مُعَمَّما([73])

 

ومما ليس له قياس إلاّ على التمحُّل عَمَّان: اسم بلد. قال أبو وجزة:

حَنَّت بأبواب عَمَّانَ القطاةُ وقد  *** قضى به صحبها الحاجاتِ والوطرا([74])

 

القطاة: ناقته.

ــــــــــــــــ

([1]) ديوان الأعشى 141 واللسان(عفف، عجا، عدا) . ورواية الديوان واللسان: "وتعادى عنه".

([2]) هذه الكلمة لم ترد في المعاجم المتداولة ولا المجمل.

([3]) في الأصل: "عند الجلد" تحريف. وفي اللسان: "العقيقة: الذي يولد به الطفل، لأنه يشق الجلد".

([4]) في الأصل: "عقيقة"، صوابه في المجمل واللسان.

([5]) في الأصل: "الوتر"، صوابه في اللسان.

([6]) ديوان امرئ القيس 154 واللسان (بوه، عقق، حسب). وقد سبق في(بوه، حسب) .

([7]) ديوان زهير 65.

([8]) ديوان رؤبة 105 واللسان (عقق) مع تحريف فيهما.

([9]) البيت من معلقته المشهورة.

([10]) في الأصل: "ثقل ولدها"، تحريف. وفي أمثال الميداني (أعق من ضب): قال حمزة: أرادوا ضبة، فكثر الكلام بها فقالوا ضب. قلت: يجوز أن يكون الضب اسم الجنس كالنعام والحمام والجراد. وإذا كان كذلك وقع على الذكر والأنثى".

([11]) ديوان النابغة 74 واللسان (عقق). وقد ضبط "الأثم" في اللسان كذا بالتحريك، ولم أجد سنداً غيره لهذا الضبط.

([12]) هو المتنخل الهذلي، وقصيدته في القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 81، ونسخة الشنقيطي 44 وديوان الهذليين (2 :1).

([13]) أنشده في اللسان(عقق، قور، شمل) .

([14]) البيت من معلقته المشهورة، وهذه رواية غريبة. انظر روايته في نسختي الزوزني والتبريزي.

([15]) الخبر في مجالس ثعلب 347، 665 واللسان (12: 138/14: 79) وصفة السحاب لابن دريد

7 ليدن.

([16]) في الديوان 40: "إذا السراب الرقرقان".

([17]) ديوان جرير 479، وشرح الحماسة للمرزوقي.

([18]) لرؤبة في ديوانه 108. وهو في اللسان (عقق) بدون نسبة.

([19]) في المجمل: "ويقال إن العقاق الحمل نفسه. ويكسر أوله".

([20]) هو أبو خراش، ديوان الهذليين (2: 117).

([21]) أنشده في اللسان (عقق) بدون نسبة.

([22]) أنشده في اللسان (عقق) بنسبته المذكورة.

([23]) الشنق، بالتحريك: الدية يزاد فيها. وفي الأصل: "المنشق" تحريف.

([24]) أنشده في اللسان (عقق، قرع).

([25]) سبق الكلام على البيت في (أنق) وفي الأصل: "معوذها" تحريف حققته فيما مضى.

([26]) الأذنب: الطويل الذنب.

([27]) في الأصل: "المضغة"، وإنما يقولون "الممضغة" بمعنى المضغ، كما ورد في اللسان (عقق).

([28]) الجمهرة (2: 112) والقيد بالعمق لم يذكر في النسخة المطبوعة من الجمهرة.

([29]) البيت مما لم يرو في ديوان الفرزدق.

([30]) انظر ما سبق من إنشاد البيت قريباً.

([31]) في اللسان (عقق) أنه قول "الجعدي". وأنشده في التاج واللسان(ملح) .

([32]) في اللسان: "من لم يسقه".

([33]) في اللسان: "بحرك بحر الجود".

([34]) العكة، مثلثة العين.

([35]) عجزه كما في اللسان:

* تضمنت السمائم والذبابا *

([36]) في الجمهرة:(1: 112) .

([37]) العذرة: خمسة كواكب تحت الشعرى العبور.

([38]) في اللسان: (12: 357): "نكرة" بالنون، ثم نبه على أن رواية الباء هي الصحيحة .

([39]) في اللسان: "برة".

([40]) في اللسان (عكك). وليس في قصيدته التي على هذا الروي والوزن من ديوانه 63-75.

([41]) كلمة "بنكا" غير واضحة في الأصل، وإثباتها واضحة من تاج العروس وبدلها في الديوان "سمكا". وبين البيتين في ديوانه 119:

* في الأكرمين معدنا وبنكا *

([42]) في الأصل: "حتى تبعك"، صوابه في اللسان.

([43]) لدلم أبي زغيب العبشمي، كما سبق في حواشي (درح). وفي الأصل: "عكوك" صوابه بالنصب كما في اللسان (درح، عكك) وكما سبق.

([44]) الوآة: السريعة الشديدة من الدواب. وفي الأصل: "وواه"، تحريف.

([45]) لشبيب بن البرصاء، كما في اللسان (نجا، نحا). وأنشده في "ملل" بدون نسبة، ونبه في (نجا) أن صواب روايته "النحواء" بالحاء المهملة وهي الرعدة. ويروى: "يعل بصالب".

([46]) في الأصل: "إزاره"، تحريف. يقال إزرة عك وك، وإزرة عكى وكى، وهو أن يسبل طرفي إزاره ويضم سائره.

([47]) يقال أيضاً "الكعنكع". وقد ذكرا في باب العين من اللسان والقاموس.

([48]) بدله في المجمل: "وهم يعلون إبلهم".

([49]) البيت للبيد في ديوانه 13 واللسان (عطن).

([50]) ديوان الأخطل 154 يقوله لعبد الملك. وبعده:

جعلت أجر الذيل مني كأنني *** عليك أمير المؤمنين أمير

([51]) سبق تخريج البيت في (بده).

([52]) في الحيوان (3: 74، 363) أن الرجز لدكين، أو لأبي محمد الفقعسي.

([53]) في القاموس: "عَلَّ يَعِلّ، واعتلَّ، وأعلَّه الله فهو مُعَلّ".

([54]) البيت في اللسان (علل 497). وقصيدته في القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 97 ونسخة الشنقيطي50. وسيأتي في (قبل).

([55]) وفي اللسان أيضاً: "أبو سعيد: والعرب تقول: أنا علان بأرض كذا وكذا، أي جاهل".

([56]) البيت لتوبة بن الحمير من مقطوعة في أمالي القالي (1: 88)، ومنها بيتان في الحماسة (2: 132) وأنشده في اللسان (بصر).

([57]) البيت من مقطوعة لعمرو بن شأس في الحماسة (1: 99). وأنشده في اللسان (عمم).

([58]) هو أبو كبير الهذلي. وقصيدته في ديوان الهذليين (2: 111). وأنشده في اللسان (سهر)، وسبق إنشاده في (سهر).

([59]) في ديوان الهذليين: "كأن جميمها وعميمها".

([60]) ديوان لبيد 193 واللسان (عمم 321 سرا 102). وفي الأصل: "أو سرية" تحريف.

([61]) في الأصل: "العمم"، صوابه من اللسان.

([62]) في الأصل: "أبو درداء".

([63]) الرفض، بالفتح والتحريك. وفي الأصل: "الرخص" في هذا الإنشاد والتفسير بعده. والصواب ما أثبت.

([64]) البيت لذي الرمة في ديوانه 575. وكلمة "تنجو" ساقطة من الأصل.

([65]) ديوان العجاج 63. وفي اللسان (عمم 320): "المعمم" تحريف. وبعده في الديوان:

* حزم وعزم حين ضم الضم *

([66]) البيت مما لم يرو في ديوان العجاج ولا ملحقاته.

([67]) يريح، أي يرد ويرجع. وفي اللسان (عمم 322): "يريغ" بمعنى يطلب.

([68]) في اللسان بعد إنشاده: "يقول: الخلق إنما حاجتهم أن يحجوا، ثم إنهم آبوا مع ذلك بحاجات وذلك معنى قوله: فأبنا بحاجات، أي بالحج".

([69]) هو المرقش الأكبر. وقصيدته في المفضليات (2: 37-41).

([70]) قبله في المفضليات واللسان (عمم):

لا يعبد الله التلبب والـ  ***ـغارات إذ قال الخميس نعم

([71]) في الأصل: "القود".

([72]) التكملة من اللسان (عمم 323).

([73]) ديوان لبيد 43 طبع 1881. واللديد: جانب الوادي.

([74]) في الأصل: "والموطر".

 

 

(عن) العين والنون أصلان، أحدهما يدلُّ على ظهورِ الشيء وإعراضه، والآخر يدلُّ على الحَبْس.

فالأوّل قول العرب: عَنَّ لنا كذا يَعِنّ عُنُونا، إذا ظهر أمامك. قال:

فَعَنَّ لنا سِربٌ كأنّ نعاجَه*** عذارى دَُوَارٍ في مُلاءٍ مُذَيَّلِ([1])

قال ابن الأعرابيّ: العَنان: ما عَنَّ لك من شيء. قال الخليل: عَنان السَّماء: ما عَنَّ لك منها إذا نظرتَ إليها. فأمّا قولُ الشمّاخ:

طوى ظِمْأها في بَيضة القيظ بعدما *** جرت في عَنانِ الشِّعريَينِ الأماعزُ([2])

فرواه قوم كذا بالفتح: "عَنان"، ورواه أبو عمرو: "في عِنان الشِّعر بَين"، يريد أوّل بارحِ الشّعريَين.

قال أبو عبيدة: وفي المثل: "معترضٌ لعَنَن لم يَعْنِه([3]) ".

وقال الخليل: العَنُون من الدَّوابّ وغيرِها: المتقدّم في السَّيْر. قال:

كأنَّ الرّحْلَ شُدَّ به خَنوفٌ  *** من الجَوْنات هاديةٌ عَنونُ([4])

 

قال الفرّاء: العِنان: المُعَانّة، وهي المعارَضة والمعانَدة. وأنشد:

ستَعلم إنْ دارت رحى الحربِ بيننا  *** عِنانَ الشِّمالِ من يكونَنَّ أضْرعا

قال ابنُ الأعرابيّ: شارك فلانٌ فلاناً شِركةَ عِنان، وهو أن يَعِنَّ لبعضِ ما في يده فيشاركه فيه، أي يعرِض. وأنشد:

مابدَلٌ من أُمِّ عثمانَ سَلْفَعٌ  *** من السُّود ورهاءُ العِنان عَرُوبُ([5])

قال: عَروب، أي فاسدة. من قولهم عَرِبَتْ معدته، أي فسدت. قال أبو عبيدة: المِعَنُّ من الخيل: الذي لا يرى شيئاً إلاَّ عارَضَه. قال: والمِعنُّ: الخطيب الذي يشتدُّ نظرُه ويبتلُّ ريقه ويبعُد صوتُه ولا يُعْييه فنٌّ من الكلام. قال:

* مِعَنٌّ بخطبَته مِجْهرُ([6]) *

ومن الباب: عُنوان الكتاب؛ لأنه أبرز ما فيه وأظهَرُه. يقال عَنَنْت الكتابَ أعُنُّه عَنّاً، وعَنْوَنْتُه، وعنَّنته أعنِّنُه تعنينا. وإذا أَمرت قلتَ عَنِّنْه.

قال ابن السِّكِّيت: يقال لقيته عينَ عُنَّةٍ([7]) ، أي فجأة، كأنّه عرَضَ لي من غير طَلَب. قال طُفيل:

* إذا انصرفت من عُنَّةٍ بعد عُنَّةٍ([8]) *

ويقال إنّ الجبلَ الذاهبَ في السّماء يقال [له] عان، وجمعها عَوَانّ.

وأمّا الأصل الآخر، وهو الحبس، فالعُنَّة، وهي الحظيرة، والجمع عُنَن. قال أبو زياد: العُنَّة: بناء تبْنيه من حجارة، والجمع عُنَن. قال الأعشى:

ترى اللّحمَ من ذابِلٍ قد ذوَى  *** ورَطْبٍ يُرفَّع فوقَ العُنَنْ([9])

يقال: عَنَّنْت البعير: حبسته في العُنَّة. وربَّما استثقلوا اجتماعَ النُّونات فقلبوا الآخرة ياء، كما يقولون:

* تَقضِّيَ البازِي إذا البازِي كَسَرْ([10]) *

فيقولون عَنَّيْت. قال:

قطعتَ الدّهرَ كالسَّدِم المُعَنَّى  *** تُهدِّر في دِمشقَ ولا تَريمُ([11])

يراد به المعنّن. قال بعضهم: الفحل ليس بالرِّضا عندهم يعرّض على ثَِيلهِ عود، فإذا تَنوّخَ النّاقةَ ليطرُقها منعه العُود. وذلك العُود النِّجَاف. فإذا أرادوا ذلك نحَّوه وجاؤوا بفحلٍ أكرمَ منه فأضربوه إيّاها، فسمَّوا الأوّلَ المُعَنَّى. وأنشد:

* تَعَنّيتُ للموتِ الذي هو نازِل *

يريد: حبست نفسي عن الشّهوات كما صُنِعَ بالمعَنّى*. وفي المثل: "هو كالمُهَدِّر في العُنَّة([12]) ". قال: والرواية المشهورة: تَعَنَّنتُ، وهو من العِنِّين الذي لا يأتي النِّساء .

ومن الباب: عِنَانُ الفَرَس، لأنّه يَحتبِس، وجمْعه أعِنَّة وعُنُنٌ. الكسائيّ: أعْنَنْتُ الفَرسَ: جعلتُ له عِناناً. وعنَّنْتُه: حبسته بعِنانه. فأمّا المرأة المعنَّنَة فذلك على طريقة التشبيه، وإنما هي اللطيفة البطن، المهفهفة، التي جُدِلت جَدل العِنان. وأنشد: وفي الحيّ بيضاتُ دارّية  *** دَهَاس معنَّنَة المرتدَى([13])

قال أبو حاتم: عِنان المتن حَبْلاه([14]) . وهذا أيضاً على طريقة التشبيه. قال رؤبة:

* إلى عِنانَيْ ضامرٍ لطيفِ([15]) *

والأصل في العِنان ما ذكرناه في الحبْس.

وللعرب في العِنان أمثال، يقولون: "ذلّ لي عنانُه"، إذا انقاد. و"هو شديد العِنان"، إذا كان لا ينقاد. و"أَرْخِ من عِنانه" أي رفِّهْ عنه. و"ملأتُ عِنان الفرس"، أي بلغت مجهودَه في الحُضْر. قال:

حرف بعيد من الحادي إذا ملأت *** شمسُ النهارِ عِنان الأبرَق الصَّخبِ([16])

يريد إذا بلغت الشَّمسُ مجهود الجندب، وهو الأبرق. ويقولون: "هما يجريانِ في عِنانٍ واحد" إذا كانا مستويين في عملٍ أو فضْل. و"جرى فلانٌ عِناناً أو عنانين"، أي شوطاً أو شَوطين. قال الطِّرِمّاح:

سيعلمُ كلهم أنّي مُسِنٌّ  *** إذا رفعوا عناناً عن عِنانِ([17])

قال ابن السِّكّيت: "فلان طَرِبُ العِنان" يراد به الخفّة والرّشاقة. و "فلانٌ طويل العِنان"، أي لا يُذَاد([18]) عما يريد، لشرفه أو لماله. قال الحطيئة:

* مجدٌ تليدٌ وعِنانٌ طويل([19]) *

وقال بعضهم: ثنيت على الفرس عِنانَه، أي ألجمته. واثْنِ على فرسك عِنانَه، أي ألجِمْه. قال ابنُ مقبل:

وحاوَطَنِي حتَّى ثنيتُ عِنانَه  *** على مُدبِرِ العِلْباء ريَّانَ كاهِلُهْ([20])

وأمَّا قولُ الشّاعر:

ستعلم إن دارت رحَى الحرب بيننا  *** عِنانَ الشِّمال من يكونَنَّ أَضْرَعا

فإنَّ أبا عبيدة قال: أراد بقوله: عِنان الشِّمال، يعني السَّير الذي يعلَّق به في شِمال الشَّاة، ولقَّبه به. وقال غيره: الدّابّة لا تُعطف إلاَّ من شِمالها. فالمعنى: إنْ دارت مدارَها على جهتها. وقال بعضهم: عِنان الشمال أمر مشؤوم كما يقال لها:

* زجَرْتُ لها طَير الشِّمال([21]) *

ويقولون لمن أنجَحَ في حاجته: جاء ثانياً عِنَانَه.

(عب) العين والباء أصل صحيح واحد يدلُّ على كثرة ومعظمٍ في ماءٍ وغيره. من ذلك العَبُّ، وهو شُرب الماء من غير مصّ. يقال عَبَّ في الإناء يَعُبُّ عَبّاً، إذا شرب شُرباً عنيفاً. وفي الحديث: "اشربوا الماء مصّاً ولا تَعُبُّوه عَبّاً؛ فإنّ الكُبادَ من العَبِّ". قال:

* إذا يعُبُّ في الطَّوِيِّ هَرهَرا([22]) *

ويقال عَبَّ الغَرْب يَعُبّ عَبّاً، إذا صوَّتَ عند غَرف الماء. والعُباب في السَّير: السُّرعة([23]) . قال الفرّاء: العُباب: معظَم السَّيل. ومن الباب اليَعبوبُ: الفرس الجواد الكثير الجري، وقيل: الطَّويل، وقيل: هو البعيد القَدْر في الجري، وأنشد:

بأجشِّ الصَّوتِ يعبوبٍ إذا  *** طُرِقَ الحيُّ من الغَزو صَهَلْ

واليعبوب: النّهر الكثير الماء الشّديد الجِرية. قال:

تخطُو على بَرديَّتينِ غذاهما  *** غَدِقٌ بساحة حائرٍ يعبوبِ([24])

ويقولون: إنّ العَبْعَب من الرِّجال: الذي يُعَبْعِب في كلامه ويتكلَّم في حَلْقه. ويقال ثوبٌ عَبْعَبٌ وعَبعاب، أي واسِعٌ. قال: والعبعاب من الرِّجال: الطويل. والعَبعَب: كساء من أكسية الصوف ناعم دقيق. وأنشد:

ولُبْسِكِ العَبعبَ بعد العبعبِ ***

بُدِّلتِ بعد العُرْيِ والتّذعلُبِ

مطارفَ الخَزّ فجرِّي واسحبي([25])

ومما شذّ عن هذا الباب العُبَب([26]) : شجرة تشبه الحَرمل إلاّ أنّها أطوَلُ في السَّماء، تخرج خيطاناً، ولها سِنَفَة مثل سِنَفَة الحرمل، وورقها كثيف. قال ابنُ مَيّادة:

كأنَّ بَرديَّةً جاشت بها خُلُجٌ  *** خُضْرُ الشَّرائع في حافاتها العُبَبُ

ومما يقارب الباب الأوَّلَ ولا يبعد عن قياسه، ما حكاه الخليل أن العبعب: نَعْمة الشَّباب. والعَبعَب من الشُّبان: التامّ.

(عت) * العين والتاء أصلان: أحدهما صحيح يدلُّ على مراجعةِ كلامٍ وخصام، والآخر شيءٌ قد قيل من صفات الشُّبّان، ولعلّهُ أن يكون صحيحاً.

فالأوّل ما حكاه الخليل عتّ يعُتّ عتَّاً، وذلك إذا ردَّدَ القولَ مرَّة بعد مرة. وعَتَتُّ على فلانٍ قولَه، إذا ردّدتَ عليه القولَ مرَّةً بعد مرَّة. ومنه التَّعتُّت في الكلام، يقال تَعَتَّتَ يتعتَّت تعتُّتاً، إذا لم يستمرّ فيه. وأنشد:

خليليَّ عُتَّا لي سُهَيْلة فانظرا  *** أجازعةٌ بعدي كما أنا جازعُ

يقول: رادَّاها الكلامَ. يقال منه عاتَتّه أُعاتُّه معاتّةً. قال أبو عبيد: مازِلت أُعاتُّ فلاناً وأُصاتُّه، عِتَاتاً وصِتاتاً، وهما الخصومة. وأصل الصَّت الصّدْم.

وأمَّا الأصل الذي لَعلّه أن يكون صحيحاً فيقولون: إن العُتْعُت: الشَّابّ.

قال:

لما رأته مُودَناً عِظْيرّا  *** قالت أريد العُتعت الذِّفِرَّا([27])

الذّفِرّ: الطّويل. المُودَن والعِظْيَرّ: القصير. ويقولون: إنّ العُتعُت: الجدي.

(عث) العين والثاء أصلان صحيحان: أحدهما يدلُّ على دويْبَّة معروفة، ثم يشبَّه بها غيرها، والآخر يدلُّ على نَعمةٍ في شيء.

فأمَّا النَّعمة فقال الخليل: العَثعَث: الكثيب السَّهل. قال:

كأنَّه بالبحر من دون هَجَرْ  *** بالعَثْعَث الأقصى مع الصُّبْح بَقَرْ

قال بعضهم: العَثْعَث من العَدَاب([28]) واللَّبَب، وهما مُسترَقّ الرَّمل([29]) ومكتنَزُه. والعَثْعَث من مكارم النَّبات([30]) . قال:

كأنّها بيضةٌ غَرّاء خُطّ لها في *** عَثْعَث يُنبِت الحَوْذان والعَذَما([31])

ومن الباب أو قريبٍ منه، تسميتُهم الغِناء عِثَاثاً، وذلك لحُسْنه ودَماثة اللفظ به([32]) . قال كثيِّر:

هَتُوفاً إذا ذاقها النّازعونَ  *** سمعتَ لها بعد حَبْضٍ عثاثا([33])

وعَثْعَثُ الوَرِك: ما لان منه. قال ذو الرُّمَّة:

تريكَ وذا غدائرَ وارداتٍ  *** يُصبْن عَثاعِث الحَجَبات سُودِ([34])

والأصل الآخر العُثَّة، وهي السُّوسة التي تلحس الصُّوف. يقال عَثَّتِ الصُّوفَ وهي تَعُثُّه، إذا أكلَتْه. وتقول العرب:

* عثَيثة تقرُمُ جِلداً أملسا([35]) *

يضرب مثلاً للضَّعيف يَجهَد أن يؤثِّر في الشّيء فلا يقدِر عليه.

ومما شُبِّه بذلك قولُ أبي زيدٍ: إنَّ العُثّة من النِّساء الخاملة([36]) ، ضاويّةً كانت أو غير ضاويّة، وجمعها عثائث. وقال غيره: هي العجوز. وأنشد:

فلا تحسبَنِّي مثلَ مَن هو قاعدٌ  *** على عُثَّةٍ أو واثقٌ بكسادِ

ومما يُحمَل على هذا قولُهم: فلان عُثُّ مالٍ، أي إزاؤُه، أي كأنَّه يلزمه كما تلزم العُثَّة الصُّوف. ومنه عَثْعَث بالمكان: أقام به. وعثعثت إلى فلانٍ، أي ركنتُ إليه.

(عج) العين والجيم أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على ارتفاعٍ في شيء، من صوتٍ أو غبارٍ وما أشبه ذلك. من ذلك العجُّ: رفْع الصَّوت. يقال: عجّ القومُ يَعِجُّون عَجّاً وعجيجاً وعجُّوا بالدُّعاء، إذا رفعوا أصواتَهم. وفي الحديث: "أفضل الحجّ العَجّ والثَّجّ"، فالعجّ ما ذكرنا. والثَّجُّ. صبُّ الدّم. قال وَرَقة:

وُلوجاً في الذي كَرِهت مَعدٌّ  *** ولو عَجَّت بمكَّتها عجيجا([37])

أراد: دخولاً في الدِّين. وعجيج الماء: صوته؛ ومنه النهر العَجَّاج. ويقال عَجَّ البعير في هديره يَعَِجّ عجيجاً. قال:

* أنعَتُ قَرماً بالهَدير عاجِجَا *

فإن كرّرَ هديره قيل عَجْعج. ويقولون عَجَّت القَوس، إذا صوّتت. قال:

تَعُجُّ بالكفِّ إذا الرّامي اعتزم  *** ترنُّمَ الشّارف في أُخرَى النعَمْ

قال أبو زيد: عَجَّت الرِّيح وأعَجَّت، إذا اشتدت وساقَت التُّراب. ويوم مِعَجٌّ أي ذو عَجَاج. والعَجاج: الغبار تَثُور به الرِّيحُ، الواحدة عَجَاجة. ويقال عجَّجت الرِّيح تعجيجاً. وعَجَّجْتُ البيتَ دخاناً حتَّى تَعَجَّج.

ومن الباب: فرس عجعاج، أي عَدَّاء. قال: وإنَّما سمِّي بذلك لأنه يثير العَجَاج. وأنشد:

وكأنَّه والرِّيح تضرب بُرْدَه  *** في القوم فوق مخيَّسٍ عجعاجِ

والعَجَاجة: الكثيرة([38]) من الغَنم والإبل.

ومما يجري مَجرى المثلِ والتَّشبيه: فلانٌ يلفّ عجاجَتَه([39]) على فلان، إذا أغار عليه* وكأنَّ ذلك من عجاجة الحرب وغيرها. قال الشَّنفَرى:

وإني لأهوى أنْ أَلُفّ عَجاجتي *** على ذِي كِساءٍ من سَلامانَ أو بُرْدِ([40])

وحكى اللِّحياني: رجل عَجعاجٌ، أي صَيَّاح. وقد مرّ قياسُ الباب مستقيماً. فأمّا قولهم: إنّ العجعجة أن تجعل الياء المشدّدة جيماً، وإنشادُهم:

* يا ربِّ إِنْ كنتَ قبِلتَ حِجَّتِجْ *

فهذا مما [لا] وجْهَ للشُّغل به، ومما لا يدرى ما هو.

(عد) العين والدال أصلٌ صحيح واحد لا يخلو من العَدّ الذي هو الإحصاء. ومن الإعداد الذي هو تهيئة الشَّيء. وإلى هذين المعنيين ترجع فروعُ الباب كلها. فالعَدُّ: إحصاء الشيء. تقول: عددت الشيءَ أعُدُّه عَدّاً فأنا عادٌّ، والشيء معدود. والعَديد: الكثرة. وفلانٌ في عِداد الصَّالحين، أي يُعَدُّ معهم. والعَدَد: مقدار ما يُعَدُّ، ويقال: ما أكثَرَ عديدَ بني فلان وعَدَدهم. وإنّهم ليتعادُّون ويتعدَّدُون على عشرة آلاف، أي يزيدون عليها. ومن الوجه الآخر العُدَّة. ما أُعِدَّ لأمرٍ يحدث. يقال أعددت الشيء أعِدُّه إعداداً. واستعددت للشيء وتعدَّدت له.

قال الأصمعيّ: وفي الأمثال:

* كلُّ امرئٍ يَعْدُو بما استعدَّا([41]) *

ومن الباب العِدَّة من العَدّ. ومن الباب: العِدّ: مجتَمع الماء، وجمعه أعداد. وإنما قلنا إنَّه من الباب لأنَّ الماء الذي لا ينقطع كأنَّه الشيء الذي أُعِدَّ دائماً. قال:

وقد أجَزْتُ على عَنْس مذكَّرة  *** ديمومةً ما بها عِدٌّ ولا ثَمَدُ([42])

قال أبو عُبيدة: العِدَّ: القديمة من الرَّكايا الغزيرة، ولذلك يقال: حَسَبٌ عِدٌّ أي قديم، والجمع أعداد. قال: وقد يجعلون كلَّ رَكيّةٍ عِدّاً. ويقولون: ماءٌ عِدٌّ، يجعلونه صِفَةً، وذلك إذا كان من ماءِ الرَّكايا. قال:

لو كنتَ ماءً عِدّاً جَمَمْتُ إذا  *** ما أوْرَدَ القوم لم يكُنْ وَشَلاَ([43])

قال أبو حاتم: العِدُّ: ماءُ الأرض، كما أنَّ الكَرَع ماءُ السَّماء. قال ذو الرّمّة:

بها العِينُ والآرامُ لا عِدَّ عندها *** ولا كَرَعٌ، إلاَّ المغاراتُ والرَّبْلُ([44])

فأمّا العِدَاد فاهتياج وجَع اللّديغ. واشتقاقه وقياسه صحيح؛ لأنَّ ذلك لوقتٍ بعينه، فكأنّ ذلك الوقتَ يُعَدُّ عَدَّاً. قال الخليل: العِداد اهتياج وجَع اللّديغ، وذلك أنْ رُبَّ حيَّةٍ إذا بَلَّ سليمُها عادت. ولو قيل عادَّته، كان صواباً، وذلك إذا تمّت لـه سنةٌ مذْ يومَ لُدِغ اهتاج به الألم. وهو مُعادٌّ، وكأنَّ اشتقاقَه من الحساب من قِبَل عدَد الشَّهور والأيام، يعني أنّ الوجع كان يعدّ ما يمضي من السنة، فإذا تمّت عاوَدَ الملدوغ. قال الشّيباني: عِدَاد الملدوغ: أن يجد الوجَعَ ساعةً بعد ساعة. قال ابن السِّكيت: عِدَاد السَّليم: أن يُعَدَّ لـه سبعةُ أيام، فإِذا مضت رجَوْا له البُرْء وإذا لم تمضِ سبعة، فهو في عداد. قال ابن الأعرابي: العِداد يوم العطاء وكذلك كلُّ شيءٍ كان في السّنة وقتاً مؤقتاً. ومنه قوله عليه السلام:"ما زالت أُكْلةُ خَيبرَ تعادُّني فهذا أوَانَ قطعَتْ أبهَري"، أي تأتيني كلَّ سنةٍ لوقت. قال:

أصبح باقي الوصلِ من سُعادا  *** عَلاقةً وسَقَماً عِدادا

ومن الباب العِدَّانُ: الزمان، وسمِّي عِدّاناً لأنَّ كلَّ زمانٍ فهو محدود معدود. وقال الفرزدق:

بكيتَ امرأً فَظَّاً غليظاً ملعَّنا  *** ككِسرى على عِدَّانه أو كقيصرَا([45])

قال الخليل: يقال: كانَ ذلك في عِدَّان شبابه وعِدّان مُلْكه، هو أكثره وأفضله وأوّله. قال:

* والملك مخْبوٌّ على عِدّانه *

المعنى أنّ ذلك كان مهيّأ لـه مُعَدّاً. هذا قول الخليل. وذكر عن الشيباني أن العِداد أن يجتمع القومُ فيُخرجَ كلُّ واحدٍ منهم نفقةً. فأمّا عِداد القوس فناسٌ([46]) يقولون إنّه صوتُها، هكذا يقولون مطلقاً. وأصحُّ [من] ذلك ما قاله ابن الأعرابيّ، أنّ عداد القوس أن تنبِض بها ساعةً بعد ساعة. وهذا أقْيَس. قال الهذليُّ([47]) في عِدادها:

وصفراءَ* من نبعٍ كأنَّ عِدادَها  *** مُزَعْزِعةٌ تُلقِي الثِّيابَ حُطومُ

فأمّا قول كُثَيِّر:

فدَع عنك سُعْدى إنّما تُسْعِفُ النَّوى *** عِدَادَ الثُّرَيَّا مرَّةً ثم تأفُِلُ([48])

فقال ابنُ السّكّيت: يقال: لقيتُ [فلاناً] عِداد الثُّرَيَّا القمر، أي مرّةً في الشّهر. وزعموا أنّ القمر ينزل بالثُّرَيَّا مرّةً في الشّهر.

وأمّا مَعدٌّ فقد ذكره ناسٌ في هذا الباب، كأنّهم يجعلون الميم زائدة، ويزنونه بِمَفْعَل، وليس هذا عندنا كذا، لأنَّ القياس لا يوجبه، وهو عندنا فَعَلٌّ من الميم والعين والدال، وقد ذكرناه في موضعه من كتاب الميم.

(عر) العين والراء أصول صحيحة أربعة.

فالأول يدلُّ على لَطْخِ شيءٍ بغير طيّب، وما أشبه ذلك، والثاني يدلُّ على صوت، والثالث يدلُّ على سموٍّ وارتفاع، والرابع يدلُّ على معالجةِ شيء. وذلك بشرط أنّا لا نعدُّ النّباتَ ولا الأماكن فيما ينقاس من كلام العرب.

فالأوّل العَرُّ والعُرّ. قال الخليل: هما لغتان، يقال الجَرَب. وكذلك العُرَّة. وإنما سُمِّيَ بذلك لأنّه كأنَّه لطْخٌ بالجسَد. ويقال العُرَّة القَذَر بعينه. وفي الحديث: "لعن الله بائع العُرّة ومشتريها".

قال ابنُ الأعرابيّ: العَرُّ الجَرَب. والعُرّ: تسلّخ جلد البعير. وإنما يُكوَى من العَرّ لا من العُرّ. قال محمد بن حبيب: جمل أعَرُّ، أي أجرب. وناقة عَرّاء. قال النَّضر: جَمَلٌ عارٌّ وناقة عارّة، ولا يقال مَعرور في الجَرب، لأن المعرورة([49]) التي يُصيبها عَيْنٌ في لبنها وطَرْقها. وفي مثلٍ: "نَحِّ الجَرباء عن العارَّة". قال: والجرباء: التي عَمَّها الجربُ، والعارّة: التي قد بدأ فيها ذلك، فكأنّ رجلاً أراد أن يبعُد بإبله الجرباء([50]) عن العارّة، فقال صاحبُه مبكّتاً له بذلك، أي لِمَ يُنَحِّيها وكلُّها أجرب. ويقال: ناقةٌ معرورة قد مَسَّتْ ضرعَها نجاسةٌ فيفسُد لبنُها([51]) . ورجلٌ عارورة، أي قاذورة، قال أبو ذؤيب:

* فكلاًّ أراه قد أصابَ عُرورُها([52]) *

قال الأصمعيّ: العَرُّ: القَرْح، مثل القُوَباء يخرج في أعناق الإبل، وأكثرُ ما يُصيب الفُِصلان:

قال أبو زيد: يقال: أعَرَّ فلانٌ، إذا أصاب إبلَه العُرّ.

قال الخليل: العُرَّة: القَذَر، يقال هو عُرّة من العُرَر، أي مَن دنا منه لَطَّخه بشرّ. قال: وقد يُستعمَل العُرَّة في الذي للطَّير أيضاً. قال الطِّرِمّاح:

في شَنَاظِي أُقَن بينَها *** عُرَّةُ الطَّير كصَومِ النَّعامْ([53])

 

الشَّناظِي: أطراف الجبل، الواحد شُنْظُوَة. ولم تُسمَع إلا في هذا البيت.

ويقال: استعرَّهم الشّرُّ، إذا فشا فيهم. ويقال عَرّهُ بشرّ يُعرُّه عَرَّا، إذا رماه به. قال الخليل: المَعَرَّة: ما يصيب الإنسانَ من إثم. قال الله سبحانه:{فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح 25].

ولعل من هذا الباب ما رواه أبو عبيدٍ: رجلٌ فيه عَرَارةٌ، أي سُوء خُلُق.

فأمّا المعْتَرُّ الذي هو الفقير والذي يَعْتَرُّكَ ويتعرَّض لك، فعندنا أنّه من هذا، كأنَّه إنسان يُلاَزُّ ويلازم. والعَرَارة التي ذكرها أبو عبيدٍ من سوء الخُلُق، ففيه لغةٌ أخرى، قال الشيبانيّ: العُرْعُر: سوء الخُلُق. قال مالك الدُّبيريّ([54]) :

وركبَتْ صَوْمَها وعُرْعُرَها  *** فلم أُصْلِحْ لها ولم أَكَِدِ([55])

يقول: لم أُصْلِح لهم ما صَنَعُوا([56]) . والصَّوم: القذر. يريد ارتكبَتْ سوءَ أفعالها ومذمومَ خُلُقها.

ومن الباب المِعْرَار، من النَّخْل([57]) . قال أبو حاتم: المعرار: المِحْشاف. ويقال: بل المِعْرَار التي يُصِيبُها [مثل العَرّ، وهو([58]) ] الجرب.

ــــــــــــــــ

([1]) لامرئ القيس في معلقته. ودوار: صنم، يقال بضم الدال وفتحها مع شدها وتخفيفها.

([2]) في الأصل: "في بيضة القيض" تحريف، صوابه في اللسان (بيض). وفي الديوان 44: "في بيضة الصيف".

([3]) في اللسان (عنن 163): "مُعْرِض".

([4]) البيت للنابغة في اللسان (عنن 176 خذف 408). والخذوف: الأنان تخذف من سرعتها الحصى، أي ترميه. وفي الأصل: "خذروف" تحريف. ويروى أيضاً: "خنوف".

([5]) وكذا ورد إنشاده في اللسان (عنن 164) وذكر بعده قوله: "معنى قوله ورهاء العنان أنها تعتن في كل كلام وتعترض". وأنشده في (عرب 81): "فما خلف من أم عمران".

([6]) الشعر لطحلاء يمدح معاوية بالجهارة، كما في البيان والتبيين (1: 127) بتحقيقنا. وصدر البيت: * ركوب المنابر وثابـها *

([7]) كذا ورد ضبطه في الأصل والمجمل.

([8]) كذا ضبط في الأصل، وهو ما يقتضيه الاستشهاد. وقد أنشده صاحب اللسان في (عنن) شاهداً لقوله: "والعنة، بالفتح: العطفة". وعجز البيت كما في اللسان وديوان طفيل 10: * وجرس على آثارها كالملوب *

([9]) ديوان الأعشى 19 واللسان (عنن 166).

([10]) العجاج في ديوانه 17 واللسان (قضض).

([11]) للوليد بن عقبة، كما في اللسان (سدم، عنا). وهو من أبيات يحض فيها معاوية على قتال علي، رواها صاحب اللسان في (حلم 36-37).

([12]) قال في اللسان (عنن 116): "يضرب مثلاً لمن يتهدد ولا ينفذ".

([13]) في الأصل: "دهالس"، تحريف. والدهاس: كل لين جداً من الرمال شبههن بالكثيب اللين.

([14]) في الأصل: "جلاه"، صوابه في المجمل واللسان.

([15]) ديوان رؤبة 102 واللسان (عنن 165) .

([16]) أنشده في اللسان (عنن) .

([17]) ديوان الطرماح 175 واللسان (عنن) وفي شرح الديوان:" المعنى سيعلم الشعراء أني قارح".

([18]) في الأصل: "لا يراد".

([19]) صدره في ديوانه 84: * بلغه صالح سعي الفتى *

([20]) البيت في اللسان (عنن).

([21]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 70 واللسان (شمل). والبيت بتمامه:

زجرت لها طير الشمال فإن تكن  *** هواك الذي تهوى يصبك اجتنابها

([22]) في اللسان (هرر) والمخصص: (17: 26):

سلم ترى الدالي منه أزورا  *** إذا يعب في السري هرهرا

([23]) هذه الكلمة لم ترد في المتداولة، ولم تذكر في المجمل.

([24]) البيت لقيس بن الخطيم في ديوانه 6. وروي عجزه في اللسان (2: 63) محرفاً، وقد سبق في (2: 123) .

([25]) الرجز في اللسان (عبب).

([26]) لم ترد الكلمة في اللسان. وفي القاموس أنه "الردن"، وهو أصل الكم.

([27]) الرجز في اللسان (عتت).

([28]) العداب، بالدال المهملة: المستدق من الرمل. وفي الأصل: "العذاب" تحريف.

([29]) يقال مسترق ومستدق أيضاً بالدال. وهو ما رق ودق، وفي اللسان (دقق): "ومستدق كل شيء ما دق منه واسترق". وفي (رقق): "ومسترق الشيء: ما رق منه".

([30]) أي من المواضع التي يجود فيها النبات، جمع مكرمة، بفتح الميم والراء.

([31]) البيت للقطامي في ديوانه 69 واللسان (عثث، عذم).

([32]) يقال منه عاثَّ يعاثّ معاثّة وعثاثاً.

([33]) البيت في المجمل واللسان (عثث).

([34]) ديوان ذي الرمة 151 والمجمل (عث). وبعده في الديوان:

مقلد حرة أدماء ترمي  *** بحدتها بقاترة صيود

([35])من أقدم من ضرب هذا المثل، الأحنف بن قيس، حين عابه حارثة بن بدر الغدافي، عند زياد، اللسان (عثث) والميداني (2: 424).

([36]) الخاملة، بالخاء المعجمة، وفي اللسان: "المحقورة الخاملة" وفي الأصل: "الحاملة".

([37])  البيت من أبيات له في سيرة ابن هشام 121 جوتنجن. وفيها "قريش" بدل "معد". وقبله:

فيا ليتي إذا ما كان ذاكم  *** شهدت وكنت أكثرهم ولوجا

([38]) وكذا في المجمل، وفي اللسان: "الكثير".

([39]) في الأصل: "بجناحيه"، صوابه في المجمل واللسان: وفي المجمل أيضاً: "على بني فلان، إذا أغار عليهم". وفي اللسان: "على بني فلان، أي يغير عليهم".

([40]) البيت مع قرين له في الأغاني (21: 88). وقد أنشده في المجمل واللسان (عجج). انظر نوادر أبي زيد 164، وشرح شواهد الشافية للبغدادي 143 ومجالس ثعلب 143.

([41]) ورد المثل منثوراً في الميداني (2: 95).

([42]) في الأصل: "عيس"، تحريف. وأنشد في اللسان للراعي:

في كل غبراء مخشي متالفها  *** ديمومة ما بها عد ولا ثمد

([43]) البيت للأعشى في ديوانه 157. وروايته فيه: "إذا ما أورد القوم لم تكن". وقد أشار في الشرح إلى ما يطابق رواية ابن فارس.

([44]) ديوان ذي الرمة 458. وأولـه فيه: "سوى العين". وفي الأصل: "لا عند عندها ولا الكرع المغارات والرمل"، وتصحيحه من الديوان. وفي شرح الديوان: "المغارات: مكانس الوحش. والربل: النبات الكثير".

([45]) البيت مما لم يرو في ديوان الفرزدق. وهو من أبيات له يهجو بها مسكيناً الدارمي، وكان مسكين قد رثى زياداً ابن أبيه. انظر اللسان (عدد) والأغاني (18: 68) ومعجم البلدان(رسم ميسان)والخزانة (1: 468).

([46]) في الأصل: "قياس". وصوبته من مألوف عباراته.

([47]) هو ساعدة بن جؤية الهذلي، من قصيدة في ديوانه 227.

([48]) سبق البيت بدون نسبة في (أفل) برواية: "قران الثريا". وأنشده في اللسان (عدد).

([49]) لم تذكر هذه الكلمة في اللسان، وذكرت في القاموس (عرر) مفسرة بقوله "التي أصابتها عين في لبنها" والطرق المذكورة في تفسير ابن فارس، هو ضراب الفحل.

([50]) وهذا شاهد آخر لوصف الجمع بفعلاء المفرد. انظر ما أسلفت من التحقيق في مجلة الثقافة 2151 والمقتطف نوفمبر سنة 1944 والمقاييس (حر).

([51]) هذا التفسير لم يرد في المجمل ولا في سائر المعاجم المتداولة.

([52])  كلمة " أراه" ساقطة من الأصل. وصدر البيت في ديوانه 154:

* خليلي الذي دلى لغي خليلتي *

وعجزه في اللسان:

* جهارا فكل قد أصاب عرورها *

وضبطت " عرورها" بالنصب، صوابه الرفع، فالقصيدة مضمومة الروي.

([53]) ديوان الطرماح 97 واللسان (شنظ، أقن). وقد سبق في (أقن).

([54]) في الأصل: "ملك الزبيري".

([55]) أنشد صدره في اللسان (عرر 236 س11).

([56]) قد فهم أن المراد قبيلة من القبائل. لكن في اللسان: "في قول الشاعر يذكر امرأة".

([57]) في الأصل: "المعرار ومن النخل"، صوابه في اللسان.

([58]) التكملة من اللسان.

ومن الباب العَرِير، وهو الغريب. وإنما سمِّيَ عَرِيراً على القياس الذي ذكرناه لأنّه كأنَّه عُرَّ بهؤلاء الذين قَدِمَ عليهم، أي أُلصِق بهم. وهو يرجع إلى باب المعترّ.

ومن ذلك حديث حاطب، حين قِيل لـه: لِمَ كاتبتَ أهل مَكَّة؟ فقال: "كنتُ عريراً فيهم" أي غريباً لا ظَهْرَ لي.

ومن الباب المَعَرَّة في السَّماء، وهي ما وراء المَجَرّة من ناحية القطب الشَّماليّ. سُمّي مَعرَّةً لكثرة النُّجوم فيه. قال: وأصل المَعَرَّة موضعُ العَرّ، يعني الجَرَب. والعرب تسمِّي السّماءَ الجَرباءَ، لكثرة نجومها. وسأل رجلٌ رجلاً عن منزله *فأخبره أنّه ينزِل بين حَيّين عظيمين من العرب، فقال: "نَزَلْتَ بَينَ المَجَرَّة والمَعرَّة".

والأصل الثّاني: الصّوت. فالعِرَار: عِرَارُ الظَّليم، وهو صوتُه. قال لبيد:

تحمَّلَ أهلُها إلا عِراراً *** وعَزْفاً بعد أحياءٍ حِلالِ([1])

قال ابن الأعرابيّ: عارّ الظليم يُعارُّ. ولا يقال عَرَّ. قال أبو عمرو: العِرار: صوت الذّكر إذا أرادَ الأنثَى. والزِّمار: صوت الأنْثى إذا أرادت الذّكر. وأنشد:

متى ما تشأ تسمع عِراراً بقَفْرةٍ  *** يجيب زِماراً كاليَرَاع المُثَقَّبِ([2])

قال الخليل: تعارَّ الرّجلُ يتعارُّ، إذا استيقظ من نومه. قال: وأحسب عِرارَ الظَّليم من هذا. وفي حديث سَلْمان: "أنّه كان إذا تعارّ من اللّيل سَبّح".

ومن الباب: عَرْعَارِ([3]) ، وهي لُعْبةٌ للصِّبْيان، يَخْرُج الصَّبيُّ فإذا لم يجِدْ صِبياناً رفع صوتَه فيخرجُ إليه الصِّبيان. قال الكميت:

حيث لا تنبِض القِسيُّ ولا تَلْـ  *** ـقَى بعَرعارٍ ولِدةٍ مذعُورا

وقال النابغة:

متكنِّفَيْ جنْبَيْ عكاظَ كلَيْهما *** يدعو وليدُهم بها عرعارِ([4])

يريد أنّهم آمنون، وصِبيانُهم يلعبون هذه اللُّعبة. ويُريد الكميتُ أنّ هذا الثّورَ لا يسمع إنباضَ القِسيِّ ولا أصواتَ الصِّبيان ولا يَذْعَره صوت. يقال عَرعَرة وعرعارِ، كما قالوا قرقرةٌ وقرقارِ، وإنّما هي حكاية صِبية العرب.

والأصل الثالث الدالُّ على سموٍّ وارتفاع. قال الخليل: عُرعُرة كلِّ شيء: أعلاه. قال الفرّاء: العُرْعُرة: المَعرَفَة([5]) من كلِّ دابة. والعُرعُرة: طَرَف السَّنام. قال أبو زيد: عُرعُرة السَّنام: عَصَبةٌ تلي الغَراضِيف.

ومن الباب: جَمل عُراعِرٌ، أي سَمين. قال النابغة:

له بفناء البيت جَوْفاء جَونةٌ  *** تلقَّم أوصالَ الجَزورِ العُراعِر([6])

ويتّسعون في هذا حتى يسمُّو الرّجلَ الشَّريف عُراعِر. قال مُهَلهل([7]) :

خَلَعَ الملوكَ وسار تحت لوائِه  *** شَجرُ العُرَى وعُراعِر الأقوامِ

ومن الباب: حمارٌ أعَرُّ، إذا كان السِّمن في صدره وعنقه. ومنه العَرارَة وهي السُّودد. قال:

إنّ العَرارَة والنُّبوحَ لدارمٍ  *** والمستخفَُّ أخوهم الأثقالا([8])

قال ابنُ الأعرابيّ: العَرَارة العِزّ، يقال هو في عَرارة خير([9]) ، وتزوَّج فلانٌ في عَرارةِِ نساءٍ، إذا تزوَّج في نساءٍ يلِدْن الذُّكور. فأمّا العَررُ الذي ذكره الخليل في صِغَر السَّنام فليس مخالفاً لما قلناه؛ لأنّه يرجِع إلى الباب الأوّل من لُصوق الشَّيء بالشيء، كأنَّه من صِغَرِه لاصِقٌ بالظّهر. يقال جملٌ أعرُّ وناقة عَرَّاء، إذا لم يَضخُم سَنامُها وإن كانت سمينة؛ وهي بيِّنَة العَرَر وجمعها عُرٌّ. قال:

* أبدأْنَ كُوماً ورَجَعْنَ عُرَّا *

ويقولون: نعجةٌ عرّاء، إذا لم تسمن ألْيتُها؛ وهو القياس، لأنَّ ذلك كالشيء الذي كأنّه قد عُرَّ بها، أي أُلصِق.

والأصل الرابع، وهو معالجةُ الشَّيء. تقول: عَرعَرتُ اللَّحمَ عن العظم، وشرشرتُه، بمعنىً. قالوا: والعَرعَرة المعالجة للشَّيء([10]) بعَجَلة، إذا كان الشّيءُ يعسُر علاجُه. تقول: عرعرت رأسَ القارورة، إذا عالجتَه لتُخرِجَه. ويقال إنَّ رجلاً من العرب ذبَح كَبْشاً ودعا قومَه فقال لامرأته: إنِّي دعوتُ هؤلاء فعالجِي هذا الكبشَ وأسْرِعِي الفراغَ منه، ثمَّ انطلَقَ ودعا بالقوم، فقال لها: ما صنعتِ؟ فقالت: قد فرغت منه كلِّه إلاَّ الكاهلَ فأنا أعَرْعِرُه ويُعرعِرُني. قال: تزوَّديه إلى أهلك. فطلَّقها. وقال ذو الرّمَّة:

وخضراءَ في وكرينِ عَرعرتُ رأسَها *** لأُبْلِي إذا فارقت في صُحبتي عُذْرَا([11])

فأمَّا العَرْعَر فشَجر. وقد قُلنا إنَّ ذلك [غير] محمول على القياس، وكذلك أسماء الأماكن نحو عُراعِر، [ومَعَرِّ]ين([12]) ، وغيرِ ذلك.

(عز) العين والزاء أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على شدّةٍ وقوّةٍ وما ضاهاهما، من غلبةٍ وَقهر. قال الخليل: "العِزَّة لله جلّ ثناؤُه، وهو من العزيز. ويقال: عَزّ الشّيء حتى يكاد لا يوجد". وهذا وإنْ كان صحيحاً فهو بلفظ آخر أحسن، فيقال: هذا الذي لا يكادُ يُقدَر عليه. ويقال عزّ الرّجُل بعد *ضعفٍ وأعزَزْتُه أنا: جعلتُه عزيزاً. واعتزَّ بِي وتعزَّزَ. قال: ويقال عَزّه على أمرٍ يَعُِزُّه، إذا غلبَه على أمره. وفي المثل:"مَن عَزّ بَزّ"، أي من غلب سَلَب. ويقولون: "إذا عَزَّ أخوك فَهُن"، أي إذا عاسَرَك فياسِرْه. والمُعازَّة: المغالَبة. تقول: عازَّني فلان عِزازاً ومُعَازّة فعزَزْتُه: أي غالَبَني فغلبتُه. وقال الشاعر يصف الشَّيب والشباب:

ولما رأيت النَّسر عزَّ ابنَ دأيةٍ وعشَّش *** في وكريْه جاشت لـه نَفْسِي([13])

قال الفرّاء: يقال عَزَزت عليه فأنا أعِزّ عِزَّاً وعَزَازةً، وأعززْتُه: قوَّيتُه، وعزّزْتُه أيضاً. قال الله تعالى:{فَعَزَّزْنَا بِثَالثٍ} [يس 14]. قال الخليل: تقول: أُعززْتُ بما أصاب فلاناً، أي عظُم عَلَيَّ واشتدّ.

ومن الباب: ناقةٌ عَزُوزٌ، إذا كانت ضيِّقة الإحليل لا تَدُِرّ إلاّ بجَهْد. يقال: قد تعزَّزَتْ عَزَازة. وفي المثل: "إنّما هو عَنْزٌ عَزوزٌ لها درٌّ جمٌّ". يضرب للبخيل الموسِر. قال: ويُقال عَزَّتِ الشَّاة تعُزُّ عُزوزاً، وعَزُزَتْ أيضاً عُزُزاً فهي عَزُوز، والجمع عُزُزٌ. ويقال استُعِزَّ على المريض، إذا اشتدَّ مرضُه. قال الأصمعيّ: رجلٌ مِعزازٌ، إذا كان شديدَ المرض؛ واستَعَزَّ به المرضُ. وفي الحديث: "أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام لمَّا قدِمَ المدينةَ نَزَلَ على كُلثوم بن الهِدْم([14]) وهو شاكٍ، فأقامَ عنده ثلاثاً، ثم استُعِزَّ بكُلثومٍ –أي مات- فانتقل [إلى سعد ابن خيْثمة([15]) ]".

ورجُلٌ معزوزٌ، أي اجتِيح مالُه وأُخذ. ويقال استَعَزّ عليه الشيَّطانُ، أي غَلَبَ عليه وعلى عَقْله. واستعَزَّ عليه الأمر، إذا لجَّ فيه. قال الخليل: العَزَازةُ: أرضٌ صلبة ليست بذاتِ حجارة، لا يعلوها الماء. قال:

من الصَّفا العاسِي ويَدْعَسْنَ الغَدَرْ  *** عَزَازَهُ ويَهْتَمِرْن ما انْهَمَر([16])

ويقال العَزاز: نحوٌ من الجَهاد، أرض غليظةٌ لا تكاد تُنبِت وإن مُطِرت، وهي في الاستواء. قال أبو حاتم: ثمَّ اشتقَّ العَزَازُ من الأرض من قولهم: تعزَّزَ لحمُ النّاقة، إذا صَلُب واشتدّ.

قال الزُّهريّ: كنت أختلِفُ إلى عُبيد الله بن عَبد الله بن عتبة، أكتُبُ عنه، فكنتُ أقوم له إذا دخل أوْ خرج، وأُسوِّي عليه ثيابَه إذا ركِب، ثمَّ ظننت أنِّي قد استفرغتُ ما عنده، فخرج يوماً فلم أقُمْ إليه، فقال لي: "إنَّك بعدُ في العَزَاز فقُمْ"، أراد: إنك في أوائلِ العلم والأطرافِ، ولم تبلغ الأوساط. قال أبو حاتم: وذلك أنَّ العَزازَ تكون في أطراف الأرض وجوانبها، فإذا توسَّطتَ([17]) صِرت في السُّهولة.

قال أبو زيد: أعزَزْنا: صِرنا في العَزَاز. قال الفَرَّاء، أرض عَزَّاء للصُّلبة، مثل العَزازِ. ويقال استعَزَّ الرَّمْل وغيرُه، إذا تماسَكَ فلم ينهلْ. وقال رؤبة:

باتَ إلى أرطاةِ حقْفٍ أحْقَفَا  ***

متَّخِذاً منها إياداً هَدَفا

إذا رأى استعزازَه تعفَّفا([18])

ومن الباب: العَزَّاء: السّنَة الشديدة. قال:

* ويَعْبِطُ الكُومَ في العَزّاءِ إن طُرِقا([19]) *

والعِزُّ من المطر: الكثير الشّديد؛ وأرض معزوزة، إذا أصابها ذلك. أبو عمرو: عَزَّ المطر عزَازَةً([20]) . قال ابن الأعرابيّ: يقال أصابنا عِزٌّ من المطر، إذا كان شديداً. قال: ولا يُقال في السَّيل. قال الخليل: عَزَّزَ المطرُ الأرض: لبّدها، تعزيزاً. ويقال إنَّ العَزازَة دُفْعةٌ تَدفَع في الوادي قِيدَ رُمح([21]) . قال ابن السِّكِّيت: مطر عِزٌّ، أي شديد. قال: ويقال هذا سيلٌ عِزٌّ، وهو السَّيل الغالب.

ومن الباب: العُزَيزاء من الفرس: ما بين عُكْوَتِه وجاعرته. قال ثعلبة الأسديّ:

أُمِرَّتْ عُزَيزَاهُ ونِيطت كُرُومُهُ *** إلى كَفَلٍ رابٍ وصُلْب مُوَثّقِ([22])

الكُروم: جمع كَرْمة، وهي رأس الفخِذ المستديرُ كأنَّه جُونة. والعُزيزاء ممدود، ولعلَّ الشَّاعر قَصَرها للشِّعر، والدَّليل على أنَّها ممدودة قولُهم في التثنية عُزيزاوان. ويقال هما طرَفا الورِك. والعُزَّى: تأنيث الأعَزّ، والجمع عُزَزٌ. ويقال العُزَّانُ: جمع عزيز، والذُّلاَّنُ: جمع ذليل. يقال أتاك العُزَّانُ. ويقولون: "أعزُّ من بَيض الأنوق"، و"أعزُّ من الأبلق العقوق"، و"أعزُّ من الغراب الأعصم" و "أعزُّ من *مُخَّة البَعوض". وقال الفرّاء: يقال عَزَّ عليَّ كذا، أي اشتدّ. ويقولون: أتحبّني؟ فيقول: لعَزَّ ما، أي لشَدَّ ما.

(عس) العين والسين أصلانِ متقاربان: أحدهما الدنوُّ من الشّيء وطلبُه، والثاني خِفَّةٌ في الشيء.

فالأوّل العَسُّ باللَّيل، كأنّ فيه بعضَ الطَّلَب. قال الخليل: العَسُّ: نَفْض اللَّيل عن أهل الرِّيبة. يقال عَسَّ يَعُسُّ عَسَّاً. وبه سمِّي العَسَس الذي يطوف للسُّلطان باللِّيل. والعَسَّاس: الذِّئب، وذلك أنَّه يَعُسّ بالليل. ويقال عَسعَسَ اللّيل، إذا أقبل. وعسعست السَّحابةُ، إذا دنت من الأرض ليلاً. ولا يقال ذلك إلاَّ ليلاً في ظُلمة. قال الشَّاعر يصف سحابا:

عسعَسَ حتَّى لو نشاءُ إذْ دنا *** كان لنا من نارِه مقتبسُ([23])

ويقال تَعَسْعَسَ الذّئب، إذا دنا من الشَّيء يشَمُّه. وأنشد:

* كمُنْخُر الذّئبِ إذا تَعَسْعسا([24]) *

قال الفرّاء: جاء فلانٌ بالمال من عَسِّهِ وبَسِّه. قال: وذلك أنَّه يعُسُّه، أي يطلبه. وقد يقال بالكسر. ويعتسُّه: يطلبه أيضاً. قال الأخطل:

وهل كانت الصَّمعاءُ إلاّ تعلَّةً *** لمن كان يعتسُّ النِّساء الزَّوانيا([25])

وأمَّا الأصل الآخَر فيقال إنَّ العَسّ خفّة في الطعام. يقال عَسَسْتُ أصحابي، إذا أطعمتَهم طعاماً خفيفاً. قال: عَسَسْتُهم: قَريتهم أدنَى قِرىً. قال أبو عمرو: ناقةٌ ما تَدُِرّ إلاَّ عِساساً، أي كَرْهاً. وإذا كان كذا كان دَرُّها خفيفاً قليلاً. وإذا كانت كذا فهي عَسوس. قال الخليل: العَسُوس: التي تَضرِب برجلَيها وتصبُّ اللبنَ. يقولون: فيها عَسَسٌ وعِسَاسٌ. وقال بعضهم: العَسُوس من الإبل: التي تَرأم ولدَها وتدُِرّ عليه ما نَأَى عنها النَّاس، فإن دُنِيَ منها([26]) أو مُسَّت جذبت دَرَّها.

قال يونس: اشتق العَسُّ من هذا، كأنَّه الاتِّقاء باللَّيل. قال: وكذلك اعتساس الذِّئب. وفي المثل: "كلب عَسّ، خير من أسدٍ اندسَّ([27]) ".

وقال الخليل أيضاً: العَسُوس التي بها بقيَّةٌ من لبنٍ ليس بكثير.

فأمّا قولهم عسَعسَ اللَّيلُ، إذا أدبَرَ، فخارج عن هذين الأصلين. والمعنى في ذلك أنَّه مقلوب من سَعْسَع، إذا مضى. وقد ذكرناه. فهذا من باب سعّ. وقال الشّاعر في تقديم العين:

نجَوْتُ بأفراسٍ عِتاقٍ وفِتيةٍ *** مَغَاليس في أدبار ليلٍ مُعَسْعِسِ([28])

ومما شذَّ عن البابين: عَسْعَس، وهو مكان. قال امرؤ القيس:

ألم ترم الدار الكثيب بِعَسْعَسَا *** كأنِّي أنادِي أو أكلم أخْرَسا([29])

(عش) العين والشين أصلٌ واحد صحيح، يدلُّ على قِلّةٍ ودِقَّة، ثم يرجع إليه فروعُه بقياسٍ صحيح.

قال الخليل: العشُّ: الدقيقُ عظام اليدين والرِّجلين([30]) ، وامرأة عَشَّة. قال:

لعمْرُك ما ليلَى بورهاءَ عِنْفِصٍ  *** ولا عَشَّةٍ خلخالُها يتقعقَعُ([31])

وقال العجّاج:

أُمِرَّ مِنها قَصَباً خَدَلَّجا  *** لا قَفِرَاً عَشَّاً ولا مُهَبَّجَا([32])

ويقال ناقة عَشَّةٌ: سقفاء القَوائم، فيها انحناء، بيِّنة العَشَاشةِ والعُشُوشَة. ويقال: فلانٌ في خِلقته عَشاشَة، أي قِلّة لحمٍ وعِوَجُ عِظام. ويقال تَعشَّش النَّخْل، إذا يَبِس، وهو بيِّنُ التّعشُّش والتّعشيش. ويقال شجرةٌ([33]) عَشَّةٌ، أي قليلةُ الورق. وأرض عشَّة: قليلة [الشَّجر([34]) ].

قال الشّيبانيّ: العَشُّ من الدّوابّ والناس: القليل اللَّحم، ومن الشَّجر: ما كان على أصلٍ واحد وكان فرعُه قليلاً وإن كانَ أخضر.

قال الخليل: العَشَّة: شَجرةٌ دقيقة القُضْبان، متفرِّقة الأغصان، والجمع عَشَّات. قال جرير:

فما شَجراتُ عِيصِكَ في قريشٍ  *** بعَشَّات الفُروع ولا ضَواحِ([35])

ويقال عَشَّ الرجلُ القومَ، إذا أعطاهم شيئاً نَزْراً. وعَطِيّةٌ مَعشوشةٌ، أي قليلة. قال:

حارثُ ما سَجْلُكَ بالمعشُوشِ  *** ولا جَدَا وبلِكَ بالطَّشيشِ([36])

وقال آخَر يصفُ القطا:

* يُسقَينَ لا عَشَّاً ولا مُصَرَّدَا([37]) *

أي لا مقلَّلاً.

قال ابنُ الأعرابيّ: قالت امرأةٌ من كِنانة: "فَقَدْناك فاعتَششْنا لك"، أي دخلَتْنا من ذلك ذِلّة وقلّة.

ومن هذا القياس العُشّ للغُراب على الشَّجرة* وكذلك لغيرهِ من الطَّير، والجمع عِشَشة. يقال اعتَشَّ الطَّائرُ يعتشُّ اعتشاشاً. قال:

* بحيث يَعْتَشُّ الغرابُ البائضُ([38]) *

إنّما نعَتَه بالبائض وهو ذكَرٌ لأنَّ له شِرْكةً في البيض، على قياسِ والد. قال أبو عمرو: وعَشَّش([39]) الطَّائر: اتَّخذ عُشَّاً. وأنشد:

وفي الأشاء النّابتِ الأصاغِرِ  *** مُعَشَّشُ الدُّخَّلِ والتَّمامِرِ([40])

قال أبو عبيد: تقول العرب: "ليس هذا بعُشِّكِ فادرُجي"، يُضرَب مثلاً لمن ينزِل منزلاً لا يصلحُ لمثله. وإنما قلْنا إنَّ هذا من قياس الباب لأنَّ العُشّ لا يكاد يعتشُّه الطَّائر إلاَّ من دقيق القضبانِ والأغصان. وقال ابن الأعرابيّ: الاعتشاش: أن يمتارَ القوم مِيرَةٍ ليست بالكثيرة.

ومن الباب ما حكاه الخليل: عَشَّش الخُبْز، إذا كَرَّج. وقال غيره: عَشّ فهو عاشٌّ، إذا تغيَّر ويَبِس. وعَشَّش الكلأ: يبِس. ويقال عشَّشت الأرض: يبِست.

ومما شذَّ عن هذا الأصل قولهُم: أعششتُ القَومَ، إذا نزلتَ بهم على كرهٍ حتَّى يتحوَّلوا من أجلك. وأنشد:

ولو تُرِكَتْ نامت ولكن أعَشَّها *** أذَىً من قِلاَصٍ كالحنِيِّ المُعطَّفِ([41])

ومن الأماكن التي لا تنقاس: أعشاشٌ، موضعٌ بالبادية، فيه يقول الفرزدق:

عَزَفْتَ بأعشاشٍ وما كِدْتَ تَعزِفُ *** وأنكرتَ من حَدْرَاءَ ما كنتَ تعرفُ([42])

وزعم ناسٌ عن اللّيث قال: سمعت راوِيةَ الفرزدق ينشد: "بإعشاش". وقال: الإعشاش: الكِبَر. يقول: عَزَفتَ بكِبَرِك عمّن تحبّ، أي صَرفتَ نفسَك عنه.

(عص) العين والصاد أصلٌ يدلُّ على شدّة وصلابةٍ في شيء.

قال ابن دريد([43]) : "عَصَّ الشيء يَعَصُّ، إذا صلُب واشتدّ". وهذا صحيح. ومنه اشتُقَّ العُصعُص، وهو أصل الذّنَب، وهو العَجْب، وجمعه عَصاعِص. قال ذو الرُّمّة:

تُوَصَّلُ منها بامرِئ القيس نسبةٌ *** كما نِيط في طُول العَسيبِ العَصاعصُ([44])

قال: ويسمَّى العُصعوصَ أيضاً: قال الكسائيّ: العُصُص: لغة في العُصْعُص. قال مَرّارٌ العُقَيليّ:

فأَتى مَلَثَ الظلام على  *** لَقَمِ الطَّريق وضَفَّتَيْ قَصَصِه

ذئبٌ به وَحْشٌ ليمنَعه  *** مِن زدانا مُقعٍ على عُصُصِه

ويقال له العُصْعُوص أيضاً: كما يقال للبرقُع بُرقوع. قال:

ما لَقِيَ البيضُ من الحُرْقوص *** يدخل بين العَجْب والعُصْعُوصِ([45])

ومن الباب العُصْعُص([46]) : الرَّجُل الملزَّز الخَلْق، كالمُكتَّل.

(عض) العين والضاد أصلٌ واحدٌ صحيح، وهو الإمساك على الشيء بالأسنان. ثمّ يقاس منه كلُّ ما أشبَهَه، حتى يسمَّى الشيء الشَّديد والصُّلب والدَّاهي بذلك.

فالأوّل العَضّ بالأسنان يقال: عَضِضتُ أعَضُّ عَضَّاً وعضيضاً، فأنا عاضٌّ. وكلبٌ عَضوض، وفرس عَضوض. وبرئْت إليك من العِضاض. وأكثر ما يجيء العيوبُ في الدوابِّ على الفِعال، نحو الخِراط والنِّفار، ثم يُحمَل على ذلك فيقال: عَضِضتُ الرّجلَ، إذا تناولْتَه، بما لا ينبغي. قال النَّضْر: يقال: ليس لنا عَضاضٌ([47]) أي ما يُعَضّ، كما يقال مَضَاغٌ لما يُمضَغ.

ابن الأعرابيّ: ما ذُقْتُ عَضاضاً، أي شيئاً يؤكل. قال أهل اللُّغَة: يقال هذا زمن عَضُوضٌ، أي شديد كلِب. قال:

إليك أشكو زمناً عَضوضاً  *** مَن يَنْجُ منه ينقلب حَرِيضا

ويقولون: ركيَّةٌ عضوض، إذا بعُد قعرُها وشَقّ على السّاقي الاستسقاء منها. قال:

أبِيت على الماء العَضُوض كأنني  *** رَقُوبٌ، وما ذُو سَبْعَةٍ يرقُوبِ

وقوس عضوضٌ: لازق وترُها بكبدها. قال الخليل: العِضّ: الرّجل السيِّئ الخلُق المنكَر. قال:

* ولم أكُ عِضَّاً في الندامَى مُلَوَّما([48]) *

ويقال: العِضّ: الدّاهية. يقال: هو عِضٌّ ما يُفْلِت منه شيء؛ وهو الشحيح، الذي يقع بيده شيءٌ فيَعضُّ عليه. وإنَّه لَعِضُّ شَرٍّ، أي صاحبه. قال أبو زيد: فلان عِضُّ سَفَرٍ وعِضُّ مالٍ، إذا كان قويَّاً عليه مجرِّباً لـه. وقد عَضَّ بماله يَعضّ به عُضُوضاً([49]) . قال الفرَّاء: رأيتُ رجلاً عِضَّاً، أي مارداً، وامرأةً عِضَّةً أيضاً. وهذا عِضُّ هذا، أي حِتْنُه وقِرْنُه([50]) . ويقال إنَّ العِضَّ([51]) : الدَّاهِي من الرِّجال. ويُنشَد فيه:

أحاديثَ من عادٍ وجُرْهُمَ جَمَّةً *** يثوِّرها العِضَّانِ زيدٌ ودَغْفلُ([52])

ومما شذَّ عن هذا الأصل إن كان صحيحاً، يقولون: العُضَّاض: عِرنينُ الأنف. وينشدون:

وألجَمه فأسَ الهوانِ فَلاَكَهُ  *** وأغضَى على عُضَّاضِ أنفٍ مصلَّمِ([53])

فأمّا ما جاء على هذا من ذكر النَّبات فقد قلنا فيه ما كَفَى، إلاّ أنّهم يقولون: إنّ العُضَّ، مضموم: علَفُ أهلِ القرى والأمصار، وهو النّوى والقَتُّ ونحوُهما. قال الأعشى:

مِنْ سَرَاةِ الهِجان صَلَّبَها العُـ  *** ـضُّ ورَعْيُ الحِمَى وطُولُ الحِيالِ([54])

وقال الشَّيبانيّ: العُضّ([55]) : العَلف. ويقال بل العُضُّ الطَّلح والسَّمُر والسَّلَم، وهي العِضاهُ. قال الفرَّاء: أعضَّ القومُ فهُمْ مُعِضُّونَ، إذا رعَوا العضاهَ. وأنشد:

أقول وأهلي مُؤرِكُونَ وأهلُها  *** مُعِضُّون إنْ سارَتْ فكيف أسيرُ([56])

وإنما جاز ذلك لمّا كان العِضَاهُ من الشَّجَر لا العُشْب صارت الإبل مادامت مقيمةً فهي بمنزلة المعلوفة في أهلها النَّوَى وشِبهَه. وذلك أنَّ العُضّ علَف الرِّيف من النّوى والقَتّ. قال: ولا يجوز أن يقال من العِضَاهِ مُعِضٌّ إلاّ على هذا التأويل. والأصل في المُعِضّ أنَّه الذي تأكل إبله العُضَّ. وقال بعضهم: العِضُّ، بكسر العين، العِضَاهُ. ويقال بعيرٌ غاضٍ، إذا كان يُعلَفه أو يُرعاه([57]) . قال:

والله ما أدري وإن أوعدتَنِي *** ومشيْتَ بين طَيالسٍ وبياضِ

أبَعيرُ عُضٍّ وارِمٌ ألغادُهُ  *** شثنُ المَشافرِ أم بعيرٌ غاضِ([58])

قال أبو عمرو: العُضّ: الشّعير والحنطة. ومعنى البيت أنَّ العُضَّ عَلَف الأمصار، والغضَى علَف البادية. يقول: فلا أدري أعَرَبيٌّ([59]) أم هجين.

ومما يعود إلى الباب الأول العَضُوض من النِّساء: التي لا يكاد ينفُذ فيها عُضو الرّجُل. ويقال: إنَّه لعِضاض عيشٍ، أي صبور على الشّدّة. ويقال ما في هذا الأمر مَعَضٌّ، أي مُستمسَك.

وقال الأصمعيّ: يقال في المثل: "إنَّك كالعاطف على العاضّ". وأصل ذلك أنَّ ابن مَخاضٍ أتى أمَّه يريد أن يرضَعها؛ فأوجع ضَرعها فعضَّتْه، فلم يَنْهَهُ ذلك أنْ عاد. يقال ذلك للرجل يُمنَع فيعود.

(عط) العين والطاء أُصَيْلٌ يدلُّ على صوتٍ من الأصوات. من ذلك العَطْعطة. قال الخليل: هي حكايةُ صوت المُجّانِ إذا قالوا: عِيطَ عِيط.

وقال الدّريديّ([60]) : "العطعطة: حكاية الأصوات إذا تتابعت في الحرب".

ومن الباب قول أبي عمروٍ: إنّ العَطاط: الشُّجاع الجسيم، ويوصَف به الأسد. وهذا أيضاً من الأوّل، كأنّ زئيرَه مشبَّه بالعطعطة. قال المتنخِّل([61]) :

وذلك يقتل الفِتْيانَ شَفْعاً  *** ويسلُبُ حُلَّةَ اللّيثِ العَطاط

ومن الباب أيضاً: العَطُّ: شَقُّ الثّوب عَرضاً أو طولاً من غير بَينونة. يقال جذبت ثوبَه فانعَطّ، وعططته أنا: شقَقْته. قال المتنخِّل:

بِضربٍ في القوانس ذي فُرُوغٍ  *** وطعنٍ مثلِ تعطيطِ الرِّهاطِ

وقال أبو النجم:

كأنّ تحتَ دِرْعِها المنعَطِّ  *** شَطَّاً رميتَ فوقَه بشطِّ([62])

والأصل في هذا أيضاً من الصّوت، لأنّه إذا عطّه فهناك أدنَى صوت.

(عظ) العين والظاء ذكر فيه عن الخليل شيءٌ لعله أن يكونَ مشكوكاً فيه. فإن صحَّ فلعله أنْ يكون من باب الإبدال، وذلك قوله: إن العَظَّ الشِّدَّة في الحرب؛ يقال عَظَّتْه الحرب، مثل عَضَّتْه([63]) . فكأنّه من عضّ الحرب إياه. فإن كان إبدالاً فهو صحيح، وإلاّ فلا وجهَ له. وربما أنشدوا:

* بصير في الكَريهة والعِظاظِ([64]) *

ومما لعلّه أن يكون صحيحاً قولُهم إنَّ العَظعَظة: التواءُ السَّهم إذا لم يَقْصِد للرّمِيَّة وارتعَشَ في مُضِيِّه. [عَظعَظ] يُعَظعِظ، عظعظةً وعِظعاظاً([65]) ، وكذلك عظعظ الدّابّة في المِشْية، إذا حَرّك ذَنَبه ومشى في ضِيقٍ من نَفَسِه. والرّجُل الجبانُ يُعظعِظُ عن مُقاتِلِه، إذا نكَص عنه ورجَع وحادَ. قال العجّاج:

* وعَظعظَ الجبانُ والزِّينيُّ([66]) *

قال أبو عبيد: ومن أمثالهم: "لا تَعِظِيني* وتعظْعظي([67]) ".

ـــــــــــــــ

([1]) ديوان لبيد 109 واللسان (عرر).

([2]) البيت للبيد في ديوانه 44 طبع 1880. وانظر الحيوان (4: 384، 400).

([3]) عرعار، مبنية على الكسر، معدولة من عرعرة، مثل قرقار من قرقرة. وهذا مذهب سيبويه، ورد عليه أبو العباس هذا وقال: "لا يكون العدل إلا من بنات الثلاثة، لأن العدل معناه التكثير". انظر اللسان (عرر) وشرح ديوان النابغة 36.

([4]) أنشد عجزه في اللسان (عرر). وفي ديوان النابغة 35: "يدعو بها ولدانهم".

([5]) المعرفة، كمرحلة، موضع العرف من الفرس. وفي الأصل: "المعروفة".

([6]) البيت لم يرو في ديوان النابغة. وفي الأصل: "أوصاف البعير".

([7]) وكذا جاءت النسبة في اللسان (عرر، عرا). وزاد في (عرا) أن الصواب نسبته إلى شرحبيل بن مالك يمدح معد يكرب بن عكب.

([8]) البيت للأخطل في ديوانه: 51 واللسان (عرر، نبح). و"المستخف" يروى بالرفع والنصب فالرفع بالعطف على موضع إن واسمها، والنصب عطف على اسم إن. والأثقال مفعول؛ وفصل بين العامل والمعمول بخبر: "إن" للضرورة.

([9]) زاد في المجمل بعده "أي أصل خير".

([10]) في الأصل "بالشيء"

([11]) يصف قارورة طيب، كما في اللسان(عرر) . والبيت في ديوان ذي الرمة 180. وفي الديوان: "لأبلي إذ".

([12]) التكملة من معجم البلدان والقاموس.

([13]) البيت في اللسان (دأي). وابن دأية، هو الغراب، كني به عن الشعر الأسود.

([14]) ذكر في الإصابة 7438 أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه بقباء أول ما قدم المدينة. وأنه أول من مات من الأصحاب بالمدينة.

([15]) التكملة من اللسان (عزز 246).

([16]) الرجز للعجاج في ديوان 17 واللسان (عزز، همر). وفي الأصل: "ما اهتمر"، صوابه من الديوان واللسان.

([17]) والأصل: "توسط".

([18]) الشطر الثاني من هذه الأشطار فيما ألحق بديوان العجاج 84 مما ينسب إلى العجاج ورؤبة.

([19]) أنشد هذا العجز في اللسان (عزز 244).

([20]) في الأصل: "عززة".

([21]) هذه التكملة بهذا المعنى لم ترد في المعاجم المتداولة.

([22]) البيت بدون نسبة في اللسان (عزز، كرم).

([23]) كذا ورد إنشاده في الأصل، فبحره الرجز. وأنشده في اللسان (عسس):

عسس حتى لو يشا ادنا *** كان لنا من ضوئه مقبس

بهذه الرواية يكون من السريع. وقال: ادنا: إذ دنا، فأدغم.

([24]) أنشده في المجمل واللسان (عسس).

([25]) في الأصل: "الروانيا"، صوابه من ديوان الأخطل 67. والصمعاء هي أم عمير بن الحباب كما في شرح الديوان.

([26]) في الأصل: "فإن دون منها".

([27]) في المثل روايات شتى. انظر اللسان والقاموس.

([28]) نسبه في اللسان (عسس) إلى الزبرقان برواية:

وردت بأفراس عتاق وفتية  *** فوارط في أعجاز ليل معسعس

([29]) صواب إنشاد صدره في الديوان 140 واللسان (عسس): "ألما على الربع القديم".

([30]) في الأصل: "من عظام اليدين والرجلين". وكلمة "من" مقحمة.

([31]) أنشده في اللسان (عشش، عنفص).

([32]) ديوان العجاج 8 واللسان (قفر).

([33]) في الأصل: "رجل".

([34]) التكملة من اللسان.

([35]) ديوان جرير 99 من قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان.

([36]) من أرجوزة في ديوان رؤبة 77-89 يمدح بها الحارث بن سليم الهجيمي. وفي اللسان: "حجاج ما نيلك بالمعشوش"، وصواب الرواية ما روى ابن فارس.

([37]) أنشده في اللسان (عشش).

([38]) من أشطار لأبي محمد الفقعسي في الحيوان (3: 457). وأنشدها في اللسان (عشش) بدون نسبة. وقبله:

يتبعها عدبس جرائض  *** أكلف مربد هصور هائض

([39]) في الأصل: "وعشعش"، تحريف.

([40]) التمامر: جمع تمرة، بضم التاء وتشديد الميم المفتوحة، وهي طائر أصغر من العصفور.

([41]) للفرزدق كما في اللسان (عشش) يصف القطاة. والبيت ثاني بيتين أنشدهما في اللسان والحيوان.

(5: 287، 578). وأولهما:

وصادقة ما خبرت قد بعثتها *** طروقاً وباقي الليل في الأرض مسدف

([42]) ديوان الفرزدق 551 واللسان (عشش، عزف).

([43]) في الجمهرة (1: 100) .

([44]) البيت لم يرو في ديوان ذي الرمة ولا في ملحقات ديوانه. ولم أجد له مرجعاً.

([45]) الرجز لأعرابية في اللسان (حرقص).

([46]) الكلمة لم ترد في اللسان. وفي القاموس (عصص): "وكقنفذ: النكد القليل الخير، والملزز الخلق".

([47]) في الأصل: "معاض"، صوابه من اللسان، وهو ما يقتضيه التنظير التالي.

([48]) لحسان بن ثابت في ديوانه 370 والحيوان (7: 148). وصدره:

* وصلت به كفي وخالط شيمتي *

([49]) وعضاضة أيضاً، بالفتح، كما في اللسان.

([50]) الحتن، بكسر الحاء وفتحها: القرن والمثل. وفي الأصل: "ختنة"، تحريف.

([51]) في الأصل: "في العض".

([52]) للقطامي في ديوانه 41 واللسان (عضض). وعجزه في اللسان (5: 179) مع تحريف وإهمال نسبته. والعضان هما زيد بن الكيس النمري، ودغفل النسابة. وكانا عالمي العرب بأنسابها وحكمها. ومطلع القصيدة:

ألا عللاني كل حي معلل *** ولا تعداني الشر والخير مقبل

([53]) البيت لعياض بن درة، كما في اللسان (عضض).

([54]) ديوان الأعشى 6 واللسان (عضض، حيل). وفي الأصل: "الجبال"، تحريف.

([55]) في الأصل: "العضيض"، تحريف.

([56]) أنشده في اللسان (عضض، أرك)، وفي الموضع الأخير: "نسير".

([57]) أي يرعى الغضى، ولم يجر له ذكر. وفي الأصل: "عاض" بالعين المهملة.

([58]) أنشده في اللسان (غضا) برواية: "أبعير عض أنت ضخم رأسه". وفي الأصل: "شنث المشافر أم بعير عاض"، محرف.

([59]) في الأصل: "أعرابي أم هجين".

([60]) الجمهرة (1: 117). ونصه: "وقالوا: العطعطة، وهي تتابع الأصوات في الحرب وغيرها".

([61]) في الأصل: "المخبل" تحريف. والبيت من قصيدة لـه في القسم الثاني من مجموع أشعار الهذليين 89 ونسخة الشنقيطي 47 وأنشده في المجمل بدون نسبة، ورواه صاحب اللسان في (عطط) منسوباً إلى المتنخل.

([62]) سبق إنشاد الرجز بدون نسبة في (شط). وأنشده في اللسان (عطط) والمخصص (4: 135).

([63]) في الأصل: "عظته".

([64]) أنشد هذا العجز في اللسان (عظظ).

([65]) ويقال "عظعاظاً" أيضاً، بفتح العين، عن كراع، وهي نادرة.

([66]) ديوان العجاج 71 واللسان (عظظ) مع تحريف.

([67]) في الأصل: "وتعظظي"، صوابه في المجمل واللسان. وزاد بعده في المجمل: "أي لا توصيني ووصي نفسك. كذا جاء عن العرب". وفي اللسان: "معنى تعظعظي كفي وارتدعي عن وعظك إياي. ومنهم من يجعل تعظعظي بمعنى اتعظي، روى أبو عبيد هذا المثل عن الأصمعي في ادعاء الرجل علماً لا يحسنه".

 

ـ (باب العين والفاء وما يثلثهما)

(عفق) العين والفاء والقاف أصل صحيح، يدلُّ على مجيءٍ وذَهاب، وربما يدلُّ على صوت من الأصوات. قال الخليل: عفَق الرّجُل يَعْفِق عَفْقاً، إذا ركب رأسَه فمضَى. تقول: لا يزال يعفِق العفقةَ ثم يرجع، أي يغيب الغَيبة. والإبل تَعفِق عَفْقاً وعُفُوقاً، إذا أُرْسِلَتْ في مراعيها فَمرّت على وجوها. وربما عفَقَتْ عن المرعى إلى الماء، ترجع إليه بين كلِّ يومين. وكلُّ واردٍ وصادرٍ عافقٌ؛ وكلُّ راجع مختلفٍ عافِق. وقال ابنُ الأعرابيّ في قوله:

* حتَّى تَرَدَّى أربعٌ في المنعَفَقْ([1]) *

قال: أراد في المنُصَرَف عن الماء([2]) . قال: ويقال: عفَق بنو فلانٍ [بني فلانٍ]، أي رجَعوا إليهم. وأنشد:

* عَفْقاً ومن يرعى الحُمُوضَ يعْفِقِ([3]) *

والمعنى أنّ من يرعى الحموض تَعَطشُ ماشيتُه سريعاً فلا يجدُ بُدَّاً من أن يَعْفِق، أي يرجعَ بسُرعة.

ومن الباب: عَفَقَه عن حاجته، أي ردَّه وصَرَفه عنها. ومنه التعفُّق، وهو التصرُّف والأخْذ في كلِّ وجهٍ مشياً لا يستقيم، كالحيّة.

قال أبو عمرو: العَفْق: سرعة رَجع أيدي الإبل وأرجلِها. قال:

* يَعْفِقْنَ بالأرجل عَفْقاً صُلْبا *

قال أبو عمرو: وهو يعفِّق الغنم، أي يردُّها عن وجوهها. ورجلٌ مِعفاق الزِّيارة لا يزال يجيء ويذهب. ويذكر عن بعض العرب أنّه قال: "انتلي فيها تأويلات([4]) ثم أعْفِق"، أي أقضي بقايا من حوائجي ثم أنصرف.

قال ابن الأعرابيّ: تَعَفَّقَ بالشيء، إذا رجع إليه مرّةً بعد أخرى. وأنشد:

تَعفَّقَ بالأرظَى لها وأرادَها ***رجالٌ فبذَّتْ نبلَها وكليبُ([5])

ومن الباب: قولهم للحَلَب عِفاق([6]) . وتلخيصُ هذا الكلام أنْ يحلبَها كلَّ ساعة. يقال عَفَقْتَ ناقتَك يومَك أجمعَ في الحَلَب. وقال ذو الخِرَق:

عليك الشاءَ شاءَ بني تميمٍ *** فعافِقْهُ فإِنّك ذُو عِفاقِ([7])

ومن الباب: عفَقت الرِّيحُ التُّرابَ، إذا ضربَتْه وفَرّقته. قال سُويد:

وإن تك نارٌ فهي نار بملتقَىً *** من الرِّيح تَمْرِيها وتَعْفِقها عَفْقا

وأمّا الذي ذكرناه من الصَّوت فيقولون: عَفَق بها، إذا أنبقَ بها وحَصَم([8]) .

ومما يقرُب من هذا الباب العَفْق ضربٌ بالعصا، والضِّرابُ([9]) ، وكأنَّ ذلك تَصْوِيت([10]) .

(عفك) العين والفاء والكاف أصل صحيح، وهو لا يدلُّ إلاّ على صفةٍ مكروهة. قال الخليل: الأعْفَك: الأحمق. قال:

صاحِ ألم تعَجبْ لذاك الضَّيْطَرِ  *** الأعْفَكِ الأخرَقِ ثمّ الأعسَرِ([11])

الضيطر: الأحمق الفاحش، والأعفك أيضاً والأخرق: الذي لا خيرَ فيه ولا يُحسِنُ عَملاً، وهو المخلَّع من الرِّجال.

قال ابن دريد([12]) : "بنو تميمٍ يسمُّون الأعسَر الأعفَك".

(عفل) العين والفاء واللام كلمة تدلُّ على زيادةٍ في خلقة. قال الخليل: العَفَل يخرج في حياء النّاقة كالأُدرة، وهي عَفْلاء. ويقال: العَفْل شحمُ خُصْيَي الكَبْش. قال بشر:

* وارمُ العَفْل مُعْبَرُ([13]) *

قال الكسائيّ: العَفْل: الموضع الذي يُجَسُّ([14]) من الشاة إذا أرادوا أن يعرفوا سِمَنها.

(عفن) العين والفاء والنون كلمة تدلُّ على فسادٍ في شيء من نَدَى. وهو عَفِن الشَّيءُ يعفَن عَفَناً.

(عفو) العين والفاء والحرف المعتلّ أصلان يدلُّ أحدهما على تركِ الشيء، والآخر على طَلَبِه. ثم يرجع إليه فروعٌ كثيرة لا تتفاوَتُ في المعنى.

فالأوّل: العَفْو: عَفْو الله تعالى عن خَلْقه، وذلك تركُه إيّاهم فلا يعاقبُهم، فَضْلاً منه. قال الخليل: وكلُّ مَن استحقَّ عُقوبةً فتركْتَه فقد عفوتَ عنه. يقال عفا عنه يعفُو عَفْواً. وهذا الذي قاله الخليل صحيح، وقد يكون أن يعفُوَ الإنسان عن الشَّيء بمعنى الترك، ولا يكون ذلك عن استحقاق. ألا ترى أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: "عفوت عنكم عن صَدَقة الخيل" فليس العفو هاهنا عن استحقاق، ويكون معناه تركت أن أُوجِب عليكم الصّدقةَ في الخيل.

ومن الباب العافية: دِفاع الله تعالى عن العبد، تقول عافاه اللهُ تعالى من مكروهةٍ، وهو يعافيه معافاةً. وأعفاه الله بمعنى عافاه*. والاستعفاء: أن تطلب إلى مَن يكلِّفك أمراً أن يُعفِيَك منه. قال الشَّيباني: عفَا ظهرُ البعير، إذا تُرِك لا يُركَب وأعفيتُه أنا.

ومن الباب: العِفاوة: شيء يُرفَع من الطعام يُتحَف به الإنسان. وإنِّما هو من العَفْو وهو الترك، وذلك أنّه تُرِك فلم يُؤكَل. فأمّا قول الكميت:

وظَلّ غُلامُ الحيِّ طيّانَ ساغباً  *** وكاعبُهم ذاتُ العِفاوةِ أسْغَبُ([15])

فقال قوم: كانت تعطي عفو المال فصارت تسغب لشدّة الزمان. وهذا بعيد، وإنّما ذلك من العِفاوة. يقول: كما يُرْفَعُ لها الطّعامُ تُتحَف به، فاشتدَّ الزّمانُ عليهم فلم يَفْعلوا ذلك.

وأمّا العَافي من المرق فالذي يردُّه المستعير للقِدر. وسمِّي عافياً لأنّه يُترك فلم يؤكل. قال:

* إذا رَدّ عافِي القدر مَن يستعيرها([16]) *

ومن هذا الباب: العَفْو: المكان الذي لم يُوطأ. قال:

قبيلةٌ كشِراك النَّعل دارجةٌ *** إنْ يَهبِطوا العَفْوَ لا يوجدْ لهم أَثرُ([17])

أي إنّهم من قلتهم لا يُؤثِّرون في الأرض.

وتقول: هذه أرضٌ عَفْو: ليس فيها أثَر فلم تُرعَ. وطعامٌ عَفْو: لم يَمَسَّه قبلَك أحد، وهو الأُنُف.

فأمَّا قولُهم عفا: درس، فهو من هذا؛ وذلك أنّه شيء يُترَك فلا يُتعهَّد ولا يُنزَل، فيَخفى على مرور الأيّام. قال لبيد:

عَفَتِ الدِّيار محلُّها فمُقامها  *** بمِنىً تأبَّد غَوْلُها فِرجامُها([18])

ألا تراه قال "تأبَّد" فأعْلَمَ أنَّه أتى عليه أبَدٌ. ويجوز أن يكون تأبَّد، أي أَلِفَتْه الأوابد، وهي الوحش.

فهذا معنى العفو، وإليه يرجع كلُّ ما أشبهه.

وقول القائل: عفا، درس، وعفا: كثُر -وهو من الأضداد- ليس بشيء، إنّما المعنى ما ذكرناه، فإذا تُرِك ولم يُتعهَّد حتّى خَفِيَ على مَرّ الدهر فقد عفا، وإذا تُرِك فلم يُقطَع ولم يُجَزَّ فقد عفا([19]) . والأصل فيه كلِّه التَّرك كما ذكرناه.

ومن هذا الباب قولُهم: عليه العَفاء، فقال قومٌ هو التُّراب؛ يقال ذلك في الشَّتيمة. فإن كان صحيحاً فهو التُّراب المتروك الذي لم يُؤثَّر فيه ولم يُوطَأ؛ لأنّه إذا وُطِئ ولم يُترَك من المَشْي عليه تكدَّدَ فلم يكُ تراباً. وإن كان العَفاء الدّروس فهو على المعنى الذي فسّرناه. قال زُهير:

تحمّل أهلُها عنها فبانُوا  *** على آثارِ مَن ذَهَب العَفاءُ([20])

يقال عفَت الدار فهي تعفو عَفاءً، والرِّيح تعفو الدّار عَفاءً وعَفْواً. وتعفَّت الدّارُ تَعَفِّياً([21]) .

قال ابنُ الأعرابيّ: العفو في الدّار: أن يكثُر التُّرابُ عليها حتّى يغطِّيَها. والاسم العَفاء، والعَفو.

ومن الباب العِفو والعُفو([22]) ، والجمع العِفاء، وهي الحُمُر الفِتاء([23]) ، والأنثى عفوة والجمع عِفَوَة. وإنّما سمِّيت بذلك لأنَّها تُترك لا تُركَب ولا يُحمل عليها. فأمّا العِفَوَة في هذا الجمع فلا يُعلَم في كلام العرب واوٌ متحرِّكة بعد حرفٍ متحرّك في آخر البناء غير هذه، وذلك أنَّهم كرهوا أن يقولوا عِفَاةٌ.

قال الفراء: العِفْوُ والعُفْو، والعِفْي والعُفْي: ولد الحمار، والأنثى عِفوة، والجمع عِفاء. قال:

بضربٍ يُزيل الهامَ عن سَكِناتِه  *** وطعنٍ كتَشهاق العَِفَا هَمَّ بالنّهْقِ([24])

ومن الباب العِفاء: ما كثُر من الوَبَر والرِّيش، يُقال ناقة ذات عِفاء، أي كثيرة الوَبَر طويلتُه قد كاد يَنْسِل. وسمِّي عِفاءً لأنّه تُرك من المَرْط والجَزّ. وعِفاء النّعامة: الرّيش الذي علا الزِّفّ الصّغار. وكذلك عِفاء الطَّير، الواحدةُ عِفاءة ممدود مهموز. قال: ولا يُقال للريشة عِفاءة حتى يكون فيها كثافةٌ. وقول الطِرمّاح:

فيَا صُبحُ كَمِّشْ غُبَّرَ اللَّيلِ مُصْعِدا *** بِبَمِّ ونبّه ذا العِفاء الموشَّحِ([25])

إذا صاح لم يُخْذَل وجاوَبَ صوتَه*** حِماشُ الشَّوى يَصدحنَ من كلِّ مَصدَحِ

فذو العِفاء: الرِّيش. يصف ديكاً. يقول: لم يُخذل، أي إنّ الدّيوكَ تجيبه من كلِّ ناحية. وقال في وَبَر الناقة:

أُجُد موثّقة كأنّ عِفاءَها  *** سِقطانِ من كنَفَيْ ظليمٍ نافرِ([26])

وقال الخليل: العِفاء: السَّحاب كالخَمْل في وجهه. وهذا صحيح وهو تشبيه، *إنما شبّه بما ذكرناه من الوَبر والريش الكثيفَين. وقال أهل اللغة كلُّهم: يقال من الشّعر عَفَوْته وعَفيْته، مثل قلوته وقليته، وعفا فهو عافٍ، وذلك إذا تركتَه حتى يكثُر ويَطُول. قال الله تعالى: {حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف 95]، أي نَمَوْا وكثُرُوا. وهذا يدلُّ على ما قلناه، أنّ أصل الباب في هذا الوجه التّرك.

قال الخليل: عفا الماء، أي لم يطأْه شيء يكدِّره. وهو عَفْوَة الماء([27]) . وعَفَا المَرعى ممن يحُلُّ به عَفَاءً طويلاً.

قال أبو زيد: عَفْوَة الشّرَاب: خيره وأوفره. وهو في ذلك كأنّه تُرك فلم يُتَنَقَّص ولم يُتَخَوَّنْ.

والأصل الآخر الذي معناه الطَّلَب قول الخليل: إنّ العُفاةَ طُلاّب المعروف، وهم المعتَفُون أيضاً. يقال: اعتفيتُ فلاناً، إذا طلبتَ معروفه وفَضْله. فإنْ كان المعروف هو العَفو فالأصلان يرجعان إلى معنىً، وهو الترك، وذلك أنّ العَفو هو الذي يُسمح به ولا يُحْتَجَن ولا يُمسَك عليه.

قال أبو عمرو: أعطيته المال عَفْواً، أي عن غير مسألة.

الأصمعيّ: اعتفاه وعَفَاهُ بمعنىً واحد، يقال للعُفاة العُفَّى.

…………لا يَجدِبونني *** إذا هَرَّ دونَ اللحم والفَرث جازِرُهْ([28])

قال الخليل: العافية طُلاّب الرزق اسمٌ جامع لها. وفي الحديث: "مَن أحيا أرضاً ميْتَةً فهي له، وما أكَلَتِ العافِيَةُ [منها([29]) ] فهي له صَدَقةٌ".

قال ابنُ الأعرابيّ: يقال ما أكثَرَ عافيةَ هذا الماء، أي واردتَه من أنواعٍ شتّى. وقال أيضاً: إبل عافية، إذا وردَت على كلأٍ قد وطئه النّاس، فإذا رعَتْه لم ترضَ به فرفعت رُؤُسَها عنه وطلبت غيرَه.

وقال النَّضر: استعفت الإبل هذا اليَبِيسَ بمشافرها، إذا أخذَتْه من فوق التُّراب.

(عفت) العين والفاء والتاء كلمة تدلُّ على كسر شيء، يقولون: عَفَتَ العظمَ: كَسَره. ثم يقولون العَفت في الكلام: كَسْرُه لُكنةً، ككلامِ الحبشيّ([30]) .

(عفج) العين والفاء والجيم كلمتان: إحداهما عُضو من الأعضاء والآخر ضَرْبٌ.

فالأولى الأعفاج: الأمعاء، ويقولون: إنّ واحدها عِفج وعَفْج([31]) .

وأمّا الأخرى فيقال عَفَج، إذا ضَرَب. ويقال للخشبة التي يَضرب بها الغاسلُ الثِّياب: مِعفاج. وسائر ما يقال في هذا الباب مما لا أصل له.

(عفر) العين والفاء والراء أصلٌ صحيح، وله معانٍ. فالأول لون من الألوان، والثاني نبت، والثالث شدّة وقُوّة، والرابع زَمان، والخامس شيءٌ من خَلْق الحيوان.

فالأول: العُفرة في الألوان، وهو أن يَضرِب إلى غُبْرَة في حمرة؛ ولذلك سمّي التراب العَفَر. يقال: عفَّرت الشيءَ في التُّراب تعفيراً. واعتَفَر الشيء: سقَط في العَفَر. قال الشاعر([32]) يصف ذوائب المرأة، وأنّها إذا أرسلتها سقطَتْ على الأرض.

تهلك المِدْراةُ في أكنافِه  *** وإذا ما أرسَلتْه يَعْتفِرْ([33])

قال ابن دريد([34]) : العَفْر ظاهر تراب الأرض، بفتح الفاء، وتسكينها. قال: "والفتح اللُّغة العالية".

ويقال للظّبي أعفَرُ للونهِ. قال:

يقول ليَ الأنباط إذْ أنا ساقطٌ  *** به لا بظبيٍ في الصَّريمة أعفرا([35])

قال: وإنما ينسب إلى اسم التُّراب. وكذلك الرَّمْل الأعفر. قال: واليَعْفُور الخِشْف، سمِّي بذلك لكثرة لُزوقه بالأرض. قال ابن دريد([36]) : "العَفِير لحمٌ يجفَّف على الرَّمل في الشمس".

ومن الباب: شرِبت سَويقاً عَفِيراً، وذلك إذا لم يُلَتَّ بزَيت ولا سَمن.

فأمَّا الذي قاله ابن الأعرابيّ، من قولهم: "وقعوا في عافور شرّ" مثل عاثور، فممكن أن يكون من العَفَر، وهو التُّراب، وممكن أن يكون الفاء مبدلة من ثاء. وقد قال ابنُ الأعرابيّ: إنّ ذلك مشتقٌّ من عَفّرَه، أي صرعه ومرَّغه في التراب. وأنشد:

* جاءت بشرٍّ مَجْنَبٍ عافورِ([37]) *

فأمّا ما رواه أبو عبيدة أنّ العَفْر: بذر الناس الحبوب، فيقولون عَفَروا أي بذروا، فيجوز أن يكون من هذا؛ لأنّ ذلك يلقى في التُّراب.

قال الأصمعيّ: ورُوِي في حديث عن هلالِ بن أميّة: "ما قَرِبْت امرأتي منذ عَفّرنا".

ثم يحمل على هذا العَفَار، وهو إبَار النَّخل وتلقيحه. وقد قيل في عَفار النخل غيرُ هذا، وقد ذُكِر في موضعه.

وقال ابن الأعرابيّ: العُفْر: الليالي البِيض. ويقال لليلةِ ثلاثَ عشرةَ من *الشَّهر عَفْراء، وهي التي يقال لها ليلة السَّوَاء. ويقال إنّ العُفْر: الغنمُ البِيض الجُرد، يقال قوم مُعْفِرُون ومضيئون. قال: وهذيل مُعْفِرَة، وليس في العرب قبيلة مُعْفِرَة غيرها.

ويقولون: ما على عَفَر الأرض مثلُه، أي على وجهها.

ومن الباب أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان إذا سَلّم جافَى عَضُديه عن جَنْبيه حتَّى يُرَى من خلفه عُفْرةُ إبطَيْه.

وأمّا الأصل الثاني فالعَفار، وهو شجرٌ كثير النّار تُتَّخذ منه الزِّناد، الواحدة عَفارة. ومن أمثالهم: "اقدَحْ بعَفارٍ أو مَرْخ، واشدُد إن شئت أو أرْخ".

قال الأعشى:

زنادُك خيرُ زِناد الملو  *** كِ خالَطَ منهنّ مرْخٌ عَفارا([38])

ولعلَّ المرأة سمِّيت "عَفَارة" بذلك. قال الأعشى:

بانَت لتَحزُنَنا عَفارَهْ  *** يا جارتا ما أنتِ جارهْ([39])

وكذلك "عُفيرة([40]) ". وقال بعضهم: العُفُر: جمع العَفار من الشَّجر الذي ذكرناه. وأنشدوا:

قد كان في هاشمٍ في بيت محضِهِم  *** وارى الزِّناد إذا ما أصْلَد العُفُر

ويقولون: "في كلِّ شجرٍ نار، واستَمْجَد المَرْخُ والعَفار"، أي إنَّهما أخذا من النّار ما أحْسَبَهُما([41]) .

والأصل الثالث: الشِّدّة والقوّة. قال الخليل: رجل عِفْرٌ بيِّنُ العَفارة، يوصَف بالشَّيطنة، ويقال: شَيطانٌ عِفْرِيَة وعفريت، وهم العفاريَةُ والعفاريت. ويقال إنّه الكَيِّس الظَّريف. وإن شئتَ فعِفْرٌ وأعفارٌ، وهو المتمرّد. وإنِّما أُخِذ من الشّدّة والبَسالة. يقال للأسد عِفِرٌّ وعَفرْنَى، ويقال للخبيث عِفِرِّينُ، وهم العِفِرُّون. وأسَد عَفَرنَى ولبؤة عَفَرناة، أي شديدة. قال:

بِذاتِ لَوْثٍ عَفْرناةٍ إذا عَثَرت *** فالتَّعسُ أدنَى لها من أن أقول لَعا([42])

ويسمُّون دويْبَّة من الدّوابّ "ليث عِفِرّين"، وهذا يقولون إنّ الأصل فيه البابُ الأوّل؛ لأنَّ مأوَى هذه الدويْبَّة التُّراب في السهل، تدوِّر دارةً ثم تندسُّ في جوفها، فإذا هِيجَ رمَى بالتُّراب صُعُدا.

قال الخليل: ويسمُّون الرّجُل الكاملَ من أبناء الخمسين: ليث عِفِرّين. يقولون: "ابنُ العَشْر لعّابٌ بالقُلِين([43]) ، وابنُ العِشرين باغي نِسِين([44]) ، وابن ثلاثين أسعى السَّاعين، وابن الأربعين أبطش الباطشين، وابن الخمسين ليثُ عِفِرِّين، وابن ستِّين مؤْنس الجلِيسِين، وابن السبعين أحكم الحاكمين، وابن الثَّمانين أسرع الحاسبين؛ وابن التسعين واحدُ الأرذَلِين، وابن المائة لا جاء ولا ساء([45])"، يقول: لا رجلٌ ولا امرأة.

قال أبو عُبيد: العِفريَة النفريَة: الخبيث المنكر. وهو مِثل العِفْر، يقال رجل عِفْرٌ، وامرأة عِفرة.

وفي الحديث: "إنَّ الله تعالى يُبغِض العِفريَة النِّفرية، الذي لم يُرْزَأ في ماله وجسمه". قال: وهو المصحَّح الذي لا يكاد يَمرَض.

وزعم بعضُهم أن العَفَرفَر([46]) مثل العَفَرنَى من الأُسود، وهو الذي يَصرع قِرنَه ويَعفِر. فإذا كان صحيحاً فقد عاد هذا البابُ إلى الباب الأوّل. وأنشد :

إذا مشَى في الحَلَق المُخَصَّرِ  ***

وبَيْضَةٍ واسعةٍ ومِغفرِ

يَهُوس هَوسَ الأسدِ العَفَرفرِ

ويقال إنَّ عَفَار: اسم رجل، وإنَّه مشتق من هذا، وكان يُنسب إليه النِّصال. قال:

نصلٌ عَفارِيٍّ شديدٍ عَيرُه([48])  ويقال *** لم يبق مِِ النِّصال عادٍ غَيرُه([47])  للعِفِرّ عُفارية أيضاً. قال جرير:

قَرنْتُ الظَّالمِينَ بمرمريسٍ  *** يذلُّ لـه العُفارِيَة المَريدُ([49])

والأصل الرَّابع من الزَّمان قولُهم: لقيته عن عُفْر: أي بعد شهر. ويقال للرّجُل إذا كان له شرف قديم: ما شرفُك عن عُفْر، أي هو قديم غير حديث.

قال كُثَيِّر:

ولم يك عن عَفْرٍ تفرُّعُك العُلَى  *** ولكنْ مواريثُ الجدودِ تَؤُولُها

أي تُصلِحها وترُبُّها وتَسُوسها.

ويقال في عَفار النخل: إنَّ النّخلَ كان يُترَك بعد التَّلقيح أربعين يوماً لا يُسقَى.

قالوا: ومن هذا الباب التّعفير: وهو أن تُرضع المُطْفِلُ ولدَها ساعةً وتتركه ساعة. قال لَبيد:

لِمُعَفَّر قَهْدٍ* تنازَعَ شِلْوَهُ  *** غُبْرٌ كواسِبُ لا يُمنُّ طعامها([50])

وحُكي عن الفَرّاء أن العَفِير من النِّساء هي التي لا تُهدي لأحدٍ شيئاً. قال: وهو مأخوذٌ من التّعفير الذي ذكرناه. وهذا الذي قاله الفرّاء بعيدٌ من الذي شبّه به، ولعلَّ العفير هي التي كانت هدِيّتها تدوم وتَتَّصل، ثم صارت تهدى في الوقت. وهذا على القياس صحيح، ومما يدلُّ على هذا البيتُ الذي ذكر الفرّاء للكميت:

وإذا الخُرَّد اغبَرَرْن من المحْـ  *** ـلِ وصارت مِهداؤُهن عَفِيرا([51])

فالمِهداء التي مِن شأنها الإهداء، ثم عادت عَفيراً لا تُديم الهديَّة والإهداء.

وأمّا الخامس فيقولون: إنَّ العِفرِيَة والعِفْراة واحدة، وهي شَعَر وسط الرّأس. وأنشد:

قد صَعَّد الدّهرُ إلى عِفراتِه  *** فاحتصَّها بشفرتَيْ مِبراتِه([52])

وهي لغة في العِفريَة، كناصِيَة وناصاة. وقد يقولون على التّشبيه لعرف الديك: عِفريَة. قال: * كعِفريَة الغَيورِ من الدَّجاجِ *

أي من الدِّيَكة. قال أبو زيد: شعر القفا من الإنسان العِفرِيَة.

(عفز) العين والفاء والزاء ليس بشيء، ولا يُشبِه كلامَ العرب. على أنهم يقولون: العَفْز: ملاعَبة الرّجلِ امرأتَه، وإنّ العَفْز: الجَوز. وهذه لا معنى لذكره.

(عفس) العين والفاء والسين أصل صحيح يدلُّ على ممارسَة ومعالَجة. يقولون: هو يعافس الشّيء، إذا عالَجَه. واعتفَسَ القومُ: اصطرعوا. وعُفِسَ، إذا سُجِن. وهذا على معنى الاستعارة، كأنَّه لما حُبِس كان كالمصروع. والمعفوس: المبتَذَل. والعَفْس: سَوق الإبل. والمعنى في ذلك كلِّه متقارب.

(عفص) العين والفاء والصاد أُصَيل يدلُّ على التواءٍ أوْ لَيٍّ. يقال: عَفَص يدَه: لوَاها. ويقولون: العَفَص: التواء في الأنف.

(عفط) العين والفاء والطاء أُصَيْل صحيح يدلُّ على صُوَيت، ثم يحمل عليه. يقولون: العَفْطَة: نَثْرة الضائنة بأنفها. يقال: "ما لـه عافطة ولا نافطة". ويقال إنّ العافطة الأمَة، والنافطة الشّاة. ثم يقولون للألْكَن العِفطِيّ([53]) ويقولون: عَفَط بغنمه، إذا دعاها. والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــــــ

([1]) لرؤبة بن العجاج في ديوانه 108 واللسان (عفق، صفق) وقبله:

* فما اشتلاها صفقة في المنصفق *

([2]) في اللسان: "في منعفقها، أي في مكان عفق العير إياها. وعفق العير الأتان يعفقها عفقاً: سفدها. وعفقها عفقاً، إذا أتاها مرة بعد مرة".

([3]) في اللسان (حمض، عفق): "غبا" بدل "عفقا". والذي أنشده في المجمل: "من يرع الحموض يعفق"، بحذف الكلمة الأولى وجزم "يرع".

([4]) كذا وردت هذه الكلمات في الأصل.

([5]) البيت لعلقمة الفحل في ديوانه 132 والمفضليات (3: 192) واللسان (عفق). والرواية في جميعها: "فبذت نبلهم".

([6]) لم ترد هذه الكلمة في اللسان. وفي القاموس: "والعفق والعفاق: كثرة حلب الناقة، والسرعة في الذهاب".

([7]) لذي الخرق الطهوي، كما في مجالس ثعلب 184 ونوادر أبي زيد 116 واللسان (عفق، عقا). ونسبت بعض أبيات المقطوعة إلى قريط بن أنيف في اللسان (عنق).

([8]) في الأصل: "أثبق بها"، تحريف. وفي اللسان (نبق): "أبو زيد: إذا كانت الضرطة ليست بشديدة قيل: أنبق بها إنباقاً". وفي المخصص (5: 58): "خج بها: ضرط. أبو عبيد: فإن كانت ليست بشديدة قيل أنبق".

([9]) في المجمل: "والعفق كثرة الضراب"، وفي الأصل هنا: "والصوات"، تحريف.

([10]) في الأصل: "لصويت".

([11]) أنشد هذا الرجز في اللسان (عفك).

([12]) في الجمهرة (3: 126).

([13]) البيت بتمامه كما في اللسان (عبر، عفل):

جزيز القفا شبعان يربض حجرة  *** حديث الخصاء وارم العفل معير

([14]) في الأصل: "يحبس".

([15]) البيت في اللسان (عفا).

([16]) البيت لمضرس الأسدي كما في اللسان (عفا). وصدره:

* فلا تسأليني واسألي ما خليقتي *

([17]) للأخطل في ديوانه 289 واللسان (عفا). وهو من أبيات يهجو بها كعب بن جميل التغلبي.

([18]) البيت مطلع معلقته المشهورة.

([19]) يعني بذلك الصوف والشعر ونحوهما.

([20]) ديوان زهير 78 واللسان (عفا).

([21]) في الأصل: "تعفيفاً".

([22]) هو بتثليث العين، كما في اللسان والقاموس.

([23]) الفتاء: جمع فتيّ بفتح الفاء وتشديد الياء.

([24]) البيت لأبي الطمحان حنظلة بن شرقي، في اللسان (سكن، عفا). والسكنات، بكسر الكاف.

([25]) ديوان الطرماح 69 والحيوان (2: 254، 346/ 7: 59) واللسان (وشح 473 في نهاية الصفحة).

([26])البيت لثعلبة بن صعير المازني، من قصيدة في المفضليات (1: 126-129) برواية:

وكأنّ عيبتها وفضل فتانها *** فنان من كنفي ظليم نافر

([27]) في اللسان:"وعفوة المال والطعام والشراب، وعفوته بالكسر عن كراع: خياره وما صفا منه وكثر".

([28]) كذا ورد هذا البيت مبتوراً.

([29]) من اللسان (عفا 306).

([30]) في الأصل: "العفت الكلام كسره لكنه كلام الحبشي" وفي المجمل: "العفت: كسر الكلام، ويكون ذلك من اللكنة، ككلام الحبشي وغيره".

([31]) يقال بالفتح والكسر، وبالتحريك، وككبد.

([32]) هو المرار بن منقذ. وقصيدة البيت في المفضليات (1: 80-91)، وعدتها خمسة وتسعون بيتاً.

([33]) وكذا في اللسان (عفر). وفي المفضليات: "في أفنانه" و"ينعفر".

([34]) الجمهرة (2: 380).

([35]) هذا دعاء عند الشماتة، أي جعل الله ما أصابه لازماً له لا للظبي. وأنشد في اللسان للفرزدق في زياد:

أقول لـه لما أتانا نعيه  *** به لا بظبي بالصريمة أعفرا

([36]) الجمهرة (2: 380).

([37]) المجنب، بفتح الميم: الكثير.

([38]) ديوان الأعشى 41 والجمهرة (عفر).

([39]) ديوان الأعشى 111 واللسان والجمهرة(عفر) .

([40]) في القاموس(عفر) : و"كجهينة: امرأة من حكماء الجاهلية".

([41]) أحسبه الشيء: كفاه.

([42]) للأعشى في ديوانه 83 واللسان(لعا) . وسيأتي في(لعا) .

([43]) القلين: جمع قلة، بضم ففتح، وهي خشبة صغيرة تنصب قدر ذراع، تضرب بالمقلى، وهو عود كبير.

([44]) النسون: النساء، جمع امرأة من غير لفظه.

([45]) في اللسان (عفر 264) "لا جا ولا سا. يقول: لا رجل ولا امرأة، ولا جن ولا إنس".

([46]) في القاموس: "العفرفرة" بالتاء. ولم يذكر "العفرفر".

([47])  في الأصل: "سديده عيرة".

([48]) في الأصل: "من النصال".

([49]) ديوان جرير 163 واللسان (عفر). وكذا ورد إنشاده في الديوان. وفي اللسان: "يذل لها"، وهو الصواب. والمرمريس، الداهية.

([50]) من معلقته المشهورة. والرواية: "غبس كواسب".

([51]) في اللسان (عفر 266): "اعتررن من المحل".

([52]) احتصها، من الحص، وهو الحلق. وفي الأصل: "فاحتاصها".

([53]) في الأصل: "العفاطي"، صوابه في المجمل واللسان. ويقال أيضاً في معناه "عَفّاط".

 

ـ (باب العين والقاف وما يثلثهما في الثلاثي)

(عقل) العين والقاف واللام أصلٌ واحد منقاس مطرد، يدلُّ عُظْمُه على حُبْسة في الشَّيء أو ما يقارب الحُبْسة. من ذلك العَقْل، وهو الحابس عن ذَميم القَول والفِعل.

قال الخليل: العَقل: نقيض الجهل. يقال عَقَل يعقِل عَقْلا، إذا عرَفَ ما كان يجهله قبل، أو انزجَر عمّا كان يفعلُه. وجمعه عقول. ورجل عاقلٌ وقوم عُقَلاء. وعاقلون. ورجل عَقُول، إذا كان حسَنَ الفَهم وافر العَقْل. وما له مَعقولٌ، أي عقل؛ خَرج مَخرجَ المجلود للجَلادة، والمَيْسور لليُسْر. قال:

فقد أفادت لهم عقلاً وموعِظةً *** لمن يكون لـه إرْبٌ ومعقولُ([1])

ويقال في المثل: "رُبَّ أبْلَهَ عَقول". ويقولون: "عَلِمَ قتيلاً وعَدِم معقولاً". ويقولون: فلانٌ عَقُولٌ([2]) للحديث، لا يفلت الحديث سَمْعُه، ومن الباب المَعقِل والعَقْل، وهو الحِصن، وجمعه عُقول. قال أحيحَة:

وقد أعددت للحِدْثان صَعْباً  *** لو أنّ المرءَ تنفعُه العقُول

يريد الحصون.

ومن الباب العَقْل، وهي الدِّيَة. يقال: عَقَلْتُ القتيلَ أعْقِله عقلاً، إذا أدّيتَ ديَته. قال:

إنِّي وقتلي سُلَيكاً ثمَّ أَعْقِلَه *** كالثّور يُضرَب لمّا عافت البقرُ([3])

الأصمعيّ: عقلت القتيلَ: أعطيتُ دِيتَه. وعقَلت عن فلانٍ، إذا غَرِمْتَ جنايتَه. قال: وكلَّمت أبا يوسف القاضيَ في ذلك بحضرة الرشيد، فلم يفرِق بين عَقَلته وعقَلت عنه، حتَّى فَهَّمْته.

والعاقلة: القوم تُقَسَّم عليهم الدّية في أموالهم إذا كان قتيلُ خطأ. وهم بنو عمِّ القاتل الأدنَون وإخوتُه. قال الأصمعيّ: صار دم فلان مَعْقُلة على قومه، أي صاروا يَدُونه.

ويقول بعض العلماء: إن المرأة تُعاقِل الرّجُلَ إلى ثلث ديتها*. يعنون أنّ مُوضِحتَها وموضحتَهُ سواء([4]) ، فإذا بلغ العَقْلُ ما يزيد على ثُلث الدية صارت ديةُ المرأة على نصف دِيَة الرّجل.

وبنو فلانٍ على معاقلهم التي كانوا عليها في الجاهلية، يعني مراتبَهم في الدِّيات، الواحدة مَعْقُلة. قالوا أيضاً: وسمِّيت الدّية عَقْلاً لأنّ الإبل التي كانت تُؤخَذ في الدِّيات كانت تُجمَع فتُعقَل بفناء المقتول، فسمِّيت الدّيةُ عقلاً وإن كانت دراهم ودنانير. وقيل سمِّيت عقلاً لأنَّها تُمْسِك الدّم.

قال الخليل: إذا أخذ المصَدِّق صدقةَ الإبل تامّةً لسنة قيل: أخذ عقالاً، وعقالين لسنتين. ولم يأخذ نقداً، أي لم يأخذ ثمناً، ولكنه أخَذَ الصّدقةَ على ما فيها. وأنشد:

سعى عقالاً فلم يترُكْ لنا سَبَداً *** فكيف لو قد سعى عمروٌ عِقالينِ([5])

وأهل اللغة يقولون: إنَّ الصّدقة كلَّها عِقال. يقال: استُعمِل فلانٌ على عِقال بني فلان، أي على صدقاتهم. قالوا: وسمِّيت عقالاً لأنّها تَعقِل عن صاحبها الطَّلبَ بها وتَعقِل عنه المأثَمَ أيضاً.

وتأوَّلُوا قولَ أبي بكر لمَّا منعت العربُ الزكاةَ "والله لو منعوني عِقالاً ممّا أدّوه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتُهم عليه"، فقالوا([6]) : أراد به صدقةَ عام، وقالوا أيضاً: إنما أراد بالعِقال الشَّيء التافِه الحقير، فضَرَب العِقال الذي يُعقَل به البعير لذلك مثلاً. وقيل إنّ المصدِّقَ كان إذا أعطى صدقة إبلِهِ أعطى معها عُقُلها وأرويَتَها([7]) .

قال الأصمعيّ: عَقَل الظّبي يَعْقِلُ عُقولاً([8]) ، إذا امتنع في الجبل. ويقال: عَقَل الطَّعامُ بطنَه، إذا أمسَكَه. والعَقُولُ من الدّواء: ما يُمسِك البطن. قال: ويقال: اعتقل رمحَه، إذا وضَعَه بين رِكابه وساقه. واعتقَلَ شاتَه، إذا وضعَ رجلَها بين فخذه وساقه فحلبها. ولفلان عُقْلة يَعتقِل بها النّاسَ، إذا صارعَهم عَقَلَ أرجُلَهم. ويقال عقَلْت البَعيرَ أعقِلُه عقلاً، إذا شَدَدتَ يدَه بعِقاله، وهو الرِّباط. وفي أمثالهم:

* الفحلُ يحمي شولَه معقولا([9]) *

واعتُقل لسانُ فلانٍ، إذا احتبس عن الكلام.

فأمّا قولُهم: فلانةُ عقيلةُ قومِها، فهي كريمتُهم وخيارهم. ويُوصَف بذلك السيِّد أيضاً فيقال: هو عقيلة قومه. وعقيلةُ كلِّ شيءٍ: أكرمُه. والدُّرّة: عَقيلة البحر. قال ابنُ قيس الرُّقَيَّات:

درّةٌ مِن عقائِل البحر بكرٌ  *** لم يَشِنْها مَثاقب الّلآلِ([10])

وذُكِر قياس هذا عن ابن الأعرابيّ، قالوا عنه: إنما سمِّيت عقيلةً لأنها عَقَلت صواحبَها عن أن يبلُغْنها. وقال الخليل: بل معناه عُقِلت في خدرها. قال امرؤ القيس:

عقيلة أخدانٍ لها لا دميمةٌ  *** ولا ذات خُلْقٍ أن تأمَّلْتَ جَأْنَبِ([11])

قال أبو عبيدة: العقيلة، الذكر والأنثى سواء. قال:

بَكْرٌ يُبذّ البُزْلَ والبِكارا  *** عقيلةٌ من نُجُبٍ مَهَارَى

ومن هذا الباب: العَقَل في الرّجلين: اصطكاك الرُّكبتين، يقال: بعيرٌ أعقُلُ، وقد عَقِل عَقَلاً. وأنشد:

أخو الحَرْب لَبَّاسٌ إليها جِلالَها  *** وليس بولاّج الخوالف أعقلا([12])

والعُقَّال: داء يأخذ الدوابَّ في الرِّجلين، وقد يخفف. ودابّة معقولة وبها عُقّال، إذا مشَتْ كأنَّها تَقلَع رجليها من صخرة. وأكثر ما يكون في ذلك في الشَّاء.

قال أبو عبيدة: امرأة عَقْلاء، إذا كانت حَمْشة السّاقين ضخمةَ العضَلتين. قال الخليل: العاقول من النّهر والوادي ومن الأمور أيضاً: ما التبس واعوجَّ.

وذكِر عن ابن الأعرابيّ، ولم نسمعه سماعاً، أنَّ العِقال: البئر القريبة القعر، سمِّيت عِقالاً لقُرْب مائها، كأنَّها تُستَقَى بالعِقال، وقد ذُكر ذلك عن أبي عبيدةَ أيضاً.

ومما يقرب من هذا الباب العَقَنْقَل من الرَّمل، وهو ما ارتكم منه؛ وجمعه عقاقيل، وإنما سمِّي بذلك لارتكامه* وتجمُّعه. ومنه عَقنقَل الضّب: مَصِيرُه.

ويقولون: "أطعِمْ أخاك من عقنقل الضَّبّ"، يُتَمثَّل به. ويقولون إنَّه طيِّب. فأمّا الأصمعيّ فإنّه قال: إنّه يُرمَى به، ويقال: "أطعم أخاك من عقنقل الضب" استهزاء. قالوا: وإنما سُمِّي عقنقلاً لتحوِّيه وتلوِّيه، وكلُّ ما تحوَّى والتوى فهو عَقنقَل، ومنه قيل لقُضْبان الكَرْم: عقاقيل، لأنَّها ملتوية. قال:

نجُذّ رقابَ القومِ من كلِّ جانبٍ  *** كجذِّ عقاقيل الكُرُومِ خبيرُها([13])

فأمّا الأسماء التي جاءت من هذا البناء ولعلَّها أن تكون منقاسة، فعاقِلٌ: جَبَل([14]) بعينه. قال:

لمن الدِّيارُ برامتَينِ فعاقلٍ *** درسَتْ وغيَّرَ آيَها القَطْرُ

قال أبو عبيدة: بنو عاقل رهط الحارث بن حُجْر، سُمُّوا بذلك لأنّهم نزلوا عاقلاً، وهم ملوك.

ومَعْقلةُ: مكان بالبادية. وأنشد:

وعينٍ كأنَّ البابليَّينِ لَبَّسَا  *** بقلبك [منها] يوم مَعْقُلةٍ سِحرا([15])

وقال أوس:

فبطنُ السُّليِّ فالسِّخالُ تَعَذَّرت  *** فَمَعقُلةٌ إلى مُطارٍ فواحفُ([16])

قال الأصمعيّ: بالدَّهْناء خَبْرَاءُ يقال لها مَعْقُلة.

وذو العُقَّال: فرسٌ معروف([17]) . وأنشد:

فكأنما مسحوا بوجهِ حِمارِهم  *** بالرَّقْمتين جَبِينَ ذي العُقّالِ([18])

(عقم) العين والقاف والميم أصلٌ واحد يدلُّ على غموضٍ وضيق وشِدّة. من ذلك قولهم حَرْبٌ عَقام وعُقَام: لا يَلوِي فيها أحدٌ [على أحد([19]) ] لشِدّتها. وداءٌ عَُقَامٌ: لا يُبرَأ منه.

ومن الباب قولهم: رجل عَقام، وهو الضيِّق الخُلُق. قال:

أنت عَقامٌ لا يُصابُ لـه هوَىً  *** وذو همّة في المَطْلِ وهو مُضَيِّعُ([20])

ومن الباب عَقِمت الرّحمُ عُقماً، وذلك هَزْمَةٌ تقع في الرّحِم فلا تقبل الولَد. ويقال: عَقِمَت المرأة وعُقِمَت، وهي أجودُهما. وفي الحديث: "تُعقَم أصلابُ المنافقين فلا يقدِرون على السجود"، والمعنى يُبْسُ مفاصِلهم([21]) . ويقال رجلٌ عقيم، ورجال عُقَماء، ونسوةٌ معقومات وعقائم وعُقُم.

قال أبو عمرو: عُقِمت المرأة، إذا لم تلد. قال ابنُ الأعرابي: عُقِمَت المرأة عَُقْماً، وهي معقومة وعقيم، وفي الرّجل أيضاً عُقِم فهو عقيم ومعقوم. وربما قالوا: عَقَمت فلانةَ، أي سحرتُها حتى صارت معقومةَ الرّحِم لا تَلِد.

قال الخليل: عقلٌ عقيم، للذي لا يُجدي على صاحبه شيئاً.

ويروى أنّ العقل عقلان: فعقل عقيمٌ، وهو عقل صاحب الدنيا؛ وعقلٌ مثمر، وهو عقل [صاحب] الآخرة.

ويقال: المُلْك عقيم، وذلك أنّ الرّجلَ يقتلُ أباه على الملك، والمعنى أنّه يَسُدّ بابَ المحافظة على النّسب([22]) . والدنيا عقيم: لا تردُّ على صاحبها خيراً. والرِّيح العَقيم. التي لا تُلقِح شجراً ولا سَحاباً. قال الله تعالى: {وَفِي عَادٍ إذْ أَرْسَلْنَا عَليْهِمُ الرِّيحَ العَقِيم} [الذاريات 41]، قيل: هي الدَّبور. قال الكسائيّ: يقال عَقِمت عليهم الرّيح تَعقَم عُقْماً. والعقيم من الأرض: ما اعتقمتَها فحفَرْتها. قال:

تزوَّدَ منّا بين أُذْناه ضَربةً  *** دَعَتْه إلى هابي التُّراب عقِيم([23])

قال الخليل: الاعتقام: الحفر في جوانب البئر. قال ربيعة بن مقروم:

وماءٍ آجِنِ الجَمّات قَفرٍ  *** تَعقَّمُ في جوانبه السِّباعُ([24])

وإنما قيل لذلك اعتقامٌ لأنَّه في الجانب، وذلك دليل الضِّيقِ الذي ذكرناه.

ومن الباب: المُعاقِم: المُخاصِم، والوجه فيه أنه يضيِّق على صاحبه بالكلام. وكان الشيبانيّ يقول: هذا كلام عُقْمِيّ، أي إنَّه من كلام الجاهلية لا يُعرف. وزَعم أنَّه سأل رجلاً من هُذيل يكنى أبا عِياض، عن حرفٍ من غريب هُذيل، فقال:

هذا كلامِ عُِقميّ، أي من كلام الجاهليّة لا يُتكلَّم به اليوم. ويقولون: إنّ الحاجز بين التِّبْن والحَبِّ إذا ذُرِّي الطعامُ مِعْقَم([25]) .

(عقو) العين والقاف والحرف المعتل كلماتٌ لا تنقاس وليس يجمعُها أصلٌ، وهي صحيحة. وإحداها العَقْوة: ما حولَ الدّار. يقال ما يَطُور بعَقْوَةِ فلانٍ أحد. والكلمة الأخرى: العِقْيُ: ما يخرُج من بطن الصبيّ حين يُولَد. والثالثة: العِقْيان، *وهو فيما يقال: ذهبٌ ينبت نباتاً، وليس مما يحصَّلَ من الحِجارة.

والاعتقاء مثل الاعتقام في البئر، وقد ذكرناه. ويقال عَقَّى الطائر، إذا ارتفع في طيرَانه. وعقَّى بسهمه في الهواء. وينشد:

عَقَّوْا بسهم فلم يَشعُر به أحدٌ *** ثم استفاؤوا وقالوا حبّذا الوَضَحُ([26])

ومن الكلمات أعقى الشَّيءُ، إذا اشتدَّت مرارتُه.

(عقب) العين والقاف والباء أصلانِ صحيحان: أحدُهما يدلُّ على تأخير شيء([27]) وإتيانِه بعد غيره. والأصل الآخَر يدلُّ على ارتفاعٍ وشدّة وصُعوبة.

فالأوّل قال الخليل: كلُّ شيء يَعقُبُ شيئاً فهو عَقيبُه، كقولك خَلفٍ يَخلف، بمنزلة اللَّيل والنهار إذا مضى أحدُهما عَقَبَ الآخَر. وهما عَقيبانِ، كلُّ واحدٍ منهما عَقيبُ صاحبِه. ويعقِّبان، إذا جاء اللّيلُ ذهب النَّهارُ، فيقال عَقَّب اللّيلُ النّهارُ وعقّب النهارُ اللّيل. وذكر ناسٌ من أهل التفسير في قوله تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه} [الرعد 11] قال: يعني ملائكةَ اللّيلِ والنّهار، لأنهم يتعاقبون. ويقال إنَّ العَقِيب الذي يعاقب آخَرَ في المركَب، وقد أعقَبْتُه، إذا نزلْتَ ليركب. ويقولون: عَقِبَ عليَّ في تلك السِّلعة عَقَب، أي أدركني فيها دَرَكٌ([28]) . والتَّعقِبَة: الدَّرَك.

ومن الباب: عاقبت الرجل مُعاقَبة وعُقوبةً وعِقاباً. واحذَر العقوبةَ والعَقب. وأنشَد:

فنعمَ والِي الحُكْمِ والجارُ عمر *** لَيْنٌ لأهل الحقِّ ذَوَ عَقْبٍ ذكَرْ([29])

ويقولون: إنّها لغةُ بني أسد. وإنّما سمِّيت عقوبة لأنَّها تكون آخراً وثانيَ الذَّنْب. وروي عن [ابن] الأعرابيّ: المعاقِب الذي أدْرك ثأره. وإنَّما سمي بذلك للمعنى الذي ذكرناه([30]) . وأنشد:

ونحنُ قَتلنا بالمُخارِق فارساً *** جزاءَ العُطاسِ لا يموتُ المعاقِبُ([31])

أي أدركنا بثأره قَدْرَ ما بين العُطاس والتّشميت. ومثله:

ففَتلٌ بقَتلانا وجَزٌّ بجَزّنا *** جزاءَ العُطاسِ لا يموت مَن اتّأرْ([32])

قال الخليل: عاقبةُ كلِّ شيءٍ: آخره، وكذلك العُقَب، جمع عُقْبة. قال:

* كنتَ أخي في العُقَبِ النَّوائب *

ويقال: استعقَبَ فلانٌ من فِعلهِ خيراً أو شرَّاً، واستعقَبَ من أمرهِ ندماً، وتَعقَّب أيضاً. وتعقَّبْت ما صنَعَ فلانٌ، أي تتبَّعت أثره. ويقولون: ستَجِد عقِبَ الأمر كخيرٍ أو كشرٍّ، وهو العاقبة.

ومن الباب قولهم للرجل المنقطع الكلام: لو كان له عَقِبٌ تكلّم، أي لو كان عنده جواب. و قالوا في قول عمر:

فلا مالَ إلاَّ قد أخذنا عقابَه  *** ولا دمَ إلاّ قد سفكنا به دَما

قال: عِقابَه، أراد عُقباه وعُقْبانَه. ويقال: فلانٌ وفلانٌ يعتقبان فلاناً، إذا تعاوَنَا عليه.

قال الشَّيباني: إبلٌ معاقِبَةٌ: تَرْعَى الحَمْضَ مَرّةً، والبقلَ أخرى. ويقال: العواقب من الإبل ما كان في العِضاهِ ثم عَقَبَتْ منه في شجر آخر. قال ابنُ الأعرابيّ: العواقب من الإبل التي تُداخِل الماءَ تشربُ ثم تعود إلى المَعْطِن ثم تعود [إلى الماء([33]) ] وأنشد يصف إبلاً:

* روابع خَوامس عواقب *

وقال أبو زياد: المعقِّبات: اللواتي يَقُمن عند أعجاز الإِبل التي تعترك على الحوض، فإذا انصرفَتْ ناقةٌ دخلت([34]) مكانَها أخرى، والواحدةُ مُعَقِّبة. قال:

* الناظراتُ العُقَب الصَّوادِف([35]) *

وقالوا: وعُقْبة الإبل: أن ترعى الحَمض [مَرَّةً] والخَلّة أخرى. وقال ذو الرُّمَّة:

ألْهاهُ آءٌ وتَنُّومٌ وعُقْبتُه  *** مِن لائح المرو والمرعى لـه عُقَب([36])

قال الخليل: عَقبت الرّجُل، أي صرت عَقِبَه أعقُبه عَقْبا. ومنه سمِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العاقب" لأنَّه عَقبَ مَن كان قبلَه من الأنبياء عليهم السلام. وفعلْتُ ذلك بعاقبةٍ، كما يقال بآخِرة. قال:

أرَثَّ حديثُ الوصلِ من أمِّ مَعبدِ  *** بِعاقبةٍ وأخلفَتْ كلَّ مَوعِد([37])

وحكي عن الأصمعيّ: رأيتُ عاقبةً من الطَّير، أي طيراً يَعقُب بعضها بعضاً، تقع هذه مكانَ التي قد كانت طارت قبلَها. قال أبو زيد: جئتُ في عُقب الشهر وعُقْبانِه، أي بعد مُضِيِّه، العينان مضمومتان. قال: وجئت في عَقب الشهر وعُقبه [و]* في عُقُبِه. قال:

[وقد] أروح عُقُبَ الإصدار  *** مُخَتَّراً مسترخِيَ الإزارِ

قال الخليل: جاء في عَقِب الشهر أي آخرِه؛ وفي عُقْبه، إذا مضى ودخل شيءٌ من الآخر. ويقال: أخذت عُقْبَةً من أسيرِي، وهو أن تأخذ منه بدلاً. قال:

* لا بأس إنِّي قد عَلِقت بعُقْبة *

وهذا عُقْبةٌ من فلانٍ أي أُخِذَ مكانه. وأمّا قولهمِ عُِقْبَةُ القمر([38]) ........

ومن الباب قولهم: عُقبْة القِدر، وهو أن يستعير القِدرَ فإذا ردَّها ترك في أسفلها شيئاً. وقياس ذلك أن يكون آخرَ ما في القدر، أو يبقى بعد أن يُغرف منها. قال ابن دريد([39]) :

إذا عُقَب القُدور يكنَّ مالاً  *** تحبّ حلائلَ الأقوام عِرسي

وقال الكميت:

……………ولم يكن  *** لعُقْبةِ قِدرِ المستعيرين مُعْقِبُ([40])

ويقولون: تصدَّقْ بصدقةٍ ليست فيها تَعقِبة، أي استثناء. وربّما قالوا: عاقب بين رجليه. إذا راوَحَ بينهما، اعتمد مرّةً على اليمنى ومرّةً على اليُسرى.

وممّا ذكره الخليل أن المِعقاب: المرأة التي تلد ذكراً بعد أنثى، وكان ذلك عادتَها. وقال أبو زيد: ليس لفُلان عاقبة، يعني عَقِباً. ويقال عَقَب للفرس جَرْيٌ بعد جري، أي شيءٌ بعد شيء. قال امرؤ القيس:

على العَقْبِ جياشٌ كأنَّ اهتزامَه  *** إذا جاش منه حَمْيُه غَلْيُ مِرجلِ([41])

وقال الخليل: كلُّ مَن ثَنَّى شيئاً فهو معقِّب قال لبيد:

حَتَّى تَهَجَّرَ للرّواح وهاجَها  *** طَلَب المعقِّبِ حقَّه المظلوم([42])

قال ابن السّكيت: المعَقِّب: الماطِل، وهو هاهنا المفعول به، لأنَّ المظلوم هو الطالب، كأنّه قال: طلب المظلوم حَقّه من ماطله. وقال الخليل: المعنى كما يطلب المعقِّبُ المظلومَ حقَّه، فحمل المظلومَ على موضع المعقِّب فرفعه.

وفي القرآن: {وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النمل 10]، أي لم يعطف. والتَّعقيب، غزوة بعد غزوة. قال طفيل:

وأطنابُه أرسانُ جُرْدٍ كأنَّها  *** صدورُ القنا من بادئٍ ومُعقِّبِ([43])

ويقال: عقَّبَ فلانٌ في الصَّلاة، إذا قام بعد ما يفرُغ النّاسُ من الصَّلاة في مجلِسه يصلِّي.

ومن الباب عَقِبُ القدَم: مؤخَّرها، وفي المثل: "ابنُكِ مَن دَمَّى عَقِبيكِ"، وكان أصل ذلك في عَقيل بن مالك، وذلك أن كبشة بنت عُروة الرّحّال تبَنَّتْه، فعرَم([44]) عقيلٌ على أمِّه يوماً فضربته، فجاءتها كبشةُ تمنعها، فقالت: ابني ابني، فقالت القَينيَّة - وهي أمَةٌ من بني القَين-: "ابنُكِ من دَمَّى عَقِبيكِ"، أرى ابنك هو الذي نُفِسْتِ به ووَلَدْتِه حَتّى أدمى النّفاس عَقِبَيْك، لا هذا.

ومن كلامهم في العُقوبة والعِقاب، قال امرؤ القيس:

* وبالأشْقَينَ ما كان العقابُ([45]) *

ويقال: أعقب فلانٌ، أي رجَع، والمعنى أنه جاء عُقَيب مضيّه. قال لبيد:

فجال ولم يُعْقِب بغُضْفٍ كأنَّها  *** دُقاق الشَّعيل يبتدِرْن الجعائلا([46])

قال الدريدي: المُعْقب: نجم يعقُب نجماً آخَر، أي يطلُع بعده. قال:

* كأنها بينَ السُّجوف مُعْقِبُ([47]) *

ومن الباب قولهم: عليه عُقْبَة السَّرْو والجمال، أي أثره. قال: وقومٌ عليهم عُِقْبة السَّرْو.....([48]) وإنما قيل ذلك لأنَّ أثَرَ الشَّيء يكونُ بعد الشيء.

وممّا يتكلمون به في مجرى الأمثال قولهم: "من أين جاءت عَقِبُك" أي من أين جئت. و"فلانٌ مَوَطَّأ العَقِب" أي كثير الأتباع. ومنه حديث عمّار([49]) : "اللهُمَّ إن كان كَذَب فاجعله مُوطّأَ العَقِب". دعا أن يكون سلطاناً يطأ النّاس عَقِبه، أي يتبعونه ويمشون وراءَه، أو يكون ذَا مالٍ فيتبعونه لمالِه. قال:

عهدي بقيسٍ وهُمُ خير الأمَمْ  *** لا يطؤون قدماً على قَدَمْ

أي إنَّهم قادةٌ يتبعهم الناس، وليسوا أتباعاً يطؤون أقدامَ مَن تقدَّمهم.

وأما قول النَّخَعي: "المعتقب ضامنٌ لما اعتَقب" فالمعتقِب: الرجل يَبيع الرّجُلَ شيئاً فلا ينقدُه المشترِي الثّمَن، فيأبَى البائع أن يُسلِّم إليه السّلعة حتى ينقُده، فتضيعَ السّلعةُ عند البائع. يقول: فالضَّمان على البائع. وإنّما سُمِّي معتقباً لأنَّه أتى بشيء بعد البيع، وهو إمساك* الشَّيء.

ويقولون: اعتقبت الشيء، أي حبَستُه.

ومن الباب: الإعقابة([50]) : سِمَة مثل الإدبارة، ويكون أيضاً جلدةً معلّقة من دُبُر الأذن.

وأمّا الأصل الآخر فالعَقَبة: طريقٌ في الجبل، وجمعها عِقابٌ. ثمّ رُدّ إلى هذا كلُّ شيءٍ فيه عُلوٌّ أو شدّة. قال ابنُ الأعرابيّ: البئر تُطوَى فيُعْقب وَهْيُ أواخِرها بحجارةٍ من خَلفْها. يقال أعقبت الطَّيَّ. وكلُّ طريقٍ يكون بعضُه فوقَ بعض فهي أَعْقاب.

قال الكسائيّ: المعْقِب: الذي يُعْقب طَيّ البئر: أن يجعل الحصباءَ، والحجارةَ الصِّغار فيها وفي خللها، لكي يشدَّ أعقاب الطيّ. قال:

* شدّاً إلى التَّعقيب مِن ورائها *

قال أبو عمرو: العُقَاب: الخزَف الذي يُدخَل بين الآجُرّ في طيِّ البئر لكي تشتدّ.

وقال الخليل: العُقَاب مرقىً في عُرْض جبل، وهو ناشزٌ. ويقال: العُقاب: حجرٌ يقوم عليه السّاقي، ويقولون إنّه أيضاً المَسِيل الذي يَسِيل ماؤه إلى الحَوض. ويُنشَد:

كأنَّ صوتَ غَرْبِها إذَا انثَعَبْ *** سَيْلٌ على مَتْنِ عُقَابٍ ذي حَدَبْ([51])

ومن الباب: العَقَب: ما يُعْقَب به الرّماحُ والسِّهام. قال: وخِلافُ ما بينَه وبين العَصَب أنَّ العصَب يَضرِبُ إلى صُفرة، والعَقَب يضرِب إلى البياض، وهو أصلبُهما وأمتنُهما. والعَصَب لا يُنْتَفَع به([52]) . فهذا يدلّ على ما قلناه، أنَّ هذا البابَ قياسُه الشِّدَّة.

ومن الباب ما حكاه أبو زيد: عَقِب العَرْفج يَعْقَب أشدَّ العَقَبِ. وعَقَبُه أن يَدِقَّ عُوده وتصفرَّ ثمرتُه، ثم ليس بعد ذلك إلاَّ يُبْسه.

ومن الباب: العُقاب من الطَّير، سمِّيت بذلك لشدَّتها وقُوّتها، وجمعه أَعْقُبٌ وعِقبانٌ([53]) ، وهي من جوارح الطَّير. ويقال عُقابٌ عَقَبناةٌ([54]) ، أي سريعة الخَطفة. قال:

عُقاب عَقَبْناةٌ كَأَنَّ وظيفَها  *** وخُرطومَها الأعْلَى بنارٍ ملوَّحُ([55])

خرطومها: مِنْسَرها. ووظيفها: ساقُها. أراد أنَّهما أسودان.

ثمّ شُبِّهت الرّاية بهذه العُقاب، كأنَّها تطير كما تَطير([56]) .

(عقد) العين والقاف والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شَدٍّ وشِدّةِ وُثوق، وإليه ترجعُ فروعُ البابِ كلها.

من ذلك عَقْد البِناء، والجمع أعقاد وعُقود. قال الخليل: ولم أسمع له فِعْلاً. ولو قيل عَقَّد تَعقِيداً، أي بنى عَقْداً لجاز. وعَقَدت الحبلَ أعقِده عَقْداً، وقد انعقد، وتلك هي العُقْدة.

ومما يرجع إلى هذا المعنى لكنَّه يُزَاد فيه للفصل بين المعاني: أعقَدْت العَسَل وانعقد، وعسلٌ عقيد ومُنعقِد. قال:

كأنّ رُبَّاً سال بعد الإعقادْ  *** على لدِيدَيْ مُصْمَئِلٍّ صِلْخَادْ([57])

وعاقَدته مثل عاهدته، وهو العَقْد والجمع عُقود. قال الله تعالى: {أوْفُوا بالعُقود} [المائدة 1]، والعَقْد: عَقْدُ اليمين، [ومنه] قوله تعالى: {ولكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ([58])}  [المائدة 89]. وعُقْدَة النكاح وكلِّ شيء: وُجوبُه وإبرامُه. والعُقْدة في البيع: إيجابه. والعُقْدَة: الضَّيْعة، والجمع عُقَد. يقال اعتقد فلانٌ عُقْدةً، أي اتَّخذها. واعتقد مالاً وأخاً، أي اقتناه. وعَقَد قلبَه على كذا فلا يَنزِع عنه. واعتَقَد الشيءُ: صَلُب. واعتَقَد الإخاءُ: ثَبَتَ([59]) . والعَقِيد: طعام يُعْقَد بعسل. والمَعَاقِد: مواضع العَقْد من النِّظام. قال:

* معاقِدُ سِلكِه لم تُوصَلِ([60]) *

وعِقْدُ القِلادة ما يكون طُوَارَ العُنق، أي مقدارَه. قال الدريديّ: "المِعقاد خيط تنظم فيه خَرَزَات([61]) ".

قال الخليل: عَقَد الرَّمل: ما تراكم واجتمع، والجمع أعقاد. وقلَّما يقال عَقِد وعَقِدات، وهو جائز. قال ذو الرّمّة:

بين النهار وبين الليل من عَقَد  *** على جوانبه الأسباط والهَدَبُ([62])

ومن أمثالهم: "أحمق من تُرْب العَقَد" يعنون عَقَد الرَّمل؛ وحُمْقُه أنّه لا يثبت فيه التّراب، إنما ينهار. و"هو أعطش من عَقَد الرّمْل"، و"أشْرَبُ من عَقَد الرّمل" أي إنّه يتشرَّب كلَّ ما أصابه من مطر ودَثَّة([63]) .

* قال الخليل: ناقةٌ عاقدٌ، إذا عَقَدتْ ([64]) .

قال ابنُ الأعرابيّ: العُقْدة من الشّجر: ما يكفي المالَ سنَتَه. قال غيرُه: العُقْدَة من الشّجَر: ما اجتمع وثبَتَ أصلُه. ويقال للمكان الذي يكثر شجرُه([65]) عُقدة أيضاً. وكلُّ الذي قيل في عُقدة الشَّجَر والنَّبْت فهو عائد إلى هذا. ولا معنى لتكثير الباب بالتكرير.

ويقولون: "هو آلَفُ من غُراب العُقْدة". ولا يطير غُرابها. والمعنى أنّه يجد ما يريده فيها.

ويقال: اعتقدَت الأرضُ حَيَا سنَتِها، وذلك إذا مُطِرَت حتى يحفِر الحافر الثَّرَى فتذهبَ يدُه فيه حتى يَمَسَّ الأرض بأُذُنه وهو يحفر والثَّرَى جَعْد.

قال ابنُ الأعرابيّ: عُقَد الدُّورِ والأرَضِينَ مأخوذةٌ من عُقَد الكلأ؛ لأنَّ فيها بلاغاً وكِفاية. وعَقَد الكَرْمُ، إذا رأيتَ عُودَه قد يَبس ماؤُه وانتهى. وعَقَدَ الإفطُ. ويقال إنّ عَكَد اللسان، ويقال لـه عَقَد أيضاً، هو الغِلَظ في وسطه. وعَقِد الرّجلُ، إذا كانت في لسانه عُقدة، فهو أعقَدُ.

ويقال ظبيةٌ عاقدٌ، إذا كانت تَلْوي عنقَها، والأعقد من التُّيوس والظباء: الذي في قَرْنه عُقْدة أو عُقَد، قال النَّابغة في الظباء العواقد:

ويضربن بالأيدي وراءَ بَرَاغِزٍ  *** حسانِ الوجوه كالظِّباءِ العَوَاقِدِ([66])

ومن الباب ما حكاه ابن السكّيت: لئيمٌ أعقد، إذا لم يكن سهلَ الخلق. قال الطّرِمّاح:

ولو أنِّي أشاء حَدَوْتُ قولاً  *** على أعلامِه المتبيِّناتِ([67])

عشيرتُه لـه خِزْيَ الحَيَاةِ *** لأعْقَدَ مُقْرِف الطَّرَفين بَيْنِي

يقال إنّ الأعقد الكلب، شبَّهه به.

ومن الباب: ناقةٌ معقودة القَرَى، أي موَثَّقةُ الظهر. وأنشد:

مُوَتَّرَة الأنساء معقودة القَرَى  *** ذَقُوناً إذا كَلَّ العِتاق المرَاسِلُ

وجملٌ عَقْدٌ، أي مُمَرُّ الخَلْقِ. قال النابغة:

فكيفَ مَزارُها إلا بعَقْدٍ  *** مُمَرٍّ ليس يَنْقُضُه الخَؤُونُ([68])

ويقال: تعقَّد السَّحابُ، إذا صار كأنّه عَقْد مضروبٌ مبنيّ. ويقال للرجل: "قد تَحلَّلت عُقَده"، إذا سكنَ غضبَهُ. ويقال: "قد عقد ناصيتَه"، إذا غَضِب فتهيَّأ للشَّر. قال:

* بأسواط قومٍ عاقدِينَ النَّواصِيا([69]) *

ويقال: تعاقَدت الكلابُ، إذا تعاظَلَت. قال الدريديّ: "عَقَّدَ فلان كلامَه، إذا عمَّاه وأعْوَصه([70]) ". ويقال: إنّ المعقِّد السّاحر. قال:

يعقِّد سحرَ البابليَّيْنِ طرفُها  *** مِراراً وتسقينا سُلافاً من الخَمْرِ

وإنما قيل ذلك لأنّه يعقِّد السِّحر. وقد جاء في كتاب الله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ في الْعُقَد} [الفلق 4]: من السَّواحر اللواتي يُعقِّدن في الخُيُوط. ويقال إذا أطبق الوادي على قوم فأهلكهم: عقد عليهم.

وممّا يشبه هذا الأصل قولُهم للقصير أعْقَد. وإنما قيل لـه ذلك لأنّه كأنّه عُقْدَة. والعُقْد: القِصَار. قال:

ماذيّة الخُرْصان زُرق نصالها  *** إذا سَدَّدُوها غير عُقْدٍ ولا عُصْلِ([71])

(عقر) العين والقاف والراء أصلان متباعدٌ ما بينهما، وكلُّ واحد منهما مُطَّرِدٌ في معناه، جامعٌ لمعاني فُروعه. فالأول الجَرْح أو ما يشبه الجَرح من الهَزْم في الشيء. والثاني دالٌّ على ثباتٍ ودوام.

فالأوّل قول الخليل: العَقْرُ كالجَرْح، يقال: عَقَرت الفرسَ، أي كَسَعْتُ قوائمَه بالسَّيف. وفرسٌ عقير ومعقور. وخَيلٌ عَقْرَى. قال زياد([72]) :

وإذا مررت بقبرِهِ فاعقِرْ به  *** كُومَ الهِجان وكلَّ طِرفٍ سابحِ

وقال لبيد:

لَمَّا رأى لُبَدُ النُّسُورَ تطايرت  *** رَفَع القوادمَ كالعقير الأعزلِ([73])

شبَّه النَّسرَ بالفرس المعقور. وتُعقَر النّاقة حتى تسقط، فإذا سقطت نَحَرَها مستمكناً منها. قال امرؤ القيس:

ويوم عقَرتُ للِعذارى مَطِيَّتي  *** فيا عجباً لرَحلِها المُتَحمِّلِ([74])

والعَقّار: الذي يعنُف بالإبل لا يرفُق بها في أقتابها فتُدْبِرها. وعَقَرْتُ ظهر الدابّة: أدبرته. قال ابن امرؤ القيس:

تقول وقد مال الغبيطُ* بنا معاً  *** عقَرْتَ بعيري يا امرأ القَيس فانزلِ([75])

وقول القائل: عَقَرْتَ بي، أي أطَلتَ حبسي، ليس هذا تلخيصَ الكلام، إنما معناه حَبَسه حتى كأنّه عقر ناقتَه فهو لا يقدِر على السَّير. وكذلك قول القائل:

قد عقَرتْ بالقوم أمُّ الخزرجِ([76])  ويقال  *** إذا مشَت سالت ولم تَدَحرجِ  تَعقَّر الغَيث: أقام، كأنَّه شيء قد عُقِر فلا يَبْرَح. ومن الباب: العاقِرُ من النِّساء، وهي التي لا تَحمِل. وذلك أنّها كالمعقورة. ونسوةٌ عواقر، والفِعل عَقَرت تَعْقِر عَقْراً، وعقِرت تَعْقَر أحسن([77]) . قال الخليل: لأنَّ ذلك شيءٌ ينزل بها من غيرها، وليس هو من فِعلها بنفسها. وفي الحديث: "عُجُزٌ عُقَّر".

قال أبو زيد: عَقَرت المرأةَ وعقِرَتْ، ورجل عاقر، وكان القياس عَقُرت لأنَّه لازم، كقولك: ظرُف وكرُم.

وفي المثل: "أعقر من بَغلة". وقول الشاعر([78]) يصف عقاباً:

لها ناهضٌ في الوكر قد مَهَّدت له *** كما مهَّدت للبَعْل حسناءُ عاقرُ([79])

وذلك أنَّ العاقرَ أشدُّ تصنُّعاً للزَّوج وأحفى به، لأنَّه [لا] وَلَدَ لها تدُلّ بها، ولا يَشغلُها عنه.

ويقولون: لَقِحت الناقة عن عُقْر، أي بعد حِيال، كما يقال عن عُقْمٍ.

وممّا حُمِل على هذا قولُهم لدِيةِ فَرْج المرأة عُقر، وذلك إذا غُصِبت. وهذا ممّا تستعمله العرب في تسمية الشيء باسم الشيء، إذا كانا متقاربَين. فسمِّيَ المهر عُقْراً، لأنَّه يُؤخذ بالعُقْر. وقولهم: "بيضة العُقْر" اسم لآخِر بيضةٍ تكون من الدَّجاجة فلا تبيضُ بعدها، فتضرب مثلاً لكل شيء لا يكون بعدَه شيءٌ من جِنْسه.

قال الخليل: سمعت أعرابياً من أهل الصَّمَّان يقول: كلُّ فُرْجةٍ بين شيئين فهو عَقْر وعُقر، ووضع يدَه على قائمتي المائدة ونحن نتغدَّى فقال: ما بينهما عُقر. ويقال النخلة تُعْقَر، أي يُقطع رأسها فلا يخرج من ساقها أبداً شيء. فذلك العَقْر، ونخلة عَقِرَة. ويقال كَلأٌ عقار([80]) ، أي يعقِر الإبلَ ويقتُلها.

وأمّا قولهم: رفع عقيرتَه، إذا تَغنَّى أو قرأ، فهذا أيضاً من باب المجاورة، وذلك فيما يقال رجلٌ قُطِعت إحدى رجليه فرفَعَها ووضَعَها على الأُخرى وصَرَخ بأعلى صوته، ثمَّ قيل ذلك لكلِّ مَن رفع صوتَه. والعقيرة هي الرِّجل المعقورة، ولمَّا كان رفْعُ الصَّوت عندها سمِّي الصّوتُ بها.

فأمّا قولُهم: ما رأيتُ عقيرةً كفلان، يراد الرَّجُل الشَّريف، فالأصل في ذلك أن يقال للرّجُل القتيل الكبير([81]) الخطير: ما رأيتُ كاليوم عَقِيرةً وسْطَ قوم! قال:

إذا الخَيْل أجلى شاؤها فقد *** عقر خير من يَعقِره عاقر([82])

قال الخليل: يقال في الشَّتيمة: عَقْراً لـه وجَدْعاً. ويقال للمرأة حَلْقَى عَقْرى. يقول: عقرها الله، أي عَقَر جسدَها؛ وحَلَقها، أي أصابها بوجعٍ في حلقها. وقال قوم: تُوصَف بالشُّؤْم، أي إنَّها تَحلِق قَومَها وتعقِرهم. ويقال عَقَّرْتُ الرّجل، إذا قلتَ له: عَقْرَى حَلْقى([83]) .وحُكي عن بعض الأعراب: "ما نتشتُ الرُّقْعة ولا عَقَرتها" أي ولا أتيت عليها. والرُّقعة: الكلأ المتلبِّد([84]) . يقال كلؤُها يُنتَش ولا يُعْقَر.

ويقولون: عُقَرة العلم النِّسيان، على وزن تُخَمة، أي إنّه يَعقِره. وأخلاط الدّواء يقال لها العقاقير، واحدها عَقّار. وسمّي بذلك لأنّه كأنّه عَقَر الجوف. ويقال العَقَر: داءٌ يأخذ الإنسان عند الرَّوع فلا يقدرُ أن يَبرحَ، وتُسْلِمُه رجلاه.

قال الخليل: سَرْجٌ مِعْقَرٌ، وكلب عَقُور.

قال ابن السِّكّيت: كلبٌ عَقُورٌ، وسَرْج عُقَرَةٌ ومِعْقَرٌ([85]) . قال البَعيث:

* ألحَّ على أكتافِهم قَتبٌ عُقَرْ([86]) *

ويقال سرج مِعْقَر وعَقّارٌ ومِعْقار.

وأمّا الأصل الآخرَ فالعَقْر القصر الذي يكون مُعتَمداً لأهل القرية يلجؤون إليه. قال لبيد:

كعَقْر الهاجريِّ إذِ ابْتناهُ  *** بأشباهٍ حُذِينَ على مِثالِ([87])

الأشباه: الآجر؛ لأنّها مضروبةٌ على مِثال واحد.

قال أبو عُبيد: العَقْر كلُّ بناء مرتفع. قال الخليل: عُقَر الدّار: مَحَلّة القَوم بين الدّار* والحوض، كان هناك بناءٌ أو لم يكن. وأنشد لأوس بن مَغْراء:

أزمانَ سُقناهمُ عن عُقْر دارِهِم  *** حتَّى استقرّ وأدناهُم لحَوْرانا

قال: والعُقر أصل كلِّ شيء. وعُقْرُ الحوض: موقف الإبل إذا وردَتْ. قال ذُو الرُّمّةْ:

بأعقارِه القِردانُ هَزْلَى كأنَّها  *** نوادِرُ صَيصاء الهَبيدِ المحطّم([88])

يعني أعقار الحَوض. وقال في عقر الحَوض:

فرماها في فرائِصها  *** من إزاء الحوض أو عُقُرِه([89])

ويقال للنّاقة التي تَشرب من عُقْر الحوض عَقِرة، وللتي تشرب من إزائه أَزِيَة.

ومن الباب عُقر النّار([90]) : مجتمع جَمرها. قال:

وفي قَعر الكِنانة مرهفاتٌ  *** كأنَّ ظُباتِها عُقُر بَعيج([91])

قال الخليل: العَقَار: ضَيعة الرَّجُل، والجمع العَقارات. يقال ليس له دارٌ ولا عَقارٌ. قال ابن الأعرابيّ: العَقار هو المتاع المَصُون، ورجلٌ مُعْقِر: كثير المتاع.

قال أبو محمد القُتَيبيّ: العُقَيْرَى اسمٌ مبنيّ من عُقْرِ الدّار، ومنه حديث أم سلمة لعائشة: "سكّني عُقَيراكِ فلا تُصْحِريها([92]) "، تريد الْزَمِي بيتَك.

ومما شُبّه بالعَقر، وهو القصر، العَقْر: غيمٌ ينشأ من قِبَل العَين([93]) فيغشَى عينَ الشمس وما حَولَها. قال حُميد([94]) :

فإذا احزأَلَّت في المُناخِ رأيتَها  *** كالعَقْر أفرَدَه العَماءُ الممطرُ

وقد قيل إنّ الخمر تسمَّى عُقاراً لأنّها عاقرت الدَّنَّ، أي لازمَتْه. والعاقر من الرَّمل: ما يُنبت شيئاً كأنّه طحينٌ منخول. وهذا هو الأصل الثاني.

وقد بقيت أسماءُ مواضعَ لعلَّها تكون مشتقَّة من بعض ما ذكرناه.

من ذلك عَقَارَاء: موضع، قال حميد:

رَكُودُ الحُميّا طَلَّةٌ شاب ماءَها  *** بها من عَقَارَاء الكُروم رَبيبُ([95])

والعَقْر: موضعٌ ببابل، قتل فيه يزيد بن المهلَّب، يقال لذلك اليوم يومُ العَقْر. قال الطّرِمّاح:

فخَرْتَ بيوم العَقر شرقيَّ بابلٍ  *** وقد جَبُنت فيه تميم وقَلّتِ([96])

وعَقْرى: ماء([97]) . قال:

ألاَ هل أتى سلمى بأنَّ خليلها  *** على ماء عَقْرى فوق إحدى الرَّواحلِ

(عقز) العين والقاف والزاء بناء ليس يشبه كلامَ العرب، وكذلك العين والقاف والسين، والقاف والشين، مع أنّهم يقولون العَقْش: بقلة أو نبتٌ. وليس بشيء.

(عقص) العين والقاف والصاد أصلٌ صحيح يدلُّ على التواءٍ في شيء قال الخليل: العَقَص: التواءٌ في قرن التَّيس وكلِّ قرن. يقال كبشٌ أعقَصُ، وشاةٌ عَقْصاء.

قال ابنُ دريد: العَقَص: كزَازة اليدِ وإمساكُها عن البَذْل. يقال: هو عَقِصُ اليدينِ وأعقَصُ اليدينِ، إذا كان كَزَّاً بخيلاً([98]) .

قال الشَّيبانيّ: العَقِص من الرِّجال: المُلْتَوي الممتنع العَسِر، وجمعه أعقاص.

قال:

* مَارَسْت نَفْساً عَقِصاً مِراسُها *

قال الخليل: العَقْص: أن تأخُذَ كلَّ خُصلة من شعرٍ فتلويَها ثم تعقِدَها حتى يبقى فيها التواءٌ، ثم ترسِلَها. وكلُّ خُصْلَةٍ عقيصة، والجمع عقائص وعِقاصٌ. ويقال عَقَصَ شَعْرَه، إذا ضَفَرَه وفتَله. [ويقال] العَقْصُ أن يَلْوِيَ الشَّعر على الرَّأْس ويُدخِل أطرافَه في أصوله، من قولهم: قرنٌ أعْقَصُ([99]) . ويقال لكل لَيَّةٍ عِقْصة وعَقيصة. قال امرؤ القيس:

غدائرُه مستشزراتٌ إلى العُلَى  *** تَضِلُّ العِقاصُ في مُثنَّى ومُرسَلِ([100])

ويقال: العِقاص الخَيط تُعقَص به أطراف الذّوائب.

ومن الباب: العَقِص من الرِّمال: رملٌ لا طريقَ فيه. قال:

كيف اهتدَتْ ودونها الجزائرُ  *** وعَقِص من عالجٍ تَياهِرُ([101])

قال ابنُ الأعرابي: المِعْقَص: سهمٌ ينكسر نَصْله ويبقى سِنْخُه([102]) ، فيُخرَج ويُضرب أصلُ النَّصل حتّى يطولَ ويردُّ إلى موضعه فلا يسدُّ الثَّقب الذي يكون فيه، لأنَّه قد دُقِّق؛ مأخوذٌ من الشاة العَقْصاء.

ومن الحوايا واحدةٌ يقال لها العُقَيصاء([103]) . ويقولون: العَقِص([104]) : عُنق الكَرِش. وأنشد:

هل عندكم مما أكلتمْ أمسِ  *** من فَحِثٍ أو عَقِص أو رَأْسِ([105])

وقال الخليل في قول امرئ القيس:

* تضلُّ العِقاصُ في مثنى ومُرسلِ([106]) *

هي المرأةُ ربَّما* اتخذت عقيصةً من شعر غيرها تَضِلُّ في رأسها. ويقال: إنّه يعني أنّها كثيرةُ الشعر، فما عُقِص لم يتبيَّنْ في جميعه، لكثرة ما يبقى.

(عقف) العين والقاف والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على عَطْفِ شيءٍ وحَنْيه. قال الخليل: عقفتُ الشّيءَ فأنا أُعقِفهُ عَقْفاً، وهو معقوف، إذا عطفتَه وحنوته([107]). وانعقف هو انعقافاً، مثل انعطف. والعُقَّافة كالمِحجَن. وكلُّ شيءٍ فيه انحناءٌ فهو أعْقف. ويقال للفَقير أعقَف، ولعلّه سُمِّي بذلك لانحنائه وذِلَّته. قال:

يا أيُّها الأعقَفُ المزجِي مطيَّتَه *** لا نعمةً [تبتغِي] عندي ولا نَشَبَا([108])

والعُقَاف: داءٌ يأخذ الشاة في قوائمها حتَّى تعوجّ، يقال شاةٌ عاقفٌ ومعقوفة الرِّجْلين. وربَّما اعترى كلَّ الدوابّ، وكلٌّ أعقف. وقال أبو حاتم: ومن ضروع البقر عَقُوف([109]) ، وهو الذي يخالف شَخْبُهُ عند الحَلَب. ويقال: أعرابيٌّ أعقَفُ، أي مُحرَّم جافٍ لم يَلِنْ بعد([110]) ، وكأنّه مُعَوّج بعدُ لم يستقِم. والبعير إذا كان فيه جَنَأٌ([111]) فهو أعقَفُ. والله أعلم.

ــــــــــــــ

([1]) أنشده في اللسان (عقل) بدون نسبة. وفي الأصل: "له عقلاً".

([2]) أي حصناً ومعقلاً صعباً. وكذا ورد إنشاده في المجمل. وفي اللسان (عقل): "عقلاً".

([3]) البيت لأنس بن مدركة، كما في الحيوان (1: 18).

([4]) الموضحة: الشجة التي تبلغ العظم فتوضح عنه.

([5]) البيت لعمرو بن العداء الكلبي، يقوله في عمرو بن عتبة بن أبي سفيان، وكان معاوية استعمله على صدقات كلب، فاعتدى عليهم. اللسان (عقل، سعى) والخزانة (3: 387) والأغاني (18: 49). وانظر مجالس ثعلب 171 حيث الكلام على البيت.

([6]) في الأصل: "فقال".

([7]) الأروية: جمع رواء، بالكسر، وهو الحبل يشد به الحمل والمتاع فوق البعير.

([8]) وعقلاً أيضاً، كما في اللسان.

([9]) انظر الحيوان (2: 249) وأمثال الميداني (2: 16).

([10]) ديوان ابن قيس الرقيات 207 برواية: "لم تنلها".

([11]) ديوان امرئ القيس 73 والمجمل واللسان (جنب).

([12]) للقلاخ بن حزن في سيبويه (1: 57) والعيني (3: 535).

([13]) البيت في مجالس ثعلب 93 واللسان (خبر، عقل) برواية: "رقاب الأوس". وفي (خبر) من اللسان: "تجز" و "كجز".

([14]) في الأصل: "حبلى".

([15]) البابليان: هاروت وماروت الملكان. وكلمة "منها" يتطلبها الوزن والمعنى.

([16]) ديوان أوس بن حجر 14.

([17]) هو ابن أعوج بن الديناري بن الهجيسي بن زاد الركب. اللسان (عقل)، وابن الكلبي 7-9 وابن الأعرابي 52، 63 وأبو عبيدة 66 والمخصص (6: 195) ونهاية الأرب (10: 36، 37، 41) والعمدة (2: 182).

([18]) الفرزدق في ديوانه 727 برواية: "ذي الرقمتين".

([19]) التكملة من المجمل واللسان.

([20]) في اللسان والمجمل (عقم): "وأنت" بدون الخرم، وفي اللسان فقط: "في المال".

([21]) في اللسان: "تيبس مفاصلهم".

([22]) في المجمل: "فكأنه سد باب الرعاية والمحافظة".

([23]) البيت لهوبر الحارثي كما في اللسان (هبا) برواية: "أذنيه". وسيأتي في (هبو).ورواية ابن فارس هذه هي التي يستشهد بها النحويون لإلزام المثنى الألف مطلقاً، وهي لغة بلحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة. انظر شذور الذهب وهمع الهوامع، في إعراب المثنى.

([24]) البيت في اللسان (عقم). وهو من قصيدة في المفضليات (1: 183-187).

([25]) كتبت في المجمل لتقرأ بالوجهين: "مَعقِم" و "ومعِقَم".

([26]) البيت للمتنخل الهذلي في ديوان الهذليين (2: 31) واللسان (عقا). ونسب في (وضح) إلى أبي ذؤيب الهذلي، وليس بالصواب.

([27]) في الأصل: "آخر شيء"، تحريف.

([28]) هذا اللفظ ومعناه مما لم يرد في المعاجم المتداولة.

([29]) البيتان أشبه بأن يكونا من أرجوزة العجاج التي يمدح بها عمر بن عبيد الله بن المعمر. وليسا في ديوانه المطبوع. والبيت الثاني في اللسان (عقب 110).

([30]) في الأصل: "ذكره".

([31]) أنشده في اللسان (عقب 110).

([32]) البيت لمهلهل، كما في اللسان (3: 320) بتحقيقنا. وهو في الحيوان (3: 276) بدون نسبة. والرواية فيهما: "فقتلا بقتيل وعقرا بعقركم".

([33]) التكملة من المجمل.

([34]) في الأصل: "دلت"، صوابه من المجمل واللسان.

([35]) سبق ف ي(صدف). وأنشده في المجمل واللسان (صدف). وقبله في تاج العروس: * لاري حتى تنهل الروادف *

([36]) ديوان ذي الرمة 29 والحيوان (4: 312، 343) واللسان (عقب) والمخصص (12: 13).

([37]) البيت لدريد بن الصمة من قصيدة في الأصمعيات 23 ليبسك وجمهرة أشعار العرب 117. وأنشده في اللسان (رثث).

([38]) كذا بيض بعدها في الأصل. ولم تذكر في المجمل. وفي اللسان: "وعقبة القمر: عودته بالكسر، ويقال عقبة بالفتح، وذلك إذا غاب ثم طلع. ابن الأعرابيّ: عقبة القمر بالضم: نجم يقارن القمر في السنة مرة".

([39]) كذا ورد في الأصل، فلعل بعده سقطا هو نقل من الجمهرة. أو لعل صوابه "دريد" وهو دريد بن الصمة.

([40]) اللسان (حرد، عقب). وأوله: "وحاردت النكد الجلاد".

([41]) البيت من معلقته المشهورة. ويروى: "على الذبل".

([42]) ديوان لبيد 99 طبع 1880 واللسان والجمهرة (عقب). ويروى: "وهاجه".

([43]) ديوان طفيل ص 40.

([44]) عرم، بالراء المهملة، من العرامة، وهي الشراسة والخبث. وفي الأصل: "فعزم".

([45]) صدره في ديوانه 160:  * وقاهم جدهم ببني أبيهم *

([46]) ديوان لبيد 20، طبع 1881.

([47]) بعده في اللسان(عقب) : * أو شادن ذو بهجة مربب *

([48]) بياض في الأصل.

([49]) الحديث في اللسان (وطأ 194)، قال: "وفي حديث عمار أن رجلاً وشى به إلى عمر فقال".

([50]) هذه الكلمة مما لم يرد في المعاجم المتداولة.

([51]) في الأصل: "على مشي"، صوابه من المجمل.

([52]) في اللسان (2: 114): "والعصب: العلباء الغليظ ولا خير فيه".

([53]) وأعقبة أيضاً، عن كراع. وجمع الجمع عقابين.

([54]) بتقديم الباء على النون. ويقال أيضاً "عقنباة" بتقديم النون، و"بعنقاة" بتقديم الباء على العين. القاموس والمخصص (8: 146/ 16: 7).

([55]) أنشده في المخصص في الموضعين برواية: "كأن جناحها".

([56]) أرى أنها سميت بذلك لعزها وامتناعها.

([57]) الرجز لرؤبة في ديوانه 41، وثاني الشطرين في اللسان (لدد). وكلمة "ربا" في الشطر الأول ساقطة من الأصل، وإثباتها من الديوان.

([58]) من الآية 89 في سورة المائدة. والقراءة بتخفيف القاف هي قراءة أبي بكر وحمزة والكسائي والأعمش، وسائر القراء "عقدتم" بتشديد القاف، وانفرد ابن ذكوان بقراءة "عاقدتم". إتحاف فضلاء البشر 202.

([59]) في اللسان: "وتعقد الإخاء: استحكم، مثل تذلل".

([60]) لعنترة بن شداد في ديوانه 178. وهو وما قبله:

أفمن بكاء حمامة في أيكة  *** ذرفت دموعك فوق ظهر المحمل

كالدر أو فضض الجمان تقطعت  *** منه معاقد سلكه لم توصل

وفي الديوان: "عقائد" بدل: "معاقد"، تحريف.

([61]) بعده في الجمهرة (2: 279): "تعلق في أعناق الصبيان أو في أعضادهم".

([62]) ديوان ذي الرمة ص4، واللسان (سبط).

([63]) الدثة: المطر الضعيف الخفيف. وفي الأصل: "ودنبه"، تحريف.

([64]) في اللسان: "وناقة عاقد: تعقد بذنبها عند اللقاح".

([65]) في الأصل: "يكتنـز شجره"، تحريف. وبدله في المجمل: "ويقال بل هو المكان الكثير الشجر".

([66]) ديوان النابغة 33 واللسان (برغز).

([67]) البيتان مما لم يرو في ديوان الطرماح. أنظر ديوانه 134-135.

([68]) أنشده في اللسان (عقد).

([69]) لابن مقبل في اللسان (عقد). وصواب إنشاده: "بأسواط قد". وصدره:

* أثابوا أخاهم إذ أرادوا زياله *

([70]) الجمهرة (2: 279).

([71]) في الأصل: "مازنة" بدل: "ماذية"، و "سددها" بدل "سددوها".

([72]) زياد هذا، هو زياد الأعجم. قصيدته خمسون بيتاً رواها القالي في ذيل أماليه 8-11، وروى معظمها ابن خلّكان (في ترجمة المهلب بن أبي صفرة). والقصيدة في رثاء المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة. وانظر الخزانة(4: 152) .

([73]) ديوان لبيد 34 طبع 1881، وروي في اللسان (فقر): "كالفقير".

([74]) البيت من معلقته المشهورة.

([75]) البيت من معلقته المشهورة.

([76]) البيت في اللسان (عقر).

([77]) مصدر هذا "العَقار". ويقال أيضاً: "عقُرت تعقُر عَقارة وعِقارة".

([78]) هو دريد بن الصمة، كما في الحيوان (7: 37-38)، أو معقر بن حمار البارقي، كما في الأغاني  (10: 45)، والمزهر (2: 438).

([79]) في الأغاني والمزهر: "نـهدت" في الموضعين.

([80]) يقال بتخفيف القاف وتشديدها، مع ضم العين فيهما.

([81]) في الأصل: "الكثير".

([82]) كذا ورد البيت مضطرباً.

([83]) في اللسان: "يحتمل أن يكونا مصدرين على فعلى، بمعنى العقر والحلق، كالشكوى للشكو".

([84]) لم يذكر هذا المعنى في المعاجم المتداولة.

([85]) وعقر أيضاً، بضم ففتح كما في إصلاح المنطق 314.

([86])أنشد هذا العجز في إصلاح المنطق. وصدره كما في اللسان(لحح، عقر) :

* ألد إذا لاقيت قوماً بخطة *

([87]) ديوان لبيد 12 طبع 1880 واللسان (عقر، هجر). ومعجم البلدان (العقر).

([88]) ديوان ذي الرمة 130.

([89]) لامرئ القيس في ديوانه 152 واللسان (عقر).

([90]) في الأصل: "الدار"، صوابه في اللسان. ويقال "عقر" بضمة وبضمتين.

([91]) البيت لعمرو بن الداخل، كما في اللسان (عقر) ونسخة الشنقيطي من الهذليين 121. ونسبه السكري في شرح أشعار الهذليين 268 إلى أبيه الداخل بن حرام. ورواية جميعها "وبيض كالسلاجم مرهفات". ووجدته في بقية أشعار الهذليين ص16 منسوباً إلى أبي قلابة، وبرواية: "وبيض كالأسنة".

([92]) انظر اللسان (عقر 274).

([93]) أي من قبل عين القبلة قبلة أهل العراق. وعينها: حقيقتها. اللسان (عين 179).

([94]) حميد بن ثور، كما في اللسان (عقر) عند إنشاده.

([95]) في اللسان (عقر) بعد إنشاده: "قال شمر: ويروى: لها من عقارات الخمور. قال: والعقارات الخمور. ربيب: من يربها فيملكها". وفي الأصل هنا: "زبيب" تحريف. وورد البيت محرفاً كذلك في معجم البلدان في ترجمة (عقاراء)، ورواه في معجم ما استعجم.

([96])ديوان الطرماح 131. وفي الأصل: "وقد خبثت"، صوابه من الديوان. وفي حواشي الديوان إشارة إلى رواية: "وفلت" بالفاء. والبيت من قصيدة يرد بها على الفرزدق.

([97])ورد في معجم ما استعجم، ولم يذكره ياقوت.

([98])الجمهرة(3: 76) .

([99])في الأصل: "عقص"، تحريف.

([100])البيت من معلقته المشهورة.

([101])الرجز في اللسان (تهر، عقص)، وأنشده في المجمل (عقص).

([102])في الأصل: "سخنة"، تحريف. وسنخ النصل: الحديدة التي تدخل في رأس السهم.

([103])فسر في القاموس والمجمل بأنه "كرشة صغيرة مقرونة بالكرش الكبرى".

([104])هذا اللفظ بمعناه مما لم يرد في المعاجم المتداولة.

([105])الفحث بوزن كرش: ذات الأطباق من الكرش. وفي الأصل: "فحس"، تحريف.

([106])سبق إنشاد هذا البيت في ص 97.

([107])يقال حنى الشيء يحنيه ويحنوه أيضاً.

([108])وكذا أنشده في اللسان(عقف)بدون نسبة. والبيت من قصيدة في الأصمعيات 46-50 طبع المعارف، منسوبة إلى سهم بن حنظلة الغنوي. وكلمة "تبتغي" ساقطة من الأصل، وإثباتها من الأصمعيات. ورواية أوله فيها: "يا أيها الراكب".

([109])وردت هذه الكلمة في القاموس، ولم ترد في اللسان.

([110]) في الأصل: "لم يكن بعد".

([111]) في الأصل: "حناء"، تحريف.

 

ـ (باب العين والكاف وما يثلثهما في الثلاثي)

(عكل) العين والكاف واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على جمعٍ وضمّ.

قال الخليل: يقال عَكَل السّائق الإبلَ يعكِلُ عَكْلاً، إذا ضمَّ قواصِيهَا وجَمَعها. قال الفرزدق:

وهُمُ على شَرَف الأمِيل تَدارَكُوا  *** نَعَماً تُشَلُّ إلى الرئيس وتُعكَلُ([1])

ويقال عكلتُ الإبل: حبستُها. وكلُّ شيء جمَعتَه فقد عكلتَه. والعَوكل: ظهر الكثيب المجتمع. قال:

بكلِّ عقنقلٍ أو رأس بَرْثٍ  *** وعَوكلِ كلِّ قَوزٍ مستطيلِ([2])

ويقال: العوكلة: العَظيمة من الرَّمْل. قال:

* وقد قابلَتْهُ عوكلاتٌ عَوازِلٌ([3]) *

فأمَّا قولهم: إنّ العَوْكلَ المرأةُ الحمقاء، فهو محمولٌ على الرَّمل المجتمع، لأنَّه لا يزال يَنهال، فالمرأةُ القليلةُ التّماسُك مشبَّهة بذلك، كما مَرَّ في تُرْب العَقِد. ويقال: العَوكل من الرِّجال: القصير. وذلك بمعنى التجمُّع. قال:

* ليس بِراعي نَعَجاتٍ عَوكل([4]) *

ويقال: إبلٌ معكولة، أي محبوسة مَعقولة. وهذا من القياسِ الصحيح. وعُكْلٌ: قبيلة معروفة.

ومن الباب: عكلت المتاع بعضَه على بعضٍ، إذا نَضَدْتَه.

(عكم) العين والكَاف والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على ضمٍّ وجمعٍ لشيء في وعاءٍ. قال الخليل: يقال عَكَمْت المتاعَ أَعكِمُه عَكماً، إذا جمعتَه في وعاءٍ. والعِكمانِ: العِدلان يُشدَّانِ من جانبي الهَودج. قال:

يا ربِّ زوِّجْني عجوزاً كبيرةً  *** فلا جَدَّ لي يا ربِّ بالفَتَياتِ

تحدِّثُني عمّا مضى من شبابها  *** وتُطعِمُني من عِكْمِها تَمَراتِ

ويقال في المثل للمتساويين: "وقَعَا كالعِكْمَين([5]) ". وأعْكَمت الرّجُل: أعنتُه على حَمل عِكْمه. وعاكمته: حملت معه([6]) . قال القُطاميّ في أعْكَمَ:

إذا وَكّرتْ منها قطاةٌ سِقاءَها  *** فلا تُعْكِمُ الأخرى ولا تستعينُها([7])

أي إنّها تَحمِل الماءَ إلى فراخها في حواصلها، فإذا ملأت حَوصلتَها لم تُعِن القطاةَ الأُخرى على حَمْلها.

وتقول: أعكِمْني، أي أعِنِّي على حمل العِكْم. فإنْ أمرْتَه بحمله قلت: اِعكِمْني مكسورة الألف إن ابتدأت، ومدرجةً إن وصلت. كما تقول أَبْغِني ثوباً، أي أعنِّي على طَلبِه.

ويقال عكّمَت النّاقةُ وغيرُها: [حَمَلت([8]) ] شحماً على شحم، وسِمَناً على سِمَن. واعتكم الشّيءُ وارتكَمَ، بمعنىً.

وأمّا قولهم عَكَم عنه، إذا عَدَلَ جُبْناً، فهو من البابِ، لأنَّ الفَزِعَ إلى جانبٍ يَتَضَامُّ. وقال:

ولاحَتْه مِن بعد الوُرودِ ظَمَاءَةٌ  *** ولم يَكُ عن ورد المياه عَكُوما([9])

 

أي لم ينصرِفْ ولم يتضامَّ إلى جانب. فأمَّا قولُه:

فجال قلم يَعْكِم وشَيَّع إِِلفَه  *** بمنقَطَع الغضراء شَدٌّ مُوالفُ([10])

فقوله: "لم يعكم" معناه لم يكُرَّ، لأنّ الكارَّ على الشيء متضامٌّ إليه.

ويقال: ما عَكَمَ عن شتمي، أي ما انقبض. ومنه قول الهذليّ([11]) :

أزُهيرُ هل عن شَيبةٍ من مَعْكِم *** أم لا خُلودَ لباذِلٍ متكرّمِ([12])

يريد بمعكِم: المَعْدِل.

وأمّا قول الخليل* يقال للدابّة إذا شربت فامتلأ بطنُها: ما بقِيتْ في جوفها هَزْمة ولا عَكْمةٌ إلاّ امتلأت، فإنَّه يريد بالعَكْمة الموضعَ الذي يجتمع فيه الماء فيَرْوَى. والقياسُ واحد. قال:

حتَّى إذا ما بلّت العُكوما  *** من قَصَب الأجواف والهُزُوما([13])

ومن الباب: رجل مُعَكَّم([14]) ، أي صُلب اللَّحم.

(عكن) العين والكاف والنون أصلٌ صحيحٌ قريب من الذي قبله، قال الخليل: العُكَن: جمع عُكْنة، وهي الطَّيُّ في بطن الجارِية من السِّمَن. ولو قيلَ جاريةٌ عكْناء لجاز، ولكنهم يقولون: مُعَكَّنة. ويقال تعكَّن الشّيءُ تعكناً، إذا ارتكمَ بعضُه على بعض. قال الأعشى:

إليها وإنْ فاته شُبْعَةٌ  *** تأتّى لأخرَى عظيم العُكَنْ([15])

ومن الباب: النَّعَم العَكَنَانُ: الكثير المجتمع، ويقال عَكْنانٌ بسكون الكاف أيضاً. قال:

* وصَبَّحَ الماءَ بوِردٍ عَكْنان([16]) *

قال الدريديّ: ناقة عَكْناءُ، إذا غلُظَت ضَرَّتُها وأخلافُها([17]) .

(عكو) العين والكاف والحرف المعتلّ أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تجمُّع وغِلَظٍ أيضاً، وهو قريب من الذي قبله.

[العَُكوَة([18]) ]: أصل الذَّنب. وعكَوْتَ ذَنَب الدّابَّة، إذا عطَفتَ الذَّنَب عند العَُكْوة وعقَدتَه. ويقال: عَكَتِ المرأةُ شعرها: ضفَرته. وربما قالوا عَكَا على قِرْنِه، مثل عَكَر وعَطَفَ. فإنْ كان صحيحاً فهو القياس. وجمع عَُكوة الذَّنَب عُكىً قال:

* حَتَّى تُولِّيك عُكَى أذنابِها([19]) *

ويقال للشَّاة التي ابيضَّ مؤخَّرها وسائرها أسود: عَكواء. وإنِّما قيل ذلك لأن البياض منها عند العَُكوة. فأمّا قولُ ابنِ مقبل:

* لا يَعكُون بالأُزُرِ([20]) *

فمعناه أنّهم أشرافٌ وثيابُهم ناعمة، فلا يظهر لمعاقد أُزُرِهم عكىً. وهذا صحيح لأنَّه إذا عَقَد ثوبَه فقد عكاه وجمّعه. ويقال: عَكَت النّاقةُ: غلظت. وناقةٌ مِعكاءٌ، أي غليظةٌ شَديدة.

(عكب) العين والكاف والباء أصلٌ صحيح واحد، وليس ببعيدٍ من الباب

الذي قبلَه، بل يدلُّ على تجمُّعٍ أيضاً. يقال: للإبل عُكوبٌ على الحوض، أي ازدحام.

وقال الخليل: العَكَب: غِلظٌ في لَحْيِ الإنسان. وأمَةٌ عكباءُ: عِلْجَة جافية الخَلْق، من آمٍ عُكْبٍ. ويقال عَكَبت حولَهم الطّير، أي تجمَّعَتْ، فهي عُكُوبٌ. قال:

تظلُّ نُسورٌ من شَمَامِ عليهما *** عُكُوباً مع العِقبان عقبانِ يَذْبُل([21])

ويقال العَكَب: عَوَج إبهام القدم، وذلك كالوَكَع. وهو من التضامِّ أيضاً. وقال قومٌ: رجلٌ أعكب، وهو الذي تدانت أصابع رجلهِ بعضِها من بعض.

قال الخليل: العَكوب: الغُبار الذي تثِير الخيلُ. وبه سمِّي عُكَابة ابن صَعْب. قال بشر:

نقَلناهُم نَقلَ الكلابِ جرَاءَها  *** على كلِّ مَعلوبٍٍ يثور عَكُوبُها([22])

والغُبار عَكُوبٌ لتجمُّعه أيضاً. قال أبو زيد: العُكاب: الدُّخَان، وهو صحيح، وفي القياس الذي ذكرناه.

ومن الباب: رجل عِكَبٌّ، أي قصيرٌ. وكلُّ قصيرٍ مجتمعُ الخلق.

فأمّا قول الشيبانيّ: يقال: قد ثار عَكُوبُهُ، وهو الصَّخَب والقتال، فهذا إنما هو على معنى تشبيهِ ما ثار: الغبار الثائر والدُّخان. وأنشد:

لَبينما نحنُ نرجو أن نصبِّحكم  *** إذْ ثار منكم بنصف الليل عَكُّوبُ([23])

والتشديد الذي تراه لضرورة الشِّعر.

(عكد) العين والكاف والدال أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على مثلِ ما دلَّ عليه الذي قبلَه. فالعكدة([24]) : أصل اللسان. ويقال اعتكَدَ الشيءَ، إذا لزِمَه([25]) .

قال ابن الأعرابيّ: وهو مشتقٌّ من عَكَدة اللِّسان. فأمَّا قول القائل:

سَيَصْلَى به القومُ الذين عُنُوا بها  *** وإلاّ فمعكودٌ لنا أمُّ جندبِ([26])

فمعناه أنَّ ذلك ممكنٌ لنا مُعَدٌّ مُجمَع عليه. وأمّ جندب: الغَشْم والظُّلم. ويقال لأصل القلب عَكَدة.

ومن الباب عَكَدَ الضبُّ عَكَداً، إذا سَمِنَ وغلُظ لحمه. قال: والعَكد([27]) بمنْزلة الكِدْنة، وهي السِّمَن. ويقال: إنّ العَكَد في النَّبات غلظهُ وكثرتُه. وشجرٌ عكِدٌ، أي يابس* بعضُه على بعض. وناقة عَكِدةٌ: متلاحِمَةٌ سِمَنا. ويقال: استعكد الضبُّ، إذا لاذَ بحَجَر أو جُحْر. قال الطِّرِمَّاح:

إذا استعكدتْ منه بكلِّ كُدَايةٍ  *** من الصَّخر وافاها لدى كلِّ مسرَحِ([28])

وعُكِد مثل حُبِس. والشيء المعَدّ معكود.

(عكر) العين والكاف والراء أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على مثل ما دلَّ عليه الذي قبله من التجمُّع والتّراكُم. يقال اعتكر الليلُ، إذا اختلط سوادُه. قال:

* تطاوَلَ اللَّيلُ علينا واعتَكَرْ *

ويقال اعتَكَر المطرُ بالمكان، إذا اشتدَّ وكثُر. واعتكرت الرِّيح بالتُّرَاب، إذا جاءت به.

ومن الباب العَكر: دُرْدِيُّ الزَّيت. يقال عَكِرَ الشَّرَاب يَعْكَر عكَراً. وعكَّرتُه أنا جعلت فيه عَكراً.

ومن الباب عكر على قِرنِه، أي عطَفَ؛ لأنَّه إذا فعل فهو كالمتضامِّ إليه. قال:

يازِمْلُ إنِّي إن تكن لي حادياً  *** أعْكِر عليك وإن تَرُغْ لا نَسْبِقِ([29])

ويقال: ليس له مَعْكِر، أي مرجع ومَعطِف. ويقال: المَعكِر: أصل الشَّيء. وهو القياس الصحيح؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ يتَضامُّ إلى أصله. ورجع فلان إلى عِكْرِه، أي أصله. ويقولون: "عادت لعِكرِها لَمِيسُ". ومن الباب. العَكَر: القطيع الضَّخْم من الإبل فوق الخمسمائة. قال:

* فيهِ الصَّوَاهلُ والراياتُ والعَكَرُ *

ويقال للقِطعة عَكَرة، والجمع عَكَر، وربما زادوا في أعداد الحروف والمعنى واحدٌ، يقال: العَكَرْكَرُ: اللبن الغليظ. قال:

فجاءَهُمْ باللَّبَنِ العَكَرْكَرِ([31]) *** عِضٌّ لئيمُ المنتمَى والمَفْخَرِ([30])

وذكر ابن دريد([32]) : تعاكر القوم: اختلطوا في خصومةٍ أو نَحْوها.

(عكز) العين والكاف والزاء أُصَيلٌ يقرُب من الباب قبله. قال الدريديّ([33]): العَكْز: التقبُّض. يقال عَكِزَ يَعْكَزُ عَكْزاً. فأمَّا العُكَّازَة فأظنُّها عربيّة، ولعلَّها أن تكون سمِّيت بذلك لأنَّ الأصابع تتجمَّع عليها إذا قَبَضَت. وليس هذا ببعيد.

(عكس) العين والكاف والسين أصلٌ صحيح واحدٌ، يدلُّ على مثل ما تقدَّم ذكره من التجمّع والجَمْع.

قال الخليل: العَكيس من اللبن: الحليب تصَبُّ عليه الإهالة. قال:

فلما سقيناها العَكِيس تَمَلأَّتْ *** مذاخِرُها وارفضَّ رَشْحاً وريدُها([34])

المذاخر: الأمعاء التي تذْخرُ الطَّعام.

ومن الباب: العَكْس، قال الخليل: هو ردُّك آخرَ الشيءِ، على أوله، وهو كالعَطْف. ويقال تعكَّسَ في مِشْيَتِه. ويقال العَكس: عَقْل يدِ البعير والجمعُ بينهما وبين عنقه، فلا يقدرُ أن يرفعَ رأسه. ويقال: "مِن دون ذلك الأمر عِكاسٌ"، أي تَرادٌّ وتراجُع.

(عكش) العين والكاف والشين أصلٌ صحيح يدلُّ على مِثل ما دلَّ عليه الذي تقدّمَ من التجمُّع. يقال عَكِشَ شعرُه إذا تلبَّد. وشعر مُتَعكِّش وقد تَعكَّش. قال دريد:

تمنَّيْتَنِي قيسَ بنَ سعدٍ سفاهةً *** وأنت امرؤٌ لا تحتويك المَقَانبُ

وأنت امرؤٌ جعد القفا متعكِّشٌ  *** من الأَقِطِ الحَوليِّ شَبْعان كانبُ([35])

وأنشد ابنُ الأعرابيّ:

إذ تَسْتَبِيك بفاحمٍ متعكّشٍ  *** فُلَّتْ مَدَاريهِ أحَمُّ رَفَالُ

وقد يقال ذلك في النبات. يقال: نباتٌ عكِشٌ، إذا التفَّ. وقد عَكِشَ عَكَشاً. والذي ذُكِر في الباب فهو راجعٌ إلى هذا كلّه.

وفي كتاب الخليل أنّ هذا البناء مهمل. وقد يشِذُّ عن العالِم البابُ من الأبواب. والكلام أكثر من ذلك.

(عكص) العين والكاف والصاد قريبٌ من الذي قبلَه، إلاّ أن فيه زيادةَ معنى، هي الشّدَّة. قال الفرّاء: رجل عَكِصٌ، أي شديد الخُلُق سيِّئُه. وعَكَصُ الرَّمل: شِدّة وُعوثتُه. يقال رملةٌ عَكِصَةٌ.

(عكف) العين والكاف والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على مقابلةٍ([36]) وحبس، يقال: عَكَفَ يَعْكُفُ ويَعْكِفُ عُكوفاً، وذلك إقبالك على الشَّيء لا تنصرف عنه. قال:

فهن يعكفن به إذا *حجا *** عَكْف النَّبيط يلعبون الفَنْزَجا([37])

ويقال عكفَت الطَّيرُ بالقتيل. قال عمرو:

تركنا الخيلَ عاكفةً عليه  *** مقلَّدةً أعنّتها صُفُونا([38])

والعاكف: المعتكف. ومن الباب قولهم للنَّظم إذا نُظم فيه الجوهر: عُكّف تعكيفاً. قال:

وكأنَّ السُّمُوطَ عَكَّفَها السِّلْـ  *** كُ بعِطْفَيْ جَيداءَ أمِّ غزالِ([39])

والمعكوف: المحبوس. قال ابن الأعرابيّ: يقال: ما عَكَفَكَ من كذا، أي ما حبَسك. قال الله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أنْ يَبْلُغَ مَحِلَّه} [الفتح 25].

ــــــــــــــــ

([1]) ديوان الفرزدق 818 برواية: "وهم الذين على الأميل". واللسان(عكل)برواية: "وهم على صدف الأميل". وقد جاء البيت برواية اللسان في معجم البلدان (ترجمة الأميل) بدون نسبة.

([2]) في اللسان(عكل) : "مستطير"، بالراء.

([3]) صدر بيت لذي الرمة في ديوانه 30 واللسان (عكل). وفيهما: "عوانك" موضع "عوازل".وعجزه: * ركام نفين النبت غبر المآزر *

([4]) بعده في اللسان: * أحل يمشي مشية المحجل *

([5]) في الأصل: "كالعكمتين"، تحريف.

([6]) في الأصل: "معكه".

([7]) البيت من أبيات رواها الجاحظ في الحيوان (5: 585-587) منسوبة إلى البعيث، وهي النسبة الصحيحة، وليست في ديوان القطامي.

([8]) التكملة من اللسان.

([9]) في اللسان: "عكوم" بفتح العين أيضاً وبالرفع. وفسر "العكوم" فيه بأنه المنصرف.

([10]) البيت لأوس بن حجر في ديوانه 16 بهذه الرواية أيضاً. وفي المجمل مع نسبته إلى أوس كذلك: "وشيع نفسه". وفي اللسان مع النسبة: "وشيع أمره".

([11]) هو أبو كبير الهذلي. ديوان الهذليين (2: 111)، واللسان(عكم) . وصدره في المجمل بدون نسبة.

([12]) الباذل: الذي يبذل ماله. وفي اللسان: "بازل"، تحريف.

([13]) الرجز في اللسان (عكم، هزم).

([14]) كذا ضبط في الأصل والمجمل والجمهرة (3: 136). وضبطه في القاموس بلفظ "كمنبر". ومثله في اللسان: "ورجل معكم بالكسر: مكتنِز اللحم".

([15]) البيت مما لم يرو في ديوان الأعشى ولا ملحقات ديوانه.

([16]) أنشده في الصحاح واللسان (عكن).

([17]) نص الجمهرة (3: 137): "إذا غلظ لحم ضرتها وأخلافها". ومما يجدر ذكره أن "العكناء" لم تذكر في اللسان.

([18]) التكملة من المجمل واللسان.

([19]) قبله في اللسان (عكا) : * هلكت إن شربت في إكبابها *

([20]) وبهذه القطعة مع النسبة استشهد أيضاً في المجمل. والشعار بتمامه في اللسان(عكا)مع النسبة: * شم مخاميص لا يعكون بالأزر *

وأنشده في المخصص (4: 97) برواية: "بيض مخاميص"، وفي (13: 30): "شم العرانين"، بدون نسبة في الموضعين.

([21]) البيت لمزاحم العقيلي، كما في اللسان (عكب).

([22]) البيت من قصيدة لـه في المفضليات (2: 129-133). وأنشده في اللسان(عكب، علب) . وفي الأصل: "كل العكوب"، صوابه باللام.

([23]) في الأصل: "أن نصححكم".

([24]) العكدة، بالضم وبالتحريك.

([25]) الكلمة وتفسيرها في القاموس والمجمل، ولم ترد في اللسان.

([26]) في المجمل: "سيصلى به القوم"، وفي اللسان: "سنصلى بها القوم".

([27]) في الأصل: "العكدة".

([28]) ديوان الطرماح 85 واللسان (عكد) بدون نسبة، ويروى: "إذا استترت".

([29]) البيت لسالم بن دارة، كما في الحماسة (1: 149)، وروي في الحيوان (3: 391). منسوباً إلى أرطاة بن سهية. وهو برواية أخرى في الأغاني (11: 137) مع نسبته إلى أرطاة.

([30])  الرجز لنجاد الخيبري، كما في اللسان (عضض). وروايته في (عكر، عضض): "فجعهم".

([31]) في الأصل واللسان (عكر): "غض"، تحريف. وفي اللسان: "المنتمي والعنصر".

([32]) في الجمهرة (2: 385).

([33]) الجمهرة (3: 6).

([34]) سبقت نسبته في (ذخر) إلى منظور الأسدي. وكذا جاءت نسبته في اللسان (رشح، عكس). ونسب في اللسان (مذح، ذخر) إلى الراعي.

([35]) هذا البيت في اللسان (كنب) والأصمعيات 12 ليبسك، من قصيدته التي مطلعها:

يا راكباً إما عرضت فبلغن *** أيا غالب أن قد ثأرنا بغالب

([36]) في الأصل: "مقامة".

([37]) للعجاج في ديوانه 8 واللسان (عكف، حجا، فنْزج).

([38]) البيت من معلقة عمرو بن كلثوم.

([39]) للأعشى في ديوانه 5 واللسان (عكف).

 

ـ (باب العين واللام وما يثلثهما)

(علم) العين واللام والميم أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على أثَرٍ بالشيء يتميَّزُ به عن غيره.

من ذلك العَلامة، وهي معروفة. يقال: عَلَّمت على الشيء علامة. ويقال: أعلم الفارس، إذا كانت له علامةٌ في الحرب. وخرج فلانٌ مُعْلِماً بكذا. والعَلَم: الراية، والجمع أعلام. والعلم: الجَبَل، وكلُّ شيءٍ يكون مَعْلَماً: خلاف المَجْهَل. وجمع العلَم أعلامٌ أيضاً. قالت الخنساء:

وإنَّ صخراً لتَأتمُّ الهُداةُ به *** كأنَّه علمٌ في رأسه نارُ([1])

والعلَم: الشَّقُّ في الشَّفَة العليا، والرجل أعلَمُ. والقياس واحد، لأنَّه كالعلامة بالإنسان. والعُلاَّم فيما يقال: الحِنَّاء؛ وذلك أنّه إذا خضّب به فذلك كالعلامة. والعِلْم: نقيض الجهل، وقياسه قياس العَلَم والعلامة، والدَّليل على أنَّهما من قياسٍ واحد قراءة بعض القُرَّاء([2]) : {وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ للِسَّاعَةِ} [الزخرف61]، قالوا: يراد به نُزول عيسى عليه السلام، وإنَّ بذلك يُعلَمُ قُرب الساعة. وتعلّمت الشَّيءَ، إذا أخذت علمَه. والعرب تقول: تعلّمْ أنّه كان كذا، بمعنى اعلَمْ. قال قيس بن زهير:

تَعَلَّمْ أنَّ خيرَ النّاسِ حَيَّاً *** على جَفْر الهَباءة لا يريمُ([3])

والباب كلُّه قياس واحد.

ومن الباب العالَمُون، وذلك أنّ كلَّ جنسٍ من الخَلْق فهو في نفسه مَعْلَم وعَلَم. وقال قوم: العالَم سمِّي لاجتماعه. قال الله تعالى: {وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ([4])}  [الأنعام 45، الصافات 182]، قالوا: الخلائق أجمعون. وأنشدوا:

ما إنْ رأيتُ ولا سمعـ  *** ـتُ بمثلِهمْ في العالَمِينا

وقال في العالَم:        * فخِنْدِفٌ هامةُ هذا العَالَمِ([5]) *

والذي قاله القائلُ في أنّ في ذلك ما يدلُّ على الجمع والاجتماع فليس ببعيد، وذلك أنّهم يسمون العَيْلم، فيقال إنّه البحر، ويقال إنّه البئر الكثيرةُ الماء.

(علن) العين واللام والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على إظهار الشَّيء والإشارة [إليه] وظهورِه. يقال عَلَنَ الأمر يَعْلُنُ([6]) . وأعلنته أنا. والعِلاَن: المَعالَنة.

(عله) العين واللام والهاء أصلٌ صحيح. ويمكن أن يكون من بابِ إبدال الهمزةِ عيناً؛ لأنه يَجري مَجرى الأَلَه [والوَلَه]. وهؤلاء الكلماتُ الثّلاثُ من وادٍ واحد، يشتمل على حَيرة وتلدُّد وتسرُّع ومجيءٍ وذَهاب، لا تخلو من هذه المعاني.

قال الخليل: عَلِه الرّجل يَعْلَهُ عَلَهاً فهو عَلْهانُ، إذا نازعَته نفسهُ إلى شيء، وهو دائم العَلَهان. قال:

أجَدَّت قَرُونِي وانجلَتْ بعد حِقبةٍ  *** عَمايةُ قلبٍ دائم العَلَهانِ

ومن الباب: عَلِهَ، إذا اشتدَّ جُوعه، والجائع عَلْهانُ، والمرأة عَلْهَى، والجمع عِلاَهٌ وعَلاَهَى. يقال عَلِهْتُ إلى الشيء، إذا تاقت نفسُك إليه. ومن الباب قولُ ابنِ أحمر:

عَلِهْنَ فما نرجو حنيناً لِحُرَّةٍ  *** هِجانٍ ولا نَبني خِباءً لأيِّمِ

كأنه يريد: تحيَّرْن فلا استقرارَ لهن. قالوا: والعَلْهانُ والعالِهُ: الظَّليم([7]) . وليس هذا ببعيدٍ من القياس. ومن الذي يدلُّ على أنّ العَلَه: التّردُّد في الأمر كالحيرة، قول لبيد يصف بقرة:

عَلِهَتْ تبلّد من نِهَاءِ صُعائِدٍ  *** سَبْعاً تُؤَاماً كاملاً أيّامُها([8])

ومنه قول أبي النَّجم يصف الفرسَ بنشاطٍ وطرب:

* من كلِّ عَلْهَى في اللجام جائل *

ومن الأسماء التي يمكن أن تكون مشتقَّةً من هذا القياس العَلْهَان: اسم فرسٍ لبعض العرب([9]) . قال جرير:

شَبَثٌ فخرتُ به عليك ومَعْقِلٌ  *** وبمالكِ وبفارسِ العَلْهَانِ([10])

(علو) *العين واللام والحرف المعتل ياءً كان أو واواً أو ألفاً، أصلٌ واحد يدلُّ على السموّ والارتفاع، لا يشذُّ عنه شيء. ومن ذلك العَلاَء والعُلُوّ. ويقولون: تَعالى النّهارُ، أي ارتفع. ويُدْعَى للعاثر: لعاً لك عاليا! أي ارتفعْ في علاء وثبات. وعاليتُ الرّجُل فوق البعير: عالَيْتُه. قال:

وإلاّ تَجَلّلْهَا يُعَالُوكَ فوقها  *** وكيف تَوَقَّى ظَهْرَ ما أنت راكبُهْ([11])

 

قال الخليل: أصل هذا البناء العُلُوّ. فأمّا العَلاء فالرِّفعة. وأمّا العُلُوّ فالعظمة والتجبُّر. يقولون: علا المَلِك في الأرض عُلُوَّاً كبيراً. قال الله تعالى: {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ في الأرْضِ}  [القصص 4]، ويقولون: رجلٌ عالي الكعب، أي شريف. قال:

* لما عَلاَ كعبك لي عَلِيتُ([12]) *

ويقال لكلِّ شيءٍ يعلُو: علا يَعْلُو. فإن كان في الرِّفعة والشرف قيل عَلِيَ يَعْلَى. ومن قَهَر أمراً فقد اعتلاه واستعلى عليه وبه، كقولك استولى. والفَرَس إذا جرى في الرِّهان فبلغ الغايةَ قيل: استَعلى على الغاية واستولَى. وقال ابن السِّكّيت: إنّه لمُعتَلٍ يحمله، أي مضطلعٌ به. وقد اعتلَى به. وأنشد:

إنّي إذا ما لم تَصِلْني خُلّتِي  *** وتباعدَتْ مِنِّي اعتليتُ بعادَها([13])

يريد علوت بعادها([14]) . وقد عَلوتُ حاجتي أعلوها عُلُوَّاً، إذا كنتَ ظاهراً عليها. وقال الأصمعيّ في قول أوس:

* جَلَّ الرُّزْء والعالي([15]) *

أي الأمر العظيم الذي يَقهر الصّبرَ ويغلبُه. وقال أيضاً في قول أميّة بن أبي الصَّلت:

إلى الله أشكو الذي قد أرى  *** من النّائبات بعافٍ وعالِ

أي بعفوي وجهدي، من قولك علاه كذا، أي غلبه. والعافي: السَّهل. والعالي: الشَّديد.

قال الخليل: المَعْلاة: كَسْبُ الشّرَف، والجمع المعالي. وفلانٌ من عِلْية النّاس أي من أهل الشَّرف. وهؤلاء عِلْيَةُ قومِهم، مكسورة العين على فِعلة مخفّفة. والسُِّفل والعُِلْو: أسفل الشيء وأعلاه. ويقولون: عالِ عن ثوبي، واعلُ عن ثوبي، إذا أردت قمْ عن ثوبي وارتفِعْ عن ثوبي؛ وعالِ عنها، أي تنحَّ؛ واعلُ عن الوسادة.

قال أبو مهديّ: أَعلِ عليَّ([16]) وعالِ عليّ، أي احملْ عليّ.

ويقولون: فلانٌ تعلوه العين وتعلو عنه العين، أي لا تقبَله([17]) تنبو عنه. والأصل في ذلك كلِّه واحد. ويقال علا الفرَسَ يعلوه علوّاً، إذا ركبَه؛ وأعلى عنه، إذا نَزَل. وهذا وإن كان في الظاهر بعيداً من القياس فهو في المعنى صحيح؛ لأنّ الإنسانَ إذا نزل عن شيءٍ فقد بايَنَه وعلا عنه في الحقيقة، لكنّ العربَ فرّقت بين المعنيين بالفرق بين اللفظين.

قال الخليل: العَلياء: رأس كل جبلٍ أو شَرَفٍ. قال زُهير:

تبصَّرْ خليلِي هل ترى من ظَعائنٍ *** تحمّلنَ بالعلياء من فوق جُرْثُم([18])

ويسمَّى أعلى القناةِ: العالية، وأسفلها: السَّافلة، والجمع العوالي. قال الخليل: العالية من مَحَالّ العربِ منَ الحجاز وما يليها، والنسبة إليها على الأصل عاليٌّ، والمستعمَل عُلْويّ.

قال أبو عبيد، عالَى الرّجُل، إذا أتى العالية. وزعم ابنُ دريد([19]) أنّه يقال للعالية عُلْو: اسمٌ لها، وأنّهم يقولون: قدِم فلانٌ من عُلْو. وزَعَم أنّ النسب إليه عُلْويّ.

قالوا: والعُلِّيَّة: غرفةٌ، على بناء حُرِّيّة([20]) . وهي في التصريف فُعليّة، ويقال فُعلولة.

قال الفرّاء في قوله تعالى: {إنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين 18]: قالوا: إنّما هو ارتفاعٌ بعد ارتفاعٍ إلى ما لا حدَّ له. وإنّما جُمِع بالواو والنون لأنَّ العرب إذا جمعت جمعاً لا يذهبون فيه إلى أنّ له بناءً من واحد واثنين، قالوه في المذكَّر والمؤنث نحوَ عليّين، فإنّه إنّما يراد به شيءٌ، لا يقصد به واحد و لا اثنان، كما قالت العرب: "أطعمنا مَرَقةَ مَرَقِينَ([21]) ". وقال:

* قليِّصاتٍ وأبَيكرِينا([22]) *

فجمع بالنون لما أراد العدد الذي لا يحدُّه. وقال آخر في هذا الوزن:

فأصبحت* المذاهبُ قد أذاعت  *** بها الإعصارُ بعد الوابِلينا([23])

أراد المطر بعد المطر، شيئاً غير محدود. وقال أيضاً: يقال عُلْيا مضر وسُفْلاها، وإذا قلت سُفْلٌ قلت عُلْيٌ والسموات العُلَى الواحدة عُلْيا.

فأمّا الذي يحكي عن أبي زيد: جئت من عَلَيْك، أي من عندك، واحتجاجُه بقوله:

غَدَت مِن عَلَيْهِ بعد ما تمَّ ظِمْؤُها  *** تَصِلُّ وعن قَيضٍ بِزَيزاءَ مَجْهَلِ([24])

والمستعلي من الحالبَينِ: الذي في يده الإناء ويحلُب بالأخرى. ويقال المستعلي: الذي يحلُب الناقة من شِقِّها الأيسر. والبائن: الذي يَحلبُها من شِقِّها الأيمن. وأنشد:

يبشِّر مستعلياً بائنٌ  *** من الحالِبَينِ بأنْ لا غِرارَا([25])

ويقال: جئتُك من أعلى، ومن عَلا، ومن عالٍ، ومن عَلِ. قال أبو النَّجم:

* أقَبُّ من تحتُ عريضٌ من عَلِ *

وقد رفعه بعضُ العرب على الغاية([26]) ، قال ابنُ رواحة:

شهدتُ فلم أكذِبْ بأنَّ محمداً  *** رسولُ الذي فوق السموات من عَلُ

وقال آخر([27]) في وصف فرس:

ظمأى النَّسا من تحتُ رَيَّا من عالْ  *** فهي تُفدَّى بالأبينَ والخالْ

فأمّا قول الأعشى([28]) :

إنِّي أتتني لسانٌ لا أُسَرُّ لها  *** من عَلْوَ لا عَجبٌ فيها ولا سَخَرُ

فإنه ينشد فيها على ثلاثة أوجه: مضموماً، ومفتوحاً، ومكسوراً.

وأنشد غيره:

فهي تنوشُ الحوضَ نَوشاً من عَلاَ  *** نَوشاً به تَقْطع أجوازَ الفَلا([29])

قال ابن السِّكِّيت: أتيتُه من مُعالٍ. وأنشد:

فرَّجَ عنه حَلَق الأغْلالِ  *** جذبُ البُرَى وجِرية الجِبالِ

* ونَغَضان الرَّحْلِ من مُعَالِ([30]) *

ويقال: عُولِيَت الفرسُ، إذا كان خَلْقها معالَىً. ويقال ناقةٌ عِلْيانٌ، أي طويلة جسيمة. ورجل عِليانٌ: طويل. وأنشد:

أنْشدُ من خَوّارة عِلْيانِ *** ألقتْ طَلاً بملتقى الحَوْمانِ([31])

قال الفرّاء: جملٌ عِلْيانٌ، وناقةٌ عِلْيانٌ. ولم نجد المكسور أوّلُه جاء نعتاً في المذكر والمؤنّث غيرَهما. وأنشد:

حمراء من مُعرِّضاتِ الغِربانْ  *** تَقْدُمُها كلُّ عَلاةٍ عِلْيانْ([32])

ويقال لمُعالِي([33]) الصَّوت عِلْيانٌ أيضاً. فأمّا أبو عمرو فزَعَم أنَّه لا يقال للذّكر عِلْيان، إنّما يقولون جملٌ نبيل. فأمّا قولهم تَعَالَ، فهو من العلوّ، كأنَّه قال اصعد إليَّ؛ ثمّ كثُر حتّى قاله الذي بالحضيض لمن هو في علوه. ويقال تَعالَيا، وتَعالَوْا، لا يستعمل هذا إلاَّ في الأمر خاصَّة، وأُمِيتَ فيما سوى ذلك. ويقال لرأس الرّجُل وعُنقِه عِلاوة. والعِلاوة: ما يُحمَل على البعير بعد تمام الوِقْر. وقولُه:

ألا أيُّها الغادِي تحمَّلْ رسالةً  *** خفيفاً مُعَلاَّها جزيلاً ثوابُها

مُعلاَّها: مَحْمِلها([34]) . ويقال: قَعَد في عُلاوة الرِّيح وسُفالتها. وأنشد:

تُهدِي لنا كُلما كانت عُلاوَتَنا *** ريحَ الخُزامى فيها الندى والخَضل([35])

قال: الخليل المُعلَّى: السّابع من القِداح، وهو أفضلها، وإذا فاز حاز سبعةَ أنصباءَ([36]) من الجزور، وفيه سبع فُرَض: علامات. والمُعلِّي: الذي يمدُّ الدلوَ إذا مَتَح. قال:

* هويّ الدَّلو نَزَّاها المعَلّ([37]) *

ويقال للمرأة إذا طَهُرت من نِفاسها: قد تعلَّت، وهي تتعلَّى. وزعموا أنَّ ذلك لا يُقال إلاَّ للنُّفساء، ولا يستعمل في غيرها. قال جرير:

فلا وَلدت بعد الفرزدق حاملٌ *** ولا ذات حمل من نِفاسٍ تَعَلَّتِ([38])

قال الأصمعيّ: يقال: عَلِّ رشاءَك، أي ألقِهِ([39]) فوق الأرشية كلِّها. ويقال إنَّ المعلَّى: الذي إذا زاغ الرِّشاء عن البَكَرة عَلاَّه فأعاده إليها. قال العُجَير:

ولي مائحٌ لم يُورِد الماءَ قبلَه  *** مُعَلٍّ وأشطانُ الطّويِّ كثيرُ([40])

ويقولون في رجلٍ خاصمه [آخر]: إنَّ له من يعلِّيه عليه([41]) .

وأمَّا عُلْوان الكتاب فزعم قومٌ أنّه غلط، إنّما هو عُنوان. وليس ذلك غلطاً، واللغتان صحيحتان وإن كانتا مولَّدَتَين ليستا من أصل كلام العرب. وأمّا عُنوان فمن عَنَّ. وأمّا عُلوان فمن العلوّ، لأنَّه أوّل الكتاب وأعلاه.

ومن الباب العَلاَةُ، وهي السَّنْدان، ويشبّه* به النّاقة الصلبة. قال:

ومُبْلِدٍ بين مَوْماةٍ بمهلَكةٍ  *** جاوزتُه بعَلاة الخلقِ عِلْيانِ([42])

قال الخليل: عَلِيٌّ على فَعيل، والنسبة إليه عَلَوِيٌّ. وبنو عليٍّ: بطن من كِنانة، يقال هو عليّ بن سُودٍ([43]) الغَسَّاني، تزوّجَ بأمِّهم بعد أبيهم وربَّاهم فنُسِبوا إليه. قال:

وقالت رَبَايَانا ألا يالَ عامرٍ  *** على الماء رأسٌ من عَلِيٍّ ملفّفُ([44])

وقال أبو سعيد: يقال ما أنت إلاَّ على أعلَى وأرْوَحَ، أي في سَعَةٍ وارتفاع. ويقال "أعلى": السموات. وأمّا "أرَوْح" فمَهَبّ الرِّياح من آفاق الأرض. قال ابن هرمة:

غَدَا الجُودُ يبغِي من يؤدِّي حقوقه  *** فراح وأسرى بين أعلَى وأرْوَحا

أي راح وأسرى بين أعلى مالِه وأدْوَنِه، فاحتَكَم في ذلك كلِّه.

(علب) العين واللام والباء أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدهما على غِلظٍ في الشيء وجُسْأة، والآخر على أثَر.

فالأول قولهم: عَلِبَ النّباتُ: جَسَأ([45]) . ويقال: لحم عَلِبٌ([46]) : غليظ. ويقال: العَلِب: المكان الغليظ. ومن الباب العَلِب([47]) : الضَّبُّ المُسِنُّ. والعِلْباء: عصب العُنُق، سمِّي بذلك لصلابته. ويقال عَلِبَ البعيرُ، إذا أخذ داءٌ في أحد جانبي عنقِه. ويقال للرّجُل إذا أسن: قد تشنَّج عِلباؤُه. وتيسٌ عَلِبٌ: غليظ العِلباء، وعَلَّبْتُ السّكِّينَ بالعِلباء: جَلَزْتُه.

والأصل الآخر العَلْب، وهو الخَدْش والأثر. وطريق معلوبٌ: لاحِبٌ.

قال بشر:

نقلناهمُ نَقْلَ الكلاب جِراءها  *** على كلِّ معلوبٍ يثور عَكوبُها([48])

وعَلَّبت الشيءَ، إذا أثَّرت فيه. ومن الباب العِلاب: وسْمٌ في طول العنق، ناقةٌ مُعَلَّبَة.

ومما شذَّ عن هذين الأصلين: العُِلْبة([49]) . وعُلْيَب([50]) : واد.

(علث) العين واللام والثاء أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على خلْط الشَّيءِ بالشيء. من ذلك: العَلِيث، وهي الحنطة يُخلَط بها الشَّعير. وكلُّ شيءٍ غيرِ خالصٍ فهذا قياسُه. ومن ذلك أعلاث الزَّاد، وهو ما أُكِلَ غيرَ متخيَّرٍ من شيء. ويقال قَضيبٌ مُعْتَلَثٌ، إذا لم يُتَخَيَّر شجرُه. و"إنَّه ليعتلث الزِّناد". مَثَلٌ يُضرَب لمن لا يتخيَّر مَنكِحَه.

(علج) العين واللام والجيم أصل صحيح يدلُّ على تمرُّسٍ ومزاوَلة، في جفاء وغِلَظٍ. من ذلك العِلج، وهو حِمار الوَحش، وبه يشبَّه الرجل الأعجميّ.

ويقولون: إنَّه من المعالَجة، وهي مزاوَلَة الشّيء. هذا عن ابن الأعرابيّ. وقال الخليل: سمِّي عِلْجاً لاستعلاج خَلْقِهِ، وهو غِلظُه. قال: والرّجُل إذا خرَجَ وجههُ([51]) وغلُظ فقد استعلج. والعِلاج: مزاوَلَة الشّيء ومعالجتُه. تقول: عالجتُه عِلاجاً ومعالَجة. واعتلجَ القومُ في صِراعِهم وقتالهم. ويقال للأمواج إذا التطمت: اعتلجت. قال:

* يعتلج الآذِيُّ من حُبابِها *

أي يركب بعضُه بعضاً. وعالجت فلاناً فعلَجْته عَلْجاً، إذا غلبْتَه. وفلانٌ عِلْجُ مالٍ، أي يقوم عليه ويَسُوسه. والعُلَّج: الشّديد من الرجال قِتالاً وصِراعاً. قال:

* مِنّا خَراطيمَ ورأساً عُلَّجاً *

ويقولون: ناقة عَلِجة: غليظة شديدة. قال:

* ولم يُقاسِ العَلِجاتِ الحُنُفا *

وقال آخر:

هَنَاكَ منها عَلِجات نِيبُ  *** أَكَلْنَ حَمْضاً فالوجوهُ شِيبُ([52])

وحكوا: أرض مُعتلِجة، وهي التي تراكَبَ نبتُها وطال، ودخل بعضُه في بعض.

ومما شذَّ عن هذا الباب وقد ذكرنا من أمر النبات ما ذكرناه: العَلَجانُ: شجرٌ أخضر، يقولون إنّ الإبل لا تأكله إلاّ مضطرّة([53]) . قال:

يُسَلِّيك عن لُبْنَى إذا ما ذكرتَها  *** أجارِعُ لم ينبُتْ بها العَلَجانُ

وزعموا أنَّ العَلجَ: أشاء النَّخْل. قال:

إذا اصطبَحتَ فاصْطَبِحْ مِسْواكا  *** من عَلَجٍ إنْ لم تجِدْ أراكا

وقال عبدُ بني الحسحاس:

وبِتْنا وِسادانا إلى عَلَجانةٍ *** وحِقْفٍٍ تهادَاه الرِّياحُ تهادِيا([54])

(علد) العين واللام والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على قوّةٍ وشِدّة. من ذلك العَلْد، وهو الصُّلب من الشيء، *يقال لعصَب العنق عَلْد. ورجل عَِلْوَدٌّ: رزين. ويقال منه اعلوَّد. وما لم نذكره منه فهو هذا القياس.

(علز) العين واللام والزاء أُصَيل يدلُّ على اضطرابٍ من مرض. من ذلك: العَلَز: كالرعدة تأخذ المريض. وربما قالوا: عَلِز من الشَّيء: غَرِض([55]) . وعالِز: موضع. قال:

عفا بطن قَوٍّ من سُلَيْمى فعالزُ  *** فذاتُ الغَضَا............([56])

(علس) العين واللام والسين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على شدّة في شيء. يقال جَمَلٌ عَلَسيٌّ: شديد. قال:

* إذا رآها العَلَسيُّ أبْلَسَا([57]) *

ويقولون: المعلَّس: الرّجل المجَرَّب. والعَلَس: القُراد الضَّخْم.

(علش) العين واللام والشين ليس بشيء. على أنهم يقولون إن العِلَّوْش: الذّئب. وليس قياسه [صحيحاً] لأن الشين لا تكون بعد اللام.

(علص) العين واللام والصاد قريبٌ من الذي قبلَه. على أنهم يقولون: إنَّ العِلّوْص: التُّخَمة، وليس بشيء ولا لـه قياس. ويقولون إن العِلاص: المضارَبَة بالسَّيْف([58]) ، وهذا أيضاً لا معنَى لـه، وكل ما ذُكر في هذا البناء فمجراه هذا المجرى.

(علط) العين واللام والطاء مُعظَمه على صحّته إلصاق شيءٍ بشيء، أو تعليقُه عليه. تقول: عَلَطْته بسهم: أصبتُه. وإذا أصبْتَه به فقد ألصقته به. والعُلْطة: سواد تخطُّه المرأة في وجهها تَزَّيَّن به. والعُلطة: القلادة من الحنظل. ويقال: اعلَوَّطَنِي فلانٌ: لزمني.

ومن الباب العِلاَط، وهي كَيٌّ أو سِمَةٌ تكون في مقدّم العنق عَرْضاً. وعَلَطْت البعيرَ أعْلِطه عَلْطاً. ويقال: إنَّ عِلاط الإبرة: خَيطُها. وعِلاَط الشّمس: الذي كأنَّه خيطٌ. والإعليط: وعاء ثَمَر المَرْخِ، وهو مُعلَّقٌ في شجَرهِ. قال:

[لها] أُذُنٌ حَشْرَةٌ مَشرةٌ *** كإعْليطِ مَرْخ إذا ما صَفِرْ([59])

والعِلاطان: صَفْقا العُنُقِ من الجانبين. فأمَّا البعير العُلُط والنَّاقةُ العُلط، وهي التي ليس في رأسها رَسَنٌ، فليس من هذا الباب، وإنما ذلك مقلوبٌ، والأصل عُطُل، وهي المرأة التي لا حَلْيَ لها. والقياس واحد. قال ابن أحمر:

ومنحتها قَوْلِي على عُرْضِيَّة  *** عُلُطٍ أُدارِي ضِغْنَهَا بتودُّدِ([60])

(علف) العين واللام والفاء ليس بأصل كثير، إنما هو العَلَف. تقول: عَلفْت الدّابة. ويقال للغنم التي تُعْلَفُ: عَلُوفة. والعُلَّف: ثمر الطَّلْح([61]) .

(علق) العين واللام والقاف أصلٌ كبير صحيح يرجع إلى معنىً واحد، وهو أن يناط الشَّيء بالشيء العالي. ثم يتَّسع الكلام فيه، والمرجع كله إلى الأصل الذي ذكرناه.

تقول: عَلّقْتُ الشيءَ أعلِّقه تعليقاً. وقد عَلِق به، إذا لزِمَه. والقياس واحد. والعَلَق: ما تعلَّق به البَكَرة من القامة. ويقال العلَق: آلة البَكْرَة. ويقولون: البئر محتاجة إلى العَلَقِ. وقال أبو عبيدة: العَلق هي البَكرة بكل آلتِها دون الرِّشاء والدَّلو. والعَلَق: الدم الجامد، وقياسُه صحيح، لأنَّه يَعْلَقُ بالشيء؛ والقطعة منه عَلَقة. قال:

* ينْزُو على أهْدامه من العَلَق *

ويقول القائل في الوعيد: "لتفعلنَّ كذا أو لتَشْرَقَنّ بعَلَقة([62]) " يعني الدّم، كأنّه يتوعده بالقَتْل. والعَلَق: أن يُلَزَّ بعيرانِ بحبلٍ ويُسْنَى عليهما إذا عظُم الغَرْب. وأعلقتُ بالغَرب بعيرين، إذا قرنتَهُما بطَرَف رِشائه.

قال اللِّحيانيّ: بئر فلانٍ تدوم على عَلَق، أي لا تنْزح، إذا كان عليها دلوانِ وقامة ورشاء. وهذه قامة ليس لها عَلَق، أي ليس لها حبل يعلَّق بها.

قال الخليل: العَلَق أن يَنَشِب الشيء بالشيء. قال جرير:

إذا عَلِقَتْ مخالبُه بقِرْنٍ  *** أصابَ القلبَ أو هتك الحجابا([63])

وعَلِق فلانٌ بفلانٍ: خاصمه. والعَلق: الهوى. وفي المثل: "نظرة مِن ذي عَلَق"، أي ذي هَوىً قد عَلِق قلبُه بمن يهواه. وقال الأعشى:

عُلِّقْتُها عرَضاً وعُلِّقتْ رجلاً  *** غيري وعُلِّق أخرى غيرَها الرّجُل([64])

ومن الباب العَلاَق، وهو الذي يجتزئ [به] الماشية من الكلأ إلى أوان الربيع. وقال الأعشى:

وفلاةٍ كأنّها ظهرُ تُرسٍ  *** ليس إلاّ الرَّجيع فيها عَلاَقُ([65])

يقول: لا تجد الإبل فيها عَلاقاً إلاّ ما تردّده من جِرَّتها في أفواهها*. والظبية تعلُق عُلوقاً، إذا تناولت الشجرةَ بفيها. وفي حديث الشهداء: "إنَّ أرواحهم في أجواف طيرٍ خُضر([66]) تَعْلُق في الجنَّة". والعُلْقة: شجر يبقى في الشِّتاء تَعلُق به الإبلُ فتستغني به، مثل العَلاَق. ويقال: ما يأكل فلانٌ إلا عُلْقَة، أي ما يُمْسِك نَفْسَه.

قال ابن الأعرابيّ: العُلقة: الشَّيء القليل ما كان، والجمع عُلَق. ومن الباب: العَلَقة: دويْبة تكون في الماء، والجمع عَلَق، تَعْلَق بحَلْق الشَّارب([67]) .

ورجلٌ معلوق، إذا أخذت العَلَق([68]) بحلقِهِ. وقد علِقت الدابة عَلَقاً، إذا عَلِقتها العَلَقةُ عند الشرب.

ومن الباب على نحو الاستعارة، قولهم: عَلِق دَمُ فلان ثيابَ فلان، إذا كان قاتِلَه. ويقولون: دمُ فلانٍ في ثوب فلان. قال أبو ذؤيب:

تبرَّأُ من دَمِّ القتيل وبَزِّهِ  *** وقد عَلِقت دمَّ القتيلِ إزارُها([69])

قالوا: الإزار يذكّر ويؤنّث في لغة هذيل وبزّه: سلاحه. وقال قوم: "علِقت دمَّ القتيل إزارُها" مَثَل، يُقال: حَملتَ دمَ فلانٍ في ثوبك، أي قتلتَه. وهذا على كلامين، أراد علقت المرأةُ دمَ القتيل ثم قال: عَلِقَهُ إزارُها.

قالوا: والعَلاقة: الخصومة. قال الخليل: رجلٌ معلاقٌ، إذا كان شديدَ الخُصومة. قال مُهلهل:

إنّ تحت الأحجار حَزْماً وجوداً  *** وخَصيماً ألدَّ ذا مِعلاقِ([70])

ورواه غيره بالغين، وهو الخَصْم الذي يَغْلَق عنده رَهْنُ خَصمه فلا يقدرُ على افتكاكِه منه، للَدَدِه.

وتعليق الباب: نَصْبُه. والمعاليق والأعاليق للعنب ونحوه([71]) ، ولا واحد للأعاليق. والعِلاقَة: [عِلاقة] السَّوْطِ ونحوه. والعَلاَقة للحبِّ([72]) . والعلاقة: ما ذكرناه من العَلاَق الذي يُتعلَّق به في معيشةٍ وغيرها. والعَليق: القَضيم([73]) ، من قولك أعلقته فهو عليق، كما يقال أعقدتُ العسلَ فهو عَقِيد.

وذُكر عن الخليل أنّه قال: يسمَّى الشراب عليقاً. ومثل هذا مما لعلّ الخليل لا يذكره، ولا سيّما هذا البيتُ شاهدُه.

واسق هذا وذا وذاك وعلِّق ***  لا نسمِّي الشَّرَابَ إلاّ العليقا([74])

ويقولون لمن رضيَ بالأمر بدون تمامه: متعلِّق([75]) . ومن أمثالهم:

* عَلِقَتْ مَعالِقَها وصَرَّ الجُنْدَب([76]) *

وأصله أنَّ رجلاً انتهى إلى بئر فأعلقَ رشاءَه برِشائها، ثم صار إلى صاحب البئر فادَّعى جِوارَه، فقال له: وما سبب ذلك؟ فقال: عَلَّقْتُ رِشائي برِشائِك. فأمره بالارتحال عنه، فقال الرّجل: "علِقت معالِقَها وصرّ الجندب"، أي علقت الدّلو معالقَها وجاء الحرُّ ولا يمكن الذّهاب.

وقد عَلِقت الفَسيلةُ إذا ثبتت في الغِراس. ويقولون: أعلقت الأمُّ من عُذْرَة الصبيِّ بيدها تُعْلق إعلاقاً، والعُذْرة قريبةٌ من اللَّهاة وهي وجع، فكأنّها لما رفعته أعلقته. ويقال هذا عِلْقٌ من الأعلاق، للشَّيء النفيس، كأنَّ كلَّ من رآه يَعْلَقه. ثمَّ يشبّهون ذلك فيسمُّون الخمر العِلْق. وأنشدوا:

إذا ما ذقت قلتَ عِلْقٌ مُدَمَّسٌ  *** أريد به قَيْلٌ فغودر في سابِ([77])

ويقال للشَّيء النفيس: عِلْق مَضِنّة ومَضَنَّة. ويقال فلان ذو مَعْلَقة، إذا كان مُغِيراً([78]) يعلَق بكلِّ شيء. وأعْلَقْتُ، أي صادفت عِلقاً نفيساً، وجمع العِلْق عُلُوق. قال الكميت:

إن يَبِع بالشَّباب شيئاً فقد با  *** عَ رخيصاً من العُلُوق بغالِ

والعَلاقة: الحبُّ اللازم للقلب. ويقولون: إنَّ العَلُوق من النِّساء: المُحبّة لزوجها. وقوله تعالى: {فَتَذَرُوهَا كالمُعَلَّقَة} [النساء 129]، هي التي لا تكون أيِّما ولا ذاتَ بعل، كأنَّ أمرَها ليس بمستقرّ. وكذلك قول المرأة في حديث أم زرع([79]) : "إنْ أَنْطِق أُطلَّق، وإنْ أسْكُت أُعلَّق". وقولهم: "ليس المتعلِّق كالمتأنّق" أي ليس من عيشُه قليلٌ كمن يتأنّق فيختار ما شاء. والعلائق: البضائع. ويقولون: جاء فلان بعُلَقَ فُلَقَ، أي بداهية. وقد أعْلَق وأفلق. وأصل هذا أنّها داهيةٌ تَعْلَق كُلاًّ. ويقال إن العَلُوق: ما تَعلقُه السّائمة من الشَّجر بأفواهها* من ورَق أو ثمَر. وما عَلَقت منه السَّائمة عَلُوق. قال:

هو الواهب المائة المصطفاة *** لاطَ العَلُوق بهن احمرارا([80])

يريد أنّهنّ رَعَيْن في الشجر وعَلِقْنَه حتى سمِنَّ واحمرَرْن ولاطَ بهنّ. والإبل إذا رعَتْ في الطَّلْح ونحوِه فأكلت ورقَهُ أخصَبت عليه وسَمِنت واحمرَّت. والعُلَّيق: شجرٌ من شجر الشَّوك لا يعظُم، فإذا نَشِب فيه الشّيءُ لم يكد يتخلَّص من كثرة شَوكه، وشوكُهُ حُجْنٌ حِداد، ولذلك سمى عُلَّيقاً. ويقولون: هذا حديثٌ طويل العَوْلَق، أي طويل الذَّنَب.

وأمَّا العَلُوق من النُّوق، فقال الكسائيّ: العَلُوق: الناقة التي تأبى أن ترْأمَ ولدها. والمَعالِق([81]) مثلها. وأنشد:

أم كيف ينفَعُ ما تُعطِي العلوقُ به  *** رِئمانََُِ أنف إذا ماضُنَّ باللّبنِ([82])

فقياسه صحيح، كأنَّها عَلِقَتْ لبنَها فلا يكاد يتخلَّص منها. قال أبو عمرو: العَلُوق ما يَعْلَق الإنسانَ. ويقال للمنيّة: عَلُوق. قال:

وسائلةٍ بثعلبة [بنِ سير  *** وقد عَلِقت بثعلبةَ] العَلوقُ([83])

وعَلِقَ الظَّبيُ في الحِبالة يَعْلَق، إذا نَشِق فيها([84]) . وقد أعلَقَتْه الحِبالة. وأعْلَقَ الحابلُ إعلاقاً، إذا وقَع في حِبالتهِ الصَّيد. وقال أعرابيّ: "فجاء ظبيٌ يستطيف([85]) الكِفَّة فأعلقته". ويقال للحابِل: أعلَقْتَ فأدرك. وكذلك الظّبي إذا وَقَع في الشرك، أُعْلِق به([86]) . قال ذو الرُّمَّة:

ويومٍ يُزير الظَّبيَ أقصى كِناسِهِ  *** وتنْزو كَنَزْو المُعْلَقاتِ جنادبُه([87])

ويقولون: ما ترك الحالبُ للنَّاقة عُلْقَةً([88]) ، أي لم يدع في ضَرعها شيئاً إلاَّ حَلَبه. وقلائد النُّحور، وهي العلائق. فأمَّا العليقة فالدّابَّة تُدفَع إلى الرّجُل ليَمتار عليها لصاحبها، والجمع علائق. قال:

وقائلةٍ لا تَركبنَّ عليقةً  *** ومن لذّة الدُّنيا ركوبُ العلائقِ([89])

وقال آخر:

أرسَلَها عَليقةً وقد عَلِم  *** أنَّ العَلِيقاتِ يُلاقِينَ الرَّقِمْ([90])

ويقولون: عَلِق يفعل كذا، كأنَّه يتعلَّق بالأمر الذي يريده. وقد عَلِق الكِبَرُ منه مَعَالِقه. ومَعاليق العِقد والشُّنُوف: ما يُعَلَّق بهما ممّا يُحسِّنهما. ويقولون: عَلقِتِ المرأةُ: حَبِلت. ورجلٌ ذو مَعْلَقةٍ، إذا كان مُغِيراً يتعلّق بكلِّ شيء([91]) . قال:

* أخاف أن يَعْلَقها ذو مَعْلَقهْ([92]) *

والعَلاقِيَة: الرجل الذي إذا عَلِقَ شيئاً لم يكَدْ يدَعُه. وأمّا العِلْقة، فقال ابن السّكِّيت: هي قميصٌ يكون إلى السُّرَّة وإلى أنصاف السُّرَّة، وهي البَقِيرةُ. وأنشد:

وما هي إلاَّ في إزارٍ وعِلْقةٍ  *** مُغارَ ابنِ هَمّامٍ على حيِّ خثعما([93])

وهو من القياس؛ لأنّه إذا لم يكن ثوباً واسعاً فكأنّه شيء عُلِّق على شيء. قال أبو عمرو: وهو ثوب يُجاب ولا يُخاط جانباه، تلبسه الجارية إلى الحُجْزَة، وهو الشّوذر.

(علك) العين واللام والكاف أصلٌ صحيح يدلُّ على شيء شبه المضغ والقبض على الشَّيء. من ذلك قول الخليل: العَلْك: المضغ. ويقال: عَلَكت الدّابّةُ اللِّجامَ، وهي تعلُكُه عَلْكاً. قال: وسمِّي العِلْك عِلْكاً لأنّه يُمضَغ. قال النّابغة:

خَيلٌ صِيامٌ وأخرى غيرُ صائمةٍ *** تحت العَجاجِ وخيلٌ تعلُك اللُّجُما([94])

قال الدريديّ: طعام عَلِك: متين المَمْضَغة([95]) . ويقولون في لسانه عَوْلك، إذا كان يَمضَغُه ويَعلُكُه([96]) .

قال أبو زيد: أرضٌ عَلِكه: قريبةُ الماء. وطِينةٌ علكة: طيّبة خَضراءُ ليّنة. والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــــ

([1]) ديوان الخنساء 27.

([2]) هم: ابن عباس، وأبو هريرة، وأبو مالك الغفاري، وزيد بن علي، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، ومالك ابن دينار، والأعمش، والكلبي. تفسير أبي حيان (8: 26). وفي الأصل: "قراءة القرآن من القراء".

([3]) صدره في اللسان (علم)، وهو في معجم البلدان (الجفر، الهباءة). وفي أمالي القالي (1: 261) عند إنشاد الأبيات: "لم يرث أحد قتيلاً قتله قومه إلا قيس بن زهير، فإنه رثى حذيفة بن بدر، وبنو عبس تولت قتله".

([4]) هي الآية الأخيرة بتمامها من سورة الصافات، كما أنها جزء من الآية 45 في سورة الأنعام وأولها: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} .

([5]) صواب الإنشاد فيه بالهمز "العألم" وذلك أن أرجوزة البيت غير مؤسسة. وهي في ديون العجاج  58-62 وأولها:

* يا دار سلمى يا اسلمي ثم اسلمي *

وكان رؤبة ينشده بترك الهمز ويعيب أباه بذلك، فقيل له: "قد ذهب عنك أبا الجحاف ما في هذه، إن أباك كان يهمز العالم والخاتم"، يشار بذلك إلى أن قبل هذا البيت أيضاً في ديوان العجاج 60: * مبارك للأنبياء خأتم *

([6]) ويقال في مضارعه أيضاً "يعلن" كيضرب، وعلن يعلن من باب فرح كذلك.

([7]) فرق في اللسان بينهما فقال: "والعلهان: الظليم: والعاله: النعامة".

([8]) البيت من معلقة لبيد. وهذه الرواية تطابق رواية اللسان(بلد، عله) . والرواية المشهورة: "علهت تردد".

([9]) هو أبو مليل عبد الله بن الحارث، كما في اللسان والخيل لابن الأعرابي 64-65.

([10]) ديوان جرير 572 وابن الأعرابي 65. وشبث هذا هو شبث بن ربعي. ومعقل، هو معقل بن قيس الرياحي.

([11]) البيت من أبيات للمتلمس رواه التبريزي في تهذيب إصلاح المنطق 238، وليست في ديوان المتلمس. وأنشده في اللسان (علا) وإصلاح المنطق 163 بدون نسبة. وقبله:

عصاني ولم يلق الرشاد وإنما  *** تبين من أمر الغوى عواقبه

فأصبح محمولاً على ظهر آلة *** يمج نجيع الجوف منه ترائبه

([12]) أنشده في اللسان (علا 318) شاهداً للغة علي، كرضي، يعلى في الشرف، ويقال أيضاً فيه: علا يعلى، والبيت لرؤبة، كما في اللسان، وهو في ديوانه 25 من أرجوزة يمدح بها مسلمة بن عبد الملك قال ابن سيده: "ووجه إنشاده علا كعبك بي"، أي أعلاني.

([13]) البيت في مجالس ثعلب 413 واللسان (علا 326).

([14]) في الأصل: "علوتها بعادها". وفي اللسان: "علوت بعادها ببعاد أشد منه".

([15]) البيت في ديوان أوس بن حجر 32، وهو مطلع قصيدة:

يا عين لابد من سكب وتهمال  *** على فضالة جل الرزء والعالي

([16]) في الأصل: "اعل عني". ونص أبي مهدي هذا نادر. وفي المجمل: "وعال علي: أي احمل" فقط.

([17]) في الأصل: "أي لا تقتله".

([18]) البيت من معلقته المشهورة.

([19]) في الجمهرة (3: 140).

([20]) أي على وزن "حرية". وتقال أيضاً بكسر العين.

([21]) في الأصل: "مرقتين" وفي اللسان (مادة مرق): "مرقين" بالتثنية، تحريف. وقد جاء في (علا 327): "مرقين" على الصواب بالجمع. قال: "وسمعت العرب تقول: أطعمنا مرقة مرقين، تريد اللحمان إذا طبخت بماء واحد".

([22]) أنشده في اللسان (بكر، علا) ، وأبيكرين، هو جمع مصغر "أبكر". وهذا جمع "بكر".

([23]) البيت في اللسان (وبل). أذاعت بها: أذهبتها وطمست معالمها.

([24]) البيت لمزاحم العقيلي، كما في اللسان (علا، صلل) والحيوان (4: 418) والاقتضاب 248 والخزانة (4: 253). وفي الكلام بعده نقص.

([25]) للكميت، كما في اللسان (علا).

([26]) الغاية: الظرف المنقطع عن الإضافة، سمي بذلك لأنه يكون بعد الانقطاع غاية في المنطق، كقوله تعالى: "لله الأمر من قبل ومن بعد".

([27]) هو دكين بن رجاء، كما في اللسان(علا)وإصلاح المنطق 30 وقبله:

ينجيه من مثل حمام الأغلال  *** وقع يد عجلى ورجل شملال

([28]) هو أعشى باهلة، كما في اللسان (علا) وإصلاح المنطق 30. وقصيدته في الأصمعيات 89 طبع المعارف، وجمهرة أشعار العرب 135-137، ومختارات ابن الشجري 10-12، وأمالي المرتضى (3: 105-113)، والخزانة (1: 89-97).

([29]) لأبي النجم، كما في اللسان(علا) . لكن نسب في (نوش) إلى غيلان بن حريث.

([30]) الرجز لذي الرمة، كما في اللسان (علا) وإصلاح المنطق 30. وهو في ديوانه 482.

([31]) بدل هذا الشطر في اللسان (علا): * مضبورة الكاهل كالبنيان *

([32]) الرجز للأجلح بن قاسط، في اللسان (عرض). وقال ابن بري: "وهذان البيتان في آخر ديوان الشماخ". قلت أنا: هما في أخرياته ص 116 منسوبان إلى الجليح بن شميذ رفيق الشماخ. وانظر الحيوان (3: 420).

([33]) في الأصل: "المغالي".

([34]) هذا اللفظ ومعناه مما لم يرد في المعاجم المتداولة.

([35]) كذا ورد عجز هذا البيت.

([36]) في الأصل: "خمسة أنصباء"، صوابه من اللسان والقاموس والميسر والقداح 85.

([37]) في اللسان (علا): "كهوي الدلو"، مع نسبته إلى عدي بن زيد.

([38]) ديوان جرير 88، يرثي به الفرزدق مع بيت بعده، هو:

هو الوافد المجبور والحامل الذي  *** إذا النعل يوماً بالعشيرة زلت

([39]) في الأصل: "لسفه".

([40]) البيت من أبيات في الحيوان (4: 391) ومجالس ثعلب 592 والأغاني (11: 150). وأنشده في الأزمنة والأمكنة (2: 159) وأشار إلى أنه عنى بالمائح من كان يميحه عند السلطان ويتسخرج له ما عنده ويعينه.

([41]) في الأصل: "من يعينه عليه".

([42]) سبق إنشاد البيت وتخريجه في (بلد).

([43]) في الأصل: "مصعود"، صوابه من الاشتقاق 285.

([44]) الربايا: جمع ربيئة، وهي الطليعة. في الأصل: "ريانانا"، تحريف.

([45]) جسأ: صلب. وفي الأصل: "جسأة"، تحريف.

([46]) ويقال أيضاً "علب" بفتح العين.

([47]) ويقال أيضاً فيه "علب" بالضم.

([48]) سبق الكلام على البيت وتخريجه في (عكب).

([49]) هي بالضم قدح من خشب، أو من جلود الإبل. وبالكسر: غصن عظيم تتخذ منه مقطرة.

([50]) بضم فسكون ففتح وبكسر فسكون ففتح. والضم أعلى، وهو واد معروف على طريق اليمن.

([51]) خرج وجهه: أي خرجت لحيته وظهرت.

([52]) الرجز في اللسان (علج).

([53]) في الأصل: "مضطراً".

([54]) ديوان سحيم 19-20 طبع دار الكتب، واللسان (علج).

([55]) غرض هنا، بمعنى قلق.

([56]) البيت مطلع قصيدة للشماخ في ديوانه 43. وعجزه بتمامه كما في الديوان:

* فذات الصفا فالمشرفات النواشز *

([57]) للمرار، كما في اللسان (علس). وبعده: * وعلق القوم أداوى بيسا *

([58]) ذكرت هذه الكلمة في القاموس ولم ترد في اللسان.

([59]) سبق الكلام على البيت ونسبته في (حشر)، وأنشده في المجمل أيضاً.

([60]) يصف جارية، كما في اللسان (عرب).

([61]) في الأصل: "الجاهل"، صوابه في المجمل واللسان والقاموس.

([62]) في الأصل: "لنفعلن بكذا أو لنشرقن بعلقة".

([63]) ديوان جرير 82.

([64]) ديوان الأعشى 141 واللسان والمجمل (رجع، علق). وقد سبق في (رجع).

([65]) ديوان الأعشى 43.

([66]) وكذا في المجمل. وفي اللسان: "في حواصل طير خضر".

([67]) في الأصل: "لحلق الشارب".

([68]) في الأصل: "الحلق".

([69]) ديوان أبي ذؤيب 26 واللسان (أزر) حيث أنشده شاهداً لتأنيث الإزار.

([70]) في الأصل: "تحت الأشجار"، صوابه من المجمل واللسان (علق) .

([71]) في الأصل: "ومعاليق للعنب ونحوه"، وصوبت العبارة مستضيئاً بما في اللسان، وفيه: "والأعاليق كالمعاليق كلاهما ما علق، ولا واحد للأعاليق".

([72]) في الأصل: "للجنب". وفي المجمل: "والعلاقة في الحب".

([73]) في اللسان: "العليق القضيم يعلق على الدابة".

([74]) أنشده في اللسان (علق)، وذكر أنه للبيد، وأن إنشاده مصنوع.

([75]) ومن الأمثال في ذلك ما أورده في المجمل: "ليس المتعلق كالمتأنق" وسيأتي قريباً.

([76]) المثل عند الميداني (2: 422). وأنشده في اللسان (علق).

([77]) أنشده في اللسان (سأب، دمس) والمخصص (11: 81).

([78]) انظر ما سيأتي في 131. ومثل العبارة في اللسان (علق 136). وأنشد:

* أخاف أن يعلقها ذو معلقه *

([79]) انظر المزهر (2: 532-536).

([80]) في الأصل: "لا العلوق"، صوابه من المجمل واللسان وديوان الأعشى. والبيت ملفق من بيتين في ديوانه 40 أحدهما:

هو الواهب المائة المصطفا  *** ة إما مخاضا وإما عشارا

والآخر:

بأجود منه بأدم الركاب *** لاط العلوق بهن احمرارا

كما أن البيت الأخير مقدم على سابقه.

([81]) ضبطت في اللسان ضبط قلم بفتح الميم، ولم تذكر في القاموس.

([82]) البيت لأفنون بن صريم التغلبي من أبيات في البيان والتبيين (1: 9-10) والمفضليات (2: 62) وخزانة الأدب (4: 456). وانظر أمالي الزجاجي 35 والقالي (2: 51) واللسان (علق، رأم). وفي "رئمان" أوجه ثلاثة: الرفع والنصب والجر.

([83]) تكملة البيت من إصلاح المنطق 368 واللسان (علق). حيث ورد البيت فيهما منسوبة للمفضل النكري. وهو من قصيدة أصمعية له في الأصمعيات 53-55 ليبسك. قال في اللسان: "يريد ثعلبة بن سيار، فغيره للضرورة".

([84]) يقال نشق الصيد في الحبالة: نشب وعلق فيها.

([85]) يقال: استطافه، أي طاف به.

([86]) في الأصل: "علق به"، وأثبت ما يقتضيه الاستشهاد.

([87]) ديوان ذي الرمة 46.

([88]) بدله في المجمل: "علاقة".

([89]) أنشده في المجمل واللسان (علق)، وإصلاح المنطق 381.

([90]) الرجز في اللسان (علق، رقم)، وإصلاح المنطق 381 وقد سبق في (رقم).

([91]) هذا تكرار لما سبق في ص 129.

([92]) البيت في اللسان (علق).

([93]) البيت في اللسان (علق) بدون نسبة. ونسبه سيبويه في كتابه (1: 120) إلى حميد بن ثور. وليس في ديوانه طبع دار الكتب.

([94]) سبق البيت وتخريجه في (صوم)، وأنشده أيضاً في اللسان (علك) .

([95]) في الأصل: "متن المضغ"، صوابه من الجمهرة (3: 136) واللسان (علك).

([96]) هذه العبارة وتفسيرها مما لم يرد في المعاجم المتداولة. وفي القاموس أن "العولك" لجلجة في اللسان.

 

ـ (باب العين والميم وما يثلثهما)

(عمن) العين والميم والنون ليس بأصل، وفيه عُمان: بلد. ويقولون أعْمَن، إذا أتى عُمَان. قال:

فإن تُتْهِمُوا أُنْجِد خلافاً عليكُم  *** وإن تُعمِنُوا مستحقِبي الشَّرِّ أُعرِقِ([1])

 

(عمه) العين والميم والهاء أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على حَيرة وقِلّة اهتداء. قال الخليل: عَمِهَ الرّجل يَعْمَهُ عَمَهاً، وذلك إذا تردَّد لا يدرِي أين يتوجَّه. قال الله: {وَيَذَرُهُم فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف 186]. قال يعقوب: ذهبت إبله العُمَّيْهَى([2]) ، مشدّدة الميم، إذا لم يدْر أين ذهبت.

(عمي) *العين والميم والحرف المعتل أصلٌ واحد يدلُّ على سَترٍ وتغطية. من ذلك العَمَى: ذَهاب البصر من العينين كلتيهما. والفعل منه عَمِي يَعْمَى عَمَىً. وربَّما قالوا اعمايَّ يعمايُّ([3]) اعمِيَاءً، مثل ادهَامّ. أخرجوه على لفظ الصحيح. رجلٌ أعمى وامرأة عمياء. ولا يقع هذا النعت على العين الواحدة. يقال عَمِيَتْ عيناه. في النساء عَمْيَاءُ وعَمْياوان وعمياوات. ورجل عَمٍ، إذا كان أعمى القلب؛ وقومٌ عمون. ويقولون في هذا المعنى: ما أعماه، ولا يقولون في عمى البصر ما أعماهُ؛ لأنّ ذلك نعتٌ ظاهر يُدْركُه البصر، ويقولون فيما خفي من النعوت ما أفعله. قال الخليل: لأنّه قبيحٌ أن تقول للمشارِ إليه: ما أعماه، والمخاطبُ قد شاركَكَ في معرفة عماه.

قال: والتَّعمِية: أن تعمِّيَ على إنسانٍ شيئاً فتَلْبِسَه عليه لَبْساً. وأمّا قولُ العجّاج([4]) :

* وبلدٍ عاميَةٍ أعماؤُهُ *

فإنّه جعل عَمىً اسماً ثم جمعه على الأعماء([5]) . ويقولون: "حبك الشَّيءَ يُعمِي ويُصِمّ". ويقولون: "الحبُّ أعمى". وربَّما قالوا: أعميت الرّجُلَ إذا وجدتَه أعمى. قال:

فأصممت عَمْراً وأعميتُه  *** عن الجُود والفَخْر يوم الفَخَارِ

وربما قالوا: العُمْيان([6]) للعَمَى، أخرجوه على مثال طُغيان. ومن الباب العُمِّيّة: الضلالة، وكذلك العِمِّيَّة. وفي الحديث: "إنّ الله تعالى قد أذهب عنكم عِمّيَّة الجاهليّة" قالوا: أراد الكِبْر. وقيل: فلانٌ في عَميْاء، إذا لم يدر وَجْهَ [الحقِّ وقتِيل عِمِّيَّا، أي لم يُدرَ من([7]) ] قتَلَه([8]) . والعَمَاية: الغَوَاية، وهي اللَّجاجة. ومن الباب العَمَاء([9]) : السَّحاب الكثيف المُطْبِق، والقِطعة منه عَمَاءة. وقال الكسائيّ: هو في عمايةٍ شديدةٍ وعَماءٍ، أي مُظلم.

وقال أهل اللغة: المَعَامِي من الأَرَضِينَ: الأغفالُ التي ليس بها أثرٌ من عمارة. ومنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأُكَيْدِر: "إِنَّ لنا المَعَاميَ وأغفال الأرض".

ومن الباب: العَمْي، على وزن رَمْي، وذلك دَفْع الأمواج القَذَى والزَّبَد في أعاليها. وهو القياس، لأنَّ ذلك يغطِّي وجهَ الماء. قال:

* لها زبدٌ يَعْمِي به الموجُ طامِيا([10]) *

والبعير إذا هَدَرَ عَمَى بلُغامِه على هامَتِه عَمْياً. قال:

* يَعْمِي بمثل الكُرْسُف المسَبَّخِ *

وتقول العرب. أتيتُه ظهراً صَكَّةَ عُمَيّ، إذا أتيتَه في الظَّهيرة. قال ابنُ الأعرابيّ: يُراد حِينَ يكاد الحر يُعمِي. وقال محمد بن يزيد المبرِّد: حين يأتي الظّبيُ كِناسَه فلا يُبصِر من الحرِّ. ويقال: العَماء: الغُبار. وينشد للمرّار:

تراها تدور بغِيرَانِها  *** ويَهجُمُها بارح ذو عَماءِ

(عمت) العين والميم والتاء أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على التباسِ الشيء والتوائه، ثم يشتقُّ منه ما أشبَهَه. قال الخليل: العَمْت: أن يَعْمِتَ الصُّوف فيلُفَّ بعضَه على بعضٍ مستطيلاً ومستديراً، كما يفعل الذي يَغزِل الصُّوف. يقال عَمَتَ يَعْمِت.

قال أبو عبيدة: العِمِّيت: الرَّجل الأعمى الجاهل بالأمور. وقال:

* كالخُرْس العماميت([11]) *

ويقولون: العِمِّيت: السَّكران([12]) . والعَمْتُ: أن يَضرِب ولا يُبالي مَن أصابه ضَرْبُه.

(عمج) العين والميم والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على التواءٍ واعوجاج. قال الخليل: التعمُّج: الاعوجاج في السَّير([13]) ، لا اعوجاجُ الطَّريق، كما يتعمَّج السّيل، إذا انقلَب بعضُه على بعض. ويقال: سهم عَمُوجٌ: يَلتوي في ذَهابه. قال الهذليّ:

كمَتْن الذِّئب لا نِكْسٌ قصيرٌ  *** فأُغْرِقَه ولا جَلْسٌ عَموجُ([14])

 

ويقال: تعمَّجت الحيّة، إذا تلوَّتْ في سَيرها. قال:

تُلاعِب مَثْنَى حَضْرميٍّ كأنّه  *** تَعمُّج شيطانٍ بذي خِروَعٍ قَفْرِ([15])

 

ويقال للحيَّةِ نفْسِه: العَمَج([16]) ، لأنه يتعمَّج. قال:

* يَتْبَعْنَ مثل العَمَجِ([17]) *

(عمد) العين والميم والدال أصلٌ كبير، فروعه كثيرة ترجع إلى معنىً، وهو الاستقامة([18]) في الشيء، منتصباً أو ممتدّاً، وكذلك في الرّأي وإرادةِ الشيء.

من ذلك عَمَدْتُ فلاناً وأنا أعْمِدُه عَمْداً، إذا قَصدتَ إليه. والعَمْد: نقيض الخطأ في القتل وغيره، وإنّما سمي* ذلك عمداً لاستواءِ إرادتك إيَّاه. قال الخليل: والعَمْد: أنْ تعمِد الشّيءَ بِعمادٍ يُمسكه ويَعتمِد عليه. قال ابن دُريد: عَمَدْت الشّيء: أسندتُه. والشَّيء الذي يسند إليه عِماد، وجمع العِماد عُمُد. ويقال عَمودٌ وعَمَد([19]) . والعَمود من خَشبٍ أو حديد، والجمع أعْمِدة؛ ويكون ذلك في عمد الخِبَاء. ويقال لأصحاب الأخبية الذين لا يَنْزلون غيرَها: هم أهل عَمُودٍ، وأهلُ عِمادٍ.

قال الخليل: وعَمود السِّنان: متوسّط من شَفْرَتيه من أصله، وهو الذي فيه خَطُّ العَيْر. ويقال لرِجْلَي الظَّليم: عمودان. وعَمُود الأمر: قِوَامه الذي لا يستقيم إلاَّ به. وعَميد القوم: سيِّدهم ومُعْتَمَدُهم الذي يعتمِدونه إذا حَزَبهم [أَمرٌ] فزِعوا إليه. وعَمود الأذن: مُعظَمها وقِوامها الذي ثبتت إليه. فأمّا قولُهم للمريض عَميد، فقال أهل اللغة: العَميد: الرجل المعمود، الذي لا يستطيع الجلوسَ من مرضه حتى يُعْمَد من جوانبه بالوسائد. قالوا: ومنه اشتُقَّ القَلب العميد، وهو المعمود المشعوف الذي هدّه العِشْق وكَسَرَه، وصار كالشيء عُمِدَ بِشيء. قال الأخطل:

بانت سُعادُ فنومُ العين تسهيدُ ***والقلب مكتئبٌ حرّانُ مَعْمودُ([20])

ويقال: عَميد، ومعمود، ومُعَمَّد([21]) . قال الخليل: العَمْد: أن تكابِد أمراً بِجِدٍّ ويقِين. تقول: فعلت ذلك عَمْداً وَعَمْدَ عينٍ، وَتعمَّدت لـه وفعلته مُعتمِداً، أي متعمِّداً.

ومن الباب: السَّنَام العَمَِدُ [عَمِدَ] يَعْمَد عَمَداً. وهذا محمولٌ على ما ذكرناه من قولهم: قلبٌ عميد ومعمود، وذلك السَّنامُ إذا كان ضَخْماً وارياً فحُمِل عليه فكُسِر([22]) ومات فيه شحمُه فلا يستوي أبداً –والواري: السمين – كما يَعْمَد الجُرحُ إذا عُصِر قبل أن تَنْضَج بيضتُه فيَرِمَ، وبعيرٌ عَمِدٌ، وناقةٌ عَمِدةٌ، وسَنامُها عَمِد.

فأمّا قوله تعالى: {في عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}  [الهمزة 9]، أي في شِبْه أخبيةٍ من نار ممدودة. وقال بعضهم:{في عَمَد} وقرئت {في عُمُد} وهو جمع عِماد.

وقال المبرّد: رجل مُعمَد، أي طويل. والعِماد: الطُّول. قال الله تعالى:{إرَمَ ذَاتِ العِماد} [الفجر 7]، أي ذات الطُّول. وفي الحديث([23]) : "هو رفيع العماد، طَويل النِّجَاد". قال أبو عبيد: عَمَدْتُ الشيء: أقمته، فهو معمود. وأعْمدته بالألف إعماداً، أي جعلت تحته عَمَداً. ومن الباب: العُمُدّ، الدال شديدة والعين والميم مضمومتان: الشابُّ الممتلئ شباباً. وهو العُمُدَّانيّ، والجمع العُمُدَّانيُّون. وامرأةٌ عمُدَّانيّة، أي ذات جسمٍ وعَبالة. ومن الباب العَمود: عِرق الكَبِد الذي يَسقيها. ويقال للوَتين: عَمود السَّحْر. قال: وعمود البطن: شِبْهُ عِرقٍ ممدود من لَدُن الرُّهابة إلى دُوَيْن السُّرَّة في وسطه يُشقُّ عن بطن الشاة. ويقولون أيضاً: إنَّ عمودا البَطْن: الظَّهر والصُّلب؛ وإنما قيل عَمودَا البطنِ لأنّ كل واحدٍ منهما معتمِد على الآخر.

ومن الباب: ثرَىً عَمِدٌ، وذلك إذا بلّته الأمطار. قال:

وهل أَحْطِبَنَّ القومَ وهي عرِيّةٌ *** أُصولَ أَلاَءٍ في ثَرَىً عَمِدٍ جَعْدِ([24])

قال أبو زيد: عَمِدَت الأرض عَمَداً، أي رسخ فيها المطر إلى الثَّرَى حتى إذا قبضْتَ عليه تعقَّدَ في كفِّكَ وجَعُد. ويقولون: الزمْ عُمْدَتَك، أي قَصْدَك.

قد مضى هذا الباب على استقامةٍ في أصوله وفروعه، وبقيت كلمةٌ، أما نحن فلا ندري ما معناها، ومن أي شيء مأخذها، وفيما أحسب إنّها من الكلام الذي دَرَجَ بذَهاب مَن كان يحسِنُه، وذلك قولهم: إنَّ أبا جهل لما صُرِعَ قال([25]) : "أعْمَدُ من سيّدٍ قتله قومُه"، والحديث مشهور. فأما معناه فقالوا: أراد: هل زادَ على سيِّدٍ قتله قومُه([26]) ؟ ومعلومٌ أن هذه اللفظة لا تدلُّ على التفسير ولا تقاربه، فلستُ أدري كيف هي. وأنشدوا لابن مَيّادة([27]) :

وأَعْمَدُ من قومٍ كفاهم أخوهمُ  *** صِدَامَ الأعادِي حين فُلَّتْ نُيُوبُها

قالوا: معناه هل زِدْنا على أنْ كفَيْنا إخوتَنا([28]) . فهذا ما قيل في ذلك. وحُكي عن النَّضْر أنّ معناها أعجَبُ من سيّدٍ قتله قومُه. قال: والعرب تقول: أنا أعمَدُ من كذا، أي أعجب منه. وهذا أبعد من الأوَّل. والله أعلم كيف هو.

(عمر) العين والميم والراء أصلان صحيحان، أحدهما يدلُّ على بقاءٍ وامتداد زمان، والآخر على شيءٍ يعلو، من صوتٍ أو غيره.

فالأوّل العُمْر وهو الحياة، وهو العَمْر أيضاً. وقول العرب: لعَمْرك، يحلف بعَُمْره أي حياته. فأمّا قولهم: عَمْرَك الله، فمعناه أُعَمّرك اللهَ أن تفعل كذا، أي أُذكِّركَ اللهَ، تحلِّفه بالله وتسأله طولَ عمره.*ويقال: عَمِرَ الناسُ: طالت أعمارُهم. وَعَمَّرَهم الله جلّ ثناؤُه تعميراً.

ومن الباب عِمارة الأرض، يقال عَمَرَ الناسُ الأرضَ عِمارةً، وهم يَعْمُرُونها، وهي عامرة معمورةٌ. وقولهم: عامرة، محمولٌ على عَمَرتِ الأرضُ، والمعمورة من عُمِرت. والاسم والمصدر العُمْران: واستَعمر الله تعالى الناسَ في الأرض ليعمرُوها. والباب كلُّه يؤول إلى هذا.

وأمّا الآخر فالعَوْمَرة: الصِّياح والجلَبة. ويقال: اعتَمَرَ الرّجُل، إذا أهَلَّ بعُمرته، وذلك رفْعُه صوتَه بالتَّلبية للعُمرة. فأمّا قول ابن أحمر:

يُهلُّ بالفَرقد رُكبانُها *** كما يُهلُّ الراكب المُعْتَمِرْ([29])

فقال قوم: هو الذي ذكرناه من رَفْع الصَّوت عند الإهلال بالعمرة. وقال قوم: المعتمِر: المعتمّ. وأيُّ ذلك كان فهو من العلوِّ والارتفاع على ما ذكرنا.

قال أهلُ اللغة: والعَمَار: كلُّ شيء جعلتَه على رأسك، من عِمامةٍ، أو قَلَنْسُوة أو إكليل أو تاجٍ، أو غير ذلك، كلُّه عَمار. قال الأعشى:

فلما أتانا بُعيدَ الكرَى *** سجَدْنا لـه ورفَعْنَا عَمارا([30])

وقال قوم: العَمار يكون من رَيحَان أيضاً. قال ابنُ السِّكِّيت: العَمَار: التَّحيَّة. يقال عمَّرك الله، أي حيّاك. ويجوز أن يكون هذا لرفع الصوت. وممكن أن يكون الحيُّ العظيم يسمى عمارة لما يكون ذلك من جلبة وصياح. قال:

لكل أناسٍ من مَعَدّ عِمَارَةٌٍ *** عُرُوضٌ إليها يلجؤون وجانبُ([31])

ومما شذَّ عن هذين الأصلين: العَمْر: ضربٌ من النَّخل. وكان فلانٌ يستاك بعراجين العمْر. وربما قالوا العُمر([32]) .

ومن هذا أيضاً العَمْر: ما بدأ من اللِّثة، وهي العُمور. ومنه اشتُق اسم عمرو.

(عمس) العين والميم والسين أصلٌ صحيح يدلُّ على شدّة في اشتباهٍ والتواءٍ في الأمر.

قال الخليل: العَماسُ: الحرب الشديدة. وكلُّ أمرٍ لا يُقام لـه ولا يُهتدَى لوجهه فهو عَمَاسٌ. ويوم عَمَاسٌ مِن أيَّام عُمُس. قال العجّاج:

في مرِّ أيَّامٍ مضَيْنَ عُمْسِ([33])

ونَزلُوا بالسَّهل بعد الشَّأْس([34])

ولقد عُمِسَ يومُنا عَمَاسَةً وعُموسة. قال العجاج:

* إذْ لَقِحَ اليومُ العَماسُ واقمطرّْ([35]) *

قال أبو عمرو: أتانا بأمور مُعَمَّسَاتٍ وَمُعَمِّسَاتٍ، أي ملتويات. ورجُلٌ

عَمُوسٌ: يتعسَّف الأشياء كالجاهل بها. قال الخليل: تعامَسْتُ عن الشيء، إذا أريت([36]) كأنك لا تعرفُه وأنت عالمٌ به وبمكانه. وتقول: اعمِسْه، أي لا تبيِّنْه حتى يشتبه. ويقال: اعْمِس الأمر، أي أَخْفِه. ومن الباب العَمَاس، وهي الداهية. قال ابن الأعرابيّ: التَّعامُس: أن تركبَ رأسَك فتَغْشِم وتَغَطْرَس. قال المخبل:

* تعامس حتَّى تحسب الناسُ أنّها *

قال الفراء: عَمَس الخَبَرُ: أظلم. وأعْمَس الطّريقُ: التبس. وعَمِس([37]) الكتابُ: درس. قال المرّار:

فوقَفتَ تعترِف الصَّحيفةَ بعدما  *** عَمِس الكتابُ وقد يُرى لم يَعْمَسِ

(عمش) العين والميم والشين كلمتانِ صحيحتان، متباينتان جدَّاً. فالأولى ضعفٌ في البصر، والأخرى صلاحٌ للجسم. فالأوّل العَمَش: ألاَّ تزالُ العينُ تسيل دمعاً، ولا يكاد الأعمش يُبصِر بها، والمرأةُ عَمْشاء، والفعل عَمِشَ يَعْمَشُ عَمَشاً.

والكلمةُ الأخرى: العَمْش، بسكون الميم: ما يكون فيه صلاحُ البدن. ويقولون: الخِتَانُ عَمْش الغُلام؛ لأنّك ترى* فيه بعد ذلك زيادةً. وهذا طعام عَمْشٌ لك، أي صالح مُوافق.

(عمص) وأما العين والميم والصاد فليس فيه ما يصلح أن يذكر.

(عمق) العين والميم والقاف أصلٌ ذكره ابنُ الأعرابيّ، قال: العُمْقُ إذا كان صفةً للطريق فهو البعد، وإذا كان صفةً للبئر فهو طول جِرابِها.

قال الخليل: بئرٌ عميقة، إذا بعُد قعرُها وأعْمَقَها حافرُها. ويقولون ما أبعَدَ عماقَةَ هذه الرّكيّة([38]) ، أي ما أبعدَ قعرها.

ومن الباب: تعمَّق الرّجلُ في كلامه، إذا تنطَّع. وذكر ابنُ الأعرابي عن بعضِ فُصحاء العرب: رأيت خَليقة فما رأيتُ أعمق منها. قال: والخليقة: البئر الحديثة الحفرِ.

والذي بَقي في الباب بعدما ذكرناه أسماء الأماكن، أو نباتٌ. وقد قلنا: إنَّ ذلك لا يكاد يجيء على قياسٍ، إلاّ أنَّا نذكرُه. فعَمْق: أرضٌ لمزينة. قال ساعدة:

[لمّا رأى عَمْقاً ورجَّع عُرضَه  *** هَدْراً كما هدَر الفنيق المعصبُ([39])

 

والعِمْقى: موضع. قال أبو ذؤيب]:

لمّا ذكرتُ أخا العِمْقى تأوَّبَني  *** هَمٌّ وأفْرَدَ ظهري الأغلبُ الشِّيحُ([40])

والعِمْقَى من النّبات مقصور. قال يونس: جملٌ عامق، إذا كان يَرعى العِمْقَى. ويقال: أُعَامِقُ: اسمُ موضعٍ. قال الأخطل:

وقد كان منها منزلاً نستلذُّه *** أُعامِقُ بَرْقاواته فأجاولـه([41])

(عمل) العين والميم واللام أصلٌ واحدٌ صحيح، وهو عامٌّ في كلّ فِعْلٍ يُفْعَل.

قال الخليل: عَمِل يَعْمَل عَمَلاً، فهو عامل؛ واعتمل الرّجل، إذا عمِل بنفسه. قال:

إنّ الكريم وأبيكَ يَعتَمِلْ  *** إن لم يَجِد يوماً على مَن يتَّكِلْ([42])

 

والعمالة([43]) : أجر ما عُمِل. والمعاملة: مصدرٌ من قولك عاملته، وأنا أُعامِله معاملةً. والعَمَلَة: القوم يعملون بأيديهم ضُروباً من العمل، حفراً، أو طيَّاً أو نحوه. ومن الباب: عامِلُ الرُّمحِ وعامِلَتُه، وهو ما دون الثَّعلب قليلاً مما يلي السِّنان، وهو صدره. قال:

أطْعَن النَّجْلاءَ يَعوِي كَلْمُها  *** عامِلُ الثَّعلبِ فيها مَرْجَحِنّْ

قال: والرّجل يعتمل لنفسِه، ويعمل لقَومٍ، ويستعمل غيره، ويُعْمِل رأيَه أو كلامه أو رُمْحه. والبنّاء يستعمل اللّبِن، إذا بَنى به. قال: واليَعْمَلة من الإبل: اسمٌ لها اشتُقَّ من العَمَل، والجمع يَعْمَلات. ولا يقال ذلك إلاَّ للأُنثى، وقد يجوز اليَعَامِل. قال ذو الرُّمّة([44]) أو غيرُه:

واليَعْمَلات على الوجى  *** يَقطعن بيداً بعد بيدِ

والله أعلم.

ـــــــــــــــ

([1]) البيت للممزق العبدي من قصيدة لـه في الأصمعيات 47-48 ليبسك. وأنشده في اللسان (عمق، تهم). وقد سبق في (تهم).

([2]) ويقال أيضاً "العُمَّهى".

([3]) كذا في الأصل، واللغة الغالبة فيه بتخفيف الياء فيهما. وفي القاموس: "وقد تشدد الياء".

([4]) كذا، والصواب أنه رؤبة، كما في اللسان (عمي). والبيت مطلع أرجوزة له في أول ديوانه. وبعده:

* كأن لون أرضه سماؤه *

([5]) في الأصل: "فإنه جمل عمي اسما ثم جعله على الأعماء".

([6]) هذه الكلمة مما لم يرد في المعاجم المتداولة.

([7]) التكملة بما اقترحته ليلتئم الكلام، اعتماداً على ما ورد في اللسان.

([8]) في الأصل: "قبله".

([9]) في الأصل: "ومن الباب العماية والعماء".

([10]) رواية هذا العجز في اللسان (عمي):

* رها زَبداً يعمي به الموج طاميا *

([11]) هذه القطعة في المجمل واللسان (عمت).

([12]) ذكر هذا المعنى في القاموس، ولم يذكر في اللسان.

([13]) في الأصل: "في السر"، تحريف.

([14]) البيت لأبي قلابة الهذلي، كما في بقية أشعار الهذليين ص 16. وأنشده في اللسان (جلس) منسوباً إلى الهذلي. وروايته في البقية:

كما ألقى البراثن وسط ضحل  *** من الرنقاء غرنيق عموج

([15]) نسب لطرفة، كما في الحيوان (4: 133). وانظر ما سبق من تخريجه في (شطن).

([16]) يقال بالتحريك، وبضم فميم مشددة مفتوحة.

([17]) كذا ضبط في الأصل والمجمل. وإنشاده في اللسان (عمج):

* يتبعن مثل العُمَّج المنسوس *

وأنشده كذلك في المجمل، لكن بفتح العين والميم.

([18]) في الأصل: "الاستفهامة".

([19]) كذا ضبطت الكلمتان في الأصل. والمعروف أن "العمد" بضمتين جمع للعماد والعمود، وأن "العمد" بالتحريك: اسم جمع لهما.

([20]) ديوان الأخطل 146، مطلع قصيدة يمدح بها يزيد بن معاوية. وروايته في الديوان:

بانت سعاد ففي العينين تسهيد  *** واستحقبت لبه فالقلب معمود

([21]) وكذا وردت هذه الكلمة في القاموس، ولم تذكر في اللسان.

([22]) في الأصل: "فكسره".

([23]) هو حديث أم زرع. انظر المزهر (2: 532).

([24]) نسب في اللسان (حطب) إلى ذي الرمة، وليس في ديوانه. وأورده ناشره في ملحقاته ص 28، وورد في المخصص (11: 22) بدون نسبة.

([25]) في اللسان: "وفي حديث ابن مسعود أنه أتى أبا جهل يوم بدر وهو صريع، فوضع رجله على مذمره ليجهز عليه، فقال لـه أبو جهل: "أعمد من سيد قتله قومه". والحديث ورد في المجمل كما في المقاييس.

([26]) في الأصل: "قوم"، صوابه من اللسان.

([27]) وكذا في اللسان، ثم قال: ونسبه الأزهري لابن مقبل".

([28]) في الأصل: "إخواننا"، وصوابه في اللسان.

([29]) البيت في الحيوان (2: 25) واللسان (ركب، عمر، هلل). وقد نسب في هذه المواضع إلى ابن أحمر، إلا في مادة (هلل) من اللسان، ففيها: "وقال الراجز"، صواب هذه: "وقال ابن أحمر".

([30]) وكذا في ديوان الأعشى 39. وفي المجمل واللسان (عمر) وفقه اللغة 16 وجمهرة ابن دريد  (2: 387) : "العمارا".

([31]) البيت للأخنس بن شهاب التغلبي من قصيدة في المفضليات (2: 3-8). وأنشده في اللسان (عمر،  عرض) .

([32]) يقال بالفتح، وبضمة، وبضمتين. ويقال أيضاً: "العمري" بفتح العين.

([33]) وكذا في اللسان (عمس). والصواب أنه بعد أبيات كثيرة تلي البيت التالي، وبينهما 18 بيتاً. والبيت الذي قبله هو: * ليوث هيجا لم ترم بأبس *

([34]) في اللسان (عمس) وملحقات ديوان العجاج 87: "ومر أيام". وسكن الميم للوزن.

([35]) في الأصل: "إذا لقح"، صوابه من ديوان العجاج 18.

([36]) في الأصل: "رويت" صوابه من اللسان.

([37]) كذا ضبط في الأصل بكسر الميم، وهو ضبط ابن القطاع في كتابه الأفعال (2: 373)، ونبه عليه شارح القاموس. وضبط في المجمل واللسان والقاموس بفتح الميم.

([38]) العماقة، ذكرت في القاموس ولم تذكر في اللسان.

([39]) ديوان الهذليين (1: 173)، واللسان (عمق)، وإيراد هذا الشاهد ضروري لصحة الكلام. وباقي التكملة بعده يقتضيها كذلك صحة الاستشهاد التالي. وقدا استأنست في رتق هذا الفتق بما ورد في اللسان.

([40]) ديوان الهذليين (1: 105)، واللسان (عمق).

([41])البيت بدون نسبة في المجمل واللسان (عمق). وهو في ديوان الأخطل 59. ورواية اللسان والمجمل: "كان منا" وفي الأصل:"منزل"، صوابه في المراجع المذكورة.

([42]) بعده كما في اللسان (عمل) نقلاً عن سيبويه (1: 443):

* فيكتسي من بعدها ويكتحل *

([43]) هي مثلثة العين.

([44]) البيت التالي لم يرد في ديوان ذي الرّمة، كما لم يرد في ملحقاته.

 

ـ (باب العين والنون وما يثلثهما([1]))

(عني) العين والنون والحرف المعتل أصولٌ ثلاثة: الأوّل القَصْد للشيء بانكماشٍ فيه وحِرْصٍ عليه، والثاني دالٌّ على خُضوع وذُلّ، والثالث ظهورُ شيء وبروزُه.

فالأوّل منه([2]) عُنِيت بالأمر وبالحاجة. قال ابن الأعرابيّ: عَنِي بحاجتي وعُنِي- وغيره قال أيضاً ذلك. ويقال مثل ذلك: تعنّيت أيضاً، كل ذلك يقال –عِنايةً وعُنِياً فأنا مَعْنيّ به وعَنٍ به. قال الأصمعيّ: لا يقال عَنِيَ. قال الفرّاء: رجل عانٍ بأمري، أي مَعْنِيّ به. وأنشد:

عانٍ بِقصْوَاها طويلُ الشُّغْلِ *** له جَفيرانِ وأيُّ نَبْلِ([3])

ومن الباب: عَناني هذا الأمر يَعنينِي عِنايةً، وأنا معنِيٌّ [به] واعتنيت به وبأمره.

والأصل الثاني قولهم: عَنَا يَعنو، إذا خضَع. والأسيرُ عانٍ. قال أبو عمرو: أَعْنِ هذا الأسير([4]) ، أي دَعْه حتَّى ييبَس القِدّ عليه. قال زهير:

ولولا أن ينالَ أبا طَرِيفٍ *** إسارٌ من مَليكٍ أو عَنَاءُ([5])

قال الخليل: العُنُوّ والعَناء: مصدرٌ للعاني. يقال عانٍ أقرَّ بالعُنُوّ، وهو الأسير. والعاني: الخاضع المتذلّل. قال الله تعالى:{وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَيِّ القَيُّومِ} [طه 111] . وهي تَعنُو عُنوّاً. ويقال للأسير: عنا يعنو. قال:

* ولا يقال طَوَالَ الدَّهرِ عانيها *

وربّما قالوا: أَعْنُوه، أي ألقوه في الإسار. وكانت تلبية أهلِ اليمن في الجاهلية هذا:

جاءت إليك عانيه *** عبادُك اليمانِيَهْ

كيما تحجّ الثَانيهْ  *** على قِلاصٍ ناجِيَه

ويقولون: العاني: العبد. والعانية: الأمَة. قال أبو عمرو: وأعنيته* إذا جعلتَه مملوكاً. وهو عانٍ بَيِّن العَناء. والعَنوة: القَهر. يقال أخذناها عَنْوة، أي قهراً بالسيف. ويقال: جئت إليك عانياً، أي خاضعاً. ويقولون([6]) : العَنوة: الطاعة. قال:

* هلَ أنتَ مُطيعِي أيُّها القلبُ عَنوةً *

والعناء معروف، وهو من هذا. قال الشيبانيُّ: رُبَّتْ عَنْوةٍ لك من هذا الأمر، أي عناء. قال القطاميّ:

وَنأتْ بحاجتنا ورُبَّتَ عَنوةٍ *** لك من مواعدها التي لم تَصدُقِ([7])

قالوا: وتقول العرب: عَنَوْتُ عند فلانٍ عُنُوّاً، إذا كنتَ أسيراً عنده. ويقولون في الدعاء على الأسير: لا فَكَّ الله عُنْوَته! بالضم، أي إساره.

ومن هذا الباب، وهو عندنا قياسٌ صحيح: العَنِيَّة، وذلك أنها تُعنِّي كأنّها تُذِلّ وتَقْهَر وتشتدُّ على من طُلِيَ بها. والعَنِيَّة: أبوال الإبل تَخْثُر، وذلك إذا وُضعت في الشَّمس. ويقولون: بَل العَنِيّة بولٌ يُعْقَد بالبَعْر. قال أوس:

كأنّ كُحَيلاً مُعْقَداً أو عَنيَّةً *** على رَجْع ذفراها من اللِّيث واكفُ([8])

قال أبو عبيد من أمثال العرب: "عَنِيَّةٌ تَشِفي الجَرَب([9]) "، يضرب مثلاً لمن يُتداوَى بعقله ورأيه([10]) ، كما تُداوَى الإبل الجَرْبَى بالعنيَّة. قال بعضهم: عَنَّيت البعير، أي طليتُه بالعَنِيّة. وأنشد:

على كلِّ حرباء رعيل كأنّه *** حَمُولةُ طالٍ بالعَنيَّة ممهلِ([11])

والأصل الثالث: عُنْيان الكِتاب، وعُنوانه، وعُنْيانه. وتفسيره عندنا أنّه البارز منه إذا خُتم. ومن هذا الباب مَعنى الشَّيء. ولم يزد الخليل على أنْ قال: معنى كلِّ شيء: مِحْنَتُه وحاله التي يَصِير إليها أمره([12]) .

قال ابنُ الأعرابيّ: يقال ما أعرِف معناه ومَعناته. والذي يدلُّ عليه قياسُ اللُّغة أنَّ المعنى هو القَصْد الذي يَبرُز ويَظهر في الشَّيْء إذا بُحث عنه. يقال: هذا مَعنَى الكلامِ ومعنى الشِّعر، أي الذي يبرز من مكنون ما تضمَّنه اللَّفظ. والدَّليل على القياس قول العرب: لم تَعْنِ هذه الأرضُ شيئاً ولم تَعْنُ أيضاً، وذلك إذا لم تُنبت، فكأنَّها إذ كانت كذا فإنّها لم تُفِد شيئاً ولم تُبْرِز خيراً. ومما يصحِّحه قولُ القائل([13]) :

ولم يَبقَ بالخلصاء مِمّا عَنَتْ به  *** من البَقْل إلاَّ يُبْسُها وهَجيرُها

ومما يصحِّحه أيضاً قولهم: عَنَتِ القِرْبةُ تَعنُو، وذلك إذا سال ماؤها. قال المتنخِّل:

* تعنو بِمَخْرُوتٍ([14]) *

قال الخليل: عنوانُ الكتابِ يقال منه: عَنَّيْت الكتاب، وعنَّنْته، وعَنْوَنته. قال: وهو فيما ذَكَروا مشتقٌّ من المعنَى. قال غيره: مَن جعل العنوان من المعنى قال: عَنَّيت بالياء في الأصل. وعُنوانٌ تقديرهُ فُعْوَال. وقولك عَنْونْت فهو فَعْولْت. قال الشَّيباني: يقال ما عَنَا من فلانٍ خيرٌ، وما يعنو من عملك هذا خيرٌ عَنْواً.

(عنب) العين والنون والباب أُصَيلٌ يدلُّ على ثمرٍ معروف، وكلمةٍ غير ذلك.

فالثَّمر العِنَب، واحدته عِنَبة. ويقولون: ليس في كلامهم فِعَلة إلاّ عِنَبة. وربمَّا قالوا للعِنَب العِنَباء. قال:

* العِنَباء المتَنَقّى والتِّينْ ([15]) *

وربَّما جمعوا العنب على الأعناب. ويقال رجل عانِبٌ، أي كثير العنب، كما يقال تامرٌ ولابنٌ.

والكلمة الأخرى: العَنَبان، على وزن فَعَلان: الوَعِل الطَّويل القرون. قال:

* يشدُّ شدّ العَنَبانِ البارِحِ *

ويقال للظَّبْي النَّشيط: العَنَبان، ولا يُبنَى منه فِعْل.

(عنت) العين والنون والتاء أصلٌ صحيح يدلُّ على مَشَقّة وما أشبَهَ ذلك، ولا يدلُّ على صحّة ولا سهولة.

قال الخليل: العَنَت: المشقّة تدخلُ على اللسان. تقول عَنِتَ فلان، أي لِقيَ عَنَتاً، يعني مشقّة. وأعْنَتَه فلانٌ إعناتاً، إذا أدخل عليه عَنَتاً. وتَعَنَّته تَعَنُّتاً، إذا سأله عن شيء أراد به اللَّبْسَ عليه والمشقّة.

قال ابن دريد([16]) : العَنَت: العَسْف والحمل على المكروه. أعْنَتَه يُعْنته إعناتاً.

ويُحمَل على هذا ويقاسُ عليه([17]) ، فيقال للآثِم: عَنِت عَنَتاً، إذا اكتسب مأثماً. قال الفَرّاء في قولـه تعالى: {ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء 25]، أي يرخّص لكم في تزويج الإماء إذا خافَ أحدُكم أن يَفجُر. قال الزّجَّاج: العَنَت في اللغة: المَشَقّة الشديدة. يقال أكَمَةٌ عَنوتٌ، أي شاقّة. قال المبرِّد: العَنَت هاهنا: الهلاك: وقال غيره: معناه ذلك لمن خاف أن تحمله الشَّهْوَةُ على الزِّنَى، فيلقى الإثمَ العظيمَ في الآخرة.

(عنج) العين والنون والجيم أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على جَذْبِ شيء بشيء يمتدّ، كحبلٍ وما أشبهه. قال الخليل: العِنَاح: سَيْر أو خيط يُشدُّ في أسفل الدّلو، ثمَّ يشَدُّ في عُروتها. وكلُّ شيء لـه ذلك فهو عِنَاج. فإذا انقطع الحبلُ أمسك العِناجُ الدَّلوَ أن تقع في البئر. قال: [وكلُّ] شيء تجذبه إليك فقد عَنَجتَه. قال:

قومٌ إذا عقَدوا عَقداً لجارهم *** شدوا العِنَاج وشدُّوا فوقه الكَرَبا([18])

وقال آخر:

وبعضُ القولِ ليس له عِناجٌ *** كسَيلِ الماء ليس لـه إتاءُ([19])

الإتاء: المادّة. وجمع العِناج عُنُج، وثلاثةُ أعنِجة. والرجل يَعْنُِج إليه رأسَ بعيره، أي يجذِبُه بخِطامه. ويقال: إنّ العِناج إنّما يكون في عُرَى الدَّلو، ولا يكون في أسفلها. وأنشد:

لها عِناجانِ وسِتُّ آذانْ([20])  *** واسعةُ الفَرْغ أديمان اثنانْ

قال ابنُ الأعرابيّ: عَنَجْت الدّلو وأعْنَجْتُها. قال أبو زيد: العَنْج: جذبُك رأسَها وأنت راكبُها. يعني النّاقة. قال أبو عُبيدة: من أمثالهم في الذي لا يَقبل الرّياضة: "عَوْدٌ يُعَلّم العَنْج". وأما الذي ذكرناه من قوله:

* وبعض القول ليس له عِناجٌ *

فقال أبو عمرو بن العلاء: العِناج في القول: أن يكون [له] حصاةٌ فيتكلّم بعلمٍ ونَظر، وإذا لم يكن لـه عِناج خرجَ منه ما لا يريد صاحبُه. ومعنى هذا الكلام ألاَّ يكون لكلامه خِطام ولا زِمام، فهو يذهب بحيث لا معنى لـه. وتقول العرب: عِناج أمْرِ فلان، أي مَقَاده ومِلاك أمره. وأمّا العُنجوج فالرَّائِع من الخيل، والجمع عناجيج. قال الشّاعر:

نحنُ صَبَحْنا عامراً وعَبْسا *** جُرْداً عناجيجَ سبقْن الشَّمْسا([21])

فمحتملٌ أن يكون اسماً موضوعاً من غير قياس كسائر ما يشذُّ عن الأصول، ومحتمل أن يكون سمِّي بذلك لطوله أو طول عنقِه، فقياسٌ بالحبل الطويل.

قال أبو عبيدة: العُنجوج من الخيل: الطويل العُنق، والأنثى عنجوجة. ومما يؤيِّد هذا التَّأويلَ قولهم: استقام عُنْجُوج القومِ، أي سَنَنُهم. فهذا يصحِّح ذاك؛ لأن السَّنَن يمتدُّ أيضاً.

وممَّا حُمِل على هذا تشبيهاً قولُهم: عناجيج الشَّباب، وهي أسبابه. قال ابن أحمر:

* ومضَتْ عناجيجُ الشَّباب الأغْيَدِ *

ويقولون: رجل مِعْنَج، إذا تعرَّض في الأمور، كأنّه أبداً يمدُّ بسبب منها فيتعلَّق به.

(عند) العين والنون والدال أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على مجاوزةٍ وتركِ طريق الاستقامة. قال الخليل: عَنَد الرّجل، وهو عانِدٌ، يَعْنُد عُنودَاً، إذا عَتا وطَغى وجاوَزَ قَدْرَه. ومنه المعانَدة، وهي أن يعرف الرّجُل الشيءَ، ويأبى أن يقبله. يقال: عَنَدَ فلانٌ عن الأمر، إذا حادَ عنه. والعَنُود من الإِبل: الذي لا يخالط الإبل، إنما هو في ناحية. قال:

وصاحبٍ ذي رِيبةٍ عَنُودِ  *** بَلّدَ عني أسوأ التبليدِ

ويقال: رجلٌ عنودٌ، إذا كان وحدَه لا يُخالِط الناس. وأنشد:

ومولى عَنودٍ ألحقته جريرةٌ  *** وقد تُلْحِق المولى العَنودَ الجرائرُ([22])

 

قال: وأمّا العَنيد، فهو من التجبُّر، لذلك خالفوا بين العَنيد، والعَنود، والعاند. ويقال للجبّار العَنيدِ: لقد عَنَد عَنْداً وعُنُوداً.

قال الخليل: العِرق العاند: الذي يتفجَّر منه الدّمُ فلا يكاد يَرقَأ. تقول: عَنِد عِرقُه.

قال ابن دُريد([23]) : طريقٌ عاند، أي مائل. وناقة عَنودٌ، إذا تنكّبت الطّريقَ مِن نشاطها وقوّتها. قال الراجز:

إذا ركبتمْ فاجعَلوني وَسَطا *** إنِّي كبيرٌ لا أُطيق العُنَّدَا([24])

ما عنه عُنْدَُدٌ([25]) : أي ما منه بدّ، فهذا من الباب. تفسير ما عنه عَنْدَُد، أي ما عنه مَيل ولا حَيدُودة. قال جندل:

ما الموتُ إلاّ مَنْهل مُستَوْرَدُ  *** لا تأمَننْه ليس عنه عُنْدَُدُ

ويقال: *أعْنَدَ في قَيئِه، إذا لم ينقطع. قال يعقوب: عِرْقٌ عاند قد عَنَدَ يَعْنُد دمُه، أي بأخذ في شِقّ. قال:

وأيُّ شيء لا يحبُّ ولدَهُ *** حتى الحبارى ويَدُفُّ عَنَدَه([26])

أي ناحية منه يُراعيه. ويقال: استَعْنَدَ البعيرُ، إذا غَلَب قائدَه على الزِّمام فجرّه. ومن الباب مثلٌ من أمثالهم: "إنَّ تحت طِرِّيقَتِهِ لعِنْدَأْوَةً". الطِّرِّيقة: اللِّين. يقال: إن تحت ذلك اللِّين لعظمةً وتجاوُزاً وتعدِّياً.

فأمّا قولُهم: زيدٌ عِنْدَ عمرو، فليس ببعيدٍ أن يكون من هذا القياس، كأنَّه قد مال عن الناسِ كلِّهم إليه حتى قرُبَ منه ولزِقَ به.

(عنـز) العين والنون والزاء أصلانِ صحيحان: أحدهما يدلُّ على تنحّ وتعزُّل، والآخر جنسٌ من الحيوان.

فالأول: قولهم: اعتنَز فلانٌ، أي تنحَّى وترك النّاحيةَ اعتنازاً. ويقال: مالي عنه مُعْتَنَزٌ، أي مُعتَزَل، وأنشدوا:

كأنِّي سهيلٌ واعتنازُ محلِّه  *** تعرُّضُه في الأفق ثم يجورُ

والأصل الآخر العَنْز: الأنثى من المِعْزى ومن الأوعال والظِّباء. ويقال للأنثى من أولاد الظباء عَنْز، وثلاثُ أعنُز، والجمع عِنَازٌ. قال أبو حاتم: لم أسمع في الغَنَم إلاّ ثلاث أعنُز، ولم أسمع العِنَازَ إلاّ في الظباء. ويقولون: العَنْز: ضربٌ من السمك. وربما قالوا للأنثى من العِقبان عَنْز. قال بعضهم: العَنْز: العُقاب. وكلُّ ذلك مِمَّا حُمِل على العَنْز من الغنم.

ومما شذَّ عن هذا الباب وعن الأوَّل: العَنَزة، كهيئة العَصا. وبه سمِّيَ عَنَزَة من العرب.

ومن الباب الأوَّل قولهم مُعَنَّز الوجه، إذا كان خفيفَ لحمِ الوجه. وهذا كأنه مشبَّه بالعَنْز من الغنم. ومن الأماكن عُنَيزةُ، وهي أرضٌ. قال مهلهل:

كأنَّا غُدْوةً وبني أبِينا *** بجنب عُنَيزةٍ رَحَيَا مُديرِ([27])

(عنس) العين والنون والسين أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على شدّةٍ في شيء وقوَّة. قال الخليل: العَنْس: اسمٌ من أسماء الناقة، يقال إنما سميت عنساً إذا تمّت سنُّها، واشتدَّت قوَّتُها ووَفُرت عظامُها وأعضاؤها؛ واعنونَسَ ذنَبُها؛ واعنيناسُه: وفور هُلْبِه وطُوله. قال الطرِمَّاح يصف الثَّوْر:

يمسح الأرض بمُعْنَوْنِسٍ *** مثل مئلاة النِّياحِ القيامْ ([28])

وقال العجّاج:

كم قد حَسَرْنا من عَلاةٍ عَنْس *** كَبْدَاءَ كالقوس وأُخرى جَلْسِ([29])

ومن الباب: عَنسَت المرأة، وهي تَعْنُسُ عُنوساً، إذا صارت نَصَفاً وهي بعدُ بِكرٌ لم تَزَوَّجْ. وعَنَّسها أهلُها تعنيساً، إذا حبسوها عن الأزواج حتى جازت فَتَاءَ السّنّ، ولم تُعَجِّز بعدُ. وهذا قياسٌ صحيح، لأنَّ ذلك حين اشتدادها وقوّتها. ويقال امرأة معنَّسة، والجمع مَعانس ومُعَنَّسات، وهي عانِس والجمع عوانس. وأنشد:

وعِيطٍ كأسرابِ القطا قد تشوّفت *** معاصيرُها والعاتقات العوانسُ([30])

وجمع عانسٍ عُنَّس. قال:

* في خَلْقِ غرّاءَ تبذّ العُنَّسا([31]) *

وذكر الأصمعيُّ أنه يقال في الرِّجال أيضاً: عانس، وهو الذي لم يتزوّجْ. وأنشد:

مِنَّا الذي هو ما إن طَرَّ شاربُه *** والعانسون ومِنَّا المُرْدُ والشِّيبُ([32])

وذكر بعضُهم أنَّ العنْس: الصَّخرة. وبها تُشَبَّه الناقة الصُّلْبة فتسمى عَنْساً. وليس ذلك ببعيد.

(عنش) العين والنون والشين أُصَيل لعلّه أن يكون صحيحاً. وإن صحَّ فهو يدلُّ على تمرُّسٍ بشيء. يقولون: فلانٌ يُعَانِشُ النَّاسَ، أي يقاتلهم ويتمرَّس بهم. ويُعانِش: يظالم. وينشدون:

إذاً لأتاه كلُّ شاكٍ سِلاحُه  *** يُعانِشُ يومَ البأس ساعِدهُ جَزْلُ

ويقولون: عانشت الرّجل: عانقتُه. وينشدون لساعِدَة:

عِناشُ عَدُوٍّ لا ينالُ مُشَمِّراً  *** بِرَجْلٍ إذا ما الحربُ شُبَّ سعيرُها([33])

وهذا إن لم يكن من باب الإبدال وأن يكون الشين بدلاً من القاف فما أدري كيف هو. ونرجو أن يكون صحيحاً إن شاء الله.

قال ابن دريد([34]) : عنَشت الشيءَ أعنِشُهُ عَنْشاً، إذا عطفتَه. *وهذا أيضاً قريبٌ من الذي ذكرناه.

(عنص) العين والنون والصاد أُصَيل صحيحٌ على شيء من الشَّعَْر. قال الخليل: العَُِنْصُوة: الخُصْلة من الشَّعر. قال الشاعر:

عناصِيَ رأسي فهي من ذاك تعجب لقد عَيَّرَتْنِي الشَّيبَ عرسي ومَسَّحت

ومما يُقاس على هذا قولُهم: بأرضِ بني فلانٍ عَنَاصٍ من النَّبت؛ وكذلك الشَّعر إذا كان قليلاً متفرِّقاً، الواحد عُنصُوَة. قال أبو النَّجم:

إن يُمْسِ رأسي أشمطَ العَناصِي  *** كأنما فرَّقَه مُناصِي([35])

قال الفرّاء: يقال: ما بقي من مالِه إلاّ عَنَاصٍ، وذلك إذا بقِي منه اليسير. قال ابنُ الأعرابي: العُنْصُوة: قُنْزُعة في جانب الرأس.

(عنط) العين والنون والطاء أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على طول جسمٍ وحُسنِ قوام.

قال الخليل: العَنطْنط، اشتقاقه من عَنَط، ولكنَّه قد أُردِف بحرفين في عَجُزه. قال رؤبة:

* يَمطُو السُّرَى بعنُق عَنَطْنَطِ([36]) *

وامرأة عَنَطْنطة: طويلة العُنُق مع حُسْن قَوام. قال يصف رجلاً وفرساً:

عَنَطْنَطٌ تعدو به عَنطنطهْ  *** للماء تحت البطن منْه غطمطهْ([37])

 

(عنف) العين والنون والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على خلاف الرِّفق. قال الخليل: العُنْف: ضدُّ الرِّفق. تقول عَنُفَ يعنُف عُنْفاً فهو عنيف، إذا لم يَرفُق في أمره. وأعنفته أنا. ويقال: اعتنفْت الشّيء، إذا كرهتَه ووجدتَ له عُنْفاً عليك ومشَقّة. ومن الباب: التعنيف، وهو التَّشديد في اللوم. فأمَّا العُنْفُوان فأوَّل الشّيء، يقال عُنفُوان الشَّباب، وهو أوَّلـه، فهذا ليس من الأوّل، إنّما هذا من باب الإبدال، وهو أنّ العينَ مبدلةٌ من همزة، والأصل الأنْف؛ وأنفُ كلِّ شيء: أوّله. قال:

وقد دَعاها العُنفوانُ المُخْلِسُ  ماذا تقول بِنتَها تلمَّسُ

وقال آخَر:

تلومُ امرأً في عنفوانِ شبابِه  *** وتترك أشْياعَ الضَّلال تحين

(عنق) العين والنون والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على امتدادٍ في شيء، إمَّا في ارتفاعٍ وإمَّا في انسياح.

فالأوَّل العنُق، وهو وُصْلة ما بين الرّأس والجسد، مذكّر ومؤنَّث، وجمعه أعناق. ورجلٌ أعنق، أي طويل العنُق. وجبلٌ أعنَقُ: مشرِف. ونجدٌ أعنق، وهضْبةٌ عنقاء. وامرأةٌ عنقاءُ: طويلة العنُق. وهَضْبة مُعنِقة أيضاً. قال:

عيطاء مُعْنِقَةٍ يكون أنيسُها *** وُرْقَ الحمام جميمُها لم يؤكَلِ([38])

قال الأصمعيّ: المُعَنِّقات([39]) مثل المُعْنِقات. قال عُمَر بن لجأ:

* ومن هَضْب الأَرومِ مُعَنِّقات *

قال أبو عمرو: المُعنِّق: الطويل. وأنشد:

* في تامكٍ مثل النَّقا المُعنِّقِ *

قال أبو عمرو: العنقاء فيما يقال: طائرٌ لم يبق إلاّ اسمُه. وسمِّيت عنقاءَ لبياضٍ كانَ في عُنقها وفي المثَل لما لا يوجَد: "طارت به العَنْقاء". فأمَّا قولهم للجماعة عُنُق، فقياسه صحيح، لأنَّه شيءٌ يتّصلُ بعضُه ببعض. قال الله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}  [الشعراء 4]، أي جماعتُهم. ألاَ ترى أنَّه قال:(خَاضِعِينَ)، ولو كانت الأعناق أنفُسها لقال خاضعة أو خاضعات. وإلى هذا ذهبَ أبو زيد. وقال النحويُّون: لمّا كانت الأعناقُ مضافةً إليهم رَدَّ الفعل إليهم دونَها.

قال محمد بن يزيد: لمّا كان خضوعُ أهلها بخضوع أعناقهم أخبرَ عنهم، لأنَّ المعنى راجعٌ إليهم. والعرب تقول: ذلت عنُقي لفلانٍ، وخضَعت رقبتي له، أي خضعت لـه، وذلك كما قالوا في ضدِّه: لوى عنقَه عنِّي ولم تَلِنْ لي أَخادِعُه، أي لم يخضع لي ولم يَنقَدْ.

قال الدريديّ: أعنَقْتُ الكلبَ أُعْنِقه إعناقاً، إذا جعلت في عنقه قِلادةٍ أو وترا([40])

والمِعنقة: مِعنقة الكَلْب، وهي قِلادتُه. ويقال لما سطع من الرِّياح: أعناق الرِّياح. ويقولون: أعنَقَت الريح بالتراب. قال الخليل: اعتُنِقَت الدّابّةُ في الوَحْل، إذا أخرجت عنقَها. قال رؤبة:

* خارجةً أعناقُها من معتَنَقْ([41]) *

المعتَنق: مخرج أعناق الجِبال من السراب، أي اعتنقت فأخرجت أعناقَها([42]) والاعتناق من المعانقة أيضاً، غير أنَّ المعانَقةَ في المودّة، والاعتناق في الحربِ ونحوِها. تقول اعتنَقُوا في الحرب، ولا تقول تعانقوا. والقياس واحد، غير أنّهم اختاروا الاعتناقَ في الحرب، والمعانقةَ في المودّةِ ونحوها. فإذا خَصَّصَتْ بالفعل واحداً دون الآخر لم تَقُل إلاّ عانق فلانٌ فلاناً. وقد يقال للواحد اعتَنَق. قال زُهير:

يَطعْنُهم ما ارتَمَوْا حتَّى إذا اطَّعنُوا *** ضاربَ حتَّى إذا ما ضاربوا اعتَنَقا([43])

قال يونس بن حَبيب: عنَقتُ البعير، إذا ضربتَ عنقَه، كما يقال رَأسْتُهُ. قال الخليل: يقال تعنَّق الأرنبُ في العانِقاء، وهو جُحْرٌ مملوء تراباً رخواً يكون للأرنب واليربوعِ إذا خافا. وربَّما دخل ذلك التراب، فيقال: تعنّق؛ لأنَّه يدسُّ رأسَه وعنقَه فيه ويمضي حتَّى يصيرَ تحته.

قال ابنُ الأعرابيّ: العانقاء: ترابُ لُغَّيزَى اليربوع([44]) وتراب مجراه. ولغَّيزاه: حَفْراهُ في جانِبَي الجُحْر([45]) . قال قُطرب: عنُق الرّحِم: ما استدقّ منها ممَّا يلي الحَيَاء. قال أبو حاتم: عنق الكَرِش: أسفَلُها. قال: والعُنُق والقِبَّة شيءٌ واحد. ويقال: عنَّقَت كوافير النَّخل([46]) ، إذا طالت ولم تفلّق، وهو التعنيق. يقال بُسْرةٌ معنِّقة، إذا بقي منها حول القِمَع مثل الخاتَم، وذلك إذا بلغ الترطيبُ قريباً من قِمَعها. والأعنَق: رجلٌ من العرب، وهو قيس بن الحارث بن همام، وسمِّيَهُ لطول عنُقه. وينسب إليه قوم يقال لهم بنو الأعنق، وهم بطنٌ من وائل بن قاسط. وقوم آخرون من اليمن يقال لهم بنو العَنْقاء. قال الخليل: العنقاء ثعلبة ابن عمرو بن مالك، من خزاعة، قال قوم: سُمِّيَه لطول عنُقه، وذهب بلفظه إلى تأنيث العنُق. كقولهم:

* وعنترةُ الفَلْحاءُ([47]) *

أنّثه لمّا ذهب إلى الشَّفة. وقال:

أو العَنْقاءِ ثعلبةَ بن عمروٍ  *** دِماءُ القومِ للكَلبَى شفاءُ([48])

قال قطرب: تقول العربُ في الشَّيء لا يفارق: هو منك عُنُقَ الحمامة([49]) ، يريد طوقَها لأنه لا يفارق أبداً.

ومن الباب: العَنَق من سير الدوابّ، والنعت معناق وعَنِيق. يقال بِرذَوْن عنيق، وسيرٌ عنيق. قال:

لما رأتني عَنَقي دبيبُ  *** وقد أُرَى وعَنَقي سُرحوبُ

قال أبو عبيدة: العَنَق: المُسْبَطِرُّ من السَّير. وهذا هو الذي ذكرناه في أصل الباب: أنَّ البابَ موضوعٌ على الامتداد. قال ابن السكِّيت: أعنقَ الفرسُ يُعنِق إعناقاً، وهو المشْيُ الخفيف. وبِرذَوْنٌ مِعناق. وفي المثل: "لأُلحِقَنَّ قَطُوفها بالمِعناق". قال أبو حاتم: المِعناق من الإبل: الخفيفة تريد المرتَع ولا تَرتَع. ويقال المعانيق من الإبل: التي لا تَقْنَع بالمرتع نكداً منها وقِلَّة خير، لا يزالُ راعيها في تعبٍ. ومعنى هذا أنها تمدُّ أبداً أعناقَها لما بين أيديها. وأنشد:

السَّقْيَ وَ الرِّعْيَةَ والمشيَ المِئَلّّ ***

وهو بحمد الله يكفيني العملْ

وطلبَ الذّوْدِ المعانيق الأوَلْ

قال بعضُ أهلِ اللُّغة: أعنقت: ماجت في مَرَاعيها فلم تَرتَع لطلب كلأٍ آخَر. قال ابنُ الأعرابيّ في قول ابن أحمر:

تظل بناتُ أعنَقَ مُسرَجاتٍ  *** لرُؤيتها يرُحْنَ وَيغتدينا([50])

قال يريد ببنات أعنق: كل دابَّةٍ أعنَقَت، من فرسٍ أو بعير، وإنِّما يصف دُرّة. يقول: تظلُّ الدواب مُسْرَجةً في طلبها والنَّظرِ إليها. فأمَّا العَنْقاء، فيقال هي الدَّاهية، وسمِّيت بذلك تقبيحاً وتهويلاً، كأنَّها شيءٌ طويل العنُق. قال:

يحمِلْنَ عنقاءَ وعنقفيرا  *** والدَّلوَ والدَّيلمَ والزَّفِيرا([51])

 

ويقال إن المُعْنِق من جَلَد الأرض: ما صلُب وارتفَع وما حواليه سهلٌ، وهو منقادٌ طولاً نحوَ ميل وأقلَّ من ذلك، والجمع مَعانِق.

ومن الباب العَنَاق: الأنثى من أولاد المَعْز، والجمع عُنوق. قال جميل:

إذا مرضت منها عَناقٌ رأيتَه  *** بسِكِّينِهِ مِن حولِها يتلهَّفُ

*ويقال للرَّجُل إذا تحوَّلَ من الرِّفعة إلى الدَّناءة: "العُنُوقُ بعد النُّوق"، أي صرتَ راعياً للعُنوق بعدما كنتَ راعياً للنُّوق. قال ابن الأعرابيّ: العَنَاق مِن حينِ تُلقيها أمُّها حتى تُجْذِعَ بعد فِطامها بشهرين، وهي ابنة خمسةِ أشهر. قال أبو عبيدة: العَنَاق يقع على الأنثى من أولادِ الغَنَم، ما بين أن تُولَد إلى أن يأتِيَ عليها الحولُ وتصير عَنْزاً. وشاةٌ معناقٌ، إذا كانت تلد العُنوق. وأنشد:

عَتيقةٍ من غَنمٍ عتاقِ  *** مرغوسةٍ مأمورةٍ مِعناقِ([52])

وعَنَاق الأرض: شيء أصغر من الفَهْد. فأمّا قولهم للخَيْبَة عَناق، فليس بأصل على ما ذكرنا. ووجْهُ ذلك عندنا أنَّ العرب ربما لقَّبت بعضَ الأشياء بلقبٍ يكنون به عن الشيء، كما يلقِّبون الغَدْر كَيْسان، وما أشبَهَ هذا. فلذلك كنَوْا عن الخَيبة بالعَناق. وربما قالوا العَناقة بالهاء. قال:

لم ينالوا إلاَّ العَناقة مِنَّا  *** بئس أوْسُ المطالِبِ الجوّابِ

الأوْس: العطيّة والعِوَض. يقال: أُسْـتُه أَوْساً. وقال آخر في العَنَاقِ:

أمِن ترجيعِ قارِيَةٍ قتلتم  *** أساراكم وأُبتم بالعَناقِ([53])

وعلى هذا أيضاً يُحمَلُ ما حكاه ابن السكِّيت، أنَّ العناقَ الدَّاهية. وأنشد:

إذا تمَطَّيْنَ على القَيَاقِي  *** لاقَيْنَ منه أُذُنَيْ عَناقِ([54])

فأمّا الذي يروونه من قولهم: ماؤكم هذا عَناقُ الأرض، وإنّه ماء الكذب، والحديثُ الذي ذكر فيه، فمما تكثَّر به الحكايات، وتُحْشَى به الكتُب، ولا معنى له، ولا فائدةَ فيه.

(عنك) العين والنون والكاف أصلانِ: أحدهما لونٌ من الألوان. والآخر ارتباكٌ في الأمر واستغلاقٌ في الشيء.

فالأوّل: العانك، قال الخليل: هو لونٌ من الحمرة؛ يقال دَمٌ عانِكٌ. قال:

* أو عانكٍ كدمِ الذَّبيحِ مُدامِ([55]) *

وغيره برواية: "أو عاتق". وقال: عرق عانِكٌ، إذا كان في لونه حُمرة. قال ذو الرُّمَّة:

على أقحوان في حَناديج حُرَّةٍ  *** يُناصِي حشاها عانكٌ متكاوِسُ([56])

والأصل الآخر: المعتَنِك من الإبل: الذي إذا اشتدَّ عليه الرّمل بَرَك وحبا عليه. قال:

* أودَيْتُ إن لم تحبُ حَبْوَ المعتنِك([57]) *

قال ابنُ الأعرابيّ: يقال اعتنك البعير، إذا مشى في رملٍ عانك، أي كثير، فهو لا يقدِر على المشْي فيه إلاّ أن يحبُو. وأنشد هذا البيت. ومعناه: إن لم تحمِلْ لي على نفسكَ حَمْلَ هذا البعير على نفسه في الرَّمل فقد هلكتُ.

ومن الباب العِنْك، قال الخليل: وهو الباب. وقال ابن دُريد: عنَكْتُ الباب وأعنكته، أي أغلقتُه، لغةٌ يمانية. وهذا يصحح ما ذكرناه من قياسِ هذا الأصل الثاني.

ومما يقرب من هذا العَُِنك من اللَّيل، وهي سُدْفةٌ منه. وذلك أنَّ الظُّلمة كأنّها تسدُّ باب الضَّوء. والكلمةُ صحيحة، أعنِي أن العِنْك الظُّلْمة. وأنشد:

وفتيانِ صدقٍ قد بعثْتُ بَجُهْمةٍ  *** من اللَّيل لولا حُبُّ ظَمياءَ عَرَّسُوا([58])

فقاموا كُسَالَى يلمسون وخلفهُمْ *** من الليل عِنْكٌ كالنَّعامةِ أقعسُ

ومما يقرُبُ من هذا إنْ صحَّ شيءٌ ذكره يونس، قال: عَنك اللبن، إذا خَثر.

(عنم) العين والنون والميم ليس بأصلٍ يُقاس عليه، وإنما هو نبْتٌ أو شيءٌ يشبَّه به. قالوا: العَنَم: شجر من شجر السِّواك، ليِّنُ الأغصان لطيفُها، كأنّه بنانُ جاريةٍ، الواحدةُ عَنَمة. وممّا شُبِّه بذلك العَنَمة، قال الخليل: هي العَظَاية. وقال رؤبة:

يُبْدِين أطرافاً لطافاً عنَمُهْ  *** إذْ حُبُّ أرْوَى هَمُّه وسَدَمُه([59])

السَّدَم: الكَلَف بالشيء. والله أعلم.

ـــــــــــــ

([1]) موضع هذه التكملة بياض في الأصل.

([2]) في الأصل: "من".

([3]) الرجز في المجمل واللسان (عني).

([4]) في الأصل: "هذا البعير"، والكلام يقتضي ما أثبت، وفي اللسان: "وإذ قلت أعنوه فمعناه أبقوه في الإسار".

([5]) روايته في الديوان 78: * أثام من مليك أو لحاء *

([6]) في الأصل: "ويقول".

([7]) ديوان القطامي 35، واللسان (عنا).

([8]) ديوان أوس بن حجر 15 واللسان (عنا).

([9]) وكذا في المجمل. وفي أمثال الميداني (1: 425): "عنيته تشفي الجرب".

([10]) في الأصل: "لعقله ورأيه"، صوابه ما أثبت. وفي أمثال الميداني: "يضرب للرجل الجيد الرأي يستشفى برأيه فيما ينوب.

([11]) كذا ورد البيت في الأصل.

([12]) العبارة بعينها وردت في اللسان (عنا 341).

([13]) هو ذو الرمة. ديوانه 305، واللسان (عنا). وسيأتي في (هجر) .

([14]) قطعة من بيت له. وفي اللسان: "تعنو بمخروت له ناضح". والبيت بتمامه في ديوان الهذليين (2: 2):

نعنو بمخروت لـه ناضح *** ذو ريق يغذو وذو شلشل

([15]) الرجز لبعض بني أسد، كما في المخصص (16: 67). وأنشده في (11: 71). وقبله، كما في المخصص واللسان (عنب): * يطعمن أحياناً وحيناً يسقين *

([16]) الجمهرة (2: 20).

([17]) في الأصل: "ويقال عليه".

([18]) البيت للحطيئة في ديوانه 7 واللسان (عنج) .

([19]) البيت للربيع بن أبي الحقيق، كما في البيان (3: 186)، انظر معه الحيوان (3: 68) واللسان (عنج، أتا) .

([20]) البيت في المخصص (16: 186). وأنشد أبو زيد في نوادره 129:

لا دلو إلا مثل دلو أهبان *** واسعة الفرغ أديمان اثنان

مما تنقت من عكاظ الركبان *** إذا استقلت رجف العمودان

لها عناجان وست آذان

([21]) في الأصل: "سبقنا الشمسا".

([22]) البيت في اللسان (عند).

([23]) الجمهرة (2: 283)

([24]) جمع بين الطاء والدال في القافية، وهو الإكفاء. الجمهرة واللسان (عند) وأدب الكاتب 371 والاقتضاب 415.

([25]) في الأصل: "عند"، صوابه في المجمل واللسان. والعندد، بفتح الدال الأولى وضمها كما ضبط في المجمل واللسان.

([26]) أنشده في مجالس ثعلب 268. وانظر اللسان (عند) وقد أورده في (حبر 232) بهيئة النثر.

([27]) من أبيات في معجم البلدان (عنيزة). والقصيدة طويلة مشروحة في أمالي القالي (2: 129-123). وأبياتها ثلاثون.

([28]) ديوان الطرماح 104 واللسان (عنس). وفي الديوان: "مئلاة الفئام"، قال شارحه: "الفئام الجماعات".

([29]) من أرجوزة من ملحقات ديوانه 78-80. والبيت الأول في اللسان (عنس) بدون نسبة. والجلس: الوثيقة الجسيمة. وفي الأصل: "حبس" تحريف، صوابه في الديوان.

([30]) لذي الرمة في ديوانه 320 واللسان (عنس). وإنشاده فيهما: "وعيطا" وقبله في الديوان:

مراعاتك الآجال ما بين شارع  *** إلى حيث حادت عن عناق الأواعس

([31]) للعجاج في ديوانه 31 برواية: * أزمان غراء تروق العنسا *

([32]) لأبي قيس بن رفاعة، كما سبق في تخريجه (طر).

([33])ديوان الهذليين (2: 215) واللسان (عنش).

([34])في الجمهرة (3: 62).

([35])الرجز في اللسان (عنص، نصى).

([36]) ديوان رؤبة 84 واللسان (عنط).

([37]) الرجز في اللسان (عنط).

([38]) : لأبي كبير الهذلي. ديوان الهذليين (2: 97)، واللسان (عنق). وفي الأصل: "عيناء"صوابه من الديوان. وبدله في اللسان: "عنقاء".

([39]) في الأصل: "المنعقات"، تحريف.

([40]) الجمهرة (3: 132).

([41]) مجالس ثعلب 418 واللسان (عنق). وقبله كما في الديوان 104:

تبدو لنا أعلامه بعد الغرق  *** في قطع الآل وهبوات الدقق

([42]) ثعلب: "لات بها السراب فالتف بها فلم يبلغ أعاليها، أي اعتنقها السراب"

([43]) ديوان زهير 54 واللسان (عنق).

([44]) يقال لغيزى، بتشديد الغين وتخفيفها، في الأصل: "لغزى"، كما هي في الموضع التالي: "لغزاه"، صوابهما ما أثبت.

([45]) في الأصل: "الحفر".

([46]) ورد اللفظ وتفسيره في القاموس، ولم يرد في اللسان.

([47]) قطعة من بيت لشريح بن بحير بن أسعد التغلبي. أنشد له في اللسان (فلح):

ولو أن قومي قوم سوء أذلة  *** لأخرجني عوف بن عوف وعصيد

وعنترة الفلحاء جاء ملأما  *** كأنه فند من عماية أسود

وعصيد هذا هو حصن بن حذيفة. أو عيينة بن حصن.

([48]) البيت لعوف بن الأحوص كما في الحيوان (2: 9). وهو من قصيدة في المفضليات (1: 171- 173) .

([49]) هذا التعبير مما لم يرد في المعاجم المتداولة.

([50]) البيت بدون نسبة في اللسان (عنق). وأنشده في المجمل لابن أحمر، وقال: "ففيه قولان يقال إنه أراد النساء وأنهن يذهبن إلى رؤية هذه الدرة وقد أسرجن. ويقال إنه أراد الخيل يسرجن في طلب هذه الدرة. فمن روى الأولى كسر الراء". وفي اللسان: "قال أبو العباس اختلفوا في أعنق فقال قائل هو اسم فرس: وقال آخرون: هو دهقان كثير المال من الدهاقين. فمن جعله رجلاً رواه مسرجات

– أي بكسر الراء- ومن جعله فرساً رواه مسرحات".

([51]) سبق الرجز وتخريجه في (دلي).

([52]) قبلهما في اللسان (عنق): * لهفي على شاة أبي السباق *

([53]) في الأصل: "أساريكم". ورواية اللسان (عنق، قرا) وإصلاح المنطق 304: "سباياكم".

([54]) الرجز في اللسان (عنق) وإصلاح المنطق 204.

([55]) لحسان بن ثابت في ديوانه 362. والبيت في اللسان (عتق)، وعجزه في (عنك) والمخصص  (11: 76) . وصدره: * كالمسك تخلطه بماء سحابة *

([56]) ديوان ذي الرمة 315 واللسان (حندج).

([57]) لرؤبة في ديوانه 118 واللسان (عنك). وفي شرح الديوان: "حرة، يعني رملة حرة".

([58]) في الأصل: "أولى حب".

([59]) البيت الأول في اللسان (عنم) . وهما في ديوانه 150.

 

ـ (باب العين والهاء وما يثلثهما)

(عهب) العين والهاء والباء كلمةٌ واحدة إن صحَّت. قال الخليل: العَيْهَب: الضَّعيف من الرِّجال عن طلب الوِتْر. قال الشاعر([1]) :

حللت به وِتْرِي وأدركتُ ثُؤْرَتي  *** إذا ما تناسى ذَحْلهُ كلُّ عَيهبِ([2])

فأمّا الذي يُروَى عن الشَّيباني: كانَ ذلك على *عِهِبَّى فلانٍ، أي في زمانه. وأنشد:

عهدي بسَلمَى وهي لم تَزَوَّجِ  *** على عِهِبَّى عيشِها المخرفَجِ([3])

فقد قيل، والله أعلم بصحّته.

(عهج) العين والهاء والجيم كلمةٌ صحيحة لا قياسَ لها ولا عليها. قالوا: الموهج: ظبيةٌ حسَنة اللّون طويلةُ العنُق. وتسمَّى المرأة "عوهجَ([4]) " تشبيهاً لها بها. قال الأصمعيّ: العَوهج: المخطَّطة العنق. ويقال للنَّعامة أيضاً عوهج، لطول عنُقها. قال العجّاج:

كالحَبَشيِّ التفَّ أو تسبَّجا *** في شَمْلَةٍ أو ذاتِ زِفٍّ عَوْهَجَا([5])

ويقال للنّاقةِ الفتِيّة: عوهج. ويقولون للحيّة: عوهج. قال:

* حَصْبَ الغُواةِ العوهجَ المنسُوسا([6]) *

المنْسوس: المطرود.

(عهد) العين والهاء والدال أصلُ هذا الباب عندنا دالٌّ على معنىً واحد، قد أومأ إليه الخليل. قال: أصله الاحتفاظُ بالشَّيء وإحداثُ العهدِ به. والذي ذكره من الاحتفاظ هو المعنى الذي يرجع إليه فُروع الباب. فمن ذلك قولهم عَهِد الرجل يَعْهَدُ عَهْداً، وهو من الوصيَّة. وإنّما سمِّيت بذلك لأنَّ العهدَ مما ينبغي الاحتفاظُ به. ومنه اشتقاق العَهد الذي يُكتَب للوُلاة من الوصيّة، وجمعه عُهود. والعَهْد: المَوْثِق، وجمعه عُهود. ومن الباب العَهْدُ الذي معناه الالتقاء والإلمام، يقال: هو قريبُ العهد به، وذلك أنّ إلمامَهُ به احتفاظٌ به وإقبال.

[و] العهيد: الشَّيء الذي قدُم عهدُه. والعَهْد: المنْزِل الذي لا يزالُ القوم إذا انتَووْا عنه يرجِعُون إليه. قال رؤبة:

هل تعرف العهْدَ المُحِيلَ أرسمُه  *** عَفَتْ عوافيه وطال قِدَمُه([7])

والمَعْهَد مثلُ ذلك، وجمعه مَعاهد. وأهل العهد هم المعاهَدون، والمصدر المعاهَدة، أي إنّهم يُعاهَدون على ما عليهم من جِزْية. والقياس واحدٌ، كأنّه أمرٌ يُحتَفَظ به لهم، فإذا أسلموا ذهبَ عنهم اسمُ المُعاهَدة. وذكر الخليلُ أن الاعتهادَ مثلُ التَعاهُد والتعهُّد، وأنشَدَ للطِّرمَّاح:

ويُضِيع الذي قد أوْجَبَه اللهُ  *** عليهِ فليس يتعهدُهْ([8])

وقال أيضاً: عَهِيدك: الذي يُعاهِدك وتُعاهِدُه. وأنشد:

فللتُّركُ أوفَى من نزارٍ بعهدها  *** فلا يأمنَنَّ الغدرَ يوماً عهيدُها([9])

ومن الباب: العُهْدة: الكتاب الذي يُستوثَق به في البَيْعات. ويقولون: إنّ في هذا الأمر لُعْهدَةً ما أُحْكِمَتْ، والمعنى أنّه قد بِقيَ فيه ما ينبغي التوثُّق له. ومن الباب([10]) قولهم: "المَلَسَى لا عُهدةَ"، يقوله المتبايعان، أي تملَّسْنا عن إحكامٍ فلم يَبْق في الأمر ما يَحتاج إلى تعهُّدٍ بإحكام. ويقولون: "في أمره عُهْدةٌ"، يُومئُون إلى الضَّعف، وإنما يريدون بذلك ما قد فسَّرناه.

قال الخليل: تعهَّد فلانٌ الشّيءَ وتعاهَدَ. قال أبو حاتم: تعهَّدت ضَيعتي، ولا يقال تعاهدت؛ لأن التعاهد لا يكون إلاَّ من اثنين. قلنا: والخليلُ على كلِّ حالٍ أعرَفُ بكلام العرب من النّضر([11]) . على أنّه يقال قد تَغافَلَ عن كذا، وتجاوَزَ عن كذا، وليس هذا من اثنين. وربَّما سمَّوا الاشتراط استعهاداً([12]) ، وإنَّما سمِّي كذا لأنَّ الشَّرط مما ينبغي الاحتفاظُ به إذا شُرِط. قال:

وما استعهَدَ الأقوامُ مِن زوج حُرَّةِ  *** من النّاس إلاّ منك أو من محاربِ([13])

وفي كتاب الله تعالى: {ألَمْ أعْهَدْ إِلَيْكُمْ}  [يس 60]، ومعناهُ والله أعلمُ: ألم أُقَدِّم إليكم من الأمر الذي أوجبتُ عليكم الاحتفاظَ به.

فهذا الذي ذكرناه من أوّل الباب إلى حيث انتهينا([14]) مطّرد في القياس الذي قِسناه. وبقي في الباب: العَهْد من المطر، وهو عِندنا من القياس الذي ذكرناه، وذلك أنَّ العَهْد على ما ذكره الخليلُ، هو من المطر الذي يأتي بعد الوَسْميّ، وهو الذي يسمّيه النَّاسُ الوَلِيّ. وإذا كان كذا كان قياسُه قياسَ قولِنا: هو يتعهَّد أمرَه وضيعتَه، كأنّ المطرَ وَسَمَ الأرضَ *أوّلاً وتَعهَّدها ثانياً، أي احتفَظَ بها فأتاها([15]) وأقبل عليها. قال الخليل: وذلك أن يَمضِيَ الوسميُّ ثم يردُفَه الرَّبيع بمطرٍ بعد مطر، يدرك آخرُه بلَلَ أوّلِه ودُمُوثتَه([16]) . قال: وهو العَهْد، والجمع عِهاد. وقال: ويقال: كلُّ مطر يكونُ بعد مطَرٍ فهو عِهاد. وعُهِدت الرَّوضةُ، وهذه روضةٌ معهودة: أصابها عِهادٌ من مطَر. قال الطرمَّاح:

عقائل رملةٍ نازَعْنَ منها  *** دُفوفَ أقاحِ مَعهودٍ وَدينِ([17])

المعهود: الممطور. وأنشد ابنُ الأعرابيّ:

* ترى السَّحاب العَهْد والفتوحا([18]) *

الفتوح: جمع فتح، وهو المطر الواسع. وقال غير هؤلاء: العِهاد: أوّل الرَّبيع قبل أن يشتد القُرّ، الواحد عَهْدة. وكان بعض العربِ يقول: العِهاد من الوسميِّ وأوائل الأمطار يكون ذُخْراً في الأرض، تَضرب لها العروقُ، وتُسْبِط([19]) الأرض بالخضرة، فإنْ كانت لها أَوَلِيَةٌ وتَبِعات فهي الحَياء، وإلاَّ فليست بشيء.

ويقولون: كان ذلك على عَهِد فُلانٍ وعِهْدانِه. وأنشدوا:

* لستَ سُليمانُ كعِهْدانِك *

(عهر) العين والهاء والراء كلمة واحدة لا تَدُلّ على خير، وهي الفجور. قال الخليل وغيره: العَهرُ: الفجور. والعاهر: الفاجر. يقال عَهِر وعَهَر عَهْراً وعُهُوراً([20]) ، إذا كان إتيانه إياها [لَيلاً]. وفي الحديث: "الولد للفراش وللعاهر الحَجَرُ"، لاحظَ له في النَّسَب([21]) . قال:

لا تلجئنْ سِرّاً إلى خائن  *** يوماً ولا تَدْنُ إلى العاهِرِ

قال يعقوب: العُهور يكون بالأمة والحُرَّة، والمساعاة لا تكون إلاّ بالإماء.

ومما جاء في هذا الباب نادراً شيءٌ حُكِي عن المُنْتَجِع، قال: كلُّ مَن طلب الشَّرَّ ليلاً من سَرْقٍ أو زِنَى فهو عاهر. ويقولون –وهو من المشكوك فيه- إنّ العاهِر: المسترخي الكسلان([22]) .

(عهق) العين والهاء والقاف ليس لـه قياسٌ مطرد، وقد ذُكِرت فيه كلماتٌ لعلَّها، والله أعلمُ، أن تكونَ صحيحة. ولولا ذكرُهُم لها لكان إلغاؤُها عندنا أولَى. قال الخليل: العَوهق، على تقدير فَوْعل، هو الغراب الأسود الجَسيم. ويقال هو البعير الأسود. وهو أيضاً لونُ اللاَّزَوَرْد. ويقولون: العَوْهق: فحلٌ كان في الزَّمن الأول، تُنْسب إليه كرام النَّجائب. قال رؤبة:

* قرواء فيها من بَنات العَوْهقِ([23]) *

قال: والعوهق: الثُّور الذي لونُه إلى سواد. والعوهق: الخُطّاف الجَبَليّ. قال:

* فهْيَ ورقاء كلون العَوهقِ([24]) *

ويقال: بعيرٌ عَوهقٌ، أي طويل. قال:

تراخى به حبُّ الضحاءِ وقد رأى *** سَماوةَ قَشْراءِ الوظيفينِ عَوهقِ([25])

قال الخليل: العَوْهقانِ: كوكبانِ إلى جنب الفرقدين على نَسَقٍ([26]) ، وطريقُهما ممّا يلي القُطْب وأنشَد:

بحيثُ بارى الفرقدانِ العوهقا([27]) عندَ مسدِّ القُطْبِ حين استوسَقَا([28])

 

وقال أيضاً: العَيْهقَة: عَيْهَقة النَّشاط والاستنان. قال:

* إنَّ لرَيعانِ الشَّبابِ عَيْهقَا([29]) *

قال ابن السِّكّيت: العوهق: خيار النَّبْع ولُبابُه، يُتَّخذ منه القِسِيّ. قال:

* وكلَّ صفراءَ طروحٍ عوهقِ([30]) *

وعَوهقُ: اسم روضة. قال ابن هَرْمة:

فكأنّما طُرقت بريَّا روضةٍ  *** من رَوض عَوْهَقَ طَلّةٍ مِعشابِ

(عهل) العين والهاء واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على انطلاقٍ وذَهاب وقلّة استقرار. قال الخليل: العَيْهلُ: النّاقةُ السَّريعة. قال:

مُخْلَصةَ الأنْقاء والزَّعُوما([31])

زجَرْتُ فيها عَيْهلاً رَسُوماً([32])

وقال ابنُ الأعرابيِّ مثلَ ذلك، إلاّ أنَّه قال: وتكون([33]) مُسنّة شديدة. وقال أبو حاتم: يقال ناقة عَيهلةٌ وعيهلٌ، ولا يقال جملٌ عيهل. وأنشدوا:

*ببازلٍ وجناءَ أو عَيْهلِّ([34]) *

قالوا: شدَّد اللام للحاجة إلى ذلك. ويقال امرأة عَيْهلٌ وعَيْهلة جميعاً، إذا كانت لا تستقرُّ نزَقاً. وربما وصَفُوا الرِّيح فقالوا: عَهيلٌ. وهذا يدلُّ على صِحَّةِ هذا القياس. فأمَّا قولُهم للمرأة التي لا زوجَ لها: عاهل، وجمعها عواهل، فصحيح، وسمِّيت بذلك لأنَّه لا زوج لها يَقْصُرُها. وأنشد:

*مشى النِّساء إلى النِّساء عواهلاً *** من بين عارِفة السِّباءِ وأيّمِ([35])

ذهَبَ الرّماح ببعلها فتركنَه  *** في صَدْرِ معتدل الكُعوب مقوَّمِ

وقال في العيهل أيضاً:

فنِعم مَناخُ ضِيفان وتَجْرٍ *** ومُلقَى رحْلِ عَيْهَلَةٍ بَجَالِ([36])

وبقى في الباب كلمةٌ إن كانت صحيحةً فليست ببعيدٍ من القياس الذي ذكرناه. حُكِيَ عن أبي عبيدة: العاهل: الملك ليس الذي فوقه أحدٌ إلا الله تعالى. يقال للخليفة: عاهل. فإن كان كذا فلأنه لابدَّ له من الخَلْق فوق يَدِه تمنعُه.

(عهم) العين والهاء والميم قريبٌ من الذي قبلَه، وليس ببعيدٍ أن يكون من الإبدال. قال الخليل: العَيْهَامة: الناقة الماضية. وأنشد:

ورَدْتُ بعيهامَةٍ حُرَّةٍ  *** فَعَبَّتْ يميناً وعبّت شِمالا([37])

ويقولون: إنَّها كاملة الخَلْق أيضاً. قال:

مُدَامَجِ الخَلْقِ دِرَفْسٍ مِسْعامْ([38])

مُستَرْعَفَات بِخِدَبٍّ عَيْهام([39])

قال أبو زيد: ناقةٌ عيهمَة: نجيبةٌ سريعة. ويقولون: إنَّها تَعْطَش سريعاً، والجمع عياهيم. قال ذو الرُّمة:

هيهاتَ خَرقاءُ إلاّ أنْ يقرِّبَها  *** ذو العَرش والشَّعشعاناتُ العياهيمُ([40])

وأنشد أبو عمرو:

عَيْهَمة يَنْتَحي في الأرضِ مَنْسِمُها  *** كما انتحَى في أديم الصِّرْف إزمِيلُ([41])

قال أبو عمرو:عَيْهَمتُها: سُرْعَتُها.وربما قالوا: عُيَاهِمَة على وزن عُذافِرَة([42]) .ومما شذَّ عن هذا الأصل: عَيْهَم: اسم موضع. قال:

* وللِعراقيِّ ثنايا عَيْهَمِ([43]) *

ويقولون: العَيهوم: أصل شجرة. ويقولون هو الأديم الأحمر([44]) . قال أبو دواد:

فتعفَّتْ بعد الرَّبابِ زماناً  *** فهي قفرٌ كأنَّها عَيْهُومُ([45])

فأمّا قول القائل:

* وقد أُثير العَيهمانَ الرَّاقدا([46]) *

فيقولون: إنَّه الذي لا يُدلج، يقام على ظَهْرِ الطَّريق.

(عهن) العين والهاء والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على لِينٍ وسُهولة وقِلّة غذاء في الشيء.

قال الخليل: العاهن: المال الذي يتروَّح على أهله، وهو العتيد([47]) الحاضر. يقال: أعطاه من عاهِنِ مالِهِ. وأنشد:

فقتلٌ بقتلانا وسَبْيٌ بسَبْيِنا  *** ومالٌ بمال عاهنٍ لم يفرَّقِ

قال الشَّيبانيّ: العاهن: العاجل: يقال: ما أَعْهَن ما أتاك. قال: ويقولون: أبعاهِنٍ بعتَ أم بِدَين. قال ابنُ الأعرابيّ: يقال عاهن، إذا كان في يدك تَقدِر عليه، وقد عَهِنَ يَعْهَن عُهوناً، وأنشد للشاعر([48]) :

ديارُ ابنةِ الضَّمريِّ إذ وصل حبلها  *** متينٌ وإذ معروفها لك عاهن([49])

 

أي حاضرٌ مقيم. قال أبو زيد: عَهَنَ من فلانٍ خَيْرٌ أو خَبَر –أنا أشكُّ في ذلك- يعهَنُ عُهوناً، إذا خرج منه. قال النَّضر: يقال: اعْهِنْ له أي عَجِّلْ له. وقد عَهَنَ له ما أراد. قال ابن حبيب: يقال هو يُلقِي الكلامَ على عواهنه، إذا لم يبال كيف تكلَّم. وهذا قياسٌ صحيح، لأنَّه لا يقوله بتحفُّظ وتثبُّت. وربما قالوا: يرمي الكلام على عواهنه، إذا قاله بما أدّاه إليه ظنُّه من دون يقين. وهو ذلك المعنى.

ومن هذا الباب: قضيبٌ عاهن، أي متكسِّر مُنْهصِر. ويقال: في القضيب عُهْنَةٌ، وذلك انكسارٌ من غير بَيْنُونة إذا نظرتَ إليه حسبتَه صحيحاً، وإذا هززتَه انثنَى. ويقال للفقير: عاهنٌ من ذلك. وربما قالوا عَهَنْتُ القضيب أَعْهِنُه عَهْناً. فأمَّا الذي يُحْكى عن أبي الجرّاح أنّه قال: عَهَنْت عواهن النخل، إذا يَبِسَت تَعْهِنُ عُهوناً، فغلَط، لأنَّ القياس بخلاف ذلك. قال ابن الأعرابي: عواهن النخل: ما يلي قُلْبَ النَّخلة من الجريد. وهذا أصحُّ من الأول وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام [أنّه] قال لبعض أصحابه: "ائتني بسَعَفٍ واجتنب العواهن"؛ لأنّها رطبة([50]) . قال بعض أهل اللُّغة: أهل الحجاز يسمُّون السَّعَفات التي تلي القِلَبَة([51]) : العواهن؛ لأنَّها رطبةٌ لم تشتدّ. فأمَّا قولهم إنَّ العاهن: الحابس، وإنشادهم للنابغة:

أقول لها لمَّا ونت وتخاذلتْ  *** أجِدِّي فما دون الجَبَا لك* عاهنُ

فهو عندنا غلطٌ، وإنَّما معناه على موضوعِ القياس الذي قسناه، أنَّ ما دون الجَبا([52]) ممكن غير ممنوع، أي السَّبيل إليه سهل. ويكون "ما" في معنى اسم.

ومن الباب إن كان صحيحاً ما رواه ابنُ السِّكِّيت، أنّ العواهنَ: عروقٌ في رحم النَّاقة. وأنشَدَ لابن الرِّقاع:

أوْكَتْ عليها مَضِيقاً من عواهنها *** كما تضَمَّنَ كَشْحُ الحُرّة الحَبَلا([53])

كأنّه شبَّه تلك العروقَ بعواهن النَّخل. وأما العِهْن، وهو الصُّوف المصبوغ، فليس ببعيدٍ أنْ يكون من القياس؛ لأنَّ الصَّبْغَ يليّنه. والله أعلم.

ــــــــــــــــــــ

([1]) هو محمد بن حمران بن أبي حمران الجعفي، المعروف بالشويعر (اللسان عهب) .

([2]) في الأصل: "وأدركت ثأري"، صوابه اللسان.

([3]) الرجز في اللسان (عهب) والمخصص (3: 160/ 15: 206) .

([4]) في الأصل: "عوهجاء".

([5]) ديوان العجاج 7. وأولهما في اللسان (سبج).

([6]) لرؤبة في ديوانه 71 واللسان والمجمل (عهج، نسس).

([7]) ديوان رؤبة 149 وأساس البلاغة (عهد). ونسب في اللسان (عهد) إلى ذي الرمة خطأ.

([8]) ديوان الطرماح 112 واللسان (عهد). ورواية الديوان: "يصيره الله إليه". وقبله:

عجباً ما عجبت للجامع الما  *** ل يباهي به ويرتفده

([9]) أنشده في اللسان (عهد) والمخصص (13: 109). ونسبه الزمخشري في أساس البلاغة إلى نصر بن سيار.

([10]) في الأصل: "ومن الباب ومنه".

([11]) الذي سبق ذكره هو "أبو حاتم" لا النضر. فلعل الكلام قبله: "قال أبو حاتم والنضر".

([12]) في اللسان: "واستعهد من صاحبه: اشترط عليه وكتب عليه عهدة".

([13]) لجرير في ديوانه 83 من قصيدة يهجو بها الفرزدق حين تزوج بنت زيق، كما في اللسان (عهد) والرواية فيهما: "من ذي ختونة"، وهي أيضاً رواية اللسان (ختن). ورواية أساس البلاغة تطابق ما في المقاييس.

([14]) في الأصل: "انتهيناه".

([15]) في الأصل: "فأتيها".

([16]) في الأصل: "ودنونته".

([17]) ديوان الطرماح 177 واللسان (ودن).

([18]) كذا في الأصل. وفي المخصص (9: 117): "يرعى السحاب"، وفي (10: 172): "ترعى جميم العهد"، ثم قال: "ورواه الأصمعي بالياء". وفي اللسان (فتح) :

كأن تحتي مخلفاً قروحا  *** رعى غيوث العهد والفتوحا

([19]) الإسباط: الامتداد. وفي الأصل: "وتسليط".

([20]) ضبط في اللسان والقاموس من باب منع، ومصدره العهر، بالفتح، وبالكسر، وبالتحريك. ومثله العهارة والعهور والعهورة. وجعله في المصباح المنير من بابي تعب وقعد.

([21]) في اللسان: "أبوعبيد: معنى قوله وللعاهر الحجر، أي لا حق له في النسب، ولا حظ له في الولد، وإنما هو لصاحب الفراش".

([22]) هذا المعنى لم يرد في المعاجم المتداولة.

([23]) في اللسان (عهق):                    * فيهن حرف من بنات العوهق *

([24]) في اللسان: "وهي وريقاء".

([25]) البيت لزهير في ديوانه 249. وقيل إن قصيدة البيت مشتركة بين زهير وولده كعب بن زهير، كما نص الديوان. وقد ورد البيت محرفاً في الحيوان (4: 355). وانظر الأغاني (15: 141-142). في الأصل: "حد الضحاء" و "سمامة قشراء"، صوابه من الديوان.

([26]) في الأصل: "على شق"، صوابه في اللسان والقاموس.

([27]) في الأصل: وكذا في الأزمنة والأمكنة (2: 374): "العوهقين الفرقدا"، ولا يستقيم به الرجز، وصوابه في اللسان (عهق).

([28]) "عند مسد القطب"، كذا وردت أيضاً في الأزمنة والأمكنة. وفي اللسان: "عند مسك القطب".

([29]) لرؤبة في ديوانه 109.

([30]) قبله في اللسان (عهق) :

إنك لو شاهدتنا بالأبرق  *** يوم نصافي كل غضب مخفق

([31]) البيت في اللسان (عهل، زعم، جهم) وقبله، كما في المادتين الأخيرتين:

* وبلدة تجهم الجهوما *.

وقد سبق إنشاد هذا في (جهم).

([32]) البيت في اللسان (زعم) والمخصص (7: 72).

([33]) في الأصل: "ويقول".

([34]) لمنظور بن مرثد الأسدي، كما في اللسان (طول، قتل، عطبل، خلل، عهل، كلل)، من أرجوزة رواها ثعلب في مجالسه 601-604. وانظر لهذا البيت نوادر أبي زيد وسيبويه (2: 282).

([35]) البيت في المجمل، مع سقوط كلمة "إلى النساء" منه.

([36]) البيت في اللسان (عهل) برواية: "وملقى زفر". والزفر: الحمل.

([37]) في الأصل: "وهبت شمالا".

([38]) الخدب: الشديد الصلب الضخم القوي. وفي الأصل: "بحدب"، تحريف.

([39]) كلمة "مسعام" وردت في القاموس ولم ترد في اللسان. قال في القاموس: "وسيل مسعام، كمحراب أو مشعان: سريع".

([40]) ديوان ذي الرمة 579 واللسان (شعع، عهم). وقد سبق في (شع) .

([41]) البيت لعبدة بن الطبيب في المفضليات (1: 136) واللسان (زمل) وفي اللسان: "عيرانة".

([42]) أورد صاحب اللسان "عياهم" فقط، وطعن عليه واقتصر صاحب القاموس على "عياهمة".

([43]) للعجاج في ديوانه 16 واللسان (عهم). وفي معجم البلدان (عيهم): "وللعراقيين في ثنايا". وفي الأصل: "وللعراق في ثنايا"، صوابهما في الديوان واللسان.

([44]) وكذا في المجمل. وزاد في القاموس: "أو الأملس". واقتصر في اللسان على قوله: "والعيهوم: الأديم الأملس".

([45]) البيت في اللسان (عهم).

([46]) أنشده في اللسان (عهم).

([47]) في الأصل: "القيد".

([48]) هو كثير، كما في اللسان (عهن).

([49]) كذا. وفي اللسان: "إذ حبل وصلها".

([50]) لأنها رطبة، ليست في اللسان، وأراها مقحمة. انظر ما يلي.

([51]) في الأصل: "القبلة"، تحريف. والقلبة، بكسر القاف وفتح اللام: جمع قلب بتثليث القاف، وهو شحمة النخلة.

([52]) الجبا: اسم مكان. وفي الأصل: "الحياء".

([53]) في الأصل: "مصيفا"، صوابه من اللسان.

 

ـ (باب العين والواو وما يثلثهما)

(عوي) العين والواو والياء أصلٌ صحيح يدلُّ على ليٍّ في الشيء وعطْفٍ له.

قال الخليل: عَوَيت الحبلَ عَيَّا، إذا لويتَه. وعَوَيت رأس النّاقة، إذا عُجْتَه([1]) فانعوى. والناقة تَعْوِي بُرَتَها في سَيرها، إذا لوَتْها بخَطْمها. قال رؤبة:

* تَعوِي البُرَى مُستوفِضاتٍ وَفْضا([2]) *

أي سريعات، يصف النُّوقَ في سَيرها. قال: وتقول للرّجُل إذا دعا النّاسَ إلى الفتنة: عوى قوماً، واستعوى. فأمَّا عُوَاء الكلب وغيرِه من السباع فقريبٌ من هذا، لأنّه يَلوِيه عن طريق النَّبْح. يقال عَوَتِ السِّباع تَعوِي عُواءً. وأمّا الكَلْبة المستحرِمة فإنَّها تسمَّى المعاوِيَة، وذلك من العُواء أيضاً، كأنَّها مُفاعلة منه. والعَوَّاء: نجمٌ في السماء، يؤنّث، يقال لها: "عوّاء البَرْد"، إذا طلعت جاءت بالبرد. وليس ببعيد أن تكون مشتقَّةً من العُواء أيضاً، لأنّها تأتي ببردٍ تعوي له الكلاب. ويقولون في أسجاعهم: "إذا طلعت العَوَّاء، جَثَمَ الشتاء، وطابَ الصِّلاء". وهي في هذا السَّجع ممدودة، وهي تمدُّ وتقصر. ويقولون على معنى الاستعارة لسافِلَة الإنسان: العَوَّاء([3]) . وأنشد الخليل:

قياماً يوارُون عَُوَّاتِهِمْ  *** بشتمي وعَُوَّاتُهم أظهرُ([4])

ويروى: "عوراتهم". وقال أيضاً، أنشده الخليل:

فهلاَّ شدَدتَ العَقد أو بِتَّ طاويا *** ولم تَفْرِج العَوّا كما تُفْرَج القُلْبُ([5])

جمع قَليب.

ومن باب العُواء([6]) قولهم للراعي: قد عَاعَى يُعاعِي عاعاةً([7]) . [قال]:

* ولم أستعِرْها من مُعَاعٍ وناعِق([8]) *

(عوج) العين والواو والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على مَيَلٍ في الشَّيء أو مَيْل، وفروعُه ترجع إليه.

قال الخليل: العَوْج: عطفُ رأسِ البعير([9]) بالزِّمام أو الخِطام. والمرأة تَعُوج رأسَها إلى ضجيعها. قال ذُو الرُّمَّة:

خليليّ عُوجَا بارَكَ الله فيكما *** على دارميٍّ من صُدور الرَّكائبِ([10])

وقال:

حتى إذا عُجْن من أجيادهنَّ لنا *** عَوْجَ الأَخشة أعناقَ العَناجيجِ([11])

يعني عطفَ الجواري أعناقَهنّ كما يَعطِف الخِشاش عُنقَ النّاقة. وكلُّ شيءٍ تعطفه تقول: عُجْتُه فانعاج. قال رؤبة:

* وانعاجَ عُودِي كالشَّظيفِ الأخْشَنِ([12]) *

قال الخليل: والعَوَج: اسمٌ لازم لما تراه العُيون في قَضيبٍ أو خشَب أو غيرِه وتقول: فيه عَوَجٌ بيِّنٌ. والعَوَج: مصدر عَوِج يَعْوَج عِوَجاً. ويقال اعوجَّ يعوجُّ اعوِجَاجا وعَوَجاً. فالعَوَج مفتوح في كلِّ ما كان منتصباً كالحائط والعُود، والعِوَج ما كان في بساط أو أمرٍ نحو دينٍ ومَعاش. يقال منه عودٌ أعوجُ بيِّن العَوَج. والنَّعت أعوج وعَوْجاء، والجمع عُوجٌ. والعُوج من الخيل: التي في أرجلها تحنيب. وأمّا الخيل الأعوجيَّة فإنّها تُنسب إلى فرسٍ سابقٍ كان في الجاهليّة، والنِّسبة إليه أعوجيّ. ويقال: هو من بنات أعوج. وقال طفيل:

بَنات الوجيهِ والغُراب ولاحقٍ  *** وأعوج تَنْمي نِسبةَ المتنسِّبِ([13])

ويمكن أن يكون سمِّي بذلك لتحْنيبٍ كان به. وأمّا قولُهم: ناقةٌ عاجٌ، وهي المِذعان في السِّير اللَّيِّنة الانعطاف، فمن الباب أيضاً. قال ذو الرُّمَّة:

تَقَدَّى بي الموماةَ عاجٌ كأنَّها  *** أمامَ المطايا نِقْنِقٌ حين تُذعَر([14])

وإذا عطفوها قالوا: عاجِ عاجِ.

(عود) العين والواو والدال أصلان صحيحان، يدلُّ أحدهما على تثنيةٍ في الأمر، والآخر جنسٌ من الخشب.

فالأوَّل: العَوْد، قال الخليل: هو تثنية الأمر عوداً بعد بَدْء. تقول: بدأ ثُمَّ عاد. والعَوْدة: المَرّة الواحدة. وقولهم عاد فلانٌ بمعروفِه، وذلك إذا أحسَنَ ثم زاد. ومن الباب العِيادة: أن تعود مريضاً. ولآل فلانٍ مَعَادةٌ، أي أمر يغشاهم([15]) النَّاسُ لـه. والمَعَاد: كل شيء إليه المصير. والآخرة مَعادٌ للناس. واللهُ تعالى المبدِئ المُعيد، وذلك أنه أبدأَ الخلْقَ ثم يُعيدهم. وتقول: رأيتُ فلاناً ما يبدئ وما يعيد، أي ما يتكلم ببادئةٍ ولا عائدة([16]) . قال عبيد:

أقفر من أهله عبيدُ  *** فاليومَ لا يُبدِي ولا يُعيدُ([17])

والعِيد: ما يعتاد من خَيالٍ أو هَمٍّ. ومنه المعاوَدَة، واعتياد الرَّجل، والتعوُّد. وقال عنترةُ يصف ظَلِيماً يعتاد بيضَهُ كلَّ ساعة:

صَعْلٍ يعود بذِي العَشَيرةِ بيضَهُ  *** كالعبد ذي الفَرْوِ الطّويلِ الأصلمِ([18])

ويقولون: أعادَ الصّلاةَ والحديثَ. والعَادة: الدُّرْبة. والتَّمادِي في شيء حتَّى يصير لـه سجيّةً. ويقال للمواظب على الشيء: المُعاوِد. وفي بعض الكلام: "الزموا تُقَى الله تعالى واستَعيدوها"، أي تعوَّدوها. ويقال في معنى تعوَّد: أعادَ. قال:

لا يستطيع جَرَّهُ الغَوامضُ  *** الغَرب غَربٌ بقَرِيٌّ فارضُ

إلاّ المُعيداتُ به النواهضُ([19])

يعني النوقَ التي استعادت النَّهْض بالدَّلو. ويقال للشجاع: بَطَلٌ معاوِدٌ، أي لا يمنعُه ما رآه شدّة الحرب أن يعاودها. والقياس في كلِّ هذا صحيح. فأمّا الجمَل المسِنُّ فهو يسمَّى عَوْداً. وممكنٌ أن يكون من هذا، كأنَّه عاوَدَ الأسفار والرِّحَلَ مرّةً بعد مرة.وقد أومأ الخليلُ إلى معنىً آخر فقال: هو الذي [فيه] بقيَّة. فإن كان كذا فلأنَّ لأصحابه([20]) في إعماله عَودةً. والمعنيان كلاهما جيِّدان.

وجمع الجَمَل العَوْد عِوَدة. ويقال منه: عوَّد يُعوِّد تعويداً، إذا بلغ ذلك الوقت. وقال:

هل المجدُ إلاّ السُّودَدُ العَوْد والنَّدَى *** ورأْبُ الثَّأَى والصبرُ عند المَوَاطِنِ([21])

وهذا على معنى الاستعارة، كأنّه أراد السودد القديم. ويقولون أيضاً للطّريق القديم: عَوْد. قال:

عَودٌ على عَوْد لأقوامٍ أُوَلْ  *** يموتُ بالتَّرْك ويحيا بالعَمَلْ([22])

يعني بالعَود الجمل. على عَودٍ، أي طريق قديم. وكذلك الطريق يموت أو يَدرُس إذا تُرك، ويحيا إذا سُلِك. ومن الباب: العائدة، وهو المعروف والصِّلة. تقول: ما أكثَرَ عائدةَ فلانٍ علينا. وهذا الأمر أعْوَدُ من هذا، أي أرفَق.

ومن الباب العِيد: كلُّ يومِ مَجْمَع. واشتقاقُه قد ذكره الخليل من عاد يَعُود، كأنَّهم عادُوا إليه. ويمكن أن يقال لأنَّه يعود كلَّ عامٍ. وهذا عندنا أصحُّ. وقال غيره، وهو قريب من المعنيين: إنّه سمِّي عيداً لأنَّهم قد اعتادوه([23]) . والياء في العِيد أصلها الواو، ولكنها قلبت ياءً لكسرة العين. وقال العجاج:

يعتادُ أرباضاً لها آرِيُّ([24])  *** كما يَعودُ العِيدَ نصرانيُّ

ويجمعون العيدَ أعياداً، ويصغرونه على التغيير عُيَيْد. ويقولون فحلٌ معيدٌ: معتاد للضِّراب. والعِيديَّة: نجائبُ منسوبة، قالوا: نسبت إلى عادٍ. والله أعلم.

وأمّا الأصل الآخَر فالعُود وهو كلُّ خشبةٍ دَقّت. ويقال بل كلُّ خشبة عُود. والعُود: الذي يُتبَخّر به، معروف.

(عوذ) العين والواو والذال أصلٌ صحيح يدلُّ على معنىً واحد، وهو الالتجاء إلى الشَّيء، ثم يُحمَل عليه كلُّ شيء لصق بشيءٍ أو لازَمَه.

قال الخليل: تقول أعوذ بالله، جلَّ ثناؤُه، أي ألجأ إليه تبارك وتعالى، عَوْذاً أو عِياذاً. ذكر أيضاً أنّهم يقولون: فلانٌ عياذٌ لك، أي ملجأ. وقولهم: مَعاذَ الله، معناه أعوذ بالله. وكذا أستعيذ بالله. وقال *رسول الله صلى الله عليه وسلم للتي استعاذت منه: "لقد عُذْتِ بمَعَاذ". قال: والعُوذة والمَعَاذة: التي يُعوَّذ بها الإنسان من فَزَعٍ أو جُنون. ويقولون لكلِّ أنثى إذا وضعت: عائذ. وتكون كذا سبعةَ أيّام. والجمع عُوذ. قال لَبيد:

والعِينُ ساكنةٌ على أطلائِها *** عُوذٌ تأجّلُ بالفَضاء بِهامُها([25])

تأجَّلُ: تَصير آجالاً([26]) ، أي قُطُعاً. وإنّما سمِّيت لما ذكرناه من ملازمة ولِدها إيّاها، أو ملازمتها إيّاه.

(عور) العين والواو والراء أصلانِ: أحدهما يدلُّ على تداوُلِ الشّيء، والآخر يدلُّ على مرضٍ في إحدى عيني الإنسان وكلِّ ذي عينينِ. ومعناه الخلوُّ من النظر. ثم يُحمَل عليه ويشتقُّ منه.

فالأوّل قولهم: تعاوَرَ القومُ فلاناً واعتورُوه ضرباً، إذا تعاوَنُوا، فكلّما كَفَّ واحدٌ ضَربَ آخر. قال الخليل: والتّعاوُرُ عامٌّ في كلِّ شيء. ويقال تعاوَرَت الرِّياحُ رسماً حَتَّى عَفَته، أي تواظبت عليه. قال الأعشى:

دِمنةٌ قفرةٌ تعاوَرَها الصَّيـ  *** ـفُ بريحينِ من صبَاً وشَمالِ([27])

وحكى الأصمعيُّ أو غيره: تعوَّرنا العَوارِيَّ([28]) .

والأصل الآخر العَوَر في العين. قال الخليل: يقال انظُروا إلى عينه العَوراء. ولا يقال لإحدى العينين عَمْياء. لأنّ العَوَر لا يكون إلاّ في إحدى العينين. وتقول: عُرْت عينَه، وعَوّرت، وأعرت، كلّ ذلك يقال. ويقولون في معنى التشبيه وهي كلمةٌ عوراء. قال الخليل: الكلمة التي تهوي في غير عَقْلٍ ولا رَشَد. قال:

ولا تنطقِ العَوراءَ في القومِ سادراً  *** فإنّ لها فاعلم من القوم واعيا([29])

وقال بعضهم: العَوراء: الكلمة القبيحة التي يَمتعض منها الرَّجُل ويَغضب. وأنشد:

وعوراءَ قد قِيلت فلم ألتفِتْ لها  *** وما الكَلِمُ العَوْراء لي بقَبُولِ([30])

ومن الباب العَوَاء، وهو خرقٌ أو شَقٌّ يكون في الثَّوب.

ومن الباب العَوْرة، واشتقاقُها من الذي قدّمْنا ذكره، وأنّه ممّا حُمِل على الأصل، كأنَّ العورةَ شيءٌ ينبغي مراقبتُه لخلوّه. وعلى ذلك فُسِّرَ قوله تعالى: {يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ومَا هِيَ بِعَوْرَةٍ}  [الأحزاب 13]، قالوا: كأنَّها ليست بحَريزة([31]) . وجمع العَورةِ عَوْرات. قال الشَّاعر([32]) :

في جَميعٍ حافِظي عَوْراتهِمْ  *** لا يهُمُّمون بإدعاقِ الشَّلَلْ([33])

الإدعاق: الإسراع. والشَّلَل: الطَّرْد. ويقال في المكان يكون عورة: قد أَعْوَرَ يُعْوِر إعوارًا. قال الخليل: ولو قلت أعار يُعير إعارةً جاز في القياس، أي صار ذا عورةٍ. ويقال أعورَ البيتُ: صارت فيه عَورةٌ. قال الخليل: يقال: عَوِرَ يَعْوَرُ عَوَراً. فعورةٌ، في قولـه تعالى: {إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب 13]، قال الخليل: نعتٌ يخرجُ على العِدَّة والتّذكير والتّأنيث، وعورةٌ مجزومة على حالٍ واحد في الجمع والواحد، والتأنيث والتذكير، كقولك رجلٌ صوم وامرأة صوم، ورجالٌ صَوم ونساءٌ صوم. فأمّا قولهم إنّ العَوَر تَرْكُ الحقّ، وإنشادُهم قول العجّاج:

قد جبَرَ الدِّينَ الإلهُ فجبَرْ  *** وعَوّرَ الرّحمنُ مَنْ ولّى العَوَرْ([34])

فالقياس غير مقتضٍ للَّفظ الذي ذُكر من ترك الحقّ، وإنما أراد العجّاج العَوَر الذي هو عَوَرُ العين، يضربُه مثلاً لمن عَمِيَ عن الحق فلم يهتدِ له.

وأما قولُ العرب: إنّ لفلان من المال عائرةَ عينٍ، يريدون الكثرة، فمعناه المعنى الذي ذكرناه، كأنَّ العينَ تَتحيَّر عند النظر إلى المال الكثير فكأنَّها عَوْرة. ويقولون عوَّرْتُ عينَ الركِيَّة، إذا كبَسْتَها حتى نَضَب الماء. والمكانُ المُعْوِر: الذي يُخاف فيه القَطْع.

(عوز) العين والواو والزاء كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على سوءِ حالٍ. من ذلك العَوَز: أن يُعوز الإنسانَ الشيءُ الذي هو محتاجٌ إليه، يرومُه ولا يتهيَّأ له.

يقال: عازَني([35]) . وأعْوَز الرّجُل: ساءت حالُه. ومن الباب المِعْوَز، والجمع مَعَاوِز، وهي الثِّياب الخُلْقَان والخِرَقُ التي تدلُّ على إعواز صاحِبها. قال الشّماخ:

إذا سقط الأنداء صِينَتْ وأُشْعِرَتْ  *** حَبِيراً ولم تُدْرَجْ عليها المَعَاوِزُ([36])

فأمّا العزّة([37])

(*عوس) العين والواو والسين كلمةٌ قد ذكرها أهلُ اللُّغة، وقياسُها قياسٌ صحيح بعيد. قالوا: العَوَاساء: الحامل من الخنافس، وأنشدوا:

* بِكراً عَوساءَ تَفَاسَى مُقْرِبا([38]) *

أي دنا أن تضع حَمْلها. ويقولون: العَوَسانُ والعَوْس: الطّوَفان باللّيل. ويقولون أيضاً: الأعوس: الصَّيْقَل. والأعوس: الوصَّاف للشيء. وكلُّ هذا مما لا يكاد القلبُ يسكُن إلى صحَّته.

(عوص) العين والواو والصاد أُصيلٌ يدلُّ على قِلّة الإمكان في الشيء. يقال اعتاصَ الشيءُ، إذا لم يُمكِنْ. والعَوَص مصدر الأعوص والعَويص. ومنه كلامٌ عويص، وكلمةٌ عَوصاء. وقال:

* أيُّها السَّائلُ عن عوصائها *

ويقال أعْوَص في المنطق وأعْوَص بالخَصْم([39]) ، إذا كلّمهُ بما لا يَفْطِن له. قال لبيد:

فلقد أَعْوِصُ بالخَصْم وقد *** أملا الجَفْنَة من شحم القُلَلْ([40])

ومن الباب: اعتاصت الناقة، إذا ضربها الفحل فلم تحمِل من [غير([41]) ] عِلّة.

(عوض) العين والواو والضاد كلمتان صحيحتان، إحداهما تدلُّ على بدل للشيء، والأخرى على زمان.

فالأولى: العِوَض، والفعل منه العَوْض، قال الخليل: عاضَ يَعُوضُ عَوْضاً وعِياضاً، والاسم العِوَض، والمستعمل التَّعويض([42]) ، تقول: عوّضتُه من هِبَته خيراً. واعتاضَنِي فلانٌ، إذا جاء طالباً للعِوَض والصِّلَة. واستعاضني، إذا سألك العِوَض. وقال رؤبة:

نعم الفتى ومَرْغَبُ المعتاضِ  *** والله يجزي القَرْض بالإقراضِ([43])

وتقول: اعتضت ممّا أعطيتُ فلاناً وعُضْت، أصبت عِوَضاً. وقال:

يا ليلَ أسْقاكِ البُرَيْقُ الوامِضُ  *** هل لكِ والعارضُ منك عائضُ

* في مائةٍ يُسْئرُ منها القابضُ([44]) *

ومعناه أنّه خَطَبها على مائةٍ من الإبل ثم قال لها: وأنا آخُذُك فأنا عائض، قد عُضْت، أي صار الفَضْلُ لي والعِوَضُ بأخْذِيكِ.

والكلمة الأخرى: قولهم عَوْضُ، واختُلِفَ فيها، فقال قوم هي كلمةُ قَسمٍ. وذُكر عن الخليل أنَّه قال: هو الدهر والزَّمان. يقول الرجلُ لصاحبه: عَوْضُ لا يكون ذلك، أي أبداً. ثم قال الخليل: لو كان عَوْضُ اسماً للزَّمان لَجَرَى بالتنوين([45]) ، ولكنه حرفٌ يراد بها القَسَم، كما أنَّ أجَلْ ونَعَمْ ونحوهما لمّا لم يتمكَّنُ حُمِلَ على غير الإعراب. وقال الأعشى:

رَضِيعَيْ لِبَانٍ ثديَ أمٍّ تقاسما  *** بأسحَمَ داجٍ عَوْضُ لا نتفرَّقُ([46])

والله أعلم بالصواب([47])

ـــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "عجبتها"، صوابه من المجمل.

([2]) ديوان رؤبة 80 واللسان (وفض، عوى) .

([3]) وردت في المجمل بالقصر، وقال: "لا أعلمها إلا مقصورة". وكذا جاءت في اللسان مقصورة، وفي القاموس بالقصر والمد.

([4]) هذا لا يصلح شاهداً لما قبله، وإنما هو شاهد للعوة بضم العين وفتحها.

([5]) أنشده محرفاً في اللسان (عوى).

([6]) في الأصل: "وهو من باب العواء".

([7]) ويقال أيضاً: "معاعاة".

([8]) صدره كما في اللسان (عوى) : * وإن ثيابي من ثياب محرق *

([9]) في الأصل: "عطف إلى رأس البعير"، صوابه في المجمل واللسان.

([10]) ديوان ذي الرمة 54.

([11]) ديوان ذي الرمة 72 واللسان (عوج). وصواب إنشاده: "تسقي". ومفعوله هذا الفعل قوله في البيت التالي:

صوادي الهام والأحشاء خافقة  *** تناول الهيم أرشاف الصهاريج

([12]) ديوان رؤبة 161 واللسان (عوج، شظف).

([13]) ديوان طفيل 22 واللسان (وجه) وخيل ابن الكلبي 9.

([14]) البيت ليس في ديوان ذي الرمة ولا ملحقاته. انظر قصيدته على هذا الروي في 222-239. وأنشد صدره في اللسان (عوج) محرفاً.

([15]) في الأصل: "يغشيهم". وفي اللسان: "أي مصيبة يغشاهم الناس في مناوح أو غيرها، يتكلم به النساء. يقال خرجت إلى المعادة والمعاد والماثم".

([16]) في الأصل: "ولا عادية"، صوابه في اللسان.

([17]) ديوان عبيد 3.

([18]) البيت من معلقته المشهورة.

([19]) الرجز في اللسان (عود، غمض) والمخصص (12: 75).

([20]) في الأصل: "إلى أصحابه".

([21]) البيت للطرماح في ديوانه 173 واللسان (عود).

([22]) الرجز ليشير بن النكث، كما في اللسان (عود).

([23]) في الأصل: "اعتادوهم".

([24]) صوابه إنشاده: "واعتاد" كما في ديوان العجاج 69 واللسان (عود).

([25]) من معلقته المشهورة.

([26]) الآجال: جميع إجل بالكسر، وهو القطيع. وفي الأصل"، أجلالاً"، تحريف.

([27]) ديوان الأعشى 3 واللسان (عور).

([28]) ويقال أيضاً: تعاورنا العواري تعاوراً. وقد اقتصر على هذه اللغة في المجمل.

([29]) في الأصل: "أوعيا".

([30]) البيت لكعب بن سعد الغنوي، من قصيدة لـه في الأصمعيات 60-61 ليبسك. وروايته هنا تطابق روايته هناك. وأنشده في اللسان (عور) بدون نسبة برواية: "وما الكلم العوران لي بقتول". وقال: "وصف الكلم بالعوران لأنه جمع وأخبر عنه بالقتول وهو واحد لأن الكلم يذكر ويؤنث، وكذلك كل جميع لا يفارق واحده إلا بالهاء لك فيه كل ذلك".

([31]) حريزة أي حصينة، وفي الأصل: "بجزيرة"، تحريف.

([32]) هو لبيد، كما سبق في حواشي (دعق)، والبيت ليس في ديوانه. وقد سبق إنشاد عجزه في (دعق، شلل).

([33]) لابن منظور كلام على البيت في (دعق).

([34]) مطلع أرجوزة له في ديوانه 15 يمدح بها عمر بن عبيد الله بن معمر.

([35]) في اللسان: "قال ابن سيده: يقال عازني الشيء وأعوزني: أعجزني على شدة حاجة".

([36]) ديوان الشماخ 50 واللسان (حبر) وشروح سقط الزند 419، 1554.

([37]) كذا في الأصل. ولعله يريد: "فأما العوز، وهو الحب من العنب فقد سبق قولنا إن أسماء النبات ليس مما يطرد فيه القياس".

([38]) الحيوان (3: 501) واللسان (عوس، فسى) والمخصص (2: 18) والمقصور والممدود لابن ولاد 78 والغريب المصنف 157، 244 مخطوطة دار الكتب.

([39]) في الأصل: "بالختم"، صوابه في اللسان.

([40]) ديوان لبيد 12 طبع سنة 1881 واللسان (عوص).

([41]) التكملة من اللسان. وفي المجمل: "فلم تحمل ولا علة بها".

([42]) أي الذي يكثر استعماله، هو عوضه لا عاضه. وهذه العبارة تصحح ما في اللسان (عوض) من قوله: "والمستقبل التعويض" وقد حار فيها مصححه.

([43]) ديوان رؤبة 82. وهو في اللسان بدون نسبة.

([44]) لأبي محمد الفقعسي، كما في اللسان (عوض). وانظر المخصص (12: 251).

([45]) في الأصل: "يجري بالتنوين"، صوابه من المجمل.

([46]) ديوان الأعشى: 150 واللسان (سحم، عوض)، وقد سبق إنشاده في (سحم)

([47]) أهمل المصنف بعد هذا بعض المواد من باب العين والواو، وهي كما في المجمل (عوف)، (عوق)، (عول)، (عوم)، (عون)، (عوه) .

 

ـ (باب العين والياء وما يثلثهما)

(عيب) العين والياء والباء أصلٌ صحيح، فيه كلمتان: إحداهما العَيب والأخرى العَيْبة، وهما متباعدتان.

فالعَيب في الشيء معروفٌ. تقول: عابَ فلان فلاناً يَعيبُه. ورجلٌ عَيَّابةٌ: وَقَّاعٌ في الناس. وعابَ الحائطُ وغيرهُ، إذا ظهر فيه عَيب. والعاب: العيب([1]) .

والكلمة الأخرى العَيْبَة: عَيْبَة الثيابِ وغيرها، وهي عربيَّة صحيحة.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الأنصارُ كَرِشي وعيْبَتِي"، ضربها لهم مثلاً، كأنهم موضعُ سِرّه والذين يأمَنُهم على أمره.

(عيث) العين والياء والثاء أصلان صحيحان متقاربان، أحدهما: الإسراع في الفساد، والآخَر تطلُّب الشيء على غير بَصيرة.

فالأوّل قولهم: عاثَ يَعِيث، إذا أسرع في الفساد. ويقولون: هو أعْيَثُ الناسِ في ماله. والذِّئب يَعيث في الغَنم، لا يأخذ منها شيئاً إلاّ قتلَه([2]) . قال:

قد قلتُ للذِّئبِ أيا خبيثُ *** والذّئب وسْطَ غنمي يَعِيثُ([3])

والأصل الآخر: التَّعييث، قال الخليل: هو طلب الأعمى للشيء والرَّجُلِ في الظُّلمة. ومنه التعييث: إدخال اليد في الكِنانة تطلُب سهْماً([4]) . قال أبو ذؤيب:

وبدا لـه أقرابُ هادٍ رائغٍ  *** عجِلٍ فَعيَّث في الكنانة يُرْجِعُ([5])

وقال ابن أبي عائذ:

فعيَّثَ ساعةَ أقفَرنَه  *** بالايفاقِ والرَّمْي أو باستلالِ([6])

(عيج) العين والياء والجيم أُصيلٌ صحيحٌ يدلُّ على إقبال واكتراثٍ للشيء. يقولون: ما عِجْتُ *بقول فلانٍ، أي لم أصَدِّقْه ولم أُقْبِلْ عليه. وما أَعِيج بشيء يأتيني مِن قِبَلِه. قال النابغة:

فما رأيت لها شيئاً أَعِيجُ به  *** إلا الثُّمامَ وإِلاّ موقدَ النّارِ([7])

(عيد) العين والياء والدال قد مضى ذكره في محلِّه، لأن ذلك هو الأصل.

(عير) العين والياء والراء أصلانِ صحيحان، يدل أحدُهما على نتوِّ الشيء وارتفاعه، والآخر على مجيءٍ وذَهاب.

فالأوَّل العَيْر، وَهو العَظْم الناتئ وَسْط الكتِف، والجمع عُيورة([8]) . وعير النَّصل: حرف في وَسَطه كأنّه شَظِيّة. وقال:

فصادف سَهْمُهُ أحجارَ قُفٍّ  *** كَسَرْنَ العَيْرَ منه وَالغِرارا([9])

والغِرار: الحَدّ. وَالعَيْر في القَدَم: العظم النّاتئ في ظهر القَدَم. وحُكي عن الخليل: العير: سَيِّد القوم. وهذا إن كان صحيحاً فهو القياس، وذلك أنّه أرفَعُهم منزلةً وأنْتَأ. قال: ولو رأيتَ في صخرةٍ نتوءاً، أي حرفاً ناتئاً خِلقةً، كان ذلك عَيْراً.

والأصل الآخر العَيْر: الحِمار الوحشيّ والأهليّ، والجمع الأعيار والمعيوراء. وإنما سمي عَيْرَاً لتردُّده ومجيئِه وذَهابه. قال الخليل: وكلماتٌ جاءت في الجمع عن العرب في مفعولاء: المَعْيوراء، والمَعْلوجاء، والمَشيُوخاء. قال: ويقولون مَشْيَخَة على مَفْعَلَة. ولم يقولوا مثلَه في شيءٍ من الجمع. ومما جاء من الأمثال في العَيْر: "إذا ذَهَبَ عَيْرٌ فعَيْرٌ في الرِّباط". وإنسان العَينِ عَيرٌ، يسمِّى لما قلناه من مجيئه وذَهابه وَاضطرابِه. وقال الخليل: في أمثالهم: "جاء فلانٌ قيل عَيْرٍ وما جَرَى" يريدون به السُّرعة، أي قبل لحظِ العين. وَأنشد لتأبّط شرَّاً:

ونار قد حضأتُ بُعيد هُدءٍ  *** بدارٍ ما أُريدُ بها مُقاما([10])

سوى تحليلِ راحلةٍ وعيرٍ  *** أُغالِبُه مخافةً أن يناما

وقال الحارث بن حِلّزة:

زعموا أنّ كل من ضرب العيـ  *** ـرَ مُوَالٍ لنا وَأنَّى الوَلاء([11])

أي أنّ كلّ من طرف جفنٌ [له] على عَيرٍ، وَهو إنسان العين. والعِيار: فِعلُ الفرس العائر. يقال: عَار يَعير، وهو ذَهَابُه كأنّهُ متفلِّتٌ من صاحبه يتردّد. وقصيدةٌ عائرة: سائرة. وما قالت العربُ بيتاً أعيَرَ من قوله:

فمن يلقَ خيراً يحمَدِ الناسُ أمرَه  *** ومن يَغْوِ لا يَعْدَم على الغَيِّ لائما([12])

يعني بيتاً أسيَرَ.

(عيس) العين والياء والسين كلمتان: إحداهما لونٌ أبيض مُشْرَبٌ، والأخرى عَسْب الفحل.

قال الخليل: العَيَس والعِيسَة([13]) : لونٌ أبيضٌ مشربٌ صفاءً في ظلمةٍ خفيَّة. جملٌ أعْيَسُ وناقةٌ عيساء؛ والجمع عِيس. قال أبو دُواد:

وعيـس قـد بَـرَاها لــ *** ـذّة المَوْكِب والشَّرْبِ

وقال آخر في وصف الثَّور:

* وعانَقَ الظِّلَّ الشّبُوبُ الأعْيَسُ([14]) *

قال: والعرب قد خصّت بالعَيَس الإِبل العِرَاب([15]) البيضَ خاصّة. والعِيسَة في أصل البناء الفُعْلة، على قياس الصُّهْبَة والكُمْتة، ولكن كسرت العين لأجل الياء بعدها. ويقولون: ظبيٌ أعْيَسٌ. وفي الذي([16]) ذكره في الظَّبي والشّبوب الأعيس، خلافٌ لما قالَه من أنّ العرب خَصّت بالعَيَسِ الإِبلَ العِرَابَ([17]) البيضَ خاصّة.

والكلمة الأخرى العيْس: ماء الفحل. قال الخليل: العَيْس: عَسْب الفحل، وهو ضِرابُه. يقال: لا تأخُذْ على عَيْس جملِك أجراً. وهذا الذي ذكره الخليلُ أصحُّ.

(عيش) العين والياء والشين أصلٌ صحيح يدلُّ على حياةٍ وبقاء، قال الخليل: العيش: الحياة. والمعيشة: الذي يعيش بها الإنسان: من مطعمٍ ومشربٍ وما تكون به الحياة. والمعيشة: اسمٌ لما يعاش به. وهو في عِيشةٍ ومَعيشةٍ صالحة. والعِيشة مثل الجِلْسة والمِشْية. والعَيْش: المصدر الجامع. والمعاش يجري مجرى العَيْش. تقول عاشَ يَعِيشُ عَيْشاً ومعاشاً. وكلُّ شيء يُعاش به أو فيه فهو مَعاشٌ. قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً}  [النبأ 11]، والأرضُ مَعاشٌ للخلق، فيها يلتمسون معايِشَهم. وذكر الخليل أنّ المعيشَ بطرح الهاء يقوم في الشِّعر مقامَ المَعيشة، *وأنشد لحُميد:

إزاءُ مَعِيشٍ ما تحلُّ إزارها *** من الكَيْسِ فيها سَوْرَة وهي قاعدُ([18])

والناس يروونه: "إزاءُ مَعاشٍ". وقال بعضهم: عاش فلانٌ عَيْشُوشةً صالحة، وإنّهم لمتعيِّشون، إذا كانت لهم بُلْغةٌ من عَيش. ورجل عائِشٌ، إذا كانت حالُه حسنةً.

(عيص) العين والياء والصاد أصلٌ صحيح، وهو المَنْبِت. قال الخليل. العِيص: مَنْبِت خِيارِ الشَّجر. قال: وأعياص قُريش: كرامهم يتناسبون إلى عِيصٍ. وأعياصٌ وعيصٌ في آبائهم. وذكَر أيضاً المَعيص، وقال: كالمَنْبِت. وقال العجّاج في العِيص:

* من عِيصِ مَرْوانَ إلى عِيصٍ غِطَمّْ([19]) *

وقال جرير:

فما شَجراتُ عَيصِكَ في قريشٍ  *** بعَشَّات الفروعِ ولا ضَواحِ([20])

(عيط) العين والياء والطاء أصلان صحيحان، يدلُّ أحدُهما على ارتفاعٍ، والآخَر [على] تتبُّع شيء.

فالأوّل العَيَط، وهو مصدر الأعْيَط، وهو الطَّويل الرأسِ والعنُق. ويقال ناقة عيطاءُ وجملٌ أعيط، والجمع العِيط. قال الخليل: وتُوصَف به حُمُر الوَحْش. قال العجّاجُ يصفُ الفرسَ بأنّه يَعْقِر عِيطاً([21]) :

فهو يَكُبُّ العِيطَ منها للذقَن *** بأرَنٍ أو بشبيهٍ بالأرَنْ([22])

والأرَنّ: النَّشاط حَتّى يكون كالمجنون. ويقال للقارَةِ المستطيلة في السّماء جداً: إنها لَعَيطاء. وكذلك القَصْر المُنيف أعيطُ. قال أمية:

نحن ثقيفٌ عِزُّنا منيعُ  *** أعْيَطُ صَعْبُ المرتَقَى رفيعُ([23])

ومما يجوز أن يُقاسَ على هذا النّاقةُ التي لم تَحْمِل سنواتٍ من غير عُقْر، يقال قد اعتاطت، وذلك أنها تَرَفَّعُ وتتعَالى عن الحمل. قالوا: وربَّما كان اعتياطُها من كثرة شَحْمها. وتعتاطُ المرأةُ أيضاً. ويقال: ناقةٌ عائط، وقد عَاطت تَعِيط عِياطاً في معنى حائل، في نوق عِيطٍ وعوائط. وقال:

وبالبُزْلٍ قد دمّها نِيُّها  *** وذاتِ المُدارأة العائط([24])

والمصدر أيضاً عُوطَطٌ وعُوطة([25]) .

والأصل الآخر التعيُّط. نَتْعُ الشّيء([26]) من حَجرٍ أو عودٍ، يخرج منه شِبهُ ماءٍ فيُصمِّغ([27]) أو يَسِيل. وذِفْرَى الجمل يتعيَّط بالعرق([28]) . قال:

تَعَيَّطُ ذِفراها بجَونٍ كأنّه *** كُحَيْلٌ جَرَى منها على اللِّيتِ واكفُ([29])

(عيف) العين والياء والفاء أصلٌ صحيح واحد يدلُّ على كراهة. من ذلك قولُهم: عافَ الشَّيء يَعافه عِيافاً، إذا كره، من طعامٍ أو شراب. والعُيوف من الإبل: الذي يَشَمّ الماءَ وهو عطشانُ فيدعُه، وذلك لأنّه يتكرّهُه. وربما جُهِد فشرِبَه. قال ابن [أبي] ربيعة:

فسافَت وما عافت وما صَدَّ شربها *** عن الرِّيِّ مطروقٌ من الماء أكدرُ([30])

ومن هذا القياس عِيافةُ الطَّير، وهو زَجْرُها. وهو من الكراهة أيضاً، وذلك أن يرى غُراباً أو طائراً غيرَه أو غير ذلك فيتطيَّر به. وربّما قالوا للمتكهِّن عائف. قال الأعشى:

ما تَعِيفُ اليومَ في الطَّيْرِ الرَّوَحْ  *** من غُرابِ الطَّيرِ أو تيسٍ بَرَحْ([31])

وقال:

* لقَدْ عَيْثَرْتَ طيْرَكَ لو تعيفُ([32]) *

(عيق) العين والياء والقاف لم يذكر الخليل فيه شيئاً، وهو صحيح. يقولون: العَيقة: ساحل البحر. قال الهذلي([33]) :

[سادٍ تجرَّمَ في البَضِيع ثمانياً  *** يُلوِي بعَيقاتِ البِحارِ ويُجنَبُ([34])]

وقد أومأ الخليل إلى أنَّ هذا مستعمل، وليس من المهمل، فقال في كتابه:

عَيُّوق فَيْعُول، يحتمل أن يكون بناؤه من عَوق ومن عيق، لأنّ الياء والواو في ذلك سواء. فقد أعْلَمَ أنّ البناءَ مستعملٌ، أعني العين والياء والقاف.

(عيك) العين والياء والكاف. لم يذكر الخليل فيه شيئاً، وهو بناء جيِّد وإن لم يجئْ فيه كلامٌ، لكنّ العَيكَتين: موضعٌ في بلاد العرب معروف.

([عيل) العين والياء واللام، ليس([35]) ] فيه إلاّ ما هو منقلب عن واو. العيْلة: الفاقة والحاجة، يقال عالَ يَعِيل عَيْلةً، إذا احتاج. قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة 28]، وفي الحديث: "ما عالَ مقتصد". وقال:

* مَن عال مِنَّا بَعدها فَلاَ انْجَبَر([36]) *

وعَيْلان: اسم.

(عيم) العين والياء والميم كلمةٌ واحدة صحيحة، وهي شهوةُ اللَّبَن: يقال للذي اشْتَهَى اللّبَن عَيْمَانُ، والمرأة عَيْمَى. تقول: عِمْتُ إلى *اللبن عَيْمَة وعَيَماً شديداً قال الخليل: وكلُّ مصدرٍ مثلِ هذا ممّا يكون لِفَعْلان وفَعْلَى، فإذا أنّثت المصدر قلته على فَعْلة خفيفة، وإذا ثقّلتَ فَعَلَى فَعَل([37]) ، نحو الحَيَر والحَيْرة. وجمع العَيْمان عَيامَى وَعِيام.

(عين) العين والياء والنون أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على عُضوٍ به يُبْصَر ويُنظَر، ثم يشتقُّ منه، والأصلُ في جميعه ما ذكرنا.

قال الخليل: العين النّاظرة لكلِّ ذي بَصَر. والعين تجمع على أعيُن وعُيون وأعيان. قال الشاعر:

فقد أرُوعُ قلوبَ الغانياتِ به  *** حَتّى يَمِلْنَ بأجيادٍ وأعيانِ

وقال:

* فقد قرَّ أعيانَ الشَّوامِتِ أنّهم *

وربّما جمعوا أعيُنا على أعيناتٍ. قال:

* بأعينُات لم يخالطها قَذَى([38]) *

وعَيْنُ القَلْب مثَل على معنى التشبيه. ومن أمثال العرب في العين، قولهم: "ولا أفعَلُه ما حَمَلتْ عيني الماء"، أي لا أفعله أبداً. ويقولون: "عَينٌ بها كلُّ داء" للكثير العيوب. ويقال: رجلٌ شديد جَفْنِ العين، إذا كان صبوراً على السَّهَر. ويقال: عِنْتُ الرّجلَ، إذا أصبتَه بعينك، فأنا أعينُه عَيْنا، وهو مَعْيون. قال:

قد كان قومُك يحسبونك [سيّداً  *** وإخال أنّكَ] سيِّدٌ مَعيونُ([39])

ورجل عَيُونٌ ومِعيانٌ([40]) : خبيث العين. والعائن: الذي يَعِين، ورأيت الشَّيء عِياناً، أي معايَنة. ويقولون: لقيتُه عَيْنَ عُنَّة، أي عِياناً. وصنعت ذاك عَمْدَ عَيْنٍ، إذا تعمّدتَه. والأصل فيه العين الناظرة، أي إنّه صنع ذلك بعينِ كلِّ مَن رآه. وهو عَبْدُ عينٍ، أي يَخدُم ما دام مولاه يراه. ويقال للأمر يَضِحُ: "بيَّنَ الصُّبحُ لذي عَينَين".

ومن الباب العين: الذي تبعثُه يتجسَّس الخبرَ، كأنَّه شيءٌ تَرَى به ما يَغِيب عنك. ويقال: رأيتُهم أدنى عائنةٍ، أي قَبْلَ كلِّ أحدٍ، يريد -والله أعلم- قبل كلِّ نَفْسٍ ناظرة. ويقال: اذهَبْ فاعتَنْ لنا، أي انظُرْ. ويقال: ما بها عَيَنٌ، متحركة الياء، تريد أحداً له عين، فحرّكت الياء فرقاً. قال:

* ولا عيَناً إلاَّ نَعَاماً مشمِّراً *

فأمَّا قولهم: اعتَانَ لنا منزلاً، أي ارتادَه، فإِنَّهم لم يفسِّروه. والمعنى أنّه نظر إلى المنازل بعينه ثم اختار.

ومن الباب العين الجاريةُ النّابعة من عيون الماء، وإنّما سمِّيت عيناً تشبيهاً لها بالعين النّاظرةِ لصفائها ومائها. ويقال: قد عانَت الصّخرةُ، وذلك إذا كانَ بها صَدعٌ يخرج منه الماء. ويقال: حَفَر فأعْيَن وأعان.

ومن الباب العين: السَّحاب ما جاءَ من ناحية القبلة، وهذا مشبَّه بمشبَّه، لأنَّه شُبِّه بعين الماء التي شبِّهت بعين الإنسان. يقولون: إذا نشأ السَّحاب من قِبَل العين فلا يَكاد يُخلف.

قال ابن الأعرابيّ: يقال هذا مطَر العين، ولا يقال مُطِرنا بالعَين. وعَين الشَّمس مشبه بعين الإنسان. قال الخليل: عين الشَّمس: صَيْخَدُها المستدير([41]) .

ومن الباب ماءٌ عائن، أي سائل. ومن الباب عَيْنُ السِّقاء. قال الخليل: يقال للسِّقاء إذا بَلِي ورقَّ موضعٌ منه: قد تعيَّن. وهذا أيضاً من العَين، لأنه إذا رقّ قرُب من التخرُّق فصار السِّقاء كأنّه يُنظر به. وأنشد ثعلب:

قالت سُليمَى قولةً لرِيدِها([42])   *** ما لابنِ عمِّي صادراً من شِيدها    بذات لَوثٍ عينُها في جيدها

أراد قربةً قد تعيَّنت في جِيدها. ويقال سِقاء عَيَّنٌ، إذا كانت فيه كالعُيون، وهو الذي قد ذكرناه. وأنشد:

* ما بالُ عينِي كالشَّعيب العَيَّنِ([43]) *

وقالوا في قول الطرِمَّاح:

فأَخْضَلَ منها كلَّ بالٍ وعَيِّنٍ  *** وجَفَّ الرَّوايا بالمَلاَ المتباطنِ([44])

إنّ العيِّن الجَديد بلغة طيٍّ. وهذا عندنا مما لا معنَى له، إنّما العيِّن الذي به عُيون، وهي التي ذكرناها من عيون السِّقاء. وإنّما غَلِط القومُ لأنّهم رأوا بَالِياً وعيّناً، فذهبوا إلى أنّ الشاعر أراد كلَّ جديدٍ وبال. وهذا خطأ، لأنّ البالي الذي بليَ، والعيِّن: الذي يكون به عُيون. وقد تكون القربةُ الجديدُ *ذاتَ عُيونٍ لعيبٍ في الجلد. والدَّليل على ما قلناه قولُ القطاميّ:

ولكنّ الأديم إذا تفرَّى *** بِِلىً وتعيُّناً غلَبَ الصَّنَاعا([45])

ومن باقي كلامهم في العَين العِينُ: البَقَر، وتوصف البقرة بسَعَة العين فيقال: بقرة عيناء. والرّجُل أعين. قال الخليل: ولا يقال ثورٌ أعْين. وقال غيره: يقال ثورٌ أعين. قال ذو الرّمَّة:

رفيقُ أعْيَنَ ذَيَّالٍ تشبِّهه  *** فَحلَ الهِجانِ تنحَّى غيرَ مخلوجِ([46])

قال الخليل: الأعيَن: اسمُ الثور، [ويقال] مُعَيَّنٌ أيضاً. قال:

ومعيَّناً يحوِي الصِّوَار كأنّه  *** متخمِّط قَطِمٌ إِذا ما بَرْبَرا([47])

ويقال قوافٍ عِينٌ. وسئل الأصمعيُّ عن تفسيرها فقال: لا أعرِفُه. وهذا من الوَرع الذي كان يستعمله في تركه تفسيرَ القرآن، فكأنّه لم يفسِّر العِينَ كما لم يفسِّر الحُور لأنَّهما لفظتان في القرآن. قال الله تعالى: {وَحُورٌٍ عِينٌٍ([48]) . كأَمْثَال اللُّؤْلُؤِ المَكْنُون} [الواقعة 22- 23]، إِنِّما المعنى في القوافي العِينِ أنّها نافذةٌ كالشَّيء النافذ البصر. قال الهُذليّ([49]) :

بكلامِ خَصْمٍ أو جدالِ مُجادلٍ  *** غَلِقٍ يُعالِجُ أو قوافٍ عينِ

ومن الباب قولهم: أعيان القَوم، أي أشرافهم، وهمْ قياسُ ما ذكرناه، كأنَّهم عيونُهم التي بها ينظرون([50]) ، وكذلك الإخوة، قال الخليل: تقول لكلِّ إخوةٍ يكونون لأبٍ وأُمٍّ ولهم إخوةٌ من أمّهات شتّى: هؤلاء أعيانُ إخوتهم. وهذا أيضاً مقيسٌ على ما ذكرناه. وعِينَةُ كلِّ شيء: خيارُه، يستوي فيه الذكر والأنثى، كما يقال عَيْنُ الشيء وعِينَتُه، أي أجودُه؛ لأن أصفَى ما في وجه الإنسان عينُه.

ومن الباب: ابنا عِيَانٍ: خطَّانِ يخُطُّهما الزاجر ويقول: ابنَيْ عِيان، أسرِعا البيان! كأنّه بهما ينظر إلى ما يريد أنْ يعلمَه. وقال الرّاعي يصف قِدْحاً:

* جَرَى ابنا عِيانٍ بالشِّوَاء المُضَهَّبِ([51]) *

ويقال: نَظَرَت البلادُ بعينٍ أو بعينَين، إذا طَلَعَ النّبتُ. وكلُّ هذا محمولٌ واستعارةٌ وتشبيه. قال الشاعر:

إذا نظرتْ بِلادُ بني نُميرٍ  *** بعَينٍ أو بلادُ بني صُبَاحِ([52])

رميناهُمْ بكلِّ أقَبَّ نَهْدٍ  *** وفتيانِ العَشِيَّة والصّباحِ([53])

ومن الباب: العَين، وهو المال العَتِيد الحاضر؛ يقال هو عَينٌ غير دَين، أي هومال حاضرٌ تراه العيونُ. وعينُ الشَّيء: نفسُه. تقول: خذ دِرْهمَك بعينه، فأمّا قولهم للمَيْل في الميزان عين فهو من هذا أيضاً؛ لأنَّ العَيْن كالزِّيادة في الميزان([54]) .

وقال الخليل: العِينَة : السَّلَف، يقال تعيَّنَ فلانٌ من فلانٍ عِينةً، وعيَّنَهُ تعييناً. قال الخليل: واشتقّت من عين الميزان، وهي زيادتُه. وهذا الذي ذكره الخليلُ [صحيحٌ]؛ لأن العِينة لابدّ أن تجرّ زيادة([55]) .

ويقال من العِينة: اعتَانَ. وأنشد:

فكيف لنا بالشُّرب إنْ لم تكن لنا  *** دراهمُ عند الحانَوِيِّ ولا نَقْدُ([56])

أنَدَّانُ أم نعتانُ أمْ ينبري لنا  *** فتىً مثل نَصْل السَّيف أبرزَه الغِمْدُ([57])

ومن الباب عَين الرَّكِيَّة، وهما عينانِ كأنهما نُقرتانِ في مقدَّمها.

فهذا باب العين والياء وما معهما في الثلاثي. فأمَّا العين والألف فقد مضى ذِكرُ ذلك، لأنَّ الألف فيه لابدّ [أن] تكون منقلبةً عن ياء أو واو، وقد ذكر ذلك([58]) والله أعلم.

ــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "عيب".

([2]) في الأصل: "قلت" صوابه في اللسان.

([3])الرجز في الحيوان (1: 306/ 6: 410) على هذا الوجه:

أما أتاك عني الحديث  *** إذ أنا بالغائط استغيث

والذئب وسط غنمي يعيث *** وصحت بالغائط يا خبيث

([4]) في الأصل: "منهما"، تحريف.

([5]) ديوان الهذليين (1: 9) والمفضليات (2: 225) واللسان (رجع، عيث). وقد سبق إنشاده عجزه في (رجع).

([6]) ديوان الهذليين (2: 186) واللسان والمجمل (عيث). وفي الأصل واللسان: "أقفرنه" صوابه بتقديم الفاء كما في الديوان والمجمل.

([7]) لم يرو في ديوان النابغة من مجموع خمسة دواوين. وأنشده في اللسان (عيج) بدون نسبة وبرواية: "وما رأيت بها شيئاً".

([8]) في الأصل: "عيرة" وإنما يجمع العير على أعيار، وعيار، وعيور، وعيورة.

([9]) البيت للراعي، كما في اللسان (عير).

([10]) البيتان في اللسان (عير) مع نسبتهما لتأبط شراً ونسب في الحيوان (4: 481) إلى سهم بن الحارث، وفي (6: 196) إلى شمر بن الحارث الضبي. وفي نوادر أبي زيد إلى "شمير بن الحارث" أو "سمير بن الحارث".

([11]) البيت من معلقته المشهورة.

([12]) البيت للمرقش كما في إصلاح المنطق 227 والمفضليات (2: 47) واللسان (غوى). وسيأتي في (غوي).

([13]) في اللسان: "وهي فعلة على قياس الصهبة والكمتة، لأنه ليس في الألوان فعلة، وإنما كسرت لتصح الياء كبيض". وانظر ما سيأتي بعد.

([14]) البيت في اللسان (عيس) والمخصص (8: 40).

([15]) في الأصل: والغراب".

([16]) في الأصل: "وهو الذي ذكره".

([17]) في الأصل: "الغراب".

([18]) سبق البيت في (أزي) برواية: "إزاء معاش لا يزال نطاقها شديداً وفيها".

([19]) أنشده في اللسان (عيص). وهو في ديوان العجاج. وقبله:

* حتى أناخوا بمناخ المعتصم *

([20])ديوان جرير 99 من قصيدة يمدح بها عبد الملك، وقد سبق في (عش).

([21]) في الأصل: "يعقر عليه".

([22]) البيتان في ملحقات ديوان العجاج 89. والرواية هناك: "بأذن أو بشبيه بالأذن"، محرف.

([23]) الرجز في اللسان (عيط).

([24]) البيت لأسامة بن الحارث الهذلي في ديوان الهذليين (2: 195)، ونسبه في اللسان (درأ) إلى الهذلي. ورواه: "وبالترك". وفي الأصل هنا: "وبالشجر"، صوابه ما أثبت من الديوان.

([25]) في الأصل: "وحولك"، صوابه في اللسان. وأما صاحب القاموس فقد جعل "العوطط" جمعاً لعائط، ونبه على أن طاءه قد تضم.

([26]) النتع: أن يخرج الدم من الجرح والماء من العين أو الحجر قليلاً قليلا. وفي الأصل: "تتبع الشيء"، وفي اللسان: "التعيط أن ينبع حجر أو شجر أو عود"، صواب هذه: "أن ينتع".

([27]) في الأصل: "فيضمع"، تحريف.

([28]) في اللسان: "بالعرق الأسود".

([29]) أنشده في اللسان (عيط)، برواية: "من قنفذ الليت نابع". وفي ديوان أوس 15:

كأن كحيلا معقداً أو عنية  *** على رجع ذفراها من الليت واكف

([30]) ديوان ابن أبي ربيعة 5 برواية: "وما رد شربها".

([31]) ديوان الأعشى 159 والحيوان (3: 442) واللسان (روح، عيف). وقد سبق في (روح).

([32]) عجز بيت للمغيرة بن حبناء في اللسان (عثر). وصدره:

* لعمر أبيك يا صخر بن ليلى *

([33]) هو ساعدة بن جؤية الهذلي، كما في اللسان (سأد، بضع، عيق، جنب، سدا) وديوان الهذليين (1: 172) .

([34]) موضع البيت بياض في الأصل.

([35]) بمثل هذه التكملة يلتئم الكلام.

([36]) الرجز لعمرو بن كلثوم، كما في اللسان (جبر) وفي الأصل: "من عال منهم بعد ما انجبر"، صوابه من اللسان. وفي اللسان: "فلا اجتبر". واجتبر وانجبر بمعنى. وبعده: * ولا سقى الماء ولا راء الشجر *

([37]) كذا، وفي اللسان (عيم) مع النسبة إلى الليث: "فإذا أنثت المصدر فخفف، وإذا خفضت الهاء فثقل، نحو الحيرة والحير، والرغبة والرغب، والرهبة والرهب".

([38]) أنشده في اللسان (عين) .

([39]) للعباس بن مرداس، كما في اللسان (عين) والحيوان (2: 142) وأمالي ابن الشجري (1: 113) والأغاني (4: 89) ومعاهد التنصيص (1: 13) ودرة الغواص 36 وشرحها 63.

([40]) في الأصل: "ورجل معيون معيان"، تحريف. وفي اللسان: "ورجل معيان وعيون: شديد الإصابة بالعين".

([41]) الصيخد: عين الشمس. وفي الأصل: "صخيدها"، تحريف.

([42]) أنشده في اللسان (رأد). والأشطار الثلاثة في المجمل كما هنا.

([43]) لرؤبة بن العجاج في ديوانه 160 واللسان (عين) .

([44]) رواية الديوان 168 واللسان (عين): "قد اخضل". وفي الأصل: "وجيف الروايا المتباطين"، وهو تحريف ونقص. وفسر المتباطن في شرح الديوان بأنه المتطامن".

([45]) ديوان القطامي 39، واللسان (عين).

([46]) في الأصل: "زفيف أعين"، صوابه من ديوان ذي الرمة 75.

([47]) البيت لجابر بن حريش، كما في اللسان (عين).

([48]) قرأها بالجر حمزة والكسائي وأبو جعفر، عطفا على (جنات النعيم) أو على (بأكواب). وقد وافقهم الحسن والأعمش، وباقي القراء بالرفع، عطفا على (ولدان) أو على الابتداء وخبره محذوف، أي فيها، أو لهم، أو على الخبرية، أي نساؤهم حور. إتحاف فضلاء البشر 407-408.

([49]) هو بدر بن عامر الهذلي. ديوان الهذليين (2: 266).

([50]) في الأصل: "ما ينطرون".

([51]) صدره كما في اللسان (عين): * وأصفر عطاف إذا راح ربه *

([52]) أنشدهما الزمخشري في أساس البلاغة (عين)، وقال: "نظرت الأرض بعين أو بعينين ، إذا طلع بأرض ترعاه الماشية بغير استمكان".

([53]) فسره الزمخشري بقوله: "أي القرى والغارة".

([54]) لابن فارس أبيات سرد فيها معاني العين. انظر ما سبق في مقدمة الكتاب ص13-14 من الجزء الأول.

([55]) في الأصل: "أن يجره زيادة". وانظر الكلام على (العينة) بتفصيل في اللسان (17: 181-182).

([56]) أنشده في اللسان (حنا) برواية: "دوانق عند الحانوي"، وفي المخصص (11: 89) وسيبويه (2: 71) واللسان (عون): "دوانيق". ونسبه الأعلم إلى الفرزدق، أو ذي الرمة، أو أعرابي. ونسب في اللسان (عون) إلى ذي الرمة.

([57]) في الأصل: "لم ينبري لنا فتى مثل نصف السيف". وفي اللسان (عون): "شيمته الحمد".

([58]) خالف هنا صنيعه في المجمل فإنه عقد هناك باباً للعين والألف وما يثلثهما، ثم قال: "وإنما نذكر هذا بألفاظه تقريباً على المبتدئ".

 

ـ (باب العين والباء وما يثلثهما)

(عبث) العين والباء والثاء أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على الخَلط يقال: عَبَثَ الأَقِط، وأنا أعبِثُه عَبْثاً، وهو عبيث، وهو يُخلَط ويجفَّف في الشَّمس. والعَبِيث: كلُّ خِلْط. ويقال: في هذا الوادي عَبِيثةٌ، أي خِلْطٌ من حَيَّيْن.

ومما قيسَ على هذا: العَبَثُ، هو الفعل لا يُفَعل على استواء وخُلوصِ صواب. تقول: عَبِثَ يعبَث عَبَثاً، وهو عابثٌ بما لا يَعْنيه وليس من بالِهِ([1]) ، وفي القرآن: {أفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْناكُمْ عَبَثاً}  [المؤمنون 115]، أي لَعِبا. والقياس في *ذلك كله واحد.

(عبج) العين والباء والجيم ليس عند الخليل [فيه] شيء. وقد قيل العَبَجَة: الأحمق.

(عبد) العين والباء والدال أصلانِ صحيحان، كأنَّهما متضادَّان، و[الأول] من ذينك([2]) الأصلينِ يدلُّ على لِين وذُلّ، والآخر على شِدّة وغِلَظ.

فالأوّل العَبد، وهو المملوك، والجماعةُ العبيدُ، وثلاثةُ أعبدٍ وهم العِبادُ. قال الخليل: إلاّ أنّ العامة اجتمعوا على تفرقةِ ما بين عباد الله والعبيدِ المملوكين. يقال هذا عبدٌ بيِّن العُبُودَة. ولم نسمَعْهم يشتقُّون منه فعلاً، ولو اشتق لقيل عَبُد، أي صار عبداً وأقرَّ بالعُبُودة، ولكنّه أُمِيت الفعلُ فلم يُستعمل. قال: وأمّا عَبَدَ يُعبُد عِبادةً فلا يقال إلاّ لمن يُعبُد اللهَ تعالى. يقال منه عَبَد يعبُد عبادة، وتعبَّد يتعبّد تعبّداً. فالمتعبِّد: المتفرِّد بالعبادة. واستعبدتُ فلاناً: اتخذتُه عبداً. وأمّا عَبْد في معنى خَدَم مولاه([3]) فلا يقال عبَدَه، ولا يقال يعبُد مَولاه. وتعبَّدَ فلانٌ فلاناً، إذا صيَّره كالعبد له وإن كان حُرَّاً. قال:

تَعبَّدَني نَِمْرُ بنُ سعدٍ وقد أُرى *** ونَِمْر بنُ سعدٍ لي مطيع ومُهْطعُ([4])

ويقال: أعْبَدَ فلانٌ فلاناً، أي جعله عبداً. ويقال للمشركين: عَبَدة الطّاغوتِ والأوثان، وللمسلمين: عُبّادٌ يعبدون الله تعالى. وذكر بعضُهم: عابد وعَبَد، كخادم وخَدَم. وتأنيثُ العَبْد عَبْدَةٌ، كما يقال مملوك ومملوكة. قال الخليل: والعِبِدَّاء([5]) : جماعة العَبِيد الذين وُلِدُوا في العُبودة.

ومن الباب البعير المعبَّد، أي المهنُوء([6]) بالقَطِران. وهذا أيضاً يدلُّ على ما قلناه لأنّ ذلك يُذِلُّه ويَخفِض منه. قال طرفة:

إلى أن تحامَتْنِي العشيرةُ كلُّها  *** وأُفرِدْتُ إفرادَ البَعير المعبَّدِ([7])

والمعبّد: الذلول، يوصَف به البعير أيضاً.

ومن الباب: الطريق المُعَبَّد، وهو المسلوك المذلَّل.

والأصل الآخَر العَبَدة، وهي القُوّة والصَّلابة؛ يقال هذا ثوبٌ له عَبَدة، إذا كان صَفيقاً قويَّاً([8]) . ومنهُ علقمة بن عَبَدَة، بفتح الباء.

ومن هذا القياس العَبَد، مثل الأنَف والحميّة. يقال: هو يَعْبَدُ لهذا الأمر. وفسِّر قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحمنِ وَلدٌ فَأنَا أوَّلُ العابِدِينَ} [الزخرف81]، أي أوَّلُ مَن غَضِبَ عَنْ هذا وأنِف من قولِه. وذُكر عن عليٍّ عليه السلامُ أنّه قال: "عَبِدتُ فصَمَتُّ"، أي أنِفْتُ فسكَتّ. وقال:

ويَعْبَدُ الجاهلُ الجافي بحقِّهم  *** بعد القضاء عليه حين لا عَبَدُ([9])

وقال آخر([10]) :

* وأعبَدُ أن تُهجَى كليبٌ بدارِمِ([11]) *

أي آنف من ذلك وأغضبُ منه:

(عبر) العين والباء والراء أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على النفوذ والمضيِّ في الشيء. يقال: عَبَرت النّهرَ عُبُوراً. وعَِبْر النهر: شَطُّه([12]) . ويقال: ناقةٌ عُبْرُ أسفارٍ: لا يزال يُسافَرُ عليها. قال الطّرِمّاح:

وقد تبطَّنْتُ بِهِلْوَاعةٍ  *** عُبْرِ أسفارٍ كَتُوم البُغَامْ([13])

والمَعْبَر: شطّ نهرٍ هُيئ للعُبور. والمِعْبَر: سفينة يُعبَر عليها النّهر. ورجل عابرُ سبيلٍ، أي مارّ. قال الله تعالى:{وَلاَ جُنُباً إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ}  [النساء 43]، ومن الباب العَبْرَة، قال الخليل: عَبْرَة السدَّمع: جَرْيُه. قال: والدَّمع أيضاً نفسُه عَبْرة. قال امرؤ القيس:

وإنّ شِفائي عَبْرَةٌ إن سَفَحتُها  *** فهَلْ عند رسْمٍ دارسٍ من مُعَوَّلِ([14])

وهذا من القياس؛ لأنّ الدّمع يعبُرُ، أي ينفُذ ويَجري. والذي قاله الخليل صحيحٌ يدلُّ على صِحّة القياس الذي ذكرناه.

وقولهم: عَبِرَ فلانٌ يَعْبَرُ عَبَراً من الحزن، وهو عَبْرَانُ، والمرأةُ عَبْرى وعَبِرَةٌ، فهذا لا يكون إِلاَّ وثَمَّ بكاء. ويقَال: استَعْبَرَ، إذا جَرَتْ عَبْرَته. ويقال من هذا: امرأةٌ عابر، أي بها العَبَر. وقال:

يقولُ لي الجَرْمِيُّ هل أنت مُرْدِفِي  *** وكيف رِدَافُ الفَلِّ أمُّك عابِرُ([15])

فهذا الأصل الذي ذكرناه. ثم يقال *لضرب من السدر عُبْرِيٌّ، وإنما يكون كذلك إذا نَبَتَ على شُطوط الأنهار. والشّطُّ يُعْبَرُ ويعبر إليه. قال العجّاج:

* لاثٍ بها الأَشاءُ والعُبْرِيُّ([16]) *

الأَشاء: الفَسِيل([17]) ، الواحدة أَشَاءة([18]) وقد ذكرناه. ويقال إنّ العُبْريَّ لا يكون إلاّ طويلاً، وما كان أصغَرَ منه فهو الضَّالُ. قال ذو الرُّمّة:

قَطعْتُ إذا تجوّفت العواطِي  *** ضَرُوبَ السِّدْرِ عَبْرِيّاً وضَالا([19])

ويقال: بل الضّالُ ما كان في البَرّ.

ومن الباب: عَبَرَ الرُّؤْيا يعبرها عَبْرَاً وعِبارة، ويُعبِّرُها تعبيراً، إذا فسَّرَها. ووجه القياس في هذا عُبُور النَّهْر؛ لأنه يصير من عَِبْر إلى عَِبْر. كذلك مفسِّر الرُّؤيا يأخُذُ بها من وجهٍ إلى وجهٍ، كأن([20]) يُسأل عن الماء، فيقول: حياة. ألا تراه قد عَبَر في هذا([21]) من شيءٍ إلى شيء.

ومما حُمِل على هذه: العِبارة، قال الخليل: تقول: عَبَّرت عن فلانٍ تعبيراً، إذا عَيَّ بحُجّته فتكلَّمت بها عنه. وهذا قياسُ ما ذكرناه؛ لأنَّه لم يقدِر على النُّفوذ في كلامه فنفَذَ الآخَر بها عنه.

فأمّا الاعتبار والعِبْرة فعندنا مقيسانِ من عَبْريِ النَّهر؛ لأنّ كلَّ واحدٍ منهما عِبرٌ مساوٍ لصاحبه([22]) فذاك عِبرٌ لهذا، وهذا عِبرٌ لذاك. فإذا قلت اعتبرت الشَّيء، فكأنك نظرتَ إلى الشَّيء فجعلتَ ما يَعْنِيك عِبراً لذاك: فتساويا عندك. هذا عندنا اشتقاقُ الاعتبار. قال الله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}  [الحشر 2]، كأنَّه قال: انظروا إلى مَنْ فعل ما فَعل فعُوقِب بما عوقب به، فتجنَّبوا مثلَ صنيعهم لئلاَّ ينزل بكم مثلُ ما نَزَل بأولئك. ومن الدَّليل على صِحَّة هذا القياس الذي ذكرناه، قولُ الخليل: عَبَّرت الدَّنانيرَ تعبيراً، إذا وزَنْتَها ديناراً [ديناراً]. قال: والعِبرة: الاعتبارُ بما مضى.

ومما شذَّ عن الأصل: المُعْبَر من الجِمال: الكثير الوَبر. والمُعْبَر من الغِلمان: الذي لم يُخْتَن. وما أدرِي ما وجهُ القياس في هذا. وقال في المُعْبَر الذي لم يُختَن بشرُ بن [أبي] خازم:

* وارمُ العَفْل مُعْبَرُ([23]) *

ومن هذا الشّاذّ: العبير، قال قوم: هو الزَّعفران. وقال قوم: هي أخلاط طِيب. وقال الأعشَى:

وتَبرُد بَردَ رِداء العَرُوسِ *** بالصيفى رَقْرقتَ فيه العبيرا([24])

(عبس) العين والباء والسين أصلٌ صحيح يدلُّ على تكرُّه في شيء. وأصله العَبَس. ما يَبِس على هُلْب الذَّنَب من بَعْرٍ وغيره، وهو من الإبل كالوَذَحِ من الشَّاء. قال أبو النَّجم:

كأنَّ في أذنابهنَّ الشُّوَّلِ  *** مِن عَبَس الصَّيف قرونَ الأُيَّلِ([25])

وفي الحديث: أنّه مرّ بإبلٍ قد عَبَست في أبوالها. وقال جرير يذكر راعية:

تَرَى العَبَسَ الحَوْليَّ جَوْناً بكُوعِها  *** لها مَسَكاً من غير عاجٍ ولا ذَبْلِ([26])

ثم اشتُقَّ من هذا: اليوم العَبُوس، وهو الشديد الكَرِيه. واشتقّ منه عَبَسَ الرجل يَعْبِس عُبوساً، وهو عابس الوجه: غضبان. وعبّاسٌ، إذا كَثر ذلك منه.

(عبط) العين والباء والطاء أصلٌ صحيح يدلُّ على شِدّةٍ تُصيبُ من غير استحقاق. وهذه عبارةٌ ذكرها الخليل، وهي صحيحةٌ منقاسة. فالعَبْط: أن تُعبَط النّاقةُ صحيحةً من غير داءٍ ولا كَسْر. قالوا: والعَبِيط: الطرِيُّ من كلِّ شيء. وهذا الذي ذكروهُ في الطريِّ توسُّعٌ منهم، وإنّما الأصل ما ذكِر. يقال من الأوّل: عُبِطت النّاقةُ واعتُبِطت اعتباطاً، إذا نُحِرت سمينةً فَتِيّةً من غير داء. قالوا: والرّجُل يَعبِط بنفسه في الحرب عَبْطاً، إذا ألقاها فيها غير مُكْرَه. والرّجلُ يَعبِط الأرضَ عَبْطاً، إذا حفر فيها موضعاً لم يُحفَر قبلَ ذلك. قال مَرَّار:

ظَلَّ في أعلى يَفاعٍ جاذِلاً  *** يَعبِط الأرضَ اعتباطَ المحتَفِرْ([27])

ويقال: مات فلانٌ عَبْطةً، أي شاباً سليماً. واعتبطَه الموت. قال أميَّة:

مَن لم يَمتْ عَبْطةً يمُتْ هَرَماً  *** للموت كأسٌ فالمرءُ ذائقها([28])

ومن ذلك الدّم العَبِيط: الطرِيّ. قال الخليل – وهي العبارة التي قدَّمْنا ذكرها-: يقال عَبَطته الدَّواهي، إذا نالته من غير *استحقاقٍ لذلك. قال حُمَيد([29]) :

بمنْزلٍ عَفٍّ ولم يُخالِطِ  *** مدنَّساتِ الرِّيَب العَوابِط

والعَبِيطة: الشّاة أو النّاقة المعتَبَطة. قال الشّاعر:

ولـه لا يَنِي عَبائِطُ من كُو  *** مٍ إذا كان من رِقاقٍ وبُزْل

الرِّقاق: الصِّغار من الإبل.

(عبق) العين والباء والقاف أصل صحيح واحد، وهو لزوم الشيء للشيء. من ذلك عَبِق الطيب به، إذا لَصِق ولازَمَ. قال:

عَبِقَ العنبرُ والمِسْكُ بها  *** فهي صفراءُ كعُرجون العُمُرْ([30])

وقال طرفة:

ثم راحُوا عَبِقَ المسكُ بهم  *** يَلْحَفُون الأَرضَ هُدَّابَ الأُزُرْ([31])

ومن هذا الباب قولهم: ما بقي لهم عَبَقَة، أي [ما] بقيت لهم بقيّةٌ من المال. والمعنى في ذلك البقيَّة من السَّمْن تبقى في النِّحْي قد عَبِقَت به. ويقولون: إنّ العَبَاقِية: شجرٌ لـه شَوك. وهذا إنْ حُمِل على القياس صَحَّ؛ لأنَّه يَعْلَق بالشَّيء ويُعْلَق به. ويُنشَد:

غَداةَ شُواحِطٍ فنجَوْتَ شَدَّاً *** وَثوبُكَ في عَباقيةٍ هَرِيدُ([32])

ويقال: العَبَاقِيَةُ: بقية الطِّيب([33]) والدَّيْن، وقد ذكرنا وجه قياسه. ومن الباب العَبَاقية من الرِّجال. قال الخليل: العباقِيَة: الداهي المنكَر، على وزن عَلاَنِيَة. وإنّما سمِّي بذلك لأنّه تعلَّق كلَّ شيء. وقال:

أُتِيحَ لها عَباقِيَةٌ سَرَنْدَى  *** جرِيُّ الصَّدرِ منبسطُ اليَمينِ([34])

وقال الأصمعيُّ: شانَه شيناً عَبَاقِيةً، أي شيناً شديداً، والأجود أن يقال شيناً لازماً لا يُفارِق. قال الكسائيّ: ويقال إنّ العبَاقية جُرح يُصيب الرَّجُل في حُرِّ وجهه. وهذا صحيح؛ لأنَّه شينٌ باقٍ يلازم.

(عبك) العين والباء والكاف أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على ما يدلُّ عليه الذي قبله، وليس ببعيدٍ أن يكون من باب الإبدال. قال الخليل: ما ذقت عَبَكة ولا لَبَكةً. وقال ابن الأعرابيّ: يقال: ما أغنيتَ عنِّي عبكةً ولا لَبَكة أي شيئاً. وأصلُه قولهم الذي يَبقَى في النِّحْي من السَّمْن: عَبَكة. وقد يقال ذلك للطِّينة من الوحل.

والصحيح في هذا الباب هذا، وقد ذُكِرت فيه كلماتٌ عن أعرابٍ مجهولين لا أصل لها فلذلك تركناها.

(عبل) العين والباء واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على ضِخَم وامتداد وشِدّة. من ذلك العَبْلُ من الأجسام، وهو الضَّخم. تقول: عَبُل يَعْبُل عَبالة. قال:

خبطناهمْ بكلِّ أرَحَّ لأمٍ *** كمِرْضاحِ النَّوى عَبْلٍ وَقاحِ([35])

الأرَحّ: الحافر الواسع.

ومن الباب الأَعْبَل، وهو الحجر الصُّلب ذُو البياض. ويقال جبلٌ أعبلُ وصخرةٌ عَبْلاء. وقال أبو كبيرٍ الهذليّ يصف نابَ الذِّئبة:

أخرجتُ منها سِلْقةً مهزولةً  *** عجفاءَ يبرق نابُها كالأعبَلِ([36])

ومنه قولهم: هو عَبْلُ الذِّراعين، أي غليظُهما مدِيدُهما. ومنه: ألقى عليه عَبالَّته([37]) ، أي ثِقْله. ومحتمل أن يكون العَبَل، وهو ثمر الأرْطى، من هذا، ولعل فيه امتداداً وطُولا.

(عبم) العين والباء والميم كلمة تدلُّ على غِلَظٍ وجفاء. من ذلك العَبَامُ، وهو الرَّجُل الغليظ الخِلْقة في حُمْق. تقول: عَبْمَ يَعْبُمُ عَبامة. قال:

فأنكرتُ إنكارَ الكريم ولم أكن  *** كَفَدْمٍ عَبَامٍ سِيلَ شيئاً فجمجما

ويقال: إنّ العَبَام الماء الكثير، فإن كان صحيحاً فهو قريبٌ، وإلاَّ فهو من الإبدال.

(عبن) العين والباء والنون صحيحٌ، فيه كلمةٌ واحدة. يقولون: إنّ العَبَنَّ: الجملُ الضَّخم الجسيم. ويقال العَبَنّ ويقال العَبَنَّى، والأنثى عَبَنّاة. وكلُّ ذلك واحد. وربَّما وصَفوا به الرّجل. وقال حُميدٌ في صفة بعير:

أمينٌ عَبَنُّ الخَلْقِ مختلِف الشِّبَا *** يقول المُمارِي طال ما كان مُقْرَما([38])

(عبأ) العين والباء والهمزة والحرف المعتل غير المهموز أصل واحد، يدلُّ على اجتماعٍ في ثِقَل. من ذلك العِبْءُ، وهو كلُّ حِمْل، من غُرْم أو حَمالة، والجمع الأعباء. قال:

وحمل العِبءِ عن أعناق قومي  *** وفعلي في الخطوب بما عناني

ومن الباب: ما عبأْت به شيئاً، إذا لم تبالِهِ، كأنّك لم تجِدْ له ثِقْلاً. ومن الباب: عبأت الطِّيب([39]) *وفَرَّقوا بين ذلك وبين الجيش، فقالوا: عَبَّيْت الكتِيبةَ أُعبِّيها تعبيَةً، إذا هيّأتَها. وقد قالوا: عَبأت الجيش أيضاً، ذكرها ابنُ الأعرابي. وقال في عَبَأت الطِّيب:

كأنَّ بصدرِه وبمَنْكِبيه  *** عبيراً باتَ تَعبؤه عروسُ([40])

والعَباءة: ضَربٌ من الأكسِية. وقياسُه صحيح؛ لأنّه يشتمل على لابسه ويجمعُه. والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "من ناله"، صوابه في اللسان (عبث). وفي اللسان (بول): "وقولهم ليس هذا من بالي، أي مما أباليه".

([2]) في الأصل: "ذلك".

([3]) عبارة اللسان: "وأما عبد خدم مولاه فلا يقال عبده".

([4]) البيت في اللسان وأساس البلاغة (عبد، هطع).

([5]) يقال بالمد، وبالقصر.

([6]) في الأصل، "أي المهناء". والمهنوء: المطلي.

([7]) البيت من معلقته المشهورة.

([8]) في الأصل: "ضعيفاً قوياً"، وهو من مستطرف التحريف.

([9]) في الأصل: "ونعبد الجاهل".

([10]) هو الفرزدق، كما في إصلاح المنطق 58-59، وليس في ديوانه، وفيه بيتان يشبهان أن يكونا هذا البيت ففي ص 800:

أظنت كلاب اللؤم أن لست شاتماً  *** قبائل إلا ابني دخان بدارم

وفي ص 816:

أظنت كلاب اللؤم أن لست خابطا  *** قبائل غير ابني دخان بدارم

([11]) في إصلاح المنطق: "أن أهجو كليباً". وصدره:

* أولئك أحلاسي فجئني بمثلهم *

قال ابن السكيت: "ويروى: فجؤني. "ويروى: تميماً بدارم".

([12]) في الأصل: "شطره"، تحريف.

([13]) ديوان الطرماح 103 واللسان (هلع).

([14]) البيت من معلقته المشهورة.

([15]) البيت للحارث بن وعلة الجرمي. اللسان (عبر). وفي خزانة الأدب (1: 199) أنه لأبيه وعلة بن عبد الله الجرمي. فيقال إن الجرمي لحق رجلاً من بني نهد يقال له سليط بن قتب فقال له وعلة: أردفني خلفك، فإني أتخوف القتل. فأبى أن يردفه فطرحه عن قربوسه وركب عليها ونجا. فرواية البيت الصحيحة على هذا القول: "وقد قلت للنهدي". وذكر في اللسان أن النهدي هو الذي سأل الحارث أن يردفه خلفه لينجو فأبى. فرواية البيت: "يقول لي النهدي". وقد اتفقت الروايتان على أن "النهدي" قد قتل. أما رواية ابن فارس هنا فغريبة لا سند لها من القصص. وانظر الاشتقاق 291.

([16]) رواية الديوان 67 واللسان (لثي، عبر): "لاث به". وقبله:

في أيكه فلا هو الضحى  *** ولا يلوح نبته الشتى

([17]) في الأصل: "الفيل".

([18]) الذي بعد هذه الكلمة في الأصل هو: "ويقال إن العبري ذكرناه لا يكون إلا طويلاً وأصغر منه فهو الضال ما كان". وقد أصلحت اختلال الكلمات بما ترى.

([19]) ديوان ذي الرمة 440، واللسان (عبر، عمر).

([20]) في الأصل: "كأنه".

([21]) في الأصل: "من هذا".

([22]) في الأصل: "صاحب".

([23]) سبق الاستشهاد بهذا الجزء في (عفل). والبيت بتمامه كما في اللسان (عبر، عفل):

جزيز القفا شبعان يربض حجرة  *** حديث الخصاء ورام العفل معبر

([24]) ديوان الأعشى 69 واللسان (عبر، رقق). وقد سبق في (رق).

([25]) سبق الكلام على تخريج البيتين في (أول).

([26]) ديوان جرير 463 واللسان (عبس، مسك، ذبل). وسيأتي في (مسك).

([27]) روايته تطابق رواية اللسان (عبط). وفي المفضليات (1: 82، 84) بيتان هما برقم: 15، 35:

ثم إن ينزع إلى أقصاهما  *** يخبط الأرض اختباط المحتفر

و:   ظل في أعلى يفاع جاذلاً  *** يقسم الأمر كقسم المؤتمر

([28]) ديوان أمية 42 واللسان (عبط) برواية: "والمرء ذائقها".

([29]) هو حميد الأرقط، كما في اللسان (عبط).

([30]) البيت للمرار بن منقذ في المفضليات (1: 90). وهو بدون نسبة في اللسان (عبق).

([31]) ديوان طرفة 68 واللسان (عبق، لحف).

([32]) لساعدة بن العجلان الهذلي، في اللسان (عبق، هرد) وديوان الهذليين (3: 109).

([33]) في الأصل: "الغضب".

([34]) أنشده في اللسان (عبق) برواية: "أطف لها عباقية".

([35]) أنشده في اللسان (رضح) شاهداً على أن اسم الحجر الذي يرضح به النوى "مرضاح"، وأن الخاء المعجمة لغة ضعيفة.

([36]) في ديوان الهذليين (2: 97) : "كالمعول". السكري: "كأن نابها طرف معول".

([37]) العبالة بتشديد اللام. وتخفيفها لغة عن اللحياني.

([38]) البيت من زوائد ديوان حميد بن ثور، أنشده في اللسان (عبن). وانظر ديوانه 32 طبع دار الكتب المصرية.

([39]) بعد هذا في الأصل: "كأن بصدره"، وهو تكرار لما سيأتي بعد كلمة "الطيب" التالية.

([40]) البيت لأبي زبيد الطائي في اللسان (عبأ)، يصف فيه أسداً. وفيه: "كأن بنحره"، و"بات يعبؤه" ثم قال: "ويروى: بات يخبؤه". والعروس يقال للمرأة والرجل.

 

ـ (باب العين والتاء وما يثلثهما)

(عتد) العين والتاء والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حضورٍ وقُرب. قال الخليل: تقول عَتُدَ الشّيءُ، وهو يعتُد عَتاداً، فهو عَتيدٌ حاضر. قال: ومن ذلك سمِّيت العتيدة: التي يكون فيها الطِّيب والأدهان. ويقال للشَّيء المعْتَد: إنّه لعتيد، وقد أعتدْناه، وهيَأناه لأمرٍ إنْ حَزَب. وجمع العَتَاد عُتُدٌ وأعْتِدة. قال النّابغة:

عَتَادَ امرئٍ لا ينقُضُ البُعدُ هَمَّه *** طَلُوبِ الأعادِي واضحٍ غيرِ خاملِ([1])

قال الخليل: يقولون هذا الفرس عَتَدٌ، أي مُعَدّ متى شاء صاحبهُ رَكِبَه، الذَّكرُ والأنثى فيه سواء. قال سلامة بن جندل:

بكل مُحنَّبٍ كالسِّيدِ نَهْدٍ *** وكُلِّ طُوَالةٍ عَتَدٍ مِزَاقِ([2])

 

فأمَّا العَتُود فذكَرَ الخليلُ فيه قياساً صحيحاً، وهو الذي بَلغ السِّفادَ. فإن كان كذا فكأنَّه شيءٌ أُعِدّ للسِّفاد، والجمع عِدَّان على وزنِ فِعْلان، وكان الأصل عِتْدَان فأُدغمت التاء في الدال. قال الأخطل:

واذكر غَدَانَةَ مزَنَّمة  *** من الحَبَلَّقِ تُبنَى حولَها الصِّيَرُ([3])

(عتر) العين والتاء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على معنيين، أحدهما الأصل والنِّصاب، والآخر التفرُّق.

فالأوُّل ما ذكره الخليل أن عِتْرَ كلِّ شيء: نصابه. قال: وعِتْرَةُ المِسْحاةِ: خشبتها التي تسمَّى يَدَ المسحاة. قال: ومن ثَمَّ قيل: عترة فلان، أي مَنْصِبه. وقال أيضاً: هم أقرباؤه، مِن ولدِه وولدِ ولده وبني عمِّه. هذا قولُ الخليل في اشتقاق العِتْرَة، وذكر غيرُه أنَّ القياسَ في العِترة ما نذكره من بعد.

والأصل الثاني: العِتْر، قال قومٌ: هو الذي يقال له: المَرْزَنْجُوش. قال: وهو لا ينبُت إلاّ متفرِّقاً. قال: وقياس عِترة الإنسان من هذا، لأنهم أقرباؤه متفرِّقي الأنساب، هذا من أبيه وهذا من نسله كولده. وأنشد في العِتْر:

فما كنتُ أخشَى أن أُقِيمَ خِلافهم  *** لستّةِ أبياتٍ كما ينبت العِتْرُ([4])

فهذا يدلُّ على التفرُّق، وهو وجهٌ جميل في قياس العِترة.

ومما يُشبهه عِتْرُ المسك، وهي حَصاةٌ تكون([5]) متفرِّقة فيه. ولعلَّ عِتْرُ المِسك أن تكون عربيَّة صحيحة فإِنَّها غير بعيدة مما ذكرناه، ولم نسمَعْها من عالم.

ومن هذا الأصل قولهم: عَتَرَ الرُّمحُ فهو يَعْتِرُ عَتراً وعَتَرَاناً، إذا اضطَرَبَ وترأَّدَ في اهتزاز. قال:

* وكلّ خطّيٍّ إذا هُزَّ عَتَرْ([6]) *

وإنما قلنا إنّه من الباب لأنّه إذا هُزّ خيّل أنّه تتفرّق أجزاؤه. وهذا مشاهَد، فإن صحَّ ما تأوَّلناه وإلاّ فهو من باب الإِبدال يكون من عَسَل، وتكون التاء بدلاً من السين والرَّاءُ بدلاً من اللام.

وممّا يصلح حملُه على هذا: العَتيرة؛ لأنَّ دَمها يُعْتَر، أي يُسَالُ حتى يتفرَّق. قال الخليل: العاتر: الذي يَعْترُ شاةً فيذبحُها، كانوا يفعلون ذلك في الجاهليَّة، يذبحُها ثم يصبُّ دمَها على رأس الصَّنَم، فتلك الشَّاةُ هي العَتيرة والمعتورة، والجمع عتائر. وكان بعضُهم يقول: العتير هو الصنم الذي تُعْتَرُ لـه العتائر في رَجب. وأنشد لِزُهير:

فَزَلَّ عنها وأوفَى رأسَ مَرقَبةٍ  *** كمَنْصَبِ العِتْر دَمَّى رأسه النُّسُكُ([7])

فإن كان صحيحاً هذا فهو من الباب الأوّل، وقد أفصح الشاعر بقياسه حيث قال:

* كمنصب العِتْرِ دَمَّى رأسَه النُّسكُ *

(عتق) العين والتاء والقاف أصل صحيح *يجمع معنى الكرم خِلْقةً وخُلُقاً، ومعنى القِدَم. وما شذَّ من ذلك فقد ذُكِر على حدة.

قال الخليل: عَتَق العبد يَعْتِق عَتاقاً وعَتاقةً وعُتوقاً، وأعتقه صاحبُه إعتاقاً. قال الأصمعيّ: عَتَق فلانٌ بعد استعلاجٍ، إذا صار رقيقَ الخِلْقة بعد ما كان جافياً. ويقال: حلف بالعَتَاق، وهو مولى عَتَاقةٍ. وصار العبد عتيقاً. ولا يقال عاتق في موضع عتيق([8]) إلاّ أن تنوى فعلهُ في قابل، فتقول عاتقٌ غداً. وامرأة عتيقةٌ حُرَّةٌ من الأمُوَّة([9]) . وامرأةٌ عتيقة أيضاً، أي جميلة كريمة. وفرس عتيق: رائع بيِّن العِتْق، وثوب ناعمٌ عتيق. والعتيق أيضاً: الكريم من كلِّ شيء. وقد عَتَق وعَتُق، إذا أتَى عليه زمن.

قال الخليل: جاريةٌ عاتق، أي شابّة أوّلَ ما أدركت. قال ابنُ الأعرابيِّ: إنما سمِّيت عاتقاً لأنّها عَتَقت من الصِّبا وبلغت أنْ تَدَرَّع. قالوا: والجوارح من الطير عِتاقٌ لأنّها تصيد ولا تصاد، فهي أكرمُ الطَّير([10]) ، وكأنّها عتَقت أن تُصاد، وذلك كالبازِي وما أشبهه. قال لبيد:

فانتضَلْنا وابنُ سلمى قاعدٌ  *** كعَتيق الطَّيرِ يُغضِي ويُجَلّ([11])

قال أبو عبيد: أعتقت المالَ فعَتق، أي أصلحتُه فصَلَح. ويقال: عَتَقت الفرسُ، إذا سَبَقت.

قال الأصمعيّ: وكنت بالمِرْبد فأُجرِيَ فَرَسان، فقال أعرابيّ: هذا أوَان([12]) عَتَقت الشَّقْراء، أي سبقت. ويقال: فلانٌ مِعتاقُ الوَسِيقة، إذا طرد طريدةً أنجاهَا وسَلِمَ بها. ويقال: ما أبْيَنَ العِتْق في وجه فلانٍ، أي الكرم.

قال الخليل: البيت العتيق: الكعبة، لأنّه أوّلُ بيتٍ وُضِع للنّاس. قال الله تعالى:{ولْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج 29]. ويقال: سمِّي بذلك لأنّه أُعِتقَ من الغَرَق أيّامَ الطُّوفان فرُفع. ويقال أُعتِق من الحبشة عامَ الفيل ويقال: أُعتِقَ من أنْ يدَّعِيَه أحدٌ فهو بيتُ الله تعالى.

قال أبو عبيدة: من أمثالهم: "لولا عِتْقُه لقد بلى"، يقال ذلك للرَّجل إذا ثَبَتَ ودام. وقال الخليل: العاتق من الطَّير فوقَ النَّاهض. وقال الأصمعيّ: يقال أخذ فرْخ قطاة عاتقاً، إذا استقلَّ وطار. ونرى أنّه من عَتَقت الفرسُ.

قال أبو حاتم: طيرٌ عاتِق، إذا كان فوقَ النَّاهض، لأنَّه قد خرج عن حد الزقّ([13]) . فأما العاتق من الزِّقاق فهو الواسع الجيِّد، وهذا على معنى التَّشبيه بالشيء الكريم. قال لبيد:

أُغلِي السِّباءَ بكلِّ أدكَنَ عاتقٍ  *** أو جَونةٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتامُها([14])

وقال الخليل: شرابٌ عاتقٌ، أي عتيق. قال أبو زُبَيد([15]) :

لا تَبعدَنَّ إداوةٌ مطروحة  *** كانت زماناً للشَّرَاب العاتق

ويقال للبِئر القديمة عاتقة([16]) . والخمر العتيقة: التي عُتّقَت زماناً حتى عَتَقت. قال الأعشى:

وسبيئةٍ ممَّا تُعَتِّقُ بابلٌ  *** كدم الذَّبيحِ سلبتُها جِريالَها([17])

قال بعضهم: العاتق في وصف الخمر التي لم تُفَضَّ ولم تُبزَل، ذَهَبَ إلى الجارية العاتق التي لم تَبِنْ عن أبويها. ويقال: بل الخمر العاتق من القِدم، وكلُّ شيء تقادَمَ فهو عاتق وعتيق. قال ابنُ الأعرابيّ: كلُّ شيء بلغ إنَاهُ فقد عَتَق، وسمِّي العبدُ عتيقاً لأنَّهُ بلغَ غايَته. فأمّا قولُ عنترة:

كَذَبَ العتيقُ وماءُ شنٍّ باردٌ  *** إن كنتِ سائلتِي غبوقاً فاذهَبِي([18])

فقال قوم: إنَّه نوعٌ من التَّمر العتيق. ومعنى كَذَب، أي عليك بهذا النَّوع. ويقال بل العتيق: الماء؛ وسمِّيَ بذلك لأنَّه أجلُّ الأشربة، وفيه الحياة.

ومن القِدَم الذي ذكرناه قولُهم: عَتُقَتْ عليه يمينٌ، أي قَدُمَت ووجَبَت. قال:

عليَّ أَلِيَّةٌ عتقَتْ قديماً  *** فليس لها وإن طُلبِت مَرَامُ([19])

ويقال لكلِّ كريمٍ عتيق.

ومما شذَّ عن هذا الأصل: عاتقا الإنسان، وهما ما بين المَنكِبَين والعُنق، والجمع العواتق. ويقال العاتق يذكَّر ويؤنَّث. وقال الأصمعيُّ: يقال فلانٌ أمْيَل العاتق *إذا كان موضعُ الرداء منه معوَّجاً. وقال في تأنيث العاتق:

لا صُلحَ بيني فاعلمُوه ولا  *** بينكم ما حَمَلَتْ عاتقي([20])

سَيفي وما كُنَّا بنجدٍ وما  *** قَرْقَرَ قُمْرُ الوادِ بالشَّاهقِ

قال ابن الأعرابيّ: العاتق: القَوس التي تغيَّر لونها واسودَّت، وهذا أيضاً من القِدَم راجعٌ إلى الباب الأوّل.

(عتك) العين والتاء والكاف أصلٌ صحيح يدلُّ على قريبٍ من الذي قبله، وليس ببعيدٍ أن يكونَ من باب الإبدال، وهو من الإقدام والقِدَم.

قال الخليلُ وغيره: عَتَك فلانٌ [بفلانٍ([21]) ]، إذا أقْدَمَ عليه ضرباً لا يُنهنِهُه شيء. قال الأصمعيُّ: هو أن يَحمِلَ عليه حملةَ أخْذٍ وبَطْش. قال الخليل: عَتَكَ الرّجُل يَعْتِك عَتْكاً وعُتُوكاً، إذا ذَهَب في الأرض. والقوس العاتكة طالَ عليها العهدُ حتَّى احمرَّت. قال الهذلي([22]) :

وصَفراء البُرايةِ عُودِ نَبْعٍ  *** كوَقْف العاجِ عاتكة [اللِّيَاطِ([23]) ]

[وامرأة عاتكة]، إذا كانت متضمِّخة بالخَلَوق. ومنه عَتَكتِ القوس. قال الخليل: يقال لكلِّ كريم عاتك، أي قديم. وأصله من عَتَكت القَوس.

(عتل) العين والتاء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على شِدّةٍ وقوّة في الشَّيء. من ذلك الرّجل العُتُلّ، وهو الشَّديد القويَّ المصحَّح الجِسم؛ واشتقاقُه من العَتَلة التي يُحفَر بها. والعَتَلة أيضاً: الهِراوة الغليظة من الخشَب، والجمع عَتَل. وقال:

وأينما كنتَ من البلادِ  ***

فاجتنبَنَّ عُرَّمَ الذُّوّادِ

وضَربَهم بالعَتَل الشِّدادِ

ومن الباب العَتْل، وهو أن تأخذ بتَلبيب الرّجُل فتَعتِله، أي تجرّه إليك بقوّة وشدّة. قال الله تعالى: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَواءِ الجَحِيمِ([24])} [الدخان 47]. ولا يكون عَتْلاً إلاّ بجفاءٍ وشِدّة. وزعم قومٌ أنّهم يقولون: لا أنعتِل معك: أي لا أنقاد معك.

(عتم) العين والتاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على إبطاء في الشَّيء أو كفٍّ عنه. قال الخليل: عَتَّم الرجل يُعَتِّم، إذا كفَّ عن الشيء بعد المضيِّ فيه، وعَتَم يَعْتم. وحملتُ على فُلانٍ فما عتَّمت أن ضربتُه، أي ما نَهنَهت وما نكَلت وما أبطأت. وفي الحديث: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غرس كذا وَدِيّةً [فما عتَّمَتْ منها وَدِيَّة([25]) ]، أي ما أبطأت، حتّى عَلِقت. وقال:

* مجامع الهام ولا يُعْتَمُ *

أي لا يُمْهَل ولا يُكَفّ. وقال:

ولستُ عن القِرن الكميِّ بعاتمِ *** ولستُ بوَقَّافٍ إذا الخَيلُ أحجمت

قال: والعَتَمة هو الثُّلث الأوّل من اللَّيل بعد غيبوبة الشَّمسِ والشَّفَق. يقال: أعْتَمَ القومُ، إذا صاروا في ذلك الوقت. وجاء الضَّيفُ عاتماً، أي مُعْتِماً في تلك السَّاعة.

ومما شذَّ عن هذا الباب العتم([26]) : الزَّيتون البرّيّ. قال النابغة([27]) :

[تَستَنُّ بالضَّرْوِ من بَراقِشَ أو *** هَيلانَ أو ناضرٍ من العتمِ([28]) ]

(عتو) العين والتاء والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على استكبار. قال الخليل وغيرُه: عتَا يَعتُو عتُوَّاً: استكَبَر. قال الله تعالى: {وعَتَوْا عُتُوَّاً كَبِيراً}  [الفرقان 21]. وكذلك يعتُو عِتِياً، فهو عاتٍ، والملك الجبَّار عاتٍ، وجَبابِرةٌ عُتاة. قال:

* والناس يعتُون على المُسلَّطِ *

ويقال: تَعَتَّى فلانٌ وتعتّت فلانة، إذا لم تُطِع. قال العجَّاج:

الحمد لله الذي استقلَّتِ  *** بأمره السّماءُ واطمأنّتِ

* بأمره الأرضُ فما تَعتَّتِ([29]) *

أي ما عصَتْ.

(عتب) العين والتاء والباء أصلٌ صحيح، يرجع كله إلى الأمر فيه بعضُ الصُّعوبة من كلامٍ أو غيره. من ذلك العَتَبة، وهي أسكُفَّة الباب، وإنَّما سمِّيت بذلك لارتفاعها عن المكان المطمئنّ السَّهل. وعَتَبات الدُّرْجة: [مَرَاقيها]، كلُّ مِرقاةٍ من الدُّرْجة عتَبة. ويشبّه بذلك العتَباتُ تكون في الجبال، والواحدة عَتَبة، وتجمع أيضاً على عَتَب. وكلُّ شيء جَسَا وجفا فهو يشتقُّ له هذا اللفظ، يقال فيه عَتَبٌ، إذا اعتراه ما يغيِّره عن الخُلوص. قال:

فما في حُسْن طاعتِنا  *** ولا في سَمْعِنا عَتَب([30])

وقال في وصف سيف:

* مُجرّبَ الوَقعِ غيرَ ذي عَتَبِ([31]) *

أي غير ملتوٍ عن الضَّريبة ولا نابٍ عنها.

ويقولون: حُمِل فلانٌ على عَتَبةٍ كريهة* وعَتَب كريه من بلاءٍ وشرّ.

قال المتلمَّس:

* يُعْلَى على العَتَب الكريهِ ويُوبَسُ([32]) *

ويقال للفحَل المعقول أو الظَّالع إذا مَشَى على ثلاثِ قوائم كأنّه يَقفِز: عَتَب عَتَباناً([33]) . قال الخليل: وهذا تشبيهٌ، كأنّه يمشي على عتبات الدّرجةِ فينزُو من عَتبةٍ إلى عتبة. ويقال عتِّب لنا عَتبةً، أي اتَّخذْها.

ومن الباب، وهو القياسُ الصحيح: العَتْب: المَوْجِدة. تقول: عَتَبتُ على فلان عَتْباً ومَعْتَِبَة، أي وَجَدْت عليه. ثم يشتقّ منها فيقال: أعتَبَني، أي ترك [ما كنت([34]) ] أجد عليه ورجع إلى مَسَرَّتي([35]) ؛ وهو مُعْتِب راجعٌ عن الإساءة. وأنشد:

عتبتُ على جُمْلٍ ولستُ بشامتٍ *** بجُملٍ وإن كانت بها النّعلُ زلَّتِ

ويقولون: أعطانِي العُتْبَى، أي أعتَبني. ولك العُتْبَى، أي أعطيتك العتبَى. والتعتُّب، إذا قال هذا وهذا يَصِفان الموجِدة([36]) . وكذلك المعاتبة، إذا لامك واستزادك قلت عاتِبْني. قال:

إذا ذهب العتابُ فليس حُبٌّ *** ويبقى الحبُّ ما بقي العتابُ([37])

ويقال للرّجُل إذا طَلب أنْ يُعتَب: قد استَعتَب. قال أبو الأسود:

فعاتبتُه ثم راجعته  *** عتاباً رقيقاً وقولاً أصيلا

فألفيتُه غيرَ مستعتبٍ  *** ولا ذاكِرَ اللهَِ إلاّ قليلا([38])

وقال بعضهم: ما رأيت عند فلان عُتْباناً، إذا أردت أنّه أعتبك ولم تر لذلك بَياناً.

ـــــــــــــــ

([1]) ديوان النابغة 64، من قصيدة ليست من مرويات الأصمعي.

([2]) البيت مما لم يرو في ديوان سلامة. وأنشده في اللسان (عتد) براوية "نزاق" بالنون، وكلاهما صحيح. والمزاق والنزاق: السريع، ويقالان أيضاً للسريعة بلفظهما.

([3]) ديوان الأخطل 111 واللسان (عتد، صبر، حبلق).

([4]) البيت للبريق الهذلي، كما في ديوان الهذليين (3: 59) واللسان (خلف، عتر). وذكر في بقية أشعار الهذليين أن قصيدة البيت يرويها الأصمعي لعامر بن سدوس. ويروى: "وما كنت أخشى أن أعيش خلافهم" كما في اللسان (خلف)؛ وفي (عتر) وديوان الهذليين: "بستة أبيات".

([5]) في الأصل: "فتكون".

([6]) وكذا أنشده في اللسان (عتر) وللعجاج في ديوانه 18:

* في سلب الغاب إذا هز عتر *

([7]) ديوان زهير 178، وفي اللسان (عتر): "كناصب العتر"، ثم قال: "ويروى: كمنصب العتر، يريد كمنصب ذلك الصنم أو الحجر الذي يدمي رأسه بدم العتيرة".

([8]) في الأصل: "عتق".

([9]) الأموة كالأبوة، مصدر أمت المرأة وأميت وأموت، أي صارت أمة.

([10]) في الأصل: "إكرام الطير".

([11]) ديوان لبيد 16 طبع 1881 واللسان (عتق، جلا).

([12]) في الأصل: "هذا وان".

([13]) أي أن يزقه أبواه. وفي الأصل: "الرق".

([14]) البيت من معلقته المشهورة.

([15]) يروى البيت التالي لعبد الرحمن بن أرطاة بن سيحان المحاربي، أو هو عبد الرحمن بن سيحان المحاربي. انظر الأغاني (1: 76-78) تجد قصة الشعر.

([16]) لم أجد بهذا اللفظ إلا قولهم: "العاتقة من القوس مثل العاتكة، وهي التي قدمت واحمرت".

([17]) ديوان الأعشى 23 واللسان (جرل، عتق) وقد سبق في (جرل).

([18]) ديوان عنترة 24 واللسان (كذب، عتق)، وقيل: إن البيت من أبيات لخزز بن لوذان السدوسي، رواه صاحب اللسان في (عتق).

([19]) لأوس بن حجر في ديوان 24 واللسان (عتق).

([20]) البيتان لأبي عامر، جد العباس بن مرداس، كما في اللسان (عتق)، وأنشدهما في إصلاح المنطق 399.

([21]) التكملة من اللسان.

([22]) هو المتنخل الهذلي. ديوان الهذليين (2: 26).

([23]) هذه الكلمة ساقطة من الأصل. وفي الديوان: "فرع نبع". قال السكري: "ويروى: وصفراء البرية غير خلط".

([24]) قرأ بضم التاء ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب، ووافقهم ابن محيصن والحسن. وقرأ الباقون بكسر التاء. إتحاف فضلاء البشر 389 واللسان (عتل).

([25]) التكملة من اللسان (عتم).

([26]) يقال بضم وبضمتين، وبالتحريك.

([27]) هو النابغة الجعدي، اللسان (ضرو، برقش، هيل، عتم) والأغاني (6: 64) ومعجم البلدان(براقش، هيلان). وانظر الحيوان (5: 453).

([28]) التكملة من المراجع المتقدمة وأمالي القالي (1: 173) .

([29]) الأشطار مفتح أرجوزة له في ديوانه 5. والشطر الأخير في اللسان (عتا).

([30]) أنشده في اللسان (عتب).

([31]) صدره كما في اللسان (عتب):  * أعددت للحرب صارماً ذكراً *

([32]) أنشد هذا العجز في اللسان (عتب) بدون نسبة، وليس في ديوان المتلمس. على أن في الديوان أبياتاً من هذا الوزن والروي وليس هو بينها.

([33]) ويقال "عتباً" أيضاً، "وتعتاباً".

([34]) التكملة من اللسان.

([35]) في الأصل: "مدتي". وفي المجمل: "وأعتبني فلان، إذا عاد إلى مسرتي راجعاً عن الإساءة".

([36]) في الأصل: "نصفان الموجدة"، تحريف. وفي اللسان: "والتعتب والتعاتب والمعاتبة: تواصف الموجدة".

([37]) قبله في اللسان (عتب):

أعاتب ذا المودة من صديق  *** إذا ما رابني منه اجتناب

([38]) اللسان (عتب) والخزانة (4: 554) وسيبويه (1: 85) وأمالي ابن الشجري (1: 383) والأغاني (11: 107) وشرح شواهد المغني 316.

 

ـ (باب العين والثاء وما يثلثهما)

(عثر) العين والثاء والراء أصلانِ صحيحان، يدل أحدهما على الاطِّلاع على الشيء، والآخر [على] الإثارة للغُبار.

فالأوَّل عَثَر عُثُوراً، وعثر الفرسُ يعثُر عِثاراً، وذلك إذا سقَطَ لوجهه. قال بعض أهل العلم: إنما قيل عَثَر من الاطِّلاع، وذلك أنَّ كل عاثرٍ فلا بدَّ أن ينظر إلى موضع عَثْرته. ويقال: عَثَر الرجل يعثُر عُثوراً وعَثراً، إذا اطَّلع على أمرٍ لم يطَّلع عليه غيرُه. كذا قال الخليل. وأعثَرْتُ فلاناً على كذا، إذا أطلعتَه عليه. قال الله تعالى:{فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً}  [المائدة 107]، أي إن اطُّلِع. وقال تعالى: {وَكَذلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} [الكهف 21]. والعاثور: المكان يُعثَر به. قال:

* وبلدةٍ كثيرةِ العاثور([1]) *

أراد كثيرة المتالف.

والأصل الآخر العِثْيَر [والعِثْيرة]، وهو الغُبار الساطع. قال:

* ترى لهم حَولَ الصِّقَعْل عِثْيرهْ([2]) *

فأمَّا قولهم: ما رأيتُ له أثراً ولا عَثْيَراً، فقالوا: العَثْيَر: ما قُلِب من تراب أو مَدَر. وهو ارجعٌ إلى ما ذكرناه. وقال:

* لقد عَيْثَرتَ طيرَك لو تعيفُ([3]) *

أي رأيتها جَرَتْ، كأنَّه أراد الأثر.

(عثل) ذكروا فيه كلمةً إن صحَّت. يقال([4]) إن العِثْوَلَّ من الرِّجال: الجافي. قالوا: والعَثُول: النَّخلة الجافية الغليظة([5]) . قال:

هَززتُ عَثُولاً مَصّت الماءَ والثَّرى  *** زماناً فلم تَهمُمْ بأن تتبرّعا

(عثم) العين والثاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على غِلَظ ونُتُوٍّ في الشَّيء. قالوا: العَيْثوم: الضَّخْم الشَّديد من كلِّ شيء. وقالوا: وتُسَمَّى الفِيلَة العَيثوم. قال يصف ناقة:

وقد أَسِيرُ أمامَ الحيِّ تحملُني  *** والفَصْلتين كِنازُ اللّحم عيثوم([6])

أي ضخمة شديدة. ويقال للجمل الضَّخم عَيثوم. والعَثَمْثم من الإِبل: الطويل في ضِخَم، و[يقال] في الجميع عثمثمات. ورُبَّما وُصِف الأسدُ بالعثمثم.

ومن الباب العَثم، وهو أن يُساءَ جَبْر العَظْم فيبقى فيه عِوج ونتُوٌّ كالورَم. ويقال هو عَثِمٌ وبه عَثْم، كأنَّه مَشَش. قال الخليل: وبه سمِّي عُثمان؛ لأنّه مأخوذ من الجبْر. ويقال بل العثمان([7])

(عثن) العين والثاء والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على انتشارٍ في شيء وانتفاش. من ذلك العُثَان، وهو الدُّخان، سمِّي بذلك لانتشاره في الهواء. تقول عَثَّن يُعَثِّن، إذا دَخَّن. والنار تَعْثُنُ وتُعثِّن. وتقول: عثَّنت البيتَ بريح الدُّخنة تعثيناً. وعَثَن البيتُ يَعثُن عَثْناً، إذا عبِق به ريحُ الدُّخنة. تقول: عثَّنت الثَّوب بالطِّيب تعثيناً، كقولك *دخَّنته تدخينا.

ومن الباب العُثنون: عُثْنون اللِّحية، وهو طُولها وما تحتَها من شَعَْرها. وسمِّي بذلك للذي ذكرناه من الانتشار والانتفاش.

ومن الباب: عُثْنُون الرِّيح: هَيْدَبُها في أوائلها، إذا أقبلَتْ تجرُّ الغُبار جَرَّاً؛ والجمع العثانين. وهَيدَبُها: ما وقع على الأرض منها. وقال ابن مُقْبل:

[هَيفٌ هَدُوج الضُّحى سهوٌ مناكبُها  *** يكسونها بالعشيَّات العثانِينا]([8])

وعُثنون البعير: شُعَيرات عند مَذْبحه. والجمع عثانين.

(عثي) العين والثاء والحرف المعتلّ كلمةٌ تدلُّ على فَساد. يقال عثا يعثو، ويقال عَثِيَ يَعْثَى، مثل عاثَ. قال الله تعالى: {وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ}  [البقرة 60، الأعراف 74، هود 85، الشعراء 183، العنكبوت 36].

ـــــــــــــــــــ

([1]) للعجاج في ديوانه 27 واللسان (عثر). ورواية الدّيوان:

* بل بلدة مرهوبة العاثور *

([2]) أنشده في اللسان (صقل، عثر)، والمخصص (4: 147).

([3]) في الأصل: "عثيرت"، تحريف. وصدره كما سبق التنبيه عليه في حواشي (عيف):  * لعمرك أبيك يا صخر بن ليلى *

([4]) في الأصل: "قال".

([5]) ذكرت التكملة وتفسيرها في القاموس، وضبطها كصبور. ولم ترد في اللسان.

([6]) في اللسان (عثم): "والفضلتين" بالضاد المعجمة.

([7]) كذا وردت العبارة مبتورة في الأصل. وفي المجمل: "والعثمان: فرخ الحبارى" وفي اللسان أن العثمان فرخ الثعبان أو الحية، وفرخ الحبارى.

([8]) التكملة من ديوان ابن مقبل 318 وجمهرة أشعار العرب.

 

ـ (باب العين والجيم وما يثلثهما)

(عجد) العين والجيم والدال ليس بشيء، على أنهم يقولون: العُجْد: الزبيب. ويقال هو العُنْجُد.

(عجر) العين والجيم والراء أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على تعقد في الشيء ونُتوٍّ مع التواء. من ذلك العَجَر: مصدر قولك عَجِرَ يَعْجَرُ عَجَراً. والأعجر النّعت. والعُجْرة: موضع العَجَر. ويقال: حافر عَجُِرٌ: صلب شديد. قال مَرَّار بن مُنْقِذ:

سائلٍ شمراخُه ذي جُبَبٍ  *** سَلِط السُّنبُك في رُسْغٍ عَجُِرْ([1])

والأعجر: كلُّ شيء ترى فهي عُقَداً؛ كبشٌ أعجرُ، وبطنٌ أعجر، إذا امتلأ جدّاً. قال عنترة:

ابني زَبِيبةَ ما لمهركُمُ  *** متخدّداً وبطونُكُمْ عُجْرُ([2])

وقال بعضهم: وأُراه مصنوعاً، إلاّ أنّ الخليل أنشدهُ:

حسن الثِّياب يبيت أعجَرَ طاعماً  *** والضّيفُ من حُبِّ الطَّعام قد التَوَى

والعُجْرة: كلُّ عقدةٍ في خشبةٍ أو غيرها مِن نحو عروق البدَن، والجمع عُجَر. ومن الباب الاعتجار، وهو لفُّ العِمامة على الرأس من غير إدارةٍ تحت الحنَك. قال:

جاءت به معتجراً ببُرْدِهْ  *** سَفْوَاءُ تَرْدِي بنَسِيجِ وَحْدِهْ([3])

وإنما سمِّيَ اعتجاراً لما فيه من لَيٍّ ونُتوّ.

ومما شذَّ عن هذا الأصل العَجِير، وهو من الخيل كالعِنِّين من الرِّجال.

(عجز) العين والجيم والزاء أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدُهما على الضَّعف، والآخر على مؤخَّر الشيء.

فالأول عَجِزَ عن الشيء يعجز عَجْزاً ([4]) ، فهو عاجزٌ، أي ضَعيف. وقولهم إنّ العجزَ نقيضُ الحَزْم فمن هذا؛ لأنه يَضْعُف رأيُه. ويقولون: "المرء يَعْجِز لا مَحَالة([5]) ". ويقال: أعجزَني فلانٌ، إذا عَجِزْت عن طلبه وإدراكه. ولن يُعجز للهَ تعالى شيء، أي لا يَعجِز اللهَ تعالى عنه متى شاء. وفي القرآن: {لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً}  [الجن 12]، وقال تعالى: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ} [العنكبوت 22، الشورى 31]. ويقولون: عَجَزَ بفتح الجيم. وسمعتُ عليَّ بن إبراهيمَ القطَّان يقول: سمعت ثعلباً يقول: سمعتُ ابنَ الأعرابيّ يقول: لا يقال عَجِزَ([6]) إلاَّ إذا عَظُمَتْ عجيزتُه.

ومن الباب: العجوز: المرأة الشَّيخة، والجمع عجائز. والفعل عجَّزت تعجيزاً. ويقال: فلانٌ عاجَزَ فلاناً، إذا ذَهَب فلم يُوصَل إليه. وقال تعالى:{يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعَاجزين}  [سبأ 38]. ويجمع العجوز على العُجُزِ أيضاً، وربَّما حملوا على هذا فسمَّوا الخمرَ عجوزاً، وإنما سمَّوها لقدَمها، كأنَّها امرأةٌ عجوز. والعِجْزَة وابنُ العِجْزَة: آخرُ ولد الشَّيخ. وأنشد:

* عِجْزَةَ شيخَينِ يسمَّى مَعْبَدا([7]) *

وأمَّا الأصل الآخر فالعَجُز: مؤخَّر الشيء، والجمع أعجاز، حتى إنهم يقولون: عَجُز الأمرِ، وأعجازُ الأمور. ويقولون: "لا تَدَبَّرُوا أعجازَ أمورٍ ولَّتْ صدورُها". قال: والعَجيزة: عجيزة المرأة خاصّة إذا كانت ضَخْمَةً، يقال امرأةٌ عَجْزَاء. والجمع عَجيزَاتٌ كذلك. قال الخليل: ولا يقال عجائز، كراهة الالتباس. وقال ذو الرُّمَّة:

عجزاءُ ممكورةٌ خُمصانةٌ قَلِقٌ  *** عنها الوِشاحُ وتمّ الجسم والقصبُ([8])

وقال أبو النَّجم:

مِن كلِّ عَجْزَاءَ، سَقوط البُرقُعِ  *** بلهاءَ لَم تَحْفَظْ ولم تُضَيِّع([9])

والعَجَز: داء يأخذ الدّابةَ في عَجُزها([10]) ، يقال هي عَجْزاء، والذّكر أعجَز. ومما شُبّه [في] هذا الباب: العَجْزاء من * الرَّمل: رملة مرتفِعة كأنّها جبل، والجمع العُجْز. وهذا على أنَّها شبِّهت بعجيزةِ ذاتِ العجيزة، كما قد يشبِّهون العَجِيزات بالرّمل والكثيب. والعَجْزاء من العِقْبان: الخفيفة العَجِيزة. قال الأعشى:

* عَجْزاءُ تَرزُقُ بالسُّلَيِّ عيالَها([11]) *

وما تَركْنا في هذا كراهةَ التّكرار راجعٌ إلى الأصلين اللذين ذكرناهما. وسمِعنا من يقول إنّ العَجوز: نصلُ السَّيف. وهذا إنْ صحَّ فهو يسمَّى بذلك لِقدمه كالمرأة العجوز، وإتْيان الأزمنة عليه.

(عجس) العين والجيم والسين أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على تأخرِ الشيء كالعَجُز، في عِظَمٍ وغِلَظٍ وتجمّع. من ذلك العَُِجْس والمَعْجِس: مقبض [القوس]، وعُجْسُها وعُجْزُها سواء. وإِنَّما ذلك مشبَّه بعَجُز الإنسان وعَجيزته. قال أوسٌ في العجس:

كتُومٌ طِلاعُ الكَفِّ لا دونَ مِلئِها *** ولا عَجْسُها عن موضع الكفِّ أفْضَلا([12])

يقول: عَجْسُها على قدر القَبْضة، سواء. وقال في المَعْجِس مهلهِلٌ:

أنْبَضُوا [مَعجِسَ] القِسِيِّ وأبرقْـ  *** نا كما تُوعِدُ الفحولُ الفُحولا([13])

ومن الباب: عَجَاسَاء اللَّيل: ظُلْمته، وذلك في مآخيرِه؛ وشبِّهت بعَجَاساء الإبل.

قال أهل اللُّغة: العَجَاساء من الإِبل: العِظامُ المَسَانّ. قال الراعي:

إذا بَرَكَتْ منها عَجاساء جِلّةٌ  *** بمَحْنِيَةٍ أجْلى العِفاسَ وبَرْوَعا([14])

العِفاس وبَرْوَع: ناقتان. وهذا منقاسٌ من الذي ذكرناه من مآخير الشَّيء ومُعظَمِه. وذلك أنَّ أهل اللُّغة يقولون: التعجُّس: التأخُّر. قالوا: ويمكن أن يكون اشتقاق العَجَاساء من الإبل منه، وذلك أنَّها هي التي تَستأخِر عن الإبل في المرتَع. قالوا: والعَجَاساء من السَّحاب: عِظامُها. وتقول: تَعَجَّسَني عَنْك كذا، أي أخَّرني عنك. وكل هذا يدلُّ على صحَّة القياسِ الذي قِسناه.

وقال الدريديّ([15]) : تعجَّسْتُ الرّجُلَ، إذا أَمَر أَمْراً فَغَيّرتَه عليه. وهذا صحيحٌ لأنَّه من التعقُّب، وذلك لا يكون إِلاّ بعد مضيِّ الأوّل وإتيانِ الآخَرِ على ساقَتِه وعند عَجُزه. وذَكرُوا أنَّ العَجِيساءَ([16]) : مِشْيَةٌ بطيئة. وهو من الباب. ومما يدلُّ على صحَّة قياسِنا في آخر الليل وعَجَاسائهِ قولُ الخليل: العجَسْ: آخِر الليل. وأنشد:

وأصحابِ صدقٍ قد بعثْتُ بجَوشَنٍ  *** من اللَّيل لولا حبُّ ظمياءَ عرَّسُوا

فقامُوا يَجُرُّون الثِّيابَ وخَلفَهم  *** من اللَّيل عَجْسٌ كالنَّعامةِ أقعسُ

وذكر أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابيّ: أن العُجْسة آخِر ساعةٍ في اللَّيل. فأمّا قولهم: "ولا آتيك سَجِيسَ عُجَيسٍ" فمِن هذا أيضاً، أي لا آتيك آخِرَ الدَّهر. وحُجّةُ هذا قول أبي ذؤيب:

سَقَى أمُّ عَمرٍو كلَّ آخِرِ ليلةٍ  *** حَناتِمُ مُزْنٍ ماؤهن ثجيجُ([17])

لم يُرِدْ أواخرَ اللَّيالي دون أوائلها، لكنّه أراد أبداً.

(عجف) العين والجيم والفاء أصلانِ صحيحان، أحدهما يدلُّ على هُزال، والآخَر على حَبْس النفس وصَبْرِها على الشَّيء أو عنه.

فالأوَّل العَجَف، وهو الهُزَال وذَهاب السِّمَن، والذّكر أعجف والأنثى عَجْفاء، والجمع عِجافٌ، من الذُّكْران والإِناث. والفعل عَجِفَ يَعْجَف([18]) وليس في كلام العَرَب أفعَلُ مجموعاً على فِعال غيرُ هذه الكلمة([19]) ، حملوها على لفظ سِمان. وعِجافٌ على فِعال. ويقال أعجَفَ القومُ، إذا عجِفت مواشيهم وهم مُعْجِفون.

وحَكَى الكسائيُّ: شفَتانِ عَجفاوان، أي لطيفتان قال أبو عُبيد: يقال عَجُفَ إذا هُزِل، والقياس عَجِف؛ لأنَّ ما كان على أفعل وفعلاء فماضيه فَعِل، نحو عَرِج يعرَج، إلاَّ ستّةَ حروف جاءت على فَعُل، وهي سَمُر، وحَمُق، ورَعُن، وعَجُف، وخَرُق.

وحكى الأصمعيُّ في الأعجم: عَجُم. وربَّما اتَّسعوا في الكلام فقالوا: أرضٌ عجفاء، أي مهزولة لا خَيرَ فيها([20]) ولا نبات. ومنه قول الرائد: "وجَدْتُ أرضاً عجفاء". ويقولون: نَصلٌ أعجفُ، أي دقيق. قال ابنُ أبي عائذ([21]) :

تراحُ يداه بمحشورةٍ  *** خَوَاظِي القِداح عجافِ النِّصالِ([22])

 

وأمَّا الأصل الثاني فقولهم: عَجَفْتُ* نفسِي عن الطعام أعجِفها عَجْفاً، إذا حبستَ نفسَك عنه وهي تشتهيه. وعَجَفْت غيرِي قليلٌ. [قال]:

لم يَغْذُها مُدٌّ ولا نَصيفُ  *** ولا تُمَيْراتٌ ولا تعجيفُ([23])

ويقال: عَجَفْت نفسي على المَريض أعْجِفها، إذا صَبَرْتَ عليه ومرَّضْتَه. [قال]:

إنِّي وإِنْ عيَّرتني نُحولِي([24]) *** لأَعجِفُ النَّفسَ على خليلي

* أُعْرِضُ بالوُدِّ وبالتَّنويلِ([25]) *

(عجل) العين والجيم واللام أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدُهما على الإسراع، والآخر على بعض الحيَوان.

فالأوّل: العَجَلة في الأمرِ، يقال: هو عَجِلٌ وعَجُل، لغتان. قال ذو الرّمّة:

كأنَّ رِجلَيه رِجلاَ مُقْطِفٍ عَجُِلٍ  *** إذا تَجَاوَبَ من بُرْدَيه ترنيمُ([26])

واستعجلتُ فلاناً: حثثته. وعَجِلْتُه: سبَقْته. قال الله تعالى: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} [الأعراف 150]. والعُجَالَة: ما تُعَجِّلُ من شيء. ويقال: "عُجَالة الرَّاكبِ تمرٌ وسَويق". وذكر عن الخليل أنَّ العَجَل: ما استُعجِل به طعامٍ فقُدِّم قبل إدراك الغِذاء. وأنشد:

إن لم تُغِثْنِي أكُنْ ياذا النَّدَى عَجَلاً  *** كلُقمةٍ وقَعتْ في شِدقِ غَرثانِ([27])

ونحن نقول: أمّا قياس الكلمة التي ذكرناها فصحيح، لأنَّ الكلمةَ لا أصلَ لها، والبيت مصنوع.

ويقال: من العُجَالة: عجَلتُ القَوْمَ، كما يقال لَهَّنْتُهُمْ. وقال أهل اللُّغة: العاجل: ضد الآجل. ويقال للدُّنيا: العاجلة، وللآخرة: الآجلة. والعَجْلان هو كعب بن ربيعة بن عامر، قالوا: سمِّي العَجْلانَ باستعجالِهِ عَبْدَه. وأنشدوا:

وما سُمِّيَ العَجْلاَنَ إِلاّ لقولـه *** خُذِ الصَّحْنَ واحْلُبْ أيُّهَا العبدُ واعجَلِ([28])

وقالوا: إنَّ المُعَجِّل والمُعْجِل([29]) من النُّوق: التي تُنْتَج قبل أن تستكمل الوقتَ فيعيش ولدُها.

وممّا حُمِل على هذا العَجَلة: عَجَلة الثِّيران. والعَجَلة: المنجنون التي يُسْتَقى عليها، والجمع عَجَل وعَجَلات.

قال أبو عبيد: العَجَلة: خشبةٌ معترِضة على نَعَامَتي البِئرِ والغَرْبُ مُعلَّقٌ بها، والجمع عَجَل. قال أبو زيد: العَجَلة: المَحَالة. وأنشد:

وقد أعَدَّ ربُّها وما عَقَلْ  *** حمراءَ من ساجٍ تَتقّاها العَجَلْ

ومن الباب: العِجْلة: الإداوَة الصَّغيرة، والجمْع عِجَل. وقال الأعشى:

والسّاحباتِ ذيولَ الخزِّ آونةً  *** والرافلاتِ على أعجازها العِجَلُ([30])

وإنما سمِّيت بذلك لأنها خفيفة يعجَل بها حاملُها. وقال الخليل: العَجُول من الإبل، الواله التي فَقَدَت ولدَها، والجمع عُجُل. وأنشد:

أحِنُّ إليك حنين العَجُول  *** إذا ما الحمامة ناحت هديلا

وقالت الخنساء:

فما عَجُولٌ على بَوٍّ تُطِيف به  *** قد ساعدَتْهَا على التَّحنانِ أظآرُ([31])

قالوا: وربما قيل للمرأة الثَّكلى عَجُول، والجمع عُجُل. قال الأعشى:

حتى يظلَّ عميدُ القَوْمِ مرتفقاً  *** يَدفَع بالرّاح عنه نِسْوةٌ عُجُلُ([32])

ولم يفسِّرُوه بأكثر من هذا. قلنا: وتفسيره ما يلحق الوالهَ عند ولهه من الاضطراب([33]) و العَجَلة، إلاّ أنَّ هذه العَجول لم يُبْنَ منها فِعل فيقال: عَجِلتْ، كما بُنِي من الثُّكل ثَكِلتْ، والأصل فيه واحد، إلاّ أنّه لم يأت من العرب.

والأصل الآخر العِجْل: ولد البقرة؛ وفي لغةٍ عِجَّوْل، والجمع عجاجيل، والأنثى عِجْلَة وعِجَّولة، وبذلك سُمِّي الرجل عِجْلاً.

(عجم) العين والجيم والميم ثلاثة أصول: أحدها يدلُّ على سكوتٍ وصمت، والآخَر على صلابةٍ وشدة، والآخر على عَضٍّ([34]) ومَذَاقة.

فالأوَّل الرجُل الذي لا يُفصح، هو أعجمُ، والمرأة عجماءُ بيِّنة العُجمَة. قال أبو النَّجم:

* أعجمَ في آذانها فصيحا *

ويقال عَجُم الرجل، إذ صار أعجَم، مثل سَمُر وأدُم. ويقال للصَّبيِّ ما دام لا يتكلَّم لا يُفصح: صبيٌّ أعجم. ويقال: صلاةُ النَّهار عَجْماء، إنما أراد أنّه لا يُجهر فيها بالقراءة. وقولهم: العَجَمُ الذين ليسوا من العرب، فهذا من هذا القياس كأنَّهم لمّا لم يَفْهَمُوا عنهم سَمُّوهم عَجَماً، ويقال لهم عُجْم أيضاً. قال:

دِيارُ ميَّةَ إذْ* مَيٌّ تُسَاعِفُنا *** ولا يَرَى مثلها عُجْم ولا عَرَبُ([35])

ويقولون: استَعجمَتِ الدَّارُ عن جَواب السَّائل. قال:

صَمَّ صَداها وعفَا رَسمُها *** واستَعْجَمَتْ عن مَنطقِ السّائلِ([36])

ويقال: الأعجميّ: الذي لا يُفْصِح وإنْ كان نازلاً بالبادية. وهذا عندنا غلَط، وما نَعلم أحداً سمَّى أحداً من سكان البادية أعجميَّاً، كما لا يسمُّونه عجميّاً، ولعلَّ صاحبَ هذا القول أراد الأعجم فقال الأعجميّ. قال الأصمعيّ: يقال: بعيرٌ أعجمُ، إذا كان لا يَهدِر. والعجماء: البهيمة، وسمِّيت عجماءَ لأنّها لا تتكلم، وكذلك كلُّ مَن لم يَقدرِ على الكلام فهو أعجمُ ومُستعجِم. وفي الحديث: "جُرْحُ العَجْماء جُبَارٌ"، تراد البَهيمة.

قال الخليل: حروف المعْجَم مخفّف، هي الحروف المقطَّعة، لأنّها أعجمية. وكتابٌ مُعَجَّم، وتعجيمه: تنقيطه كي تستبين عُجْمَتُه ويَضِحَ. وأظنُّ أن الخليل أراد بالأعجمية أنّها ما دامت مقطَّعةً غير مؤلّفة تأليفَ الكلامِ المفهومِ، فهي أعجميَّة؛ لأنَّها لا تدلُّ على شيء. فإن كان هذا أراد فله وجه، وإلاّ فما أدري أيَّ شيء أَرَادَ بالأعجميَّة. والذي عندنا في ذلك أنّه أُريد بحروف المُعجَم حُروفُ الخطِّ المُعْجَم، وهو الخطُّ العربيّ، لأنَّا لا نعلم خَطَّاً من الخطوط يُعْجَم هذا الإعجامَ حتَّى يدلّ على المعاني الكثيرة. فأمَّا إعجام([37]) الخطِّ بالأَشكالِ فهو عندنا يدخل في باب العضِّ على الشَّيء لأنّه فيه، فسمي إعجاماً لأنّه تأثيرٌ فيه يدلُّ على المعْنى.

فأمّا قولُ القائل:

* يريدُ يعرِبَه فيُعجِمُه([38]) *

فإنّما هو من الباب الذي ذكرناه. ومعناه: يريد أن يُبِين عنه فلا يقدرُ على ذلك، فيأتي به غيرَ فصيح دالّ على المعنى. وليس ذلك من إعجام الخطّ في شيء.

(عجن) العين والجيم والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على اكتناز شيءٍ ليِّنٍ غير صُلب. من ذلك العَجَن، وهو اكتناز لحمِ ضَرْع النّاقة، وكذلك من البَقَر والشّاء. تقول: إنّها عَجْناءُ بيِّنة العَجَن. ولقد عَجِنَتْ تَعْجَنُ عَجَناً. والمتَعجِّن من الإِبل: المكتنِز سِمَناً، كأنّه لحمٌ بلا عَظْم.

ومن الباب: عَجَن الخبَّازُ العجِينَ يَعجِنه عَجْناً. وممّا يقرُب من هذا قولُهم للأحمق، عجَّانٌ، وعجينة. قال: معناه أنَّهم يقولون: "فلانٌ يَعجن بِمرفَقَيه عْجناً([39]) "، ثم اقتَصَروا على ذلك فقالوا: عِجينةٌ وعَجّان، أي بمرْفَقَيه، كما جاء في المثل.

ومن الباب: العِجان، وهو الذي يَستبرِئه البائل، وهو ليِّن. قال جَرير:

يَمُدُّ الحبلَ معتمداً عليه  *** كأنّ عجانَه وترٌ جديدُ([40])

(عجي) العين والجيم والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على وَهَْن في شيءٍ، إما حادثاً وإمّا خِلقة.

من ذلك العُجَايَة، وهو عصبٌ مركَّب فيه فُصوصٌ من عِظام، يكونُ عند رُسْغ الدّابَّة، ويكون رِخواً، وزعموا أنَّ أحدَهم يجوع فيدُقُّ تلك العُجَاية بَيْنَ فِهْرَين فيأكلُها. والجمع العُجَايات والعُجَى. قال كعبُ بن زُهير:

سُمرُ العُجاياتِ يترُكْنَ الحَصى زِيَماً  *** لم يَقِهِنَّ رؤوسَ الأُكمِ تنعيلُ([41])

ومما يدلُّ على صِحَّة هذا القياسِ قولهم للأمّ: هي تَعجُو ولدَها، وذلك أن يُؤَخَّر رَضاعُه عن مَوَاقيتِه، ويُورِث ذلك وَهَْنَاً في جِسْمه. قال الأعشى:

مشفِقاً قلبُها عليه فما تعـ  *** ـجُوه إِلاَّ عُفافَةٌ أو فُواقُ([42])

العُفافَة: الشَّيء اليسير. والفُواق: ما يجتمع في الضَّرع قبل الدِّرَّة. وتَعْجُوه، أي تداويه بالغِذاء حَتّى ينهض. واسم ذلك الولد العَجِيُّ، والأنثى عَجِيَّة، والجمع عَجَايا. قال:

عداني أن أزُورَك أنّ بَهْمِي *** عَجَايا كلها إلا قليلا([43])

وإذا مُنِع الولدُ اللّبَن وغُذِّي بالطّعام، قيل: قد عُوجِي. قال ذو الإصبع([44]) :

إذا شئت أبصرت من عَقْبِهم  *** يَتامَى يُعاجَوْنَ كالأذؤُبِ

وقال آخر في وصف جراد:

إذا ارتحلت من منزلٍ خَلّفَتْ به  *** عَجَايا يحاثي بالتُّرابِ صغيرُها([45])

ويروى: "رذايا يُعاجَى".

(عجب) العين والجيم والباء أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدهما على كِبْر واستكبارٍ للشَّيء، والآخر خِلْقة من خِلَق الحيوان.

فالأوّل* العُجْب، وهو أن يتكبَّر الإنسان في نفسه. تقول: هو مُعجَبٌ بنَفْسِه. وتقول من باب العَجَب: عَجِب يَعْجَبُ عَجَباً، وأمرٌ عجيب، وذلك إذا استُكْبِر واستُعْظِم. قالوا: وزعم الخليل أنّ بين العَجِيب والعُجابِ فرقاً. فأمّا العجيب والعَجَب مثله [فالأمرُ يتعجَّب منه([46]) ]، وأمّا العُجَاب فالذي يُجاوِز حدَّ العجيب. قال: وذلك مثل الطَّويل والطُّوال، فالطويل في النَّاس كثير، والطُّوال: الأهوج الطُّول. ويقولون: عجَبٌ عاجب. والاستعجاب: شدة التعجُّب؛ يقال مُستَعجِب ومتعجِّب مما يرى. قال أوس:

ومستعجِبٍ مِمَّا يرى مـن أناتِنا *** ولو زَبنَتْه الحربُ لم يَترمرم([47])

وقِصَّةٌ عَجَب. وأعجبَني هذا الشَّيء، وقد أُعِجبْت به. وشيء مُعْجِبٌ، إذا كان حسَناً جِدّاً.

والأصل الآخر العَجْب([48]) ، وهو من كلِّ دابة ما ضُمَّتْ عليه الورِكان من أصل الذّنَب المغروز في مُؤَخَّر العَجُز. وعُجُوب الكُثْبان سمِّيت عُجوباً تشبيهاً بذلك، وذلك أنّها أواخِر الكُثْبان المستدِقَّة. قال لبيد:

* بعُجوب أنقاء يَميلُ هَيَامُها ([49]) *

وناقَةٌ عَجْباء: بيِّنة العَجَب والعُجْبة([50]) ، وشدَّ ما عَجِبَت، وذلك إذا دقَّ أعلى مؤخَّرها وأشرفت جاعرتاها؛ وهي خِلْقةٌ قبيحة.

ـــــــــــــــــ

([1]) المفضليات (1: 81). وأنشد عجزه في اللسان (عجر 217).

([2]) أنشده في اللسان (عجر)، ولم يرد في ديوان عنترة.

([3]) الرجز لدكين الراجز يمدح به عمر بن هبيرة الفزاري. اللسان (عجر، سفا، وحد) .

([4]) يقال من باب ضرب وسمع، كما في القاموس.

([5]) كذا. والصواب "لا المحالة". والمحالة: الحيلة. انظر اللسان (حول) والبيان (3: 37) بتحقيق كاتبه.

([6]) يعني بكسر الجيم، كما أثبت مطابقاً ما في المجمل. وقد سبقت الإشارة إلى أنهما لغتان في معنى الضعف.

([7]) قبله في اللسان (عجز): * واستبصرت في الحي أحوى أمردا *

([8]) ديوان ذي الرمة 4.

([9]) الرجز في شروح سقط الزند 929 برواية: "من كل بيضاء". قال البطليوسي: "أراد سلامة صدرها مما تنطوي عليه صدور أهل الخبث والمكر، وأنها جاهلة بالأمور التي مهر فيها أهل الفسق والشر".

([10]) زاد في اللسان: "فتثقل لذلك".

([11]) في اللسان (عول) : "فتخاء". وصدره كما في الديوان 25 واللسان (عجز، عول):  * وكأنما تبع الصوار بشخصها *

([12]) ديوان أوس بن حجر 21 واللسان (طلع) والجمهرة (2: 93). وقد سبق في (طلع).

([13]) الأغاني (5: 169): "يعني أنهم لما أخذوا القسي ليرموهم من بعيد انتضوا سيوفهم ليخالطوهم ويكافحوهم بالسيوف".

([14])اللسان (عجس، شلا، عفس، برع) وإصلاح المنطق 180، 315 والجمهرة (2: 93). والرواية فيها جميعاً: "أشلى العفاس".

([15]) الجمهرة (2: 93) .

([16]) ويقال أيضاً "عِجِّيسَى".

([17]) ديوان الهذليين (1: 51) واللسان (حنتم، ثجج). وقد سبق في (ثج).

([18]) ويقال أيضاً عجف يعجف، من باب كرم.

([19]) ذكر ابن خالويه في ليس من كلام العرب 19 ثلاثة أحرف: "أجرب وجراب: وأعجف وعجاف، وأبطح وبطاح". ومثله في اللسان (عجف).

([20]) في الأصل: "لا غير فيها"، صوابه من المجمل.

([21]) أمية بن أبي عائذ الهذلي. ديوان الهذليين (2: 184).

([22]) تراح يداه، أي تخف للرمي. وفي الأصل: "تراه"، صوابه من الديوان.

([23]) الرجز لسلمة بن الأكوع، كما في اللسان (عجف، نصف، خرف، قرص، صرف).

([24]) بعد هذا الشطر في اللسان (عجف): * أو ازدريت عظمي وطولي *

([25]) في الأصل: "وبالتنزيل"، صوابه في اللسان. وأراد أعرض الود، فزاد الباء.

([26]) ديوان ذي الرمة 587 واللسان (قطف، برد).

([27]) أنشده في اللسان (عجل).

([28]) البيت للنجاشي الشاعر. مجالس ثعلب 431 والخزانة (2: 106) والعمدة (1: 27) وزهر الآداب  (1: 19) والبيان والتبيين (4: 38) بتحقيق كاتبه. ويروى: "خذ القعب".

([29]) والمعجال أيضاً، كما في اللسان.

([30]) ديوان الأعشى 46.

([31]) ديوان الخنساء 26.

([32]) ديوان الأعشى 47 برواية: "حتى يظل عميد القوم متكئا".

([33]) في الأصل: "والاضطراب".

([34]) في الأصل: "عصن".

([35]) ديوان ذي الرمة 3.

([36]) لامرئ القيس في ديوانه 148 واللسان (صمم، صدى، عجم). وقد سبق في (صدي).

([37]) في الأصل: "فأما له عجام".

([38]) نسب إلى رؤبة في اللسان (عجم). وانظر ملحقات ديوانه 186. لكن نسب إلى الحطيئة في العمدة (1: 74). والرجز في ديوان الحطيئة 111.

([39]) في المجمل: "إن فلاناً يعجن"، وفي اللسان: "إن فلان ليعجن".

([40]) اللسان (عجن) والديوان 189 عن اللسان.

([41]) في الأصل: "شم العجايات"، صوابه من ديوان كعب 14 واللسان (عجا).

([42]) ديوان الأعشى 141 واللسان (عفف، عجا، عدا). وهذه الرواية تطابق إحدى روايتي اللسان (عجا)، وقد سبق في (عف) برواية: "لا تجافي عنه أنهار ولا تعجوه" ومعظم الروايات كما في الديوان واللسان: "وتعادي عنه النهار".

([43]) أنشده في اللسان (عجا) والمجمل (عجو). وضبط في المجمل بفتح كاف "أزورك"، وقد أهمل ضبطها في اللسان.

([44]) في اللسان (عجا) أنه النابغة الجعدي.

([45]) في الأصل: "عجايا بجايا"، صوابه من اللسان. وفي المجمل: "عجايا تحامى بالتراب دفينها".

([46]) تكملة استضأت بالمجمل في إثباتها. ففيه: "العجيب: الأمر يتعجب منه".

([47]) ديوان أوس بن حجر 27 واللسان (عجب، رمم). وقد سبق في (رم).

([48]) ضبط في القاموس بفتح العين، وفي اللسان بفتحها وضمها.

([49]) من معلقته المشهورة. وصدره: * يجتاب أصلاً قالصاً متنبذاً *

([50]) لم ترد هذه الكلمة في المعاجم المتداولة.

 

ـ (باب العين والدال وما يثلثهما)

(عدر) العين والدال والراء ليس بشيء. وقد ذُكرت فيه كلمة. قالوا: العدْر([1]) : المطر الكثير.

(عدس) العين والدال والسين ليس فيه من اللّغة شيء، لكنّهم يسمُّون الحبَّ المعروفَ عَدَساً. ويقولون: عَدَسْ، زجرٌ للبغال. قال:

عَدَسْ ما لِعَبَّادٍ عليك إمارةٌ *** نَجوتِ وهذا تحملينَ طليقُ([2])

وقوله:

*إذا حَمَلْتُ بِزَّتي على عَدَس([3]) *

فإنّه يريد البغلة، سمَّاها "عَدَسْ" بزَجْرها.

(عدف) العين والدال والفاء أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على قِلّةٍ أو يسيرٍ من كثير. من ذلك العَدْف والعَدُوف، وهو اليسير من العَلَف. يقال: ما ذاقت الخيل عَدُوفاً. قال:

ومُجَنَّباتٍ مـا يَذُقْـنَ عَدوفـاً  *** يَقذِفـن بالمُهَـرات والأمهارِ([4])

والعَدْف: النَّوال القليل. يقال: أصبنا ماله عَدْفا.

ومن الباب العِدْفة، وهي كالصَّنِفَة من الثَّوب. وأمَّا قول الطرِمَّاح:

حَمّالُ أثقالِ دِيات الثَّأَى  *** عن عِدَف الأصل وكُرَّامِها([5])

قالوا: العِدَف: القليل([6]) .

(عدق) العين والدال والقاف ليس بشيء. وذكروا أنّ حديدةً ذاتَ شُعَبٍ يُستخرج بها الدَّلو من البئر يقال لها: عَوْدَقة. وحكَوا: عَدَق بِظَنِّه، مثل رَجَم. وما أحسب لذلك شاهداً من شعرٍ صحيح.

(عدك) العين والدال والكاف ليس بشيء، إلاّ كلمةً من هَنَواتِ ابن دُرَيد، قال: العَدْك: ضرب الصُّوف بالمِطْرَقة([7]) .

(عدل) العين والدال واللام أصلان صحيحان، لكنَّهما متقابلان كالمتضادَّين: أحدُهما يدلُّ على استواء، والآخر يدلُّ على اعوجاج.

فالأول العَدْل من النَّاس: المرضيّ المستوِي الطّريقة. يقال: هذا عَدْلٌ، وهما عَدْلٌ. قال زهير:

متى يَشْتجرْ قومٌ يَقُلْ سَرَوَاتُهُمْ  *** هُم بيننا فهمْ رِضاً وهُمُ عدلُ([8])

وتقول: هما عَدْلانِ أيضاً، وهم عُدولٌ، وإن فلاناً لعَدْلٌ بيِّن العَدْل والعُدُولة([9]) . والعَدْل: الحكم بالاستواء. ويقال للشَّيء يساوي الشيء: هو عِدْلُه. وعَدلْتُ بفلانٍ فلاناً، وهو يُعادِله. والمُشْرِك يَعدِل بربِّه، تعالى عن قولهم عُلُوَّاً كبيراً، كأنه يسوِّي به غيره.

ومن الباب: العِدْلان: حِمْلا الدَّابّة، سمِّيا بذلك لتساويهما. والعَديل: الذي يعادلك في المَحْمِل. والعَدْل: قِيمة الشيء وفِدَاؤُه. قال الله تعالى: {وَلاَ يُقبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ}  [البقرة 123]، أي فِدْية. وكلُّ ذلك من المعادَلة، وهي المساواة.

والعَدْل: نقيض الجَوْر، تقول: عَدَل في رعيته. ويومٌ معتدل، إذا تساوَى حالا حرِّه وبَرْدِه، وكذلك في الشيء المأكول. ويقال: عدَلْتُه حتى اعتدل، أي أقمته *حتى استقامَ واستوَى. قال:

صَبَحْتَ بها القوم حتى امْتَسَكْـ  *** ـتَ بالأرض تَعْدِلُها أن تميلا([10])

 

ومن الباب: المعتدلِة من النُّوق، وهل الحسنة المتَّفقة الأعضاء. فأمَّا قولهم لِضرْبٍ من السُّفن: عَدَوْلِيَّة، فقد يجوز أن يكون من القياس الذي قِسْناه، لأنها لا تكون إِلاّ مستويةً معتدِلة. على أنَّ الخليلَ زَعَم أنّها منسوبة إلى موضعٍ يقال له عَدَوْلَى. قال طرفة:

عَدَوْليَّةٍ أو من سفين ابنِ يامِنٍ  *** يجورُ بها الملاَّحُ طوراً ويهتدِي([11])

فأمّا الأصل الآخَر فيقال في الاعوجاج: عَدَل. وانعدَلَ، أي انعَرَج. وقال ذو الرُّمَّة:

وإِنِّي لأُنحِْي الطَّرفَ من نحوِ غيرها  *** حياءً ولو طاوعتُه لم يُعادِل([12])

(عدم) العين والدال والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على فِقْدَان الشيء وذَهابه. من ذلك العَدَم. وعَدِم فلانٌ الشَّيء، إذا فقده. وأعْدمه الله تعالى كذا، أي أفاتَه. والعديم: الذي لا مالَ لـه؛ ويجوز جمعُه على العُدَماء، كما يقال فقير وفُقَراء. وأعْدَمَ الرّجلُ: صار ذا عدمٍ([13]) . وقال في العديم:

وعَدِيمُنـا متـعففٌ متـكرِّمٌ  *** وعلى الغنيِّ ضَمانُ حقِّ المُعْدِمِ

وقال في العدم حسّانُ بن ثابت:

رُبَّ حِلمٍ أضاعه عَُدَُم الما *** لِ وجهلٍ غطّى عليه النّعيمُ([14])

(عدن) العين والدال والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على الإقامة. قال الخليل: العَدْن: إقامة الإبل في الحَمْض خاصّة. تقول: عَدَنَت الإبل تَعْدِن عَدْناً. والأصل الذي ذكره الخليل هو أصلُ الباب، ثمَّ قيس به كلُّ مُقام، فقيل جنةُ عَدْنٍ، أي إقامة. ومن الباب المعدِنُ: مَعدن الجواهر. ويقيسون على ذلك فيقولون: هو مَعدن الخَير والكَرَم. وأمّا العِدَان والعَدان فساحِلُ البحر. ويجوز أن يكون من القياس الذي ذكرناه، وليس ببعيد. وقال لبيد:

لقد يعلم صَحبي كلُّهم  *** بِعَدَانِ السَّيفِ صبري ونَقَلْ([15])

وعَدَنُ: بلد.

(عدو) العين والدال والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يرجع إليه الفروعَ كلّها، وهو يدلُّ على تجاوُزٍ في الشيء وتقدُّمٍ لما ينبغي أن يقتصر عليه. من ذلك العَدْو، وهو الحُضْر. تقول: عدا يعدو عَدْواً، وهو عادٍ. قال الخليل: والعُدُوُّ مضموم مثقّل، وهما لغتان: إحداهما عَدْو كقولك غَزْو، والأُخرى عُدُوّ كقولك حُضور وقُعود. قال الخليل: التعدّي: تجاوز ما ينبغي أن يُقْتَصَر عليه. وتقرأ هذه الآية على وجهين: {فَيَسُبُّوا الله عَدْواً بغيرِ علمٍ} و{عُدُوَّاً([16])} [الأنعام 108]. والعادي: الذي يعدو على الناس ظُلْماً وعُدواناً. وفلانٌ يعدو أمرَكَ، وما عَدَا أنْ صَنَع كذا. ويقال من عَدْوِ الفرس: عَدَوَانٌ، أي جيِّد العَدْوِ وكثيرُه. وذئب عَدَوَانٌ: يعدُو على الناس. قال:

نُهْدُ القُصَيْرَى عَدَوانُ الجَمْزِ([17])

تَذْكُرُ إذ أنت شديدُ القَفْزِ([18])

وتقول: ما رأيت أحداً ما عدا زَيْداً. قال الخليل: أي ماء جاوَزَ زيداً. ويقال: عدا فلانٌ طَورَه. ومنه العُدْوانُ، قال: وكذلك العَدَاء، والاعتداء، والتعدِّي. وقال أبو نُخَيلة:

ما زال يَعدُو طَورَه العبدُ الرَّدِي  *** ويعتدي ويعتدي ويعتدي

قال: والعُدْوان: الظلم الصُّراح([19]) . والاعتداء مشتقٌّ من العُدْوَان. فأمَّا العَدْوَى فقال الخليل: هو طلبك إلى والٍ أو قاضٍ أن يُعدِيَك على مَن ظَلَمك أي يَنقِم([20]) منه باعتدائه عليك. والعَدْوَى ما يقال إِنّه يُعدِي، من جَرَبٍ أو داء([21]) . وفي الحديث: "لا عَدْوَى ولا يُعدِي شيء شيئاً". والعُدَاء كذلك([22]) . وهذا قياسٌ، أي إذا كان به داء لم يتجاوزْه إليك. والعَدْوَة: عَدوَة اللّصّ وعدوة المُغِير. يقال عدا عليه فأخَذَ مالَه، وعدا عليه بسيفه: ضَرَبه لا يريد به عدواً على رجليه، لكن هو من الظُّلم. وأما قوله:

* وعادت عَوادٍ بيننا وخُطُوب([23]) *

فإنّه يريد أنّها تجاوَزَتْ حتَّى شغلت. ويقال: *كُفَّ عنا عادِيتَك. والعادية: شُغل من أشغال الدَّهر يَعدُوك عن أمرك، أي يَشغلُك. والعَدَاء: الشُّغْل. قال زُهير:

فصَرِّمْ حَبلَها إِذْ صرَّمتهُ  *** وعَادَك أن تلاقِيَها عَداءُ([24])

فأمّا العِدَاء فهو أن يُعادِيَ الفرسُ أو الكلبُ [أو] الصَّيّادُ بين صيدين([25]) ، يَصرع أحدَهما على إثر الآخر. قال امرؤ القيس:

فعادَى عِداءً بين ثَورٍ ونعجة  *** وبين شَبوبٍ كالقضيمة قَرْهبِ([26])

فإن ذلك مشتقٌّ من العَدْو أيضاً، كأنّه عَدَا على هذا وعدا على الآخَر. وربما قالوا: عَدَاء، بنصب العين. وهو الطَّلَق الواحد. قال:

* يَصْرع الخَمْسَ عَدَاءً في طَلَق([27]) *

والعَدَاء: طَوَار كلِّ شيء، انقاد معه عَرضه أو طُوله. يقولون: لزِمتُ عَدَاء النَّهر، وهذا طريقٌ يأخُذ عَداءَ الجَبل. وقد يقال العُِدْوة في معنى العَداء، وربما طُرحت الهاء فيقال عِدْوٌ، ويُجمَع فيقال: أعداء النّهر، وأعداء الطريق. قال: والتَّعداء: التَّفعال. وربما سمّو المَنْقَلة([28]) العُدَواء. وقال ذو الرمة:

هامَ الفؤادُ بذكراها وخامَرَهُ  *** منها على عُدَواء [الدَّارِ] تَسقيمُ([29])

قال الخليل: والعِنْدأْوَة: التواء وعَسَر قال الخليل: وهو من العَدَاء. ونقول: عَدَّى [عن الأمر] يعدِّي تعديةً، أي جاوزَه إلى غيره. وعدّيت عنِّي الهَمَّ، أي نحّيته عنِّي. وعدِّ عنِّي إلى غيري. وعَدِّ عن هذا الأمر، أي تجاوَزْه وخُذ في غيره. قال النابغة:

فعدِّ عمّا ترى إِذْ لا ارتجاعَ لـه  *** وانمِ القُتود على عَيرانةٍ أُجُدِ([30])

وتقول: تعدّيت المفازةَ، أي تجاوزتُها إلى غيرها. وعَدَّيت النّاقةَ أُعدِّيها. قال:

ولقد عَدَّيْتَ دَوْسَرَةً  *** كعَلاَة القَيْنِ مِذكارا([31])

ومن الباب: العدُوّ، وهو مشتقٌّ من الذي قدّمْنا ذِكره، يقال للواحد والاثنين والجمعِ: عدوّ. قال الله تعالى في قِصّة إبراهيم: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلاَّ رَبَّ الَعالمِين}  [الشعراء 77]. والعِدَى والعُدَى والعادِي([32]) والعُدَاة. وأمّا العُدَواء فالأرض اليابسة الصلبة، وإِنّما سمِّيت بذلك لأنّ مَن سكنها تعدّاها. قال الخليل: وربّما جاءت في جوف البئر إذا حفرت، وربَّما كانت حجراً حتَّى يَحِيدوا عنها بعضَ الحَيْد. وقال العجّاج في وصف الثَّور وحَفْرة الكِناس، يصفُ أنّه انتهى إلى عُدَوَاءَ صُلبةٍ فلم يُطِقْ حَفْرَها فاحرَوْرَف عنها:

وإن أصابَ عُدَوَاءَ احْرَورفا  *** عنها ووَلاَّها الظلُّوف الظُّلَّفا([33])

والعُِدْوة: صَلابةً من شاطئ الواد. ويقال عُدْوة، لأنّها تُعادِي النهر مثلاً، أي كأنّهما اثنان يتعادَيانِ. قال الخليل: والعَدَويّة من نبات الصَّيف بعد ذَهاب الرَّبيع، يخضرُّ فترعاه الإبل. تقول: أصابت الإِبل عَدَويَّة، وزنه فَعَليّة.

(عدب) العين والدال والباء زعم الخليل أنَّه مهمل، ولعلَّه لم يبلغْه فيه شيء. فأمّا البناء فصحيح. والعَدَاب: مسترِقٌّ من الرَّمل. قال ابن أحمر:

كثَور العَدَاب الفَرْدِ يَضْرِبُه الندى  *** تَعلَّى النَّدى في مَتْنِهِ وتحدّرا([34])

والله أعلم.

ـــــــــــــــ

([1]) بفتح العين وضمها كما في اللسان. وضبط في الأصل والمجمل بالفتح فقط.

([2]) ليزيد بن مفرغ، كما في اللسان (عدس) والخزانة (2: 514).

([3]) الرجز في اللسان (عدس) والمخصص (6: 183). وقد سبق في (طفو).

([4]) للربيع بن زياد العبسي، يحرض قومه في طلب دم مالك بن زهير العبسى. وينسب أيضاً لقيس بن زهير. اللسان (مهر، عدف). وانظر إصلاح المنطق 432.

([5]) ديوان الطرماح 163 واللسان (عدف).

([6]) في شرح الديوان: "يعني يزيد بن المهلب. وعدفة كل شيء: أصله الذاهب في الأرض".

([7]) نص ابن دريد (2: 280): "والعدك لغة يمانية زعموا، وهو ضرب الصوف بالمطرقة".

([8]) ديوان زهير 107.

([9]) والعدالة أيضاً. والعدولة لم ترد في اللسان ووردت في القاموس.

([10]) في اللسان: "أعدلها أن تميلا".

([11]) من معلقته المشهورة.

([12]) ديوان ذي الرمة 493. والشاهد فيه أن: "لم يعادل" بمعنى لم ينعدل.

([13]) يقال بفتحتين وضمتين، وضمة.

([14]) ديوان حسان 378 والبيان (2: 325/4: 58).

([15]) ديوان لبيد 14 طبع 1881 واللسان (عدن، سيف، نقل) وإصلاح المنطق 60 والمخصص  (2: 129) ، وفي اللسان (سيف) أن السيف: موضع. وفي (عدن) أن شمراً رواه بفتح العين، ورواية أبي الهيثم بكسرها.

([16]) هذه قراءة يعقوب والحسن. وقراءة الجمهور: "عدوا" بفتح العين وسكون الدال. إتحاف فضلاء البشر 215.

([17]) بعده في اللسان: * وأنت تعدو بخروف مبزي *.

([18]) في الأصل: "الفقر"، وصوابه من اللسان (عدا).

([19]) في الأصل: "التراح"، صوابه في المجمل.

([20]) في الأصل: "ينقسم".

([21]) في الأصل: "أو داب".

([22]) انفرد بذكر هذه اللغة لهذا المعنى. وليس في سائر المعاجم إلا فرس ذو عدواء، إذا لم يكن ذا طمأنينة وسهولة. ومكان ذو عدواء، أي ليس بمطمئن. وعدواء الشوق: ما برح بصاحبه. والعدواء أيضاً: إناخة قليلة. والعدواء كذلك: بعد الدار.

([23]) عجز بيت لعلقمة الفحل في ديوانه 131 والمفضليات 191. وصدره:

* يكلفني ليلى وقد شط وليها * وفي الأصل: "عدت عواد"، تحريف.

([24]) الديوان 62. وفي اللسان بعد إنشاده: "قالوا: معنى عادك عداك، فقلبه".

([25]) في المجمل: "أن يعادي الفرس أو الصائد بين الصيدين".

([26]) ديوان امرئ القيس 86 واللسان (عدا).

([27]) أنشده في اللسان (عدا 257).

([28]) المنقلة: الأرض فيها حجارة تنقلها قوائم الدواب من موضع إلى موضع. وفي الأصل "المشغلة"، تحريف. وفسر "العدواء" في المجمل بأنها بعد الدار.

([29]) ديوان ذي الرمة 570 واللسان (سقم). وعجزه في المجمل (عدا) واللسان (عدا 261). وكلمة "الدار" ساقطة من الأصل وإثباتها من المراجع السالفة الذكر.

([30]) ديوان النابغة 17 واللسان (نمى).

([31]) البيت لعدي بن زيد، كما سبق في (ذكر)، وكما في اللسان (دسر).

([32]) في الأصل: "والعدى".

([33]) البيتان في ملحقات ديوان العجاج 83. وأنشدهما في اللسان (عدا، حرف، ظلف).

([34]) أنشده في اللسان (عدب)، وهو في المجمل (عدب) بدون نسبة.

 

 


ـ (باب العين والذال وما يثلثهما)

(عذر) العين والذال والراء بناء صحيح له فروعٌ كثيرة، ما جَعلَ الله تعالى فيه وجهَ قياسٍ بَتَّةً، بل كلُّ كلمةٍ منها على نَحوِها وجِهَتها مفردة. فالعُذْر معروف، وهو رَوْم الإنسان إصلاحَ ما أُنكِرَ عليه بكلام. يُقال منه: عَذَرْتُه فأنا أَعْذِرُه عَذْراً، والاسم العُذْر. وتقول: عَذَرْتُه من فلان، أي لُمْتُه([1]) ولم ألُم هذا. يُقال: مَن عذيري من فلان، ومَن يَعذِرني منه. قال:

أُريد حِبَاءه ويُريدُ قَتْلي  *** عَذيرَكَ من خليلكَ من مُرادِ([2])

ويقال إنّ عَذِير الرّجل: ما يروم ويُحاوِل ممّا يُعذَر عليه إذا فَعَله. *قال الخليل: وكان العجّاجُ يرمُّ رَحْلَه([3]) لسفرٍ أرادَه، فقالت امرأتُه: ما [هذا] الذي ترُمُّ([4]) ؟ فقال:

* جارِيَ لا تستنكري عَذِيري([5]) *

يريد: لا تُنكرِي ما أحاول. ثم فَسَّر في بيتٍ آخر فقال:

* سيري وإشفاقي على بعيري([6]) *

وتقول: اعتذر يَعتذِر اعتذاراً وعِذْرة من ذنبه فعذرْتُه. والمَعذِرة الاسم. قال الله تعالى: {قَالُوا مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ([7])} [الأعراف 164]. وأعذَر فلانٌ إذا أبْلَى عُذْراً فلم يُلَمْ. ومن هذا الباب قولهم: عذَّر الرّجلُ تعذيراً، إذا لم يبالِغ في الأمر وهو يريكَ أنّه مبالغٌ فيه. وفي القرآن: {وَجَاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ} [التوبة 90]، ويقرأ: {المُعْذِرُون([8])}. قال أهل العربيّة: المُعْذِرون بالتخفيف هم الذين لهم العُذْر، والمعذِّرون: الذين لا عُذْرَ لهم ولكنَّهم يتكلَّفون عُذراً. وقولهم للمقصِّر في الأمر: مُعَذِّر، وهو عندنا من العُذْر أيضاً، لأنَّه يقصِّر في الأمر مُعوِّلاً على العُذْر الذي لا يريد يتكلف([9]) .

وباب آخَر لا يشبه الذي قبلَه، يقولون: تعذَّر الأمرُ، إذا لم يَستقِم. قال امرؤُ القيس:

ويوماً على ظَهرِ الكثَيب تَعذَّرتْ  *** عَلَيَّ وآلت حَلْفةً لم تَحَلَّلِ([10])

وبابٌ آخَر لا يشبه الذي قبلَه: العِذار: عِذار اللِّجام. قال: وما كان على الخَدَّين من كيٍّ أو كدحٍ طُولاً فهو عذار. تقول من العِذَار: عَذَرْتُ الفرس فأنا أعذُِرُه عَذْراً بالعِذار، في معنى ألجمته. وأعْذَرتُ اللِّجام، أي جعلت له عِذاراً. ثم يستعيرون هذا فيقولون للمنهمِك في غَيِّه: "خَلَعَ العِذار". ويقال من العِذار: عَذّرْتُ الفرسَ تعذيراً أيضاً.

وبابٌ آخر لا يشبه الذي قبلَه. العِذَار([11]) ، وهو طعامٌ يدعى إليه لحادثِ سُرُور. يقال منه: أعذروا إعذاراً. قال:

كلَّ الطَّعامِ تشتهي ربيعَهْ  *** الخُرْسُ والإعذارُ والنقيعهْ([12])

ويقال بل هو طعامُ الخِتان خاصّة. يقال عُذِر الغُلامُ، إذا خُتِنَ. وفلانٌ وفلانٌ عذارُ عامٍ واحد([13]) .

وباب آخر لا يشبه الذي قبله: العَذَوَّر، قال الخليل: هو الواسع الجَوف الشديد العِضاض([14]) . قال الشاعر يصف الملْكَ أنه واسعٌ عريض:

وحازَ لنا الله النُّبوّةَ والهدى  *** فأعطى به عزّاً ومُلكاً عَذَوَّرَا

ومما يشبه هذا قول القائل يمدح([15]) :

إذا نزلَ الأضيافُ كان عذَوَّراً  *** على الحيِّ حتى تَستقِلَّ مَرَاجِلُه([16])

قالوا: أراد سيءَ الخلق حَتَّى تُنصَب القُدور. وهو شبيه بالذي قاله الخليل في وصف الحمار الشديد العضاض.

وبابٌ آخَر لا يشبه الذي قبله: العُذْرة: عُذْرَة الجارية العذراء، جاريةٌ عذراءُ: لم يَمسَّها رجل. وهذا مناسبٌ لما مضى ذكرُه في عُذْرة الغلام.

وبابٌ آخر لا يشبه الذي قبله: العُذرة: وجعٌ يأخذ في الحَلْقِ. يقال منه: عُذِر فهو معذور. قال جرير:

غمزَ ابن مُرَّةَ يا فرزدَقُ كَيْنَهَا  *** غَمْزَ الطبيبِ نَغانغ المعذورِ

وبابٌ آخر لا يشبه الذي قبله: العُذْرة: نجمٌ إذا طلع اشتدَّ الحر، يقولون: "إذا طلعَتِ العُذْرة، لم يبق بعُمان بُسْرَة".

وباب آخر لا يشبه الذي قبله: العُذْرة: خُصلةٌ من شعر، والخُصلة من عُرف الفَرَس. وناصيتُه عُذرة. وقال:

* سَبِط العُذرَةِ ميّاح الحُضُرْ *

وبابٌ آخر لا يشبه الذي قبله: العَذِرة: فِناء الدّار. وفي الحديث: "اليهودُ أنتَنُ خَلْق الله عَذِرَة"، أي فناءً. ثم سمِّي الحَدَثُ عَذِرة لأنَّه كان يُلقَى بأفنية الدُّور.

(عذق) العين والذال والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على امتدادٍ في شيء وتعلق شيءٍ بشيء. من ذلك العِذْق عِذْق النَّخلة، وهو شمراخ من شماريخها. والعَذْق: النخلة، بفتح العين. وذلك كله من الأشياء المتعلِّقة بعضُها ببعض. قال:

ويُلْوِي بريَّان العَسِيب *كأنه  *** عَثَا كِيل عَذْقٍ من سُمَيْحَة مُرطبِ([17])

قال الخليل: العِذْق من كلِّ شيء: الغُصْن ذو الشُّعَب.

ومن الباب: عُذِقَ الرّجُل، إذا وُسمَ بعلامةٍ يعرَف بها. وهذا صحيح، وإنما هذا من قولهم: عَذَقَ شاتَهُ يَعْذُقُهَا عَذْقَاً، إذا علَّقَ عليها صوفةً تخالفُ لونَها.

وممّا جرى مجرى الاستعارة والتمثيل قولهم: "في بني فلانٍ عِذْقٌ كَهْلٌ" إذا كان فيهم عِزٌّ ومَنْعَة. قال ابن مُقْبِل:

وفي غَطَفَانَ عِذْقُ صِدقٍ ممنَّعٌ *** على رغم أقوامٍ من النّاس يانعُ([18])

(عذل) العين والذل واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على حَرٍّ([19]) وشِدّةٍ فيه، ثم يقاس عليه ما يقاربه. ومن ذلك اعتذَل الحرُّ: اشتدّ. قال أبو عبيد: أيّام مُعتذلات: شديداتُ الحرارة.

ومما قيس على هذا قولهم: عَذَل فلانٌ عَذْلاً، والعَذَل الاسم. ورجلٌ عذّالٌ وامرأة عذَّالة، إذا كثر ذلك منهما. والعُذَّال الرِّجال، والعُذّل النِّساء. وسمِّيَ هذا عَذْلاً لما فيه من شدّة ومَسِّ لَذْع. قال:

غَدَتْ عَذَّ التَايَ فقلتُ مهلاً  *** أفي وجدٍ بسَلمى تَعذُلانِي([20])

(عذم) العين والذال والجيم والميم أُصيلٌ صحيح يدل على عَضٍّ وشِبهه. قال الخليل: أصل العَذْمِ العضّ، ثم يقال: عَذَمَهُ بلسانه يَعْذِمُه عَذْماً، إذا أخذه بلسانه. والعَذيمة: الملامة. قال الراجز:

يَظَلُّ مَن جارَاه في عذائمِ  *** من عنفوانِ جريِهِ العُفاهِمِ([21])

أي مَلاَمَات. وفرسٌ عَذوم. فأما العَذَمْذَم فإن الخليل ذكره في هذا الباب بغين معجمة، وقال غيره: بل هو غَذَمْذَم بالغين. قال الخليل: وهو الجُرَاف. يقال: مَوت غَذَمْذَم: جُراف لا يُبقي شيئاً. قال:

ثِقالُ الجفانِ والحلومِ رحاهُم  *** رَحَى الماء يكتالون كَيْلاً عَذَمذَما([22])

(عذي) العين والذال والحرف المعتل أُصيل صحيح يدلُّ على طِيبِ تُربة قال الخليل وغيره: العَذَاةُ: الأرض الطيِّبة التربة، الكريمة المَنبِت. قال:

بأرضٍ هِجانِ التُّرْب وَسميَّة الثَّرَى  *** عَذَاةٍ نأت عنها المُؤُوجة والبحرُ([23])

قال: والعِذْيُ، الموضع يُنبِت شتاءً وصيفاً من غير نَبع. ويقال: هو الزرع لا يُسقَى إلاّ من ماء المطر، لبُعده من المياه. قالوا: ويقال لهذا العَذا، الواحدة عَذاةٌ. وأنشدوا:

بأرضٍ عَذاةٍ حَبَّذا ضَحَواتُها  *** وأطيبُ منها ليلُه وأصائله

(عذب) العين والذال والباء أصلٌ صحيح، لكنّ كلماتِه لا تكاد تنقاس، ولا يمكن جمعُها إلى شيء واحد. فهو كالذي ذكرناه آنفاً في باب العين والذال والرّاء. وهذا يدلُّ على أنّ اللُّغة كلَّها ليست قياساً، لكنْ جُلُّها ومعظمُها.

فمن الباب: عَذُبَ الماءُ يَعْذُبُ عُذُوبَةً، فهو عَذْبٌ: طيّب. وأعذَبَ القومُ، إذا عذُب ماؤهم. واستعذبوا، إذا استقَوا وشَرِبوا عَذْباً.

وبابٌ آخر لا يُشِبه الذي قبلَه، يقال: عَذَب الحمار يَعْذِب عَذْباً وعُذوباً فهو عاذبٌ [و] عَذُوب: لا يَأكل من شدّة العطش. ويقال: أعذَبَ عن الشَّيء، إذا لَهَا عنه وتركَه. وفي الحديث: "أعْذِبوا عن ذِكْر النِّساء". قال:

وتبدَّلوا اليعبوبَ بعد إلههم  *** صَنَماً ففِرُّوا يا جَديل وأعذِبُوا([24])

ويقال للفرس وغيرِه عَذوبٌ، إذا بات لا يأكل شيئاً ولا يشرب، لأنّه ممتنع من ذلك.

وبابٌ آخَر لا يشبه الذي قبله: العَذُوب: الذي ليس بينه وبين السّماء سِتر، وكذلك العاذب. قال نابغةُ الجعديُّ([25]) :

فباتَ عَذُوباً للسَّماء كأنّه  *** سُهيلٌ إذا ما أفردَتهُ الكواكبُ([26])

فأمّا قول الآخر:

بِتنَا عُذُوباً وباتَ البَقُّ يلْسَِبُنا  *** عند النُّزولِ قِراناً نَبْحُ دِرْواسِ([27])

فممكن أن يكونَ أراد: ليس بيننا وبين السَّماء سِتر، وممكنٌ أن يكون من الأول إذا باتُوا لا يأكلون ولا يَشرَبون.

*وحكى الخليل: عذَّبتُه تعذيباً، أي فَطَمتُه. وهذا من باب الامتناع مِن المأكل والمَشرَب.

وبابٌ آخرُ لا يُشبِه الذي قبله: العَذاب، يقال منه: عذَّب تعذيباً. وناسٌ يقولون: أصل العَذاب الضَّرب. واحتجُّوا بقول زُهير:

وَخَلْفَها سائقٌ يحدُوا إذا خَشيت  *** منه العَذابَ تمدُّ الصُّلبَ والعُنُقا([28])

قال: ثم استُعِير ذلك في كلِّ شِدّة.

وبابٌ آخرُ لا يُشبِه الذي قبلَه، يقال لطَرَف السَّوط عَذَبة، والجمع عَذَب. قال:

غُضْفٌ مهرَّتَة الأشداقِ ضارية  *** مثلُ السَّراحين في أعناقها العَذَبُ([29])

والعَذَبة في قضيب البعير: أسَلتُه. والعُذَيب: موضع.

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "أي لمت منه".

([2]) البيت لعمرو بن معد يكرب، يقوله في قيس بن مكشوح المرادي، كما في الكامل 550 ليبسك والأغاني (9: 12). وبعده:

ولو لاقيتني ومعي سلاحي *** تكشف شحم قلبك عن سواد

وتروى الأبيات التي منها هذا البيت لدريد بن الصمة في الأغاني. وانظر الأغاني (11: 32) وكان علي إذا نظر إلى ابن ملجم يتمثل بهذا البيت، كما في الأغاني والكامل وأمثال الميداني. وأنشد عجزه في اللسان (عذر 222).

([3]) في الأصل: "يروم رحلة"، صوابه مقتبس من اللسان، ففيه: "فكان يروم رحل ناقته لسفره"، أي يصلحه.

([4]) في الأصل: "تروم"، صوابه والتكملة التي قبله من اللسان (عذر).

([5]) ديوان العجاج 26، وهو مطلع أرجوزة له. وأنشده كذلك في المجمل واللسان (عذر).

([6]) في الديوان: "سعيي وإشفاقي"، وقد نبه عليها في اللسان.

([7]) معذرة بالنصب، قراءة حفص، نصب على المفعول من أجله، أو على المصدر، أو على المفعول به لأن المعذرة تتضمن كلاماً، وحينئذ تنصب بالقول، كقلت خطبة. وقد وافقه في هذه القراءة اليزيدي مخالفاً أبا عمرو. وباقي القراء على الرفع على الخبرية، أي هذه معذرة، أو موعظتنا معذرة. إتحاف فضلاء البشر 232.

([8]) هذه قراءة يعقوب، ووافقه الشنبوذي. والباقون بفتح العين وتشديد الذال المكسورة. إتحاف فضلاء البشر 244.

([9]) كذا وردت هذه العبارة.

([10]) البيت من معلقته المشهورة.

([11]) ويقال له أيضاً "إعذار" و "عذير" و "عذيرة".

([12]) الرجز في اللسان (خرس، عذر، نقع).

([13]) في اللسان: "وفي الحديث: كنا إعذار عام واحد، أي ختنا في عام واحد. وكانوا يختتنون لسن معلومة فيما بين عشر سنين وخمس عشرة".

([14]) هذا من صفة الحمار، كما في اللسان وكما سيأتي. وفي المجمل: "وحمار عذور: واسع الجوف".

([15]) الحق أن الشعر رثاء، والقائل هو زينب بنت الطثرية ترثي أخاها يزيد، من مقطوعة في الحماسة (1: 432-433) وحماسة البحتري 433. وأنشد البيت في المجمل واللسان (عذر) .

([16]) سبق إنشاده وتخريجه في (دغر). وابن مرة هذا هو عمران بن مرة المنقري، وكان أسر "جعثن" أخت الفرزدق يوم السيدان، وفي ذلك يقول جرير أيضاً (انظر اللسان كين):

يفرج عمران بن مرة كينها  *** وينزو نزاء العير أعلق حائله

([17]) لامرئ القيس في ديوانه 83 برواية: "وأسحم ريان العسيب". سميحة: بئر بالمدينة.

([18]) في اللسان (عذق): (عذق، عز).

([19]) في الأصل: "حرارة".

([20]) أنشده في اللسان (عذل).

([21]) الرجز في اللسان (عذم، عفهم). وقد نسيه في (عفهم) إلى غيلان. والبيت الأول في المخصص (12: 175).

([22]) البيت لشقران مولى سلامان، كما في اللسان (غذم) من مقطوعة اختارها أبو تمام في الحماسة (2: 274).

([23]) ديوان ذي الرمة 211 واللسان (عذا، مأج). ورواية الديوان والمجمل والموضع الأول من اللسان: "الملوحة".

([24]) البيت لعبيد بن الأبرص في ديوانه 12 والحيوان (3: 100) والخزانة (3: 246).

([25]) حذف أل في مثله جائز، وجاء فيه قول الشاعر، وأنشده في اللسان(نبغ):

ونابغة الجعدي بالرمل بيته  *** عليه صفيح من تراب موضع

([26]) أنشده في اللسان (عذب).

([27]) هذا إنشاد غريب، ففي الحيوان (2: 22):

بتنا وبات جليد الليل يضربنا  *** بين البيوت قرانا نبح درواس

وفي اللسان (لسب، بقق، شوى):

بتنا عذوباً وبات البق يلسبنا  *** نشوي القراح كأن لا حي بالوادي

ورواية اللسان (ندل) والتبريزي (1: 384): "عند الندول"، بفتح النون بعدها دال وذكر أنه اسم رجل وصدره فيهما: "بتناوبات سقيط الطل يضربنا".

([28]) ديوان زهير 39.

([29]) ديوان ذي الرمة 23 واللسان (عذب).

 


ـ (باب العين والراء وما يثلثهما)

(عرز) العين والراء والزاء أصل صحيح يدلُّ على استصعابٍ وانقباض. قال الخليل: استعرز عليَّ مثل استعصب. وهذا الذي قال صحيح، وحجّته قولُ الشّمّاخ:

وكلُّ خليلٍ غير هاضِمِ نفِسه *** لوصلِ خليلٍ صارمٌ أو مُعارِزُ([1])

أراد المنقبِض عنه.

والعرب تقول: "الاعتراز الاحتراز"، أي الانقباضُ داعيةُ الاحتراز. يَنْهَون عن التبسُّط والتذرُّع، فربما أدَّى إلى مكروه. ويقال العَرْز: اللَّوم والعَتْب في بيت الشماخ، وهو يرجع إلى ذاك الذي ذكرنا.

(عرس) العين والراء والسين أصل واحد صحيح تعود فروعُه إليه([2]) ، وهو الملازمة. قال الخليل: عَرِس به، إذا لزِمَه. فمن فروع هذا الأصل العِرْس: امرأة الرَّجل، ولبُؤة الأسد. قال امرؤ القيس:

كذَبتِ لقد أُصِبي على [المرء] عِرسَه *** وأمنعُ عرسي أن يُزنَّ بها الخالي([3])

ويقال إنّه يُقال للرجُل وامرأتِه عرسانِ؛ واحتجُّوا بقول علقمة:

* أُدْحِيَّ عِرْسَينِ فيه البيضَ مركومُ([4]) *

ورجل عَرُوسٌ في رجال عُرُس، وامرأةٌ عروسٌ في نسوةٍ عرائس وعُرُس. وأنشد:

جَرَّتْ بها الهُوج أذيالاً مظاهرة *** كما تجرُّ ثياب الفُوَّةِ العُرُسُ([5])

وزعم الخليل أنّ العَرُوس نعتٌ للرّجُل والمرأة على فَعُول وقد استويا فيه، ما داما في تعريسهما أياماً إذا عَرَّس أحدهما بالآخَر. وأحسنُ [من] ذلك أن يقال للرجل مُعْرِس، أي اتَّخذَ عَروساً. والعرب تؤنّث العُرُْس([6]) . قال الراجز:

إنا وجَدْنا عُرُس الحَناطِ  *** مذمومةً لئيمةَ الحُوَّاط([7])

وقال في المُعْرِس:

يمشي إذا أخذ الوليدُ برأسِهِ  *** مشياً كما يمشي الهجين المُعْرِسُ

قال أبو عمرو بن العلاء. يقال: أعرَسَ الرّجلُ بأهله، إذا بَنَى بها، يُعرِس إعراساً، وعَرَّس يُعرِّس تعريساً. وربَّما اتسعوا فقالوا للغِشْيان: تعريس وإعراس. ويقال: تعرَّس الرّجلُ لامرأته، أي تحبَّب إليها. قال يونس: وهو ما يدلُّ على القياس الذي قِسناه. [و] عَرس الصبيُّ بأمِّه يَعْرَس، تقديره علِمَ يعلم، وذلك إذا أُولِعَ بها ولزِمَها. وكذلك عَرِسَ الرّجلُ بصاحبه. قال المعقِّر:

* وقد عَرِسَ الإناخة والنُّزُولاَ([8]) *

وذكر الخليل: عَرِسَ يَعرَسُ عَرَساً، إذا بَطِر، ويقال: بل أعيا ونَكَل. وهذا إنِّما يصحُّ إذا حُمِل على القياس الذي ذكرناه، وذلك أنْ يَعرَس عن الشَّيءِ بالشَّيء. قال الأصمعيّ: عَرِسَتِ الكلابُ عن الثَّور، أي بَطِرَتْ عنه. وهذا على ما ذكرناه كأنّها شُغِلَتْ بغيره وعَرِسَتْ.

قال يعقوب: العِرْس من الرِّجال: الذي لا يبرح القِتال، مثل الحِلْس. وقال غيره: رجل عَرِسٌ مَرِسٌ. ومن الباب العِرّيسُ: مأوَى الأسد في خِيسٍ من الشجر والغِياض، في أشدِّها التفافاً. فأمّا قول جرير:

* مُستحصِدٌ أجَمِي فِيهمْ وعِرِّيسِي([9]) *

فإِنَّه يعني منبِت أصلِه في قَومِه. ويقال عِرِّيس وعِرِّيسة. وتقول العرب في أمثالها:

* كمُبتَغِي الصَّيد في عِرِّيسَةِ الأسدِ([10]) *

ومن الباب التَّعريس: نُزول القوم في سفَرٍ من آخِر الليل، يقعون وَقْعةً ثم يرتحلون. قلنا في هذا: وإِنّ خَفّ نزولُهم فهو محمولٌ على القياس الذي ذكرناه، لأنَّهم لا بدَّ [لهم] من المقام. قال زهير:

وعرَّسُوا ساعةً في كُثْب أسْنُمَةٍ  *** ومنهمُ بالقَسُوميّاتِ مُعتَرَكُ([11])

وقال ذو الرُّمَّة:

معرّساً في بياض الصُّبح وَقْعتُه  *** وسائر السَّير إلاّ ذاك مُنجذِبُ([12])

ومن الباب: عَرَستُ البعيرَ أعرِسُهُ عَرْساً، وهو أن تشدَّ عنقه مع يديه وهو باركٌ. وهذا يرجع إلى ما قلناه.

وممّا يقرُب من هذا الباب المعرَّس: الذي عُمِلَ لـه عُرْس([13]) ، وهو الحائطُ يُجعَل([14]) بينَ حائِطَي البَيْت، لا يبلغ به أقصاه، ثم يوضع الجائز من طرف العَرس الداخل إلى أقصى البيت، ويسقّف البيتُ كلُّه.

ومن أمثالهم: "لا مَخْبأَ لعِطرٍ بعدَ عروس"، وأصله أن رجلاً تزوّجَ امرأةً فلمَّا بنَى بها وجدها تَفِلَة، فقال لها: أين الطِّيب؟ فقالت: خَبَأته! فقال: لا مخبأَ لعطرٍ بعدَ عَروس.

(عرش) العين والراء والشين أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على ارتفاعٍ في شيء مبنيّ، ثم يستعارُ في غير ذلك. من ذلك العَرْش، قال الخليل: العرش: سرير الملِك. وهذا صحيحٌ، قال الله تعالى: {وَرَفَعَ أبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ}  [يوسف 100]، ثم استُعير ذلك فقيل لأمر الرّجُل وقِوامه: عرش. وإذا زال ذلك عنه قيل: ثُلَّ عَرشُه. قال زهير:

تداركتُما الأحلافَ قد ثُلَّ عرشُها  *** وذُبْيانَ إذْ زَلّت بأقدامها النَّعلُ([15])

ومن الباب: تعريش الكَرْم، لأنّه رفعه والتوثُّق منه. والعريش: بناءٌ من قُضبانٍ يُرفَع ويوثَّق حتَّى يظلّل. وقيل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يومَ بدرٍ: "ألاَ نَبْنِي لك عريشاً". وكلُّ بناء يُستَظَلُّ به عَرْشٌ وعَريش. ويقال لسَقْف البَيْت عَرْش. قال الله تعالى: {فَهي خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِها} [الحج 45]، والمعنى أنَّ السَّقف يسقُط ثم يتَهافت عليه الجُدرانُ ساقطةً. ومن الباب العَرِيش، وهو شِبْه الهَوْدَجِ يُتَّخَذ للمرأة تقعُد فيه على بعيرها. قال رؤبة يصف الكِبَر:

إمَّا تَريْ دهراً حَنَاني حَفْضاً  *** أطْرَ الصَّنَاعَينِ العريشَ القَعْضَا([16])

ومما جاء في العريش أيضاً قولُ الخنساء:

كانَ أبو حسَّانَ عرشاً خَوَى  *** ممّا بناهُ الدّهرُ دَانٍ ظليلْ([17])

فأمّا قولُ الطِّرِمَّاح:

قليلاً تُتَلِّي حاجةً ثم عُولِيَتْ  *** على كلِّ مَعروش الحصيرينِ بادنِ([18])

فقال قوم: أراد العَريش، وهو الهودج. وحِصيراهُ: جنْباه.

ويقال: المعروش: الجمل الشَّديد الجنبَين.

ومن الباب: عَرَشْتُ الكرم وعَرَّشْتُه. يقال: اعتَرش العنبُ، إذا علا على العَرش. ويقال: العُرُوش: الخِيام من خشبٍ، واحدُها عريش. وقال:

* كوانِساً في العُرُش الدَّوامج *

الدَّوامج: الدواخل.

ومن الباب: عَرْش البِئر: طيُّها بالخشَب. قال بعضهم: تكون البئرُ رِخوةَ الأسفل والأعلَى فلا تُمسِكُ الطَّيَّ لأنَّها رَملة، فيعرَّش أعلاها بالخشَب، يُوضَع بعضُه على بعض، ثمَّ يَقُوم السُّقاة عليه فيستقون. وأنشد:

وما لمَثَابات العُروشِ بقِيَّةٌ *** إذا استُلَّ من تحت العُروش الدَّعائم([19])

المَثَابة: أعلى البئر حيث يقوم السَّاقي. وقال بعضهم: العَرْش الذي يكون على فم البئر يقوم عليه السَّاقي. قال الشمَّاخ:

ولما رأيت الأمر عرشَ هويّةٍ  *** تَسَلَّيْتُ حاجاتِ الفؤادِ بشَمَّرا([20])

الـهَُويَّة: الموضع الذي يهوِي مَن يقوم عليه، أي يسقطُ.وقال الخليل: وإذا حَمَل الحمارُ على العانةِ رافعاً رأسَه شاحياً فاه قيل: عَرَّشَ بعانته تعريشاً. وهذا من قياس البابِ، لرفعِهِ رأسه.

ومن الباب العُرْش: عُرْش العنُق، عُرشانِ بينهما الفَقار، وفيهما الأخْدَعَانِ، وهما لحمتانِ مستطيلتانِ عَدَاءَ العنُق، أي ناحيةَ العنق. قال ذو الرُّمَّة:

وعبدُ يغوثٍ تَحْجُِلُ الطَّيْرُ حولَه  *** قد احتَزَّ عُرْشَيه الحُسامُ المذكَّرُ([21])

وزعم ناسٌ أنَّهما عَرشان بفتح العين. والعَُرش في القَدَم. ما بين العَيْر والأصابع من ظَهر القَدَم، والجمع عِرَشَةٌ. وقد قيل في العُرْشَين أقوالٌ* متقاربة كرِهنا الإطالةَ بِذِكْرِها. ويقال إنّ عَرْش السِّماك: أربعةُ كواكبَ أسفَلَ من العوّاء، على صورة النَّعش. ويقال هي عَجُز الأسد. قال ابن أحمر:

باتَتْ عليه ليلةٌ عَرْشِيَّةٌ  *** شَرِيَتْ وباتَ إلى نقاً متهدِّدِ([22])

يصف ثوراً. وقوله: "شريت" أي ألحَّت بالمطر.

(عرص) العين والراء والصاد أصلانِ صحيحان: أحدهما يدلُّ على إظْلال شيءٍ على شيء، والآخر يدلُّ على الاضطراب. وقد ذكر الخليلُ القياسين جميعاً.

قال الخليل: العَرْص: خشبة توضَع على البيت عَرْضاً إذا أُريد تسقيفُه، ثم يُوضَع عليها أطرافُ الخشب. تقول عَرَّصت السّقفَ تعريصاً. وهذا الذي قاله الخليلُ صحيح، إِلاَّ أنَّ العَرْص إنما هو السَّقْف بتلك الخشبةِ وسائرِ ما يتمُّ به التسقيف.

وقال الخليل أيضاً: العَرَّاص من السَّحاب: ما أظَلَّ من فوقُ فقرُبَ حتى صار كالسَّقْف، لا يكون إلاّ ذا رعدٍ وبرق. فقد قاس الخليلُ قياس ما ذكرناه من الإظلال في السَّقْف والسَّحاب. وأنشد:

يَرْقَدُّ في ظِلِّ عَرَّاصٍ ويَطرده  *** حفيفُ نافجةٍ عُثْنُونُها حَصِبُ([23])

ألا تَراهُ جعل له ظِلاًّ.

والأصل الآخر الدالُّ على الاضطراب. قال الخليل: العَرّاص أيضاً من السَّحاب: ما ذهبت به الرِّيح وجاءت. قال: وأصل التعريص الاضطراب، ومنه قيل: رُمحٌ عَرَّاصٌ، لاضطرابه إذا هُزَّ. قال أبو عمرو: ويقال ذلِك في السَّيف أيضاً، وذلك لبَريقِه ولمَعانه. ورُمحٌ عَرَّاصُ المهزَّة، وبرقٌ عَرَّاص. قال:

* وكلّ غادٍ عَرِصِ التَّبَوُّجِ *

ومن الباب: عَرْصَة الدّار، وهي وَسْطها، والجمع عَرَصات وعِراص([24]) .قال جميل:

وما يُبكيكَ من عَرَصاتِ دارٍ  *** تَقَادَمَ عهدُها ودنا بِلاَها

ويقال: سمِّيت عَرصةً لأنَّها كان ملعباً للصبيان ومُختَلَفاً لهم يضطربون فيه كيف شاؤوا. وكان الأصمعيُّ يقول: كلُّ جَوْبة([25]) مُنْفتقة ليس فيها بناءٌ فهي عَرصة.

ومن الباب: العَرَصُ، وهو النَّشاط، يقال: عَرِصَ، إذا أشِرَ. قال: وتقول: حلبتها حَلَباً كَعَرص الهِرَّة، وهو أشَرُها ونشاطُها ولَعِبُها بيديها. واعتَرَصَ مثل عَرَص. قال:

إذا اعترصْتَ كاعتراصِ الهِرّهْ  *** أوشكتَ أن تسقُطَ في أُفُرَّهْ([26])

وقال أبو زيد: عَرَصَتِ السماء تَعْرِصُ عَرْصاً، إذا دام برقُها. وباتت السَّماء عَرَّاصةً. ويقال: غَيثٌ عَرَّاصٌ، أي لا يَسكُنُ برقُه.

ومن الباب: عَرِصَ البيتُ. قال: هو من خُبْثِ الرِّيح. وهذا مع خُبْثِ ريحه فإنَّ الرّائحةَ لا تثبتُ بمكان، بل هي تضطرِب. ومن ذلك لحم مُعَرَّصٌ، قال قوم: هو الذي فيه نُهوءةٌ لم يَنْضَج. وأنشد:

سيكفيك صَرْبَ القَومِ لحمٌ مُعَرَّصٌ  *** وماءُ قُدُورٍ في القِصاع مَشُوبُ([27])

 

(عرض) العين والراء والضاد بناءٌ تكثرُ فروعُه، وهي مع كثرتها ترجعُ إلى أصلٍ واحد، وهو العَرْض الذي يُخالف الطُّول. ومَنْ حَقَّقَ النظرَ ودقَّقه عَلِمَ صحَّة ما قلناه، وقد شرحنا ذلك شرحاً شافياً.

فالعَرْض: خِلافُ الطُّول. تقول منه: عَرُض الشيء يعرُضُ عِرَضاً([28])، فهو عريض.

وقال أبو زيد: عَرُض عَرَاضَةً. وأنشد:

إذا ابتدرَ القَوْمُ المكارمَ عَزَّهُمْ  *** عَرَاضَةُ أخلاقِ ابن ليلَى وطولُها([29])

وقَوْسٌ عُرَاضَةٌ: عريضة. وأعْرضت المرأةُ أولادَها: ولدَتْهم عِرَاضاً، كما يقال أطالت في الطول.

ومن الباب: عَرَضَ المتاعَ يَعْرِضُه عَرضاً. وهو كأنَّه في ذاك قد أراهُ عَرْضَه. وعَرَّض الشيءَ تعريضاً: جعلَه عَريضاً.

ومن ذلك عَرض الجُنْد: أن تُمِرَّهم عليك، وذلك كأنَّكَ نظرتَ إلى العارضِ مِن حالهم. ويقال للمعروض من ذلك: عَرَضٌ متحركة، كما يقال قَبَضَ قَبَضاً، وقد ألقاه في القَبَض. وعَرَضُوهم على السَّيف عَرْضاً، كأنَّ السَّيف أخذَ عَرْضَ القوم فلم يَفُتْه أحد. وعَرَضْتُ العُود على الإناء أعْرُضُه بضم الراء، إذا وضعتَه عليه عَرْضاً. وفي الحديث: "هَلاّ خَمّرْتَه ولو بعُود تَعرُضُه عليه". ويقال في غير ذلك: عَرَض يعرِض، بكسر* الراء. وما عَرَضْتُ لفلانٍ ولا تَعرِضْ له، وذلك أن تجعل عَرْضَك بإزاء عَرْضِه. ويقال: عَرَض الرُّمْحَ يَعَرِضُه عَرْضاً. قال النّابغة:

لهن عليهم عادةٌ قد عَرَفْنَها  *** إذا عرضُوا الخَطِّيَّ فوقَ الكواثِبِ([30])

وعَرَضَ الفرسُ في عَدْوِهِ عَرْضاً، كأنَّه يُرِي النّاظرَ عَرْضَه. قال:

* يَعْرِض حتَّى يَنصب الخيشومَا([31]) *

قالوا: إذا عَدا عارضاً صدرَه، أو مائلاً برأسِه. ويقال: عَرَض فلانٌ من سلعته، إذا عارَضَ بها، أعطى واحدةً وأخذ أخرى. ومنه:

* هل لَكِ والعارضُ مِنْكِ عائضُ([32]) *

أي يعارضُكِ فيأخذُ منكِ شيئاً، ويُعطيكِ شيئاً. ويقال: عَرَضْتُ أعْواداً بعضَها على بعض، واعترضت هي. قال أبو دُواد:

تَرَى الرِّيشَ في جوفِه طامياً  *** كعَرْضِك فوق نِصَالٍ نصالا([33])

يصف الماءَ أنّ الرِّيشَ بعضُه معترضٌ فوق بعض، كما يعترض النَّصلُ على النَّصل كالصَّليب. ويقال: عَرَضْتُ له من حَقِّه ثوباً فأنا أعرِضُه، إذا كان له حقٌّ فأعطاه ثوباً، كأنَّه جَعَل عَرْضَ هذا بإزاء عَرضِ حَقِّه الذي كان له. ويقال: أعْيَا فاعتَرَض على البعير.

وذكر الخليلُ: أعرضت الشَّيءَ: جعلتُه عريضاً. وتقول العرب: "أعْرَضْتَ القِرْفَةَ". وكان بعضهم يقول: "أعرضْتَ الفُرقة" ولعلَّه أَجود، وذلك للرجل يقال له: مَن تتَّهم؟ فيقول: أَتَّهمُ بني فلانٍ، للقبيلةِ بأَسْرها. فيقال له: أَعْرَضْتَ القِرفَة، أَي جِئتَ بتُهمةٍ عريضة تعترض القبيلَ بأسره.

ومن الباب: أَعْرَضْتُ عن فلانٍ، وأعرضْتُ عن هذا الأمر، وأعرَض بوَجْهه. وهذا هو المعنى الذي ذكرناه؛ لأنّه إذا كان كذا ولاَّه عرضه([34]) . والعارض إنّما هو مشتقٌّ من العَرْض الذي هو خِلافُ الطُّول. ويقال: أعْرَضَ تلك الشَّيءُ من بعيدٍ، فهو مُعرضٌ، وذلك إذا ظهر لك وبدا. والمعنى أنّك رأيت عَرْضه. قال عمرو بن كُلثوم:

وأعْرَضَت اليمامةُ واشْمَخَرَّتْ  *** كأسيافٍ بأيدي مُصْلتِينا([35])

[و] تقول: عارضْتُ فلاناً في السَّير، إذا سرتَ حِيالَه. وعارَضْتُه مِثْلَ ما صَنَعَ، إذا أتيت إليه مثلَ ما أتى إليك. ومنه اشتُقَّت المعارَضة. وهذا هو القياس، كَأَنَّ عَرْض الشَّيء الذي يفعلُه مثلُ عَرْض الشيء الذي أتاه. وقال طفيل:

وعارضْتُها رَهْوَاً على مُتَتابعٍ  *** نَبِيلِ القُصَيْرَى خارِجيٍّ محنَّبِ([36])

ويقال: اعترَض في الأمر فلانٌ، إذا أدخَلَ نفسَه فيه. وعارَضْتُ فلاناً في الطّريق، وعارَضْتُه بالكتاب، واعترَضْتُ أُعْطِي مَن أقَبَلَ وأدبر. وهذا هو القياس. واعتَرَضَ فلانٌ عِرْضَ فُلانٍ يَقَعُ فيه، أي يَفعَل فِعلاً يأخُذ عَرْضَ عِرْضِه. واعتَرَضَ الفرسُ، إِذا لم يستَقِمْ لقائدِه. قال الطرِمَّاح:

وأراني المليكُ رُشْدي وقد كُنْـ  *** تُ أخا عُنْجُهيَّةٍ واعتراضِ([37])

وتعرَّض لي فلانٌ بما أكرَهُ. ورجل عِرِّيضٌ، أي متعرِّض.

ومن الباب: استَعْرَض الخوارجُ النّاسَ، إذا لم يُبَالوا مَنْ قتلوا. وفي الحديث: "كُلِ الجُبْنَ عُرْضاً"، أي اعترِضْه كيف كان ولا تَسْأَلْ عنه([38]) . وهذا كما قلناه في إعْراض القِرْفة([39]) . والمُعْرِض: الذي يَعترِض النَّاس يستدين ممن أمْكَنه. ومنه حديث عمر: "ألاَ إنّ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ ادّانَ مُعْرِضاً([40]) ".

ومن الباب العِرض: عِرْض الإنسان. قال قومٌ: هو حَسَبُه، وقال آخرون: نَفسه. وأيَّ ذلك كانَ فهو من العَرْض الذي ذكرناه.

وأمّا قولهم إنّ العِرْض: ريحُ الإنسان طيّبةً كانَت أم غير طَيِّبة، فهذا طريق المجاوزة، لأنَّها لمّا كانت مِن عِرضِه سمِّيت عِرضاً. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّما هو عَرَقٌ يجري من أعراضهم" أي أبدانهم، يدلُّ على صِحَّة هذا. واستدلوا *على أنَّ العِرض: النَّفْسُ بقول حسَّانَ، يمدح رسولَ الله عليه الصلاة والسلام:

هَجَوْتَ محمّداً فأجبتُ عنه  *** وعند اللهِ في ذاك الجزاءُ([41])

فإنّ أبي ووالدَتي وعِرْضِي  *** لِعِرض محمّدٍ منكم وِقاءُ([42])

وتقول: هو نقيُّ العِرْض، أي بعيدٌ من أن يُشتَمَ أو يعاب.

ومن الباب: مَعاريضُ الكلام، وذلك أنَّه يَخرُج في مِعْرَضٍ غَير لفظِهِ الظاهر، فيُجعَل هذا المِعْرَض له كمِعْرَض الجارية، وهو لباسها الذي تُعْرَض فيه، وذلك مشتقٌّ من العَرْض. وقد قلنا في قياس العَرْض ما كَفَى.

وزعم ناسٌ أن العربَ تقول: عرَفتُ ذاك في عَرُوضِ كلامِه، أي في مَعاريضِ كلامه.

ومن الباب العَرْض: الجيش العظيم، وهذا على مَعنى التَّشبيه بالعَرْض([43]) من السَّحاب، وهو ما سَدَّ بعَرْضِه الأفُق. قال:

* كنَّا إذا قُدْنا لقومٍ عَرْضَاً([44]) *

أي جيشاً كأنّه جبلٌ أو سحابٌ يسدُّ الأفق، وقال دريد([45]) :

نعيَّة مِنْسَر أو عَرْض جيشٍ  *** تضيق به خُروق الأرضِ مَجْرِ([46])

 

وكان ابنُ الأعرابي يقول: الأعراض: الجبال والأودَية والسحاب، الواحد عِرْض. كذا قال بكسر العين، ورُوِي عنه أيضاً بالفتح. وقال أبو عبيدة: العَرض: سَنَد الجبل. وأنشد:

* ألاَ ترى بكلِّ عَرْض مُعْرِضِ([47]) *

وأنشد الأصمعيّ:

* كما تَدَهْدَى من العَرْض الجلاميدُ([48]) *

والعَريض: الجَدْي إذا نَزَا [أو] يكاد ينْزو، وذلك إذا بلغ. وهذا قياسُه أيضاً قياسُ الباب، وهو من العَرْض، وجمعه عُِرْضانٌ.

فأمّا عَرُوض الشِّعر فقال قوم: مشتقٌّ من العَرُوض، وهي النَّاحية، كأنّه ناحيةٌ من العِلْم. وأنشد في العَروض:

لكلِّ أُناسٍ من مَعَدٍّ عِمارةٌ  *** عَرُوضٌ إليها يَلْجَؤونَ وجانبُ([49])

وقال آخرون: العَريض: الطريق الصَّعب، ذلك يكون في عَرْض جَبَل، فقد صار بابُه قياسَ سائِر الباب. قالوا: وهذا من قولهم: ناقةٌ عُرْضِيَّة، إذا كانت صعبةً. ومعنى هذا أنّها لا تستقيم في السَّيْر، بل تعترض([50]) . قال الشَّاعر([51]) :

ومَنَحتُها قولي على عُرْضِيَّةٍ  *** عُلُطٍ أُدَاري ضِغْنَها بتودُّدِ

ومن الباب: عُرْض الحائط، وعُرض المال، وعُرْض النَّهر، ويراد به وَسَطه. وذلك من العرض أيضاً. وقال لَبيد:

فتوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وصَدَّعا  *** مسجورةً متجاورا قُلاَّمُها([52])

وعُرْض المالِ من ذلك، وكلُّه الوسَط. وكان اللِّحياني يقول: فلانٌ شديد العارضة، أي الناحية. والعَرَض من أحداث الدَّهر، كالمرضِ ونحوه، سمِّي عَرَضاً لأنَّه يعترض، أي يأخذه فيما عَرض من جَسَده. والعَرَض: طمَع الدُّنيا، قليلاً [كان] أو كثيراً. وسمِّي به لأنّه يُعْرِض، أي يريك([53]) عُرْضَه. وقال:

مَن كان يرجو بقاءً لا نفَادَ لـه  *** فلا يَكُنْ عَرَضُ الدُّنيا لـه شَجَنا

ــــــــــــــــ

([1]) ديوان الشماخ 43 واللسان (عرز). وضبط في الديوان: "غيرها ضم"، وإنما هو "هاضم" يقال هضم له من حظه، إذا كسر له منه.

([2]) في الأصل: "تعود الرجل فروعه إليه".

([3]) ديوان امرئ القيس 53.

([4]) ديوان علقمة 130 والمفضليات (2: 200) واللسان (عرس). وصدره:

* حتى تلافى وقرن الشمس مرتفع *

([5]) البيت للأسود بن يعفر، كما في اللسان (فوو). وروايته فيه: "جرت بها الريح".

([6]) العرس، بضمة وبضمتين: مهنة الإملاك والبناء، وقيل طعامه خاصة.

([7]) بعده في اللسان (عرس) وإصلاح المنطق 396:

* ندعى من النساج والخياط *

وانظر المخصص (17: 92) واللسان وأساس البلاغة (حوط).

([8]) في الأصل: "والنزول".

([9]) في الأصل: "مستحصداً حمى فيه وتعريسي"، صوابه من الديوان 323 واللسان (عرس). وصدره في الديوان : * إني امرؤ من نزار في أرومتهم *

([10]) وكذا في اللسان (عرس). وفي أمثال الميداني (2: 93): "في عرينة الأسد". والعرينة: العرين. وهو بالصورة الأولى شطر بيت من البسيط، وعلى الرواية الأخيرة نثر لا شعر.

([11]) ديوان زهير 165 واللسان (عرس، سنم). ويروى:

* ضحوا قليلاً قفا كثبان أسنمة *

([12]) ديوان ذي الرمة 7.

([13]) في الأصل: "للذي لا عمل له عرس"، تحريف.

([14]) في الأصل: "يجعل له"، صوابه في المجمل واللسان.

([15]) ديوان زهير 109 واللسان (ثلل، عرش). وقد سبق في (ثل).

([16]) الرجز في ديوانه 80 واللسان (عرش، حفض، قعض)، وقد سبق في (حفض).

([17]) ديوان الخنساء 70 واللسان وأساس البلاغة (عرش). ورواية الديوان:

إن أبا حسان عرش هوى  *** مما بنى الله بكن ظليل

([18])ديوان الطرماح 164.

([19]) البيت للقطامي في ديوانه 48 واللسان (ثوب، عرش) وأساس البلاغة (عرش). وقد سبق في (ثوب).

([20]) ديوان الشماخ 28 واللسان (عرش، هوى، شمر). و"هوية" تقرأ بالتصغير وبفتح فكسر. وضبط في المجمل كذلك بفتح الهاء وكسر الواو.

([21]) ديوان ذي الرمة 236 واللسان والمجمل (عرش). وعبد يغوث هذا، هو عبد يغوث بن وقاص بن صلاءة الحارثي، كما في شرح الديوان.

([22]) روي في اللسان (عرش): "على نقا متهدم"، وفي المجمل: "متهدم" كذلك، وكتب بعده بخط مخالف لأصله: "أو على [نقا] متهدم، شك الشيخ أيده الله". وفي أساس البلاغة: "على نقا يتهدد"، وعقب عليه بقوله: "شريت: لجت في الأمطار. يتهدد: ينهد وينهار".

([23]) البيت لذي الرمة في ديوانه 32 واللسان (رقد، نفج، عرص).

([24]) في الأصل: "وعريص"، تحريف.

([25]) في الأصل: "حبوبه"، تحريف.

([26]) الرجز في مجالس ثعلب 584 واللسان (عرص).

([27]) البيت للسليك بن السلكة في الأصح، وقيل للمخبل السعدي، كما في اللسان (عرص، عرض، شوب). وأنشده في المجمل (عرس) أيضاً بهذه الرواية، وكتب تحتها: "ومشيب" أي هما روايتان. وروايته في اللسان (صرب): "في الجفان مشوب". وفي (عرص، شوب): "في القصاع مشيب". وفي (عرص): "في الجفان مشيب".

([28]) في الأصل: "عرضا وعرضا"، وفيه تكرار. انظر اللسان والقاموس.

([29]) البيت لجرير، كما في اللسان (عرض). وأنشده في المجمل بدون نسبة، وهو مما لم يرو في ديوان جرير. وابن ليلى، هو عبد العزيز بن مروان.

([30]) ديوان النابغة. واللسان (عرض). في الديوان: "إذا عرض الخطلي". وفي اللسان: "إذا عرضوا" بتشديد الراء، وهي لغة في عرض الرمح.

([31]) نسبه في اللسان (عرض 41) إلى رؤبة. وهو في ملحقات ديوانه 185.

([32]) في الأصل: "منك عارض"، صوابه من المجمل واللسان (عرض، عوض). والرجز لأبي محمد الفقعسي كما في اللسان. وقبله:

* يا ليل أسقاك البريق الوامض * وقد سبق في (عوض).

([33]) أنشده في اللسان (عرض 38) بدون نسبة.

([34]) في الأصل: "عارضه".

([35]) البيت من معلقته المشهورة.

([36]) ديوان طفيل 9 برواية: "شديد القصيرى".

([37]) ديوان الطرماح 80 وجمهرة أشعار العرب 190 واللسان (عرض 30). وفي الأصل: "المكيل" بدل "المليك"، تحريف.

([38]) زاد بعده في المجمل: "من عمله".

([39]) انظر ما سبق في ص 280  س11-14.

([40]) انظر رواية الحديث في اللسان (عرض 38).

([41]) ديوان حسان 8 من قصيدة يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويهجو أبا سفيان وكان هجا النبي قبل إسلامه.

([42]) في الديوان واللسان (عرض 32): "فإن أبي ووالده".

([43]) يقال هذا بفتح العين وكسرها.

([44]) لرؤبة في ديوانه 81 واللسان (عرض) برواية: "إنا إذا قدنا". وبعده:

* لم نبق من بغي الأعادي عضا *

([45]) في الأصل: "ابن دريد".

([46]) نعية، كذا وردت في الأصل.

([47]) أنشده في المخصص (10: 49/11: 4). وأنشد بعده:

* كل رداح دوحة المحوض *

([48]) أنشد هذا العجز في اللسان (عرض 37).

([49]) للأخنس بن شهاب التغلبي، كما سبق تحقيقه في (عمر).

([50]) في الأصل: "في التنزيل تعترض".

([51]) هو ابن أحمر كما سبق في (علط).

([52]) البيت من معلقته المشهورة.

([53]) في الأصل: "سريك".

ويقال: "الدُّنيا عَرَضٌ حاضرٌ، يأخذ منه البَرُّ والفاجر". فأمَّا قوله: صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس الغِنَى عن كَثْرة العَرْض". فإِنِّما سمعناه بسكون الراء، وهو كلُّ ما كان من المال غيرَ نَقْد؛ وجمعه عُروض. فأمّا العَرَض بفتح الراء، فما يُصِيبه الإنسان من حَظِّه من الدُّنيا. قال الله تعالى: {وَإنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} [الأعراف 169].

وقال الخليل: فلانٌ عُرْضَة للنَّاس: لا يزالون يَقَعُون فيه. ومعنى ذلك أنّهم يعترضون عُرضَه. والمِعْراض: سَهمٌ لـه أربعُ قُذَذٍ دِقاقٍ، وإذا رُمِيَ به اعتَرَضَ. قال الخليل: هو السَّهم الذي يُرْمَى به لا رِيشَ له يمضي عرضاً.

فأمَّا قولُهم: شديد العارضة، فقد ذكرنا ما قاله اللِّحياني فيه. وقال الخليل: هو شديد العارضة، أي ذو جَلَد وصَرَامَةٍ. والمعنيانِ متقاربانِ، أي شديد ما يَعرِض للنَّاس منه. وعارِضةُ الوجه: ما يبدو منه عند الضَّحك. وزَعَم أنَّ أسنان المرأة تسمَّى العوارض* والقياس في ذلك كلِّه واحد. قال عنترة:

وكأنَّ فَارةَ تاجرٍ بقسيمةٍ  *** سبقَتْ عوارضَهَا إليك من الْفَمِ([1])

ورجلٌ خفيف العارضَين، يعني عارضَي اللِّحية. وقال أبو ليلى: العوارض الضَّواحك، لمكانها في عَرْض الوَجْه. قال ابن الأعرابيّ: عارضا الرَّجُلِ: شَعْر خدَّيه، لا يقال للأمْرَدِ: امسَحْ عارِضَيك. فأمّا قولهم: يمشي العِرَضْنَى، فالنون فيه زائدة، وهو الذي يشتقُّ في عَدْوِه معترِضاً. قال العجاج([2]) :

* تَعْدُو العِرَضْنَى خيلُهم حَراجلا([3]) *

وامرأةٌ عُرْضةٌ: ضَخْمة قد ذَهَبَتْ من سمنها عَرْضاً.

قال الخليل: العوارِض: سقائفُ المِحْمَل العراضُ التي أطرافها في العارضَين، وذلك أجمَعُ هو سَقْف المِحْمَل. وكذلك عوارضُ سَقْفِ البيت إذا وُضِعَتْ عَرْضاً. وقال أيضاً: عارضةُ البابِ هي الخشبةُ التي هي مِسَاكُ العِضادَتين من فَوق. والعَرْضِيُّ: ضربٌ من الثِّيابِ، ولعلَّ له عَرْضاً. قال أبو نُخَيلة:

هَزَّتْ قَواماً يَجْهَدُ العَرْضِيَّا  *** هَزَّ الجَنوب النَّخلةَ الصَّفِيَّا

وكلُّ شيء أمكنَك من عَرْضِه فهو مُعْرِض لك، بكسر الراء. ويقال: أعرض لك الظَّبْيُ فارمِهِ، إذا أمكنك من عَرْضه؛ مثل أفقَرَ([4]) وأعْوَرَ.

ومن أمثالهم: "فلانٌ عريض البِطان"، إذا أثْرَى وكثُر مالُه. ويقال: ضَرب الفحلُ النّاقَة عِراضاً، إذا ضربها من غير أن يُقادَ إليها. وهذا من قولنا: اعترض الشَّيء: أتاه من عُرْض، كأنّه اعتَرضَها من سائر النُّوق: قال الرّاعي:

نجائبُ لا يُلقَحنَ إلاّ يَعارَةً  *** عِرَاضاً ولا يُبْتَعْنَ إِلاّ غواليا([5])

وقال اللِّحياني: لقِحت النّاقةُ عِراضاً، أي ذهبتْ إلى فحلٍ لم تُقَدْ إليه. والعارض: السحاب، وقد مضى ذِكرُ قياسه. قال الله تعالى: {قَالُوا هذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنا} [الأحقاف 24]. والعارض من كلِّ شيء: ما يستقبلُك، كالعارض من السَّحاب ونحوه. وقال أبو عبيدة: العارض من السَّحاب: الذي يعرِض قُطر من أقطار السماء من العشيِّ ثم يُصبح قد حَبَا واستَوَى. ويقال لـه: العانُّ بالتشديد.

ومن المشتق من هذا قولهم: مرّ بي عارضٌ من جَرَاد، إذا ملأ الأفق. ولفُلانٍ على أعدائه عُرْضِيَّة، أي صُعوبة. وهذا من قولنا ناقة عُرْضيّة، وقد ذكر قياسه. ويقال: إنّ التعريض ما كان على ظَهر الإبل من مِيرَة أو زاد. وهذا مشتقٌّ من أنّه يُعرَض على مَن لعلَّه يحتاج إليه. ويقال: عَرِّضوا من مِيرتكم، أي أطعمونا منها([6]) . قال:

*حَمْراءَ من مُعَرِّضاتِ الغِرْبانْ([7]) *

يصف ناقةً لـه عليها الميِرَة فهي تتقدَّم الإبل وينفتح ما عليها لسرعتها فتسقط الغِربان على أحمالها، فكأنَّها عَرَّضت للغِربان مِيرتَهم([8]) . ويقال للإبل التي تبعد آثارُها في الأرض: العُراضات، أي إنها تأخذ في الأرض عَرْضاً فَتِبين آثارُها. ويقولون: "إذا طلعت الشِّعرى سَفَراً، ولم تَرَ فيها مَطراً، فأرسل العُرَاضات أثَراً، يبغينك في الأرض مَعْمَراً([9]) ".

ويقال: ناقةٌ عُرْضَةٌ للسَّفر، أي قويّة عليه. ومعنى هذا أنّها لقوَّتها تُعْرَض أبداً للسَّفر. فأمَّا العارضة من النُّوق أو الشّاء، فإنها التي تُذبح لشيءٍ يعتريها. وقال:

من شواءٍ ليس مِن عارضةٍ  *** بيدَيْ كلِّ هَضومٍ ذي نَفَلْ

وهذا عندنا مما جُعِل فيه الفاعلُ مكانَ المفعول؛ لأنَّ العارضة هي التي عُرِض لها بمَرَضٍ، كما يقولون: سرٌّ كاتم. ومعنى عُرِض لها أنَّ المرض أعْرَضَها، وتوسَّعُوا في ذلك حتى بنوا الفِعل منسوباً إليها، فقالوا: عَرَِضَتْ. قال الشَّاعر([10]):

إذا عَرَِضَت منها كَهاةٌ سمينةٌ  *** فلا تُهْدِ مِنْها واتَّشِقْ وتَجَبْجَبِ

والعِرْض: الوادي، والعِرْض: وادٍ باليمامة. قال الأعشى:

ألم تَرَ أنَّ العِرْضَ أصبحَ بطنُه  *** نخيلاً وزرعاً نابتاً وفَصافِصا([11])

وقال المتلمِّس:

فهذا أوانُ العِرْضِ حَيَّ ذُبَابُهُ  *** زنابيرُه والأزرقُ المتلمِّسُ([12])

ومن الباب: *نظرتُ إليه عَرْض عين، أي اعترضتُه على عيني. ورأيت فلاناً عَرضَ عينٍ([13]) ، أي لمحةً. ومعنى هذا أنَّهُ عَرَض لعيني، فرأيته. ويقال: عَلِقت فلاناً عَرَضاً، أي اعتراضاً من غير استعدادٍ منِّي لذلك ولا إرادةٍ. وهذا على ما ذكرناه من عِرَاضِ البَعير والنَّاقة. وأنشد:

عُلِّقتُها عَرَضاً وأقتلُ قومَها  *** زَعْمَاً لعمرُ أبيك ليسَ بِمَزْعَمِ([14])

ويقال: أصابه سَهْمُ عَرَضٍ، إذا جاءه من حيثُ لا يَدري مَن رماه. وهذا من الباب أيضاً كأنَه جاءه عَرَضاً من حيث لم يُقصَدْ به، كما ذكرناه في المِعْراض([15]) من السهام.

والمعارض: جمع مَعْرَض([16]) وهي بلاد تُعْرَضُ فيها الماشيةُ للرّعْي. قال:

أقول لصاحبيَّ وقد هبطنا  *** وخلّفنا المَعَارِض والهضابا

(عرف) العين والراء والفاء أصلان صحيحان، يدلُّ أحدُهما على تتابُع الشيء متَّصلاً بعضُه ببعض، والآخر على السكون والطُّمَأنينة.

فالأوّل العُرْف: عُرْف الفَرَس. وسمِّي بذلك لتتابُع الشَّعر عليه. ويقال: جاءَت القَطا عُرْفاً عُرْفاً، أي بعضُها خَلْفَ بعض.

ومن الباب: العُرْفة وجمعها عُرَف، وهي أرضٌ منقادة مرتفِعة بين سَهْلتين تنبت، كأنّها عُرف فَرَس. ومن الشِّعر في ذلك([17])

والأصل الآخر المعَرِفة والعِرفان. تقول: عَرَف فلانٌ فلاناً عِرفاناً ومَعرِفة. وهذا أمر معروف. وهذا يدلُّ على ما قلناه من سُكونه إليه، لأنَّ مَن أنكر شيئاً توحَّشَ منه ونَبَا عنْه.

ومن الباب العَرْف، وهي الرَّائحة الطيِّبة. وهي القياس، لأنَّ النَّفس تسكُن إليها. يقال: ماأطيَبَ عَرْفَه. قال الله سبحانه وتعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}  [محمد 6]، أي طيَّبَها. قال:

إِلا رُبَّ يومٍ قد لَهَوْتُ ولَيْلَةٍ  *** بواضحةِ الخدّين طيِّبة العَرْفِ

والعُرْف: المعروف، وسمِّي بذلك لأنَّ النفوس تسكُن إليه. قال النابغة:

فلا النُّكْرُ معروفُ ولا العُرْف ضائعُ([18])

أبَى اللهُ إِلاَّ عدلَه ووفاءه

فأمَّا العَرِيف فقال الخليل: هو القيِّم بأمرِ قومٍ قد عَرَف عليهم. قال: وإنّما سمِّي عريفاً لأنَّه عُرِف بذلك. ويقال بل العِرَافة كالوِلاية، وكأنَّه سمِّي بذلك ليعرف أحوالهم.

وأمَّا عرفات فقال قومٌ: سمِّيت بذلك لأنَّ آدمَ وحواءَ عليهما السلام تعارَفَا بها. وقال آخرون. بل سمِّيت بذلك لأنَّ جبريل عليه السلام لما علّم إبراهيم عليه السلام مَناسِكَ الحجّ قال له: أعَرفت([19]) ؟ وقال قومٌ: بل سمِّيت بذلك لأنَّه مكانٌ مقدَّس معظَّم، كأنَّه قد عُرِّف، كما ذكرنا في قوله تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد 6]. والوقوف بعَرَفاتٍ تعريف. والتعريف: تعريف الضَّالة واللّقْطَة، أن يقول: مَن يَعرِف هذا؟ ويقال: اعتَرَف بالشَّيء، إذا أقرَّ، كأنّه عَرفَه فأقرَّ به. ويقال: النَّفس عَروف، إذا حُمِلت على أمرٍ فباءت به([20]) أي اطمأنَّت. وقال:

فآبُوا بالنِّساء مُرَدَّفاتٍ  *** عوارفَ بعد كِنٍّ واتِّجاحِ([21])

من الوَُِجاح، وهو السِّتر.

والعارف: الصابر، يقال أصابته مصيبةٌ فوُجِد عُرُوفاً، أي صابراً. قال النَّابغة:

على عارفاتٍ للطِّعان عَوابِسٍ  *** بهنَّ كلُومٌ بين دامٍ وجالِبِ([22])

 

(عرق) العين والراء والقاف أربعة أصولٍ صحيحة: أحدُها الشَّيء يتولَّد من شيء كالنَّدَى والرَّشْح وما أشبهه. والآخَر الشَّيء ذو السِّنْخ، فسِنْخُه منقاسٌ من هذا الباب. والثالث كَشْط شَيءٍ عن شيء، ولا يكاد يكون إلا في اللّحم. والرَّابع اصطفافٌ وتتابعٌ في أشياء. ثم يُشتَقُّ من جميع هذه الأصول وما يقاربها.

فالأوَّل العَرَق، وهو ما جرى في أصول الشَّعر من ماء الجِلْد. تقول: عرِقَ يعرَقَ عَرَقاً. قال: ولم أسمع للعَرق جمعاً، فإنْ جُمِع فقياسُه أعراق، كجَمل وأجمال. ورجلٌ عُرَقَة: كثير العَرق. ويقال: استعرق، *إذا تعرَّضَ للحَرِّ كي يَعرق.

ومن الباب: جَرَى الفرسُ عَرَقاً أو عَرَقَين، أي طَلَقاً أو طَلَقين. وذلك من العَرَقْ. ويقال: عَرِّقْ فرسَك، أي أجرِهِ حتَّى يتعرَّق. قال الأعشى:

يُعالَى عليه الجلُّ كلَّ عَشِيّة  *** ويرفع نَقلاً بالضُّحَى ويُعَرَّق([23])

ويقال: اللّبَن عَرَقٌ يتحلَّب في العروق حتَّى ينتهي إلى الضَّرْع. قال الشَّمّاخ:

تُضْحِ وقد ضَمِنت ضَرّاتُها عَرَقا  *** من طيّب الطّعم حُلْوٍ غير مجهود([24])

ولبنٌ عَرِق، وهو أن يُجعَل في سقاء فيشدَّ بجنْبِ البعير فيصيبَه العرقُ فَيفسُد. وأمّا عَرَقُ القِرْبة في قوله: "جَشِمْتُ إليك عَرَق القِربة([25]) " فمعناه فيما زعم يونس: عطيّة القربة، وهو ماؤها، كأنَّه يقول: جَشِمت إليك حتَّى سافرتُ واحتجتُ إلى عَرَق القربة في الأسفار، وهو ماؤها. ويقال: عَرِق لـهُ بكذا، كأنّه تَندَّى له وسَمَح. قال:

سأجعَلهُ مكانَ النُّون مِنِّي  *** وما أُعْطِيتُهُ عَرَقَ الخِلالِ([26])

يقول: لم أُعْطَهُ عطيَّةَ مودّة، لكنَّه أخذْتُه قسراً. والنُّون: السَّيف. وقال بعضهم: جَشِمْتُ إليك حَتَّى عرِقتُ كعرق القِرْبة، وهو سَيَلان مائها. وقال قوم: عَرَق القِربة أنْ يقول: تكلَّفتُ لك ما لا يبلغُه أحدٌ حتى تجشَّمت ما لا يكون؛ لأنَّ القِربة لا تَعْرَق، يذهب إلى مِثْلِ قولهم: "حتَّى يشِيب الغُراب". وكان الأصمعيُّ يقول: عَرَق القِرْبة كلمةٌ تدلُّ على الشِّدَّة، وما أدري ما أصلُهما وقال ابنُ أبي طَرَفة: يقال لَقِيتُ من فُلانٍ عَرَقَ القِرْبة، أي الشِّدّة. قال: وأنشد الأحمر:

ليست بِمَشْتَمَةٍ تُعَدُّ وعَفْوُها  *** عَرَقُ السِّقاء على القَعُود اللاّغِبِ([27])

يمدح رجلاً يسمع الكلمة الشديدة فلا يأخُذ صاحبَها بها.

ومن الباب: عَرَّقْتُ في الدَّلو، وذلك إذا كان دونَ المِلء، كأنَّ هذا لقِلّته شبّه بالعَرَق. ويقال للمُعْطي اليسير: عَرَّق. قال:

لا تملأ الدَّلْوَ وعرِّقْ فيها  *** أما تَرَى حَبَارَ مَنْ يَسقيها([28])

ويقال: كأسٌ مُعْرَقَة، إذا لم تكن مملوءةً، قد بقيتْ منها بقيَّة. وخَمْرٌ مُعرَقَة، أي ممزوجة مزجاً خفيفاً، شُبِّه ذلك المزجُ اليسير بالعَرَق. وقال في المُعْرق القليلِ المَزْج:

أخَذْتُ برأسِهِ فدَفَعْتُ عنه  *** بمُعْرَقَةٍ مَلامةَ مَن يلومُ([29])

والأصل الثاني السِّنْخ المتشعِّب. من ذلك العِرْق عِرْق الشَّجَرة. وعُروقُ كلِّ شيء: أطنابٌ تَنْشَعِب من أصوله. وتقول العرب: "استأصَل الله عِرْقاتَهم([30]) " زعموا أنَّ التاء مفتوحة، ثمَّ اختلفوا في معناه، فقال قوم: أرادوا واحدةً وأخرجها مُخرَج سِعلاة. وقال آخرون: بل هي تاءُ جماعة المؤنّث لكنهم خفّفوه بالفتحة ويقال: أعْرَقَتِ الشَّجَرةُ، إذا ضَرَبتْ عُروقُها فامتدَّت في الأرض.

ومن هذا الباب: عَرَق الرّجُل يَعْرُق عُروقاً، إذا ذَهَب في الأرض. وهذا تشبيهٌ، شبِّه ذهابه بامتدادِ عُروق الشَّجرةِ وذهابها في الأرض.

فأمّا قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ أحيا أرضاً مَيْتةً فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حَقٌّ". فهو مَثَل. قال العلماء: العُروق أربعة: عرقان ظاهران، وعرقان باطنان. فالظاهران: الغَرس والبناء، والباطنان البئر والمعْدن. ومعنى العِرق الظَّالم أن يجيءَ الرّجُل إلى أرضٍ قد أحياها رجلٌ قبلَه فيغرسَ فيها غَرساً أوْ يُحدِثَ شيئاً يستوجب به الأرض.

والعِرق: نباتٌ أصفر. ومن أمثالهم: "فلانٌ مُعْرق [له] في الكَرم"، أي لـه فيه أصلٌ وسِنْخ. وقد عَرَّق فيه أعمامُه وأخواله تعريقاً، وأعرقوا فيه أعراقاً. وقد أعْرقَ فيه أعراقُ العَبيد، إذا خالطه ذلك وتخلَّق بأخلاقهم. ويقال: تدارَكَه أعراقُ خَيرٍ وأعراقُ شَرٍّ. قال الشّاعر:

جرى طَلَقاً حتَّى إذا قيل سابقٌ  *** تداركَه إعراقُ سَوْءٍ فَبَلّدا([31])

والعَريق من الخَيل والنَّاس: الذي لـه عرِقٌ في الكَرم. وفلانٌ يُعارِقُ

فلاناً، أي يُفاخِره، ومعناه أن يقول: إنَّنا *أكْرم عِرقاً. ويقال: "عِرقٌ في بنات صَعْدة" وهي الحُمُر الأهليّة. وقول عِكراش بن ذُؤيب: "أتيته بإبلٍ كأنّها عُروق الأَرْطى" أراد أنّها حُمْر، لأنَّ عُروقَ الأرطى حُمر، وحُمْر الإِبل كرائمها. قال:

يُثير ويُبدِي عن عُروقٍ كأنّها *** أعنَّةُ جَرَّازٍ تُحَطّ وتُبْشَرُ([32])

وصف ثوراً يَحفِر كِناساً تحت أرْطَى.

والأصل الثالث كشط اللَّحم عن العظم. قال الخليل: العُراق: العظم الذي قَد أُخِذَ عنه اللَّحم. قال:

* فألقِ لكلبك منه عُرَاقا *

فإذا كان العظم بلحمه فهو عَرْق. ويقال: العُراق جمع عَرق، كما يقال ظِئر وظُؤار([33]) . ويقال في المثل: "هو ألْأََم من كلبٍ على عَرْق". قال ابن الأعرابيّ: جمع عَرْق عِرَاق. وأنشَد:

يَبيت ضَيفِي في عِراقٍ مُلْسِ  *** وفي شَمُولٍ عُرِّضَتْ للنَّحْسِ([34])

مُلْس، يعني الودكَ والشَّحم. والنَّحْس: الرِّيح. يقال: عَرَقت العظم وأنا أعْرُقهُ، واعترقْتُه وتعرَّقتُه، إذا أكلتَ ما عليه [من] من اللحم. ويقال: أعطِني عَرْقاً([35]) أتعرَّقهُ، أي عظماً عليه اللحم. وفلانٌ مُعتَرَقٌ، أي مهزول، كأنَّ لَحمه قد اعتُرِق. قال:* غولٌ تَصَدَّى لسَبَنْتىً مُعْتَرِق *

وقال:

قد أشهدُ الغارةَ الشَّعواءَ تحملُنِي  *** جَرداءُ معروقَةُ اللَّحيين سُرْحوبُ([36])

يصف الفرس بقلّة اللحم على وجهه، وذلك أكْرَمُ له. قال الكِسائيّ: فمٌ مُعْرَق: قليلُ الرِّيق. ووجهٌ معروق: قليل اللَّحم.

والأصل الرّابع: الامتداد والتَّتابع في أشياءَ يتبع بعضُها بعضاً. من ذلك العَرَقة، والجمع عَرَقات، وذلك كلُّ شيءٍ مضفور أو مصطفٍّ. وإذا اصطفَّت الطَيرُ في الهواء فهي عَرَقة، وكذلك الخيل. قال طُفيل:

كأنّه بعدَ ما صَدَّرْن من عَرَقٍ  *** سِيدٌ تَمَطّر جُنحَ اللَّيل مبلولُ([37])

 

والعَرَقة: السَّفيفة المنسوجة من الخُوص قَبل أن يُجعَل منها زَبيل. وسمِّي الزَّبيل عَرَقاً لذلك. ويقال عَرَقة أيضاً. قال أبو كبير:

نَغْدو فنَترُك في المَزَاحف مَن ثوى  *** ونُمِرُّ في العَرَقات مَن لم يُقتَلِ([38])

يعني نأسِرهم فنشدُّهم في العَرَقات، وهي النُّسوع.

ويقال لآثار الخَيل المصطفة عَرَقة. والعَرَقة: طُرَّة تُنسَج ثم تخاط على شَقَّة، الشُّقة التي للبيت. وقال ابنُ الأعرابيّ: العَرَقة: جماعةٌ من الخيل والإبل القائمة على سَطر([39]). فأمَّا عِراق المَزادة والرَّاوية فهو الخَرْز الذي في أسفلها، والجمع عُرُق. وذلك عندنا ممّا ذكرناه من الامتداد والتَّتابُع. قال ابن أحمر:

من ذي عِرَاق نِيطَ في جَوْزِها  *** فهو لطيفٌ طَيُّه مُضْطَمِرْ

وقال آخر:

* تضَحك عن مِثل عِراق الشَّنَّهْ *

ومن هذا الباب: العِرَاق، وهو عند الخليل شَاطئ البحر. وسمِّيت العِراقُ عِراقاً لأنَّه على شاطئ دِجلَة والفرات عِدَاءً حتَّى يتّصل بالبحر. والعِراق في كلام العرب: شاطئ البَحْر على طُوله.

ومن هذا الباب: العِراق، وهو ما أحاط بالظُّفُر من اللَّحم. قال الدُّريدي: "سمِّيت العِراق لأنَّها استكفَّتْ أرضَ العرب([40]) "، أي صارت كالِكفاف لها. وذُكر عن أبي عمرو بن العلاء أنّ العِراق مأخوذ من عروق الشّجر، وهي مَنابِت الشَّجر. والعِراقان: الكوفة والبصرة. وقال الأصمعي: العِراق كلُّ موضعِ ريفٍ. قال جرير:

نَهْوَى ثرى العِرْق إذْ لم نلقَ بعدكُمُ  *** كالعرق عِرقاً ولا السُّلاَّنِ سُلاَّنا

ويقال: أعرَقَ الرَّجل وأشأمَ، أي أتَى العِراقَ والشَّام. قال الممزَّق:

فإن تُنْجِدُوا أُتْهِمْ خلافاً عليكمُ *** وإن تُعْمِنُوا مُستحقِبِي الشَّرِّ أُعرِقِ([41])

وأمَّا عَرْقُوَة [الدَّلو فـ([42]) ] الخشَبَة المعروضةُ عليها.

(عرك) العين والراء والكاف أصلٌ واحد صحيحٌ يدلُّ على ذلك وما أشبَهَه من تمريسِ شيءٍ بشيء أو تمرُّسِه به. قال الخليل: عركتُ الأديمَ عَرْكاً، إذا دَلَكتَه دلْكاً. وعركت القومَ في الحربِ عَركاً. قال زهير:

فتعرْكُكُمْ عَرْكَ الرَّحى بثفَالها  *** وتَلْقَح كِشافاً ثم تَحْمِل فتُتْئِمِ([43])

ومن الباب: اعترَك القومُ في القتال، وذلك تمرُّسُ بعضِهم ببعضٍ وعَرْكُ بعضِهم بعضاً، *وذلك المكان مُعْترَك ومُعتَرَكةٌ. وقال الخليل: رجلٌ عَرِكٌ وقوم عَرِكون، وهم الأشِدَّاء في الصِّراع.

ومن الباب وإِنَّما زِيد في حروفه ابتغاءَ زيادةٍ في معناه –قولُهم: عَرَكْرَكٌ، أي غليظ شديدٌ صَبور. قال:

لا تَشهدِ الوِردَ بكلِّ حائِر  *** إلا بفَعْم المَنكِبين حادرِ

عَركْركٍ يملأُ عينَ النّاظر

ويقال: رجلٌ عَرِكٌ: حِلْسٌ لا يبرح القِتال. وعَريكة البَعير: سَنامُه، وذلك أنَّ الحِمْل يَعْرُكه. قال ذو الرُّمَّة:

* خِفافُ الخُطَى مُطْلَنْفئات العرائكِ([44]) *

مُطْلَنْفئة: لاصقة بالأرض. ويقال: ناقة عَرُوك، مثل اللَّموسُ([45]) ، وذلك إذا كان عليها وَبَر فلا يُرى طرْقُها تحت الوَبَر حتى يُلْمَس. وعَرَكْت الشّاة أيضاً، إذا جَسَستَها([46]) . قال: ولا تكون المرَّة والمرَّتانِ عَرَكاً، وإنّما يكون ذلك إذا بُولِغ في الجسّ. وتقول: لقيتُه عَرَكاتٍ، أي مَرّاتٍ وهذا على معنى التمثيل بعَرَكات الجَسّ.

قال الخليل: والعَرْك: عَرك المِرفق الجنبَ، من الضّاغط يكون بالبعير. قال الطرِمَّاح:

* قليل العرك يهجو مرفقاها([47]) *

فأمَّا قولُهم: هو ليِّن العريكة، فقال الخليل: فلانٌ ليِّن العريكة، إذا لم يكن ذا إباءٍ، وكان سَلِساً. وقال ابن الأعرابيّ: العريكة: شِدَّة النَّفْس. قال:

خرّجها صوارمُ كلِّ يومٍ  *** فقد جعلت عَرائكُها تلين([48])

خَرَّجها: هذَّبها وأدّبها كما يَتخرّج الإنسان، وهذا كلُّه راجعٌ إلى ما تقدّم ذِكرُه من عريكة السَّنام.

فأمّا المَلاّحون فهم العَرَك، يقال عَركيٌّ للواحد وعَرَكٌ للجمع، مثل عربيٍّ وعَرب. قال زُهير:

يَغْشَى الحداةُ بهم وعْثَ الكثيب كما *** يُغشِي السّفائنَ موجَ اللَّجَّةِ العَرَكُ([49])

ــــــــــــــــ

([1]) البيت من معلقته المعروفة.

([2]) الحق أنه رؤبة. انظر ديوانه 122 البيت رقم 41.

([3]) في الأصل: "حواحلا"، تحريف. ورواية الديوان: "عراجلا"، وهي رواية اللسان (عرجل). وروي: "حراجلا" كما أثبت من اللسان (حرجل، عرضن)، وهو أقرب تصحيح.

([4]) أفقر، أي أمكن من فقاره. وفي الأصل: "أقفر"، تحريف.

([5]) في الأصل: "ولا يتبعن"، صوابه ما أثبت. وفي اللسان (عرض 48): "ولا يشرين".

([6]) في الأصل: "منه".

([7]) الأجلح بن قاسط، كما في اللسان (عرض). وقال ابن بري: "وهذان البيتان في آخر ديوان الشماخ". قلت: هما في أخرياته ص 116 منسبوان إلى الجليح بن شميذ رفيق الشماخ. وقد نسب في مشارف الأقاويز 209 إلى الجعيل. وأنشده في الحيوان (3: 420) والمخصص (4: 17/7: 137). وقبله:

* يقدمها كل علاة عليان *

([8]) في الأصل: "فميرتهم".

([9]) السجع برواية أخرى في المقاييس (أمر) ومجالس ثعلب 558.

([10]) هو خمام بن زيد مناة اليربوعي، كما في اللسان (جبب). وأنشد البيت في اللسان (عرض، وشق) بدون نسبة.

([11]) ديوان الأعشى 110 واللسان (عرض، فصص).

([12]) ديوان المتلمس 6 نسخة الشنقيطي واللسان (عرض). وفي الأصل: "حتى ذبابه" صوابه من الديوان والحيوان (3: 391). وفي اللسان والمزهر (2: 346): "جن ذبابه". وبهذا البيت سمي المتلمس.

([13]) في الأصل: "أعرض عين".

([14]) البيت لعنترة بن شداد، من معلقته المشهورة.

([15]) في الأصل: "العراض" تحريف. انظر ما سبق في ص 276 واللسان (عرض 42).

([16]) ضبط في اللسان (عرض 35) بفتح الراء. وفي القاموس: "أرض معرضة يستعرضها المال"، قال شارحه: "بالفتح كمكرمة، أو بالكسر كمحسنة".

([17]) بعده بياض في الأصل.

([18]) ديوان النابغة 56.

([19]) زاد بعده في المجمل: فقال نعم".

([20]) في الأصل: "بساءت به".

([21]) ويروى: "وابتحاح" و: "وابتجاح"، كما في اللسان (عرف).

([22]) ديوان النابغة 5.

([23]) ديوان الأعشى 146.

([24]) في الأصل: "تضحى"، وانظر ما سبق من التحقيق والتخريج في مادة (جهد).

([25]) في حديث عمر: "ألا لا تغالوا صدق النساء فإن الرجال تغالى بصداقها حتى تقوله: جشمت إليك عرق القربة". اللسان (عرق).

([26]) البيت للحارث بن زهير العبسي، يصف سيفاً له يسمى "النون". وفي الأصل: "عني"بدل"مني" صوابه في اللسان (عرق، نون) والمجمل (عرق). قال ابن بري: صواب إنشاده "ويخبرهم مكان النون مني"، لأن قبله:

سيخبر قومه حنش بن عمرو  *** إذا لاقاهم وابنا بلال

[27]) البيت لابن أحمر الباهل، كما في اللسان (عرق). وفي اللسان: "وعفوها" بالفاء.

([28]) الرجز في إصلاح المنطق 281، 453 ومجالس ثعلب 238 واللسان (حبر، عرق)، وقد سبق في (برق). وفي اللسان (عرق) أن "حبار" اسم ناقته.

([29]) للبرج بن مسهر الطائي، كما في اللسان (عرق) والمؤتلف والمختلف 62 والحماسة بشرح المرزوقي ص 1272 برواية: "رفعت برأسه وكشفت عنه".

([30]) يقال عرقاتهم، بكسر التاء: جمع عرق، كعرس وعرسات. فهو من المذكر الذي جمع بالألف والتاء. ومن قال عرقاتهم بفتح التاء أجراه مجرى سعلاة. انظر اللسان والقاموس.

([31]) أنشده في اللسان (عرق).

([32]) كذا ورد البيت في الأصل.

([33]) انظر اللسان (عرق 115).

([34]) أنشده في اللسان (عرق، نحس).

([35]) في الأصل: "عروقاً"، تحريف.

([36]) البيت لعمران بن إبراهيم الأنصاري، كما في حاشية الدمنهوري على متن الكافي. وأنشده في اللسان (عرق) بدون نسبة. وانظر ما كتب في حواشي الجزء الأول من تهذيب اللغة ص 224.

([37]) البيت مما لم يرو في ديوان طفيل. وهو في اللسان (عرق، مطر) برواية: "كأنهن وقد صدرن من عرق". ولم ينسبه في الموضع الثاني. وأنشده في (صدر) أيضاً برواية المقاييس.

([38]) وكذا روايته في ديوان الهذليين (2: 96). وفسره السكري بقوله: "نمر، يقول: نوثق". وفي اللسان (عرق): "ونقر".

([39]) في الأصل: "شطر".

([40]) الجمهرة: (2: 384).

([41]) سبق الكلام على البيت وتخريجه في (تهم، عمن).

([42]) تكملة يقتضيها الكلام، وفي المجمل: "والعرقوة: الخشبة المعروضة على الدلو".

([43]) البيت من معلقته المشهورة.

([44]) أنشد هذا العجز في اللسان (عرك). وصدره كما في ديوان ذي الرمة 426:

* إذا قال حادينا أيا عسجت بنا *

وفي الأصل: "خطاف الخطى"، صوابه فيهما.

([45]) بدلها في اللسان: "الشكوك"، وقال: "وهي التي يشك في سنامها أبه شحم أم لا".

([46]) في الأصل: "حبستها"، تحريف.

([47]) لم أجد هذه القطعة في ديوان الطرماح.

([48]) لزهير في ديوانه 189 واللسان (خرج). والرواية فيهما: "وخرجها صوارخ".

([49]) ديوان زهير 167 واللسان (عرك)، والرواية فيهما: "حر الكثيب". وروى أبو عبيدة: * يَغشَى السفائنَ موجُ اللّجة العَرك *

وإنَّما سُمُّوا عَرَكاً لمعاركتهم الماءَ والسُّفن.

ويقال: أرضٌ مَعْروكة، إذا عَرَكتها السّائمةُ وأكلت نَباتَها.

ومن الباب: العِراك في الوِرْد. ويقال ماء مَعْروكٌ، أي مُزدَحَم عليه. وهو القياس، لأنَّ المُورِد إذا أورد إبلَه أجْمَعَ تزاحمت وتعاركت. قال لبيد:

فأورَدَها، العِراكَ ولم يذُدْها  *** ولم يُشفِق على نَغَصِ الدِّخالِ([1])

ومن أمثالهم: "عارِكْ بجَذَعٍ أودَعْ([2]) ".

فأمّا العارك فإنَّها الحائض، وممكن أن يكون من قياسه أن تكون معانِيةً، لما تُعانِيه من نِفاسها ودَمِها، وكأنّها تُعارِكُ شيئاً. يقال امرأةٌ عاركٌ ونساء عوارك. قالت الخنساء:

لن تَغْسِلُوا أبداً عاراً أظلّكُم  *** غَسْلَ العَوارِكِ حيضاً بعد أطهارِ([3])

يقال منه: عَرَكَت تعرُك عَركاً وعراكاً فهي عارك.

(عرم) العين والراء والميم أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على شِدّة وحِدّة. يقال: عَرُم الإنسان يعرُم عَرامَةً، وهو عارم. قال:

إني امرؤٌ يذُبُّ عن مَحارمي  *** بَسْطةُ كفٍّ ولسانٍ عارمِ

وفيه عُرامٌ، إذا كان فيه ذلك. وعُرَام الجَيْش: شِرّته وحَدُّه وكثرتُه. قال:

وليلةِ هُوْلٍ قد سَريتْ وفتيةٍ  *** هَديتُ وجمعٍ ذي عُرامٍ مُلادِسِ([4])

ولذلك يقال جيشٌ عَرَمْرَمٌ. وقد قلنا إِنَّهم إذا أرادُوا تفخيمَ أمرٍ زادُوا في حروفه. والعَرَمْرم من عَرَم وعرر([5]) . قال:

أداراً بأجماد النَّعامِ عهِدتُها  *** بها نَعماً حَوْماً وعِزّاً عرمرما([6])

وأمَّا سَيل العَرِم فيقال: العَرِمَةُ: السِّكْر، وجمعها عَرِم. وهذا صحيح، لأنَّ الماء إذا سُكِرَ كان له عُرَامٌ من كثرته. ومحتمل أنْ يكون العَرِمة الكُدْس المَدُوس الذي لم يُذَرَّ، يُجعل كهيئة الأَزَج. فإِنْ كان كذا فلأنه مُتكاثف([7]) كثير، كالماء ذي العُرام. فأمَّا العُرْمَة فالبياضُ يكون بمَرَمَّة الشّاة، يقال شاةٌ عرماءُ –وهذا شاذٌّ عن الأصل الذي ذكرناه- وأفْعى عرماء. وممكنٌ أن يكون من باب الإبدال، كأنّ الراء بدل من لام، كأنّها عَلْمَاء. وذلك يكون البياض كعلامةٍ عليها، وليس هذا ببعيد. قال:

*أبا مَعْقِلٍ لا تُواطِئَنْك بَغاضَتِي  *** رُؤوسَ الأفاعِي في مَرَاصِدها العُرْمِ([8])

فأمّا قولُهم إن العَرِم: الجُرَذ الذَّكَر فمما لا معنَى له ولا يُعَرَّج على مِثله.

(عرن) العين والراء والنون أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على ثباتٍ وإثباتِ شيء، كالشّيء المركب. من ذلك العِرنين، وهو الأنف، والجمع عرانين سمِّي بذلك كأنَّه عُرِن على الأنف، أي رُكِّبَ. وكذلك اللَّحم عَرِينٌ، لأنه مُثْبَتٌ مركَّبٌ على الجسم. قال:

* موشَّمةُ الأطرافِ رَخْصٌ عَرينُها ([9]) *

وقال في العِرْنين:

تَثْنِي الخمارَ على عِرنينِ أرنبةٍ  *** شَمَّاء مارِنُها بالمسك مرثومُ([10])

ومن الباب العِرَان، وهي خشبةٌ تُجْعَل في أنف البعير. وقال:

وإنْ تُظْهِرْ حديثَك يُؤْتَ غَدْواً  *** برأسِكَ في زِناقٍ أو عِرَانِ([11])

ومن الباب العَرين: مَأْوى الأسد؛ لأنّه مكانُه الذي يثبُتُ فيه. وقال:

أحمّ سراةِ أعلى اللّونِ منه  *** كلَون سَراة ثُعبانِ العَرينِ([12])

 

ورمح مُعَرَّن: قد سُمِّر سنانُه فيه. وقال:

مَصانعُ فخرٍ ليس بالطِّينِ شُيِّدَت  *** ولكن بطعن السَّمهريِّ المُعَرَّنِ

ومن الباب قولهم للشَّديد الصِّرِّيع: هو عِرْنَةٌ لا يُطاق، أي إنّه ثابتٌ لا يزول.

(عرو/ي) العين والراء والحرف المعتل أصلانِ صحيحان متباينان يدلُّ أحدُهما على ثباتٍ ومُلازمةٍ وغِشيان، والآخر يدلُّ على خلوٍّ ومفارقة.

فالأوّل قولُهم: عَرَاه أمرٌ، إذا غَشِيه وأصابَه؛ وعَرَاه البرد. ويقولون: "إذا طَلَع السِّماك، فعند ذلك يَعرُوك ما عَناك، من البرد الذي يَغْشاك". وعَرَاه الهمُّ واعتراه. والعُرَوَاء: قِرَّةٌ تأخذ المحموم.

ومن الباب العُروة عُروَة الكُوزِ ونحوِه، والجمع عُرىً. وعَرّيت الشيء: اتَّخذت له عروة([13]) . قال لبيد:

فخْمةٌ ذَفْراء تُرتَى بالعُرَى *** قُردمانيَّاً وتَركاً كالبَصَلْ([14])

وقال آخر: "والله لو عَرَّيتَ في عِلباوَيَّ ما خضَعْتُ لَكَ"، أي لو جعلتَ فيهما عُرْوَتين. وإنَّما سمِّيت عُروَة لأنّها تُمسَك وتَلزَمها الإصبع.

ومن الباب العُروة، وهو من النَّبات شجرٌ تَبقى لـه خَضرةٌ في الشتاء، تتعلق به الإبل([15]) حتَّى يدركَ الرَّبيع، فهي العُرْوة والعُلْقة، وقال مهلهل:

قَتَل الملُوكَ وسارَ تحت لوائه  *** شَجر العُرَى وعَراعِرُ الأقوامِ([16])

وقال بعضهم: العُرْوة: الشَّجر الملتف. وقال الفَرَّاء: العُروة من الشَّجر:

ما لا يسقط ورقُه. وكلُّ هذا راجعٌ إلى قياس الباب، لأنَّ الماشية تتعلَّق به فيكون كالعُروة وسائر ما ذكرناه.

وربّما سَمّوا العِلْق النَّفِيسَ عُروةً، كما يسمَّى عِلْقاً، والقياس فيهما واحد. ويقال: إن عُروةَ الإسلام: بقِيَّته، كقولهم: بأرض بني فلانٍ عُروة، أي بقيّة منْ كلإٍ. وهذا عندي كلامٌ فيه جفاء؛ لأنَّ الإسلام والحمدُ لله باقٍ أبداً، وإنّما عُرَى الإسلام شرائعه التي يُتَمسَّك بها، كلُّ شريعةٍ عُروة. قال الله تعالى عند ذكر الإيمان:{فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا}  [البقرة 256].

فأما العَرِيُّ فهي الرِّيح الباردة، وهي عرِيَّة أيضاً. وسمِّيت لأنّها تَعْرو وتَعترِي، أي تَغْشَى. قال ذو الرُّمَّة:

وهَلْ أحْطِبَنَّ القومَ وهي عريَّةٌ   *** أُصولَ ألاءٍ في ثَرىً عَمِدٍ جَعْدِ([17])

ويقولون: "أَهْلكَ فقد أعْرَيْتَ"، أي غابت الشَّمسُ وهبَّت عريّاً.

وأمّا الأصل الآخَر فخُلوُّ الشَّيء من الشَّيء. من ذلك العُرْيان، يقال منه: قد عَرِيَ من الشَّيءِ يعرَى، وجمع عارٍ عُراة. قال أبو دُوَاد:

فبِتنا عُراةً لَدَى مُهْرِنا  *** تُنَزِّع من شَفَتيه الصَّفارا([18])

أي متجرِّدين، كما [يقال] تجرّد للأمر، إذا جدّ فيه. ويقولون: إنّه من العُرَواء، أي كأنَّهم ينتفضون من البرد. ويقال من الأوّل: ما أحْسَنَ عُرْيةَ هذه الجارية، أي مُعَرَّاها وما تجرَّد منها. وعُرْيَتها: جُرْدتها. ويقال: المَعَارِي: اليدانِ والرِّجْلان والوجه، لأنّ ذلك بادٍ أبداً. قال أبو كبير:

مُتكوِّرينَ على المَعارِي بينَهم  *** ضَربٌ كتَعْطاط المَزَادِ الأثجلِ([19])

ويقال: اعْرَوْرَيْتُ الفَرسَ، إذا ركبته عُرْياً [ليس] بين ظهره وبَيْنَك شيء. وأنشد:

واعْروْروت العُلُطَ العُرْضيَّ تركُضُه  *** أمُّ الفوارس* بالدِّئدادِ والرَّبَعَه([20])

ويقال: فرسٌ عُرْيٌ ورجل عُرْيانٌ.

ومن الباب: العَرَاء: كلُّ شيء أعْرَيْته من سُتْرته. ويقال: اسْتُر عن العَرَاءِ. أمَّا العَرَى مقصور فما سَتَرَ شيئاً من شيء. تقول: تركناه في عَرَى الحائط([21]). وهذه الكلمة تَصلح أن تكون من الباب الأوَّل.

ومن الباب الثّاني: أعْرَى القومُ صاحبهم، إذا تَرَكوه وذهَبوا عنه.

ومن الباب العَرَاء: الفضاء، ويقال إنّه مذكّر. تقول: انتهينا إلى عَراءٍ من الأرض واسع. وأعراء الأرض: ما ظَهَر من مُتونها وظُهورها. ويقولون لامرأة الرّجل: النَّجِيُّ العُرْيان، أي إِنَّه يُناجيها في الفِراش عُريانةً. قال:

ليس النجيُّ الذي يأتيك مؤتزِراً  *** مِثْلَ النَّجِيّ الذي يأتيك عُرياناً([22])

ويقال للفرس الطَّويل القوائم عُريان، وهو من الباب، يراد أنَّ قوائمه متجرِّدة طويلة.

وأمَّا العَرِية من النَّخْل وما جاء في الحديث أنّه عليه الصلاة والسلام: "نهَى عن المُزَابنة ورَخّص في العَرايا" فإنّ قياسَه قياسُ الذي ذكرناه في هذا الأصل الثاني، وهو خُلوُّ الشيء عن الشيء. ثمّ اختلف الفقهاء في صورتها، فقال قوم هي النَّخلة يُعرِيها صاحبُها رجلاً محتاجاً، وذلك أن يجعَلَ له ثمرةَ عامِها، فرخّص لربِّ النَّخل أن يبتاع ثمرَ تلك النَّخلة من المُعْرَى بتمرٍ، لِموضعِ حاجته. وقال بعضُهم: بل هو الرّجُل يكون لـه نخلةٌ وسْطَ نخلٍ كثيرٍ لرجُل آخر، فيدخلُ ربُّ النَّخلة إلى نخلته فربما كان صاحب النخل الكثير يؤديه دُخوله إلى نخلِهِ([23]) ، فرخِّص لصاحب النَّخل الكثير أن يشتري ثمَر تلك النخلة من صاحبها قبل أن يجُدَّه بتمرٍ لئلاّ يتأذَّى به.

قال أبو عبيدٍ: والتّفسير الأول أجود، لأنَّ هذا ليس فيه إعراء، إنما هي نَخلةٌ يملكها ربُّها فكيف تسمى عَرِيّة. ومما يبين ذلك قولُ شاعر الأنصار([24]) :

ليستْ بسَنْهَاءَ ولا رُجبيَّةٍ  *** ولكن عَرَايا في السِّنينَ الجَوائحِ([25])

ومنه حديثٌ آخر، أنَّه كان إذا بعث الخُرّاص قال هم: "خفِّفوا في الخَرْص فإنَّ في المال العَرِيَّةَ والوصِيَّة".

قال الأصمعيّ: استَعْرَى الناسُ في كلِّ وجهٍ، إذا أكلوا الرُّطَب. قال: وهو مأخوذٌ من العَرايا.

فأمَّا الخليل فرُوِي عنه كلامٌ بعضُه من الأوّل وبعضُه من الثاني، إلاّ أنَّ جملة قوله دليلٌ على ما ذكرناه، من أنّه قياسُ سائرِ الباب، وأنّه خلوُّ شيءٍ من شيء.

قال الخليل: النَّخلة العرِيَّة: التي إذا عَرَضْت على البيع ثمرَها عَرَّيتَ منها نخلة، أي عَزَلْتَ عن المساوَمة. والجمع العَرايا، والفعل منه إعراءٌ، وهو أن يُجعَل ثمرُها لمُحتاجٍ عامَها ذلك.

(عرب) العين والراء والباء أصول ثلاثة: أحدها الإنابة والإفصاح، والآخر النَّشاطُ وطيبُ النَّفس، والثالث فسادٌ في جسمٍ أو عضو.

فالأوّل قولهم: أعرب الرّجُل عن نفسه، إذا بيَّنَ وأوضح. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الثَّيِّبُ يُعرِب عنها لسانُها، والبِكر تُسْتَأْمَر في نفسها". وجاء في الحديث: "يستحبُّ حين يُعرِب الصبيُّ أن يقول لا إله إلا الله. سبْعَ مرات"، أي حين يُبِين عن نفسه. وليس هذا من إعراب الكلام. وإعرابُ الكلام أيضاً من هذا القياس، لأنَّ بالإعراب يُفرَق بين المعاني في الفاعل والمفعول والنفي والتعجب والاستفهام، وسائر أبواب هذا النَّحو من العلم.

فأمّا الأمَّة التي تسمَّى العربَ فليس ببعيدٍ أن يكون سمِّيت عَرَبا من هذا القياس لأنَّ لسانَها أعْرَبُ الألسنة، وبيانَها أجودُ البيان. وممّا يوضِّح هذا الحديثُ الذي جاء: "إنَّ العربيَّة ليست باباً واحداً([26]) ، لكنّها لسانٌ ناطق". وممّا يدل على هذا أيضاً قولُ العرب: ما بها عَرِيبٌ، أي ما بها أحدٌ، كأنَّهم يريدون، ما بها أنيس يُعرِب عن نفسه. قال الخليل: العَرَب العاربة هم الصَّريح. والأعاريب: جماعة الأعراب. ورجلٌ عربيّ. قال: وأعرب الرّجُل، إذا أفَصَح القَولَ، وهو عَرَبانيُّ اللِّسان([27]) : فصيح. وأعرب الفرس: خَلَصت* عربيّتُه وفاتَته القِرْفة([28]) . والإبل العِرابُ، هي العربية. والعرب المستعربة هم الذين دخَلُوا بَعدُ فاستعربوا وتعرَّبوا.

والأصل الآخَر: المرأة العَرُوب: الضَّحاكة الطيِّبة النفس، وهُنَّ العُرُب. قال الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكاراً. عُرُباً أَتْرَاباً}  [الواقعة 36- 37]، قال أهلُ التَّفسير: هنَّ المتحبِّبات إلى أزواجهنّ.

والعَرْب، بسكون الراء: النَّشاط. قال:

* والخَيْل تنزِع عَرْباً في أعنَّتِها([29]) *

والعَرَب: الأَثَر، بفتح الراء. يقال منه: عَرِب يَعْرَب عَرَباً.

والأصل الثالث قولُهم: [عَرِبَت] معدتُه، إذا فسدت، تَعْرَب عَرَباً. ويقال من ذلك: امرأةٌ عَروبٌ، أي فاسدة. أنشدنا عليُّ بن إبراهيمَ القَطّان، قال: أنشدنا ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ:

وما خَلَفٌ من أمِّ عِمرانَ سَلْفَعٌ  *** من السُّودِ وَرهْاءُ العِنان عَرُوبُ([30])

فأمَّا يوم الجُمعة فإِنَّه يُدعى العَرُوبة، وهو اسمٌ عندنا موضوعٌ على غير ما ذكرناه من القياس. ويقولون: إِنَّه كان يسمَّى في الزَّمن القديمِ العَرُوبة. وكتابُ الله تعالى وحديثُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يجئْ إلاّ بذكر الجُمعة. على أنَّهم قد أنشدوا:

* يوم العَروبةِ أوراداً بأورادِ([31]) *

وأنشدوا أيضاً:

يا حُسْنَهُ عند العزيز إذا بدا  *** يوم العَرُوبة واستقَرَّ المِنْبرُ

وكلُّ هذا عندنا مما لا يعوَّل على صحّته.

(عرت) العين والراء والتَّاء. العَرْت: الدَّلْك. والرُّمْح العَرّات، مثل العَرّاص، وهو المُضطرِب.

(عرث) قال أبو بكر([32]) : العَرْث: الانتزاع. عَرَثَه عَرْثاً، إذا انتزَعه. وهو من المُجْمل([33]) .

(عرج) العين والراء والجيم ثلاثة أصول: الأوّل يدلُّ على ميْل ومَيَل، والآخر على عَدَد، والآخِر على سُموّ وارتقاء.

فالأوّل: العَرَج مصدر الأعْرج، ويقال منه: عَرِج يعرَج عَرَجاً، إذا صار أعرج. وقالوا: عَرِج يَعْرَجُ خِلْقة، وعَرَج يَعْرُج إذا مشى مِشية العُرْجان. والعَرْجَاء: الضَّبُع، وذلك خِلْقَةٌ فيها، فلذلك سمِّيَتْ العَرْجاء، والجمع عُرْج. وجمع الأعرج من النّاس العُرْجان([34]). ويقال للغراب أعرج، لأنَّه إذا مشى حَجَل.

ومن هذا الباب التعرُّج، وهو حَبْس المطايا مُناخٍ أو موقِف يميلها إليه([35]). قال ذو الرُّمَّة:

يا جارَتَيْ بنتِ فَضّاضٍ أمَا لَكُما  *** حَتَّى نُكلِّمَها همٌّ بتعريج([36])

وقال ابنُ الأعرابيّ: عرَّجْتُ عليه، أي حبَست مطيَّتي عليه. وما لي عليه عُرْجَة([37]) ولا مَعْرَجَة. ويقال للطَّرِيق إذا مال: انعَرَج. وانْعَرَج الوادي. ومُنْعَرَجُه: حيث يميل يَمنةً ويَسرَة. وانعرَجَ القومُ عن الطريق، إذا مالوا عنه([38]) . ويقولون: إنَّ العُرَيْجَاء: الهاجرة. وإنْ صحَّ هذا فلأنَّ كلَّ شيءٍ ينعرجُ إلى مكانٍ يَقِيهِ الحرّ. قال:

لكن سهَيَّةُ تدري أنَّني ذَكَرٌ  *** على عُرَيْجَاءَ لمّا ابتلّتِ الأُزُرُ([39])

وكان الأصمعيّ يقول: أن تَرِدَ الإِبلُ يوماً غُدوةً ويوماً عَشِيَّةً. وقد عَرَّجْنا([40]) من العُرَيجاء. والعَرْجاء: هَضْبَة معروفة. قال أبو ذؤيب:

فكأنَّها بالجِزْعِ جِزْعِ نُبَايِعٍ *** وأُولاتِ ذي العَرْجَاء نَهْبٌ مُجمَعُ([41])

ويقال إنما سمِّيتِ العَرْجَاء لأنَّ الطريق يتعرّج بها. ويقال: أمرٌ عَريجٌ، إذا لم يستقم، هو معوَّج بَعد.

والأصل الآخَر من الإبل، قال قوم: ثمانون إلى تسعين، فإذا بلغت المائةَ فهي هُنَيدة، والجمع عُرُوجٌ وأعراج. قال طَرَفة:

يوم تُبْدِي البِيضُ عن أسْوُقها  *** وتلُفُّ الخيلُ أعراجَ النَّعَمْ([42])

 

ويقال: العَرْج مائة وخمسون. وهذا الأصل قد يمكن ضمُّه إلى الأوّل، لأنَّ صاحب ذلك يُعرِّج عليه ويَكتفِي به.

والأصل الثالث: العُروج: الارتقاء. يقال عَرَج يعرُج عُروجاً ومَعْرَجاً. والمَعْرَج: المَصْعَد. قال الله تعالى:{تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ إلَيْهِ} [المعارج 4]. فأمَّا قول القائل([43]) :

* حتَّى إذا ما الشَّمس هَمَّتْ بعَرَجْ *

فقالوا: أراد غيبوبةَ الشَّمس. وهذا وإن كان صحيحاً فهو غير ملخّص في التَّفسير، *وإنَّما المعنى أنَّها لمَّا غابت فكأنَّها عَرَجت إلى السَّماء، أي صَعِدت. وممَّا يؤيد هذا قولُ الآخَر([44]) :

* وعَرّج اللَّيلَ بُرُوجُ الشَّمسِ([45]) *

فهذا هو القياسُ الصحيح.

(عرد) العين والراء والدال أصلانِ صحيحان يدلُّ أحدهما على قوّةٍ واشتداد، والآخر على مَيل وحِياد.

فالأوَّل العَرْد: الشديد من كلِّ شيءٍ الصُّلب. [قال([46]) ]:

* عَرْدَ التَّراقي حَشْوَراً مُعَقْربا([47]) *

ويقال: عَرَد نابُ البعير يَعرُد عُروداً، إذا خَرَج واشتدَّ وانتصب. قال ذو الرُّمَّة:

يُصَعِّدْنَ رُقْشاً بين عُوجٍ كأنها *** زِجاجُ القَنا منها نَجِيم وعاردُ([48])

النَّجِيم: الطالع.

و[أمَّا] الأصل الآخَر فالتعريد: ترك القَصْد. والأصل فيه قولهم: عَرَدت الشّجرةُ تَعرُد عُروداً. قال لبيد في التَّعريد:

فَمَضَى وقدَّمَها وكانت عادةً *** منه إذا هي عَرَّدَتْ إقدامُها([49])

وقال آخر([50]) :

* وهمّتِ الجوزاءُ بالتَّعريدِ([51]) *

ومما شذَّ عن هذين الأصلين العَرَاد: شجر. ويقال العَرَادة: الجرادة الأُنثى. والله أعلمُ بالصَّواب.

ـــــــــــــــــ

([1]) ديوان لبيد 121 طبع 1880 واللسان (عرك، نغص، دخل).

([2]) ويروى: "زاحم بعود أودع". اللسان (عود) وأمثال الميداني (1: 293). وفي الأصل: "عارك بجد"، تحريف.

([3]) ديوان الخنساء 35 واللسان (عرك) برواية: "لا نوم أو تغسلوا عاراً". ورواية الديوان:

لا نوم حتى تقودوا الخيل عابسة  *** ينبذن طرحا بمهرات وأمهار

أو تحفروا حفرة فالموت مكتع  *** عند البيوت حصيناً وابن سيار

أو ترحضوا عنكم عاراً تجللكم  *** رحض العوارك حيضاً عند أطهار

([4]) أنشده في اللسان (عرم).

([5]) في الأصل: "وعرمرم".

([6]) أنشده في اللسان (عرم).

([7]) في الأصل: "متكاسف".

([8]) البيت لمعقل بن خويلد الهذلي، من قصيدة لـه في شرح السكري للهذليين 108، وديوان الهذليين (3: 65) .

([9]) عجز بيت لمدرك بن حصن، ويروى أيضاً لغادية الدبيرية كما في اللسان (عرن). وصدره: * رغا صاحبي عند البكاء كما رغت *

وأنشد العجز بدون نسبة في المخصص (4: 140).

([10]) لذي الرمة في ديوانه 572 واللسان (عرن) برواية: "تثني النقاب".

([11]) في اللسان (زنق) وشروح سقط الزند 194: "يؤت عدوا" بالعين المهملة.

([12]) للطرماح في ديوانه 180 واللسان (عرن). وفي الأصل "منها"، تحريف. والبيت في صفة رحل. وقبله:

فقاموا ينفضون كرى ليال  *** تمكن في الطلى بعد العيون

([13]) ويقال أعراه أيضاً.

([14]) ديوان لبيد 15 طبع 1881 واللسان (ذفر، رتى، قردم، ترك، بصل). وقد سبق في (بصل، ترك).

([15]) في المجمل: "تتعلق بها الإبل". وفي اللسان: "تتعلق به الإبل". وفي الأصل: "تفلق به الإبل".

([16]) سبق إنشاده في (عر). وعراعر، يروى بضم العين وفتحها، فمن ضم فهو واحد، ومن فتح جعله جمعا. ومثله: جوالق وجوالق، وقاقم وقاقم، وعجاهن وعجاهن: انظر اللسان (عرا 274).

([17]) ملحقات ديوان ذي الرمة 665 واللسان (حطب) والمخصص (11: 22). وقد مضى الاستشهاد به في (عمد).

([18]) سبق البيت بدون نسبة في (صفر).

([19]) ديوان الهذليين (2: 96) واللسان (كور، عرا). ويروى: "الأنجل" بالنون أيضاً، وهي رواية الديوان.

([20]) البيت لأبي دواد الرؤاسي كما في اللسان (علط، دأدأ، ربع)، وهو غير أبي دواد الإيادي. وأبو دواد الرؤاسي، هو يزيد بن معاوية بن عمرو بن قيس بن عبيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وأما الإيادي فهو جويرية بن الحجاج. انظر اللسان (دأدأ) والمؤتلف والمختلف 115-116. وقد أنشد صدر البيت في اللسان (عرض) 41. وفي الأصل هنا: "والرابعة بالدأدأء"، صوابه في اللسان. وقبل البيت في اللسان (علط) :

هلا سألت جزاك الله سيئة  *** إذا أصبحت ليس في حافاتها قزعه

وراحت الشول كالشنات شاسفة  *** لا يرتجي رسلها راع ولا ربعه

([21]) بعده في الأصل: "وهذه الحائط".

([22]) البيت للفرزدق في طبقات الشعراء لابن سلام 77 ليبسك 117 مصر والأغاني (3: 120/ 8: 180، 182/19: 8). وليس في ديوانه. والرواية المشهورة: "ليس الشفيع"، "مثل الشفيع". وقبله:

أما البنون فلم تقبل شفاعتهم  *** وشفعت بنت منظور بن زبانا

([23]) في الأصل: "فربما كان مع صاحب النخل الكثير نخلة فيؤديه إلى دخوله"، واستضأت في إصلاحها بالمجمل. وفي المجمل: "فيتأذى صاحب النخل الكثير بدخول صاحب النخلة الواحدة نخله".

([24]) هو سويد بن الصامت الأنصاري، كما في اللسان (عرا، رجب).

([25]) أنشده أيضاً ثعلب في مجالسه 94. وقال ابن منظور في (رجب) إنه يروى: "رجبية" بضم الراء وتخفيف الجيم المفتوحة وتشديدها، قال: "كلاهما نسب نادر، والتثقيل أذهب في الشذوذ". ثم قال: "وقد روي بيت سويد بن الصامت بالوجهين جميعاً".

([26]) في الأصل: "باب واحد".

([27])  لم ترد في القاموس. ووردت في اللسان (2: 77). وفيه: "وقال الليث: يجوز أن يقال: رجل عرباني اللسان".

([28]) القرفة، بالكسر: الهجنة. وفي الأصل: "القرافة"، تحريف.

([29]) وكذا وردت رواية الشطر في المجمل. والبيت للنابغة الذبياني في ديوانه 23 واللسان (غرب، مزع) برواية: "والخيل تمزع غرباً" فيهما. وعجزه:

* كالطير تنجو من الشؤبوب ذي البرد *

([30]) انظر ما سبق من الكلام على البيت في (عن) ص 20 من هذا الجزء.

([31]) البيت للقطامي في ديوانه 12 والجمهرة (1: 267). وصدره:

* نفسي الفداء لأقوام هم خلطوا *

([32]) في الجمهرة (3: 39).

([33]) أراها تعليقاً من أحد القراء؛ فإن نص المادة هنا وقدره، مطابق لنصها وقدره في المجمل لابن فارس.

([34]) والعرج أيضاً، كما في اللسان والقاموس.

([35]) في الأصل: "يميله إليها".

([36]) في الأصل: "يا حادي منابت"، صوابه من ديوان ذي الرمة 71 ويروى: "بنت فصاص".

([37]) بتثليث العين، ويقال أيضاً "عرجة"، بالتحريك.

([38]) في الأصل: "عليه"، صوابه في اللسان.

([39]) البيت لشبيب بن برصاء، كما في حواشي الجمهرة (2: 80). والرواية فيها: "أنني رجل على عريجاء لما احتلت الأزر". وفي المخصص (16: 69): "رجل على عريجاء لما حلت الأزر". وسهية هذه هي أم أرطأة بن سهية، وكان بين أرطأة وشبيب مهاجاة ومقاذعة. انظر التنبيه على أوهام القالي 88.

([40]) كذا ضبط الفعل في الأصل، وليس له ذكر في المعاجم المتداولة.

([41]) ديوان الهذليين (1: 6) والمفضليات (2: 223) وفي الديوان: "بين ينابع"، وفي المفضليات: "بين نبايع" ونبايع ويقال أيضاً ينابع: واد في بلاد هذيل.

([42])ديوان طرفة 57 واللسان (عرج). والرواية في الأصل والديوان واللسان: "أسوقها" بالواو، كما أثبت. وفي "الأسوق" لغتان، تقال بالواو وتقال بالهمزة أيضاً "أسؤق".

([43]) البيت في إصلاح المنطق 89 ومجالس ثعلب 219 والمخصص (9: 26).

([44])هو منظور بن مرثد الأسدي كما سبق في (علي)، وكما في المؤتلف 104. ويقال له أيضاً: "منظور بن حبة". و "حبة" أمه. ونسبه الجاحظ في الحيوان (3: 74، 363) إلى دكين الراجز، أو أبي محمد الفقعسي.

([45]) الرواية: "إذا عرج الليل".

([46]) بدلها في الأصل: "وهو".

([47]) البيت للعجاج في ملحقات ديوانه 74 واللسان (عرد) .

([48]) ديوان ذي الرمة 126 واللسان (عرد، نجم). وفي شرح الديوان: "رقشاً يعني الشقاشق".

([49]) البيت من معلقته المشهورة.

([50]) هو ذو الرمة، ديوانه 159 واللسان (عرد) ومشارف الأقاويز 154.

([51]) البيت ملفق من بيتين في الديوان والمشارف، وهما:

والنجم بين القم والتعريد  *** يستلحق الجوزاء في صعود

 

ـ (باب العين والزاء وما يثلثهما)

(عزف) العين والزاء والفاء أصلانِ صحيحان، أحدهما يدلُّ على الانصراف عن الشَّيء، والآخر على صوت من الأصوات.

فالأوَّل قول العرب: عَزَفت عن الشَّيء إذا انصرفتَ عنه. والعَزُوف: الذي لا يكاد يثبُت على خُلَّة خليل قال:

ألم تعلمي أنِّي عزوفٌ عن الهوى  *** إذا صاحبي في غير شيء تغضَّبا([1])

وقال الفَرزدق:

* عزَفْتَ بأعشاشٍ وما كدتَ تعزِفُ([2]) *

والأصل الثاني: العَزيف: أصوات الجِنّ. ويقال إنّ الأصل في ذلك عَزْف الرِّياح، وهو صوتُها ودَوِيُّها. وقال في عَزيف الجِنّ:

وإِنِّي لأجتاز الفلاةَ وبينها  *** عوازفُ جِنَّان وهامٌ صواخِدُ([3])

ويقال: إنّ أبْرَق العَزّافِ سمِّي بذلك، لما يقال أنّ به جِنّاً. واشتُقَّ من هذا العَزْف في اللَّعِب والمَلاهي.

(عزق) العين والزاء والقاف ليس فيه كلامٌ أصيل، لكنَّ الخليلَ ذكر أنَّ العَزْق: عِلاج الشَّيء في عَسَر. ورجلٌ متعزِّق: فيه شِدَّة خُلُق. ويقولون: إن المِعْزقةَ: آلةٌ من آلات الحرث. وينشدون:

نُثِير بها نَقْعَ الكُلابِ وأنتم  *** تُثِيرون قِيعانَ القُرى بالمَعازقِ([4])

وكلُّ هذا في الضَّعفِ قريبٌ بعضُه من بعض. وأعجَبُ منه اللغة اليمانيَة التي يدلِّسُها أبو بكر محمدُ بن الحسنِ الدُّريدي رحمه الله، وقولُه: إنَّ العَزِيق مطمئنٌّ من الأرض، لغةٌ يمانيَة([5]) . ولا نقول لأئمَّتنا إِلاَّ جميلا.

(عزل) العين والزاء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على تنحيةٍ وإمالة تقول: عزَل الإنسانُ الشَّيءَ يعزِلُه، إذا نحَّاه في جانبٍ. وهو بمَعْزِلٍ وفي مَعزِل من أصحابه، أي في ناحيةٍ عنهم. والعُزْلة: الاعتزال. والرجُل يَعْزِل عن المرأة، إذا لم يُرِدْ ولدَها.

ومن الباب: الأعزلُ: الذي لا رُمْحَ معه. وقال بعضُهم: الأعزل الذي ليس معه شيء من السلاح يُقاتِل به، فهو يَعتزِل الحربَ، ذكر[هُ] الخليلُ، وأنشد:

لا مَعازِيلَ في الحُرُوب ولكنْ  *** كُشُفاً لا يُرامونَ يَوْمَ اهتضام([6])

وشبِّه بهذا الكوكبُ الذي يقال له السِّماك الأعزل. وإِنَّما سمِّي أعزَل لأنَّ ثَمَّ سِماكاً آخرَ يقال له الرَّامح، بكوكبٍ يَقدُمه يقولون هو رُمْحُه. فهذا سمِّي لذلك أعزل. ويقال إِنَّ المِعزالَ من النّاس: [الذي] لا يَنْزِل مع القوم في السفر ولكن ينْزلُ ناحيةً. قال الأعشى:

تُذهِلُ الشَّيخَ عن بنيهِ وتُلْوِي  *** بلَبُون المِعْزَابَةِ المِعزالِ([7])

والأعزل من الدوابِّ: الذي يميلُ ذنبُه إلى أحد جنْبَيه. فأمَّا العَزْلاء ففَمُ المَزَادة. ومحتمل أن يكون شاذّاً عن هذا الأصل الذي ذكرناه، ويُمكن أن يُجمع بينهما على بُعدٍ، وهو إلى الشذُوذِ أقرب. ويقال: أرسَلَت السَّماءُ عَزَالِيَها، إذا جاءت *بمنهمرٍ من المَطَر. وأنشد:

تَهمِرُها الكفُّ على انطوائِها  *** هَمْرَ شَعيب الغَرْفِ من عَزلائِها([8])

(عزم) العين والزاء والميم أصلٌ واحد صحيحٌ يدلُّ على الصَّريمة والقَطْع. يقال: عزَمت أعزِمُ عزماً. ويقولون: عزمت عليك إِلاَّ فعَلْتَ كذا، أي جعلتُه أمراً عَزْماً، أي لا مَثْنويّة فيه([9]) . ويقال: كانوا يَرون لِعَزمة الخُلفاء طاعةً. قال الخليل: العَزْم: ما عُقِد عليه القلبُ من أمرٍ أنت فاعلُه، أي متيقِّنه. ويقال: ما لفلانٍ عزيمةٌ، أي ما يَعزِم عليه، كأنَّه لا يمكنه أن يَصْرِمَ الأمر، بل يختلط فيه ويتردَّد.

ومن الباب قولهم: عَزَمْت على الجِنّيّ، وذلك أن تقرأ عليه من عزائم القُرآن، وهي الآياتُ التي يُرجَى بها قَطْعُ الآفةِ عن المَؤُوف. واعتزم السائر([10]) ، إذا سَلَك القصدَ قاطعاً لـه. والرجل يَعزِم الطَّريق: يمضِي فيه لا ينثني. قال حميد([11]) :

* معتزماً للطرُق النواشِط([12]) *

وأولُو العَزْم من الرُّسلِ عليهم السلام: الذين قَطَعوا العلائقَ بينهم وبين مَنْ لم يؤمِن مِن الذين بُعثِوا إليهم، كنوح عليه السلام، إذ قالَ:{لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكافِرينَ دَيَّارَا}  [نوح 26]، وكمحمَّدٍ صلى الله عليه وآله إذْ تبرَّأ من الكُفّار وبَرّأه الله تعالى منهم، وأمَرَه بقتالهم في قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلَى الذِينَ عاهَدْتُم مِنَ المُشْرِكينَ} [التوبة 1]، ثم قال:{فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم} [التوبة 5].

(عزو/ي) العين والزاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على الانتماء والاتِّصال.

قال الخليل: الاعتزاء: الاتّصال في الدَّعوى إذا كانت حربٌ، فكلُّ مَن ادَّعى في شعاره فقد اعْتَزَى، إذ قال أنا فلانُ بنُ فلان فقد اعتَزَى إليه. وفي الحديث: "مَنْ تَعزَّى بعَزَاء الجاهليَّة فأَعِضُّوه"، وهو أن يقول يا لفلان. قال:

فلما التقتْ فُرسانُنا ورجالُهم *** دَعَوْا يا لَكَعبٍ واعتَزَيْنا لعامِرِ([13])

وقال آخَر:

فكيفَ وأصْلي من تميمٍ وفرعُها  *** إلى أصل فَرعي واعتزائي اعتزاؤها

فهذا الأصل، وأمّا قولهم: عَزِيَ الرّجلُ يَعْزَى عَزاءً، وإنه لَعَِزيٌّ([14]) أي صبور، إذا كان حسَنَ العزَاء على المصائب، فهذا من الأصل الذي ذكرناه، ولأنَّ معنى التعزِّي هو أن يتأسَّى بغيره فيقول: "حالي مثلُ حالِ فلان. ولذلك قيل: تأسَّى، أي جعل أمرَه أُسوة أمرِ غيره. فكذلك التعزِّي. وقولك عَزّيتُه، أي قلتُ له انظُرْ إلى غيرك ومن أصابَه مثلُ ما أصابك. والأصل هذا الذي ذكرناه.

(عزب) العين والزاء والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تباعدٍ وتنَحٍّ. يقال: عَزَب يعزُبُ عُزُوباً. والعَزَب: الذي لا أهلَ لـه. وقد عَزب يَعْزُبُ عُزوبةً. قال العجّاج في وصف حمارِ الوحش:

* شهراً وشهرين يسنّ عَزَبَا *

وقالوا: والمعِزْابةُ: الذي طالت عُزْبته حتى ما لَه في الأهل مِن حاجة. يقال: عَزَب حِلْمُ فلانٍ، أي ذهب، وأعْزَبَ اللهُ حِلْمَه، أي أذهَبَه. قال الأعشى:

* فأعزَبْتُ حِلمي بل هو اليومَ أعْزَبا([15]) *

والعازب من الكلأ: البَعِيد المَطْلَب. قال أبو النجم:

* وعازبٍ نَوَّرَ في خلائِه *

وكلُّ شيء يفوتُك لا تَقْدِر عليه فقد عَزَب عنك. وأعزب القومُ: أصابوا عازباً من الكلأ.

(عزر) العين والزاء والراء كلمتان: إحداهما التَّعظيم والنَّصر، والكلمة الأخرى جنسٌ من الضَّرب.

فالأولى النَّصر والتوقير، كقوله تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}  [الفتح 9].

والأصل الآخر التَّعزير، وهو الضرب دون الحدّ. قال:

وليس بتعزير الأمير خَزايةٌ  *** عليَّ إذا ما كنتُ غيرَ مريبِ([16])

ــــــــــــــــ

([1]) أنشده في اللسان برواية: "عزوف على الهوى".

([2]) مطلع قصيدة مشهورة له في ديوانه 551. وعجزه:

* وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف *

وقد سبق في (عش). وأنشده في اللسان (عشش، عزف).

([3]) في الأصل: "لأختار القلادة"، تحريف. وفي اللسان: "لأجتاب الفلاة".

([4]) ديوان ذي الرمة 408 واللسان (عزق). وفي شرح الديوان: "النقع: الغبار والكلاب موضع كانت لهم فيه وقعة".

([5]) الجمهرة (3: 6).

([6]) في الأصل: "بو اهتضام".

([7]) ديوان الأعشى 12 واللسان (عزل) والرواية فيهما: "تخرج الشيخ عن بنيه"، وفي الديوان: "من بنيه".

([8]) البيت لعمر بن لجأ، كما في اللسان: (غرف). وفي الأصل: "يهمرها"، وفي اللسان: "تهمزه"، ووجههما ما أثبت.

([9]) المثنوية: الاستثناء. وفي الأصل: "مشوبة"، تحريف.

([10]) في الأصل: "السائم". وفي المجمل: "والاعتزام: لزوم القصد في المشي".

([11]) هو حميد الأرقط الراجز، كما في اللسان (عزم).

([12]) بعده في اللسان:                         * والنظر الباسط بعد الباسط *

([13]) البيت للراعي، كما في اللسان (عزا). وفي الأصل: "بالكعبة اعتزينا"، صوابه في اللسان.

([14]) ويقال "عز" أيضاً.

([15]) ديوان الأعشى 91 وصدره: * كلانا يُرائي أنه غير ظالم *

([16]) أنشده في اللسان (عزر).

 


ـ (باب العين والسين وما يثلثهما)

(عسف) العين والسين والفاء كلماتٌ تتقارب ليست تدلُّ على خير إنما هي كالحَيْرة وقلّة البصيرة.

قال الخليل: العَسْف: ركوب الأمر من غير تدبير، وركوبُ مفازةٍ بغير قَصْد. ومنه التعسُّف. قال ذو الرّمّة:

*قد أعْسِفُ النّازحَ المجهولَ مَعْسِفُهُ  *** في ظلِّ أخضَرَ يدعو هامَه البومُ([1])

والعَسِيفُ: الأجير؛ وما يبعدُ أن يكون من هذا القياس؛ لأنَّ ركوبَه في الأمور فيما يعانيه مخالفٌ لصاحب الأمور. وقال أبو دُوَاد:

كالعَسيفِ المربوعِ شَلَّ جمالاً  *** ما لـه دونَ منزلٍ من مَبيتِ

وقد أومأ إلى المعنى، وأرى أنَّ البيتَ ليس بالصحيح. ونهى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل العُسَفاء، وهم الأُجَراء. وحديث آخر: "إنَّ ابني كانَ عسيفاً على هذا([2]) ". ويقال: إنَّ البعير العاسِفَ هو الذي بالموت، وهو كالنّزْع في الإنسان. ومما دلَّ على ما قُلناه في أمر العسيف قولُ الأصمعيّ: العَسيف: المملوك المُسْتَهان به الذي اعْتُسِف ليَخْدُمَ، أي قُهِر. وأنشد:

أطعْتُ النَّفْسَ في الشَّهوات حَتى  *** أعادتْنِي عسيفاً عبدَ عبْدِ([3])

وعُسْفان: موضع بالحجاز يقول فيه عنترة:

كأنّها حِينَ صدَّت ما تكلِّمنا  *** ظبيٌ بعُسْفانَ سَاجِي الطَّرْف مطروفُ([4])

(عسق) العين والسين والقاف أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على لُصوق الشيء بالشيء.

قال الخليل: العَسَق: لُصوق الشيء بالشيء. يقال: عَسِق به عَسَقاً. وعَسِقَتِ الناقةُ بالفَحْل، أي أرَبَّت به. قال رؤبة:

فعفَّ عن أسرارها بعدَ العَسَقْ  *** ولم يُضِعْها بين فِرْكٍ وعَشَقْ([5])

ومن الباب: في خُلُقه عَسَقٌ، أي التواء وضِيقُ خلق. ويقال: "عَسِق بامرئٍ جُعَلُهُ".

(عسك) العين والسين والكاف قريبٌ من الذي قبله. قال الخليل عَسِك به، إذا لزمَه، مثل سَدِك به. وأنشد الأصمعي:

إذا شرَكُ الطريق تجشَّمَتْهُ  *** عَسِكْنَ بجنبِهِ حذَر الإكامِ([6])

 

(عسل) العين والسين واللام، الصحيح في هذا الباب أصلان، وبعدهما كلماتٌ إن صحّت. فالأول [من] الأصلين دالٌّ على الاضطراب، والثاني طعامٌ حُلْو، ويُشتقُّ منه. فالطَّعام العَسَل، معروف. والعَسَّالة: التي يتّخذ فيها النَّحْل العسلَ. والعاسل: صاحب العَسَل الذي يَشتاره من مَوضعِه يستخرجُه. وقال:

* وأرْيِ دُبُورٍ شارَهُ النَّحْلَ عاسِلُ([7]) *

وعَسَّل النَّحْلُ تعسيلاً. وفي تأنيث العسل قال:

* بها عسلٌ طابت يَدَا من يَشُورُها([8]) *

ومِمّا حُمل على هذا العُسيْلة. وفي الحديث: "حَتَّى يَذُوق عُسَيلَتَها وتذوقَ عُسيلتَه" إنما يُرَاد به الجِماع. ويقال خَلِيَّة عاسلة، وجنحٌ عاسل، أي كثير العسل. والجِنْح: شِقٌّ في الجبل. وقال الهذليّ([9]) :

تَنَمَّى بها اليَعسوبُ حتى أقرَّها  *** إلى مألَفٍ رَحْبِ المَبَاءةِ عاسِلِ

ويقال للذي يَشْتارُه: عاسل. وفي الحديث: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً عَسَلَه([10])"، وهو من هذا، ومعناه طيَّبَ ذِكرَه وحلاَّهُ في قلوب النّاس بالصَّالح من العمل. من قولك عَسَلْتُ الطَّعامَ، أي جعلتُ فيه عَسلاً. وفلانٌ معسول الخُلُق، أي طيِّبه. وعَسَلْتُ فلاناً: جَعلتُ زادَه العسل. والعرب تقول: "فلان ما يُعرَف له مَضْرِب عَسَلة"، أي لا يُعرَفُ له أصل. ومثله "لا يُعرَفُ له مَنْبِض عَسَلَة".

والأصل الثاني: العَسَلانُ، وهو شِدّةُ اهتزازِ الرُّمح إذا هززتَه. يقال: عَسَل يَعْسِلُ عَسَلاناً، كما يُعْسِلُ الذّئبُ، إذا مَضى مُسرِعاً. والذِّئب عاسل، والجمعُ عُسَّل وعَواسل. ويقال رمحٌ عَسَّالٌ. وقال:

* كلّ عَسّالٍ إذا هُزَّ عَسَلْ *

وقال في الذِّئبِ:

عَسَلاَنَ الذِّئبِ أمسى قارباً  *** بَرَدَ اللّيلُ عليه فنَسَل([11])

وعَسَل الماء، إذا ضَربته الرِّيح فاضطَرب. وأنشد:

* حَوْضاً كأنَّ ماءه إذا عَسَلْ([12]) *

والدَّليل يَعْسِل في المفازة، إذا أسرع. وقال في ذلك:

عَسَلْتُ بُعَيْدَ النَّوم حتى تقطَّعَتْ  *** نفانِفُها واللّيلُ بالقومِ مُسْدِفُ

وقال أبو عبيدة: يقال فرسٌ عاسل، إذا اضطربت مَعرفَتُهُ في سيره، وخفق رأسُه واطَّرد متنُه. هذا هو الصحيح غير المشكوكِ فيه، ومما قاله وما ندري كيف صحّتُه، بل إلى البُطلان* أقرب: العَسِيل: قضيبُ الفِيل. وزَعموا أن العَسِيل مِكنسة العَطّار يكسَح بها الطِّيب. وينشدون:

* كنَاحِتِ يوماً صخرةٍ بعَسيلِ([13]) *

(عسم) العين والسين والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على التواء ويُبْسٍ في عُضوٍ أو غيره. قال الخليل وغيرُه: العَسَمُ: يُبْسٌ في المِرْفَق تعَوجّ منه اليَدُ. يقال: عسِمَ الرَّجلُ فهو أعْسَم، والمرأة عَسْماء. قال الأصمعيُّ: في الكفِّ والقَدم العسَم، وهو أن يَيْبَس مَفصِل الرُّسغ حتَّى تعوجّ الكفُّ أو القَدَم. قال:

في مَنكِبَيه وفي الأصلاب واهنَةٌ  *** وفي مَفاصله غمْزٌ من العَسَمِ([14])

قال الكلابيّ: العَسْماء التي فيها انقلابٌ ويُبْس. ويقولون: العُسُوم: كِسَر: الخُبْز. وهذا قد رُوِي عن الخليل، ونُراه غلطاً. وهذا في باب الشِّين أصحّ، وقد ذُكِر.

ومن الباب: عَسَمَ، إذا طَمِع في الشَّيء. والقياس صحيح، لأنَّ الطَّامعَ في الشَّيء يَميل إليه ويشتدُّ طلبُه لـه. ويقال عَسَمَ يَعْسِم، وهو من الكلمة التي قبلها، لأنّه لا يَكسِبه إلاّ بعد المَيْل إليه. قال الخليل: والرَّجُل يَعسِم في جماعةِ النّاس في الحرب: يركبُ رأسَه ويَرمي بنفسِه غيرَ مكترِثٍ. تقول: عَسَم بنَفْسِه، أي اقتَحَم.

(عسن) العين والسين والنون أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على سِمَن وما قاربَه وأشبهه.

قال الخليل: العَسن: نُجوع العَلَف والرَّعي في الدَّوابّ: يقال: عَسَنَتِ الإبلُ عَسْناً. وناس يقولون: عَسِنَت عَسَناً. ويقال إنَّ العُسُنَ: الشَّحم القديم. وقال الفرّاء: إذا بقيَتْ من شحم الدّابّة بقيَّةٌ فذلك العُسُن. ويقال: بعيرٌ حَسَن الإعسان. وأعْسَنَتِ الإبل على شحمٍ متقدِّمٍ كانَ بها. قال النَّمِر:

ومُدَفَّع ذي فَرْوَتينِ هنَأْتُه  *** إذ لا ترى في المعْسِنات صِرَارا

وأمّا قولُهم: تَعَسَّنَ أباه، فهذا من باب الإبدال، والأصل فيه الهمز، وقد ذكر. ويقال: فلانٌ عِسْنُ مالٍ، إذا كان حسنَ القيام عليه، وهذا من الإبدال، كأنّ الأصل عسل، وقد ذُكِر.

(عسو/ي) العين والسين والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على قوّةٍ واشتدادٍ في الشَّيء. يقال: عَسَا الشّيءُ يعسو، إذا اشتدّ. قال:

* عَن صاملٍ عاسٍ إذا ما اصلَخْمَمَا([15]) *

فالكلمات الثلاثُ في البيت متقاربةُ المعنى في الشِّدّة والقُوّة.

ومن الباب: شيخٌ عاسٍ، [عَسَا] يعسو وعَسِيَ يَعْسَى. وذلك أنّه يكثُف منه ما كان من بشرَته لطيفاً. وربَّما اتَّسعوا في هذا حتى يقولوا: عَسَا الليل، إذا اشتدَّت ظُلمته، وهو بالغين أشْهر، أعنِي في اللّيل. ويقال: عَسَا النَّبات، إذا غلُظ واشتدّ. وقال في صفة الشيخ:

* أشْعَث ضرب قد عسا أو قوَّسا *

فأمَّا عَسى فكلمةُ ترجٍّ، تقول: عسى يكون كذا. وهي تدلُّ على قُربٍ وإمكان. وأهلُ العِلم يقولون: عَسَى من الله تعالى واجبٌ، في مثل قولِه تعالى: {عَسَى اللهُ أَنْ يَجعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة 7].

(عسب) العين والسين والباء كلماتٌ ثلاثٌ متفرِّدة بمعناها، لا يكاد يتفرَّع منها شيء. فالأولى: طَرْق الفَرَسِ وغيرِه، والثانية عَسِيب الذَّنَب، والثالثة نوعٌ من الأشياء التي تطير.

فالأوَّل العَسْب، قالوا: هو طَرْق الفَرَسِ وغيرِه. ثمَّ حُمِل على ذلك حتَّى سُمِّي الكِراء الذي يؤخَذ على العَسْب. وفي الحديث أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عن عَسْب الفَحْل. فالعَسْب: الكِراء الذي يُؤخَذ على العَسْبِ، سمِّي باسمِه للمجاوَرَة. وقال زُهير:

ولولا عَسْبُهُ لرَدَدْتُموه  *** وشرُّ مَنيحةٍ فَحلٌ مُعارُ([16])

ومنه قول كثَيِّر:

يُغادِرنَ عَسْب الوالقيِّ وناصحٍ  *** تخصُّ به أمُّ الطّريقِ عِيالَها([17])

يصف خيلاً وأنّها أزْلَقت ما في بطونها من أولادها تعباً.

والآخر عَسِيب الذَّنَب، وهو العَظم فيه مَنْبِت الشَّعْر. وشُبِّه [بِه] عسيبُ النَّخْلة. وهي الجريدةُ المستقيمةُ. تَشَابَهَا من طريقة الامتداد والاستقامة. يقال عَسِيبٌ وأعْسِبَةٌ وعُسُب([18]) . قال:

يستلُّها جدولٌ كالسَّيف منصلِتٌ  *** بين الأَشَاءِ تسامَى* حَولَه العُسبُ([19])

وعَسِيب الرِّيشَة مشبَّه بعَسِيب النخلة([20]) .

والكلمة الثّالثة: اليَعْسوب، يَعْسوب النَّحل ملكُها. قال أبو ذُؤيب:

تَنَمَّى بها اليعسوبُ حتَّى أقرَّها ***  إلى مألَفٍ رَحْبِ المباءةِ عاسلِ([21])

والجمع يعاسيب. قال:

زُرْقاً أسنّتُها حمراً مُثَقّفةً  *** أطرافُهنَّ مَقِيلٌ لليعاسيبِ([22])

وزعموا أنَّ اليَعسوبَ: ضربٌ من الحَجَل أيضاً، وضربٌ من الجراد. وممَّا ليس من هذا الباب عَسِيبٌ: اسمُ جبلٍ، يقول فيه امرؤُ القيس:

أجارتَنا إنّ المزارَ قريبُ  *** وإنِّي مقيمٌ ما أقامَ عسيبُ([23])

(عسج) العين والسين والجيم. كلمة صحيحة يقال إن العَسْج مدّ العُنُق في المشْي. قال جميل:

عَسَجْنَ بأعْناق الظباء وأعيُنِ الـ  *** جآذر وارتجّت لهنَّ الروادفُ([24])

وقال ذو الرُّمَّة:

والعِيسُ مِن عاسجٍ أو واسجٍ خَبَباً  *** يُنْحَزْنَ في جانِبَيْها وهي تنسلبُ([25])

(عسد) العين والسين والدال ليس فيه ما يُعوَّل على صحَّته، إلاّ أَنَّهم يقولون: عَسَدَ، إذا جامَعَ. ويقولون العِسْوَدّة: دويْبَّة. وليس بشيء.

(عسر) العين والسين والراء أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على صُعوبةٍ وشِدّة. فالعُسْر: نقيض اليُسْر. والإقلال أيْضاً عُسْرةٌ، لأنَّ الأمر ضيِّق عليه شديد. قال الله تعالى: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة 280]. والعَسَر: الخلاف والالتواء. ويقال: أمرٌ عَسِرٌ وعَسير. ويومٌ عَسير. وربَّما قالوا: رجُلٌ عَسِر. قال جرير:

بِشْرٌ أبو مروانَ إنْ عاسرتَهُ  *** عَسِرٌ وعند يَساره ميسورُ([26])

ويقولون: عَسُرَ الأمْرُ عُسْراً وعَسَراً أيضاً. وقالوا: "عليك بالمَيْسُور وأترُكْ ما عَسر". وأعسَرَ الرّجُل، إذا صارَ من مَيْسرة إلى عُسْرة. وعسَرْتُه أنا أعْسِرُه، إذا طالبتَه بدَينكَ وهو مُعْسِرٌ ولم تُنْظِرْه إلى مَيسرتِه. ويقال: عَسَّرْتُ عليه تعسيراً، إذا خالفْتَه. والعُسْرى: خلاف اليُسْرَى، وتعسَّر الأمر: التوى. ويقال لِلغَزْل إذا التَبَس فلم يُقدَر على تخليصه: قد تعَسَّر. وسمعت ابنَ أبي خالدٍ يقول: سمعت ثعلباً يقول: تعسَّر الأمرُ بالعين، وتَغَسَّر الغَزْل بالغين معجمة. ويقال: أعْسَرَتِ المرأةُ، إذا عسُرَ عليها وِلادُها. ويُدْعَى عليها فيقال: أعْسَرْتِ وآنَثْتِ. ويُدْعَى لها: أَيْسَرتِ وأذْكَرْت. ويقال: العَسير: النَّاقة إلى اعتاطَتْ واعتاصتْ فلم تحمِلْ عامَها. قال الأعشى:

وعَسيرٍ أدماءَ حادِرة العيْـ  *** نِ خَنُوفٍ عَيرانةٍ شِملالِ([27])

ويقال للنّاقة التي تُركَب قبل أن تُراضَ: عَوْسرانيَّة. وهذا ممّا قلنا إنّ زيادةَ حروفِه يدلُّ على الزِّيادة في المعنى.

ويقال للذي يَعمل بِشِماله: أعْسَر. والعُسْرى، هي الشِّمال([28]) ، وإِنَّما سمِّيت عُسْرى لأنّه يتعسَّر عليها ما يتيسَّر على اليُمْنى. فأمَّا تسميتهم إيّاها يُسْرى فيُرى أنّه على طريقة التَّفاؤُل، كما يقال للبَيْداء مفازة، وكما يقال للّديغ سَلِيم. والعاسِر من النُّوق إذا عَدَتْ رفعَتْ ذَنبَها. ولا أحسب ذلك يكون إلاَّ من عَسَرٍ في خُلُقها؛ والجمع عَواسِر. قال:

* تكسّر أذناب القِلاصِ العَواسِرِ *

ــــــــــــــــــ

([1]) سبق إنشاده وتخريجه في (بوم، ظل).

([2]) الحديث برواية أخرى في اللسان.

([3]) البيت لنبيه بن الحجاج، كما في اللسان (عسف).

([4]) ديوان عنترة 164.

([5]) ديوان رؤبة 104 واللسان (سرر، عسق، عشق، فرك) وإصلاح المنطق 9، 24، 111.

([6]) في الأصل: "بحية".

([7]) البيت للبيد في ديوانه 29 طبع 1881 واللسان (عسل، دبر)، ونسب مرة في اللسان (دبر) إلى زيد الخيل. وشاره النحل، أراد شاره من النحل، فعدى بحذف الوسيط، كما في قوله تعالى: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً} [الأعراف 155]. وصدر البيت: * بأشهب من أبكار مزن سحابة *

([8]) للشماخ في ديوانه 29 وإصلاح المنطق 398 واللسان (عسل) والمخصص (5: 14/17: 19). وصدره: * كأن عيون الناظرين يشوقها *

([9]) هو أبو ذؤيب الهذلي، ديوان الهذليين (1: 142) واللسان (عسل، نمى).

([10]) في اللسان: "عسله في الناس".

([11]) البيت للبيد، كما في اللسان (عسل، نسل). ويروى للنابغة الجعدي.

([12]) أنشده في اللسان (عسل) والمخصص (4: 93). وقبله:

* قد صبحت والظل غض ما زحل *

([13]) فصل بين المتضايقين بالظرف. وصدره في اللسان (عسل):

* فرشني بخير لا أكون ومدحتي *

([14]) البيت لساعدة بن جؤية الهذلي في ديوان الهذليين (1: 192) واللسان (وهن).

([15]) أنشده في اللسان (عسا) كما هنا. وفي (صلخم): "عن صائك". وقبله في (عسا): * يهوون عن أركان عز أدرما *

([16]) ديوان زهير 301 واللسان (عسب).

([17]) اللسان (عسب، ولق). والوالقي وناصح: اسما فرسين.

([18]) وعسوب أيضاً، وعُسبان وعِسبان، بضم العين وكسرها، كما في اللسان.

([19]) الأشاء، كسحاب: صغار النخل، واحدته أشاءة وفي الأصل: "بين الأشياء".

([20]) عسيب الريشة: ظاهرها طولا.

([21]) سبق البيت وتخريجه في (عسل).

([22]) في الأصل: "أطرافها" تحريف. والبيت لسلامة بن جندل في المفضليات (1: 121)، وهو ساقط من ديوانه المطبوع في بيروت.

([23]) البيت لم يروه الوزير أبو بكر في ديوانه. وهو في اللسان (عسب) ومعجم البلدان (عسيب)، وشروح سقط الزند 1741 برواية:

* أجارتنا إن الخطوب تنوب *

([24]) نسب في اللسان (عسج) إلى جرير، وليس في ديوانه.

([25]) ديوان ذي الرمة 8 واللسان (عسج، وسج، نحز) برواية: "من جانبيها".

([26]) ديوان جرير 301 واللسان (عسر).

([27]) ديوان الأعشى 6 واللسان (عسر، حدر).

([28]) في الأصل: "الشملى".

 

ـ (باب العين والشين وما يثلثهما)

(عشق) العين والشين والقاف أصلٌ صحيح يدلُّ على تجاوُزِ حدِّ المحبَّة. تقول: عَشِق يَعْشَق عِشْقاً وعَشَقاً. قال رؤبة:

* ولم يُضِعْها بين فِرْكٍ وعَشَقْ([1]) *

ويقال: امرأةٌ عاشق أيضاً، حملوه على قولهم: رجلٌ بادنٌ وأمراةٌ بادنٌ. وزعم ناسٌ أنَّ العَشَقَة اللّبْلابة، قالوا: ومنها اشتُقَّ اسم العاشق لذيولـه وهو كلامٌ.

(عشك) العين والشين والكاف([2]) . ليس فيه معنىً يصحُّ، وربُّما قالوا يَعْشِك ويَحْشِك، أي يفرِّق ويجمع. وليس بشيء.

(عشم) العين والشين والميم أصلٌ يدلُّ على يُبْسٍ في شَيء وقُحول. من ذلك الخُبْز العاشم: الذي يَبِس. ويقولون للشيخ: عَشَمَة. ومن *غير ذلك القياس العَيْشُوم، وهو نبتٌ. قال:

* كما تناوَحَ يَومَ الرِّيحِ عَيشومُ([3]) *

(عشو) العين والشين والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على ظلامٍ وقِلّةِ وُضوحٍ في الشيء، ثم يفرَّع منه ما يقاربُه. من ذلك العِشاء، وهو أوّل ظلامِ اللّيل. وعَشواءُ اللّيل: ظُلمتُه. ومنه عَشَوْتُ إلى ناره. ولا يكون ذلك إلاّ أن تَخْبِط إليه الظَّلام. قال الحطيئة:

متى تأتِهِ تعشُو إلى ضوءِ ناره *** تجدّ خير نارٍ عندها خيرُ مُوقِدِ([4])

والعاشية: كلُّ شيءٍ يعشُو باللَّيل إلى ضوءِ نار. والتَّعاشي: التَّجاهُل في الأمر. قال:

تَعُدُّ التَّعاشِيَ في دينها  *** هُدىً، لا تُقُبِّلَ قُربانُها

والعَشِيُّ: آخر النَّهار. فإذا قلت عَشِيَّة فهو ليومٍ واحد. تقول: لقيتُه عِشيَّةَ يومِ كذا، ولقيتُه عشيَّةً من العشيَّات. وهذا الذي حُكي عن الخَليل فهو مذهبٌ، والأصحُّ عندنا أن يقال في العَشِيّ مثلُ ما يقال في العَشِيَّة. يقال: لقيته عَشِيَّ يومِ كذا([5]) ، كما يقال عَشِيَّة يوم كذا، إذ العشيُّ إنّما هو آخِر النَّهار. وقد قيل: كلُّ ما كان بعد الزَّوال فهو عَشِيّ. وتصغر العَشِيَّة عُشيْشِيَة. والعَشاء ممدود مهموز بفتح العين، هو الطَّعام الذي يُؤكَل مِن آخِر النَّهار وأوَّل اللّيل.

قال الخليل: والعَشَا، مقصور: مصدر الأعشى، والمرأة عَشْواء، ورجال عُشْوٌ، وهو الذي لا يُبصِر باللّيل وهو بالنَّهار بصير. يقال عَشَى يَعْشِي عَشىً. قال الأعشَى:

أأن رأَتْ رجُلاً أضرَّ به  *** ريبُ الزَّمان ودهرٌ خائنٌ خَبلُ([6])

والعَشْواء من النُّوق: التي كأنَّها لا تُبصِر ما أمامَها فتخبِطُ كلَّ شيء بيديها.

قالوا: وإنَّما يكون ذلك من حِدَّة قلبِها. قال زُهير:

رأيتُ المنايا خَبْطَ عشواءَ من تُصِبْ  *** تمِتْه ومن تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فيَهْرمِ([7])

وتقول: إنَّهم لفي عَشْواءَ من أمرِهم. شبَّه زهيرٌ المنايا بناقةٍ تخبط ما يستقبلُهما فتَقتُل.

(عشب) العين والشين والباء أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على يُبْسٍ في شيءٍ وقُحول وما أشبه ذلك. من ذلك العُشْب، قالوا: هو سَرَعان الكَلأ في الرَّبيع، ثُمَّ يهيج ولا بقاءَ له. وأرضٌ عَشِبَةٌ: مُعْشِبة، وأعْشبَتْ إذا كثُر عُشْبُها. وأعْشَب الرَّجُل: أصابَ العُشْب. قال أبو النَّجم:

* يقُلْنَ للرّائدِ أعْشَبْتَ انزلِ([8]) *

وممّا حُمِل على هذا أنْ يشبَّه الشَّيخُ القاحلُ به، فيقال رجل عَشَبٌ وامرأةٌ عَشَبة. وقد يقال ذلك في النوق. [و] يقال: أعشَبَ فلانٌ فلاناً، إذا وَهَب له ناقة عَشَبةً.

(عشر) العين والشين والراء أصلانِ صحيحان: أحدهما في عددٍ معلوم ثم يحمل عليه غيرُه، والآخَر يدلُّ على مداخَلةٍ ومُخالَطة.

فالأوّل العَشَرة، والعَشْر في المؤنّث. وتقول: عَشرْتُ القومَ أعْشِرُهم([9]) ، إذا صرت عاشِرَهم. وكنت عاشِرَ عَشرة، أي كانوا تسعةً فتمُّوا بي عَشرةَ رجال. وعَشَرت القوم([10]) ، إذا أخذتَ عُشْرَ أموالهم. ويقال أيضاً: عَشَّرتُهم أُعَشِّرهم تَعْشِيراً. وبه سمِّي العَشَّار عَشَّاراً. والعُشْر: جزءٌ من الأجزاء العشرة، وهو العَشِير والمِعْشار. فأمَّا العِشْر فيقال: هو وِرْدُ الإبل يومَ العاشر. وإبلٌ عواشِرُ: وَرَدت الماء عِشْراً. ويجمع ويثنى فيقال عِشْران وعِشرُون، فكلُّ عِشْرٍ من ذلك تسعة أيّام. وقال ذو الرّمة:

أقمتُ لها أعناقَ هِيمٍ كأنّها  *** قطاً نَشَّ عَنْها ذو جلاميد خامسُ([11])

يعني بالخامس: القَطا التي وردت الماءَ خِمْساً.

قال الخليل: تقول: جاء القومُ عُشَارَ عُشارَ، ومَعْشرَ مَعْشرَ، أي عَشَرة عشَرة، كما تقول: جاؤوا أُحادَ أحاد، وَمَثْنَى مثنى. ولم يذكر الخليل مَوْحَدَ مَوْحد، وهو صحيحٌ. فأمَّا تعشير الحِمار فلَسنا نقول فيه إلاّ الذي قالوه، وهو في قياسنا صحيحٌ إن كان حَقّاً ما يقال. قال الخليل: المُعَشِّر: الحِمار الشّديد النهيق. قال: ويقال نُعِت بذلك لأنّه لا يكفُّ حتّى تبلغ [عَشْر] نَهَقاتٍ وترجيعات. قال:

لعمري لئن عَشَّرتُ من خَشْية* الرَّدَى  *** نُهاقَ الحمارِ إنَّني لَجَزُوعُ([12])

قال: وناقةٌ عُشَراء، وهي التي أَقْرَبَتْ، سمِّيت عُشَراء لتمام عشرة أشهر لحملها([13]) . يقال: عشَّرتِ النّاقةُ تُعشِّر تعشيراً، وهي عُشَراء حَتَّى تلِد، والعدد العُشَرَاوات، والجمع عِشَار. ويقال: بل يقع اسمُ العِشَار على النُّوق التي نُتِج بعضُها وبعضها قد أَقْرَبَ يُنْتَظَرُ نِتاجُها. وقال:

يا عامِ إنّ لقاحَها وعِشارَها  *** أودَى بها شَخْتُ الجُزَارة مُعْلَِمُ

وقال الفرزدق:

كم عمّةٍ لك يا جريرُ وخالةٍ  *** فَدْعاءَ قد حلبَتْ عليَّ عِشارِي([14])

وقال: وليس للعِشار لبنٌ، وإنما سمَّاها عِشاراً لأنها حديثة العهد، وهي مطافيلُ قد وضعت أولادَها. والعِشْر: القِطعة تنكسر من القَدَح أو البُرْمة ونحوها. وقال:

* كما يضمُّ المِشْعَب الأعشارا *

هذا قد حُكي. فأمّا الخليل فقد حكى وقال: لا يكادون يُفرِدُون العِشر. وذكر أنَّ قولهم قدُورٌ أعْشار وأعاشير، إنّما معناه أنّها مكسّرة على عَشْر قِطَع، وقال امرؤُ القيس:

وما ذَرَفَتْ عيناكِ إلا لتَضْرِبي  *** بسهمَيْكِ في أعشارِ قَلبٍ مقتَّلِ([15])

 

وذكر الخليل أيضاً أنّه يُقال لجَفْن السَّيف إذا كان مكسَّراً أعشار. وأنشد:

وقد يَقطعُ السَّيفُ اليماني وجفنُه *** شَبارِيقُ أعشارٌ عُثِمْنَ على كَسْرِ([16])

قال: والعُشَاريُّ: ما بلغ طولُه عَشْرَ أذرُع. وعاشوراء: اليومُ العاشر من المحرَّم.

فأمَّا الأصل الآخَر الدَّالُّ على المخالطة والمداخَلة فالعِشْرة والمعاشَرة. وعَشِيرُك: الذي يعاشرُك. قال: ولم أسمع للعَشِير جمعاً، لا يكادون يقولون هم عُشَراؤك، وإذا جمعوا قالوا: هم مُعاشِرُوك. قال: وإنّما سمِّيت عَشِيرة الرّجُل لمعاشرةِ بعضهم بعضاً، حتَّى الزّوجُ عشيرُ امرأتِه. وجاء في الحديث في ذكر النساء: "إنّكن تُكْثِرْن اللَّعْن وتكْفُرْن العَشِير([17]) ". ويقال عاشَره مُعاشرةً جميلة. وقال زهير:

لعمرُكَ والخطوبُ مغيِّراتٌ  *** وفي طول المعاشرة التقالي([18])

قال: والمَعْشَر: كلُّ جماعة أمرُهم واحد، نحو معشر المسلمين، والإنس معشرٌ والجنُّ مَعشر، والجمع مَعاشِر. والعُشَر: نَبْت.

(عشز) العين والشين والزاء كلمتانِ صحيحتان، إحداهما عند الخليل وليست الأخرى عنده.

فالأولى العَشَوْزَن من المواضع([19]) : ما صلُب مَسْلكه وخشن، والجمع العَشاوِز. قال الشمَّاخ:

* حوامي الكُراع المؤْيَداتُ العَشاوزُ([20]) *

وقال قومٌ: هو العَشْوَز أو العَشَوَّز([21]) ، أنا أشُكُّ. وإنَّما سمِّيت القناة عشَوْزنةً لصلابتها، والنون زائدة.

والكلمة الأخرى: عَشَزَ عَشَزاناً، وهي مِشية الأقزَل، ذكرها أبو عبيد.

(عشط) العين والشين والطاء([22]) .

ـــــــــــــــــــ

([1]) سبق البيت وتخريجه في (عسق).

([2]) هذه المادة لم ترد في المعاجم المتداولة.

([3]) البيت لذي الرمة في ديوانه 575 واللسان (عشم). وصدره:

* للجن بالليل في حافاتها زجل *

([4]) ديوان الحطيئة 25 واللسان (عشا).

([5]) في الأصل: "عشية يوم كذا".

([6]) ديوان الأعشى 42 برواية: "ريب المنون ودهر مفند".

([7]) البيت من معلقته المشهورة.

([8]) أنشده في اللسان (عشب) والحيوان (3: 314/7: 259).

([9]) في الأصل: "أعشرهم وأعشرهم"، وليس فيه إلا لغة كسر شين المضارع، كما في اللسان والقاموس والمجمل.

([10]) مضارع هذا مضموم الشين.

([11]) ديوان ذي الرمة 318 برواية: "أقمت له". وهو الصواب، لأن قبله:

ومنخرق السربال أشعث يرتمي  *** به الرَّحْل فوق العيس والليل دامس

إذا نحز الإدلاج ثغرة نحره  *** به أنّ مسترخي العمامة ناعس

([12]) البيت لعروة بن الورد في ديوانه 99. وانظر اللسان (عشر ) والمخصص (8: 49) ومحاضرات الراغب (1: 74) وأمثال الميداني في قولهم: (عشر والموت شجا الوريد). وللبيت قصة في الحيوان (6: 359) ومعجم البلدان (روضة الأجداد).

([13]) في الأصل: "محملها".

([14])ديوان الفرزدق 451 واللسان (عشر). والبيت من شواهد النحويين، وفي "عمة" ثلاثة أوجه: الرفع والنصب والجر. انظر الخزانة (3: 126) وكتاب سيبويه (1: 253، 295).

([15]) البيت من معلقته المشهورة.

([16]) البيت في اللسان (عثم). وكلمة "أعشار" ساقطة من الأصل.

([17]) في اللسان: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنكنّ أكثر أهل النار. فقيل: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير".

([18]) أول أبيات أربعة قالها حين طلق امرأته أم أوفى. ديوان زهير 342.

([19]) في المجمل: "العشوز من الأماكن". على أن كلمة "العشوزن" يوردها أصحاب المعجمات في مادتي (عشز، عشزن)، ويذكرون أيضاً "العشاوز" جمعاً للعشوز، وزان جوهر، وللعشوزن أيضاً. وفي اللسان (عشزن): "ويجوز أن يجمع عشوزن على عشازن".

([20]) عجز بيت له في ديوانه 51. وأنشد الكلمتين الأخيرتين صاحب اللسان في (عشز) وصدر البيت: * حذاها من الصيداء نعلا طراقها *

([21]) في الأصل: "العشوزاء والعشوز" تحريف، وفي اللسان "العَشْوَز" و "العَشَوَّز". وضبطهما في القاموس بالكلمات، "كجَعْفَر وعذور" وحقه أن ينظر بجوهر بدل جعفر.

([22]) كذا وردت هذه المادة مبتورة. وفي اللسان: "عشطه يعشطه عشطا: جذبه".

 

ـ (باب العين والصاد وما يثلثهما)

(عصف) العين والصاد والفاء أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على خِفّةٍ وسرعة. فالأوَّل من ذلك العَصْف: ما على الحبِّ من قُشور التّبن. والعَصْف: ما على ساق الزَّرع من الوَرَق الذي يَبس فتفتَّت، كل ذلك من العَصْف. قال الله سبحانه:{فَجَعَلَهُم كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل 5]، قال بعضُ المفسِّرين: العصف: كلُّ زرعٍ أُكِل حَبُّه وبقي تبنُه. وكان ابنُ الأعرابي يقول: العَصْف: ورقُ كلِّ نابت.

ويقال: عَصَفْتُ الزَّرْعَ، إذا جَزَزْتَ أطرافَه وأكلتَه، كالبقل. ويقال: مكانٌ مُعْصِف، أي كثير العَصْف. قال:

إذا جُمادَى مَنَعَتْ قَطْرَها  *** زانَ جَنابِي عَطَنٌ مُعْصِفُ([1])

ويقال للعَصْف: العَصِيفة والعُصافة. قال الفرّاء: إذا أخذْتَ العصيفةَ عن الزَّرع فقد اعتُصِف. والريح العاصف: الشَّديدة. قال الله تعالى: {جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} [يونس 22]. هذا الذي ذكره الخليل، ومعنى الكلام أنَّها تستخِفُّ الأشياءَ فتذهبُ بها تَعصِف بها. ويقال أيضاً: مُعْصِف ومُعْصِفة. قال العجَّاج:

* والمُعْصِفاتِ لا يَزَلْنَ هُدَّجا([2]) *

وقال بعض أهلِ العلم: ريح عاصفةٌ نعتٌ مبنيٌّ* على فَعَلَتْ عَصَفتْ. وريح عاصفٌ: ذات عُصُوف، لا يُراد به فَعَلَت، وخرجَتْ مخرجَ لابنٍ وتامِر.

ومن قياس الباب: النَّاقة العَصُوف: التي تَعصِف براكبها فتمضي كأنّها ريحٌ في السُّرعة. ويقال أعصفَتْ أيضاً. والحَرب تَعْصِف بالقوم: تذهبُ بهم. قال الأعشَى:

في فيلقٍ جأوَاءَ ملمومةٍ *** تَعْصِفُ بالدَّارع والحاسرِ([3])

ونعامةٌ عَصوفٌ: سريعة. وقد قلنا إنَّ العَصْف: الخِفَّة والسُّرعة.

ومن الباب: عَصَف واعتصف، إذا كسب. وذاك أنّه يخفُّ([4]) في اكتداحِه. قال:

* من غير [ما] عَصْفٍ ولا اصطراف([5]) *

وهو ذو عَصْفٍ، أي حيلة.

(عصل) العين والصاد واللام أصلٌ واحدٌ صحيح يدلُّ على اعوجاج في الشيء، مع شدَّةٍ وكَزَازة.

قال أهل اللُّغة: العَصل: اعوجاجُ الناب مع شِدّته. قال:

* على شَنَاحٍ نابُه لم يَعْصَلِ([6]) *

والأعصل من الرِّجال: الذي عصِلَت ساقُه وذِراعُه، أي اعوجَّتا اعوجاجاً شديداً. والشّجرة العَصِلة: العَوجاء التي لا يُقدَر على إقامتها. وسهمٌ أعصلُ: معوجّ. قال لبيد:

فرميت القوم رِشقاً صائباً  *** ليس بالعُصْل ولا بالمفتَعَل([7])

وقال في الشَّجر:

وقَبيلٌ من عُقيلٍ صادقٌ  *** كلُيوثٍ بين غابٍ وعَصَلْ([8])

أراد بالعُصْل في البيت الأوّل السِّهامَ المعوجّة. يقول: لم تُفْتَعَلْ تلك الساعة عند الحاجة إليها ولكنَّها عملت من قبل. ويقال: عَصَل السَّهمُ وعَصِل، إذا اضطرب حين يُرسَل، لعِوَج فيه أو سوء نزع. وعَصِل الكلبُ، إذا طرد الطَّريدةَ ثم اضطرب والتوى يأساً منها. وشجرةٌ عصلاءُ: طالت واعوجَّت. وتشبّه بها المهزولة. [قال]:

ليست بعَصْلاءَ تَذْمِي الكلبَ نَكهتها  *** ولا بعنْدَلةٍ يَصْطَكُّ ثدياها([9])

والعَصَل: التواءٌ في عسيب الذَّنَب حتى يبرُزَ بعضُ باطنِه الذي لا شَعَْر عليه.

وهو فرسٌ أعصل. والأعْصال: الأمعاء، وهو القياس وذلك لالتوائها في طُول. قال:

* يرمي به الجَزْعُ إلى أعْصالها([10]) *

والعَصَل: صلابةٌ في اللَّحم، ومنه أيضاً عَصَّلَ يُعَصِّلُ تَعْصِيلا، إذا أبطأ قال:

* فَعَصَّلَ العَمْرِيُّ عَصْلَ الكلبِ([11]) *

(عصم) العين والصاد والميم أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يدلُّ على إمساكٍ ومنْع وملازمة. والمعنى في ذلك كلِّه معنىً واحد. من ذلك العِصْمة: أن يعصم اللهُ تعالى عَبْدَه من سوءٍ يقع فيه. واعتصم العبدُ بالله تعالى، إذا امتنع. واستَعْصَم: التجأ. وتقول العربُ: أعْصَمتُ فلاناً([12]) ، أي هيّأتُ له شيئاً يعتصم بما نالته يدُه أي يلتجئ ويتمسَّك به. قال النَّابغة:

يَظلُّ مِن خوفِه المَلاَّحُ مُعتَصِماً  *** بالخيزُرانةِ من خوفٍ ومن رَعَدِ([13])

والمُعْصِم من الفرسان: السيِّئ الحال في فُرُوسَتِه، تراه يمْتَسِك بُعرْف فرسِه أو غيرِ ذلك. قال:

إذا ما غَدَا لم يُسْقِطِ الرَّوْعُ رُمْحَه  *** ولم يَشْهَدِ الهَيجا بألْوَثَ مُعْصِمِ([14])

والعِصْمَةُ: كلُّ شيءٍ اعتصَمْتَ به. وعَصَمَهُ الطَّعَامُ: منعه من الجُوع.

ومن الباب العَصِيمُ، وهو الصَّدَأُ من الهِناء والبَوْل يَيْبَسُ على فخِذ الناقة. قال:

وأَضحى عن مِراسِهِمُ قتيلاً  *** بلَبَّتِه سَرائحُ كالعَصيم([15])

وأثَر الخِضاب عَصيم، والمُعصَم: الجِلد لم يُنَحَّ وبرُه عنه، بل أُلزِم شعرَه لأنه لا يُنْتَفع به. يقال: أعصَمْنا الإهاب.

قال الأصمعي: العُصْم: أثر كلِّ شيء من وَرْس أو زَعْفَرانٍ أو نحوه. قال: وسمعتُ امرأةً من العرب تقول لأخُرى: "أعطِيني عُصْم حِنَّائِكِ" أي ماسَلَتِّ منه. ويقال: بيده عُصْمَة خَلُوقٍ، أي أثره. قلنا: وهذا الذي ذكره الأصمعي من كلام المرأةِ مخالفٌ لقوله إن العُصْم: الأثَر، لأنها لم تَسْأل الأثر. والصحيح في هذا أن يقال العُصْم: الحِنّاء؛ ما لزِم يدَ المختضِبَةِ، وأثرُه بعد ذلك عُصْم، لأنَّه باقٍ ملازم.

ومما قِيس على عُصْمِ الحِنَّاء: العُصْمة: البياض يكون برُسْغ ذي القوائم. من ذلك الوَعِلُ الأعصم، وعُصْمَتُه: بياضٌ في رُسغِه، والجمع من الأعصم عُصْم وقال:

مَقاديرُ* النُّفوس مؤقَّتات  *** تَحُطُّ العُصْمَ من رأس اليَفَاعِ

وقال الأعشى:

قد يَتْرُكُ الدّهرُ في خُلَقَاءَ راسيةٍ  *** وَهْياً ويُنْـزِل منها الأعصمَ الصَّدَعا([16])

ويقال: غرابٌ أعْصَم، إذا كان ذلك الموضع منه أبيض، وقلّما يُوجَد. قال ابنُ الأعرابيّ: العُصْمة في الخيل بياضٌ قلَّ أو كثُر، باليدين دون الرجلين فيقولون: هو أعصَمُ اليدين. وكلُّ هذا قياسُه واحد، كأنَّ ذلك الوَضَحَ أثرٌ ملازمٌ لليد كما قلناه في عصم الحنَّاء.ومن الباب العِصْمة: القِلادة، سمِّيت بذلك للزومِها العُنق. قال لبيدٌ فجمعها على أعصام، كأنه أراد جمع عُصْم:

حتَّى إذا يَئِس الرُّماةُ وأرسَلُوا  *** غُضْفاً دواجنَ قافِلاً أعصامُها([17])

ومن الباب: عِصام المحْمِل: شِكاله وقَيْدُه الذي يُشَدُّ به عارضاه. وعصامُ القِربة: عِقالٌ نحو ذراعين، يُجعلُ في خُرْبَتي المزداتين لتلتقيا. وقد أعْصَمْتهما: جعلت لهما عِصاماً. قال تأبَّط شراً:

وقِرْبةِ أقوامٍ جعلتُ عصامَها  *** على كاهلٍ مِنِّي ذَلولٍ مُرَحَّلِ([18])

قال: ولا يكون للدَّلْوِ عِصام.

ومن الباب مِعْصم المَرْأة، وهو موضعُ السِّوارَين مِن ساعدَيها. وقال:

فاليومَ عندك دَلُّها وحديثُها  *** وغَداً لغيرك كَفُّها والمِعصمُ([19])

وإنما سمِّي مِعْصماً لإمساكه السِّوار، ثم يكون معصماً ولا سِوار. ويقال: أعصَمَ به وأخْلَدَ، إذا لزِمَه.

وعِصامٌ: رجل([20]) . والعرب تقول عند الاستخبار: "ما وراءَكَ يا عصام؟"، والأصل قولُ النابغة:

* ولكنْ ما وراءَكَ يا عصامُ([21]) *

ويقولون للسَّائِدِ بنفسه لا بآبائه:

* نفسُ عِصامٍ سوَّدَتْ عِصَاما([22]) *

(عصو/ي) العين والصاد والحرف المعتل أصلانِ صحيحان، إلاَّ أنَّهما متبايِنان يدلُّ أحدهما على التجمُّع، ويدلُّ الآخر على الفُرْقة.

فالأوَّل العصا، سمِّيت بذلك لاشتمالِ يدِ مُمْسِكِها عليها، ثم قيس ذلك فقيل للجماعة عَصاً. يقال: العَصَا: جماعةُ الإسلام، فمن خالَفَهم فقد شقَّ عصا المسلمين. وإذا فعل ذلك فقُتِل قيلَ له: هو قتيلُ العَصا، ولا عَقْلَ له ولا قَوَدَ فيه. ويقولون: هذه عَصاً، وعَصَوان، وثلاثُ أعصٍ. والجمع من غير عددٍ عِصِيٌّ وعُصِيّ. ويقيسون على العصا فيقولون: عَصَيْتُ بالسَّيف. وقال جرير:

تصِفُ السُّيوفَ وغيركم يَعْصَى بها  *** يا ابنَ القُيونِ وذاك فِعْلُ الصَّيْقلِ([23])

وقال آخر:

وإنّ المشرفيّةَ قد علمتم  *** إذا يَعْصَى بها النفَرُ الكرامُ

وقال في تثنية العصا:

فجاءَتْ بِنَسْجِ العنكبوتِ كأنَّه  *** على عَصَوَيْها سابريٌّ مُشَبْرَقُ([24])

ومن الباب: عَصَوْت الجُرْح أعْصُوه، أي داوَيْتُه. وهو القياس، لأنّه يتلأّم أي يتجمَّع. وفي أمثالهم: "ألقى فلانٌ عصاه". وذلك إذا انتهى المسافرُ إلى عُشْبٍ وأزمع المقامَ ألقى عصاه. قال:

فألقَتْ عصاها واستقرَّ بها النَّوى  *** كما قرَّ عيناً بالإيابِ المسافرُ([25])

ومن الباب قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تَرْفَع عصاك عن أهلك"، لم يُرِد العصا التي يُضرب بها، ولا أمَر أحداً بذلك، ولكنَّه أراد الأدب.

قال أبو عبيد: وأصل العصا الاجتماع والائتلاف. وهذا يصحِّح ما قلْناه في قياس هذا البناء.

والأصل الآخَر: العِصيانُ والمَعصية. يقال: عَصَى، وهو عاصٍ، والجمع عُصاة وعَاصون. والعاصي: الفَصِيل إذا عَصَى أُمَّه في اتِّباعها.

(عصب) العين والصاد والباء أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على رَبْط شيءٍ بشيء، مستطيلاً أو مستديراً. ثم يفرّع ذلك فروعاً، وكلّه راجعٌ إلى قياس واحد.

من ذلك العَصَب. قال الخليل: هي أطناب المفاصل التي تُلائِم بينها، وليس بالعَقَب. ويقال: لحمٌ عصِب، أي صلب مكتنِزٌ كثير العصَب. وفلانٌ معصوب الخَلْق، أي شديد اكتنازِ اللَّحم. وهو حَسَن العَصْب، وامرأته حَسَنة* العَصْب. والعَصْب: الطيُّ الشديد. ورجلٌ مَعصوب الخَلْق كأنَّما لُوِيَ لَيَّاً. قال حسان:

ذَروا التّخاجِئَ وامْشُوا مِشيةً سُجُحاً *** إنَّ الرِّجالَ ذوو عَصْبٍ وتذكيرِ([26])

وإنّما سمِّي العَصِيب من أمعاء الشَّاء لأنَّه معصوبٌ مطويٌّ. فأمّا قولهم للجائع معصوب، فقال قوم: هو الذي تكاد أمعاؤُه تَعْصَب، أي تَيْبَس. وليس هذا بشيء، إنَّما المعصوبُ الذي عَصَب بَطْنَه من الجُوع. ويقال: عَصَّبَهم، إذا جوَّعَهم.

قال ابنُ الأعرابيّ: المُعَصَّب: المحتاج، من قولهم عَصَّبَهُ الجوعُ، وليس هو الذي رَبَط حجراً أو غيره. وقال أبو عبيد: المُعَصَّب الذي يتعصَّب من الجوع بالخِرَق. والقولُ ما قاله أبو عبيدٍ، للقياس الذي قِسناه، ولأنَّ قولَه أشهَرُ عند أهل العِلْم:

وقال أبو زيد: المُعَصَّب: الذي عَصَّبته السِّنونَ، أي أكلَتْ مالَه، وهذا صحيحٌ، وتلخيصُه أنَّها ذهَبَتْ بمالِهِ فصار بمنزلة الجائع الذي يَلجأ إلى التَّعصُّبِ بالخرق. وقال الخليل: والعَصْب من البُرُود: يُعصَب، أي يُدرَجُ غَزْلُه، ثم يُصبَغ ثمّ يحاك. قال: ولا يُجمَع، إنَّما يقال بُرْدُ عَصْبٍ وبُرودُ عَصْبٍ؛ لأنَّه مضافٌ إلى الفِعل.

ومن الباب: العِصابة: الشَّيء يُعْصَب به الرَّأسُ من صُداعٍ. لا يقال إلاَّ عِصابة بالهاء، وما شَدَتَ به غيرَ الرَّأْس فهو عِصابٌ بغير هاء، فَرَقوا بينَهما ليُعرَفا. ويقال: اعْتَصَب بالتَّاج وبالعِمامة. قال الشَّاعر([27]) :

يَعتصِبُ التَّاجَ بين مَفرِقِه  *** على جَبينٍ كأنَّه الذَّهبُ([28])

وفلانٌ حَسَنُ العِصْبة، أي الاعتصاب. وعَصَّبْتُ رأسَه بالعصا والسَّيف تعصبياً، وكأنَّه من العِصابة. وكان يقال لسعيد بن العاص بن أُمَيَّة: "ذو العِصابة"، لأنَّه كان إذا اعتمَّ لم يعتمَّ قرشيٌّ إعظاماً له. ويُنشِدون:

أبو أحيحة مَن يعتمَّ عِمّتَه  *** يُضْرَبْ وإن كان ذا مالٍ وذا عَددِ([29])

ومن الباب: العَصَّاب: الغزّال، وهو القياس لأنَّ الخَيط يُعصَب به. قال:

* طَيَّ القَسَاميِّ برودَ العَصَّابْ([30]) *

والشجرة تُعْصَب أغصانُها لينتثِر ورقُها. ومنه قول الحجّاج: "لأعصِبنَّكم عَصْبَ السَّلَمة([31]) ". والعِصاب: العصائب التي تعصب الشَّجرة، عن دوجها فيه([32]) . قال:

مَطاعيم تغدو بالعَبِيطِ جِفانهمْ  *** إذا القُرُّ ألْوَت بالعِضاه عصائبه([33])

وقال ابن أحمر:

يا قوم ما قومِي على نأيِهِمْ  *** إذْ عَصَبَ النَّاسَ جَهامٌ وقُرّْ([34])

أي جَمَعَهم وضَمَّهم. ويُعْصَب فَخِذ النّاقة لتَدُِرّ. قال:

وأخلاقُنا إعطاؤنا وإباؤُنا  *** إذا ما أبينا لا ندرُّ لعاصِبِ([35])

أي لا نُعطِي على القَسْر. والعَصُوب من الإبل هذه؛ وهي لا تدرّ حتَّى تُعصَب. والعَصْب: أن يشَدَّ أُنثَيا الدَّابّة حتَّى تَسقُطا، وهو معصوبٌ([36]). ويقال: عَصَب الفَمُ، وهو ريقٌ يجتمع على الأسنان من غبارٍ أو شدَّة عَطَش. قال:

يَعصِبُ فاه الرِّيقُ أيَّ عَصْبِ  *** عَصْبَ الجُبابِ بِشِفاه الوطْبِ([37])

ومن الباب: العُصْبة، قال الخليل: هم من الرِّجال عَشرة، ولا يقال لما دونَ ذلك عُصْبة. وإنَّما سمِّيت عُصْبةً لأنَّها قد عُصِبت، أي كأنَّها رُبِط بعضُها ببعض. والعُصْبَة والعِصَابة من النَّاس، والطَّير، والخيل. قال النَّابغة:

إذا ما التقى الجمعانِ حَلَّقَ فوقَهم *** عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائبِ([38])

واعصوصَبَ القَومُ: صاروا عِصابة. واليوم العَصيب: الشَّديد. واعصَوصَبَ اليومُ: اشتدَّ. ويوم عَصَبْصَبٌ واعْصَوْصَبَتْ: تجمَّعتْ. قال:

واعْصَوصَبَتْ بَكَراً من حَرْجَفٍ ولها *** وسْطَ الدِّيار رَذِيَّاتٌ مرازيحُ([39])

قال أبو زيد: كلُّ شيءٍ بشيء([40]) فقد عَصَب به. يقال: عَصَبَ القومُ بفلان. قال: ومنه سميت العَصَبَةُ، وهم قَرَابة الرَّجُل لأبيه وبني عمِّه، وكذلك كلُّ شيءٍ استدارَ حول شيءٍ واستكفَّ فقد عَصِبَ به.

قال ابنُ الأعرابيِّ: عَصَبَ به وعَصَّب، إذا طافَ به ولزِمَه. وأنشد:

ألا ترى أنْ قد تدَاكا وِردُ *** وعَصَّبَ الماء طِوالٌ كبْدُ([41])

تَدَاكأ: تَدافَع. وعَصَبَ الماء: لزِمه. قال أبو مهديّ: عَصَِبت الإبلُ بالماء تَعصب عُصُوباً، إذا دارَتْ حَولَه وحامت عليه. قال:

* قد علمت أنِّي إذا الوِرْدُ عَصَبْ *

وما عَصَبت بذلك المكان ولا قَرَِبته. قال الخليل: العَصَبَة هم الذين يَرِثون الرّجُلَ عن كَلالةٍ من غير والدٍ ولا ولد. فأمَّا الفرائض فكلُّ مَن لم تكن فريضتُه مسمَّاةً فهو عَصَبَة، إنْ بَقِيَ بعد الفرائض شيءٌ أخذوه. قال الخليل: ومنه اشتُقَّ العَصَبِيّة. قال ابن السِّكِّيت: ذاك رجلٌ من عَصَب القوم، أي من خيارهم. وهو قياسُ الباب لأنَّه تُعصب بهم الأمور.

(عصر) العين والصاد والراء أصولٌ ثلاثة صحيحة:

فالأوَّل دهرٌ وحين، والثاني ضَغْط شيء حتَّى يتحلَّب، والثالث تَعَلُّقٌ بشيءٍ وامتساكٌ به.

فالأوَّل العَصْر، وهو الدَّهر. قال الله: {وَالعَصْرِ. إنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}  [العصر 1- 2]. وربَّما قالوا عُصُر. قال امرؤ القيس:

ألا أنْعِمْ صباحاً أيُّها الطَّلَلُ البالي  *** وهل يَنْعِمَنْ مَن كان في العُصُر الخالي([42])

قال الخليل: والعَصْران: اللَّيل والنهار. قال:

ولَنْ يلبث العَصْرانِ يومٌ وليلة  *** إذا اختلفا أن يُدرِكا ما تَيَمَّما([43])

قالوا: وبه سمِّيت صَلاةُ العصر، لأنَّها تُعْصَر، أي تؤخَّر عن الظُّهر. والغداة والعشيُّ يسمَّيان العصرين. قال:

* المطعمو النّاسِ اختلافَ العَصْرَيْن *

ابن الأعرابيّ: أعْصَر القومُ وأقْصَرُوا، من العَصْر والقَصْر. ويقال: عَصّروا واحتبسوا إلى العصر. وروي حديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجلٍ: "حافِظْ على العَصْرَين". قال الرَّجل: وما كانت من لغتنا، فقلت: وما العصران؟ قال: "صلاةٌ قبلَ طُلوع الشَّمس، وصلاةٌ قبل غروبها"، يريد صلاة الصُّبح وصلاة العصر.

فأمّا الجارية المُعصِر فقد قاسه ناسٌ هذا القياس، وليس الذي قالوه فيه ببعيد.

قال الخليل وغيره: الجارية إذا رأت في نفسها زيادةَ الشَّباب فقد أعْصَرَتْ، وهي مُعْصِرٌ بلغت عَصْرَ شبابِها وإدراكها. قال أبو ليلى: إذا بلغت الجاريةُ وقَرُبت من حَيْضها فهي مُعْصِر. وأنشد:

جاريةٌ بسَفَوان دارُها  *** قد أعصَرَتْ أو قَدْ دنا إعصارُها([44])

قال قومٌ: سمِّيت معصراً لأنَّها تغيَّرَت عن عَصْرها. وقال آخرونَ فيه غير هذا، وقد ذكرناه في موضعه.

والأصل الثَّاني العُصارة: ما تحَلَّبَ من شيءٍ تَعصِره. قال:

* عصارة الخُبز الذي تَحَلَّبا([45]) *

وهو العصير. وقال في العُصَارة:

العودُ يُعصَر ماؤُه  *** ولكلِّ عِيدانٍ عُصَارهْ([46])

وقال ابن السِّكِّيت: تقول العربُ: "لا أفعله مادامَ الزيتُ يُعْصَر". قال أوس:

* فلا بُرْء من ضَبَّاءَ والزيتُ يُعْصَر *

والعرب تجعل العُصارة والمُعْتَصَر مثلاً للخير والعطاء، إنه لكريم العُصارة وكريم المعتصر. وعَصَرت العنب، إذا وَلِيتَه بنَفْسك. واعتصرته، إذا عُصِر لك خَاصّةً. والمِعْصار: شيء كالمِخْلاة يُجعل فيه العِنَبُ ويُعصَر.

ومن الباب: المُعْصِرات: سحائبُ تجيءُ بمطَر. قال الله سبحانه:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ المُعْصِراتِ مَاءً ثَجّاجاً} [النبأ 14]. وأُعْصِرَ القومُ، إذا أتاهم المطر. وقرئت: {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفيهِ يُعْصَرُون([47])}  [يوسف 49]، أي يأتيهم المطر. وذلك مشتقٌّ من عَصْر العنب وغيره. فأمَّا الرِّياح وتسميتُهم إيَّاها المُعْصِرات فليس يبعُد أنْ يُحمَل على هذا الباب من جهة المجاورَة، لأنَّها لمّا أثارت السَّحابَ المعصرات سمِّيت معصِرات وإعصاراً. قال في المُعصِرات:

وكأنَّ سُهْكَ المُعْصِرات كَسَوْنها  *** تُرْبَ الفَدَافِدِ والبقاعِ بِمُنْخُلِ([48])

والإعصار: الغبار الذي يسطع مستديراً*؛ والجمع الأعاصير. قال:

وبينما المرءُ في الأحياءِ مغتبطاً  *** إذ صار في الرَّمْسِ تَعفوه الأعاصيرُ([49])

ويقال في غُبار العَجاجة أيضاً: إعصار. قال الله تعالى: {فأَصَابَها إعصارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}  [البقرة 266]. ويقال: مرَّ فلانٌ ولثيابهِ عَصَرَةٌ، أي فَوْحُ طِيبٍ وهَيْجُه. وهو مأخوذ من الإعصار. وفي الحديث: "مرَّت امرأة متطيِّبة لذَيْلها عَصَرَة".

ومن الباب العَصْر والاعتصار. قال الخليل: الاعتصار: أن يَخْرُج من إنسانٍ مالٌ بغُرْمٍ([50]) أو بوجه من الوُجوه.

قال ابنُ الأعرابيّ: يقال: بنو فلانٍ يعتصرون العطاء. قال الأصمعي: المعْتَصِر: الذي يأخذ من الشَّيء يُصيب منه. قال ابن أحمر:

وإنَّما العَيشُ برُبَّانِهِ  *** وأنت من أفنانِهِ مُعْتَصِرْ([51])

 

ويقال للغَلّة عُصارة. وفسِّر قولُه تعالى: {وفيه يَعْصِرُون} [يوسف 49]، قال: يستغلُّون بأرَضيهِم. وهذا من القياس، لأنَّه شيءٌ كأنّه اعْتُصر كما يُعتَصر العِنَبُ وغيرُه. قال الخليل: العَصْر: العطاء. قال طرَفة:

لو كان في أملاكنا أحدٌ  *** يَعصِرُ فينا كالذي تَعْصِرُ([52])

أي تُعطِي.

والأصل الثالث: العَصَر: الملجأ، يقال اعتَصَر بالمكان، إذا التجأ إليه. قال أبو دُواد:

مِسَحٍّ لا يواري العَيـ  *** ـرَ منه عَصَرُ اللَّهْبِ([53])

ويقال: ليس لك من هذا الأمر عُصْرة، على فُعلة([54]) ، وعَصَر على تقدير [فَعَلٍ، أي([55]) ] ملجأ. وقال في العُصْرَة:

* ولقد كان عُصْرةَ المنجودِ([56]) *

ويقال في قول القائل:

أعْشَى رأيتَ الرُّمْحَ أو هو مبصرٌ  *** لأستاهكمْ إذ تطرحون المَعَاصِرا

إنّ المعاصر: العمائم. وقالوا: هي ثيابٌ سُود. والصحيح من ذلك أنَّ المعاصر الدّروع، مأخوذ من العَصْر، لأنّه يُعْصَرُ بها. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) نسبه في اللسان (جمد) إلى بعض الأنصار، وذكره صريحاً في (عصف) أنه أبو قيس بن الأسلت، أو أحيحة بن الجلاح. والقول الأخير لابن بري. ونسبه في (غرف، غضف) إلى أحيحة. ورواه في (جمد) فقط. "زان جناني" جمع جنة.

([2]) البيت في ملحقات ديوانه 76. ورواه في اللسان (هدج) بدون نسبة.

([3]) ديوان الأعشى 108 واللسان (عصف). وأنشده في (حسر): "تقذف بالدارع". ورواية الديوان: * يجمع خضراء لها سورة *

([4]) في الأصل: "يخفف"، وإنما المراد السرعة.

([5]) للعجاج في ديوانه 40 واللسان (صرف، عصف). ونسبه في(هدن)إلى رؤبة خطأ. وقبله في الديوان: * قال الذي جمعت لي صوافي *

وفي اللسان: * قد يكسب المال الهدان الجافي *

([6]) أنشده في اللسان (عصل).

([7]) ديوان لبيد 16 طبع 1881 واللسان (عصل، فعل، قعل، قعثل) والبيان (1: 266). فيروى: "بالمفتعل" و "بالمقتعل" و "بالمقثعل".

([8]) ديوان لبيد 15 واللسان (عصل). وسيأتي في (قيل).

([9]) البيت في اللسان (عصل، ذمى، عندل). وفي الأصل: "ترمي الكلب"، تحريف.

([10]) البيت لأبي النجم في اللسان (عصل). ومفرد الأعصال عصل بالتحريك.

([11]) في الأصل: "تعصيل الكلب"، صوابه في اللسان (عصل). وقبله:

* يألبها حمران أي ألب *

([12]) في الأصل: "اعتصمت فلاناً"، صوابه في المجمل واللسان.

([13]) ديوان النابغة 26، وسيأتي في (نجد). والرواية المشهورة:

* بالخيزارنة بعد الأين والنجد *

([14]) ديوان طفيل 47 واللسان (لوث، عصم) وإصلاح المنطق 276: ويروى: "إذا ما غزا" و "لم يسقط الخوف".

([15]) في اللسان (عصم): " عن مواسمهم".

([16]) ديوان الأعشى 73 واللسان (خلق)، وسبق في (خلق).

([17]) من معلقته المشهورة.

([18]) يروى البيت كذلك لامرئ القيس في معلقته. وفي اللسان: "وقيل لتأبط شراً، وهو الصحيح".

([19]) أنشده في اللسان (عصم).

([20]) هو عصام بن شهير الحرمي، حاجب النعمان بن المنذر. انظر اللسان (عصم) والاشتقاق 317.

([21]) صدره كما في ديوان النابغة 74: * فإني لا ألام على دخول *

([22]) بعده في اللسان:

وصيرته ملكاً هماما  *** وعلمته الكرّ والإقداما

([23]) ديوان جرير 447 من قصيدة يهجو بها الفرزدق. والبيت كذلك في اللسان (عصا) وأنشده الجاحظ في البيان (3: 79).

([24]) لذي الرمة في ديوانه 403، واللسان (عصا) وقبله:

فأدلى غلامي دلوه يبتغي بها  *** شفاء الصدى والليل أدهم أبلق

([25]) البيت لمعقر بن حمار البارقي، كما في اللسان (عصا)، قال: "وقال ابن بري: هذا البيت لعبد ربه السلمي، ويقال لسليم بن ثمامة الحنفي".

([26]) ديوان حسان 214 واللسان (حجأ، سجح، عصب) والمخصص (3: 107) والتخاجئ وردت هكذا في الأصل، وفي رواية الصحاح أيضاً قال ابن بري: "والصحيح التخاجؤ لأن التفاعل في مصدر تفاعل حقه أن يكون مضموم العين نحو التقاتل والتضارب، ولا تكون العين مكسورة إلا في المعتل اللام نحو التغازي والترامي" ثم قال: "والبيت في التهذيب أيضاً كما هو في الصحاح".

([27]) هو ابن قيس الرقيات، ديوانه 71 واللسان (عصب) والكامل 398 ليبسك والأغاني (4: 157).

([28]) الرواية السائرة: "يعتدل التاج"، والاستشهاد هنا يقتضي نصب "التاج" على نزع الخافض. ورواه في اللسان بالرفع شاهداً لقولهم: "اعتصب التاج على رأسه، إذا استكف به"، ورواه في (عقد) بالنصب برواية: "يعتقد التاج".

([29]) أنشده في الكامل 197 ليبسك، ثم قال: "ويزعم الزبيريون أن هذا البيت باطل موضوع".

([30]) لرؤبة في ديوانه 6 واللسان (عصب، قسم). وقبله:

* طاوين مجهول الخروق الأجداب *

([31]) من خطبته المشهورة في أهل العراق. انظر البيان (1: 393-394/2: 307-310) والكامل 215 ليبسك.

([32]) كذا وردت هذه العبارة.

([33]) العبيط: اللحم الطري. وفي الأصل: "بالعيط"، تحريف.

([34]) أنشده في اللسان (عصب) برواية: "شمال وقر".

([35]) في الأصل: "إعطاءنا وإماءنا إذا ما أتينا".

([36]) أي الدابة الذكر. والدابة يذكر ويؤنث.

([37]) لأبي محمد الفقعسي، كما سبق في تخريجه في (جب).

([38]) ديوان النابغة 4 برواية: "إذا ما غزوا بالجيش".

([39]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوان الهذليين (1: 108). والبكر، بالتحريك، بمعنى البكرة بالضم.

([40]) كذا وردت العبارة ناقصة، ولعلها: "كل شيء استدار بشيء". انظر اللسان (عصب 95).

([41]) أنشد هذا الشطر في اللسان (عصب).

([42]) ديوان امرئ القيس 49 برواية: "ألا عم صباحاً" و"وهل يعمن" من (وعم)، ورواه سيبويه في كتابه

(2: 227) مطابقاً لرواية المقاييس، جعله شاهداً على أن "نعم" مكسور العين في المستقبل وفي الماضي كذلك.

([43]) البيت لحميد بن ثور، كما في اللسان (عصر) وإصلاح المنطق 7 وجنى الجنتين للمحبّي 79.

([44]) الرجز لمنظور بن مرثد الأسدي، كما في اللسان (عصر). وأنشده في المخصص (1: 47/16:

130) بدون نسبة. وبين البيتين في المخصص:

تمشي الهوينى مائلاً خمارها  *** ينحل من غُلمتها إزارها

([45]) الخبز يعني به العرب الخلة، والخلة بالضم: مالم يكن فيه ملح ولا حموضة من العشب. وفي اللسان (خلل): "والعرب تقول: "الخلة خبز الإبل، والحمض لحمها أو فاكهتها أو خبيصها"، وفي الأصل: "الجرو" تحريف، صوابه في اللسان (عصر). وأنشد أيضاً:

وصار ما في الخبز من عصيره  *** إلى سرار الأرض أو قعوره

([46]) البيت للأعشى في ديوانه 115 والمخصص (10: 215).

([47]) هذه قراءة جعفر بن محمد والأعرج وعيسى. وعن عيسى أيضاً: "تعصرون" بالخطاب والبناء للمفعول. انظر تفسير أبي حيان (5: 316). وقال الأزهري: "ما علمت أحداً من القراء المشهورين قرأ يعصرون، ولا أدري من أين جاء به الليث". كذا ورد في اللسان. على أنه قرئ أيضاً: "يعصرون" و"تعصرون" بالبناء للفاعل فيهما. وقراءة الخطاب لحمزة والكسائي وخلف، ووافقهم الأعمش، وقراءة الغيبة لسائر الأربعة عشر. إتحاف فضلاء البشر 265.

([48]) أنشده في اللسان (عصر) بهذه الرواية. وفي المخصص (9: 69): "ترب القعاقع والنقاع".

([49]) انظر البيت وقصته في مجالس ثعلب 265 وعيون الأخبار (2: 305) ودرة الغواص للحريري 33، والمعمرين 40 والعقد (1: 380) طبع بولاق، ونزهة الألباء 34 وشرح شواهد المغني 86، وأسد الغابة (3: 351). وأنشده في اللسان (عصر).

([50]) في الأصل: "بعزم".

([51]) سبق إنشاد البيت وتخريجه في (بن).

([52]) ديوان طرفة 10 واللسان (عصر). وقافية البيت مقيدة ساكنة، لا مطلقة بالضم كما ورد خطأ في اللسان.

([53]) أنشده في الأزمنة والأمكنة (2: 333) مع قصيدته. وهذه القصيدة أنشدها أبو عبيدة في كتاب الخيل 157 منسوبة إلى عقبة بن سابق الجرمي.

([54]) في الأصل: "ظلمة".

([55]) بمثل هذه التكملة يلتئم الكلام.

([56]) لأبي زبيد الطائي، كما في اللسان (عصر، نجد) والمخصص (9: 96) وإصلاح المنطق 56. وسيأتي في (نجد). وصدره: *صادياً يستغيث غير مغاثِ*

 

ـ (باب العين والضاد وما يثلثهما)

(عضل) العين والضاد واللام أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على شِدّةٍ والتواءٍ في الأمر. من ذلك العَضَل، قال الأصمعيّ: كلُّ لحمةٍ صُلْبَةٍ في عَصَبَةٍ فهي عَضَلة. يقال: عَضِل الرّجلُ يَعْضَل عَضَلاً. ومن الباب: هو عُضْلَةٌ من العُضَل، أي مُنكَر داهية. وهو من القياس، كأنَّه وصف بالشِّدَّة. والعضل([1]) من الرِّجال: القويّ. ومن الباب: الدّاءُ العُضَال، الأمر المُعْضِل، وهو الشَّديد الذي يُعيِي إصلاحُه وتدارُكُه. ويقال منه أعْضَلَ. ويقال إنَّ ذا الإصبع تزوَّجَ امرأةً، فأتى قومَه يسألهمْ مَهرَها فلم يُعطُوه فقال:

واحدةٌ أعْضَلَكم أمرُها  *** فكيف لو دُرْتُ على أرْبَعِ([2])

يقول: عَجَزتم عن مَهْرِ واحدةٍ فكيف لو تزوَّجتُ بأربع. يقال: أعضلَه الأمرُ وأعْضَلَ به. وقال عمر: "أعْضَلَ بي أهلُ الكوفة ما يرضَوْن بأمير، ولا يَرضاهم أمير"، أي أعياني أمرُهم. والمُعْضِلات: الشدائد. ويقال: عضّلتُ عليه، أي ضيَّقتُ في أمره. وعَضَلْتُ المرأةَ عَضْلاً، وعَضَّلْتُها تعضيلاً، إذا منعتها من التزوُّج ظُلماً. قال الله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة 232]، أي تحبِسُوهنّ. ويقال عَضَّلَتِ المرأة، إذا نَشِب الولدُ في رَحِمِها فلم يَسْهُل مَخرجُه. وشاةٌ معضِّلة وغنم مَعَاضيل. [و] عضّلت الأرضُ بأهلها، أي غصَّت بهم وضاقت لكثرتهم. قال أوس:

ترى الأرضَ منّا بالفَضاءِ مريضةً  *** مُعضِّلة مِنَّا بجمعٍ عَرَمْرَمِ([3])

ويقال سنة عِضْل: عسيرة. قال:

* فيا للنَّاس للسَّنة العِضْلِ *

قال الفرّاء: ما يأتِينا خيرُ فلانٍ إلاّ مُعْضِلاً، أي في التواءٍ ونكَد. وعَضَل: قبيلةٌ، وهو من هذا.

(عضم) العين والضاد والميم قد ذكرت فيه كلماتٌ عن الخليلِ وغيره وأراها غلطاً من الرُّواة عنه. فأمَّا الخليل فأعلى رتبةً من أنْ يصحِّح مثلَ هذا. قال: العَضْم: مَقْبِض القَوْس. وأنشدوا:

* رُبَّ عَضْمٍ رأيتُ في جوف ضَهْرِ([4]) *

قالوا: والضَّهْر: موضعٌ في الجَبَل، وهذا كله كلام. والعضام: عَسيب البعير. والعضمُ: خشبةٌ ذاتُ أصابعَ يُذْرَى بها الطّعام*. وعَضْمُ الفدّان: لوحُه العريض. والعَيْضُوم([5]) ، قالوا: الأكول.

وذكرنا هذا كله تعريفاً أنَّه لا أصلَ له، ولولا ذاك ما كان لذِكره وجه.

(عضو) العين والضاد والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تجزئةِ الشَّيء. من ذلك العِضْو والعُضْو. والتَّعضية: أن يُعَضِّيَ الذّبيحة أعضاء. والعِضَةُ: القِطعة من الشيء، تقول: عَضّيْتُ الشيء أي وزَّعته. قال رؤبة:

* وليس دينُ الله بالمُعَضّى([6]) *

أي بالمفرَّق. قال الخليل: وقوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ}  [الحجر 91]، أي عِضَة عِضة، ففرَّقوه، آمنوا ببعضه وكَفَرُوا ببعضه. والاسم منه التَّعضية. ومنه الحديث: "لا تَعْضِيَةَ في ميراث" أي لا تَقسِموا ما [لا] يحتمل القَسْم كالسَّيف والدّرَّة وما أشبَهَ ذلك.

(عضب) العين والضاد والباء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على قَطْعٍ أو كسر. قال الخليل: العَضْب: السَّيف القاطع. والعَضْب: القطعُ نَفْسُه. تقول عَضَبه يَعْضِبه، أي قطعه. ومنه رَجُلٌ عضْب اللِّسان، وقد عَضُبَ لسانُه عُضُوبَاً وعَضُوبةً. وهذا إنما هو تشبيهٌ بالسَّيف العَضْب. قال ابنُ دُريد: "عَضَبتُ الرجل بلساني، إذا [تناولتَه به]، شتمتَه، ورجلٌ عَضَّابٌ، إذا كان شَتّاماً([7]) ". وعَضَبَني الوَعْك([8]) أي نَهَكَني.

ومن الباب: الشَّاة العَضْباء: المكسورة القَرْن. ويقال إنَّ العَضَبَ يكون في أحد القَرنين. وذكر ابنُ الأعرابي أن العَضَب في الأُذن: أن يذهب نِصفُها أو ثلثها، وفي القرن، إذا ذهب من مُشَاشِهِ شيء.

وحُكِي: رجلُ أَعْضَبُ، أي قصير اليد. ويقال إنَّ الأعضب من الرِّجال: الذي لا إخوةَ له ولا ناصِرَ ولا أحد له.

(عضر) العين والضاد والراء لا أصلَ لـه في كلام العرب، وإنْ ذُكر فيه شيءٌ فغير صحيح.

(عضد) العين والضاد والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على عضوٍ من الأعضاء؛ يُستعار في موضع القوّة والمُعين. فالعضد([9]) : ما بين المِرْفق إلى الكتف، يقال عَضُدَ وعَضْدَ، وهما عَضُْدان، والجمع أعضاد. وهي مؤنَّثة. ويقال: فلانٌ عضُدِي، لمكان القُوّة التي في العَضُد. ورجلٌ عضديٌّ وعُِضَاديّ. قال الخليل: والعَضْد: المعونة([10]) ، يقال: عضَدْتُ فلاناً، أي أعنْتُه. قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف 51]. قال ابنُ الأعرابيّ: عضُد الرجل: قَومُه وعشيرته، ولذلك يقال: يَفُتُّ في عَضُده. وقال أعرابيٌّ لرجلٍ استعانَه فلم يُعِنه: "أنت والله العَضد الثَّلْماء"، نسبهُ إلى الضَّعف، وإذا قَصُرَت العضُد أو دَقَّت فهي عضِدَة([11]) . وأمَّا العَضَد يفتح الضاد [فهو] داءٌ يأخذُ في العضُد. قال النابغة:

شَكَّ الفريصَةَ بالمِدْرَى فأَنْفَذَها  *** شَكَّ المبيطِر إِذْ يَشْفِي من العَضَدِ([12])

قال بعضُهم: لا يكونُ العَضَد إلاّ في الإبل خاصَّة. وناقَةٌ عضِدَةٌ، اشتكَتْ عضُدَها. وإبلٌ مُعَضَّدة: موسومة في أعضادها. ويقال للدُّمْلُج: المِعْضَد والمِعْضَاد، لأنّه في العَضُد يُمْسَك. ويقال لـه العِضَاد أيضاً. ويقال ذلك للذي يُشَدّ على الَعضُد للنفقة([13]) .

قال الخليل: وأعضاد كلِّ شيءٍ: ما يُشَدُّ حوالَيْه من البِناء، وذلك كأعضاد الحوض، وهي صفائح من حجارةٍ يُنْصَبْنَ حول شفيرهِ، الواحد عَضُد. قال لبيد:

راسخُ الدِّمْنِ على أعضادِهِ  *** ثَلَمَتْهُ كلُّ ريحٍ وسَبَلْ([14])

وعَضُد الرَّحْلِ: خشبتانِ لَزِيقتَانِ بالواسطة. وعِضادة الباب: مِسَاكاهُ اللذان يُطبَق البابُ عليهما. والعَضِيد: النَّخْلة تنَاوَلُ ثمرَها بيدك. وممكنٌ أن يسمَّى بذلك لأجل أنَّ العَضُد تُطَاوِلُها فتنالُها. والرَّجُلُ العُضاديُّ: الممتلئ العَضدين لحماً. قال:

وأعجبَهَا ذُو شَمْلةٍ وهِرَاوَةٍ  *** غلامٌ عُضَاديٌّ سمينُ البآدلِ

قال: والعاضد: الذي يلزم جانبَ الإبل، ولابدَّ لها من عاضدين؛ لأن السّوَّاق خلْفَها والعاضِدَين من جانبَيها. وأنشد ابنُ الأعرابيّ:

يا ليت لي بصاحِبيَّ صاحبا *** إذا مَشَى لم يَعْضُد الرَّكائبا([15])

أي لم يأتِها من قِبَل أعضادها. والعاضد: السَّهمُ يأخذ ناحيةً من الغَرَضِ لا يصيبُه. وعَضَد الرَّجلُ عن الطَّريقِ: مالَ.

قال ابن السِّكِّيت: العاضد من الجِمال الذي يَعضُد النّاقةَ فيتنوَّخُها. قال:

صَوَّى لها ذا كُدنةٍ جُلاعِدَا([16]) *** طَوْعَ السِّنانِ ذراعاً وعاضِدا

والأصل الآخَر القَطْع. قال الخليل: العَضْد: قَطْع الشّجرةِ بالمِعْضَد، وهو سيفٌ ممتهَنٌ في قَطْع الشَّجَر. والعاضد: القاطع. وفي الحديث في مدينة الرسول: "لا يُعْضَدُ شَجرُها". وقال في المِعْضد:

حسامٍ إذا ما قمتُ منتصراً به  *** كفَى العَوْدَ منه البَدءُ ليس بمِعْضَدِ([17])

قال ابنُ الأعرابيّ: سيف مِعْضَدٌ ومِعْضادٌ وَعَضَّادٌ، أي قاطع. يقال عَضّدت الشجرة، واسم ما يقطع منها العَضيد والعَضَد. قال الهذليّ([18]) :

الطَّعْنُ شَغشغةٌ والضَّربُ هيقعةٌ  *** ضَرْبَ المعوِّل تحتَ الدِّيمة العَضَدا([19])

ومما شذَّ عن هذين الأصلين: الثَّوب المُعَضَّد، وهو المخطّط قال:

* ولا ذَوَات الرَّبْط والمُعَضَّدِ *

ـــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "العضلي" تحريف. وإنما يقال "عضل" بفتح فكسر، وبضمتين وفي آخره لام مشددة.

([2]) أنشده في اللسان (عضل) برواية: "أعضلني داؤها فكيف لو قمت".

([3]) ديوان أوس 27 واللسان (عضل) والمخصص (6: 200).

([4]) وكذا أنشده في اللسان (عضم). وأنشده في (ضهر): "رب عصم". والعصم: جمع أعصم وعصماء، وهو الوعل في ذراعيه أو في أحدهما بياض، وسائره أسود أو أحمر. وفي الموضعين من اللسان: "في وسط ضهر".

([5]) قال أبو منصور فيه: "هذا تصحيف قبيح، والصواب العيصوم بالصاد". وقال: "وإنما قيل لها –أي للمرأة- عصوم وعيصوم لأن كثرة أكلها يعصمها من الهزال ويقويها".

([6]) ديوان رؤبة 81. وهو في اللسان (عضا) بدون نسبة.

([7]) إلى هنا ينتهي نص الجمهرة (2: 302-303)، والتكملة السالفة منها.

([8]) الوعك: الحمى، أو ألمها. وفي الأصل، "الوعل" تحريف. وفي أساس البلاغة: "عضبه المرض: وقذه". وفي اللسان: "عضبته الزمانة تعضبه عضباً، إذا أقعدته عن الحركة".

([9]) في الأصل: "بالعضد".

([10]) في الأصل: "المؤنة".

([11]) في الأصل: "عضيدة"، تحريف.

([12]) سبق البيت وتخريجه في (بطر).

([13]) كذا في الأصل. وفي اللسان: "والعضاد والمعضد: ما شد في العضد من الحرز".

([14]) ديوان لبيد 13 واللسان (عضد).

([15]) هذا البيت في اللسان (عضد).

([16]) نسبه للفقعسي في اللسان (جلعد). وأنشد بعده:

* لم يرع بالأصياف إلا فاردا *

ونظير هذا البيت ما أنشد في اللسان (صوى) للفقعسي:

صوى لها ذا كدنة جلذيا  *** أخيف كانت أمه صفيا

([17]) البيت لطرفة في معلقته المشهورة.

([18]) هو عبد مناف بن ربع الهذلي، كما في اللسان (عضد، شغغ) .

([19]) سبق البيت في (شغ).

 

ـ (باب العين والطاء وما يثلثهما)

(عطف) العين والطاء والفاء أصلٌ واحدٌ صحيح يدلُّ على انثناء وعِياجٍ. يقال: عَطَفْتُ الشّيء، إذا أمَلْتَه. وانعَطَف، إذا انعاج. ومصدر عطف العُطُوف. وتعطّفَ بالرَّحمة تعطُّفاً. وعَطَف الله تعالى فلاناً على فلانٍ عَطْفاً. والرَّجُل يَعْطِف الوِسادةَ: يثنيها، عطفاً، إذا ارتفَقَ بها. قال لبيد:

ومَجُودٍ من صُبابات الكَرَى  *** عاطِفِ النُّمرُقِ صَدْقِ المُبْتَذَلْ([1])

ويقال للجانبَين العِطفانِ، سمِّيا بذلك لأنَّ الإنسان يَميل عليهما. ألاَ ترى أنَّهم يقولون: ثنَىعِطْفَه، إذا أعْرضَ عنك وجَفَاك. ويقال: رجلٌ عَطوفٌ في الحرب والخير، وعَطَّافٌ. وظبيةٌ عاطِف، إذا رَبَضت وعطفَتْ عُنقَها. وفلانٌ يَتَعَاطَفُ في مِشيته، إذا تمايَلَ. والإنسان يتعطَّف بثوبه، وهو شبه التوشُّح. والرِّداء نفسُه عِطَافٌ، لأنّه يُعْطَفُ. ثم يتَّسعون في ذلك فيسمُّون السيفَ عِطافاً لأنّه يكونُ موضعَ الرداء.

(عطل) العين والطاء واللام أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على خلوٍّ وفَراغ. يقول: عُطِّلت الدارُ، ودارٌ معَطَّلة ومتى تُركت الإبلُ بلا راعٍ فقد عُطِّلت، وكذلك البئر إذا لم تُورَدْ ولم يُستَقَ([2]) [منها]. قال الله تبارك وتعالى: {وبِئرٍ مُعَطَّلةٍ}  [الحج 45]، وقال تعالى:{وَإذا العِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير 4]. وكل شيءٍ خلا من حافظٍ فقد عُطِّل. من ذلك تعطيلُ الثُّغورِ وما أشبهَهَا. ومن هذا الباب: العَطَل وهو العُطُول، يقال امرأةٌ عاطل، إذا كانت لا حَلْيَ لها، والجمع عواطلُ. قال:

يَرُضْن صِعاب الدُّرِّ في كلِّ حِجَّة  *** وإنْ لم تكن أعناقُهنَّ عواطلا([3])

وقوس عُطُلٌ: لا وَتَر عليها. وخيلٌ أعْطَالٌ: لا قلائد لها.

وشذّت عن هذا الأصل كلمةٌ، وهي الناقة العَيْطَل، وهي الطَّويلةُ في حُسن. وربَّما وُصِفَتْ بذلك المرأةُ، قال ذو الرُّمَّة في النّاقة:

نَصَبَتْ له ظَهرِي على متن عِرمِسٍ  *** رُوَاع الفُؤادِ حُرَّةِ الوجه عَيْطلِ([4])

(عطن) العين والطاء والنون أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على إقامةٍ وثبات. من ذلك العَطَن والمَعْطِن، وهو مَبْرَك الإبل. ويقال إنّ إعطانها أن تُحبَس عِندَ الماء بعدَ الوِرْد. قال لبيد:

عافَتَا الماءَ فلم نُعْطِنْهُما  *** إنَّما يُعْطِن من يرجو العَلَل([5])

ويقال: كلُّ منْزلٍ يكون مَألَفاً للإبل [فهو عَطَنٌ([6]) ]، والمَعْطِن: ذلك الموضع. قال:

ولا تكلِّفُني نَفْسِي ولا هَلَعِي  *** حِرصاً أُقيم به في مَعْطِن الهُونِ([7])

وقال آخرون: لا يكون أعطانُ الإبل إلاّ على الماء، فأمَّا مَبارِكها في البرِّيَّة وعند الحيِّ فهو المأوَى، وهو المُرَاح أيضاً. وهذا البيتُ الذي ذكرناه "في معطِن الهُون"، يدلُّ على أنَّ المَعْطِن يكون حيث تُحبَس الإبل في مباركها أين كانت. وبيتُ لَبيد يدلُّ على القول الآخَر، والأمرُ *قريب.

ومن الباب عَطْنُ الجِلد، وهو أن يوضَع في الدِّباغ.

(عطو) العين والطاء والحرف المعتلُّ أصلٌ واحد صحيحٌ يدلُّ على أخْذٍ ومُناوَلة، لا يخرج البابُ عنهما. فالعَطْوُ: التَّناوُل باليد. قال امرؤ القيس:

وتعْطو برَخْصٍ غيرِ شَثْنٍ كأنّه  *** أساريعُ ظبيٍ أو مساويك إسحِلِ([8])

 

يصف المرأة أنها تُسُوك. والظَّبيُ يعطو، وذلك إذا رَفَعَ يديه متطاوِلاً إلى الشَّجرةِ ليتناوَلَ الورَق. وقال:

تَخُلّ بقرنَيْها بَريرَ أراكَةٍ  *** وتَعطُو بظِلفيها إذا الغصنُ طالها

قال الخليل: ومنه اشتُقَّ الإعطاء. والمعاطاة: المُناولة. ويقال: عاطَى الصبيُّ أهله، إذا عَمِل وناوَلَ ما أرادوا. والعَطاء: اسمٌ لما يُعطَى، وهي العطيّة، والجمع عطايا، وجمع العطايا أعطِيَة. قال:

تعاطِيه أحياناً إذا جِيد جَوْدَةً  *** رُضاباً كطَعم الزَّنجبيل المعسَّلِ([9])

ويقولون: إنّ التعاطي: تناوُل ما ليس لـه بحقٍّ، يقال فلانٌ يتعاطَى ظُلْمَ فلان. وفي كتاب الله تعالى:{فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر 29]. ومِن أمثالِ العرب: "عاطٍ بغَيْرِ أنْوَاط"، أي إنّه يسمو إلى [الأمر] ولا آلةَ لـه عنده، كالذي يتعلَّق ولا متعلَّق له.

(عطب) العين والطاء والباء كلمتانِ لا تتقاربان في المعنى.

فالأولى: العَطَب، وهو الهلاك، يقال عَطِب، وأعْطَبه غيرهُ.

والكلمة الأُخرى: العُطْب، وهو القُطْن.

(عطد) العين والطاء والدال ذُكِرت فيه كلمةٌ والقياس لا يسوِّغها، لكنَّهم يقولون: العَطوَّد: السيَّر السَّريع الشاقّ. ويُنشدون:

* إليك أشكو عَنَقاً عَطَوَّدَا([10]) *

(عطر) العين والطاء والراء أصلٌ واحدٌ لعلّه أنْ يكون صحيحاً، وهو العِطْر للأشياء المعالجَة بالطِّيب([11]) ، وفاعله العَطَّار. وامرأةٌ عَطِرة ومِعطِيرٌ. وقال:

* يَتْبَعْنَ جَأباً كَمُدُقِّ المِعْطيرْ([12]) *

(عطس) العين والطاء والسين كلمةٌ واحدة ثم تستعار، وهي العُطاس، يقال: عَطَس يَعْطُِس. ويقال للأنفِ مَعْطَس، بالكسر والفتح في الطاء ويستعار ذلك فيقال: عَطَسَ الصُّبح، إذا انفَلَق. وقد قالوا إنَّ العُطَاسَ: الصُّبح في قوله:

* وقد أغتدي قبل العطاسِ بهَيكلٍ([13]) *

(عطش) العين والطاء والشين أصلٌ واحد صحيح، وهو العَطَش، يقال له: عَطِش يَعْطَش عَطَشاً. ويقال إنّ المَعاطِشَ: مَواقِيتُ الظَّمأ. قال ذو الرُّمَّة:

لا تشتكي سقطةً منها وقد رقصت *** بها المعاطشُ حتى ظَهرُها حَدِبُ([14])

ــــــــــــــــــ

([1])ديوان لبيد 13 واللسان (عطف).

([2]) في الأصل: "ولم تسق".

([3]) البيت للبيد في ديوانه 22 طبع 1881 واللسانت (حجج)، وقد سبق في (حج).

([4]) ديوان ذي الرمة 510 برواية: "رفعت لـه رحلي على ظهر عرمس". ورواية اللسان (روع):  * رفعت لها رحلي على ظهر عرمس *

([5]) ديوان لبيد 13 طبع 1881 واللسان (عطن). وانفرد اللسان برواية: "أصحاب العلل".

([6]) التكملة من اللسان (عطن).

([7]) في الأصل: "نفسي ولا تقلعي"، صوابه في اللسان (عطن).

([8]) البيت من معلقته المشهورة.

([9]) البيت لذي الرمة في ديوانه 508 واللسان (عطا). وأنشده في اللسان (عسل) بدون نسبة:

إذا أخذت مسواكها منحت به  *** رضاباً كطعم الزنجبيل المعسل

([10]) أنشده في اللسان (عطد) والمخصص (3: 107).

([11]) في الأصل: "للطيب".

([12]) للعجاج في ملحقات ديوانه 77 واللسان (عطر، دقق).

([13]) نسب إلى امرئ القيس في حواشي الجمهرة (3: 25). وأنشد هذا الصدر في اللسان (عطس)، وعجزه في الجمهرة:

* أقب كيعفور الفلاة محنب *

([14]) ديوان ذي الرمة 9 برواية: "وقد رقصت بها المفاوز".

 


ـ (باب العين والظاء وما يثلثهما)

(عظم) العين والظاء والميم أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على كِبَر وقُوّة. فالعِظَم: مصدر الشَّيء العظيم. تقول: عَظُمَ يَعْظُم عِظَماً، وعظّمته أنا. فإذا عَظُم في عينيك قلت: أعْظمتُه واستعظمْتُه. ومُعظَم الشّيء: أكثرهُ. وعَظْمةُ الذِّراع: مُستغلَظُها. وهي العظيمة: النازِلةُ المُلمّة الشّديدة. قال:‏

وإلاّ فإنِّي لا إخالُك ناجيا(1)  *** إن تنجُ منها تنجُ من ذِي عظيمةٍ‏

ومن الباب العَظْم، معروف، وهو سمِّي بذلك لقوّته وشِدّته.‏

(عظب) العين والظاء والباء. يقولون: عَظَب الطّائر، إذا حَرّكَ زِمِكّاهُ. وهو كلام. والعُنْظَُب: الجراد الضَّخم، النُّون زائدة.‏

(عظل) العين والظاء واللام أصيل صحيح. يقال: تعاظَلَ الكلابُ، إذا تسافَدَت، وهي تَعاظَلُ. وجَرادٌ عَظْلَى من ذلك وفلانٌ لا يُعاظِل في شِعره بين القَوافي، أي لا يحمل بعضها على بعض. وترى أنّ ذلك إمّا أن يكون الذي يسمى الإيطاء؛ أي لا يكرِّر القوافي، أو أن يكون الذي يسمَّى التَّضمين، وهو أن [يكون] تمامُ البيت في البيت الذي بَعده.‏

ـــــــــــــــــ

(1) البيت للأسود بن سريع القاص، كما في البيان (1: 367).

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله عين)

قال الخليل:(المُعَلْهَج) : الرَّجل اللئيم. وأنشد:

فكيف تُسامِيني وأنتَ مُعَلْهَجٌ  *** هُذارِمَةٌ جعدُ الأنامل حَنْكَلُ([1])

وهذا إن كان صحيحاً فالهاء فيه زائدة، لما قلناه، إنّهم يزيدون([2]) في الحروف من الكلمة *تعظيماً للشيء أو تهويلاً وتقبيحاً. وإنَّما هو من العِلج، وقد فسَّرناه.

(العَزَاهِيل) ، قالوا: هي الإبل المهمَلة، واحدها عُزْهُول. ينشدون: للشَّمَّاخ:

[حَتَّى استغاثَ بأحْوَى فوقه حُبُك *** يدعو هديلاً بِهِ العُزْفُ العَزَاهيلُ]([3])

وهذا أيضاً إن كان صحيحاً، فالهاء زائدة، كأنّها أُهملت فاعتزلت ومَرَّت حيث شاءت.

(العَيْهَرَة): المرأة الفاجرة، والزائدة في ذلك الياء، وإِنّما هو من العَهْر.

(العَباهل): جمع العَبْهَل، وهو الإبل التي أُهملت تَرِد كيف شاءت، ومتى شاءت. قال:

* عَبَاهِلٍ عَبْهَلها الوُرّادُ([4]) *

وبه شُبِّهت الملوكُ الذين لا فَوقَ يدِهم يدٌ. هذا ممّا زيدت فيه الباء. والأصْل العَيْهَل والعَيْهَلة: التي لا تستقرّ. وقد فسَّرناه.

(العُرَاهم): النَّاعم التارُّ. وقصبٌ (عُرهُومٌ) ، وبعيرٌ عُرَاهم: طَويل. وهذا مما زيدت فيه الراء، وإِنَّما هي من العيْهامة والعيهمة، وهي من [النّوق]: الطَّويلة وقد مرّ.

(والعُفاهم): الجَلْد القويُّ. وكلُّ قويٍّ عُفاهِم. قال:

* من عُنْفُوان جَريِهِ العُفاهِمِ([5]) *

وهذا مما زيدت فيه الفاء، وهو من العَيهمة أيضاً.

(العَبْهرَ): الضَّخم الخَلْقِ وكلُّ عظيم عَبْهر. وامرأةٌ عبهرة. قال الأعشى:

عَبْهَرَة الخلق لُبَاخِيّة *** تزِينهُ بالخُلُق الظَّاهرِ([6])

وهذا ممَّا زيدت العينُ في أوّله، وأصله من البَهْر، أي إنّها تبهر بخَلْقها. وقد فسرنا البَهْر.

(العَلْهَب): التَّيس الطّويلُ القرنين، ويوصف به الثَّور. قال جرير:

إذا قَعِسَت ظهورُ بني تميمٍ  *** تكشَّف عن عَلاَهِبَةِ الوُعولِ([7])

وهذا ممّا زيدت فيه الهاء، وإنَّما من العُلَبِ. والعُلَب: النَخل الطّوال. وقد مرّ.

(العَشَنَّق): الطَّويل الجِسم. وهذا مما زيدت فيه الشِّين، وإنّما هو من العَنَق. وليس ببعيدٍ أن يكون العين زائدة أيضاً. فإنْ كان كذا فالكلمة منحوتةٌ من كلمتين، من العَنَق، والشَّنَق. وقد فسَّرناهما. وقد قال الخليل: امرأة عَشَنَّقة: طويلة العُنُق، ونعامةٌ عَشَنَّقة. فهذا يدلُّ على صحَّة ما قلناه.

(العَسْلَق([8])): كلُّ سبُع جَرُؤ على الصَّيد، والجمع عَسالِق. وهذه من ثلاث كلمات: من عَسِق به إذا لازمه، ومن علِق، ومن سلقَ. وكلُّ ذلك قد فسِّر.

(العُسْقُول): قِطعة السَّراب. وهذا ممّا زيدت فيه اللام. والأصل العَسَق، يقال إنّه الإطاقة بالشَّيء، من اللزوم الذي ذكرناه.

(العَسَلَّق): الظليم. ممكنٌ أن يكون من السُّرعة ويكون القاف زائدة، ويكون من العَسَلان؛ ويمكن أن يكون العين زائدة، ويكون من السّلق والتسلُّق. وكلُّ ذلك جيّد.

(العُنقود): معروف، وهو من العَقْد، كأنّه شيءٌ عقِد بعضُه ببعض.

(العرقوب): عَقَبٌ مُوَتَّرٌ خلْف الكعبين. وعَرقَبت الدّابة: قطعت عُرقوبها. وهذا مما زيدت فيه الراء، وإنّما الأصل العقِب للإنسان وحده، ثم باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله عين

جعل العُرقوب لـه ولغيره. ويستعار العرقوب فيقال لمنحنىً من الوادي فيه التواء شديدٌ: عرقوب. وقال:

ومَخُوفٍ من المناهل وحْشٍ *** ذي عراقيبَ آجِنٍ مِدفانِ([9])

قال الخليل: وعراقيب الأمور: عَصاوِيدُها، وذلك إدخال اللَّبس فيها. ويتمثَّل النَّاس فيقولون: "يوم أقصر من عُرقوب القطاة".

(العقرب): معروفة، والباء فيه زائدة، وإنَّما هو من العَقر، ثم يستعار فيقال للذي يَقْرُص النّاس([10]) : إنَّه لتَدِبُّ عقاربُه. ودابّةٌ مُعقرَب الخَلْق، أي ملزَّز مجتمعٌ شديد.

(العفلق([11])): الفَرْج رِخواً واسعاً. وهذا منحوتٌ من عفق والعُفاقة [و] من فلق.

(العُقْبول): قالوا: بقيَّة المرض، واللازم زائدة، إنَّما هو مرضٌ يَعقُب المرضَ العظيم.

(العَضَنّكة([12])): المرأة اللَّفَّاء العجُز التي ضاق مُلتقَى فخِذَيها لكثرة اللَّحم. وهذا مما زيدت فيه العين، وإنَّما هو من الضنك وهو الضِّيق. وقد مرَّ تفسير الضِّناك.

(عركس)، قال الخليل: عركس أصلُ بناء اعرَنْكَسَ، وذلك إذا تراكم الشيءُ بعضه على بعض، يقال اعرنكس. قال العجَّاج في وصف اللّيل:

* واعرَنكَسَتْ أهوالُه واعْرَنكَسا([13]) *

وهذا الذي قاله منحوتٌ من عَكس وعَرَك، وذلك أنّه شيء يترادُّ بعضه على بعض *ويتراجع ويُعارك بعضَه كأنّه يلتفُّ به.

(اعْلَنْكَس): الشّعر، إذا اشتدَّ سوادُه، وكثُر. وهذا هو من الأوّل، واللام بدلٌ من الرّاء، وقد فسَّرناه. عَرْكَسْتُ الشَّيء: [جمعت([14]) ] بعضَه على بعض، وهذا من عَكَس ورَكَس، وقد فسِّرا.

(عَكْمَسَ): الليلُ، إذا أظلم. قال:

* والليلُ ليلٌ مظلمٌ عُكامِسُ *

وهذا من عَكَس وعَمَس، لأن في عَمَس معنىً من معاني الإخفاء، والظلمة تُخفِي، يقال عَمّس عليه الخَبَر، وقد فسِّر.

(العِلْكَدّ): الشديد. وهذا من عَكَدَ، ومن العِلْوَدّ، وهو الشديد، ومن اللَّكد، وهو تداخل الشّيء بعضِه في بعض. قال:

* أعْيَسَ مَضْبُورَ القَرَا عِلْكَدَّا([15]) *

(العُكْبُرة([16])): من النِّساء: الجافية العِلْجة. قال الخليل: هي العَكْباء في خَلْقها. قال:

عَكْباء عُكبُرَةٌ في بطنها ثَجَلٌ  *** وفي المفاصل من أوصالها فَدَعُ

وهذا الأمر ظاهرٌ([17]) أنَّ الراء فيه زائدة. والأصل العَكَب والعِكَبّ، وقد مضى ذِكره.

(العَكَرْكَرُ): اللَّبن الغليظ. وهذا أيضاً مما كُرِّرت حروفه. والأصل العَكَر.

(العُلْكُوم): النَّاقة الجسيمة السَّمينة. قال لَبيد:

*تُروِي الحدائقَ بازلٌ عُلكومُ([18]) *

وهذا من عَكَم، واللام زائدة، كأنَّها عُكِمت باللَّحم عَكْماً.

(العِفْضاج): السَّمين الرِّخْو. وهذا مما زيدت فيه الضّاد، وهو من العين والفاء والجيم، كأنّه ممتلئ الأعفاج، وهي الأمعاء([19]) .

(العُجَلِد([20])): اللبن الخاثر. وهذا مما زيدت فيه العين، كأنّه شُبّه بالجلد في كثافته.

(والعْجَلِط): مثله، والطاء بدل الدال.

(العَشَنَّط): الطَّويل من الرِّجال، والجمع عَشَنَّطون وعَشَانِط. وهذا مما زيدت فيه الشِّين، وإنَّما هو من عَنَط، وهو بناء عَنَطنَط([21]) . و(العَنْشَطُ) مثل هذا. قال:

أتَاكَ من الفِتيان أروعُ ماجدٌ *** صبورٌ على ما نابه غير عَنْشط([22])

(العَشَوْزَن): الملتوِي العَسِرُ الخُلُق من كلِّ شيء. وقال:

إذا عضَّ الثِّقاف بها اشمأزَّتْ  *** ووُلِّيتُم عَشَوْزَنَةً زَبُونا([23])

وهذا منحوت من عَشَزَ وشَزَنَ. العَشَزانُ: مشْي الأقزل. والشَّزَن: المكان الصُّلب.

(العَشَنْزَر): الشديد. وهذا مما زيدت فيه العين والنون، وأصله من الشّزْر، وقد مرَّ. قال:

* ضَرْباً وطَعناً باقِراً عَشَنْزَرا([24]) *

(العَيْسَجُور): النّاقة السريعة. وهذا مما زيدت فيه الراء والياء، وإنّما هو من عَسَجَتْ في سيرها. وقد مضى ذكر العاسج.

(العَجَنَّس): الجمل الضَّخم، والنون فيه زائدة. وهو مما ذكرناه في باب العجس والعَجَاساء. قال:

يَتْبَعْنَ ذا هَدَاهِدٍِ عَجَنَّسا  *** إذَا الغُرابانِ به تمرَّسا([25])

(العَِجْلِزَة): الفرس الشَّديد الخَلْق. وقد نصَّ الخليلُ في ذلك على شيءٍ فقال: اشتقاق هذا النعت من جَلْز الخَلْق. وهو يصحِّح ما نذكره في هذا وشِبهه. فقد أَعْلَمك أنّ العين فيه زائدة. وقال:

* وعَِجْلَِزَة يَزِلّ اللِّبد فيها *

(العَجْرَد): العُرْيان. وهذا أيضاً مما زيدت فيه العين، وإنما هو من جَرد وتجرّد من ثيابه.

ومنه (العنْجَرِدُ) ، وهي المرأة السَّلِيطة الجريئة، والعين في ذلك زائدة، وإنما هو من تجرُّدِها للخصُومة وقِلة حيائها. قال:

عَنْجَرِد تحْلف حين أحْلِفْ  *** شيطانة مثل الحمارِ الأعْرف([26])

(العَجَنْجَر([27])): الغليظ، يقال زُبْد عَجَنْجَر. وهذا مما زيدت حروفه للمعنى الذي ذكرناه. وهو من تَعَجَّر، إذا تَعَقّد. قال:

مَخَضْتُ وَطْبِي فَرَغا وَجَرْجَرَا  *** أخرج منه زَبَداً عَجَنْجَرَا

(العَثْجَل): الواسعُ الضَّخمُ من الأسقية والأوعية. قال:

* يسقي به ذاتَ فُرُوغٍ عَثْجَلا *

وهذا ممّا زيدت فيه العين، وإنما هو من الثَّجْلة. والأثْجَل: البطن الواسع.

(العَجْرَفِيَّة): جِفوةٌ في الكلام وخرق في العمل، وهذا منحوتٌ من شيئين: من جَرَفَ وعَجَر، كأنّه يَجرُف الكلامَ جَرْفاً في تعقّد. والعَجَر، التَّعَقُّد. يستعار هذا فيقال لحوادث الدَّهر: عجاريف. قال قيس:

لم تَنْسِني أُمَّ عمارٍ نوّىً قَذَفٌ  *** ولا عَجَارِيفُ دهرٍ لا تُعَرِّيني([28])

أي لا تُخَلِّيني، وذلك أنَّها تجيء جارفة* في شدة.

(العُجْرَُم([29])): الغليظ، والميم فيه زائدة. الأصل الأعْجَر.

(العُلْجُوم): الظُّلْمةُ المتراكِمة. قال ذو الرمَّة:

أو مُزنَةٌ فارِقٌ يَجلو غَوارِبَها  *** تَبَوُّجُ البَرْقِ والظلَّماءُ علجومُ([30])

وهذا مما زيدت فيه الميم، وإنما هو من اعتلاج الظُّلَمِ بعضها ببعض.

(العُطبُول): الوطيئة من النِّساء الممتلئة. قال:

فسِرْنا وخلَّفنَا هُبيرةَ بعدنا  *** وقُدّامَهُ البيضُ الحِسَانُ العطابلُ

وهذا ممّا زيدت فيه الطاء، وإنما هو من عَبَالة الجِسم. وممكن أن يكون منحوتاً من عَطَل، فالعُطُل: الجِسم المجرَّد، كأنّه يقول: عُطُلُها عَبْلٌ. وهذا أجود.

(العَمَرَّس): الشَّرِس الخُلُق القويّ. وهذا ما زيدت فيه العين، وإنما هو من الشيء المرِس، وهو الشَّديد الفتل.

(العَتْرَسَة): الغلَبة [و] الأخذُ مِن فَوق. وجاء رجلٌ بغريم له إلى عمر فقال عمر: "أتُعَتْرِسُه"، أي تغضبه وتَقْهَرُه. و(العِتْرِيس) من الغيلان: الذكر. ومنه (العَنْتَريس) النّاقة الوثيقة، وقد يوصَف به الفَرَس. وقال:

كلّ طِرْفٍ موثّقٍ عنتريسٍ  *** مستطيل الأقرابِ والبُلعومِ([31])

العنتريس: الدَّاهية. وهذا كلُّه مما زيدت فيه التاء، وإنما هو من عَرِس بالشّيء، إذا لازمَه. والنون أيضاً زائدة في العنتريس.

(العَنْتَر): الشُّجاع. وهذا مما زيدت فيه النون، والأصل العتر، من عَتَرَ الرُّمح. وسمِّي الشُّجاع بذلك لسُرعته إلى اللِّقاء وكثرة حركاته فيه.

(العَنْبَس): من أسماء الأسد. قال الخليل: إذا نعتَّه قلت عَنْبَسٌ وعُنابِس، وإذا خَصَصته باسمٍ قلت عَنْبَسةُ، لم تذكر الأسد. وهذا مما زِيدت فيه النُّون، وهو فَنْعَل من العُبُوس.

(العَمَلَّس): الذِّئب الخبيث. يقال عَمَلَّسُ دَلَجَات. قال الطِّرِمَّاح:

يُوَدِّع في الأمراس كلَّ عَمَلَّسٍ  *** من المُطعمات الصيد ذات الشواحِنِ([32])

وهذا مما زيدت فيه اللام. وممكن أن يكون من كلمتين: من عمل، وعمس. تقول: هو عَمُولٌ عَمُوس: يركب رأسَه ويمضي فيما يعمله([33]) .

(عِرْمِس): اسمٌ للصَّخرةِ، وبه سمِّيَت النّاقة الصُّلْبة. قال:

* وجْناء مُجْمَرة المناسم عِرْمِس([34]) *

وهذا مما زيدت فيه الميم، والأصل عرس، وقد شبِّهَت بعَرْس البناء.

(العَنْسَلُ): النَّاقة السَّريعة الوثيقة الخَلْق. وهذا من كلمتين: من عَنَس ونَسَل، فعَنَس من قُوَّةِ خَلْقها، سمِّيت بالعَنْس، وهي الصَّخْرة. ونَسَل في السُّرعة والذَّهاب.

(عِرْبِسٌ) و(عَرْبَسِيسٌ): متنٌ مستوٍ من الأرض. قال العجّاج:

* وعرْبِس منها بسيرٍ وَهْسِ([35]) *

وقال الطّرِمّاح:

تُوَاكِلُ عَرْبَسِيسَ الأرض مَرْتاً  *** كظَهْرِ السَّيْح مُطَّرِدَ المتُونِ([36])

وهذا مما زيدت فيه الباء، وإنما هو من المُعَرَّس، أي إنّه مستوٍ سهلٌ للتعريس فيه.

(العُبْسُورة) و(العُبْسُرة ([37])): النَّاقة السريعة. قال:

لقد أُرانِيَ والأيام تعجبُني  *** والمفْقِرات بها الْخُور العَبَاسِيرُ

والسين في ذلك زائدة، وإنما هو من ناقة عُبْر أسفار. وقد مرَّ تفسيره. يوم(عَمَرَّسٌ) : شديدٌ ذو شَرٍّ، قال الأرَيقِط:

* عَمَرَّس يَكْلَحُ عن أنيابِهْ *

وهذا منحوتٌ من يومٌ عَمَاسٌ: شديد. ومن المرس: الشيء الشديد الفتْل، وقد فُسّرا([38]) .

(عُمْروس): الحَمَلُ إذا بلغ النَّزْو. وهذا مما زيدت فيه الميم، وهو من عرِس بالشَّيء: لازَمَه وأُولع به. وممكن أن تكون منحوتةً من عَرِس ومَرِس، لأنّه يتمرَّس بالإناث ويَعْرَسُ بها.

(اعْرَنْزَمَتْ) الأرنبةُ واللِّهْزِمة، إذا ضخُمت واشتدَّت. قال:

لقد أُوقِدَت نارُ الشّرَورَى بأرؤسٍ  *** عِظام اللِّحَى مُعْرَنْزِمَاتِ اللَّهازِمِ([39])

وهذا منحوت من عرَزَ، ورَزَم. أمَّا رَزَم فاجتمَعَ، ومنه سمِّيت رِزْمَةُ الثياب، قد ذكرناها. وأمَّا عَرَزَ فمن عَرَزَ، إذا تقبَّض وتجمَّع.

(العَمَلَّطُ): الشَّدِيد من الرِّجال وكذلك من الإبل. وقال:

* أمَا رأيتَ الرَّجلَ العَمَلَّطَا([40]) *

وهذا مما زيدت فيه العين، وإنما هو من المِلْط وقد ذُكِر في بابه.

(العِرْزَال): ما يجمعه الأسدُ في مأواه من شيءٍ* يمهِّدُ لأشباله، كالعُشّ. وعِرْزَال الصَّياد: أهدامُه وخِرقُها التي يمْتَهِدُها ويضطجع عليها في القُتْرَة. قال:

* ما إنْ يَنِي يَفْتَرِشُ العَرازِلا([41]) *

ويقال العِرزَال: ما يُجْمَعُ من القَدِيد في قُتْرَته. وهذا منحوت من كلمتين: من عَزَلَ وعرَزَ، يعزِله ويَعْرِزه أي يجمعه، كما قلت أعْرَزَ، إذ تقبَّضَ وتَجمَّع.

(العُصْفُر): نبات. وهذا إن كان معرَّباً فلا قياسَ لـه، وإنْ كان عربياً فمنحوتٌ من عَصَر وصَفر، يراد به عُصارته وصُفْرته.

(العُصْفور): طائرٌ ذكر، العين فيه زائدة، وإنّما [هو] من الصَّفير الذي يَصْفره في صَوته. وما كان بعدَ هذا فكلُّه استعارةٌ وتشبيه. فالعُصْفور: الشمراخُ السّائل من غُرَّة الفرس. والعُصْفُور: قِطعةٌ من الدِّماغ. قال:

* عن أُمِّ فَرْخ الرَّأس أو عُصفورِه([42]) *

والعُصفور في الهَوْدج: خشبةٌ تجمع أطراف خشباتٍ فيه، والجمع عصافير.

قال الطِّرِمَّاح:

* كلَّ مَشكوكٍ عصافيرُهُ([43]) *

(العِرْصاف): العَقَب المستطيل. والعَراصيف: أوتادٌ تَجْمع رؤوسَ أحناءِ الرّحْل. وهذا ممّا زيدت فيه العين، وإنَّما هو من رَصَفْتُ، ومن الرِّصاف، وهو العَقَب، وقد مرَّ.

(العَرْصَم): الرّجُل القويُّ الشَّديد البَضْعة. وهذا من العَرَص، وهو النَّشاط. ويقال العِرْصَمّ. وقياسه واحد.

(العُنْصر): أصل الحَسَب، وهذا ممّا زيدت فيه النون، وهو في الأصل العَصَر، وهو الملجأ، وقد فسَّرناه، لأنَّ كلا يئل في الانتساب إلى أصله الذي هو منه.

(العِنْفِص): المرأة القليلة([44]) ، ويقال هي الخَبِيثة الدَّاعرة. قال الأعشى:

ليستْ بسوداءَ ولا عِنْفِصٍ  *** تُسَارِق الطَرْفَ إلى داعِرِ([45])

وهذا القول الثَّاني أقْيَس، وهو من عَفَصْتُ الشَّيءَ، إذا لوَيْتَه، كأنَّها عوجاء الخُلُق وتميل إلى ذَوِي الدَّعارة.

(العَصْلَبيُّ): الشَّديد الباقي. قال:

* قد ضّمَّها اللَّيلُ بعَصْلَبيِّ([46]) *

وهو منحوتٌ من ثلاث كلمات: من عَصَب، ومن صَلَب، ومن عَصَل وكلُّ ذلك من قوّة الشيء، وقد مرَّ تفسيرُه. وقد أومأ الخليل إلى بعضِ ما قلْناه. فقال: عَصْلبتُه: شِدَّة عَصَبِه([47]) .

(العَمَيْثل): الضَّخْم الثَّقيل. والعَميثل: كل شيءٍ فيه إبطاء. وامرأة عَمَيثَلَة: ضخمةٌ ثقيلة. قال أبو النَّجْم:

* ليس بمُلْتاثٍ ولا عَمَيْثلِ([48]) *

وهذا ممّا زيدت فيه الميم. والأصل عَثَل. والعثْوَلّ: البطيء الثَّقيل. وقد مرّ.

(العَرَنْدَد): الصُّلْب من كلِّ شيء. قال:

* تَدارَكْتُها رَكْضاً بسيرٍ عَرَنْددِ *

وهذا ممّا زيدت فيه النُّون، وضُوعفت الدّالُ لزيادة المعنى. والأصل العُرُدُّ، وهو القويُّ، وقد مرَّ.

(العُنَابِل): الوتَر الغَليظ. قال:

* والقوسُ فيها وَتَرٌ عُنابِلُ([49]) *

وهذا منحوتٌ من عَنَبَ وعَبَل، وكلاهما يدلُّ على امتدادٍ وشدّة.

(اليَعْفُور): الخِشْف. قال الخليل: سمِّي بذلك لكثرة لُزوقِه بالأرض. قال:

تَقْطَعُ القومَ إلى أرحُلِنا  *** آخِرَ اللَّيل بيَعفورٍ خَدِرْ([50])

وهذا مما زيدت الياء في أوّله، وإنّما هو من العَفَر، وهو وجْهُ الأرض والتراب.

(العَمَرَّط): الجَسُور الشَّديد. [و] يقال (عَمَرَّد)، وهذا من العُرُدّ، وهو الشَّديد، والميمُ زائدة، والطاء بدلٌ من الدال.

(العَقَنْباة): الدَّاهية من العِقْبان، والجمع عَقَنْبَيَات. وهذا ممّا زيدت فيه الزوائد تهويلاً وتفخيماً. وهو أيضاً مما يوضِّح ذلك الطَّريق الذي سَلكناه في هذه المُقايَسات، لأنَّ أحداً لا يشكُّ في أنَّ عَقَنْبَاة إنَّما أصلها عُقَاب، لكن زيد فيه لِما ذكرناه. فافهَمْ ذلك.

(عَنْقَفير): الدَّاهية. وهذا مما هُوِّل أيضاً بالزِّيادة. يقولون للدَّاهية عَنْقاء، ثمَّ يزيدون هذه الزِّياداتِ كما قد كرَّرنا القول فيه غيرَ مرّة.

(عَلْطَمِيسٌ): جاريةٌ تارَّة([51]) حسَنَة القَوَام. وناقةٌ عَلطَميس: شديدةٌ ضَخْمة. والأصل في هذا عَيْطَمُوسٌ واللام بدل من الياء، والياء بدل من* الواو. وكلُّ ما زاد على العَين والطّاء في هذا فهو زائد، وأصله العَيْطاء: الطَّويلة، والطَّويلة العُنق.

(عَرَنْدَسٌ): شديد. كلُّ ما زاد فيه على العين والراء والدال فهو زائد، وأصلُه عُرُدّ، وهو الشَّديد، وقد ذكرناه.

(عَرَمْرَمٌ): الجيشُ الكثير. وهذا واضحٌ لمن تأمَّلَه فَعَلِمَ أنَّ ما زاد فيه على العين والراء والميم فهو زائد. وإنّما زِيد فيه ما ذكرناه تفخيماً، وإلاَّ فالأصل فيه العُرَامُ والعَرِم.

(عَنْجَرِدٌ([52])): المرأة الجريئة السَّليطة. وهذا معناه أنّها تتجرد للشَّرّ. العين والنون زائدة.

( تم كتاب العين )

ـــــــــــــــــــ

([1]) البيت للأخطل كما في اللسان (حنكل) وليس في ديوانه. وأنشده في (علهج) بدون نسبة.

([2]) في الأصل: "يريدون".

([3]) موضع هذا البيت بياض في الأصل، وإثباته من اللسان (عزهل). وفي الديوان 82:

حتى استغاثت بجون فوقه حبك  *** تدعو هديلاً به الورق المثاكيل

([4]) المخصص (7: 84) واللسان (عبهل) بدون نسبة. وفي (عهل) بنسبته لأبي وجزة:  * عياهل عيهلها الذواد *

([5]) الرجز لغيلان، كما أسلفت في حواشي (عذم).

([6]) ديوان الأعشى 104. وأنشده في اللسان (عبهر) بدون نسبة. وفي الديوان: "بلاخية" تحريف، وفيه أيضاً: "الطاهر" بالطاء المهملة. ورواية اللسان تطابق رواية المقاييس.

([7]) ديوان جرير 347 برواية: "رأوا قعس الظهور بنات تيم". وفي اللسان بدون نسبة: * إذا قعست ظهور بنات تيم *

والبيت من قصيدة له يهجو فيها التيم والفرزدق، أولها:

أتنسى يوم حومل والدخول  *** وموقفنا على الطلل المحيل

([8]) يقال أيضاً: "عسلق" وزان عملس.

([9]) أنشده في اللسان (عرقب).

([10]) أي يقرصهم بلسانه. ومنه القارصة: الكلمة المؤذية.

([11]) وزان جعفر وعملس.

([12]) ويقال أيضاً: "عضنك" بطرح الهاء.

([13]) ديوان العجاج 32 واللسان (عركس).

([14]) التكملة من اللسان.

([15]) أنشده في اللسان (علكد) وكذا ضبط في اللسان، وقال: "شدد اللام اضطراراً قال: ومنهم من يشدد اللام". ويصح أن يقرأ: "عِلَّكْدَا"، وهي إحدى لغاته.

([16]) وردت هذه الكلمة وتفسيرها في القاموس، ولم ترد في اللسان.

([17]) في الأصل: "فيه ظاهر".

([18]) أنشده في اللسان (حجر، قطر، علكم). وأنشد صدره في (جرش). وقد مضى إنشاده في (حجر) وصدره: * بكرت به جرشية مقطورة *

([19]) في الأصل: "وسمي الأمعاء" تحريف.

([20]) العجلد، بوزن علبط. ويقال أيضاً "عجالد". ومن لغاته أيضاً "العكلد" بوزنه، و"العلكد" بتقديم اللام، كما في اللسان والقاموس. وفي الأصل هنا "العلجد"، تحريف.

([21]) في الأصل: "عنعطط"، تحريف.

([22]) أنشده في اللسان (عنشط).

([23]) لعمرو بن كلثوم في اللسان (عشزن). وفي اللسان: "وولتهم".

([24]) في اللسان (عشزر): "وطعناً نافداً".

([25]) الرجز لجريّ الكاهلي. وهو مما أخطأ الجوهري في نسبته إلى العجاج. اللسان (عجنس).

([26]) في الأصل: "أخلف حين تخلف"، صوابه من اللسان (عنجرد، حمط)، وفيه: * كمثل شيطان الحمار أعرف *

([27]) هذه الكلمة مما فات اللسان. ووردت في القاموس (عجر)، قال: "والعجنجرة: المكتَّلة الخفيفة الروح".

([28]) أنشده في اللسان (عجرف) بدون نسبة.

([29]) بفتح العين والراء وضمهما.

([30]) ديوان ذي الرمة 572 واللسان (فرق، علجم). والبيت في صفة ولد ظبية. وقبله:

كأنه دملج من فضة نبه  *** في ملعب من عذارى الحي مفصوم

([31]) البيت لأبي دواد الإيادي، كما في اللسان (عترس).

([32]) ديوان الطرماح 171، واللسان (عملس، مرس، ودع، شجن، شحن). ورواية اللسان في الموضع الأول: "يوزع"، وفسره بقوله: "يكف ويقال يغري" وهذه رواية الديوان أيضاً، وفي سائر المواضع من اللسان: "يودع" وفسره في (ودع) بقوله: "أي يقلدها ودع الأمراس". ورواه في (شجن): "الشواجن" وفسره بقوله: إنما يريد أنهن لا يحزن مرسليها وأصحابها لخيبتها من الصيد، بل يصدنه ما شاء". وفي سائر المواضع: "الشواحن"، وفسرها في (شحن) بأن "الشاحن من الكلاب الذي يبعد الطريد ولا يصيد".

([33]) في الأصل: "فيها يعمله". وفي شرح الديوان: "ويروى: الشواجن. وأظنه تصحيفاً".

([34]) مجمرة: مجتمعة صلبة شديدة. والمناسم: جمع منسم، وهو طرف خف البعير. وفي الأصل: "المنامس"، تحريف.

([35]) كذا، ويبدو أنه استشهاد برواية محرفة، وروايته في الديوان 78:

* وعر نساميها بسير وهس *

([36]) ديوان الطرماح 178 واللسان (عربس). ورواية الديوان واللسان: "تراكل" بالراء.

([37]) في القاموس "العبسور" و"العبسر" بطرح التاء. وذكر في اللسان: "العبسور" فقط.

([38]) في الأصل: "ومن المرس الذي شديد النقل". ولم يسبق تفسير لكلمة "المرس" في (مرس)، وإنما فسرت قريباً في ص366 س 2.

([39]) الشرورى: موضع في أرض بني سليم.

([40]) لنجاد الخيبري، كما في اللسان (عملط). وبعده:

يأكل لحماً بائتاً قد ثعطا  *** أكثر منه الأكل حتى خرطا

فأكثر المذبوب منه الضرطا  *** فظل يبكي جزعاً وفطفطا

([41]) في الأصل: "ما إن بنى يفترس"، تحريف.

([42]) قبله في اللسان (عصفر): * ضربا يزيل الهام عن سريره *

([43]) عجزه كما في الديوان 100 واللسان (عصفر، دمم):

* قانئ اللون حديث الدمام *

ووردت كلمة "الدمام" في الموضع الأول من اللسان محرفة، وصوابها في الموضع الثاني والديوان. قال شارح الديوان: "الدمام من قولهم دمه، أي لطخه بالحمرة حتى يصير كلون الدم".

([44]) كذا في الأصل. ومن معانيه "القليلة الجسم"، و"القليلة الحياء"، وفي المجمل: "العنفص: المرأة الداعرة". فلعله أراد: "القليلة الحياء".

([45]) ديوان الأعشى 104 برواية: * داعرة تدنو إلى الداعر *

([46]) مما تمثل به الحجاج في خطبته. انظر البيان (2: 308). وأنشده في اللسان (عصلب). برواية: "قد حسها".

([47]) في اللسان (عصلب): "شدة غضبه"، وما هنا صوابه.

([48]) انظر اللسان (عمثل) و(أم الرجز) المنشورة بمجلة المجمع العلمي بدمشق (العدد الثامن) بتطبيق السيد بهجة الأثري.

([49]) من رجز لعاصم بن ثابت الأنصاري الصحابي، ويعرف بابن أبي الأقلح. انظر اللسان (عنبل) ووقعة صفين 461.

([50]) البيت لطرفة في ديوانه 63 برواية: "زارت البيد إلى أرحلنا". وسبق البيت بنسبته في (خدر) برواية: "جازت الليل". وفي اللسان (خدر): "جازت البيد".

([51]) التارة: السمينة البضة. وفي الأصل: "البارة"، تحريف.

([52]) سبقت هذه الكلمة مع "العجرد" في ص364.

 

كتاب الغين:

ـ (باب الغين وما معها في المضاعف والمطابق([1]))

(غف) الغين والفاء كلمةٌ واحدةٌ لا تتفرّع، وهي البُلْغة، ويقال له غُفَّة من العَيش. قال:

* وغُفّةٌ من قِوَام العَيش تَكفِينِي([2]) *

واغتفَّتِ الخيلُ غُفَّة من الرَّبيع، إذا أصابت منه شِبَعاً ولم تستكثِرْ. قال:

وكنَّا إذا ما اغتفَّت الخيلُ غُفَّةً  *** تجرَّد طَلاَّبُ التِّراتِ مُطَلَّبُ([3])

 

(غق) الغين والقاف ليس بشيء، إنَّما يحكى به الصَّوْتُ يَغْلي، يقال غَقَّ.

(غل) الغين واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تخلل شيءٍ، وثباتِ شيء، كالشيء يُغْرَزُ. من ذلك قول العرب: غَلَلْتُ الشَّيء في الشّيء، إذا أثبتَّه فيه، كأنه غَرزْتَه. قال:

وعينٌ لها حَدْرةٌ بَدْرَةٌ  *** إلى حاجبٍ غُلّ فيه الشُّفُر([4])

والغُلّة والغَليل: العَطَش. وقيل ذلك لأنَّه كالشَّيء ينْغلُّ في الجَوف بحرارة. يقال بَعيرٌ غَلاَّنُ، أي ظَمْآن. والغَلَل: الماء الجاري بين الشَّجر.

ومنه الغُلول في الغُنم([5]) ، وهو أن يخفَى الشَّيء فلا يردَّ إلى القَسْم، كأنَّ صاحبَه قد غَلّه بين ثيابِه.

ومن الباب الغِلُّ، وهو الضِّغْن ينْغَلُّ في الصَّدر.

فأمَّا قول النبي عليه السلام "لا إغْلالَ ولا إسلال" فالإغلال: الخيانة، والقياس فيه واضحٌ. قال النَّمِر([6]) :

جزى الله عنا جمرة ابنةَ نوفلٍ  *** جزاءَ مُغِلٍّ بالأمانة كاذبِ([7])

وأمّا الحديث: "ثلاثٌ لا يُغِلُّ عليهنَّ قلبُ مُؤْمن" فمَنْ قال "لا يُغِلّ" فهو من الإغلال، وهو الخيانة. ومن قال "لا يَغِلّ" فهو من الغِلّ والضِّغن.

ومن الباب الغُلاَّنُ: الأوديةُ الغامضة، واحدها غَالٌّ، وذلك أنَّ سالكَها يَنْغَلُّ فيها. والغِلالَة: شِعارٌ يُلبَس تحت الثُّوب، وبطانةٌ تُلبَس تحت الدِّرع.

ومن الباب الغُلّة، وهو الفِدامُ يكونُ على رأس الإبريق، والجمع غُلَل. قال لَبيد:

لها غُلَلٌ من رازِقيٍّ وكُرْسُفٍ  *** بأيمانِ عُجْمٍ يَنْصُفُون المَقاولا([8])

والغَلغلة: سُرعة السَّير. ورسالةٌ مُغَلغَلة: محمولةٌ من بلدٍ إلى بلد. وهو القياس، لأنّها تتخلّل البلاد وتنغلُّ فيها. قال:

أبلِغْ أبا مالكٍ عنِّي مُغَلْغَلَةً  *** وفي العتابِ حياة بين أقوامِ([9])

ومن الباب الغَليل: النَّوَى يُغَلّ في القَتّ يُخلَطُ به ، تُعلَفُه الإبل. قال:

سُلاّءةٌ كعصا النَّهدِيِّ غُلَّ لها *** [ذو فيئةٍ] من نَوَى قُرَّانَ معجومُ([10])

 

(غم) الغين والميم أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على تغطية وإطباق. تقول: غَمَمت الشَّيءَ أغُمُّه، أي غطَّيته. والغَمَمُ: أن يُغطِّي الشَّعر القفا والجبهَة في بنائِه. يقال: رجلٌ أغمُّ وجبهةٌ غماء. قال:

فلا تَنكحِي إنْ فرَّقَ الدّهرُ بيننا *** أغمَّ القفا والوجهِ ليس بأنْزعا([11])

ومن الباب: الغمام: جمع غَمامةٍ. وقياسُه واضح. ومنه الغِمامةُ، وهي الخِرقة تُشَدُّ على أنف الناقة شدّاً كي لا تجدَ الرِّيح. قال قومٌ: كلُّ ما سدَّ الأنف فهو غِمامة. وغُمَّ الهلالُ، إذا لم يُرَ. وفي الحديث: "فإن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له". أي غُطيَ الهلال. ويقال: يومٌ غَمٌّ وليلة غمّة، إذا كانا مظلِمَين. وغمَّهُ الأمرُ يغَمُّه غمَّاً، وهو شيء يَغْشى القلب، معروف. وأما الغَمغمة فهي أصواتُ الثِّيران عند الذُّعر، والأبطالِ *عند الوغى. وقد قلنا إنّ هذه الحكاياتِ لا تكاد يكون لها قياس.

(غن) الغين والنون أُصيلٌ صحيح، وهو يدلُّ على صوتٍ كأنه غير مفهوم، إمَّا لاختلاطِه، وإما لعلّةٍ تصاحبه. من ذلك قولُهم: قريةٌ غَنّاء، يراد بذلك تجمُّع أصواتهم واختلاطُ جَلبتهم. ووادٍ أغَنُّ: ملتَفُّ النَّبات، فتَرى الرِّيح تجري فيه ولها غُنَّة؛ ويكون ذلك من كَثرة ذُبابه. ومنه الغُنَّة في الرَّجُل الأغنِّ، وهو خروجُ كلامِهِ كأنّه بأنفه.

(غي) الغين والياء المشدّدة أو المضاعفة أصلٌ صحيح يدلُّ على إظلالِ الشَّيء لغيره([12]) . وفي الحديث: "تجيء البقرةُ وآلُ عمران يومَ القيامة كأنَّهما غمامتانِ –أو غيايَتان". والجمع غَيايات. قال لبيد:

فتَدلَّيتُ عليه قافلاً  *** وعلى الأرض غياياتُ الطَّفَلْ([13])

(غب) الغين والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على زمانٍ وفَترةٍ فيه. من ذلك الغِبُّ، هو أن تَرِدَ الإِبلُ يوماً وتدعَ يوماً. والمغبَّبة: الشاة تُحلَب يوماً وتُتركُ يوماً. وأغبَبْتُ الزِّيارة من الغِبِّ أيضاً. ومنه أيضاً قولُهم: غبَّبَ في الأمر إذا لم يُبالِغْ فيه، كأنَّه زِيدَتْ([14]) فترة أوقعَهَا فيه.

ومن الباب قولهم: "رُوَيْدَ الشِّعْرِ يَغُبّ"، وذلك أن يُتركَ إنشادُه حتَّى يأتيَ عليه وقت. ويقولون: غَبَّ الأمرُ، إذا بلغ آخِرَه([15]). ولحمٌ غابٌّ، إذا لم يُؤكَلْ لوَقْتِه، بل تُرِك وقتاً وفَتْرةً.

(غت) الغين والتاء ليس بشيء، إنّما هو إبدال تاء من طاء. تقول: غَطَطْتُه وغَتَتُّه. ومنه شَيءٌ يجرِي مَجرى الحِكاية. يقال غَتَّ في الضَّحِك، إذا ضَحِك في خفاءٍ. وغَتَّ: أَتْبَعَ القولَ القولَ، أو الشُّربَ الشُّرب.

(غث) الغين والثاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على فَسادٍ في الشَّيء. من ذلك قولُهم: لبِسْتُ فلاناً على غَثيثةٍ فيه، أي فَسادِ عقلٍ ورأي. والغَثيثة: المِدَّة في الجُرح. ومن ذلك اللَّحم الغَثُّ: ليس بالسّمين. ويقولون: أغَثَّ الحَدِيثُ، أي صار غثَّاً فاسداً. قال:

خَوْد يُغِثُّ الحديثُ ما صَمَتَتْ  *** وهو بفيها ذو لَذةٍ طَرِفُ([16])

ويقال: فلانٌ لا يَغِثُّ عليه شيء، أي لا يمتنع من شيء، حتَّى الغثُّ عندَه سمين.

وأمّا الغَثغَثَة فتجري مَجرى الحكاية، يقال: غَثْغَثْتُ الثُّوبَ، إذا غسلتَه وردَّدْتَه في يديك. ويقال: إنَّ الغَثْغَثَة: القِتالُ الضَّعيف بلا سلاح، شُبِّه بغَثْغثة الثَّوب حين يُغْسَل.

(غد) الغين والدال كلمةٌ، وهي الغُدَّة في اللّحم، معروفة.

قال الرّاجز:

* فهَبْ له حليلةً مِغدَادَا([17]) *

قالوا: هي الدَّائمة الغَضَب، كأنَّ في حَلْقها غدّة.

(غذ) الغين والذال كلمةٌ، وهي إغذاذ السَّير. وذلك ألا يكونَ فيه ونْيَةٌ ولا فَتْرَة. ومنه: غَذَّ الجُرْحُ وأغذَّ، إذا بَرَأَ ولم يسكُنْ نَداه، فهو يَنْدَى أبداً.

(غر) الغين والراء أصولٌ ثلاثةٌ صحيحة: الأوّل المِثال، والثاني النقصان، والثالث العِتْق والبيَاضُ والكرَم.

فالأوّل: الغِرار: المِثال الذي يُطبَع عليه السِّهام. ويقال: وَلَدَتْ فلانة أولادَها على غرار واحد، أي جاءت بهم واحداً بعد واحدٍ على مِثال واحد. وأصل

هذا الغُرُّ، وهو الكَسْرُ في الثَّوب. يقال: اطوِ الثَّوْبَ على غَرِّهِ، أي كَسرهِ ومِثالِه الأوَّل. والغُرَّة: سُنَّة الإنسان، وهي وجهه، ثم يعبَّر عن الجسم كلِّه به. من ذلك: "في الجنين غُرَّةٌ: عبد أو أمةٌ"، أي عليه في دِيتَه نَسَمَةٌ: عبدٌ أو أمة. قال:

كلُّ قتيلٍ في كُليبٍ غرَّهْ  *** حتَّى يَنال القتلَُ آلُِ مُرَّهْ([18])

 

ومن الباب: الغَرِير، وهو الضَّمين، يقال: أنا غريرُك من فلانٍ، أي كفيلُك. وإنما سمِّيَ غريراً لأنّه مِثَالُ المضمونِ عنه، يؤخذ بالمال مثلَ ما يؤخذ المضمون عنه. ومحتملٌ أن يكون غِرَارُ السَّيف، وهو حدُّه، من هذا. وكلُّ شيء له حَدٌّ فَحَدُّه غِرَارٌ؛ لأنه شيء إليه انتهى طَبْعُ السَّيف ومثالُه.

وأمَّا النقصان *فيقال: غارّت النّاقةُ تُغارُّ غِراراً، إذا نَقَصَ لبنُها. وفي الحديث: "لا غِرارَ في صلاةٍ ولا تسليم". فالغِرار في الصَّلاة: ألاَّ يتمَّ ركوعَها أو سجودَها. والغِرار في السَّلام: أن يقول السَّلام عليك، أو يرُدَّ فيقول: وعليك. ومنه الغِرار، وهو النَّوم القَليل. قال الشاعر([19]) :

إنَّ الرَّزِيَّةَ من ثقيفٍ هالكٌ  *** تَركَ العُيونَ فنومُهُنَّ غِرَارُ([20])

وقال جرير:

ما بالُ نومِك في الفِراش غِرارا  *** لو كان قلبُك يستطيع لطارا([21])

ومن الباب: بيع الغَرَر، وهو الخَطَر الذي لا يُدْرَى أيكون أم لا، كبيع العبدِ الآبِق، والطّائرِ في الهواء. فهذا ناقصٌ لا يتمُّ البيع فيه أبداً. وغَرَّ الطائرُ فرخَه، إذا زَقَّه، وذلك لقلّته ونُقصانِ ما معه.

والأصل الثالث: الغُرَّة. وغرَّة كلِّ شيءٍ: أكرمُه. والغُرّة: البياض. وكل أبيضَ أغرُّ. ويقال لثلاثِ ليالٍ من أوّل الشهر غُرّة.

ومن الباب: الغَرِير، وهو الخُلُق الحَسَن. يقولون للشيخ: أدبَرَ غَريرهُ وأقبَلَ هريرُه.

ومما يقارب هذا: الغَرارة، وهي كالغَفْلة، وذلك أنَّها من كَرَم الخلُق، قد تكون في كلِّ كريم. فأمَّا المذموم من ذلك فهو من الأصل الذي قَبلَ هذا؛ لأنّه من نقصان الفِطْنة.

ومما شذَّ عن هذه الأصول إن صحَّ، شيء ذكره الشَّيبانيُّ: أنّ الغِرْغِر: دَجاج الحَبَش، واحدتها غِرْغرة. وأنشد:

ألُفُّهمُ بالسَّيف من كلِّ جانبٍ  *** كما لفّتِ العِقبانُ حِجْلَى وغِرْغِرا([22])

(غز) الغين والزاء ليس فيها شيء. وغَزَّةُ: بلدٌ.

(غس) الغين والسين ليس فيه إلاّ قولُهم: رجل غُسٌّ، إذا كان ضعيفاً. ومنه قول أوس:

مُخَلَّفُونَ ويَقضِي الناسُ أمرَهُم  *** غُسُّو الأمانةِ صُنْبُورٌ فصنبورُ([23])

(غش) الغين والشين أصولٌ تدلُّ على ضّعفٍ في الشيء واستعجال([24]) فيه. من ذلك الغِشُّ. ويقولون: [الغِشُّ: أ] لاّ تمحَضَ النصيحة([25]) . وشُربٌ غِشاشٌ: قليل. وما نامَ إلاّ غِشاشاً، أي قليلاً، ولقيتُه غِشاشاً، وذلك عند مُغَيْربان الشَّمس.

(غص) الغين والصاد ليس فيه إلاَّ الغَصَص بالطَّعام، ويقال رجلٌ غَصَّانُ. قال:

لو بِغَيْرِ الماءِ حلقي شَرِقٌ  *** كنت كالغَصَّانِ بالماء اعتصارِي([26])

(غض) الغين والضاد أصلانِ صحيحانِ، يدلُّ أحدُهما على كفٍّ ونَقْص، والآخر على طراوة.

فالأوّل الغَضّ: غضُّ البصر. وكلُّ شيءٍ كففتَه فقد غَضَضْته. ومنه قولهم: تلحقُه في ذلك غَضَاضةٌ، أي أمر يَغُضُّ لـه بصرَه. والغَضْغَضة: النُّقْصان. وفي الحديث: "لقد مرَّ من الدُّنيا بِبطنته لم يُغَضْغَض([27]) ". ويقولون: هو بحرٌ لا يُغَضْغَض. وغَضْغَضْت السِّقَاءَ: نقصتُه. وكذلك الحقّ.

والأصل الآخر: الغَضُّ: الطريُّ من كلِّ شيء. ويقال للطَّلْع حين يطلُعُ: غَضيض.

(غط) الغين والطاء أُصيلٌ صحيح فيه معنيان: أحدُهما صوتٌ، والآخر وقتٌ من الأوقات.

فالأوّل: غطِيط الإنسانِ في نَومه. ومنه الغَطاط، وهي القَطا، سمِّيت لصوتها غَطاطاً. قال:

فأثار فارِطُهم غَطَاطاً جُثَّماً  *** أصواتُه كتَرَاطُنِ الفُرْسِ([28])

والأصل الآخر الغُطَاط، قال قومٌ: هو الصُّبح. وأنشدوا:

* قام إلى حمراءَ في الغطَاطِ([29]) *

وقال آخرون: هو سَدَف الظلام. وقالوا في بيتِ ابن أحمر([30]) :

* أُولَى الوَعَاوِعِ كالغُطاط المقْبلِ([31]) *

من فَتَحَ شبَّههم بالقَطَا، ومن ضمَّ فإنّه شبَّههم بسواد السّدَف كثرة. وأمَّا غَطَطْتُه في الماء فممكنٌ أن يكون ذلك الصَّوْت الذي يكون من الماء عندها، وممكنٌ أن يكون من سَدَف الظّلام، كأنّه سترتَه بالماء وغطّيته.

ـــــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "باب الغين والفاء وما يثلثهما"، وهي غفلة من الناسخ، وأثبت مألوف عبارة ابن فارس في مثل ذلك.

([2]) لثابت قطنة، كما في تهذيب إصلاح المنطق للتبريزي 50. وحماسة البحتري 202. وصدره كما في إصلاح المنطق 50 واللسان (غفف):

* لا خير في طمع يدني إلى طبع * وفي الحماسة: "يدنى لمنقصة".

([3]) لطفيل الغنوي في ديوانه 26 واللسان (غفف). وفي الأصل: "التراب"، صوابه فيهما.

([4]) لامرئ القيس في ديوانه 16. وعجزه في الديوان: "فشقت مآقيهما من أخر"، وتطابقه رواية اللسان (حدر، بدر)، لكن فيها (شقت) بالخرم.

([5]) في المجمل: "في المغنم".

([6]) في الأصل: "النمري"، تحريف. وهو النمر بن تولب بن أقيش بن عبد كعب بن عوف بن الحارث بن عوف بن وائل بن قيس بن عكل بن عبد مناف. الأغاني (19: 157). والبيت التالي منسوب إليه في الأغاني (159: 19) وإصلاح المنطق 295 واللسان (غلل) والحيوان (1: 15).

([7]) في اللسان والحيوان: "حمزة ابنة نوفل"، وصوابه بالجيم والراء، كما في سائر المصادر.

([8]) ديوان لبيد 22 طبع 1881 واللسان (غلل، رزق، نصف).

([9]) البيت لهمام الرقاشي في البيان (2: 316/ 4: 85). وأنشده في اللسان (غلل) بدون نسبة مطابقاً في الرواية. ورواية الجاحظ: "أبلغ أبا مسمع".

([10]) البيت لعلقمة بن عبدة الفحل في ديوانه 131 والحيوان (2: 236). والبيان (3: 120). والمفضليات (2: 204). واللسان (سلأ، غلل، فيأ، قرر، عجم). والتكملة موضعها بياض في الأصل. وقد أكملت هذا النقص على الرواية المشهورة في البيت. ويروى بدلها: "منظم".

([11]) البيت لهدبة بن الخشرم في اللسان (نزع، غمم) والبيان (4: 10).

([12]) في الأصل: "كالغيرة".

([13]) سبق البيت في (أيي، طفل)، وروي في الموضع الأول: "وتاتيت".

([14]) في الأصل: "أربدت".

([15]) في اللسان: "صار إلى آخره".

([16]) لقيس بن الخطيم في ديوانه 17 ليبسك.

([17]) سبق البيت وتخريجه مع قرينين له في (حد).

([18]) الرجز لمهلهل، كما في الأغاني (4: 144). وأنشده في اللسان (غرر) بدون نسبة.

([19]) هو الفردزق يرثي الحجاج ديوانه 365 واللسان (غرر).

([20]) في الأصل: "ونومهن غرارا"، صوابه من الديوان. وفي اللسان: "فنومهن غرار".

([21]) ديوان جرير 226 برواية: "بالفراش غراراً لو أن قلبك يستطيع".

([22]) أنشده ثعلب في مجالسه 567 والإسكافي في مبادئ اللغة 202 وابن منظور في اللسان (غرر).

([23]) ديوان أوس بن حجر 9 واللسان (صنبر، غشش) برواية: "غُشُّ الأمانة". وفي (غسس): "غُسّ" . ونبه في هذا الموضع الأخير على روايته بجمع المكسر: "غُشُّ" و "غُشَّ" بالنصب على الذم، وبجمع التصحيح "غُسّو الأمانة" بالرفع والإضافة، و "غُسِّي" بالنصب والإضافة لما بعده.

([24]) في الأصل: "واستفهام".

([25])في الأصل: "الضبحة"، وتصحيحه والتكملة قبله من المجمل.

([26]) لعدي بن زيد العبادي، في اللسان (عصر، غصص) والحيوان (5: 138، 593).

([27]) في اللسان: "ولما مات عبد الرحمن بن عوف قال عمرو بن العاص: هنيئاً لك يا ابن عوف، خرجت من الدنيا ببطنتك ولم يتغضغض منها شيء. قال الأزهري: ضرب البطنة مثلاً لوفور أجره الذي استوجبه بهجرته وجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يتلبس بشيء من ولاية ولا عمل ينقص أجوره التي وجبت له".

([28]) البيت لطرفة، كما في اللسان (غطط، رطن)، وليس في ديوانه. وقد مضى في (رطن).

([29]) أنشده في اللسان (غطط) برواية: "قام إلى أدماء". وبعده:

* يمشي بمثل قائم الفسطاط *

([30]) ومثل هذه النسبة أيضاً عند الجوهري. وخطأه ابن بري، قال: هو لأبي كبير الهذلي وانظر ديوان الهذليين (2: 91).

([31]) صدره في ديوان الهذليين واللسان (غطط، وعع):

* لا يجفلون عن المضاف إذا رأوا *

 

ـ (باب الغين والفاء وما يثلثهما)

(غفق) الغين والفاء والقاف أصلٌ صحيح يدلُّ على خِفّة وسُرعةٍ وتكريرٍ في الشيء، مع فَتَراتٍ تكون بين ذلك.

من ذلك قولهم: غَفَقَ إبلَه، وذلك إذا أسرَعَ إيرادَها ثم كرَّرَ ذلك. ويقولون: ظلَّ يتَغَفَّقُ الشَّرَابَ، إذا جعَلَ يشربُه ساعةً بعدَ ساعةٍ. ويقال: غَفَقَ غَفْقَةً من اللَّيل([1]) ، إذا نامَ نومةً خفيفة. والغَفْق: المطر [ليس([2]) بـ] الشَّديد. ويقال غَفَقَه بالسَّوط غَفَقَاتٍ. والغَفْق: الهُجوم على الشَّيء من غير قصدٍ([3]) ، ويقال للآيب من غَيْبته فُجاءةً. وغَفَقَ الحِمارُ الأتانَ: أتاها مَرّةً بعد مرَّة.

(غفر) الغين والفاء والراء عُظْمُ بابِه السَّتْر، ثم يشِذُّ عنه ما يُذكر. فالغَفْر: السَّتر. والغُفْران والغَفْرُ بمعنَىً. يقال: غَفَر الله ذنبه غَفْراً ومَغفِرةً وغُفراناً. قال في الغَفْر:

في ظلِّ مَن عَنَتِ الوُجوهُ لـه  *** مَلِكِ المُلوكِ ومالِكِ الغَفْرِ

ويقال: غَفِرَ الثَّوبُ، إذا ثارَ زِئبِرهُ. وهو من الباب، لأنَّ الزِّئبِر يُغطِّي وجهَ الثَّوب. والمِغْفَر معروف. والغِفارة: خِرقةٌ يَضَعها المُدَّهِنُ على هامَته. ويقال الغَفِير: الشَّعر السَّائل في القفا. وذُكر عن امرأةٍ من العرب أنَّها قالت لابنتها: "اغفِرِي غفيرَك"، تريد: غَطِّيه. والغَفِيرة: الغُفرانُ أيضاً. قال:

* يا قوم ليسَتْ فيهمُ غَفِيرَهْ([4]) *

ومما شَذَّ عن هذا: الغَُفْر: ولد الأُرويّة، وأمُّه مُغْفِرٌ. والغَفْر: النُّكْس في المَرَض. قال:

خليلَيَّ إنّ الدّارَ غَفْرٌ لذِي الهوى *** كما يَغْفِرُ المحمومُ أو صاحبُ الكَلْمِ([5])

فأمَّا المَغْفُور فشيءٌ يشبَّه بالصَّمغ يَخرُج من العُرْفُط.

(غفل) الغين والفاء واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تَرك الشّيء سهواً، وربَّما كان عن عمدٍ. من ذلك: غَفَلتُ عن الشيء غَفلةً وغُفولاً، وذلك إذا تركتَه ساهياً. وأغفلْتُه، إذا تركْتَه على ذُكْرٍ منك له. ويقولون لكلِّ ما لا مَعْلَم له: غُفْلٌ، كأنَّه غُفِل عنه. فيقولون: أرضٌ غُفْلٌ: لا عَلَم بها. وناقَة غُفْلٌ: لا سِمَةَ عليها. ورجلٌ غُفْل: لم يجرِّب الأمور.

(غفو/ي) الغين والفاء والحرف المعتل أُصَيل كأنَّه يدلُّ على مِثل ما دلَّ عليه الأوّلُ من التَّرْك للشَّيء، إلاّ أنّ هذا يختصُّ بأنَّه جِنسٌ من النَّوم. من ذلك: أغفَى الرّجلُ من النَّوم يُغْفِي إغفاءً. والإغفاءةُ: المرّة الواحدة. قال:

فلو كنتَ ماءً كنتَ ماءَ غمامةٍ  *** ولو كنت نوماً كنت إغفاءةَ الفجرِ

من ذلك الغَفْو([6]) ، وهي الزُّبْيَة، وذلك أنَّ السَّاقط فيها كأنَّه غَفَل وأغَفَى حتَّى سقط.

وممّا شذَّ عن هذا: الغَفَى، وهو الرُّذال من الشَّيء. يقال: أغفَى الطّعامُ: كثُر غَفاه، أي الرديُّ منه.

(غفص) الغين والفاء والصاد كلمةٌ واحدة. غافَصْتُ الرّجلَ: أخذْتُه على غِرّةٍ. والله أعلم بالصَّواب.

ــــــــــــــــــ

([1]) لم ترد في اللسان ووردت في القاموس، وزاد في اللسان والقاموس: غفق تغفيقاً، إذا نام وهو يسمع حديث القوم، أو نام في أرق.

([2]) التكملة من المجمل والقاموس. ولم ترد الكلمة بهذا المعنى في اللسان.

([3]) ذكره في القاموس ولم يقيد معناه بعدم القصد، ولم يذكر في اللسان.

([4]) الرّجز لصخر الغي كما في اللسان (غفر) وإصلاح المنطق 291.

([5]) البيت للمرار الفقعسي، كما في اللسان (غفر). وانظر إصلاح المنطق 144.

([6]) ويقال: "الغفوة" أيضاً، كما في اللسان.

 

ـ (باب الغين واللام وما يثلثهما)

(غلم) الغين واللام والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على حَداثةٍ وهَيْجِ شهوة. من ذلك الغُلام، هو الطارُّ الشَّاربِ([1]) . وهو بيِّنُ الغُلومِيّة والغُلُومة، والجمع غِلْمةٌ وغِلْمان. ومن بابه: اغتَلَم الفَحلُ غُلمةً: هاج من شَهوة الضِّراب. والغيْلَم: الجارية الحَدَثة. والغَيْلَم: الشابُّ. والغَيْلَم: ذكر السَّلاحِف. وليس بعيداً أن يكون قياسُه قياسَ الباب.

(غلو/ي) الغين واللام والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ في الأمر يدلُّ على ارتفاع ومجاوَزةِ قَدْر. يقال: غَلاَ السِّعر يغلو غَلاءً، وذلك ارتفاعُه. وغَلاَ الرَّجلُ في الأمر غُلُوّاً، إذا جاوَزَ حدَّه. وغَلاَ بسَهْمِه غَلْوَاً، إذا رَمَى به سَهْماً أقصى غايتِه. قال:

* كالسَّهمِ أرسلَهُ من كفِّهِ الغالي([2]) *

وتَغالَى الرَّجُلان: تفاعَلاَ من ذلك. وكلُّ مَرْماةٍ عند ذلك غَلْوَة. وغَلَت الدّابّةُ في سَيرها غَلْوَاً، واغتلت اغتلاء، وغالت *غِلاء. وفي أمثالهم: "جَرْيُ المذَكِّياتِ غِلاءٌ([3]) ". وتَغالَى النَّبتُ: ارتفَعَ وطال. وتَغالَى لحمُ الدابَّةِ، إذا انحسر عنه وَبَره. وذلك لا يكون إلاَّ عن قوّةٍ وسِمَن وعُلُوٍّ. وغَلَتِ القِدْرُ تَغْلِي غَلَياناً. والغُلَوَاء: أن يمُرَّ على وجهِه جامحاً. قال:

لم تلتفت لِلِداتِها *** ومضَتْ على غُلَوائِها([4])

وأمَّا الغالية من الطِّيب فممكنٌ أن يكون من هذا، أي هي غاليةُ القيمة. يقولون: تغلَّلْت وتغلَّيت من الغالية.

(غلب) الغين واللام والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على قوّةٍ وقَهرٍ وشدَّة. من ذلك: غَلَب الرّجلُ غَلْبَاً وغَلَباً وغَلَبة. قال الله تعالى: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِم سَيَغْلِبُون}  [الروم 3]. والغِلاَب: المغالَبة. والأغلَبُ: الغَليظ الرّقَبة. يقال: غَلِبَ يَغْلَبُ غَلَباً. وهضْبةٌ غَلباء، وعِزَّةٌ غلباء. وكانت تغلِبُ تسمَّى الغلباء. قال:

وأورثَنِي بنو الغَلباء مَجْداً  *** حديثاً بعد مَجدِهمُ القديمِ([5])

 

واغلولَبَ العُشْب: بلَغَ كلَّ مَبلغ. والمُغَلَّب من الشُّعراء: المغلوب مِراراً. والمُغَلَّب أيضاً: الذي غَلب خَصْمَه أو قِرْنَه، كأنَّه غلَّب على خَصْمِه، أي جُعِلت له الغَلَبة.

(غلت) الغين واللام والتاء فيه كلمة، يقولون: الغَلَت في الحساب: مثل الغَلَط في غيره. وفي بعض الحديث: "لا غَلَت في الإسلام".

(غلث) الغين واللام والثاء أصلٌ صحيحٌ واحد، يدلُّ على الخَلْط والمُخالَطة. من ذلك: غَلَثْتُ الطّعامَ: خلَطت حنطةً وشعيرا([6]) . وهو الغَلِيث. ورجل غَلِثٌ، إذا خالَطَ الأقرانَ في القِتال لَزُوماً لما طَلَب. ويقال: غَلِثَ به، إذا لزِمَه. وغَلِثَ الذِّئبُ بالغَنم: لازَمَها.

فأمَّا قولهم: غَلثَ الزَّندُ، إذا لم يَرِ، فهو كلامٌ غير ملخَّص؛ وذلك أنَّ معناه أنّه زَندٌ منتخَب، وإنَّما هو خِلْطٌ من الزُّنُودِ، قد أُخِذَ من العُرْضِ مُخْتلِطاً بغيره. يراد بالغَلَث خَشَبه، وإذا كان [كذلك] لم يَرِ.

(غلج) الغين واللام والجيم كلمةٌ تدلُّ على البَغْي والسَّطْوة. تقول العرب: هو يَتَغَلَّجُ علينا، أي يبغِي. وعَيْرٌ مِغْلَجٌ: شَلاَّل للعانة. ويكون تغلُّجُه أيضاً أن يَشربَ ويتلمَّظَ بلسانه.

(غلس) الغين واللام والسين كلمةٌ واحدة، وهو الغَلَس، وذلك ظلامُ آخرِ اللَّيل. يقال: غَلَّسْنا، أي سِرنا غَلَسا. قال الأخطل:

كذَبَتْكَ عينُكَ أم رأيتَ بواسطٍ  *** غَلَسَ الظلامِ من الرَّبابِ خيالا([7])

وقولهم: وقع في تُغُلِّسَ([8]) ، أي داهية، هو من هذا، لأنه يقع في أمرٍ مُظلم لا يَعرِف المخرجَ منه.

(غلط) الغين واللام والطاء كلمةٌ واحدة، وهي الغَلط: خلاف الإصابة. يقال: غَلِط يَغْلَط غَلَطاً. وبينهم أُغلوطةٌ، أي شيءٌ يُغالِط به بعضُهم بعضاً.

(غلف) الغين واللام والفاء كلمةٌ واحدةٌ صحيحة، تدلُّ على غِشاوةٍ وغِشيانِ شيء لشيء. يقال: غِلافُ السَّيفِ والسِّكِّين. وقَلبٌ أغلَفُ: كأنَّما أُغشِيَ غِلافاً فهو لا يَعي شيئاً. قال الله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ}

[البقرة 88]، أي أُغشِيَتْ شيئاً فهي لا تَعي. وقرئت([9]) :{غُلُفٌ([10])} ، أي أوعيةٌ للعِلْم. والقياس في ذلك كله واحد. ويقولون: تغَلَّف بالغالية، وليس ببعيدٍ ممّا ذكرناه.

(غلق) الغين واللام والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على نُشوبِ شيءٍ في شيء. من ذلك الغَلَق، يقال منه: أغلقتُ البابَ فهو مُغْلَق. وغَلِقَ الرهنُ في يدِ مُرْتَهِنِه، إذا لم يَفتكَّه([11]) . قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "لا يَغْلَقُ الرَّهنُ". قال الفُقهاء: هو أن يقول صاحب الرَّهْنِ لصاحب الدَّين: آنَيتُك بحقِّك([12]) إلى وقت كذا، وإلاَّ فالرَّهنُ لك. فنَهَى النبيُّ صلى الله عليه وآله عن ذلك الاشتراط. وكلُّ شيء لم يُتَخَلَّصْ فقد غَلِق. قال زُهير:

وفارقتْكَ برهنٍ لا فَكاكَ له  *** يومَ الوَداعِ فأمسى الرَّهنُ قد غَلِقا([13])

ويقال المِغْلَق: السَّهم السابعُ في الميسِر، لأنَّه يَستغلِق شيئاً وإن قلَّ. قال لبيد:

وجَزُورِ أيسارٍ دعوتُ لحتْفِها  *** بمَغَالقٍ متشابهٍ أجسامُها([14])

*ويقال: غَلِقَ ظَهرُ البعير فلا يَبْرأُ من الدَّبَر. ومنه غلِقَت النّخلةُ: ذَوَت أصولُ سَعفِها فانقطَع حَمْلُها. والله أعلم بالصّواب.

ــــــــــــــــ

([1]) أي الذي طر شاربه، أي طلع وظهر. وفي الأصل: "الطائر الشارب"، صوابه في المجمل واللسان والقاموس.

([2]) أنشده في اللسان (غلا).

([3]) ويروى: "غلاب" كما سبق في (ذكا)، وكذا في اللسان (ذكا).

([4]) لابن قيس الرّقيات في ديوانه 280 واللسان (غلا).

([5]) أنشده في اللسان (غلب).

([6]) في المجمل: "خلطته حنطة بشعير".

([7]) ديوان الأخطل41 واللسان (غلس). وهو مطلع قصيدة يهجو بها جريراً.

([8]) غير مصروف، علم للداهية. وهو بضم التاء مع الغين وفتحها وكسر اللام المشددة.

([9]) في الأصل: "وقريب"، تحريف.

([10]) هي قراءة ابن محيصن، كما في إتحاف فضلاء البشر 141 وهي جمع غلاف.

([11]) أي إذا لم يفتكه الراهن. وفي المجمل واللسان: "إذا لم يفتك" بالبناء للمفعول.

([12]) آنيتك: أخرتك. وفي الأصل: "أتيتك"، تحريف.

([13]) ديوان زهير 33 واللسان (غلق). وفي الديوان: "فأمسى رهنها غلقا".

([14]) من معلقته المشهورة. وانظر الميسر والقداح لابن قتيبة 87.

 

ـ (باب الغين والميم وما يثلثهما)

(غمن) الغين والميم والنون كلمةٌ واحدةٌ لا يقاس عليها. يقولون: غمَنْتُ الجِلدَ، إذا ليَّنتَه، فهو غمينٌ.

(غمي) الغين والميم والحرف المعتلّ يدلُّ على تغطيةٍ وتغْشِيَة. من ذلك: غَمَيْتُ البيتَ، إذا سقَّفتَه، والسَّقفُ غِماءٌ. ومنه أُغمِيَ [على] المريض فهو مغمىً عليه إذا غُشِيَ عليه.

(غمج) الغين والميم والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على حركةٍ ومجيء وذَهاب. يقال للفصيل: غَمِجٌ، وهو يتغامَجُ بين أرفاغ أمِّه، إذا جاءَ وذهَبَ. ويقولون للرَّجُل لا يستقيم خُلُقه: غَمِج. والغَمْج: شُرب الماء، وهو قريبُ القياسِ من الأوَّل.

(غمد) الغين والميم والدال أصلٌ واحد صحيح، يدلُّ على تغطيةٍ وسَتْر. من ذلك الغِمْدُ للسَّيف: غِلافُهُ. يقال: غَمَدته أَغْمِدُه غَمداً. ويقال: تَغمَّده الله برحمته، كأنه يَغْمُرُه بها. وتغمَّدتُ فلاناً: جعلتَه تحتَك حتَّى تغطِّيَه. والنَّسبة إلى غامدٍ غامديّ، وهو حيٌّ من اليَمَن، واشتقاقُهُ ممَّا ذكرناه.

(غمر) الغين والميم والراء أصلٌ صحيح، يدلُّ على تغطيةٍ وسَتْرٍ في بعض الشِّدّة. من ذلك الغمْر: الماءُ الكثير، وسمّي بذلك لأنّه يغمرُ ما تَحتَه. ثم يشتقُّ من ذلك فيقال فَرسٌ غَمْر: كثير الجَرْي، شُبِّه جريُه في كثرته بالماء الغَمْر. ويقال للرَّجُل المِعطاء: غَمْر، وهو غَمْرُ الرِّداء. قال كثيِّر:

غَمْرُ الرِّداءِ إذا تبسَّمَ ضاحكاً  *** غَلِقتْ لِضَحْكتِهِ رِقابُ المالِ([1])

ومن الباب: الغَمْرة: الانهماك في الباطل واللَّهو. وسمِّيت غَمرةً لأنّها شيء يستُر الحقَّ عن عين صاحِبِها. وغَمَرات الموت: شدائدُه التي تَغْشَى. وكلُّ شِدّةٍ غَمرة، سمِّيت لأنَّها تَغْشَى. قال:

* الغمرات ثم ينجلينا([2]) *

ومما يصحِّح هذا القياسَ الغَمير، وهو نباتٌ أخضَرُ يغمُره اليَبِيس. ويقال: دخَلَ في غِمار النّاس، وهي زَحْمتُهم، وسمِّيت لأنَّ بعضاً يستُرُ بعضاً. وفلانٌ مُغامِرٌ: يَرمي بنفسه في الأمور، كأنَّه يقع في أُمورٍ تَستُره، فلا يَهتدِي لوجه المَخْلَص منها. ومنه الغمْر([3]) ، وهو الذي لم يجرّب الأمورَ كأنَّها سُتِرتْ عنه. قال:

أناةً وحِلْماً وانتظاراً غداً بهمْ  *** فما أنا بالواني ولا الضَّرَع الغُمْرِ([4])

والغِمْر: الحِقْد في الصَّدر، وسمِّي لأنَّ الصَّدرَ يَنطوِي عليه. يقال: غَمِرَ عليه

صدرُه. والغِمْر: العَطَش، وهو مشبَّه بالغِمْر الذي هو الحِقد، والجمع الأغمار. قال:

* حَتَّى إذا ما بلَّتِ الأغمارا([5]) *

ومن الباب غَمَرُ اللحم، وهو رائحتُه تَبْقَى في اليد، كأنَّها تغطِّي اليد. فأمَّا الغُمَر فهو القَدَح الصَّغير، وليس ببعيدٍ أن يكون من قياسِ الباب، كأنَّ الماءَ القليلَ يغمُره. ويجوز أن يكون شاذَّاً عن ذلك الأصل. قال:

تَكفِيهِ حُزَّة فِلْذٍ إن ألَمَّ بها  *** من الشِّواءِ وَيُروِي شُربَه الغُمَرُ([6])

(غمز) الغين والميم والزاء أصلٌ صحيح، وهو كالنَّخْس في الشيء بشيء، ثم يُستعار. من ذلك: غَمَزْتُ الشَّيءَ بيدي غمزاً. ثم يقال: غمزَ، إذا عاب وذَكَر بغير الجميل. والمَغَامز: المعايب. وفي عقل فلانٍ غَمِيزةٌ، كأنَّه يُستضعَف. وممّا يستعار: غَمَزَ بجفنه: أشار. ومنه: غَمَزَ الدابةُ من رجله، كأنّه يغمز الأرضَ برجله.

(غمس) الغين والميم والسين أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على غَطِّ الشيء. يقال: غَمَست الثَّوبَ واليدَ في الماء، إذا غططتَه فيه. وفي الحديث: "إذا استيقَظَ أحدُكم من نومه فلا يَغمِسْ يَدَه في الإناء". والغَمِير تحتَ اليَبيس يقال له الغَمِيس.

ومن الباب الغَمِيس، وهو مَسيلٌ صغيرٌ بين مجامع الشَّجر. والمُغامَسَة: رَمْي الرّجلِ نفسَه في سِطَة الحرب. ويمينٌ غَموس* قال قوم: معناه أنّها تَغمِس صاحبَها في الإثم. وقال قومٌ: الغَمُوس: النافذة. والمعنيان وإن اختلفا فالقياسُ واحد، لأنّها إذا نفذت فقد انغمست. قال:

ثم نفَّذته ونفَّست عنه  *** بغَموسٍ أو ضربةٍ أُخدودِ([7])

ويقال للأمر الشديد الذي يغُطّ([8]) الإنسانَ بشدّته: غَموس. قال:

متى تأتِنا أو تلقَنا في ديارنا  *** تجدْ أمرَنا أمراً أحذَّ غَمُوسا([9])

(غمص) الغين والميم والصاد أُصَيلٌ يدلُّ على حقارة. يقال غَمَصت الشيءَ، إذا احتقرته. وفي الحديث: "إِنّما ذلك مَنْ غَمَصَ النّاسَ([10]) "، أي حَقَرَهم. والغَمَصُ في العين كالرَّمَصِ. ومنه: الشِّعرَى الغُمَيْصَاء، كأنَّها ليس لها ضوء العَبُور، فهي الغُميصاء كالعين التي بها غَمَص.

(غمض) الغين والميم والضاد أصلٌ صحيح يدلُّ على تطامُنٍ في الشَّيء وتداخُل. فالغَمْض: ما تطامَنَ من الأرض، وجمعه غُموض. ثم يقال: غَمَض الشَّيءُ من العِلم وغيرِه، فهو غامض، ودارٌ غامضةٌ، إذا لم تكن شارعةًَ بارزة.

ونسبٌ غامضٌ: لا يُعرَف. وغمّض عينه وأغمَضَها بمعنىً. وهو قياس الباب. ويقال: ما ذُقْتُ غُمْضاً من النَّوم ولا غَِماضاً، أي كقدر ما تُغمَض فيه العين. ويقال: أغْمِضْ لي فيما بِعتَني، كأنَّك تريدُ الزِّيادةَ منه لرداءته والحطَّ من ثمنه. وهو أيضاً من إغماض العَين، أي اتركْه كأنَّك لا تراه. والمغَمِّضات: الذُّنوب يركبها الرَّجلُ وهو يَعرِفها لكنّه يغمّض عنها كأنّه لم يَرَها. ويقال: غُمِّضَت النّاقةُ، إذا رُدَّت عن الحَوض فحَمَلَت على الذَّائد مُغَمِّضة عينَينها فورَدَتْ. قال أبو النجم:

* يُرسِلُها التَّغميضُ إن لم تُرسَلِ([11]) *

وأغْمَضْت حدَّ السَّيف، إذا رقّقته، أي كأنَّك لرقَّته أخفيتَه عن العُيون.

(غمط) الغين والميم والطاء كلمةٌ واحدة. يقال غَمَطَ النِّعمة: احتقرها. وغَمَطَ النّاسَ: احتقرهم. فأمّا قولهم: أغمَطَتْ عليه الحُمَّى، إذا لزِمَتْه ودامت عليه، فليس من هذا، لأنّ الميم فيه بدلٌ من باء، الأصل أغبَطَت. وقد ذُكِر.

(غمق) الغين والميم والقاف كلمةٌ واحدة، وهي الغَمَق: كثْرة النَّدى. يقال أرضٌ غَمِقَةٌ، ونباتٌ غمق. وليلةٌ غَمِقَة: لثِقة.

(غمل) الغين والميم واللام أُصَيْلٌ يدلُّ على ضِيقٍ في الشيء وغُموض. يقال لِمَا ضاقَ من الأودية: غُمْلُول. واشتُقَّ من هذا: غَمَلْتُ الأدِيمَ، إذا غَمَمْتَه ليتفَسَّخَ عنه صوفُه. وهو غَمِيلٌ. ويقال: الغُمْلُول: كلُّ ما اجتَمَع من شجرٍ، أو غمام، أو ظُلْمة، حتَّى تسمَّى الزَّاوية غُملولا. والله أعلم بالصَّواب.

ــــــــــــــــــ

([1]) اللسان (غمر) ومعاهد التنصيص (1: 187).

([2]) للأغلب العجلي كما في أمثال الميداني (2: 4). وكذا ورد إنشاده في المجمل ووقعة صفين 287. وفي جمهرة العسكري 150:

الغمرات ثم ينجلين ***

عنا وينزلن بآخرين

شدائد يتبعهن لين

([3]) يقال بتثليث الغين وبفتحها أيضاً.

([4]) نسبه في مادة (ضرع) إلى ابن وعلة، ونسبه البحتري في حماسته 104 إلى عامر بن مجنون الجرمي، ونسب في حماسة ابن الشجري 70 لكنانة بن عبد ياليل وقال: "وتروى للحارث بن وعلة الشيباني"

([5]) للعجاج في ديوانه 23 واللسان (غمر).

([6]) لأعشى باهلة يرثي أخاه المنتشر بن وهب الباهلي، اللسان (غمر) وإصلاح المنطق 5، 98، 216. وقصيدته في حماسة ابن الشجري 10 والأصمعيات 33 ليبسك.

([7]) لأبي زبيد الطائي، كما في اللسان (غمس). وروايته فيه: "ثم أنقضته".

([8]) في الأصل: "بغير".

([9]) يشبه أن يكون رواية في بيت ليزيد بن الخذاق الشني في المفضليات (2: 98). وهو:

إذا ما قطعنا رملة وعدابها  *** فإن لنا أمراً أحذ غموسا

([10]) هو حديث مالك بن مرارة الرهاوي، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أوتيت من الجمال ما ترى فما يسرني أن أحداً يفضلني بشراكي فما فوقها، فهل ذلك من البغي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما ذلك من سفه الحق وغمص الناس". اللسان (غمص).

([11]) اللسان والمجمل (غمض) والبيان (3: 53) بتحقيقنا، حيث أشير إلى "أم الرجز". وبعده:

* خوصاء ترمي باليتيم المحثل *

 

ـ (باب الغين والنون وما يثلثهما)

(غنم) الغين والنون والميم أصلٌ صحيح واحد يدلُّ على إفادة شيء لم يُملَك من قبل، ثم يختصّ به ما أُخِذ من مال المشركين بقَهْرٍ وغَلَبة. قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال 41]. ويقولون: غُنَامَاكَ أنْ تفعل كذا، أي غايتُك والأمر الذي تتغنَّمه. وغَنْمٌ: قبيلة. ولعلَّ اشتقاقَ الغَنَم من هذا، وليس ببعيد.

(غني) الغين والنون والحرف المعتل أصلانِ صحيحان، أحدُهما يدلُّ على الكِفاية، والآخر صوت.

فالأوّل الغِنى في المال. يقال: غَنِيَ يَغْنَى غِنىً. والغَنَاء بفتح الغَين مع المدّ: الكِفَاية. يقال: لا يُغْنِي فلانٌ غَنَاءَ فلانٍ، أي لا يَكفِي كِفايَتَه. وغَنِيَ عن كذا فهو غانٍ. وغَنِيَ القومُ في دارهم: أقاموا، كأنَّهُم اسْتَغْنُوا بها. ومَغَانيهم: مَنازِلُهم. والغانية: المرأة. قال قومٌ: معناه أنها استغنَتْ بمنزلِ أبويها. وقال آخرون: استغنَتْ ببعلها. ويقال استَغْنَتْ بجمالها عن لُبْسِ الحلْي. قال الأعشى:

ولكنْ لا يَصِيد إذا رماها  *** ولا تُصْطادُ غانيةٌ كَنُودُ([1])

والغُنْيَان: الغِنَى. قال قيس:

أجَدَّ بعَمْرَة غُنيانُها  *** فتَهْجُرَ أم شانُنا شَانُها([2])

ويقال: تَغنَّيْتُ بكذا، وتغَانيتُ به، إذا أنت استغنيت به. قال الأعشى:

وكنت امرأً زَمَناً* بالعِراقِ  *** عَفِيف المُنَاخِ طويل التغَنّْ([3])

وقال في التَّغاني:

كلانا غنِيٌّ عن أخيه حَيَاتَهُ  *** ونحنُ إذا مُِتْنا أشدُّ تَغَانِيا([4])

والأصل الآخر: الغِناء من الصَّواب. والأُغْنيَة([5]) : اللون من الغِنَاء.

(غنج) الغين والنون والجيم كلمةٌ واحدة، الغُنْج، وهو الشِّكل والدَّلُّ.

(غنظ) الغين والنون والظَّاء كلمةٌ واحدة. يقال: إنّ الغَنْظَ: الهمُّ اللازم. غَنَظَه الأمرُ يَغْنِظه. قال:

ولقد رأيتَ فوارساً من قومنا  *** غَنَظُوكَ غَنْظَ جَرَادةِ العَيَّارِ([6])

ــــــــــــــــ

([1]) ديوان الأعشى 215. وقبله:

وقد صادت فؤادك إذ رمته  *** فلو أن امرأ دنفا يصيد

([2]) ديوان قيس بن الخطيم 7 واللسان (غنا).

([3]) ديوان الأعشى 22 واللسان (غنا) والمخصص (6: 143). وسبق إنشاده في (زمن).

([4]) قائله المغيرة بن حبناء، كما في اللسان (غنا).

([5]) تقال بضم الهمزة وكسرها مع تشديد الياء وتخفيفها، أربع لغات.

([6])البيت لجرير في اللسان (غنظ) ولم يرو في ديوان جرير. ونسب في التاج (جرد) إلى ابن أدهم النعامي الكلبي. وأنشده في اللسان (عير) بدون نسبة. والجرادة هنا فرس العيار، وهو اسم رجل. وبعده في اللسان (غنظ):

ولقد رأيت مكانهم فكرهتهم  *** ككرهة الخنزير للإيغار

 

 

ـ (باب الغين والهاء وما يثلثهما)

(غهب) الغين والهاء والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على ظَلامٍ وقِلّة ضياء، ثم يُستعار. فالغَيْهَب: الظُّلمة. يقال للأدهم من الخَيل الشَّديد الدُّهمة: غَيْهَب. ويستعار هذا فيقال للغَفْلة عن الشَّيء: غَهَبٌ. يقال: غَهِبَ عنه، إذا غَفَل.‏


ـ (باب الغين والواو وما يثلثهما)

(غوي) الغين والواو والحرف المعتلّ بعدهما أصلانِ: أحدهما يدلُّ على خِلاف الرُّشد وإظلام الأَمْر، والآخرُ على فسادٍ في شيء.

فالأوَّل الغَيّ، وهو خلاف الرُّشد، والجَهلُ بالأمر، والانهماكُ في الباطل. يقال غَوى يَغْوي غَيَّاً([1]) . قال:

فمن يَلْقَ خَيراً يَحمَدِ النّاسُ أمرَه *** ومَن يَغْوَ لا يَعْدَمْ على الغَيِّ لائما([2])

وذلك عندنا مشتقٌّ من الغَيَاية، وهي الغُبْرة والظلمةُ تَغشيان، كأنَّ ذا الغَيِّ قد غَشِيه ما لا يرى معه سبيلَ حقّ. ويقال: تغايَا([3]) القومُ فوق رأس فلانٍ بالسُّيوف، كأنَّهم أظلّوه بها. ويقال: وقَعَ القوم في أُغْوِيّة، أي داهية وأمرٍ مظلم. والتَّغاوي: التجمُّع، ولا يكون ذلك في سبيلِ رُشْدٍ. والمُغَوَّاة: حُفرةُ الصَّائد، والجمع مُغَوَّيات. وفي الحديث: "يحبّون أن يكونوا مُغَوَّياتٍ([4]) "، يراد أنَّهم يحتّجِنون الأموال، كالصَّائد الذي يَصيد.

فأمَّا الغَايَة فهي الرَّاية، وسمِّيت بذلك لأنّها تُظِلُّ مَن تحتَها. قال:

قد بِتُّ سامِرَها وغايَةِ تاجرٍ *** وافيتُ إِذْ رُفِعَت وعَزَّ مُدامُها([5])

ثم سميِّت نهايةُ الشَّيء غايةً. وهذا من المحمول على غيرِه، إِنِّما سميت غايةً بغاية الحرب، وهي الرّاية، لأنَّه يُنْتَهَى إليها كما يَرجِع القومُ إلى رايَتِهم في الحرب.

والأصل الآخر: قولهم: غَوِيَ الفَصيلُ، إذا أكثر من شُربِ اللّبَن ففَسَد جوفُه. والمصدر الغَوَى. قال:

مُعطَّفةُ الأثناء ليس فصيلُها *** بَرازِئِها دَرّاً ولا ميِّتٍ غَوَى([6])

(غوث) الغين والواو والثاء كلمةٌ واحدة، وهي الغوث من الإغاثة، وهي الإغاثة والنُّصرة عند الشِّدة. وغَوْثٌ: قبيلة.

(غوج) الغين والواو والجيم كلمةٌ واحدة، وهي الفَرَس الغَوج. إذا كان عريضَ الصَّدر. وربَّما سمَّوا كلَّ ليِّنٍ غَوْجاً.

(غور) الغين والواو والراء أصلانِ صحيحان: أحدهما خُفوضٌ في الشَّيء وانحطاطٌ وتطامن، والأصل الآخر إقدامٌ على أخذِ مالٍ قَهْراً أو حَرَباً.

فالأوَّل قولهم لقَعْر الشيء: غَوره. ويقال: غَارَ الماءُ غَوْراً، وغارت عينُه غُؤوراً([7]). قال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً}  [الملك 30]. ويقال: غارَت الشَّمْسُ غِياراً: غابت. قال الهُذَلِيّ([8]) :

هل الدّهْرُ إِلاَّ ليلةٌ ونَهَارُها  *** وإلاّ طُلوع الشَّمس ثمَّ غِيَارُها

والغَوْر: تِهَامَةُ وما يلي اليَمن، سمِّيت بذلك لأنَّها خِلافُ النَّجْد. والنَّجْد: مرتَفِعٌ من الأرض. يقال: غَارَ الرّجُل، إذا أتَى الغَوْر، وأغار. قال:

نبيٌّ يرَى ما لا تَرَوْنَ وذكرُه  *** أغارَ لَعَمْري في البلادِ وأنْجَدَا([9])

وغَوّر الرّجُل، إذا نزَلَ للقائلة، كأنَّه [نزل] مكاناً هابطاً. ولا يكادون يفعلون إلاّ كذا. وغَوْرُ القُرْحَةِ من هذا أيضاً.

والأصل الآخَر الإغارة. يقال: أَغارَ بنو فلانٍ على بني فلان إغارةً وغارة. وإغارة الثَّعلب: عَدْوه. وهو *من هذا أيضاً.

(غوص) الغين والواو والصاد أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على هجومٍ على أمرٍ متسفِّلٍ من ذلك الغَوْص: الدُّخول تحتَ الماء. [والهاجم([10]) ] على الشيء غائص. وغاصَ على العلمِ الغامِضِ حتى استنبطه.

(غوط) الغين والواو والطاء أصلٌ صحيح يدلُّ على اطمئنانٍ وغَور. من ذلك الغائط: المطمئِنُّ من الأرض، والجمع غِيطان وأغواط. وغُوطَة دِمَشْقَ يقالُ إنها مِن هذا، كأنها أرضٌ منخفضة. وربما قالوا: انغاطَ العُودُ([11]) ، إذا تثَنَّى، وإذا تثنى فقد انخفَضَ، وقياسُه صحيح.

(غول) الغين والواو واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على خَتْل وأخْذٍ من حيث لا يدري. يقال: غالَهُ يَغُوله: أخَذَهُ من حيث لم يدرِ. قالوا: والغَوْل: بُعْدُ المَفَازَة، لأنَّه يغتالُ من مَرَّ به. قال:

* به تمَطَّتْ غَوْلَ كلِّ مِيلَهِ([12]) *

والغُول من السَّعالي سمِّيت لأنها تغتال. والغِيلة: الاغتيال، والياء واوٌ في الأصل. والمِغْوَل: سيفٌ دقيق له قَفَاً؛ وأظنه سمِّي مِغْوَلاً لأنَّهُ يُسْتَرُ بقرابٍ حتى لا يُدرى ما فيه. والله أعلم.

(غود) الغين والواو والدال([13]) أُصَيلٌ يدلُّ على لينِ شيءٍ وتثنٍّ. فالأغْيَد: الوَسنانُ المائل العُنُق، والجمع غِيدٌ. والغَيْداء: الفتاةُ النَّاعمة، كأنَّها تتثنَّى. والمصدر الغَيَد.

ــــــــــــــــ

([1]) يقال غوى يغوي: من بابي رمى وفرح.

([2]) البيت لمرقش الأصغر في المفضليات (2: 47) واللسان (غوى) وإصلاح المنطق 227. وسبق في (عير).

([3]) في الأصل: "غايا"، صوابه في المجمل واللسان.

([4]) في اللسان: "روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن قريشاً تريد أن تكون مغويات لمال الله. قال أبو عبيد: هكذا روي بالتخفيف وكسر الواو. قال: وأما الذي تكلمت به العرب فالمغويات بالتشديد وفتح الواو".

([5]) البيت للبيد في معلقته المشهورة.

([6]) البيت في صفة قوس، كما في اللسان (غوى) واصلاح المنطق 213، 327 والمخصص (7: 41، 180/ 15: 162).

([7]) في الأصل: "غوراً"، صوابه في المجمل واللسان.

([8])هو أبو ذؤيب الهذلي. ديوان الهذليين (1: 21) واللسان (غور).

([9])ديوان الأعشى 103 واللسان (غور).

([10]) هذه التكملة من المجمل واللسان (غوص).

([11]) وردت في القاموس، ولم ترد في اللسان.

([12]) لرؤبة في ديوانه 167 واللسان (مطا، غول، وله).

([13]) أجمعت المعاجم على أنها (غيد)، ولكن كذا وردت.

 

ـ (باب الغين والياء وما يثلثهما)

(غيب) الغين والياء والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على تستُّر الشيء عن العُيون، ثم يقاس. من ذلك الغَيْب: ما غَابَ([1]) ، ممّا لا يعلمه إلا الله. ويقال: غابت الشَّمس تَغِيب غَيْبَةً وغُيُوباً وغَيْباً. وغابَ الرَّجل عن بلده. وأغابَتِ المرأةُ فهي مُغِيبةٌ، إذا غابَ بعلُها. ووقَعْنا في غَيْبَةٍ وغَيَابة، أي هَبْطة من الأرض يُغابُ فيها. قال الله تعالى في قصة يُوسُفَ عليه السَّلام: {وَأَلْقُوهُ في غَيَابَةِ الجُبِّ}  [يوسف 10]. والغَابة: الأجَمة، والجمع غاباتٌ وغابٌ. وسمِّيت لأنّه يُغاب فيها. والغِيبة: الوَقيعة في النّاس من هذا، لأنَّها لا تقال إلاّ في غَيْبَة.

(غيث) الغين والياء والثاء أصلٌ صحيح، وهو الحَيَا النّازِلُ من السَّماء. يقال: جادَنا غيثٌ([2]) ، وهذه أرضٌ مَغِيثَةٌ ومغيوثة. وغِثْنا، أي أصابنا الغَيْث([3]) ، قال ذو الرُّمَّة: "ما رأيتُ أفصَحَ مِن أَمَةِ آل فلان، قلتُ لها: كيف كان المطر عندكم؟ قالت: غِثْنا ما شِينا".

(غير) الغين والياء والراء أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدُهما على صلاحٍ وإصلاحٍ ومنفعة، والآخر على اختلافِ شيئين.

فالأوَّل الغِِيرَة، وهي الميرَة بها صلاحُ العِيال. يقال: غِرْتُ أهلي غِيرَةً وغِياراً، أي مِرْتُهُم. وغَارَهم الله تعالى بالغيث يَغِيرهم ويَغُورهم، أي أصلَح شأنَهم ونَفَعهم. ويقال: ما يَغِيرك كذا، أي ما ينفعُك. قال:

ماذا يَغِيرُ ابنتَيْ رِبْعٍ عَويلُهُمَا *** لا تَرقُدانِ ولا بُؤُسَى لمَنْ رَقدا([4])

ومن هذا الباب الغَيْرة: غَيرةُ الرَّجُل على أهله. تقول: غِرْتُ على أهلي غَيْرَةً. وهذا عندنا من الباب؛ لأنَّها صلاح ومنفعة.

والأصل الآخر: قولُنا: هذا الشَّيءُ غيرُ ذاك، أي هو سِواه وخلافه. ومن الباب: الاستثناءُ بغَير، تقول: عَشرة غير واحدٍ، ليس هو من العَشَرة. ومنه قولُه تعالى: {صِراطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَليْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}

[الفاتحة 7].

فأمَّا الدِّيَة فإنَّها تسمَّى الغِيرَ. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجلٍ طَلَبَ القَوَدَ بوليٍّ لـه قُتِلَ: "ألاَ الغِيرَ([5]) " يريد: ألاَ تَقبلُ الغِير. فهذا محتملٌ أنْ يكون من الأوّل، لأنَّ في الدِّيةِ صلاحاً للقاتل وبقاءً لـه ولِدَمِه. ويحتمل أنْ يكون من الأصل الثَّاني، لأنَّه قَوَد فَغيِّر إلى الدِّية، أي أُخِذَ غيرُ القَوَد، أي سِواه. قال في الغِيَر:

لَنَجْدَعَنَّ بأيدينا أُنوفَكُم *** بَنِي أُمَيْمَةَ إن لم تَقبلُوا الغِيَرا([6])

(غيس) الغين والياء والسين، يقولون: إنَّ غَيْسانَ الشّبَاب: حِدَّتُه وعُنفوانُه.

(*غيض) الغين والياء والضاد أُصَيلٌ يدلُّ على نُقصانٍ في شيء، وغموضٍ وقلّة. يقال غاضَ الماءُ يَغِيض: خلافُ فاضَ. وغِيضَ، إذا نَقَصَهُ غيرُه. قال الله تعالى: {وَغِيضَ الماءُ} [هود 44].

وأمَّا الغُموضُ فالغَيْضَة: الأَجَمة، سمِّيت لغُموضِها، ولأنَّ السَّائرَ فيها لا يكاد يُرَى.

(غيظ) الغين والياء والظاء أُصَيلٌ فيه كلمةٌ واحدة، يدلُّ على كَرْبٍ يلحقُ الإنسانَ مِن غيره. يقال: غاظَني يَغِيظُني. وقد غِظْتَني يا هذا. ورجلٌ غائظ وغَيَّاظ. قال:

سُمِّيتَ غيَّاظاً ولستَ بغائظٍ  *** عَدُوّاً ولكنَّ الصَّديقَ تَغيظُ([7])

(غيف) الغين والياء والفاء أُصيلٌ صحيحٌ يدلُّ على مَيْل ومَيَل وعُدُولٍ عن الشَّيء. من ذلك تَغَيَّفَ، إذا تَمَيَّل. وتغَيَّفت الشّجرةُ بأغصانِها يميناً وشمالاً. ومن الباب: غَيَّفَ الرَّجلُ، إذا جبن فمالَ عن نَهْج القِتال. قال القُطَاميّ:

* فيغيِّفون ونَرْجِعُ السَّرَعانا([8]) *

(غيق) الغين والياء والقاف كلمةٌ واحدة. يقولون: غَيَّق في رأيه تغييقاً: اختلط فيه.

(غيل) الغين والياء واللام أصلانِ صحيحان، أحدهما يدلُّ على اجتماعٍ، والآخَر نوع. من الإرضاع.

فالأوَّل الغِيل: الشجر المجتمِع الملتفّ. وما يبعُد أن يكون أصلُ هذا الواو ويعودَ إلى غالَه يَغُوله، والغيْل: السَّاعد الرَّيَّان الممتلِئ. قال:

* بيضاءُ ذاتُ ساعدَيْنِ غَيلَيْن([9]) *

ومن الباب: الغَيْل: الماء الجارِي.

والأصل الآخَر: أنْ يُجامِعَ الرَّجُل امرأتَه وهي مُرْضِع، وهي الغِيلَة.

وفي الحديث: "لقد هممتُ أن أنْهى عن الغِيلة". قال:

فمِثْلُكِ حُبلَى قد طرَقْتُ ومرضِعٍ  *** فألهيتُها عن ذي تَمائم مُغْيِلِ([10])

(غيم) الغين والياء والميم كلمةٌ تدلُّ على سَتْر شيءٍ لشيء. من ذلك: الغيم، وهو معروف. يقال: غامَت السَّماء، وتغيَّمت، وأغامَت.

ومن الباب: الغَيْم، وهو العَطَش وحرارةُ الجَوْف، لأنَّه شيءٌ يَغْشَى القَلْبُ.

(غين) الغين والياء والنون قريبٌ من الذي قبلَه([11]) . فالغَيْن: الغَيْم. قال:

كأنِّي بين خافِيَتَيْ عُقابٍ  *** أصابَ حمامةً في يوم غَيْنِ([12])

والغَيْن: العَطَش. ويقال: غِينَ على قلْبه، كأنَّ شيئاً غشِيَه. وفي الحديث: "إنَّهُ ليُغانُ على قلبي([13])". ومن الباب: شجرةٌ غَيْناء، وهي الكثيرة الورَق الملتفَّةُ الأغصان، والجمع غِينٌ. ويقال: إنَّ الغَيْنة: الرَّوضة. والقياس في ذلك كلِّه واحد. والله أعلم.

ـــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "وأغاب". وفي المجمل. "الغيب كل ما غاب هناك".

([2]) في الأصل: "جاءنا غيث".

([3]) في الأصل: "أصبنا الغيث"، صوابه في المجمل واللسان ومجالس ثعلب 349. وانظر الخبر التالي في البيان (2: 71) وصفة السحاب 39 والمخصص (9: 120) والمزهر (1: 153).

([4]) لعبد مناف بن ربعي الهذلي. ديوان الهذليين (3: 38) واللسان (غير) وإصلاح المنطق 152.

([5]) وكذا ورد نصه في المجمل على الإيجاز. و في اللسان: "ألا تقبل الغير".

([6]) أنشده في المجمل، ونسبه في اللسان (غير) إلى بعض بني عذرة.

([7]) البيت من أبيات خمسة لحضين بن المنذر، يهجو بها ولده غياظ بن الحضين، انظر اللسان (غيظ).

([8]) ديوان القطامي 18. وصدره كما في الديوان ومجالس ثعلب 525 واللسان (غيف، سرع):

* وحسبتنا نزع الكتيبة غدوة * وفي الديوان: "فيغيفون ونوزع".

([9]) الرجز في اللسان (غيل) وإصلاح المنطق 11 والمخصص (1: 168).

([10]) لامرئ القيس في معلقته. وأنشده ابن هشام في المغني (فصل الفاء) شاهداً للجرّ بعد فاء (رب).

([11]) في الأصل: "من الواو قبله".

([12]) من أبيات لرجل تغلبي يصف فرساً أنشدها في اللسان (غين). وأنشده في المجمل والمخصص (8: 130).

([13]) تمامه في اللسان: "حتى أستغفر الله في اليوم سبعين مرة".

 

ـ (باب الغين والألف وما يثلثهما)

(غار) الغين والألف والراء. والألف في هذا الباب لا تكون إلا مبدلةً. فالغار: نباتٌ طيِّب. قال:‏

تَقْضَمُ الهِنديَّ والغارا(1) *** رُبَّ نارٍ بتُّ أرمُقُها‏

والغار: لغةٌ في الغَيْرة، وقد مرَّ تفسيرُها. قال:‏

ضَرائرُ حِرْميٍّ تفاحَشَ غارُها(2) *** لهُنَّ نَشيجٌ بالنَّشِيل كأنَّها‏

والغارُ: الجيش العظيم. ومن ذلك حديثُ عليٍّ عليه السلام: "ما ظنك بامرئٍ جَمعَ بين هذين الغارَيْن". والغار: غار الفَمِ. والغار: أصلُ الرَّجُل وقبيلته. والغار: الكهْفُ. وقد مضى قياسُ ذلك كلِّه. والله أعلم.‏

ـــــــــــــــ

(1) لعدي بن زيد، كما في اللسان (غور).‏

(2) لأبي ذؤيب الهذلي، في ديوان الهذليين (1: 27)، واللسان (غور، حرم)، والمجمل (غور).

 

ـ (باب الغين والباء وما يثلثهما)

(غبر) الغين والباء والراء أصلانِ صحيحان، أحدُهما يدل على البقاء، والآخرُ على لونٍ من الألوان.

فالأوَّل غَبَر، إذا بَقِيَ. قال الله تعالى {إلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الغَابِرِينَ}  [العنكبوت 33]، ويقال بالناقة غُبْر، أي بقيَّة. وبِهِ غُبَّرٌ من مرض، أي بقِيَّة. قال ابن مُقبِلٍ أو غيرُه:

فإن سألَتْ عنِّي سُليمَى فقلْ لها  *** به غُبَّرٌ من دائه وهو صالحُ

ومن الباب: عِرْقٌ غَبِر، أي لا يزال ينتقض، كأنَّ به أبداً غُبَّراً. وتغبَّرَت المرأةُ الشَّيْخَ: أخذَتْ بقيَّةَ مائه.

والأصل الآخر* الغُبار سمِّي لغُبْرته. وهي لونُه. والأغْبر: كل لونٍ لونُ غُبَار.وقول طرفة:

رأيتُ بنِي غَبْراء لا يُنكرِونني  *** ولا أهلُ هذاكَ الطِّرافِ الممدَّدِ([1])

فبَنِي غَبراءِ هم المَحَاوِيجُ الفُقَراء، وذلك أنَّهم مغبَّرةٌ ألوانُهم، وهم أهلُ المَتْرَبَة. والغَبْراء: الأرض. والغُبَيراء([2]) : نبيذ الذُّرَة، ولعلَّ في لونه غُبْرة.

فأمّا داهيةُ الغَبَر، فهو عندي من هذا الباب، ويراد أنَّها غبراءُ، أي مُظْلِمة مشبِّهة لا يُرَى وَجْهُ المأتَى لها.

ومما شذَّ عن هذين الأصلين ما حكاهُ ابن السكيت: أغْبَرْتُ في طلَب الحاجة: جَدَدْتُ.

(غبس) الغين والباء والسين كلمةٌ تدلُّ على لونٍ من الألوان. قالوا: الغُبْسَة: لونٌ كلون الرَّماد. ويقال فرسٌ أَغْبَسُ. قال بعضهم: هو الذي يقال له: "سَمَنْد([3]) ". فأمَّا قولُهم: "لا أفْعَله ما غَبَا غُبَيْسٌ" فهو الدَّهر. قال ابنُ الأعرابيّ: ما أدرِي ما أصْلُه.

(غبش) الغين والباء والشين كلمةٌ تدلُّ على ظُلْمةٍ وإظلام. من ذلك الغَبَش: شدَّة الظُّلمة. وأَغْباشُ اللَّيل ظُلَمه. قال ذو الرُّمَّة:

أغْبَاشَ ليلِ تَمَامٍ كانَ طارَقَه  *** تَطَخْطُخُ الغَيمِ حتَّى ما لَه جُوبُ([4])

قال أبو عبيد: الغَبَش: البقيّة من اللَّيْل، وجمعه أغباش.

(غبط) الغين والباء والطاء أصلٌ صحيحٌ له ثلاثة وجوه: أحدها دوامُ الشيء ولزومُه، [والآخَر الجَسُّ]، والآخِر نوعٌ من الحَسَد.

فالأوّل قولهم: أغْبَطَتْ عليه الحُمَّى، أي دامَت. وأغبَطْتُ الرَّحْلَ على ظَهر البَعِيرِ، إذا أدمْتَه عليه ولم تَحُطَّه عنه. ولذلك سُمِّي الرَّحْل غَبيطاً، والجمع غُبُط. قال الحارثُ بن وَعْلة([5]) :

أم هل تركتَ نساء الحيِّ ضاحيَةً  *** في قاعة الدَّارِ يستوقدن بالغُبُطِ([6])

ومن هذا الغِبْطة: حُسْن الحالِ ودوامُ المَسَرَّة والخَيْر.

والأصل الآخر الغَبْط، يقال: غبَطْتُ الشَّاةَ، إذا جسستَها([7]) بيدك تنظر بها سِمَنٌ. قال:

إنِّي وأَتْيي بُجَيْرَاً حينَ أسألُه *** كالغابِطِ الكلبَ يرجو الطِّرْق في الذَّنَبِ([8])

ومن هذا الباب: الغَبِيط: أرضٌ مطمئنّة، كأنّها غُبِطَتْ حتى اطمأنَّت.

والثالث الغَبْط، وهو حَسَدٌ يقال إنَّه غيرُ مذموم، لأنَّه يَتمنَّى ولا يُريد زوالَ النِّعمة من غيره، والحَسَدُ بخلاف هذا. وفي الدعاء. "اللهمَّ غَبْطاً لا هَبْطاً"، ومعناه اللهمَّ [نَسْأَلُك أن] نُغبَط ولا نهْبَطَ، أي لا نُحَطّ.

(غبق) الغين والباء والقاف كلمةٌ واحدة، وهي الغَبُوق: شُرب العشيّ. يقال: غَبَقْتُ القوْمَ غَبْقاً، واغْتَبَق اغتباقاً.

(غبن) الغين والباء والنون كلمةٌ تدُلُّ على ضَعفٍ واهتضام. يقال غُبِنَ الرّجُل في بَيعه، فهو يُغْبَنُ غَبْناً، وذلك إذا اهتُضم فيه. وغَبنَ في رأيه، وذلك إذا ضَعُف رأيُه. والقياسُ في الكلمتين واحد. والغَبِينة من الغَبْن كالشَّتيمة من الشَّتم. والمَغَابِن: الأرفاغ، سمِّيَتْ بذلك للينها وضَعْفها عن قوّةِ غيرها.

(غبي) الغين والباء والحرف المعتلّ أصلٌ صحيح يدلُّ على تستُّرِ شيء حتى لا يُهتدَى لـه. من ذلك الغبْية([9]) وهي الزُّبْية، وسمِّيت لأنَّ المَصِيدَ جهِلَها حتى وقَعَ فيها. ومنه: غَبِيَ فلان غَباوةً، إذا كان قليلَ الفِطْنَةِ، وهو غَبِيٌّ. وغَبِيتُ عن الخَبَر، إذا جهلتَه. ويقال: جاءت غَبْيَة من مَطَر، وذلك إذا جاءت بظُلْمَةٍ واشتدادٍ وتكاثُفٍ([10]) .

(غبث) الغين والباء والثاء ليس بشيء. وذكروا عن الفَرّاء أنَّه قال: غَبَثَت الأقط مثل عَبَثْته.

ـــــــــــــــ

([1]) البيت من معلقته المشهورة.

([2]) في الأصل: "والغبراء" صوابه في المجمل واللسان. والغبيراء، يقال لها: "السُّكُرْكَة"، يتخذها الحبش.

([3]) فسره استينجاس في معجمه 697 بقوله: "Dun or cream" أي أشهب، أو ذو لون يشبه لون القشدة.

([4]) ديوان ذي الرّمة 22 واللسان (غبش، طرق). وقبله:

حتى إذا ما جلا عن وجهه فلق  *** هاديه في أخريات الليل منتصب

([5]) في اللسان (غبط) أنه وعلة الجرمي.

([6]) روايته في اللسان: "في ساحة الدار".

([7]) في الأصل: "حبستها" تحريف.

([8]) وكذا وردت روايته في المجمل. وفي اللسان (غبط) وبعض نسخ إصلاح المنطق 266: "وأتيي ابن غلاق"؛ وفي بعضها الآخر: "وأتيي ابن علاق".

([9]) وردت هذه الكلمة أيضاً في المجمل، ولم ترد في المعاجم المتداولة.

([10]) في الأصل: "وتكاسف".

 

ـ (باب الغين والتاء وما يثلثهما)

(غتم) الغين والتاء والميم أصلٌ يدلُّ على انفلاقٍ في الشيء وانسداد. من ذلك الغُتْمة، وهي العُجْمة في المَنْطِق. ويقال للأخْذ بالنَّفْس: الغَتْم. ويقال للرَّجُل إذا مات: "ورَدَ حِياضَ غُتَيم"، وهو ذلك القياسُ لأنَّه يأتي بيتاً مسدوداً.‏

 

ـ (باب الغين والثاء وما يثلثهما)

(غثر) الغين والثاء والراء أُصيلٌ يدلُّ على تجمُّع من ناسٍ غير كرام. يقولون: الغَثْرَاء: سَفِلَة النّاس، وجماعتُهم* غَيْثَرة؛ وأصله من الأغثَر، وهو الطُّحْلُـَب المجتمع. والأغْثَر من الأكسية: ما كثُر صُوفُه.‏

(غثم) الغين والثاء والميم كلمتانِ متباينتانِ. فالأغثم من الشَّعَْر: ما غَلبَ بياضُه سوادَه. قال:‏

* إمّا تَرَيْ دهراً عَلاَني أغْثَمُهْ(1) *‏

والكلمة الأخرى: غَثَمْتُ له من مالي: أعطيتُه.‏

(غثي) الغين والثاء والحرف المعتل كلمةٌ تدلُّ على ارتفاعِ شيء دَنِيٍّ فوق شيء. من ذلك الغُثَاء: غُثَاء السَّيْل. يقال: غثا الوادِي(2) يغثو، وأغثى يُغْثِي أيضاً. قال:‏

من السَّيْل والإغْثَاءِ فَِلْكَةُ مِغْزَلِ(3) *** كأنَّ طَمِيَّةَ المُجَيْمِرِ غُدْوَةً‏

ويروى: "والغُثَّاء". ويقال لسَفِلة الناس: الغُثَاء، تشبيهاً بالذي ذكرناه. ومن الباب: غَثَتْ نَفسُه تَغْثِي، كأنَّهَا جاشت بشيء مؤذٍ.‏

ـــــــــــــــ

(1) الرجز لرجل من فزارة كما في اللسان (غثم، لهزم) ونوادر أبي زيد 52. وانظر شروح سقط الزند 293.‏

(2) الفعل واوي يائي.‏

(3) البيت لامرئ القيس. والرواية المشهورة فيه: "كأن ذرى رأس المجيمر". وروايتنا هذه أنشدها في اللسان (طما)، وقال: "وطمية: جبل".

 

ـ (باب الغين والدال وما يثلثهما)

(غدر) الغين والدال والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على تَرك الشيء. من ذلك الغَدْر: نَقْضُ العَهْد وتَرْك الوفاءِ به. يقال غَدَر يَغْدِرُ غَدْراً. ويقولون في الذَّمِّ: يا غُدَرُ، وفي الجمع: يالَغُدَرَ([1]) . ويقال: ليلةٌ غَدِرَةٌ: بيِّنَة الغَدَر، أي مُظْلمة. وقيل لها ذلك لأنّها تُغَادِرُ النَّاسَ في بيوتهم فلا يَخْرُجُون من شدَّة ظُلْمتها. والغَدير: مُستنقَع ماء المطر، وسمِّي بذلك لأنّ السَّيل غادَرَه، أي ترَكَه. ومن الباب: غَدِرَتِ الشَّاة، إذا تخلَّفَتْ عن الغَنم. فإِنْ تَرَكها الرَّاعي فهي غَدِيرة. والغَدَر: الموضِع الظَّلِفُ الكثير الحِجارة. وسمِّي بذلك لأنَّه لا يكاد يُسْلَك، فهو قد غودر([2]) ، أي تُرِك. ويقال: رجل ثَبْتُ الغَدَر، أي ثابتٌ في كلامٍ وقتال. هذا مشتقٌ من الكلمة التي قبله، أي إنّه لا يبالي أن يسلُكَ الموضعَ الصَّعبَ الذي غَادَرَهُ الناسُ من صُعوبته. والغَدائر: عقائصُ الشَّعر، لأنَّها تُعْقَص وتُغْدَر، أي تُتْرَك كذلك زماناً. قال:

غدائرُهُ مستَشْزِرَاتٌ إلى العُلى *** تَضِلُّ العِقَاصُ في مُثَنَّىً وَمُرْسَلِ([3])

(غدن) الغين والدال والنون أُصَيْلٌ صحيح يدلُّ على لِينٍ واسترسال وفَتْرَة. من ذلك المُغْدَوْدِن: الشَّعَْر الطَّويل الناعم المسترسل. قال حسان:

وقامت تُرائيكَ مُغْدَوْدناً  *** إذا ما تنوءُ به آدَها([4])

والشَّبابُ الغُدَانيُّ: الغَضُّ. قال:

* بعد غُدَانيِّ الشَّبَاب الأبْلَهِ([5]) *

وأصلُ ذلك كله من الغَدَن، وهو الاسترخاء والفَتْرَة.

(غدف) الغين والدال والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على سَتْرٍ وتغطية. يقال: أغدَفَتِ المرأة قِناعَها: أرسلَتْه. قال:

إن تُغْدِفي دوني القِناعَ فإنَّني  *** طَبٌّ بأَخْذِ الفارِس المستلئِمِ([6])

وأغْدَف اللَّيْلُ: أرْخَى سُدولَه. وأمّا الغُراب الضَّخم فإنَّه يُسمَّى غُدافاً، وهذا تشبيه بإغداف اللَّيل: إظْلامِه([7]) .

(غدق) الغين والدال والقاف أصلٌ صحيح يدلُّ على غُزْر وكثرةٍ ونَعْمَة. من ذلك الغَدَق، وهو الغَزير الكثير. قال الله تعالى: {لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً}  [الجن 16]. والغَدَق([8]) والغَيْدَاق: النَّاعم من كلِّ شيء. ويقال غَدِقت عين الماء تَغْدَق غَدَقاً. والغَيْداق: الرَّجلُ الكريم الخُلُق. وزعَم ناسٌ أنَّ الضبَّ يسمَّى غَيداقاً، ولعلّ ذلك لا يكون إِلاَّ لسِمَن ونَعْمةٍ فيه.

(غدو) الغين والدال والحرف المعتلّ أصلٌ صحيح يدلُّ على زمانٍ. من ذلك الغُدُوّ، يقال غدا يغدو. والغُدْوة والغَدَاة، وجمع الغُدوة غُدَىً، وجمع الغَداة غَدَوات. والغادية: سحابةٌ تنشَأ صَباحاً. وأفعلُ ذلك غداً. والأصل غَدْواً. قال:

* بها حيث حَلُّوها وغَدْواً بَلاقِعُ([9]) *

والغَدَاء: الطّعام بعينه، سمِّي بذلك لأنَّه يؤكَل في ذلك الزمان.

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "غدور" في هذا الموضع وسابقه، صوابه في المجمل واللسان.

([2]) في الأصل: "فهي فقد غودر".

([3]) البيت لامرئ القيس في معلقته.

([4]) ديوان حسان 138 واللسان (غدن).

([5]) لرؤبة في ديوانه 165 واللسان (غدن).

([6]) البيت لعنترة في معلقته المشهورة.

([7]) في الأصل: "ظلامه".

([8]) وكذا ورد في المجمل. والمعروف في سائر المعاجم: "الغيدق".

([9]) للبيد في ديوانه 22 واللسان (غدا). وصدره:*وما الناس إلا كالديار وأهلها*

 

ـ (باب الغين والذال وما يثلثهما)

(غذم) الغين والذال والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على جنسٍ من الأكل والشُّرب. من ذلك: الغَذْم: الأكل بجفاء وشِدّة. ويقال: اغتَذَم الفصيل ما في ضَرْع أُمِّه، [إذا شرِبَه(1) ] كُلَّه.‏

(غذي) الغين والذال والحرف المعتلّ أصلٌ صحيح* يدلُّ على شيء من المأكل، وعلى جنسٍ من الحركة.‏

فأمَّا المأكل فالغِذَاء، وهو الطَّعام والشَّراب. وغَذِيُّ المالِ وغَذَوِيُّه: صِغاره، كالسِّخال ونحوها. وسمِّي غَذَوِيَّاً لأنه يُغْذَى.‏

وأمَّا الآخر فالغَذَوانُ: النَّشيط من الخَيل، سمِّي لشبابه وحركته. ويقال غَذَّى البَعيرُ ببوله يُغَذِّي، إذا رَمَى به متقطِّعاً. وغَذَا العِرْق يغذو، أي يَسيل دماً. قال:‏

غذَا والزِّقُّ ملآنُ(2) *** وطَعنٍ كفم الزّقِّ‏

ــــــــــــــــ

(1) التكملة من المجمل.‏

(2) للفند الزماني، من مقطوعه في حماسة أبي تمام (1: 5-7).‏ ***

 

ـ (باب الغين والراء وما يثلثهما)

(غرز) الغين والراء والزاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على رَزِّ الشَّيء في الشيء. من ذلك غَرَزْتُ الشَّيءَ أغرِزُه غَرْزاً. وغَرَزْتُ رِجله في الغَرْز. وغَرَزَت الجرادةُ بذَنَبِها في الأرض، مثل رَزّت. والطَّبيعة غريزة، كأنَّها شيء غُرِز في الإنسان. فأمَّا قولهم: اغترَزْت الشَّيءَ، واغترَزْت السَّيرَ اغترازاً، إذا دَنَا سيرك فمعناه تقريبُ السَّير، أي كأنِّي الآنَ وضعتُ رِجلي في غَرْز الرَّحْل. وأمَّا قولهم: غَرَزَت النَّاقةُ، إذا قلَّ لبنُها فمعناه من هذا أيضاً، كأنَّ لبَنَها غُرِزَ في جسمها فلم يَخْرُجْ.

(غرس) الغين والراء والسين أصلٌ صحيحٌ قريبٌ من الذي قبله. يقال: غَرَسْتُ الشَّجرَ غَرْساً، وهذا زَمَنُ الغِراس. ويقال إنَّ الغَرِيسة: النَّخْلةُ أوّلَ ما تَنبت.

ومما شذَّ عن هذا الغِرْس: جِلدةٌ رقيقة تخرجُ على رأس الوَلَد. قال:

* كُلَّ جنينٍ مُشْعَرٍ في غِرْسِ([1]) *

(غرض) الغين والراء والضاد من الأبواب التي لم تُوضَع على قياسٍ واحد، وكَلِمُه متباينةُ الأصول، وستَرى بُعْد ما بينهما.

فالغَرْض والغُرْضَة: البِطانُ، وهو حِزام الرَّحْل. والمَغْرِض من البعير كالمَحْزِم من الدابَّة. والإغريض: البَرَد، ويقال بل هو الطَّلع. ولحمٌ غَريض: طريٌّ. وماءٌ مغروضٌ مثلُه. والغَرَض: المَلاَلة، يقال غَرِضْت به ومنه. والغَرَض: الشَّوق. قال:

مَن ذا رسولٌ ناصحٌ فمبلِّغٌ *** عنِّي عُلَيَّةَ غيرَ قِيل الكاذِب([2])

أنِّي غَرِضْتُ إلى تَنَاصُفِ وجهِها *** غَرَضَ المحبِّ إلى الحبيب الغائبِ

ويقال: غَرَضت المرأة سِقاءها: مَخَضته. وغَرَضْنا السَّخْلَ نَغرِضهُ، إذا فَطَمْناه قبل إناه. والغَرْض: النُّقصان عن المِلْء. يقال: غَرِّضْ في سقائك، أي لا تملأه. ويقال: وَرَدَ الماءَ غارِضاً، أي مبكراً. والمَغَارض: جوانب البطن أسفَلَ الأضلاع، الواحد مَغْرِض.

(غرف) الغين والراء والفاء أصلٌ صحيحٌ، إلاَّ نَّ كَلِمهُ لا تنقاس، بل تتباين، فالغَرْف: مصدر غَرَفْت الماءَ وغيرَه أَغرِفُه غَرْفاً. والغُرفة: اسمُ ما يُغْرَف. والغَرِيف: الأجَمَة، والجمع غُرُف. قال:

* كما رَزَمَ العَيّار في الغُرُفِ([3]) *

والغُرْفة: العُِلِّيَّة. ويقال: غَرَفَ ناصيةَ فرسِهِ، إذا استأصلها جَزّاً.

(غرق) الغين والراء والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على انتهاءٍ في شيء يبلغ أقصاه. من ذلك الغَرَق في الماء. والغَرِقة: أرضٌ([4]) تكون في غاية الرِّيّ. واغْرَوْرَقت العينُ والأرض من ذلك أيضاً، كأنها قد غَرِقت في دمعها.

ومن الباب: أغرَقْتُ في القَوس: [مدَدتُها] غايةَ المدّ. واغْتَرَق الفرسُ في الخيل، إذا خالَطَها ثم سَبَقَها.

ومما شذَّ عن هذا الباب الغُرْقة من اللَّبن: قدر ثُلث الإناء، والجمع غُرَق. قال:

تُضْحِي وقد ضمِنت ضَرَّاتها غُرَقاً  *** من طيِّب الطَّعم حلوٍ غير مجهودِ([5])

 

(غرل) الغين والراء واللام كلمةٌ واحدة، وهي الغُرْلة، وهي القُلْفَة. والأغرل: الأقْلَف، ويقولون: إنَّ الغَرِل: المسترخِي الخَلْق.

(غرم) الغين والراء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على ملازَمة ومُلازَّة. من ذلك الغَريم، سمِّي غريماً للُزومه وإلحاحه. والغَرَام: العذاب اللازم، في قوله تعالى: {إنَّ عَذَابَهَا كانَ غَرَاماً}  [الفرقان 65]. قال الأعشى:

إنْ يعاقِبْ يكنْ غَراماً وإن يُعْـ  *** طِ جزيلاً فإنَّه لا يُبالِي([6])

وغُرْم المالِ من هذا أيضاً، سمِّي لأنَّه مالُ الغَرِيم.

(غرن) الغين والراء والنون كلمةٌ واحدة، يقولون إنَّ الغَرِين([7]) : ما يَبقى في الحوض من مائه* وطِينِه.

(غرو) الغين والراء والحرف المعتل أصلٌ صحيح، وهو يدلُّ على الإعجاب والعَجَبِ لحُسْن الشَّيء. من ذلك الغَرِيُّ، وهو الحَسَن. يقال منه رجلٌ غَرٍ. ثمَّ سمِّي العَجَبُ غَرْواً. ومنه: أغريتُه بالشَّيء الذي تُلصَق به الأشياء. ويقال: غَارَت العينُ بالدَّمع غِراءً، إذا لجَّت في البكاء. وغَرِيَت بالدَّمع. وقال الشَّاعر([8]) :

إذا قلتُ أسلُو غارَتِ العينُ بالبُكا  *** غِراءً ومَدَّتْها مدامعُ حُفَّلُ([9])

(غرب) الغين والراء والباء أصلٌ صحيح، وكَلمُهُ غير منقاسةٍ لكنَّها متجانسة، فلذلك كتَبْناه على جهته من غير طلبٍ لقياسه.

فالغَرْب: حَدُّ الشّيء. يقال: هذا غَرْبُ السَّيف. ويقولون: كفَفْتُ من غَرْبه، أي أكْلَلْتُ حَدَّه وقولهم: استَغْرَب الرّجُل([10]) ، إذا بالَغَ في الضَّحِك، ممكنٌ أن يكون من هذا، كأنَّهُ بلغ آخِرَ حدِّ الضَّحِك. والغَرْب: الدَّلو العظيمة. والغَرْبانِ من العين: مُقْدِمُها ومُؤْخِرُها. وغُروب الأسنان: ماؤُها. فأمَّا الغُروب فَمَجارِي العَين. قال:

مالَكَ لا تذكُرُ أُمَّ عمرِو  *** إلاّ لعينَيْك غَروبٌ تَجْرِي([11])

والغَرْب أيضاً بسكون الراء([12]) ، في قولهم: أتاهُ سَهْمٌ غَرْب، إذا لم يُدْرَ مَن رماه به.

وأمّا الغَرَب بفتح الراء، فيقال إنَّ الغَرَبَ([13]) : الرَّاوية. والغَرَب: ما انصبَّ من الماء عند البئر فتغيَّرَتْ رائحتهُ. قال ذو الرُّمة:

* واسْتُنْشِئَ الغَرَبُ([14]) *

والغَرْب: شَجَر. ويقولون –والله أعلَمُ بصحّته-: إنَّ الغَرَب: إناءٌ من ذهب أو فِضَّة. ويُنشِدون:

فدعْدَعا سُرَّةَ الرَّكيِّ كَما  *** دَعْدَعَ ساقِي الأعاجم الغَرَبا([15])

والغَرْب: الوَرَم في المأْق، يقال منه غَرِبَت العينُ غَرَباً. والغَرْب: عِرْقٌ يَسقِي ولا يَنقطِع. والغُرْبة: البُعد عن الوطن، يقال: غَرَبَت الدَّار. ومن هذا الباب: غُروب الشَّمس، كأنَّه بُعْدُها عن وجه الأرض. وشَأْوٌ مُغَرَِّبٌ([16]) ، أي بعيد. قال:

أعْهَدَكَ مِن أُولَى الشَّبيبةِ تطلبُ  *** على دُبُرٍ هيهاتَ شَأْوٌ مغرَِّبُ([17])

ويقولون: "هل من مُغَرِّبةِ خَبَرٍ"، يريدون خبراً أتَى من بُعد.

وفي كتاب الخليل: "إذا أمْعَنَت الكلابُ في طلب الصَّيد قيل: غرَّبَت". وفيه نظر.

والغارب: أعلى الظَّهر والسَّنام. يقال: أَلْقَى حبلَه على غاربه، إذا خلاَّه. والغُراب معروف. والغُرابانِ: نُقرتانِ عند صَلَوَي العَجُز من الفَرس. والغُرَاب: رأس الفأس. ورِجْل الغُراب: نوعٌ من الصَّرِّ. قال الكميت:

* صُرَّ رِجْلَ الغُرابِ([18]) *

والغِربيب: الأسود، كأنّه مشتقٌّ من لون الغُراب. والمُغْرَب: الأبيض الأشفار من كلِّ شيء. والغَرْبيّ: الفضيخ من البُسْر يُنْبَذ. والغَرْبيُّ: صِبْغٌ أحمر.

(غرث) الغين والراء والثاء أصلٌ صحيح يدلُّ على الجُوع. والغَرث: الجوع. ورجلٌ غَرْثانُ. ويستعيرون هذا فيقولون: جاريةٌ غَرْثَى الوِشاح، لأنَّها دقيقةُ الخَصْرِ لا يُملأ وِشاحُها، وكأنَّ وِشاحَها غَرثان.

(غرد) الغين والراء والدال كلمتان: إحداهما صوت، والأخرى نبت. فالأولى: غرَّد الطّائر في صوته يُغَرِّد تغريداً. والكلمة الأخرى: الغَرَْد: الكمأة، الواحدة غَرَْدة. والمَغَاريد: نبتٌ، الواحدة مُغْرود، وزعموا أنَّها هي الكمأة أيضاً.

ــــــــــــــــ

([1]) لمنظور بن مرثد الأسدي في اللسان (أبس). وأنشده في (غرس) بدون نسبة. وقبله: * يتركن في كل مناخ أبس *

([2]) وكذا أنشدهما في المجمل. والشعر لابن هرمة كما في اللسان (نصف، غرض). وفي الأصل: "قتل الكاذب"، وصوابه ما أثبت. والقيل: القول. على أن هذه الكلمة المحرفة ساقطة من المجمل.

([3]) البيت بتمامه كما في اللسان (عير):

لما رأيت أبا عمرو رزمت لـه  *** مني كما رزم العيار بالغرف

([4]) في الأصل: "أيضاً"، صوابه في المجمل.

([5]) البيت للشماخ، وقد سبق في (جهد، عرق).

([6]) ديوان الأعشى 10 واللسان (غرم).

([7]) بفتح فكسر، وبكسر العين وسكون الراء وفتح الياء، لغتان ذكرهما في القاموس.

([8]) هو كثير، كما في المجمل واللسان (غرا) والمخصص (12: 67).

([9]) كلمة "غراء" ساقطة من الأصل، وإثباتها من المراجع المتقدمة.

([10]) يقال أيضاً "استغرب" بالبناء للمجهول، بل هو أكثر.

([11]) الرجز في اللسان (غرب).

([12]) في اللسان: "بفتح الراء وسكونها، بالإضافة وغير الإضافة". وضبط في المجمل بسكون الراء مع الإضافة.

([13]) يقال للرواية أيضاً بسكون الراء.

([14]) قطعة من بيت لذي الرمة في ديوانه 11 واللسان (غرب). وهو بتمامه:

وأدرك المتبقى من ثميلته  *** ومن ثمائلها واستنشئ الغرب

([15]) البيت للبيد في ديوانه 142 طبع 1880 واللسان (دعع، ركا). ونسب في (غرب) إلى الأعشى خطأ. وروي: "سرة الركاء"، وهذه أيضاً تروى بفتح الراء وكسرها، كما في اللسان  (دعع، ركا) وهو اسم موضع.

([16]) يقال بفتح الراء المشددة وكسرها.

([17]) الكميت في اللسان (غرب، دبر).

([18]) البيت بتمامه كما في اللسان (غرب):

صر رجل الغرلب ملكك في النا  *** س على من أراد فيه الفجورا

 

ـ (باب الغين والزاء وما يثلثهما)

(غزل) الغين والزاء واللام ثلاثُ كلماتٍ متباينات، لا تُقاس منها واحدةٌ بأخرى.

فالأُولى: الغَزْل، يقال غَزَلت المرأة غَزْلَها، والخشبة مِغْزَل، والجمع مَغازِل.

والثانية: الغَزَل، وهو حديث الفِتْيان والفَتَيات. ويقال: غَزِلَ الكَلْب غَزَلاً، وهو أن يَطلُبَ الغزالَ حتّى إذا أدرَكَه تركه ولَهَا عنه.

والثانية: الغزال، وهو معروف، والأنثى غَزَالة، ولعلَّ اسمَ الشَّمسِ مستعارٌ من هذا، فإنَّ الشَّمسَ تسمَّى الغزالةَ ارتفاعَ الضُّحى.

(غزو) الغين والزاء والحرف المعتل أصلانِ صحيحان، أحدهما طلب شيء، والآخر في بابِ اللِّقاح.

فالأوَّل الغَزْو. *ويقال: غَزَوت أغزو. والغازي: الطَّالِبُ لذلك، والجمع غُزَاة وغَزِيٌّ أيضاً([1]) ، كما يقال لجماعة الحاجّ حَجيج. والمُغزِيَة: المرأة التي غزا زَوْجها.ويقال في النِّسبة إلى الغَزْو: غَزَوِيّ.

والثاني: قولهم: أغْزَت النَّاقةُ، إذا عَسُر لِقاحُها. وقال قومٌ: الأَتَان المُغْزِية: التي يتأخَّر نِتاجُها ثم تُنْتَج. قال الهذليّ([2]) :

يُرِنُّ على مُغْزِياتِ العِقا *** قِ يَقْرُو بها قَفَراتِ الصِّلالِ([3])

(غزد) الغين والزاء والدال ليس يُشْبِه صحيح كلام العرب. وقد زعموا أنَّ الغِزْيد([4]) الشديد الصوت، وأن الغِزْيَد: النبات النّاعم. والله أعلم.

(غزر) الغين والزاء والراء كلمةٌ واحدة، وهو قولهم: غَزُرت الناقة: كثُر لبنها غُـَزْراً وغَزَارة. وعين غَزيرَةٌ، ومعروفٌ غزير.

ـــــــــــــــــ

([1])ويقال أيضاً "غزى" بضم الغين وتشديد الزاي المفتوحة، و"غزاء" بالمدّ. قال تأبط شراً:

فيوما بغزاء ويوماً بسربة  *** ويوماً بخشخاش من الرجل هيضل

([2]) هو أمية بن أبي عائذ الهذلي. ديوان الهذليين (2: 177) واللسان (غزا).

([3]) يرن: يصوت. وفي اللسان: "يزن"، تحريف.

([4]) في الأصل: "الغرد صوت"، صوابه في المجمل واللسان والقاموس. وفي القاموس: "الغزيد كحذيم: الشديد الصوت، أو هو تصحيف غريد".

 

ـ (باب الغين والسين وما يثلثهما)

(غسل) الغين والسين واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على تطهيرِ الشّيء وتنقِيَته. يقال: غَسَلتُ الشَّيءَ غَسْلاً. والغُسْل الاسم. والغَسُول: ما يُغْسَل به الرَّأس من خِطْميٍّ أو غيره. قال:‏

عليَّ حرامٌ لا يَمَسُّنِيَ الغِسْلُ(1) *** فيا لَيْلَ إنَّ الغِسْلَ ما دُمْتِ أيِّماً‏

ويقال: فحلٌ غُسَلَة، إذا كثُر ضِرابُه ولم يُلْقِح. والغِسْلينُ المذكور في كتاب الله تعالى، يقال إنَّه ما يَنْغسلُ من أبدان الكفّار في النار.‏

(غسا) الغين والسين والحرف المعتلّ حرفٌ واحد، يدلُّ على تناهٍ في كِبَرٍ أو غيره. يقال غَسَا اللَّيلُ وأغْسَى. وشيخ غَاسٍ: طال عمرُه. ورُوِي أنَّ قارئاً قرأ: "وَقَدْ بَلَغْتُ من الكِبَر غُسِيّاً(2) ".‏

(غسر) الغين والسين والراء كلمةٌ إنْ صحّت تدلُّ على اختلاطٍ. يقولون: تغَسَّر الغَزْل، إذا التَبَس.‏

قال ابن دريد(3) : "الغَسَر: ما طرحَتْه الريح في الغَدِير. ثم كثُر حتى قالوا: تغسَّرَ الأمر: اختلط".‏

(غسم) الغيم والسين والميم ليس بشيء. وربَّما قالوا الغَسَم، الظُّلْمة.‏

(غسن) الغين والسين والنون كلمةٌ. يقولون إنَّ الغُسَن: خُصَل الشَّعر. ويقال للناصية: غُسْنة.‏

(غسق) الغين والسين والقاف أصلٌ صحيح يدل على ظُلْمة. فالغَسَق: الظلمة. والغاسِق: الليل. ويقال: غَسَقت عينُه: أظلمت. وأغْسَقَ المؤذِّن، إذا أخَّر صلاةَ المغرب إلى غَسَق اللَّيل. وأمّا الغَسَّاق الذي جاء في القرآن، فقال المفسِّرون: ما تقطَّرَ من جلود أهل النار.‏

ــــــــــــــــــ

(1) لعبد الرحمن بن دارة، كما في اللسان (غسل). وهو في المجمل بدون نسبة. وفي الأصل: "فيا ليت"، صوابه في المجمل واللسان.‏

(2) لم أجد سنداً لهذه القراءة إلا ما رواه ابن فارس. وقراءة السبعة "عتيا". فقرأ أبو بحرية وابن أبي ليلى والأعمش وحمزة والكسائي بكسر العين, وباقي السبعة بالضم، عبد الله بالفتح. وعن عبد الله ومجاهد: " عسيا" بضم العين والسين مكسورة، وحكاها الداني عن ابن عباس، والزمخشري عن أبي مجاهد. تفسير أبي حيان (6: 175).‏

(3) الجمهرة (2: 332) مع تصرف.‏

 

ـ (باب الغين والشين وما يثلثهما)

(غشم) الغين والشين والميم أصلٌ واحد يدلُّ على قَهْر وغَلَبة وظُلْم. من ذلك الغَشْم، وهو الظُّلم. والحَرْبُ غشومٌ لأنَّها تنال غيرَ الجاني. والغَشَمْشَم: [الذي] لا يثنيه [شيءٌ] من شجاعته(1) . وزيد في حروفه للزِّيادة في المعنى.‏

(غشي) الغين والشين والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على تغطيةِ شيءٍ بشيء. يقال غَشَّيت الشَّيءَ أُغَشِّيه. والغِشاء: الغِطاء. والغاشِية: القيامة، لأنَّها تَغْشَى الخَلْق بإفزاعها. ويقال: رَمَاه الله بغاشيةٍ، وهو داء يأخذ كأنّه يغشاه. والغِشْيان: غِشْيان الرّجُل المرأة.‏

ـــــــــــــــــ

(1) نص المجمل: "الغشمشم: الرجل الذي لا يثني رأسه شيء من شجاعته".‏

 

ـ (باب الغين والصاد وما يثلثهما)

(غصن) الغين والصاد والنون كلمة واحدة، وهي غُصْن الشَّجَرة، والجمع غُصُون وأغصان. ويقال: غَصَنت الغُصْن: قَطَعْتُه.


ـ (باب الغين والضاد وما يثلثهما)

(غضف) الغين والضاد والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على استرخاءٍ وتهدُّم وتغَشٍّ. من ذلك الأغْصَف من السِّباع: ما استرخت أذُنه. ومن الباب: ليلٌ أغضَفُ، أي أسودُ يغشَى بظلامه. قال ذو الرُّمَّة:

قد أعسِفُ النَّازحَ المجهولَ مَعْسِفُه *** في ظلِّ أغضَفَ يدعو هامَهُ البومُ([1])

ويقولون: عيشٌ غاضِف، أي ناعم، كأنَّه قد غَشِيَ بخيره([2]) وغَضَارته. *والغُضْف([3]) : القَطا الجُون، وهذا على التَّشبيه بالليل وسَوادِه. ويقال: تغضَّفَت البِئر، إذا تهدَّمت أَجوالُها فغَشِيَتْ ما تحَتَها. ويقال: غَضَفت الأُتن تَغْضِفُ، إذا أخذَتْ الجريَ أخْذاً. وهذا لأنَّها تَغْشَى الأرض بجريها. قال:

يَغُضُّ ويَغْضِفْن من ريِّقٍ  *** كشُؤبوبِ ذي بَرَدٍ وانسجال([4])

(غضن) الغين والضاد والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على تثنٍّ وتكسُّر. من ذلك الغُضُون: مَكاسر الجِلْد، ومَكاسِر كلِّ شيء غُضون. وتغضَّنَ جِلدُه. والمغاضَنَة: مكاسَرة العينين. ومن الباب قولهم: ماغَضَنك عن كذا، أي ما عاقك عنه. وغَضَن العَينِ: جلدُها الظّاهر، سمِّي لتكسُّرٍ فيه.

ومما شذَّ عن هذا الباب قولهم: "غَضَنت النّاقةُ بولدها، إذا ألقَتْه قبل أن يُنْبِت.

(غضر) الغين والضاد والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على حُسنٍ ونَعْمة ونَضرة. من ذلك الغَضَارة: طيبُ العَيش: ويقولون في الدُّعاء: أبادَ الله تعالى غَضراءهم، أي خَيرهم وغضارتهم. قال عبد الله بن مُسلم: أصل الغَضْراء طِينةٌ خضراءُ عَلِكة. يقال: أَنْبَطَ بئرَه في غَضْراءَ، ويقال: دابّةٌ غَضِرةُ النَّاصية. إذا كانت مباركة.

ومن الباب: الغاضر: الجلد الذي أُجِيد دبغُه.

ومما شذَّ عن هذا الباب قولُهم: لم يَغْضِرْ عن ذلك، أي لم يَعْدِل عنه. قال ابنُ أحمر:

* ولم يَغْضِرْنَ عن ذاك مَغْضَرا([5]) *

والغَضْوَر: نَبْت.

(غضب) الغين والضاد والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على شدَّة وقُوّة. يقال: إنَّ الغَضْبة: الصَّخرة الصُّلبة. قالوا: ومنه اشتُقَّ الغَضَب، لأنَّه اشتدادُ السُّخط. يقال: غَضِب يَغْضَبُ غَضَباً، وهو غضبانُ وغَضُوب. ويقال: غَضِبْتُ لفلانٍ، إذا كان حيّاً؛ وغضبت به، إذا كان ميّتاً. قال دُرَيد:

* أنَّا غِضابٌ بمعبدِ([6]) *

ويقال: إنَّ الغَضُوب: الحيَّة العظيمة.

(غضل) الغين والضاد واللام. يقولون: أَغْضَلَتِ الشَّجرة واغضالَّتْ([7]) ، إذا كثُرت أغصانها.

(غضا) الغين والضاد والحرف المعتلّ كلمتان: فالأولى: الإغضاء: إدناء الجُفون. وهذا مشتقٌّ من اللَّيلة الغاضِية، وهي الشَّديدة الظُّلمة.

والكلمة الأخرى: الغَضَا، وهو شجرٌ معروف. يقال: أرضٌ غَضْيَاء: كثيرة الغَضَا. ويقال: إبلٌ غَضِيَةٌ: اشتكَتْ عن أكل الغَضَا.

ــــــــــــــ

([1]) سبق إنشاده في (بوم، ظل، عسف).

([2]) في الأصل: "لخيره".

([3]) وكذا ورد ضبطه في المجمل. وفي اللسان: "قال ابن بري: صوابه والغَضَف: القطا الجوني. غيره: والغَضَفة: ضرب من الطير قيل إنها القطاة الجونية، والجمع غضف".

([4]) لأمية بن أبي عائذ الهذلي في ديوان الهذليين (2: 180) وفي الديوان: "وانسحال". والانسجال والانسحال: الانصباب.

([5]) البيت بتمامه كما في اللسان (غضر) وإصلاح المنطق 430:

تواعدن أن لا وعي عن فرج راكس  *** فرحن ولم يغضرن عن ذاك مغضرا

([6]) البيت بتمامه كما في الأصمعيات 23 ليبسك واللسان (غضب):

فإن تعقب الأيام والدهر فاعلموا  *** بني قارب أنا غضاب بمعبد

([7]) كذا ورد هذا الفعل والذي قبله. والذي في المجمل: "اغضالت" فقط. وفي اللسان والقاموس: "اغضألت" بالهمزة.

 


ـ (باب الغين والطاء وما يثلثهما)

(غطف) الغين والطاء والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على خَير وسُبوغٍ في شيء، وأصله الغَطَف في الأشفار، وهو كثرتُها وطولُها وانثناؤُها. ثم يقال: عيشٌ أغطَف، إذا كان ناعماً منثَنِياً على صاحبه بالخَير. والمصدر الغَطَف.

(غطل) الغين والطاء واللام ثلاث كلمات: الغَيْطَلة: الشَّجَرَةُ، والجمع الغَيْطَل. قال:

فظلّ يُرَنِّحُ في غَيطلٍ  *** كما يستدير الحِمارُ النّعِرْ([1])

والغَيْطلة: البَقَرَة. والغيطلة: التجاج اللَّيلِ وسوادُه([2]) .

(غطم) الغين والطاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على كثرةٍ واجتماع. من ذلك البحر الغِطَمُّ. ويقال لمُعْظَمِ البَحْر. غُطَامِطٌ. ورجلٌ غِطَمٌّ: واسع الخُلُقُ.

(غطو) الغين والطاء والحرف المعتل يدلُّ على الغِشاء والسَّتر. يقال: غَطَيت الشَّيءَ وغَطَّيْتُه. والغِطاء: ما تَغَطَّى به. وغَطَا اللّيلُ يَغْطُو، إذا غَشَّى بظلامه.

(غطش) الغين والطاء والشين أصلٌ واحدٌ صحيح، يدلُّ على ظُلْمَةٍ باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله غين

وما أشبَهها. من ذلك الأغطش، وهو الذي في عينه شِبْه العَمَش، والمرأة غَطْشاء. وفَلاةٌ غَطْشَى: لا يُهْتَدَى لها. قال:

ويَهْماءَ باللَّيلِ غَطْشَى الفلا  *** ةِ يؤنِسُني صوتُ فَيَّادِها([3])

وغَطَشَ الليلُ: أظلَمَ. والله تعالى أغْطَشَه([4]) . والمتغاطِش: المتعامِي عن الشَّيء. ويقال: هو يَتَغَاطش.

(غطس) الغين والطاء والسين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على *الغَطِّ. يقال: غطَطْتُه في الماء وغَطَسته. وتَغَاطَسَ القومُ: تغاطُّوا.

ـــــــــــــــــــ

([1]) لامرئ القيس في ديوانه 12 واللسان (رمح، غطل، نعر).

([2]) في الأصل: "الحاح"، صوابه في المجمل واللسان. والالتجاج: الاختلاط.

([3]) للأعشى في ديوانه 54 واللسان (فيد، غطش).

([4]) ويقال أيضاً أغطش الليل بنفسه.

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله غين)

من ذلك (الغَطَمَّش): الكليل البَصَر. والغَطَمَّش: الظَّلوم الجائر. وهذا مما زيدت فيه الميم، والأصل الغَطْش وهو الظُّلْمة([1]) . والجائر يتغاطَش عن العَدْل، أي يتعامَى.

ومن ذلك (الغَشْمَرة): إتْيَانُ الأمرِ من غيرِ تثبُّت، وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من الغَشْم والتشمُّر، لأنه يتشمَّر في الأمر غاشماً.

ومن ذلك (الغَمَلّج)، وهو ممّا نُحِتَ من كلمتين: من غَمَج وغلَج، وهو البعير الطَّويل العُنق. فأمَّا غَمَجُه فاضطرابُه. يقال: غَمَج، إذا جاء وذهب. والغَلَج كالبَغْي في الإنسانِ وغيره.

ومن ذلك (الغُضْرُوف): نَغْض الكَتِف([2]) . وهي منحوتةٌ من كلمتين: من غَضَرَ وغَضَف. فأمَّا غَضَرُه فلِينُه، لأنَّه ليس فيه شِدَّة العظم وصلابتُه. وأمَّا غَضَفُه فتثنِّيه، لأنَّه يتثنَّى إذا ثُنِي للينه.

ومن ذلك (الغَطْرسة): التكبُّر. وهذا ممَّا زيدت فيه الراء؛ وهو من الغَطس كأنَّه يَغلِبُ الإنسانَ ويقهرُه حتى كأنَّه غَطَسه، أي غطَّسه.

ومن ذلك (الغَطْرَفة)، وهي الكِبْر والعظمة. قال في التغطرف:

فإِنَّك إنْ أغضبْتَنِي غَضِبَ الحَصَى  *** عليك وذُو الجََُبُّورة المتغَطْرِفُ([3])

وهذا أيضا مما زيدت فيه الراء، وهو من الغَطَف، وهو أن يَنْثَنِيَ الشيءُ على الشَّيء حتى يغشاه. فالجبّار يقهر الأشياءَ ويُغَشِّيها بعظمته. و(الغِطْريف) : السَّيِّد يَغْشى بكرمِهِ وإِحسانه.

ومن ذلك (الغَذْمَرَة)، يقال إنَّه رُكوب الأمرِ على غير تثبُّت. وقد يكون في الكلامِ المختلِط. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من غَذَم وذَمَر. أمَّا الغَذْم فقد قلنا إنَّه الأكل بجفاءٍ وشِدَّة. ويقولون: كيلٌ غُذَامِرٌ([4]) ، إذا كان هَيْلاً كثيراً. وأمَّا الذَّمْر فمن ذَمَرته، إذا أغضبتَه. كأنَّه غَذُوم ذَمَر. ثم نحتت من الكلمتين كلمةٌ.

ومن ذلك (الغَضَنْفَر)، وهو الرَّجُل الغليظ، والأسد الغَشُوم. وهذا ممَّا زيدت فيه الراء والنون، وهو من الغَضَف. وقد مضى أنّ اللّيلَ الأغضفَ الذي يُغشِّي بظلامِه.

ومن ذلك (المُغَثْمَرُ)، وهو الثَوْب الخشنُ الرَّديءُ النَّسْج. قال:

عَمْداً كسوتُ مُرْهِباً مُغَثْمَرَا  *** ولو أشاءُ حِكْتُهُ مُحَبَّرَا([5])

يقول: ألبستُهُ المغَثَْمَرَ لأدفع به عنه العينَ. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من غَثمَ وغَثَرَ. أمَّا غَثَر فمن الغُثْر، وهو كلُّ شيء دُونٍ. وأمَّا غَثَمَ فمن الأغثم: المختلط السَّواد بالبياض.

ومما وُضع وضعاً وليس ببعيدٍ أن يكون لـه قياس (غَرْدَقْتُ) السِّتْرَ: أرسلتُه. و(الغُرْنُوق): الشَّابُّ الجميل. و(الغِرنَِيق) طائر.

ويقولون: (الغَلْفَقُ): الطُّحُلَب.

ويقولون: (اغْرَندَاهُ)، إذا عَلاَهُ وغَلَبه. قال:

قد جعل النُّعاس يَغْرَنْدِينِي  *** أدفَعُهُ عني ويَسْرَنْدِينِي([6])

(تم كتاب الغين، والله أعلم بالصواب)

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "وهي العظمة".

([2]) نغض الكتف، بفتح النون وضمها، حيث تذهب وتجيء. ينغضان، أي يتحركان، إذا مشى الإنسان.

([3]) البيت لمغلس بن لقيط الأسدي، كما سبق في (جبر). وفي اللسان (جبر، غترف، غطرف): "فإنك إن عاديتني".

([4]) في الأصل: "غذمذم"، تحريف. يقال: كيل غذامر" وغذارم أيضاً.

([5]) الرجز في اللسان(غثمر). ومرهب: اسم ولد الراجز.

([6]) الرجز في اللسان (سرند، غرند).

 

كتاب الفاء: ـ (باب الفاء وما بعدها في المضاعف والمطابق)

(فق) الفاء والقاف في المضاعف يدلُّ على تفتُّح واختلاطٍ في الأمر. يقال: انفَقّ الشَّيءُ، إذا انفرَجَ. ويقولون: رجلٌ فَقْفَاقٌ، أي أحمق مُخلِّطٌ في كلامه. ويقال فَقَاقٌ أيضاً([1]) .

(فك) الفاء والكاف أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تفتُّح وانفراج. من ذلك فَكَاك الرَّهْن، وهو فَتْحُه من الانغلاق. وحكى الكسائي: الفِكَاك بالكسر. ويقال: فَكَكْتُ الشَّيءَ أفكُّه فكّاً. وسقط فلانٌ وانفكَّت قدمُه، أي انفرجت. وقولهم: لا ينفكُّ يفعل ذلك، بمعنى لا يزال. والمعنى هو وذلك الفعلُ لا يفترقان. فالقياس فيه صحيح. والفكُّ([2]) : انفراج المَنْكِبِ عن مَفْصِله ضَعْفا.

ومما هو من الباب: الفَكَّانِ: مُلتقى الشِّدْقين. *وسمِّيا بذلك للانفراج.

(فل) الفاء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على انكسارٍ وانثلام. أو ما يقاربُ ذلك. مِن ذلك الفَلُّ: القومُ المنهزِمون. والفُلولُ: الكُسور في حدِّ السيف، الواحدُ فَلٌّ. قال النابغة:

ولا عيبَ فيهم غير أنَّ سُيوفَهم *** بهنَّ فُلولٌ من قِراع الكتائبِ([3])

والفليل: ناب البعير إذا انثلَمَ.

ومما يقارب هذا الفِلُّ: الأرض لا نباتَ فيها. والقياس فيه صحيح. وقال:

* فَِلٌّ عن الخير مَعْزِلُ([4]) *

يقال: أفلَلْنا: صِرنا في الفَِلّ.

ومما شذّ عن هذا الأصل: الفَليلة: الشّعر المجتمِع، والجمع الفليل. قال:

ومُطَّرِدِ الدِّماءِ وحيث يُهْدَى  *** من الشَّعَر المضفّر كالفليلِ([5])

(فم) الفاء والميم ليس فيه غير الفم، وليس هذا موضعه، لكن حكي فمٌّ بالضمّ والتشديد. قال: * يا ليتها قد خرجَتْ من فُمِّهْ([6]) *

(فن) الفاء والنون أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدُهما على تعنِيَةٍ، والآخَر على ضربٍ من الضُّروب في الأشياء كلِّها.

فالأوّل: الفَنّ، وهو التعنية والإطراد الشّديد. يقال: فَنَنْتُه فَنّاً، إذا أطردتَه وعنّيْتَه.

والآخر الأفانين: أجناس الشّيء وطُرقُه. ومنه الفَنَن، وهو الغصن، وجمعه أفنان، ويقال: شجرةٌ فَنْواء، قال أبو عبيد: كأنّ تقديره فَنّاء.

(فه) الفاء والهاء كلمةٌ واحدةٌ تدل على العِيِّ وما أشبهه، من ذلك الرّجل الفَهُّ، وهو العَيِيّ، والمرأة فَهّةٌ، ومصدره الفَهَاهة. قال:

فلم تَلقَنِي فَهَّاً ولم تَلْقَ حُجَّتي  *** مُلَجْلَجَةً أبغِي لها مَنْ يقيمُها([7])

ويقال: خرجتُ لحاجةٍ فأَفَهَّنِي فلانٌ حتَّى فَهِهْت، أي أنسانِيها.

(فأ) الفاء والهمزة مع معتلٍّ بينهما، كلماتٌ تدلُّ على الرجوع. يقال: فاء الفَيء، إذا رجع الظِّلُّ من جانب المغرِب إلى جانب المشرق. وكلُّ رجوعٍ فيءٌ. قال الله تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ}  [الحجرات 9]، أي ترجع. قال الشَّاعر:

تَيَمَّمَتِ العَينَ التي عند ضارجٍ *** يَفيءُ عليها الظِّلُّ عِرْمِضُها طامِ([8])

يقال منه: فيَّأَتِ الشَّجرةُ، وتَفَيّأْت أنا في فَيئها. والمرأة تَفيِّئُ شعرَها، إذا حرَّكتْ رأسَها من قِبَل الخُيَلاء. ويقال تفيُّؤها: تكسُّرها لزَوْجِها. والقياس فيه كلِّه واحد. والفيء: غنائمُ تُؤخذ من المشركين أفاءها الله تعالى عليهم. قال الله سبحانه: {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى}  [الحشر 7]. ويقال: استفأْتُ هذا المالَ، أي أخذتُه فيْئاً. وفلانٌ سريع الفَيءِ من غضبه والفِيئَة.

فأمَّا قولهم: يا فَيْءَ مالِي، فيقولون: إِنَّها كلمةُ أسفٍ. وهذا عندي من الكلام الذي ذهب مَنْ كان يُحسن حقيقةَ معناه. وأنشد:

يا فَيْءَ مالِي مَنْ يُعَمَّرْ يُفْنِهِ  *** مرُّ الزَّمان عليه والتَّقليبُ([9])

(فت) الفاء والتاء كلمةٌ تدلُّ على تكسير([10]) شيء ورفْتِه. يقال: فَتَتُّ الشَّيءَ أفُتُّ فَتَّاً، فهو مفتوتٌ وفَتيت. وفُتَّة: ما يُفَتُّ ويُوضَع تحتَ الزَّند([11]) . وفَتَّ في عضُده، وذلك إذا أساء إليه، كأنَّه قد فَتَّ من عَضُده شيئاً.

ومما شذَّ عن هذا الأصل الفَتفتة: أن تشرب الإبلُ دونَ الرِّيّ.

(فث) الفاء والثاء كلماتٌ تدلُّ على كَسْر شيءٍ، أو نثرِه، أو قلعه. من ذلك قولهم: فَثَّ جُلَّته: نَثَرها([12]) . وانفَثَّ الرّجُلُ من همٍّ أصابه، أي انكسر.

ويقال إنّ الفَثَّ: الفسيلُ يُقتلَعُ من أصله([13]) .

ومن الباب الفَثُّ، وهو هَبِيدُ الحَنظل، لأنّه يُنثَر.

(فج) الفاء والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على تفتُّح وانفراج. من ذلك الفَجُّ: الطَّريق الواسع. ويقال: قَوسٌ فَجّاءُ، إذا بَانَ وترُها عن كَبِدها. والفَجَج أقْبَحُ من الفَحَج. ومنه حافرٌ مُفِجٌّ، أي مقبَّب، وإذا كان كذا كان في باطنه شِبْه الفَجْوة.

ومما شذَّ عن هذا الأصل: الفِجُّ: الشيء لم ينضَجْ مما ينبغي نُضْجُه.

وشذّت كلمةٌ واحدة أخرى حكاها ابنُ الأعرابيّ، قال: أَفَجَّ يُفِجُّ، إذا أسرع. ومنه رجلٌ فجفاجٌ: كثير الكلام.

(فح) الفاء والحاء كلمةٌ واحدةٌ، وهو* الفَحيح: صوتُ الأفعى. قال:

كأَنَّ نَقيقَ الحَبِّ في حاويائِهِ  *** فَحِيحُ الأفاعي أو نقيقُ العقاربِ([14])

(فخ) الفاء والخاء كلماتٌ لا تنقاس. من [ذلك] الفَخِيخ كالغَطيط في النَّوم. والفَخَّة: استرخاءٌ في الرجلين([15]) . ويقال الفَخَّة: المرأة الضخمة([16]) . والفَخُّ للصَّيد معروف.

(فد) الفاء والدال أصلٌ صحيح، يدلُّ على صَوت وجَلَبة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ الجفاءَ والقَسْوةَ في الفَدَّادِين([17]) "، وهي أصواتُهم في حروثِهم وموَاشيهم. قال الشَّاعر:

نُبِّئْتُ أخوالِي بني يزيدُ([18])  *** ظلماً علينا لهُمُ فَدِيدُ

ومما شذَّ عن هذا: الفَدْفَد: الأرض المستويَة.

(فذ) الفاء والذال كلمةٌ واحدة تدلُّ على انفرادٍ وتفرُّق. من ذلك الفَذُّ، وهو الفَرْد. ويقال: شاةٌ مُفِذٌّ، إذا ولدت واحداً، فإن كان ذلك عادتَها فهي مِفْذَاذ. ولا يقال: ناقةٌ مُفِذّ، لأنَّ الناقة لا تلِدُ إلاَّ واحداً. ويقال تَمْرٌ فَذٌّ: متفرِّق. والفَذُّ: الأوَّل من سِهام القِداح.

(فر) الفاء والراء أصول ثلاثة: فالأوّل الانكشاف وما يقاربُهُ من الكَشْف عن الشَّيء، والثاني جنسٌ من الحيوان، والثالث دالٌّ على خِفّة وطَيْش.

فالأوّل قولهم: فَرّ عن أسنانه. وافتَرَّ الإنسان، إذا تبسَّمَ. قال:

يفترُّ مِنْك عن الواضحا  *** تِ إذْ غيرُك القَلِح الأثْعَلُ([19])

ويقولون في الأمثال:

* هو الجوادُ عينُه فُِرارُه([20]) *

أي يَغنيك مَنظرُه من مَخْبَره. وكأَنَّ معنَى هذا إنَّ نَظَرَك إليه يُغنيك عن أن تَفُرَّه، أي تكشفَه وتبحثَ عن أسْنانِه([21]) . ويقولون: أفرَّ المُهرُ، إذا دنا أن يُفَرَّ جَذَعاً. وأفَرَّت الإبلُ للإثناء إفراراً، إذا ذهبَتْ رَواضِعُها وأَثْنَتْ. ويقولون: فُرَّ فلاناً عمَّا في نفسه، أي فتِّشْه. وفُرَّ عن الأمر: ابحثْ.

ومن هذا القياس وإن كانا متباعدَين في المعنى: الفِرار، وهو الانكشاف، يقال فَرَّ يَفِرّ، والمَفَرّ المصدر. والمَفَرّ: الموضع يُفَرُّ إليه. والفرّ: القَوم الفارُّون. يقال فَرٌّ جمع فارّ، كما يقال صَحْبٌ جمع صاحب، وشَرْبٌ جمع شارب.

والأصل الثاني: الفَرير: ولد البقرة. ويقال الفُرَار من ولد المَعْز: ما صَغُر جسمُه، واحدة فَرِيرٌ، كرَخْل ورُخال، وظئر وظُؤار.

والثالث: الفَرْفَرة: الطَّيْش والخِفَّة. يقال: رجلٌ فَرْفارٌ وامرأةٌ فرفارة. والفَرفارة: شجرة.

(فز) الفاء والزاء أُصَيلٌ يدلُّ على خفّةٍ وما قاربَهَا. تقول: فَزَّهُ واستفزَّه، إذا استخفَّه. قال الله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْض}  [الإسراء 76]، أي يحملونك على أن تَخِفَّ عنها. وأفزَّه الخوفُ وأفْزَعَه بمعنىً. وقد استفَزَّ فُلاناً جهْلُه. ورجل فَزٌّ: خفيف. ويقولون: فزَّ عن الشيء: عدل. والفَزُّ: ولَد البقرة. ويُمكن أن يسمَّى بذلك لخفَّة جسمِه. قال:

كما استغَاثَ بسيءٍ فَزُّ غَيْطَلَةٍ  *** خافَ العُيونَ ولم يُنظُرَ به الحَشَكُ([22])

(فس) الفاء والسين ليس فيه شيءٌ إلا كلمةٌ معرّبة. يقولون الفِسْفِسَةُ: الرَّطْبَةُ.

(فش) الفاء والشين يدلُّ على انتشارٍ وقلّة تماسُك. يقال: ناقةٌ فَشُوشٌ، إذا كانت مُنتشرَةَ الشَّخْب. وانْفَشَّ عن الأمر: كسِلَ. والفَشُّ: تتبُّع السَّرَقِ الدُّون؛ وهو فَشَّاش.

(فص) الفاء والصاد كلمةٌ تدلُّ على فَصْل بين شيئين. من ذلك الفُصُوصُ، هي مفاصِلُ العظامِ كلِّها –قال أبو عبيد: إِلاّ الأصابع- واحدها فَصّ. ومن هذا الباب: أفْصَصت إليه من حقِّه شيئاً، كأنَّكَ فصَلْتَه عنك إليك. وفَصَّ الجُرْحُ: سال.

ومما يقارِبُ هذا: الفَصُّ: فَصُّ الخاتَم. وسمِّي بذلك لأنَّه ليس من نَفس الخاتَم، بل هو مُلْصَقٌ به. فأمَّا فَصُّ العَينِ فحدَقتُها على معنى التَّشْبيه.

(فض) الفاء والضاد أصلٌ صحيح يدلُّ على تفريقٍ وتجزئة. من ذلك: فضَضْتُ الشَّيءَ، إذا فرَّقتَه؛ وانْفَضَّ هو. وانْفَضَّ القومُ: تفرَّقوا. قال الله سبحانه:{وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}  [آل عمران 159].

ومن هذا الباب: فَضَضْت عن الكِتاب خَتْمَه. وممكن أن *يكون الفِضَّةُ من هذا الباب، كأنها تفضّ([23]) ، لما يتَّخَذُ منها من حَلْي. والفُِضاض: ما تفضَّضَ من الشيء إذا انفَضَّ. والفاضَّة: الدّاهية، والجمع فَوَاضُّ، كأنَّهَا تَفُضُّ، أي تُفَرَّق.ومن الذي يجوز أن يُقاسَ على هذا: الفَضْفَضَة: سَعَةُ الثَّوب. وثوبٌ فَضفاضٌ ودرعٌ فضفاضةٌ، لأنَّها إذا اتسَعتْ تباعَدَتْ أطرافُها. وأمَّا الفضِيض فالماءُ العَذْب، سمِّي لفَضاضتِه وسُهولةِ مَرِّه في الحَلْقِ.

(فظ) الفاء والظاء كلمةٌ تدلُّ على كراهةٍ وتكرُّه. من ذلك الفَظ: ماءُ الكَرِش. وافتُظَّ الكرِش، إذا اعتُصِر. قال الشاعر([24]) :

فكانوا كأنفِ اللَّيث لا شَمَّ مَرْغَماً  *** وما نال فَظَّ الصَّيد حَتَّى يُعفِّرا([25])

قال بعضُ أهل اللُّغة: إِنَّ الفَظاظةَ من هذا. يقال رجلٌ فظٌّ: كريه الخُلُق. وهو من فَظِّ الكَرِش، لأنه لا يُتناول إِلاَّ ضرورةً على كراهة. ويقولون: الفَظِيظ: ماءُ الفَحْل.

(فغ([26])) الفاء والغين ليس فيه كلامٌ أَصيل، وهو شِبْهُ حكايةٍ لصوت. يقولون: الفَغْفَغَة: الصَّوت بالغَنَم. ويقولون: الفغْفغاني([27]) : القصَّاب أو الرَّاعي؛ وكذلك الفَغْفغيّ. ويقول: الفَغْفَغان: الرّجلُ الخفيفُ. وتفغفغَ في أمره: أسرَعَ. وكلُّ هذا قريبٌ بعضه من بعض. والله أعلم بالصَّواب.

ــــــــــــــ

([1]) يقال فقاق وفقاقة بالهاء كذلك.

([2]) ويقال "الفكك" أيضاً بالتحريك.

([3]) ديوان النابغة 6. وأنشد عجزه في اللسان (فلل) بدون نسبة.

([4]) قطعة من بيت لعبد الله بن رواحة يصف العزى، وهو بتمامه كما في اللسان (فلفل):

وإن التي بالجزع من بطن نخلة  *** ومن دانها فل من الخير معزل

([5]) للكميت في اللسان (فلل) برواية: "حيث يُلقى".

([6])الرجز لمحمد بن ذؤيب العماني الفقيمي، كما في اللسان (فمم). قال: "ولو قال من فمه بفتح الفاء لجاز".

([7]) وكذا وردت روايته في المجمل. وفي البيان (1: 131) واللسان (فهه) : "فلم تلفني فها ولم تلف" بالفاء في الموضعين.

([8]) البيت لامرئ القيس، كما في معجم البلدان (ضارج) والأغاني (7: 123) حيث أوردا قصة لـه، إذ كان سبباً في إنقاذ وفد من اليمن كانوا يريدون لقاء الرسول.

([9]) البيت من أبيات لنويفع بن نفيع الفقعسي، كما في أمالي الزجاجي 81-82 واللسان (مرط). ويقال بل هو نافع بن نفيع، أو نافع بن لقيط الفقعسي. وأنشده في اللسان (شيأ، فيأ) بدون نسبة، وفي (هيأ) بنسبته إلى الجميح بن الطماح أو نافع بن لقيط الأسدي، وانظر في البيان (3: 82) بتحقيقنا. ويروى: "يا فيّ مالي" و "يا هيء مالي" و "يا شيء مالي" وكلها كلمات معناها التعجب. ورواية الجاحظ: "وكذاك حقاً".

([10]) في الأصل: "تكسر".

([11]) في اللسان: "بعرة أو روثة توضع تحت الزند عند القدح".

([12]) في اللسان: "إذا نثر تمرها".

([13]) هذا المعنى لم يرد في المعاجم المتداولة.

([14]) البيت لجرير، كما سبق في حواشي (حوي) برواية أخرى. وأنشده في اللسان (حوى): "نقيق الأفاعي". ورواية اللسان (نقق) تطابق رواية المقاييس هنا.

([15]) ورد هذا المعنى في القاموس ولم يرد في اللسان.

([16]) ورد هذا المعنى أيضاً في القاموس ولم يرد في اللسان. واقتصر في اللسان على تفسيره بالمرأة القذرة، وجمع صاحب القاموس بين المعنيين.

([17]) انظر البيان (1: 13) والحيوان (5: 507).

([18]) الرجز من شواهد الخزانة (1: 131) أنشده الرضي شاهداً لأن "يزيد" علم محكي، لكونه سمي بالفعل مع ضميره المستتر، من قولك: المال يزيد. قال البغدادي: ولو كان من قولك يزيد المال لوجب منعه من الصرف وكان هنا مجروراً بالفتحة. وبنو يزيد: تجار كانوا بمكة. انظر تحقيق البغدادي في اليزيدية والتزيدية. قال "هذا البيت في غالب كتب النحو ولم أظفر بقائله، ولم يعزه أحد لقائله غير العيني فإنه قال: هو لرؤبة بن العجاج. وقد تصفحت ديوانه فلم أجده فيه".

([19]) للكميت في اللسان (فرر) برواية "ويفتر منك عن الواضحات إذا".

([20]) في اللسان (فرر) أمثال الميداني: "إن الجواد". والفرار، بضم الفاء وكسرها وفتحها.

([21]) في الأصل: "شأنه".

([22]) البيت لزهير في ديوانه 177 واللسان (سيأ، فزز، غطل، حشك) . وسيء، يقال بفتح السين وكسرها، وهو اللبن قبل نزول الدرة يكون في طرف الأخلاف.

([23]) في الأصل: "تفض له".

([24]) هو جساس بن نشبة، كما في اللسان وتاج العروس (فظظ). وفي الحماسة 339 بشرح المرزوقي أنه حسان بن نشبة.

([25]) في اللسان: "فكونوا". وفي الأصل: "حتى تعفرا"، صوابه في اللسان.

([26]) هذه المادة ليست في اللسان. والذي في القاموس: "الفغة: تضوع الرائحة. وقد فغتني الرائحة". فسائر المادة هنا مما انفردت به المقاييس والمجمل.

([27]) في الأصل: "الفغفغان"، وأثبت ما في المجمل.

 

ـ (باب الفاء والقاف وما يثلثهما)

(فقم) الفاء والقاف والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على اعوجاج وقلة استقامة. من ذلك الأمْرُ الأفْقَمُ، هو الأعوج. والفَقَم: أن تتقدَّمَ الثَّنايا السُّفلى فلا تقَعَ عليها العُليا. وهذا هو أصل الباب: وزعم أبو بكر([1]) : أنَّ الفَقَم الامتلاء. يقال: أصاب من الماء حَتَّى فَقِمَ، هو أصل الباب. فإن كان هذا صحيحاً فهو أيضاً من قياسه.

(فقه) الفاء والقاف والهاء أصلٌ واحد صحيح، يدلُّ على إدراكِ الشَّيء والعِلْمِ به. تقول: فَقِهْتُ الحديث أفْقَهُه. وكلُّ عِلْمٍ بشيءٍ فهو فِقْه. يقولون: لا يَفْقَه ولا يَنْقَه. ثم اختُصَّ بذلك علمُ الشّريعة، فقيل لكلِّ عالم بالحلال والحرام: فقيه. وأَفْقَهْتُك الشَّيءَ، إذا بَيّنْتُه لك.

(فقأ) الفاء والقاف والهمزة يدلُّ على فَتْح الشيء، وتفتُّحه. يقال: تفقَّأت السَّحابةُ عن مائها، إذا أرسلَتْه، كأنَّها تفتحت عنه.

ومن ذلك: الفَقْء([2]) ، وهي السَّابِياءُ الذي ينفرج عن رأس المولود. ومنه فَقَأْتُ عينَه أفقؤها. فأما الفُقَى مليَّنٌ فجمع فُوقٍ، وهو مقلوبٌ وليس من هذا الباب. قال:

ونَبْلِي وفُقاهَا كـ  *** ـعَراقيبِ قَطاً طُحْلِ([3])

(فقح) الفاء والقاف والحاء يدلُّ على مِثْلِ ما ذكرناه قبلَه من التفتُّح. من ذلك الفُقَّاحُ: نور الإذْخِر، سمِّي بذلك لتفتُّحه، ويقال بل نور الشّجرِ كلُّه فُقَّاح. ويقال: فَقَّح الجَروُ: فتّح عينَيه. قال الشَّاعر:

وأكحُلْكَ بالصَّابِ أَو بالجَلاَ  *** فَفَقِّحْ لذلك أو غمِّضِ([4])

(فقد) الفاء والقاف والدال أصيل يدلُّ على ذَهاب شيء وضَياعِه. من ذلك قولهم. فَقَدت الشَّيء فَقْداً. والفاقد: المرأة تَفْقِد ولدَها أو بعلها، والجمع فَواقِد. فأمَّا قولُك: تفقَّدْتُ الشَّيءَ، إذا تطلّبتَه، فهو من هذا أيضاً، لأنَّك تطلبه عند فقدك إيَّاه. قال الله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لا أَرَى الهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الغَائِبِينَ}  [النمل 20].

(فقر) الفاء والقاف والراء أَصلٌ صحيح يدلُّ على انفراجٍ في شيء، من عضوٍ أو غير ذلك. من ذلك: الفَقَار للظَّهر، الواحدة فَقَارةٌ، سمِّيت للحُزُوز والفُصول التي بينها([5]) . والفقير: المكسور فَقَارِ الظَّهر. وقال أهل اللُّغة: منه اشتُقَّ اسمُ الفقير، وكأنه مكسورُ فَقَار الظَّهر، من ذِلَّتِهِ ومَسْكَنتِه. ومن ذلك:

فقْرَتْهم الفاقرة، وهي الدَّاهية، كأنها كاسرةٌ لفَقار الظهر. وبعضُ أهلِ العلم يقولون: الفَقير: الذي له بُلْغَةٌ من عَيْشٍ* ويحتجُّ بقوله:

أمَّا الفَقير الذي كانت حَلُوبَتُه  *** وَفْقَ العِيال فلم يُترَك له سَبَدُ([6])

قال: فجعل لـه حَلوبةً، وجعَلَها وَفْقاً لعياله، أي قوتاً لا فَضْلَ فيه. وأمَّا الفقير فإنَّه مَخرَج الماءِ من القناة، وقياسُه صحيح، لأنّه هُزِم في الأرض وكُسِر. وأمَّا قولهم: أفْقَرَكَ الصَّيدُ، فمعناه أنَّه أمكَنَك من فَقَارِه حتَّى ترمِيَه. ويقال: فَقَرْتُ البعيرَ، إذا حَزَزتَ خَطمَه ثم جعلتَ على موضع الحزِّ الجَرِيرَ لتُذِلَّه وتَرُوضَه. وأفْقَرتُكَ ناقتي: أعَرْتُك فَقَارَها لتركبَها. وقول القائل:

* مَا ليلةُ الفَقير إِلاَّ شَيطانْ([7]) *

فالفقير ها هنا: رَكيٌّ معروف([8]) . ويقال: فَقَرت للفَسِيل، إذا حفَرْتَ له حينَ تغرسه، وفَقَرت الخَرَزَ، إذا ثقبتَه. وسَدَّ اللهُ مَفاقِره، أي أغناه وسَدَّ وجوهَ فقره([9]) . قال:

وإِنَّ الذي ساقَ الغنَى لابنِ عامرٍ  *** لَرَبِّي الذي أرجو لسدِّ مَفاقرِي([10])

(فقس) الفاء والقاف والسين. يقولون: فَقسَ: مات([11]) .

(فقص) الفاء والقاف والصاد ليس بشيء، إلا أنَّهم يقولون: فُقِصَت البيضةُ عن الفَرْخ.

(فقع) الفاء والقاف والعين. اعلمْ أنَّ هذا البابَ وكلِمَهُ غيرُ موضوعٍ على قياس، وهي كلماتٌ متبايِنة.

من ذلك الفَقْع: ضَربٌ من الكَمأَة، وبه يشبَّه الرّجلُ الذَّليل فيقال: "هُوَ أذَلُّ من فَقْعٍ بقاع([12]) ". والفَقْع: الحُصَاص([13]) . وهذا من قولهم: فَقَّع بأصابعه: صَوَّت.

وممّا([14]) لا يشبه الذي قبلَه صفةُ الأصفر، يقال أصفرُ فاقع. ويقولون: الإفقاع. سُوء الحال، يقال منه: أفْقَعَ. وفَواقع الدَّهر: بَوائِقُه فأمَّا الفُقَّاع فيقال إنّه عربيّ. قال الخليل: سمِّي فُقّاعاً لما يرتفع في رأسه من الزَّبد. قال: والفَقاقيع كالقوارير فوق الماء.

ـــــــــــــــ

([1]) النص التالي ليس في الجمهرة، فلعله في كتاب آخر لابن دريد.

([2]) في الأصل: "الفقوء"، صوابه في المجمل واللسان. وأما الفقوء بالضم فهو جمع الفقء.

([3]) البيت للفند الزماني، أو لامرئ القيس بن عابس الكندي، كما في اللسان (فوق، دفنس) وأخبار النحويين البصريين لأبي سعيد السيرافي 29. وانظر قصيدة البيت عند السيرافي. وابن قتيبة في مقدمة الشعر والشعراء، واللسان (دفنس).

([4]) نسب البيت للمتنخل الهذلي، كما في اللسان (جلا). وقال ابن بري: الصواب أنه لأبي المثلم الهذلي. وأنشده ابن سيده في المخصص (15: 122) بدون نسبة، برواية: "ففقح لكحلك".

([5]) في الأصل: "بينها وبين"، وكلمة "وبين" مقحمة.

([6]) البيت للراعي، كما في إصلاح المنطق 360 واللسان (فقر، وفق) والمخصص (12: 285، 286). وأنشده في المجمل بدون نسبة.

([7]) بعده في اللسان (فقر) ومعجم البلدان (الفقير) مع تحريف في المعجم:

* مجنونة تودي بروح الإنسان *

([8]) وكذا في المجمل ومعجم البلدان. وفي اللسان: "ركية بعينها".

([9]) في الأصل: "وجو فقر".

([10]) أنشده كذلك في المجمل.

([11]) زاد في اللسان: "وقيل مات فجأة".

([12]) ويقال أيضاً: "بقرقر" و "بقردد". اللسان (فقع).

([13]) وفسره بهذا اللفظ أيضاً في المجمل. وهو الضراط.

([14]) في الأصل: "وما".

 

ـ (باب الفاء والكاف وما يثلثهما)

(فكل) الفاء والكاف واللام كلمةٌ واحدة، وهي الأفْكَل: الرِّعدة. ويقولون: لا يُبنَى منه فعل.‏

(فكن) الفاء والكاف والنون كلمةٌ واحدة، وهي التندّم، يقال تندّم وتفكَّنَ بمعنىً.‏

(فكه) الفاء والكاف والهاء أصلٌ صحيح يدلُّ على طِيب واستطابةٍ. من ذلك الرّجُل الفَكِه: الطيِّب النَّفس.‏

ومن الباب: الفاكهة، لأنَّها تُستَطابُ وتُستطرَف.‏

ومن الباب: المُفاكهَة، وهي المُزاحة وما يُستحلَى من كلام.‏

ومن الباب: أفكَهَتِ النّاقةُ والشّاةُ، إذا دَرَّتا عند أكل الرَّبيع وكان في اللبن أدْنَى خُثُورة؛ وهو أطيَبُ اللَّبن.‏

فأمَّا التَّفَكُّه في قوله تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة 65]، فليس من هذا، وهو من باب الإبدال(1) ، والأصل تَفَكَّنون، وهو من التندُّم، وقد مضى ذِكرُه.‏

(فكر) الفاء والكاف والراء تردُّدُ القَلْب في الشَّيء. يقال تفكّرَ إذا ردَّدَ قلبه معتبِرا. ورجلٌ فِكِّير: كثير الفِكر(2) .‏

ــــــــــــــــــــ

(1) هو لغة لعكل، أو لأزد شنوءة، كما في اللسان (فكه).‏

(2) ويقال أيضاً "فيكر" بفتح الفاء وسكون الياء، هذه عن كراع.‏

 

ـ (باب الفاء واللام وما يثلثهما)

(فلم) الفاء واللام والميم كلمةٌ. يقولون الفَيْلم: العظيم من الرِّجال. وفي ذكر الدَّجَّال: "رأيتُه فَيْلَمَانِيَّاً". وقال الشَّاعر([1]) :

ويَحمِي المُضافَ إذا ما دَعا *** إذا فرَّ ذُو اللِّمَّةِ الفَيْلَمُ

ويقولون: الفَيْلَم: المُشْط([2]) . وليس بشيء.

(فلن) الفاء واللام والنون كناية عن كلِّ أحد. ورخَّمه أبو النجمِ فقال:

* في لَجَّةٍ أَمْسِكْ فُلانَاً عَنْ فُلِ([3]) *

هذا في الناس، فإنْ كان في غيرهم قيل: ركبتُ الفلانةَ والفرس الفلان([4]) .

(فلو) الفاء واللام والحرف المعتلّ كلمةٌ صحيحة فيها ثلاث كلمات: التّربية، والتفتيش، والأرض الخالية.

فالتّربِيَة: فَلَوتُ المُهْرَ، إذا ربَّيْته. يقال: فلاهُ يَفلوه. ويسمَّى فَلُوَّاً: قال الحُطيئة:

سعيدٌ وما يفعلْ سعيد فإنَّه  *** نجيبٌ فَلاَه في الرِّباط نجيبُ([5])

وقولهم: فَلوتُه عن أمِّه، أي قطعته عن الفطام([6]) ، فمعناه ما ذكرناه. وفَلَوْتُ المُهر وافتليتُه. قال:

وليس يَهْلك منا سيّدٌ أبداً  *** إِلا افتلينا غُلاماً سيِّداً فينا([7])

والكلمة الأخرى: فَلَيْتَ الرَّأس أفْليه. ثم يستعار فيقال: فلَيْتَ رأسَه بالسَّيف أفليه.

والكلمة الثالثة: الفلاة، وهي المَفَازة، والجمع فلواتٌ* وفَلاً.

(فلت) الفاء واللام والتاء كلمةٌ صحيحة تدلُّ على تخلُّصٍ في سرعة.

يقال: أفْلَتَ يُفْلِتُ. وكان ذلك الأمر فَلْتَةً، إذا لم يكُنْ عن تدبُّر ولا رأيٍ ولا تردُّد([8]) . ويقال: تفلَّتَ إلى هذا الأمر، كأنَّه نازَعَ إليه. وفرسٌ فلَتَانٌ: نشيطٌ حديدُ الفؤاد. وثَوبٌ فَلُوتٌ: لا ينضمُّ طرفاهُ على لابسِهِ من صِغَره، كأنّ معناه أنَّه يُفْلِت من اليد([9]) .

ومن الباب: افتُلِتَ الإنسان، إذا ماتَ فجأة. وفي الحديث: "أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُها". والفَلْتة: آخِرُ يوم من جمادَى الآخرة.

(فلج) الفاء واللام والجيم أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدهما على فوزٍ وغَلَبة، والآخر على فُرْجَةٍ بين الشَّيئين المتساويين.

فالأول: قولُهم: فُلِجَ الرَّجُل على خَصْمِه، إذا فازَ: والسَّهم الفالِج: الفائز. والرَّجل [الفالج]: الفائز. والاسم الفُلْج. ومن أمثال العرب: "أنا من هذا الأمر فالجُ بن خَلاَوةَ" قالوا: معناه أنا منه بريءٌ. وتفسير هذا أنَّه إذا خلا منه فقد فازَ، أي نجا منه. وخَلاَوة، مِن خلا يخلو. وقال عليٌّ عليه السلام: "إنَّ المرءَ المسلم لم يَغْشَ دناءَةً يَخْشَعُ إذا ذُكِرَتْ له، وتُغْرِي به لئامَ النَّاس، كالياسر الفالج، ينتِظر فَوزةً من قِداحِه".

والأصل الآخر: الفَلَج في الأسنان([10]) : تَباعُدُ ما بين الثَّنايا والرَّبَاعِيَات. وقال أبو بكر: "رجلٌ أفلج الأسنانِ، وامرأةٌ فلجَاء الأسنان، لابدَّ من ذِكْر الأسنان([11]) ". فأمَّا الفَلَج في اليَدينِ فقال أبو عُبيد: الأفلج: الذي اعوجاجُه في يديه، فإنْ كان في رجليه فهو فَحَجٌ. وهذا هو القياسُ الأوَّل؛ لأنَّ اليدَ إذا اعوجَّت فلا بدَّ أن تتجافَى وتتباعد.

ومن الباب: الفالِج: الجَمَل([12]) ذو السَّنامَين، وسمِّي للفُرجة بينهما. وفرسٌ أفلَجُ: متباعِدُ ما بين الحَرْقَفَتين. وكلُّ شيءٍ شققتَه فقد فَلَجْتَه فَِلْجين، أي نِصفَين.

قال ابن دُريد: "وإنِّما قيل فُلِجَ الرّجُل لأنَّه ذهب نِصفُه([13]) ". ويقال لِشُقَّة الثَّوب: فَلِيجة: والفَلَج: النَّهر، وسمِّي بذلك لأنّه فُلجَ، أي كأنَّ الماءَ شقَّه شقّاً فصار فُرْجَة. فأمَّا الفَلُّوجة فالأرض المُصْلَحة للزَّرع، والجمع فَلاَليج. وأمَّا الحديث: "أنَّهما فَلَجا الجِزْية"، فإنّه يريد قَسَماها، وسمِّي ذلك فَلْْجاً لأنّه تفريق.

(فلح) الفاء واللام والحاء أصلان صحيحان، أحدهما يدلُّ على شَقٍّ، والآخر على فَوْزٍ وبَقاء.

فالأوَّل: فَلَحتُ الأرضَ: شَقَقتُها. والعرب تقول: "الحديد بالحديد يُفْلَح". ولذلك سمِّي الأكّار فَلاَّحا. ويقال للمشقوق الشَّفةِ السُّفلى: أفْلَحُ، وهو بيِّن الفَلَحَة. وكان عنترة العبسيُّ يلقَّب "الفَلْحاء" لفَلَحةٍ كَانت به. قال:

وعَنْترةُ الفَلحاءُ جاءَ مُلأَّماً  *** كأنَّك فِندٌ من عَمَايةَ أسودُ([14])

والأصل الثّاني الفَلاَح: البقاء والفَوْز. وقولُ الرّجُل لامرأته: "استَفلِحي بأمرِك"، معناه فَوزِي بأمرك. والفَلاَح: السَّحُور. قالوا: سمِّي فَلاَحاً لأنَّ الإنسانَ تبقى معه قُوّتُه على الصَّوم. وفي الحديث: "صلَّينا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله حتَّى خفْنا أنْ يَفوتَنا الفَلاَح". قال الشَّاعر:

لكلِّ همٍّ من الهُمومِ سَعَهْ *** والمُسْيُ والصّبْحُ لا فَلاَح مَعَهْ([15])

(فلذ) الفاء واللام والذال أُصَيلٌ يدلُّ على قَطْع شيءٍ من شيء. من ذلك الفِلْذة: القِطْعة من الكَبِد، والجمع فِلْذ. قال:

تكفيه حُزَّةُ فِلْذٍ إنْ ألَمّ بها *** من الشِّواء ويُروي شُربَه الغُمَرُ([16])

فالقِطْعة من المال فِلْذةٌ أيضاً. يقال فَلَذْتُ له من مالي، أي قطعت له فِلْذَةً منه.

(فلز) الفاء واللام والزاء ليس فيه شيء إلاّ أنّهم يقولون: الفِلِزُّ: خَبَث الحديد يَنْفيه الكِير.

(فلس) الفاء واللام والسين كلمة واحدة، وهي الفَلْس، معروف، والجمع فُلوس. ويقولون: أفْلَسَ الرّجل، قالوا: معناه صار ذا فُلوسٍ بعد أن كان ذا دراهم.

(فلص) الفاء واللام والصاد ليس فيه شيءٌ، لكنَّهم يقولون: الانفلاص: التفلُّت([17]) . وفلَّصت الشَّيء من الشيء خَلّصته. وهذا إن* صحَّ فإنَّما هو من الإبدال، والأصل الميم، يقال مَلَّصَ. وممكنٌ أن يكون الأصل الخاء: خَلَّص.

(فلط) الفاء واللام والطاء ليس بأصل، لأنَّه من باب الإبدال، والأصل الراء. ويقولون: أفْلَطَه الأمرُ: فاجَأَه. وتكلَّمَ فلانٌ فِلاطاً، إذا فاجَأَ([18]) بقولِهِ. والأصل الراء فرط، وقد ذُكر في بابه.

(فلع) الفاء واللام والعين كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على شَقِّ الشَّيء. تقول: فَلَعت الشَّيءَ: شقَقْتُه. وتَفلَّعت البَيضةُ وانْفَلَعَتْ.

(فلق) الفاء واللام والقاف أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على فُرْجةٍ وبَيْنُونةٍ في الشيء، وعلى تعظيمِ شيء. من ذلك: فَلَقْتُ الشّيءَ أَفْلِقُه فَلْقاً. والفَلَق: الصُّبح؛ لأنَّ الظَّلام يَنْفلِقُ عنه. والفَلَق: مطمئنٌّ من الأرض كأنَّه انفلَقَ، وجمعه فِلْقانٌ. والفَلق: الخَلْق كله، كأنَّه شيءٌ فُلِق عنه شيء حَتَّى أُبرِزَ وأظْهِر. ويقال: انفَلَقَ الحَجَر وغيرُه وكلَّمنَي فلانٌ من فَِلْق فيه. وهو ذاك القياس. والفَالِق: فضاءٌ بين شَقيقَتيْ رملٍ. وقَوسٌ فِلْقٌ، إذا كانت مشقوقةً ولم تكُ قَضيباً. والفَلِيق كالهَزْمة في جِران البَعير. قال:

* فَلِيقُها أجردُ كالرُّمحِ الضَّلِعْ([19]) *

والأصل الآخَر الفليقة، وهي الدَّاهية العظيمة. والعرب تقول: يا لَلْفليقة. والأمر العَجَبُ العظيم. وأفْلَقَ فلانٌ: أتى بالفِلْق. وكذلك يقال شاعرٌ مُفلِق. وقال سُويد([20]) :

إذا عَرَضَت داوِيَّةٌ مُدْلهِمَّة  *** وغَرَّدَ حاديها عَمِلْنَ بِها فِلْقا([21])

والفيلق: العجبُ أيضاً.

(فلك) الفاء واللام والكاف أصلٌ صحيح يدلُّ على استدارةٍ في شيء. من ذلك فَلْْكة المِغزل بفتح الفاء([22]) ، سمِّيت لاستدارتها؛ ولذلك قيل: فَلَّك ثَدْيُ المرأة، إذا استدار.

ومن هذا القياس فَلَك السماء. وفلكْتُ الجَدْيَ بقضيبٍ أو هُلْبٍ: أدرتُه على لسانه لئلاّ يرتضع. والفَلَك: قِطَعٌ من الأرض مستديرةٌ مرتفِعة عمَّا حولها. ويقال إنَّ فَلْكة اللِّسان: ما صَلُب من أصله. وأمَّا السفينة فتسمَّى فُلْكا. ويقال إنَّ الواحد والجمعَ في هذا الاسم سواء، ولعلَّها تسمَّى فُلْكاً لأنَّها تدار في الماء.

ــــــــــــــــ

([1]) هو البريق الهذلي، كما سبق في حواشي (ضيف).

([2]) وينشدون في ذلك:      * كما فرق اللمة الفيلم *

([3]) المجمل واللسان (فلن) والخزانة (1: 401). وانظر أرجوزته المنشورة بمجلة المجمع العلمي العربي (8: 472-479)، وهي أرجوزة طويلة عدة أشطارها 191 شطراً وكان رؤبة يسميها "أم الرجز".

([4]) في الأصل: "وفي الفردس الفلان". وفي المجمل: "قيل الفلانة والفلان".

([5]) ديوان الحطيئة 42 واللسان والمجمل (فلا)، وسعيد هذا، هو سعيد بن العاصي الجواد الخطيب، كما في اللسان والبيان (3: 116) بتحقيقنا. وكلمة "فإنه" ساقطة من المجمل، وإثباتها من الديوان، واللسان، والمجمل.

([6]) وكذا في المجمل، أي بعد الفطام. وفي اللسان: "عزله عن الرضاع وفصله".

([7]) لبشامة بن حزن النهشلي، كما في اللسان (فلا) وأنشده في المجمل بدون نسبة ومقطوعة البيت في الحماسة (1: 25) منسوبة لبعض بني قيس بن ثعلبة.

([8]) وكذا في المجمل. ولعل صوابها "ترو". وفي اللسان: "والفلتة: كل شيء فعل من غير روية".

([9]) في الأصل: "إلى البد"، صوابه من اللسان.

([10]) في الأصل: "الإنسان"، صوابه من المجمل ومما تقتضيه المقابلة باليدين فيما يأتي.

([11]) الجمهرة (2: 107).

([12]) في الأصل: "الرجل"، وهو من طريف التصحيف.

([13]) الجمهرة (2: 107).

([14]) البيت لشريح بن بجير بن أسعد التغلبي، كما في اللسان (فلح). وقد أنشد بن فارس قطعة من البيت في (عنق). وفي الأصل: "جد ملأما" و"من عمامة"، كلاهما محرف.

([15]) للأضبط بن قريع من أبيات في الأمالي (1: 107) والمعمرين 8 والخزانة (4: 589) والأغاني  (16: 154) وحماسة ابن الشجري 137 والبيان والتبيين (3: 341) ومجالس ثعلب 480 والمثل السائر (1: 260).

([16]) لأعشى باهلة يرثي أخاه المنتشر بن وهب الباهلي، كما سبق في حواشي (غمر).

([17]) في الأصل والمجمل: "التلفت"، صوابه من اللسان.

([18]) في الأصل: "إذا جاء"، صوابه من المجمل واللسان.

([19]) الرجز لأبي محمد الفقعسي، كما في اللسان (فلق، ضلع)، وقد سبق في (ضلع). وصواب إنشاده: "فليقه" كما سبق: وقبله:*بكل شعشاع كجذع المزدرع*

([20]) سويد بن كراع العكلي، كما في اللسان (فلق) وإصلاح المنطق 22، 264.

([21]) يروى: "عرد" بالعين المهملة، و "فرين بها".

([22]) ويقال بكسرها أيضاً.

 

ـ (باب الفاء والنون وما يثلثهما)

(فني) الفاء والنون والحرف المعتلّ. هذا بابٌ لا تنقاس كلِمُهُ، ولم يُبْنَ على قياسٍ معلوم، وقد ذكرنا ما جاء فيه. قالوا: فَنِيَ يَفْنَى فَناءً، والله تعالى أفناهُ، وذلك إذا انقطع. والله تعالى قَطَعه، أي ذهب به. والفَنَا مَقصورٌ: عِنَب الثّعلب. والفِناء: ما امتدَّ مع الدَّار من جوانبها، والجمع أفنية. ويقولون: هو من أفناء العرب، إذا لم يُدْرَ ممن هو. والمُفانَاة: المداراة. قال:

أقيمه تارةً وأُقْعِدُه  *** كما يُفانِي الشَّمُوسَ قائدُها([1])

والأَفانِي: نبت، الواحدة أفانِيَة. والفَنَاة: البَقرة، والجمع فَنَوات. وشجرةٌ فَنْواء، إذا ذهبت أفنانُها في كلِّ شيء، والقياس فَنَّاءُ، لأنَّه من الفَنَن.

(فند) الفاء والنون والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على ثِقَل وشدة، ويقال بعضه على بعض([2]) . من ذلك الفِنْد: الشِّمراخ من الجبل، وقال قوم: هو الجبَلُ العظيم، وبه سمِّي الرجل فِنْداً.

وممَّا يقاس عليه التفنيد، و[هو] اللوم، لأنَّه كلام يثقل على سامعه ويشتدّ. والفَنَد: الهَرَم، وهو ذاك القياس، ولا يكون هَرَماً إلاّ ومعه إنكارُ عقل. يقال أَفْنَدَ الرّجُل فهو مُفْنِدٌ، إذ أُهْتِر. ولا يقال عجوزٌ مُفْنِدة، لأنَّها لم تكُ في شبيبتها ذاتَ رأي.

ويقولون: الفَنَد: الكذب. وممكنٌ أن يكون سمِّي كذا لأنّ صاحِبَه يفنَّد، أي يلام. وممكنٌ أن يسمَّى كذا لأنَّه شديد الإثم؛ شديدٌ وِزْرُه.

(فنع) الفاء والنون والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على طِيبٍ وكثرةٍ وكَرَم. فالفَنَع: الكَرَم. ويقال إنَّ نَشْر المسكِ فَنَع. ويقال نَشْر الثّناءِ الحَسن. ويقال مالٌ ذو فَنَع، أي كَثْرة. قال:

وقد أجودُ وما مالي بذي فَنَعٍ  *** على الصَّديق وما خيري بممنونِ([3])

(فنق) الفاء والنون والقاف أُصَيْلٌ يدلُّ على كَرم ونَعْمة. من ذلك الفَنِيق: الفَحْل المكْرَم لا يُؤذَى لكرامته. ويقال الفُنُقُ: الجارية المنعَّمة. والمفنّق*: المنعّم.

(فنك) الفاء والنون والكاف كلمتان. قالوا: الفَنْك: اللَّجَاج: ويقال اللزوم. يقال: فَنَكَ: أقام.

والكلمة الأخرى: الفَنِيك: طرف اللَّحْيين عند العَنْفقة. قال بعضُهم: سألت أبا عمروٍ الشيبانيَّ عن الفَنِيك فقال: أمَّا الأعلى فمجتمَع اللَّحيين عند الذَّقَن، وأمَّا الأسفل فمجتمع الورِكَين حيثُ يلتقيان.

(فنح) الفاء والنون والحاء كلمة واحدة. يقولون: فَنَحَ الفرسُ من الماء، إذا شرب دونَ الرِّيّ. قال:

والأخْذ بالغَبوق والصَّبُوح  *** مُبرِّداً لمِقْأبٍ فَنُوحِ([4])

المِقأب: الكثير الشّرب للماء واللَّبَن. ورواها آخرون: "لمِصْأَبٍ"، وهو الذي يشرب دونَ الرّيّ. والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــــ

([1]) للكميت، كما في اللسان (فنى) برواية: "تقيمه تارة وتقعده". ورواية المجمل تطابق رواية المقاييس.

([2]) كذا وردت هذه العبارة.

([3]) أرى البيت ملفقاً من بيتين، أحدهما لأبي محجن الثقفي في ديوانه 7 واللسان (فنع، فجر)، وهو:

وقد أجود وما مالي بذي فنع  *** وقد أكر وراء المحجر البرق

ويروى: "بذي فجر". والآخر لذي الإصبع العدواني في المفضليات (1: 158) وهو:

إني لعمرك ما بابي بذي غلق  *** عن الصديق ولا خيري بممنون

([4]) الرجز في اللسان (فنح).

 

ـ (باب الفاء والهاء وما يثلثهما)

(فهج) الفاء والهاء والجيم كلمة. يقال إنَّ الفَيْهَج: الخَمْر. وأنشَدوا:

ألا يا اصْبَحينا فَيْهَجاً جدرية  *** بماءِ سحابٍ يسبق الحقَّ باطلي([1])

 

(فهد) الفاء والهاء والدال يدلُّ على جِنْس من الحيوان، ثم يُستعار. فالفهد معروف، والجمع فُهود. ويقال فَهدَ الرَّجُل: غَفَل عن الأُمور، شُبِّه بالفَهد.

وفي حديث أُمِّ زَرع([2]) : "إِنْ دخَل فَهِدَ، وإنْ خرجَ أَسِدَ". ويقولون هذا لأنَّ الفَهْد نَؤُوم.

والمستعار الفَهْدتان: لحمتا زَور الفَرس. ويقولون: الفهد: مِسمارٌ في واسطة الرَّحْل.

(فهر) الفاء والهاء والراء ليس فيه من اللُّغة الأصلية شيءٌ [إلاّ] كلمةٌ واحدة، وهي الفِهر، مؤنَّثة، وهي الحجر من الحجارة. ويقولون: إِنّ الفَهْر: أنْ يُجامِع الرّجلُ المرأةَ ويُفرِغَ في غيرها. وقد جاء فيه. ويقال تفَهَّرَ في المال: اتَّسعَ فيه. يقولون: ناقةٌ فَيْهَرَةٌ: شديدة. وكلُّ هذا قريبٌ بعضُه في الضعف([3]) مِن بَعض.

(فهق) الفاء والهاء والقاف أصلٌ صحيح يدلُّ على سَعَةٍ وامتلاء. من ذلك الفَهْق: الامتلاء. يقال: أفهَقْت الكأسَ، إذا ملأتَها. وفي الحديث: "إن أبغضَكم إليَّ الثَّرثارون والمتفيهِقُون" واحدهم مُتفيهِق. وفي الذي يفهق كلامه ويَملأُ به فمَه قال الأعشى:

تَروحُ على آلِ المحلِّق جَفنةٌ  *** كجابيةِ الشَّيخ العراقيِّ تَفهقُ([4])

قال الخليل: الفَيْهق: الواسعُ من كلِّ شيء، حتى يقالُ مفازةٌ فيهق. قال: ومُنفهق الوادي: متَّسَعه.

ومما شذَّ عن هذا الأصل: الفَهْقَة: عظمٌ عند فائق الرَّأس([5]) مشرفٌ على اللَّهاة.

(فهم) الفاء والهاء والميم عِلْم الشيء، كذا يقولون أهلُ اللغة([6]) . وفَهمٌ: قبيلة.

ــــــــــــــــ

([1]) وكذا سبقت روايته في (جدر). وفي المجمل (جدر): "ألا يا اصبحينا فيهجا جيدرية"، وقد سبق التنبيه على صواب روايته، وعلى نسبته إلى معبد بن سعنة.

([2]) انظره كاملاً في المزهر (2: 532)، ورواه البخاري ومسلم، والترمذي في شمائله، والطبراني وغيرهم. والكلمة التالية من كلام المرأة الخامسة.

([3]) لعلها "في المعنى".

([4]) ديوان الأعشى 150 برواية: "نفى الذم عن آل المحلق"، وأنشده في اللسان (حلق، فهق، جبي)، وسبق إنشاده في (جبي).

([5]) وكذا في المجمل. والفائق: موصل العنق في الرأس. وفي اللسان: عند مركب العنق، وهو أول الفقار.

([6]) كذا وردت العبارة، وهي لغة معروفة لبني الحارث بن كعب. وانظر حواشي 462.

 

ـ (باب الفاء والواو وما يثلثهما)

(فوت) الفاء والواو والتاء أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على خلافِ إدراكِ الشّيءِ والوصولِ إليه. يقال: فاته الشَّيءُ فوتاً. وتفاوَتَ الشَّيئانِ: تباعَدَ ما بينهما، أي لم يُدرِك هذا ذاك. والافتيات: افتعالٌ من الفَوت، وهو السَّبق إلى الشَّيء دون الائتمار([1]) . يقال: فلانٌ لا يُفْتاتُ عليه، أي لا يُعْمَل شيءٌ دون أمرِه.

ومن الباب: الفَوْت: الفُرْجة بين الشَّيئين، كالفُرجة بين الإصبَعَين. والجمع أفوات. يقال: ماتَ موتَ الفَوات، إذا فُوجئَ، كأنَّه فاته ما أرادَ من وصيَّةٍ وشِبْهها. ويقال: هو منِّي فَوْتَ الرُّمح. وشَتَم رجلٌ آخرَ فقال: "جعل الله تعالى رزقَه فوتَ فيه"، أي حيث يراه ولا يصلُ إليه.

(فوج) الفاء والواو والجيم كلمةٌ تدلُّ على تجمُّع. من ذلك الفَوْج، الجماعة من النَّاس، والجمع أفواج، وجمع الجمعِ أفاوِج وأفاويج. وأمَّا أفاجَ الرَّجُل، إذا أسرَعَ، فهو من ذوات الياء، والفَيْج منه.

(فوح) الفاء والواو والحاء كلمةٌ تدلُّ على ثَوْرٍ وغَليان. يقال: فاحت الرِّيح تَفوح فَوْحاً. وحكى ناسٌ: فاحت القِدرُ: غلَتْ. وأفحتُها أنا.

(فود) الفاء والواو والدال كلمةٌ واحدة، ثمَّ تستعار. فالفَوْد: مُعظَم شعرِ اللِّمَّة ممَّا يلي الأذُنين* ثم يقولون استعارةً لجناحَيِ العُقاب: فَوْدان.

وممَّا ليس منه قولُهم: فاد يفود، إذا مات، والأصل في هذا الياء، وقد ذكر.

(فور) الفاء والواو والراء كلمةٌ تدلُّ على غَلَيان، ثم يقاس عليها. فالفَوْر: الغَلَيان. يقال: فارت القدرُ تَفورُ فَوراً. قال:

تَفور علينا قِدرُهم فنُدِيمُها *** ونَفْثَؤُها عنَّا إذا حَمْيُها غلا([2])

وفار غضبُه، إذا جاشَ.

وممَّا قِيس على هذا قولُهم: فَعَله من فَوْره، أي في بدء أمرِه، قبل أنْ يسكُن.

(فوز) الفاء والواو والزاء كلمتانِ متضادّتان. فالأولى النّجاة والأخرى الهَلكة.

فالأولى قولهم: فازَ يفوز، إذا نجا، وهو فائز. وفاز بالأمر، إذا ذهب به وخلَص. وكان الرجلُ يقول لامرأته إذا طلّقها: فُوزِي بأمرك([3]) ، كما يقال: أمرُك بيدك. ويقال لمن ظَفِر بخيرٍ وذهب به. قال الله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}  [آل عمران 185].

والكلمة الأخرى قولهم: فَوَّزَ الرَّجُل، إذا مات. قال الكُميت:

فما ضرَّها أنَّ كعباً ثَوَى  *** وفوّز مِن بعدِه جَرْوَلُ([4])

ثم اختُلِف في المَفَازَة، فقال قومٌ: سمِّيَتْ بذلك تفاؤلاً لراكبها بالسَّلامة والنَّجاة. والمَفَازَة: المَنْجَاة. قال الله عزّ وعلا: {بِمَفَازَةٍ مِنَ العَذَابِ} [آل عمران 188]. وقال آخرون: هي من الكلمة الثَّانية، فَوَّزَ، إذا هَلكَ. ثم يقال: فوَّز الرَّجُل، إذا ركب المَفَازَة. قال:

* فوّزَ من قُرَاقِرٍ إلى سُوَى([5]) *

(فوص) الفاء والواو والصاد كلمةٌ تدلُّ على خُلوصٍ أو خَلاَصٍ من شيء. يقال: قَبَضت على ذَنَبِ الضّبِّ فأفاصَ من يدي، أي خلَّصَ ذنبه. والمَفَاوصة في الحديث: الإبانة. وما يُفِيص بها لسانُه، أي يُبين.

(فوض) الفاء والواو والضاد أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على اتّكال في الأمر على آخَر وردِّه عليه، ثم يفرَّع فيردّ إليه ما يُشبهه. من ذلك فوَّضَ إليه أمرَه، إذا ردَّه. قال الله تعالى في قصّةِ من قال: {وأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللهِ}  [غافر 44].

ومن ذلك قولُهم: باتوا فَوْضَى([6]) ، أي مختلطين، ومعناه أنّ كلاًّ فوَّض أمرَه إلى الآخَر. قال:

طعامُهم فوضَى فَضاً في رحالِهِمْ  *** ولا يُحْسِنون السِّرَّ إلاّ تنادِيا([7])

 

ويقال: مالُهم فوضَى بينهم، إذا لم يخالِفْ أحدُهم الآخَر. وتفاوَض الشَّريكان في المال، إذا اشتركا ففوَّض كلٌّ أمرَه إلى صاحبه([8]) ، هذا راضٍ بما صنع ذاك وذاك راضٍ بما صنع هذا، ممَّا أجازته الشَّريعة.

(فوع) الفاء والواو والعين يدلُّ على ثَوْرٍ في شيء. يقال لخِمْرة الطِّيب وما ثار من ريحه: فَوْعة. ويقال لارتفاع النهار: فَوعة.

(فوغ) الفاء والواو والغين كلمةٌ إن صحَّت. يقولون: إن الفَوغ([9]) : الضَّخم. يقال: امرأته فَوغاء.

(فوف) الفاء والواو والفاء كلمةٌ واحدة. يقولون: الفُوف: القُطن. ثم يقال للبياض يُرَى في أظفار الأحداث: الفُوف. ومن ذلك يقال: بُرْدٌ مفَوَّف.

(فوق) الفاء والواو والقاف أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدُهما على عُلُوٍّ، والآخرُ على أوْبة ورُجوع.

فالأوّل الفَوْق، وهو العُلُوّ. ويقال: فلانٌ فاقَ أصحابَه يفوقُهم، إذا علاهم وأمرٌ فائق، أي مرتفع عالٍ.

وأمَّا الآخَر فَفُوَاق النَّاقَة، وهو رُجوع اللَّبنِ في ضَرعها بعد الحَلب. تقول: ما أقامَ عندَه إلاَّ فُوَاقَ ناقة. واسم المجتمِع من الدِّرِّ: فيقة، والأصل فيه الواو. قال الأعشى:

حتَّى إذا فِيقةٌ في ضَرْعِها اجتمَعتْ  *** جاءت لتُرضِع شِقّ النفس لو رَضَعا([10])

وفي بعض الحديث في ذكر القرآن: "أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقَ اللَّقوح([11]) " معناه لا أقرأ جزئي([12]) مرّةً واحدة لكن شيئاً بعد شيء. شبَّهَه بفُواق الدِّرَّة. يقال فُوَاق وفَواق قال الله تعالى: {ما لَهَا مِنْ فَوَاق([13])}  [ص 15]، أي ما لها من رُجوعٍ ولا مَثْنَوِيّةٍ ولا ارتداد. وقال غيرُه: ما لها من نَظِرة. والمعنيان قريبان. ويقولون: أفاقَ السَّكرانُ يُفيق، وذلك من أوبةِ عقلِه إليه. والأفاويق: ما اجتَمَعَ من الماء في السَّحاب.

ومن الباب الفُوق: فُوق السَّهم* وسمِّي لأنَّ الوترَ يُجعَل كأنَّه قد رُدَّ فيه، والجمع أفواق. ويقولون: فُقىً، وهو مقلوبٌ. ويقال سهمٌ أفْوَق([14]) ، إذا انكسر فُوقه.

وممَّا شذَّ عن هذين الأصلين قولهم: هو يَفُوق بنفسه. وهذا من باب الإبدال وإنما أصلُه يسوق، والفاء بدلٌ من السين، وذلك إذا جادَ بنفْسه.

(فول) الفاء والواو واللام كلمةٌ إن صحَّتْ. يقولون: الفُول: الباقلَّى.

(فوم) الفاء والواو والميم أصلٌ صحيحٌ مختلَفٌ في تفسيره، وهو، الفُوم. قال قومٌ: هو الثُّوم، وقال آخرون: هو الحِنطة. ويقولون: فَوِّمُوا لنا، أي اخبزُوا.

(فوه) الفاء والواو والهاء أصلٌ صحيح يدلُّ على تفتُّحٍ في شيء. من ذلك الفَوَه: سَعة الفم. رجلٌ أفْوَه وامرأةٌ فوهاء. ويقولون أهلُ العربية([15]) : إنَّ أصلَ الفم فَوَهٌ، ولذلك قالوا: رجلٌ أفْوَه. وفاهَ الرّجلُ بالكلام يَفُوهُ به، إذا لفَظَ به. والمُفَوَّه: القادر على الكلام. وزعم ناسٌ أن الفَوَه أيضاً: خُروج الثَّنايا العُلْيا وطُولُها.

ومن الباب الفُوَّهَة: فم النَّهْر، وإنما بنَوه هذا البناء فرقاً بين الذي للنّهر والذي للإنسان. والفُوه: واحد أفواه الطِّيب، مثل سُوق وأسواق. والقياس واحد، كأنَّه لما فاحت رائحتُه فاه بها، أي نطق.

ـــــــــــــــــــ

([1]) الائتمار: الاستشارة. وفي المجمل: "دون ائتمار من يؤتمر".

([2]) للنابغة الجعدي، كما سبق في (دوم). والبيت بنسبته في اللسان (دوم)، وبدون نسبة في (فثأ).

([3]) هذه العبارة مما لم يرد في المعاجم المتداولة. وانظر ما سبق في (فلح).

([4]) اللسان (فوز) برواية: "توى" بالتاء المثناة. وروي بالثاء المثلثة، كما هنا، في اللسان (ثوى). وكلاهما بمعنى واحد، أي هلك.

([5]) الرجز لشاعر من المسلمين يقوله في رافع بن عميرة الطائي، وكان رافع دليل خالد بن الوليد في السير من قراقر. وهو ماء لكلب، إلى سوى، وهو ماء لبهراء وبينهما خمس ليال. انظر الطبري (4: 45) في حوادث سنة 13 ومعجم البلدان (قراقر، سوى). وأنشده في اللسان (فوز).

([6]) في الأصل: "ماتوا فوضى"، تحريف. وفي المجمل: "وبات الناس فوضى".

([7]) في اللسان (فوض): "ولا يحسبون السوء".

([8]) في الأصل: "ففوض أمر كله إلى صاحبه".

([9]) ورد "الفوغ" و "الفوغاء" أيضاً في المجمل، ولم يردا في المعاجم المتداولة.

([10]) ديوان الأعشى 84 واللسان (فوق).

([11]) هو من حديث أبي موسى الأشعري، تذاكر هو ومعاذ قراءة القرآن فقال أبو موسى: "أما أنا فأتفوقه تفوق اللقوح". اللسان (فوق).

([12]) في الأصل: "لا أقرئ"، صوابه في المجمل واللسان.

([13]) قرأ حمزة والكسائي وخلف بضم الفاء، وهي لغة تميم وأسد وقيس، ووافقهم الأعمش، والباقون بفتحها، وهي لغة الحجاز. إتحاف فضلاء البشر 372.

([14]) في الأصل: "أفواق"، صوابه في المجمل واللسان.

([15]) سبق نظير هذا التعبير في مادة (فهم).

 

ـ (باب الفاء والياء وما يثلثهما)

(فيج) الفاء والياء والجيم يدلُّ على الإسراع. ومن ذلك الفَيْج وقد مضى ذكره، ويقال أصله الواو. والفائجة في الأرض: [متَّسع ما بين كلِّ مرتفعين من غِلظٍ أو رمل([1]) ].

(فيح) الفاء والياء والحاء كلمةٌ واحدة. فاح يفيح، إذا ثار. يقال ذلك في الرِّيح وغيرها. وفي الحديث: "الحمَّى من فَيح جهنم([2]) ". ويقال أصلُه الواو، وقد مضى.

(فيخ) الفاء والياء والخاء كلمة. يقولون: أفاخ يُفيخ بِريحه. وفي الحديث: "كل بائلةٍ تُفيخ". ويقولون –وما أُراها صحيحةً- إنَّ الفَيْخَة: السُّكُرُّجَة.

(فيد) الفاء والياء والدال أُصَيلٌ صحيح، إلاَّ أنَّ كلِمَهُ لم تجِئ قياساً، وهو من الأبواب التي لا تنقاس. من ذلك الفَيد، يقولون: هو الزَّعفران. وبه سمِّي الشَّعَْر الذي على جَحْفلة الفَرَس. والفَيْد: التبختُر في المَشْي. يقال: رجلٌ فيَّادٌ. فأمَّا الفيَّاد في قول أبي النَّجم:

* ولستُ بالفَيَّادةِ المُقَصْمِلِ([3]) *

فيقال: هو المعجَب بنفسه المتبختِر في مَشْيه. وقالوا: الفَيَّادة: الأكول. والفَيْد: الموت. [فاد] يَفيد. والفَيَّاد: ذكر البُوم. قال:

ويَهماءَ باللَّيل غَطْشَى الفلا  *** ةِ يُؤْنِسُنِي صوتُ فَيَّادِها([4])

والفائدة: استحداثُ مالٍ وخير. وقد فادت له فائدة. ويقال: أفَدْتُ غيري، وأفدتُ من غيري.

(فيش) الفاء والياء والشين كلمةٌ واحدة يقولون: الفِياشُ: المفاخَرة. يقال: فايَشَ، إذا فَاخَرَ. قال:

أيُفايِشَون وقد رأَوْا حُفَّاثَهُمْ  *** قد عَضَّه فقَضَى عليه الأشجَعُ([5])

(فيص) الفاء والياء والصاد أُصَيل يدلُّ على جَرَيانٍ في شيءٍ من ماء وما أشبهه. يقال: فاصَ الماء والدَّمُ، إذا قَطَرَ. قال الأصمعيُّ في قول امرئ القَيْس:

* فهو عذبٌ يَفِيصُ([6]) *

ما أدري ما يَفِيص، ولكن يقال: ما فاصَ بكلمةٍ، أي لم يُجْرِها لسانُه. والقياس واحد. ومن الباب: ما لَه مَحِيصٌ ولا مَفِيص، أي مَخْلَص يجري فيه ويمُرّ.

(فيض) الفاء والياء والضاد اصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على جَرَيانِ الشيء بُسهولة، ثم يقاسُ عليه. من ذلك فاضَ الماء يَفِيض. ويقال: أفاضَ إناءَه، إذا ملأَه حتَّى فاض. وأفاض دموعَه. ومنه: أفاض القومُ من عرَفةَ، إذا دَفَعوا، وذلك كجرَيَان السَّيل. قال الله تعالى:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة 199]. وأفاضَ القومُ في الحديث، إذا اندفَعُوا فيه. قال سبحانه: {إذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس 61]. ومنه: أفاضَ بالقداح، إذا ضرَبَ بها، كأنّه أجراها من يده. قال:

وكأنَّهنَّ رِبابة وكأنَّه  *** يَسَرٌ يُفِيض على القِداح ويَصدعُ([7])

* ويقال: أفاضَ البعير بجرَّته، إذا دفَعَ بها من صدره. قال:

وأفَضْنَ بعد كُظُومهنَّ بجرَّةٍ  *** من ذي الأباطحِ إذْ رعَيْنَ حَقيلا([8])

وأرضٌ ذات فُيوضٍ، إذا كان فيها ماءٌ يَفيض. وأعطَى فلانٌ [فلاناً([9]) ] غيضاً من فَيض، أي قليلاً من كثير.

قال الأصمعي: ونهر البَصرة وَحْدَه يُسمَّى الفَيض.

ومن الباب: فاض الرَّجل، إذا مات. قال:

* فَفُقِئت عينٌ وفاضَتْ نفسُ([10]) *

قال: وسمعتُ مشيخةً فصحاءَ من ربيعةَ بنِ مالك يقولون: فاضت نفسُه، بالضاد([11]) ، وسمعت شيخاً منهم يُنشِد:

وكدتُ لولا أجَلٌ تأخّرا  *** تَفِيض نفسي إذا زَهاهم زُمَرا([12])

(فيظ) الفاء والياء والظاء كلمةٌ. يقال: فاظَ الميِّت فَيْظاً، ولا يقال فاظَتْ نفسه. قال:

* لا يَدفِنُون منهمُ مَن فاظاً([13]) *

(فيف) الفاء والياء والفاء كلمةٌ. الفَيف والفَيفاء: المَفَازة.

(فيق) الفاء والياء والقاف، [الفِيقة] قد مضى ذِكرُها، والأصل الواو، وهو ما اجتمَع من الدِّرَّة في الضَّرع.

(فيل) الفاء والياء واللام أصلٌ يدلُّ على استرخاءٍ وضَعْفٍ. يقال: رجلٌ فِيلُ الرَّأْي. قال الكُمَيت:

بني ربِّ الجوادِ فلا تَفِيلوا  *** فما أنتمْ فنَعذِرَكم لِفِيلِ([14])

ويمكن أن يكون القائل من هذا، وهو اللَّحم الذي على خُرْبة الوَرِك. ويسمَّى للينِه([15]) . وقال أبو عبيد: كان بعضُهم يجعل الفائِلَ عِرقاً.

ومما شذَّ عن هذا الباب المُفَايَلة: لُعْبة. ويخبِّئون الشَّيء في التُّراب ويَقْسِمونه قسمين، ويسألون في أيِّهما هو. قال طَرَفة:

يشُقُّ حَبَابَ الماءِ حَيزومُها بها  *** كما قَسَم التُّرْبَ المُفَايِلُ باليدِ([16])

(فين) الفاء والياء والنون كلمةٌ. يقولون: يأتيه الفَينة [بعد الفيْنة]، كأنّه أراد الحينَ بعد الحين. والله أعلمُ بالصَّواب.

ـــــــــــــــــــــ

([1]) التكملة من اللسان (فوج).

([2]) وكذا في المجمل. وفي اللسان : "شدة القيظ من فيح جهنم".

([3]) ليس في أرجوزته "أم الرجز". وفي اللسان (فيد، عمثل، قصمل):

وليس بالفيادة المقصمل *** ليس بملتاث ولا عميثل

وسبق في 371: "ليس بملتاث".

([4]) للأعشى في ديوانه 54 واللسان (فيد، غطش، يهم) . وقد مضى في (غطش). وفي الأصل واللسان (فيد): "وبهماء"، تحريف.

([5]) البيت لجرير في ديوانه 244 واللسان (حفث، فيش). وقد سبق في (حفث).

([6]) البيت بتمامه كما في اللسان (سدس، فيص) وشروح سقط الزند 1199:

منابته مثل السدوس ولونه  *** كشوك السيال فهو عذب يفيص

وقصيدته ليست في الديوان، وهي في العقد الثمين 136.

([7]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوان الهذليين (1: 44) والمفضليات (2: 224) والسيرة 598 جوتنجن. وقد سبق في (ربب).

([8]) للراعي في جمهرة أشعار العرب 174 واللسان (فيض، كظم، حقل) برواية: "من ذي الأبارق". وحقيل: اسم موضع، أو اسم نبات. وأنشد صدره في المجمل (فيض)، وقد سبق البيت في (برق، حقل) برواية: "من ذي الأبارق".

([9]) التكملة من المجمل.

([10]) في اللسان: وأنشده الأصمعي وقال: وإنما هو: وطن الضرس". وذكر هذا القول في إصلاح المنطق 317 عند إنشاد البيت. وأنشد قبله:

* اجتمع الناس وقالوا عرس *

([11]) في الأصل: "فاصت نفسه بالصاد"، صوابه في المجمل واللسان.

([12]) الرجز في المجمل.

([13]) نسبه في اللسان (فيظ) إلى رؤبة. وقبله: * والأزد أمسى شلوهم لفاظا *

([14]) البيت في المجمل واللسان (فيل).

([15]) بعده في الأصل: "وقال للينه"، وهو تكرار للاحق والسابق.

([16]) من معلقة طرفة المشهورة.

 

ـ (باب الفاء والألف وما يثلثهما)

(فأر) الفاء والألف والراء، ويسمون الألف فيه همزة. الفأر معروف، يقال منه: مكانٌ فَئِرٌ، أي كثير الفأر. وفأرة المِسْك معروفة، وهي على معنى التشبيه. وكذلك فأرة البعير، وهي ريحٌ تجتمع في رُسْغ البعير، وإذا مشى انْفَشَّتْ.

(فأس) الفاء والألف والسين كلمة واحدة، وتستعار. الفأس معروفة، والعدد أفؤس، والجمع فؤوس. ويستعار فيقال لمُؤْخر القَمَحْدُوَةِ: فأسٌ. [وفأس] اللِّجام: الحديدة القائمة في الحَنَك.

(فأل) الفاء والألف واللام. الفأل: ما يُتفاءَل به.

(فأم) الفاء والألف والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على اتِّساع في الشَّيء، وعلى كثرة. فأمَّا الكثرة فالفئام: الجماعة من الناس. وأمَّا السَّعَة فالفِئام: وِطاءٌ يكون في الهَودج، وجمعه فُؤُمٌ على فُعُل. ويقال للبعير إذا امتلأ حارِكُه شَحْماً: قد فُئِم حاركُه، وهو مُفْأَم([1]) . والمُفْأَم من الرِّجال: الواسع الجَوْف. قال:

أخَذْنَ خُصُور الرَّمل ثم جَزَعْنَه  *** على كلِّ قَينيٍّ قَشيبٍ وَمُفَأَمِ([2])

(فأو) الفاء والألف والواو أصلٌ صحيح يدلُّ على انفراجٍ في شيء. يقال: فَأوت رأسَه بالسَّيف فأْواً، أي فلَقْته. والفَأْو: فُرجةُ ما بين الجبلَين. قال:

حتَّى انْفَأى الفَأْوُ عن أعناقها سحراً  *** وقد نَشَحن فلا ريٌّ ولا هِيمُ([3])

(فأد) الفاء والألف والدال هذا أصلٌ صحيح يدلُّ على حُمَّى وشِدّةِ حرارة. من ذلك: فأَدْتُ اللَّحمَ: شويته. وهذا فَئِيدٌ، أي مشويّ. والمِفْأد: السَّفُود. والمُفتأَد: الموضِع يُشوَى فيه. قال:

كأنَّه خارجاً من جَنْبِ صفحته  *** سَفُّود شَرْب نسُوه عند مُفتَأدِ([4])

ومما هو مِن قياس الباب عندنا: الفُؤاد، سمِّي بذلك لحرارته. والفأد: مصدر فأدتُه، إذا أصبتَ فؤاده. ويقولون: فأَدْتُ المَلَّةَ، إذا مَلَلْتَها.

ـــــــــــــــــ

([1]) يقال في هذا وفي تاليه: "مفأم" أيضاً بتشديد الهمزة.

([2]) لزهير في معلقته. والرواية المشهورة:

* خرجن من السوبان ثم جزعنه *

([3]) هذا البيت ملفق من بيتين لذي الرمة، أحدهما في ديوانه 588 واللسان (صرر، قصع، نشح)، وهو:

وانصاعت الحقب لم يقصع صرائرها  *** وقد نشحن فلا ري ولا هيم

والآخر له أيضاً في ديوانه 189 واللسان (فأو). وهو:

راحت من الخرج تهجيرا فما وقعت  *** حتى انفأى الفأو عن أعناقها سحرا

([4]) للنابغة في ديوانه 20 واللسان (فأد).

 

 

ـ (باب الفاء والتاء وما يثلثهما)

(فـتح) الفاء والتاء والحاء أصلٌ صحيح يدلُّ على خلافِ الإغلاق.

يقال: فتحت البابَ* وغيرَه فتحاً. ثمَّ يحمل على هذا سائرُ ما في هذا البناء. فالفَتْح والفُِتاحة: الحُكْم. والله تعالى الفاتح، أي الحاكم. قال الشَّاعر([1]) في الفُِتاحة:

ألاَ أَبْلِغْ بني عوفٍ رسولاً  *** بأنِّي عن فتاحتكم غنيُّ([2])

والفَتح: الماء يَخرُج من عينٍ أو غيرها. والفَتْح. النَّصر والإظفار. واستفتحت: استَنْصَرت. وفي الحديث أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يَستفتحُ بصَعاليك المهاجرين والأنصار. وفَواتحُ القُرآنِ: أوائل السُّوَر. وبابٌ فُتُحٌ، أي واسع مفتوح.

(فتخ) الفاء والتاء والخاء أصلٌ صحيح يدلُّ على لِينٍ في الشَّيء.

فالفَتَخ: لِينٌ في جناح الطَّائر. وعُقابٌ فَتخاءُ، إذا انكسر جَناحُها في طَيَرانها. وفَتَخَ أصابِعَ رِجلِهِ في جلوسه، إذا ليّنها. وفي الحديث "أنَّه كان عليه السلام إذا سَجَد جافَى عَضُدَيه عن جنبيه، وفَتَخَ أصابِعَ رِجلَيه". ويقال إنَّ الفَتَخَ: عِرَضُ الكتف والقَدَم.

ومما شذَّ عن هذا الأصل الفَتَخ، جمع فَتَخة، وهي كالحلْقة تُلبَس لُبْس الخاتم. قال:

* تسقطُ منه فَتَخِي في كُمِّي([3]) *

(فتر) الفاء والتاء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على ضَعفٍ في الشَّيء. من ذلك: فَتَر الشّيءُ يَفْتُر فُتُوراً. والطّرْف الفاتر: الذي ليس بحديدٍ شَزْر. وفَتَّرت الشَّيءَ وأفْتَرته. قال الله تعالى:{لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} [الزخرف 75]، أي لا يُضْعَف.

ومما شذَّ عن هذا الباب: الفِتْر: ما بين طَرَف الإبهام وطرَف السبّابة إذا فتحتَهما. وفَِتْر([4]) : اسم امرأة، في قوله:

* أصَرَمْتَ حَبْلَ الوُدِّ من فَِتْر([5]) *

(فتش) الفاء والتاء والشين كلمةٌ واحدة تدلُّ على بحثٍ عن شيء. تقول: فتَشْت فَتْشاً، وفتّشت تفتيشا.

(فتق) الفاء والتاء والقاف أصلٌ صحيح يدلُّ على فتحٍ في شيء. من ذلك: فتَقت الشّيء فتْقاً. والفَتْق: شقُّ عصا الجماعة. والفَتْق: الصُّبح. وأعوام الفَتَق: أعوام الخِصْب. قال:

*لم تَرْجُ رِسْلاً بعد أعوامِ الفَتَق([6]) *

ويقال: أفتَقَ القمر، إذا صادَفَ فَتقاً من سَحابٍ وطَلَع منه. وأفْتَقَ القومُ، إذا انفتَقَ عنهم الغَيم.

قال الأصمعيّ: جملٌ فتيق، إذا تفتَّقَ سِمَنا. ويقال: فَتِقَ يَفْتَق فَتَقاً. والفَيْتق: النَّجَّار، في قول الأعشى:

* في الباب فَيْتَقُ([7]) *

(فتك) الفاء والتاء والكاف كلمةٌ تدلُّ على خلاف النُّسك والصَّلاح. من ذلك الفَتْك، وهو الغَدْر، وهو الفِتْك أيضاً([8]) . يقال: فتَكَ به: اغتالَه. وفي الحديث: "الإيمان قَيْد الفَتْك". وقال الشَّاعر([9]) :

لا مَهْرَ أغلَى من عليٍّ وإنْ غَلاَ *** ولا فَتْكَ إلاّ دُونَ فتكِ ابن مُلْجِم([10])

(فتل) الفاء والتاء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على ليِّ شيء. من ذلك: فتَلت الحبلَ وغيرَه. والفَتيل: ما يكون في شِقِّ النَّواة كأنّه قد فتِل. قال:

يَجمع الجَيش ذا الألوفِ ويَغزُو  *** ثمَّ لا يرزَأ العدوَّ فَتِيلا([11])

ويقال: بل الفَتيل ما يُفتَل بين الإصبَعَين. والفَتَل: تباعُد الذِّراعين عن جنْبَيِ البعير، كأنَّهما لُوِيا لَيّا وفُتِلا حتى لُوِيا. قال طَرَفة:

لها عضُدانِ أفْتَلاَنِ كأنَّها  *** تمرُّ بسَلْمَىْ دالجٍ متشدِّدِ([12])

ومن أمثالهم: "فلان يَفْتِل في ذِرْوةِ فُلانٍ"، أي يدور من وراء خَديعته.

(فتن) الفاء والتاء والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على ابتلاء واختبار. من ذلك الفِتْنة. يقال: فتَنْتُ أفتِنُ فَتْناً. وفَتَنْتُ الذّهبَ بالنّار، إذا امتحنتَه. وهو مفتونٌ وفَتِين. والفَتَّان: الشَّيطان. ويقال: فتنه وأفْتَنَه. وأنكر الأصمعيُّ أفتنَ. وأنشُدوا في أفتِن:

لَئِنْ أفتنَتْني لَهْيَ بالأمسِ أفْتَنَت *** سعيداً فأضْحَى قد قَلى كلَّ مسلمِ([13])

ويقال: قلبٌ فاتن، أي مفتون. قال:

رخِيمُ الكلامِ قَطِيع القيامِ  *** أضْحَى فؤادِي به فاتِنا([14])

قال الخليل: الفَتْن: الإحراق. وشيءٌ فتين: أي مُحْرَق. ويقال للحَرَّة: فَتين، كأنَّ حجارتَها مُحرَقة.

ومما شذَّ عن هذا الأصل: الفِتَان: جِلدة الرَّحْل. وقولهم* العيش فَِتْنان([15]) ، أي لونان. وهذه يجوز أن تُحمل على القياس، لأنّه يقول:

* والعيش فَِتْنان فحلوٌ ومُرّْ([16]) *

ويمكن أن يُختَبَر ابنُ آدمَ بكلِّ واحدٍ منهما.

(فتي) الفاء والتاء والحرف المعتل أصلانِ: أحدهما يدلُّ على طَرَاوة وجِدّة، والآخرة على تبيين حكم.

الفَتيّ: الطَّرِيّ من الإبل، والفَتَى من الناس: واحد الفِتْيان. والفَتاء([17]) : الشباب، يقال فتىً بيِّن الفَتاء. قال:

إذا عاشَ الفتى مِائَتين عاماً  *** فقد ذهبَ البشاشةُ والفَتاءُ([18])

والأصل الآخر الفُتْيا. يقال: أفتى الفقيه في المسألةِ، إذا بيَّن حكمَها. واستفتَيت، إذا سألتَ عن الحكم، قال الله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ في الكَلالَةِ}  [النساء 176]. ويقال منه فَتْوى وفُتْيا.

وإذا هُمِز خَرَج عن البابين جميعاً. يقال ما فَتِئْتُ وفَتَأتُ أذكرُه، أي مازِلت. قال الله تعالى: {قَالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}  [يوسف 85]، أي لا تزالُ تَذكرُ.

ــــــــــــــــــ

([1]) هو الأسحر الجعفي كما في اللسان (فتح).

([2]) رواية اللسان: "ألا من مبلغ عمرا رسولا".

([3]) الرجز للدهناء بنت مسحل زوج العجاج، كما في اللسان (فتخ، زعزع) .

([4]) يقال بفتح الراء وكسرها، والأشهر فيها الفتح.

([5]) للمسيب بن علس، ويروى للأعشى، انظر اللسان (فتر). وعجزه:

* وهجرتها ولججت في الهجر *

([6]) لرؤبة في ديوانه 107 واللسان (فتق). وقبله:

* يأوي إلى سفعاء كالثوب الخلق *

([7]) البيت بتمامه كما في ديوانه 149 واللسان (فتق، سكك):

ولا بد من جار يجير سبيلها  *** كما سلك السّكّيّ في الباب فيتق

لكن في الديوان: "يجيز سبيلها كما جوز".

([8]) الحق أنه مثلث الفاء، كما في اللسان والقاموس.

([9]) هو ابن أبي مياس المرادي، كما في تاريخ الطبري (6: 87) في حوادث سنة 40.

([10]) رواية الطبري: "ولا قتل إلا دون قتل". وقبله:

ولم أر مهراً ساقه ذو سماحة *** كمهر قطام من فصيح وأعجم

ثلاثة آلاف وعبد وقينة  *** وضرب على بالحسام المصمم

([11]) لعبد القيس بن خفاف البرجمي، يهجو النعمان بن المنذر، كما في الحيوان (4: 379) والأغاني  (9: 158). ونسب في الشعر والشعراء 112، 117 إلى النابغة في هجاء النعمان.

([12]) من معلقة طرفة.

([13]) البيت لأعشى همدان، وقيل لابن قيس الرقيات، كما في اللسان (فتن). وذكر أنه قيل في سعيد بن جبير، وبعده:

وألقى مصابيح القراءة واشترى  *** وصال الغواني بالكتاب المنمنم

([14]) وفي المجمل، "أمسى فؤادي به"، وذلك بعود الضمير في "به" إلى الكلام. ورواية اللسان: "أمسى فؤادي بها".

([15]) يقال بفتح الفاء وكسرها.

([16]) لعمرو بن أحمر الباهلي، في اللسان (فتن). وصدره:

* إما على نفسي وإما لها *

([17]) في الأصل: "والفتيان"، صوابه في المجمل.

([18]) للربيع بن ضبع الفزاري، كما في المعمرين للسجستاني 7 وأمالي القالي (3: 215) والخزانة (3: 306). وسيبويه (1: 106، 293) واللسان (فتا) وكذا جاءت روايته في المجمل. ويروى: "فقد ذهب اللذاذة"، و "فقد أودى المسرة".

 


ـ (باب الفاء والثاء وما يثلثهما)

(فثج) الفاء والثاء والجيم أُصَيل يدلُّ على انقطاعٍ في شيءٍ ماءٍ أو غيرِه. عَدَا الرّجُل حتى أفثج، أي أعيا(1) . ويقال: بئر لا تُفْثَج، أي لا تُنْزَح وقيل ذلك لما قلنا، فلا تُفْثَج أي لا ينقطع ماؤها. ويقال: فَثَجَت النّاقةُ، إذا حالت فلم تَحمِل.‏

(فثر) الفاء والثاء والراء كلمةٌ واحدة، وهي الفاثور، وهو الخُِوَان يُتَّخَذ من رَخام أو نحوِه. ويقولون في بعض الكلام: هي على فاثورٍ واحد. كأنّه أراد بساطاً واحداً.‏

(فثأ) الفاء والثاء والهمزة يدلُّ على تسكين شيءٍ يغلي ويفور. يقال: فَثَأْتُ القِدرَ: سكَّنت من غَلَيانها. قال:‏

* وتَفثؤها عَنّا إذا حَمْيُها غلا(2) *‏

ويقال: عدا حَتَّى أفثَأَ، أي أعيا.‏

ـــــــــــــــــ

(1) في الأصل: "أعنى"، صوابه في المجمل واللسان.‏

(2) للنابغة الجعدي، كما سبق في حواشي (دوم، فور). وصدره:‏

* تفور علينا قدرهم فنديمها*

 

ـ (باب الفاء والجيم وما يثلثهما)

(فجر) الفاء والجيم والراء أصلٌ واحدٌ، وهو التفتح في الشَّيء. من ذلك الفَجْر: انفِجار الظُّلمة عن الصُّبح. ومنه: انفجَرَ الماء انفجاراً: تفتَّحَ. والفُجْرَة: موضع تفتُّح الماء. ثمَّ كثُر هذا حتَّى صار الانبعاثُ والتفتُّح في المعاصي فُجوراً. ولذلك سمِّي الكَذِب فجوراً. ثم كثُر هذا حتَّى سمِّي كلُّ مائلٍ عن الحقِّ فاجراً. وكلُّ مائلٍ عندَهم. فاجر. قال لبيد:‏

غليظاً وإن أخَّرتَ فالكِفل [فاجرُ(1) ] *** فإنْ تتقدَّمْ تَغْشَ منها مقدَّما‏

ومن الباب الفَجَر، وهو الكرم والتفجُّر بالخير. ومَفَاجِر الوادي: مَرافِضُه، ولعلَّها سمِّيت مفاجرَ لانفجار الماء فيها. قال:‏

* بجَنْبِ العَلَنْدَى حيث نام المَفاجِرُ(2) *‏

ومُنْفجر الرمل(3) : طريق يكون فيه. ويوم الفِجارِ(4) : يومٌ للعرب استُحِلّتْ فيه الحُرمة.‏

(فجس) الفاء والجيم والسين كلمة إنْ صحَّت. يقولون: الفَجْس: التكبُّر والتعظُّم. يقال منه: تَفَجَّسَ.‏

(فجع) الفاء والجيم والعين كلمةٌ واحدة، وهي الفَجِيعة، وهي الرَّزيَّة. ونزلتْ بفلان فاجعةٌ، وتفجَّعَ، إذا توجَّع لها.‏

(فجل) الفاء والجيم واللام كلمةٌ هي نَبْت، وقال قوم: فَجِلَ الشيءُ(5) : غَلُظ واستَرْخَى. وكلُّ شيء عَرَّضته فجَّلْتَه.‏

(فجو(6)) الفاء والجيم والحرف المعتل يدلُّ على اتِّساعٍ في شيء. فالفَجْوة: المتَّسَع بين شَيئين. وقَوْسٌ فَجْواء: بانَ وترُها عن كَبدها. وفَجْوة الدَّار: ساحتُها. والفَجَا: تَباعُدُ ما بين عُرقوبَيِ البعير.‏

وإذا هُمِزَ قلت: فَجِئَني الأمرُ يفجَؤُني(7) .‏

(فجم) الفاء والجيم والميم. زعم ابنُ دريد: تفجَّم الوادِي وانفجم، إذا اتَّسع. وهذه فُجْمَة الوادِي، أي متَّسَعُه(8) .‏

(فجن) الفاء والجيم والنون. يقولون: إنَّ السَّذَاب يقال له الفَيْجَن(9) .‏

ـــــــــــــــــ

(1) التكملة من المجمل واللسان (فجر) وديوان لبيد 5 طبع 1881.‏

(2) للراعي، كما في معجم البلدان (العلندى). وأنشد هذا العجز في المجمل بدون نسبة. وصدره في المعجم:‏  * تحملن حتى قلت لسن بوراحا *‏

وفي الأصل: "رام المفاجر"، صوابه فيهما.‏

(3) في الأصل: "الماء"، صوابه في المجمل واللسان.‏

(4) إنما هي أيام. انظر العمدة (2: 169-170) وكامل ابن الأثير (1: 358) والمبرد 180 والأغاني‏  (9: 12/ 19: 73-81) والخزانة (2: 504).‏

(5) في القاموس: "فجل كفرع ونصر فجلاً ويحرك". وضبط في اللسان بالقلم بكسر الجيم فقط. وضبط في المجمل بتشديد الجيم مفتوحة، ولم يضبط في أصل المقاييس.‏

(6) وكذا ورد ترتيب هذه المادة في المجمل، فآثرت إبقاءها كما هي.‏

(7) ويقال أيضاً فجأه يفجؤه، وفاجأه يفاجئه.‏

(8) الجمهرة (2: 108) مع تصرف هنا. والفجمة، لم ترد في القاموس، ووردت في اللسان بفتح الفاء وضمها، وضبطت في الجمهرة بالضم فقط.‏

(9) قال ابن دريد: "لغة شامية ولا أحسبها عربية صحيحة".‏

 

ـ (باب الفاء والحاء وما يثلثهما)

(فحص) الفاء والحاء والصاد أصلٌ صحيح، وهو كالبحثِ عن الشيء. يقال: فحصت عن الأمر فحصاً. وأُفحوص القَطا: موضِعُها في الأرض، لأنَّها تفحصه. وفي الحديث: "فَحَصُوا عن رؤوسهم"، كأنَّهم تركوها مثلَ أفاحِيص القَطا فلم يَحلِقُوا *عنها([1]) . وفحَصَ المطرُ التُّرَاب، إذا قلَبَه.

(فحس) الفاء والحاء والسين. يقولون: الفَحْس: لَحْسُك([2]) الشيء بلسانك عن يَدِك.

(فحش) الفاء والحاء والشين كلمةٌ تدلُّ على قُبحٍ في شيء وشَناعة. من ذلك الفحْش والفَحْشاء والفاحشة. يقولون: كلُّ شيء جاوَزَ قَدرَه فهو فاحش؛ ولا يكون ذلك إلاّ فيما يُتَكَرَّه. وأفْحَشَ الرّجلُ: قال الفُحْشَ: وفَحَشَ، وهو فَحَّاش. ويقولون: الفاحش: البخيل، وهذا على الاتِّساع، والبخلُ أقبحُ خِصال المرء. قال طرفة:

أرَى الموتَ يَعتامُ الكِرامَ ويصطفي  *** عقيلةَ مالِ الفاحشِ المتشدِّدِ([3])

(فحل) الفاء والحاء واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على ذَكارةٍ([4]) وقُوَّة. من ذلك الفَحْلُ من كلِّ شيء، وهو الذَّكَرُ الباسل. يقال: أفحلتُه فحلاً، إذا أعطيتَه فحلاّ يَضرِب في إبله. وفَحَلْتُ إبلي، إذا أرسلتَ فيها فحلَها. قال:

* نَفحَلها البِيضَ القليلاتِ الطَّبَعْ([5]) *

وهذا مثَلٌ، أي نُعَرْقِبُهَا بالبِيض. يصف إبلاً عُرْقِبَتْ بالسُّيوف.

وأمَّا الحصير المتَّخَذ من الفُحّال فهو يسمَّى فَحْلاً لأنَّه من ذلك يُتَّخَذ. والفُحّال: فُحَّال النَّخْل، وهو ما كان من ذُكوره فحلاً لإناثه، والجمع فَحاحيل. وفَحْلٌ فَحِيلٌ: كريمٌ. قال:

كانتْ نجائبُ مُنْذِرٍ ومحرِّقٍ  *** أُمَّاتِهِنَّ، وطَرْقُهُنَّ فَحِيلا([6])

والعرب تسمِّي سهيلاً: الفحل، تشبيهاً له بفحل الإبل، لاعتزالِهِ النجوم، وذلك أنَّ الفحلَ إذا قَرَعَ الإبلَ اعتزَلَها. ويقولون على التشبيه: امرأةٌ فَحْلَة، أي سليطة.

(فحم) الفاء والحاء والميم أصلانِ، يدلُّ أحدُهما على سوادٍ والآخر على انقطاع.

فالأوَّل الفحْم ويقال الفَحَم، وهو معروف. قال:

* كالهَِبْرَِقِيِّ تَنَحَّى ينفُخ الفَحَما([7]) *

ويقال: فحَّمَ وجهَه، إذا سوّده. وشعرٌ فاحم: أسود. وفَحمة العِشاء: سَواد الظَّلام.

والأصل الآخر: بكى الصَّبيّ حتَّى فَحُم([8]) ، أي انقطع صوتُه من البُكاء. ويقال: كلَّمتُه حتى أفحمتُه. وشاعرٌ مُفحَم: أي انقطَعَ عن قول الشِّعْر.

(فحو) الفاء والحاء والحرف المعتلّ كلمةٌ واحدة. منها الفِحَا: أبزارُ القدر. يقال: فحِّ قِدرَك. فأمَّا فَحوَى الكلامِ فهو ما ظَهَرَ للفهم من مَطاوِي الكلام ظهورَ رائحة الفحاء من القدر، كفَهْم الضَّرب من الأفّ.

(فحث) الفاء والحاء والثاء كلمةٌ واحدة. فالفَحث: الجَوْف. يقال: ملأ أفحاثه، أي جوفَه.

(فحج) الفاء والحاء والجيم كلمةٌ واحدة، وهي الفَحَج، وهو تباعُدُ ما بين أوساطِ السّاقَينِ في الإنسانِ والدّابة. والنَّعت أفحجُ وفحجاء، والجمع فُحْج.

ـــــــــــــــــ

([1]) وكذا وردت العبارة في المجمل.

([2]) في الأصل: "فحس يحسبك"، صوابه في المجمل.

([3]) من معلقته المشهورة.

([4]) كذا في الأصل. ومن عجب أن المعاجم المتداولة لم تذكر مصدراً للذكر مقابل الأنثى، فليس فيها "ذكارة" ولا"ذكورة" مع شيوع استعمال الأخيرة. كما أن "الأنوثة" لم تنص عليها المعاجم أيضاً.

([5]) لأبي محمد الفقعسي، كما في اللسان (فحل) وتهذيب إصلاح المنطق. انظر إصلاح المنطق 50، 267.

([6]) للراعي، كما في اللسان (فحل، طرق) والبيان (3: 96) بتحقيقنا . وقصيدته في جمهرة أشعار العرب 172-176  والخزانة (1: 502) .

([7]) للنابغة الذبياني يصف ثوراً، ديوانه 69 واللسان (هبرق) وإصلاح المنطق 110. وصدره في الأولين: * مولى الريح روقيه وجبهته *

([8]) يقال من باب فتح، ويقال فَحِم فَحْماً وفُحاماً وفُحوما، وفُحِم وأُفحِم أيضاً.

 

ـ (باب الفاء والخاء وما يثلثهما)

(فخر) الفاء والخاء والراء أَصلٌ صحيحٌ، وهو يدلُّ على عِظَم وقِدم. من ذلك الفخر. ويقولون في العبارة عن الفَخْر: هو عَدُّ القديم، وهو الفَخَر أيضاً. قال أبو زيد: فَخَرت الرَّجلَ على صاحبه أفْخَرُه فخراً: أي فضَّلتُه عليه. والفَخِير: الذي يفاخرك، بوزن الخصيم. والفِخِّير: الكثير الفَخْر. والفاخر: الشيء الجيِّد. والتفخُّر: التعظُّم. ونخلةٌ فَخُور: عظيمة الجِذْع غليظةُ السَّعَف. والناقة الفَخور: العظيمة الضَّرْع القليلةُ الدَّرِّ. كذا قال ابن دريد(1) . والفاخر من البُسْر: الذي يعظُمُ ولا نَوَى فيه. ويقولون: فرسٌ فَخُور، إذا عظُمَ جُرْدانه.‏

ومما شذَّ عن هذا الأصل الفَخَّار من الجِرَارِ(2) ، معروف.‏

(فخل) الفاء والخاء واللام ليس فيه شيء. غير أنَّ ابنَ دريد(3) زعم أنَّه يقال: تفخّل الرجل، إذا أظهَرَ الوقار والحِلْمَ. وتفخَّل أيضاً. إذا تهيَّأ ولَبِسَ أحسنَ ثيابِه.‏

(فخم) الفاء والخاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على جَزَالةٍ وعِظَم. يقال: منطِقٌ فَخْم: جزل. ويقولون: الفَخْم من الرِّجال: الكثير لحم الوجْنَتين.‏

(فخت) الفاء والخاء والتاء كلمة، وهي الفَخْت، ويقولون: إنَّه ضوء القمرِ أوّلَ ما يبدو منه. ومنه اشتقاق الفاختة، للونها.‏

(فخذ) الفاء والخاء والذال كلمةٌ واحدة، وهي الفَخِذ من الإنسان، معروفة، واستعير* فقيل الفَخْذ بسكون الخاء، دون القَبِيلة وفوق البَطْن، والجمع أفخاذ.‏

ـــــــــــــــ

(1) نص الجمهرة (2: 211) : "ويقال شاة فخور، إذا عظم ضرعها وقل لبنها".‏

(2) في الأصل: "الجراد"، صوابه في المجمل واللسان.‏

(3) في الجمهرة (2: 238) .‏

 

ـ (باب الفاء والدال وما يثلثهما)

(فدر) الفاء والدال والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على قَطْعٍ وانقطاع، من ذلك الفِدْرَة: القِطعةُ من اللَّحم؛ ولست أدرِي أُبنِيَ منها فعلٌ أم لا. ويقولون: فَدَرَ الفحلُ، إذا عَجَز عن الضِّراب، وهو فادر. وسمِّي لأنَّه إذا عَجَز فقد قَطعه. وجمع فادر فوادر.

وقال ابن دريد([1]) : هذا مما نَدَر فجاء منه فاعل على فواعل. والمَفْدَرة: مكان الوُعول الفُدْر.

(فدش) الفاء والدال والشين ليس قبله إِلاَّ [طريفة] من طرائف ابن دريد([2]) ، قال: فدشت الشَّيء، إذا شدختَه. وفدشْتُ رأسَه بالحجَر.

(فدع) الفاء والداء والعين أصلٌ فيه كلمة واحدة، وهي الفَدَع: عِوَجٌ في المفاصل، كأنَّها قد زالت عن أماكنها. ويقولون: كلُّ ظليم أفدع، وذلك أنَّ في مفاصله انحرافاً. ويقال بل الفدَع: انقلابُ الكفِّ إلى إنسيِّها، يقال منه: فَدِعَ يفدَع فَدَعاً.

(فدغ) الفاء والدال والغين. زعم ابنُ دريد([3]) أن الفَدْغ: الشَّدخ. وذَكَر الحديث: "إذاً تَفْدَغَ قُرَيشٌ رأسي([4])". وهذا صحيح.

(فدم) الفاء والدال والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على خُثورة وثِقَلٍ وقِلّة كلامٍ في عِيٍّ. من ذلك قولُهم: صِبْغٌ مُفَدَّم([5]) ، أي خاثر مشبّع. قالوا: ومن قياسِه الرّجلُ الفَدْم، وهو القليل الكلام مِن عِيّ. وهو بيِّنُ الفُدُومة والفَدامة. وهذا كلُّه قياسُه الفِدام: الذي تُفَدَّم به الأباريق لتصفية ما فيها من شَراب.

(فدك) الفاء والداء والكاف كلمةٌ واحدة، وهي فَدَك: بلد. ومن طرائف ابن دريد: فَدَكْتُ القطن([6]) : نفشتُه. قال: وهي لغةٌ أزْديَّة.

(فدن) الفاء والداء والنون كلمةٌ واحدة، وهي الفَدَن، يقولون: إنَّه القَصْر.

(فدي) الفاء والدال والحرف المعتل كلمتانِ متباينتان جدّاً. فالأولى: أنْ يُجعلَ شيءٌ مكانَ شيءٍ حِمىً له، والأُخْرى شيءٌ من الطَّعام.

فالأولى قولك: فديتُه أَفدِيه، كأنَّك تحميه بنفسك أو بشيء يعوِّض عنه. يقولون: [هو([7]) ] فِداؤك، إذا كسرتَ مددت، وإذا فتحت قصرت، يقال هو فَدَاك. قال:

فَدىً لكما رجليَّ أمِّي وخالتي  *** غداةَ الكُلاب إذْ تحزُّ الدوابِرُ([8])

وقال في الممدود:

مهلاً فِداءً لك الأقوامُ كلُّهم  *** وما أثمِّرُ من مالٍ ومن وَلَدِ([9])

ويقال: تفادَى من الشَّيء، إذا تحاماه وانزَوَى عنه. والأصل في هذه الكلمة ما ذكرناه، وهو التَّفادِي: أن يَتَّقيَ النّاسُ بعضُهم ببعض، كأنَّه يجعل صاحبَه فداءَ نفسِه. قال:

* تَفادَى الأُسودُ الغُلبُ منه تفاديا([10]) *

والكلمة الأُخرى الفَدَاء ممدود، وهو مُِسْطَح التَّمر بلغة عبد القيس، حكاه ابن دُريد([11]) . وقال أبو عمرو: الفَداء: جماعة الطَّعام من الشَّعير والتَّمر ونحوِها. قال:

كأنّ فَدَاءَها إِذْ جرّدُوه  *** وَطافوا حولَه سُلَكٌ يتيمُ([12])

(فدج) الفاء والدال والجيم. يقولون: إنَّ الفَوْدج: الهَودج. قال الخليل: الفَودج: النّاقةُ الواسعة الأرفاغ. وشاةٌ مُفَوْدَجَة([13]) : ينتصب قرناها ويلتقي طَرَفاهُما.

(فدح) الفاء والدال والحاء كلمة. فَدَحَه الأمر. إذا عالَه وأثقله، فَدْحاً. وهو أمرٌ فادح.

(فدخ) الفاء والدال والخاء ليس فيه إلاَّ طريفة ابنِ دريد: فدَخْتُ الشَّيء، مثل شَدَخته([14]) .

ــــــــــــــــ

([1]) الجمهرة (2: 252) .

([2]) الجمهرة (2: 268-269) .

([3]) الجمهرة (2: 287) .

([4]) وكذا في المجمل والجمهرة. وفي اللسان: "الرأس".

([5]) كذا ضبط في الأصل والمجمل. وضبط في اللسان بسكون الفاء وفتح الدال مخففة، وفي القاموس ضبط قلم كمنبر.

([6]) في الأصل: "قد كنت"،، صوابه من المجمل واللسان والجمهرة.

([7]) التكملة من المجمل.

([8]) البيت لوعلة بن عبد الله الجرمي. الخزانة (1: 199) والأغاني (15: 73) والعقد(يوم الكلاب الثاني) واللسان (دبر).

([9]) للنابغة الذبياني في ديوانه 36 واللسان (فدى) والخزانة (3: 8). وفداء، تروى بالرفع على الخبرية المقدمة، وبالنصب أي يفدونك فداء. وبالجر مع التنوين وطرح التنوين، ففي اللسان: "ومن العرب من يكسر فداء بالتنوين إذا جاور اللام خاصة فيقول: فداء لك لأنه نكرة يريدون به معنى الدعاء". وقال البغدادي: "وهذا التعليل فيه خفاء، والواضح قول أبي علي في المسائل المنثورة وقد أنشده فيها، قال: بني على الكسر لأنه قد تضمن معنى الحرف، وهو لام الأمر". ثم نقل عن ابن المستوفي قوله: "يستعمل مكسوراً منوناً وغير منون، حملا على إيه وإيه".

([10]) لذي الرمة في ديوانه 654 واللسان (فدى) والكامل 260 وأمالي الزجاجي 58. وصدره: * مرمين من ليث عليه مهابة *

([11]) الجمهرة(3: 243) .

([12]) البيت في المجمل (فدا) واللسان (فدى، جرد، حرد، سلف)، والمخصص (11: 5/ 16: 25)، ويروى: "إذ حردوه" بالحاء المهملة، و"سلف" موضع "سلك".

([13]) هذه الكلمة مما فات المعاجم المتداولة. وفي المجمل: "ونعجة مفودجة".

([14]) الجمهرة (2: 201)، والعبارة هناك مخالفة.

 

ـ (باب الفاء والذال وما يثلثهما)

(فذح) الفاء والذال والحاء. ذكر ابن دريد: تفذَّحَتِ النّاقة وانفذَحَت، إذا تفاجَّت لتَبُول(1) . والله أعلم بالصواب.‏

ـــــــــــــــــــــ

(1) بعده في الجمهرة (2: 128): "وليس بثبت".‏ ***

 


ـ (باب الفاء والراء وما يثلثهما)

(فرز) الفاء والراء والزاء أُصَيْلٌ يدل على عَزْل الشيء عن غيره. يقال: فرَزْت الشيءَ فرْزاً، وهو مفروز، والقِطعة فَِرْزة([1]) .*فرس) الفاء والراء والسين أُصَيل يدلُّ على وطءِ الشَّيء ودقِّه. يقولون: فَرَسَ عنقَه، إذا دقَّّها. ويكون ذلك من دقِّ العُنق([2]) من الذَّبيحة. ثم صيِّر كلُّ قتلٍ فَرْسا، يقال: فرَسَ الأسدُ فريستَه. وأبو فِراسٍ: الأسد. وممكنٌ أن يكون الفَرَس من هذا القياسِ، لركلِهِ الأرضَ بقوائمه ووَطْئِه إيَّاها، ثمَّ سمِّيَ راكبُه فارساً. يقولون: هو حسَنُ الفُروسيَّة([3]) والفراسة([4]) . ومن الباب: التفرُّس في الشَّيء، كإصابة النَّظر فيه. وقياسه صحيح.

(فرش) الفاء والراء والشين أصلٌ صحيح يدلُّ على تمهيد الشَّيءِ وبَسْطه. يقال: فرَشتُ الفِراش أَفرِشُه. والفَرْش مصدرٌ. والفَرْش: المفروش أيضاً. وسائرُ كلمِ الباب يرجعُ إلى هذا المعنى. يقال تفرَّشَ الطائرُ، إذا قرُبَ من الأرض ورفرفَ بجناحِه. ومن ذلك الحديث: "أنّ قوماً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله أخَذُوا فَرْخيْ حُمَّرَة؛ فجاءت الحُمَّرةُ تَفَرَّش". وقال أبو دُواد في رَبِيئة:

فأتانا يَسعَى تُفَرُّشَ أمِّ الـ  *** بيض شَدَّاً وقد تعالَى النهارُ([5])

ومن ذلك: الفَرْش من الأنعام، وهو الذي لا يصلُح إلاّ للذبحِ والأكل. وقولُه عليه الصلاة والسلام: "الوَلَد للفِراش" قال قومٌ: أراد به الزوج. قالوا: والفِراش في الحقيقة: المرأة، لأنَّها هي التي تُوطَأ، ولكنَّ الزَّوجَ أُعِيرَ اسمَ المرأة، كما اشتَرَكا في الزَّوجيَّةِ واللِّباس. قال جَرير:

باتت تُعارِضُه وباتَ فِراشُها  *** خَلَقُ العباءةِ في الدِّماء قتيلُ([6])

ويقولون: أفْرَشَ الرّجُل صاحبَه، إذا اغتابَه وأساءَ القول. حكاهُ أبو زكريّا([7]) . وهذا قياسٌ صحيح، وكأنَّهُ توطَّأه بكلامٍ غيرِ حَسَن. ويقولون: الفَرَاشة: الرّجُل الخَفيف. وهذا على التشبيه أيضاً، لأنّه شبَّه بفَراشَة الماء. قال قومٌ: هي الماء على وجه الأرض قُبَيلَ نُضوبه، فكأنَّه شيءٌ قد فُرِش؛ وكلُّ خفيفٍ فَرَاشة. وقال قوم: الفَرَاشة من الأرض: الذي نَضَب عنه الماء فيَبِس وتَقشَّر.

ومن الباب: افتَرَشَ السّبعُ ذِراعَيه. ويقولون: افتَرَشَ الرّجُل لسانَه، إذا تكلَّمَ كيف شاء. وفَرَاش الرَّأس: طرائقُ دقاقٌ تَلِي القِحْف. والفَرْش: دِقّ الحَطَب. والفَرْش: الفَضاء الواسع.

قال ابن دُريد: "فلانٌ كريم المَفَارش، إِذا تزوَّج كريم النِّساء". وجملٌ مفرَّشٌ([8]) : لا سَنامَ له. وقال أيضاً: أكمة مُفترِشَة الظَّهر([9]) ، إذا كانت دَكَّاء. ويقولون: ما أفرشَ عنه، أي ما أقلع عنه. قال:

*لم تَعْدُ أن أفْرَشَ عنها الصَّقَلَهْ([10]) *

وهذه الكلمة تبعد عن قياس الباب، وأظنها من باب الإبدال، كأنَّه أفْرج. والفَراشة: فَراشة القُفْل. والفَرَاش هذا الذي يَطير، وسمِّي بذلك لخِفَّته.

ومما شذَّ عن هذا الأصل: الفريش من الخيل: التي أتى لوَضْعها سبعةُ أيّام.

(فرص) الفاء والراء والصاد أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على اقتطاع شيء عن شيء. من ذلك الفُرصة: القِطعة من الصُّوفِ أو القُطن. وهو مِن فَرَصت الشّيءَ، أي قطعتُه. ولذلك قيل للحديدة التي تُقْطَع بها الفِضّة: مِفْراص. قال الأعشى:

وأدفعُ عن أعراضكم وأُعِيرُكمْ  *** لِساناً كمِفراص الخَفَاجيِّ مِلحَبا([11])

ثم يقال للنُّهزة فرصة، لأنَّها خِلْسة، كأنَّها اقتطاعُ شيءٍ بعَجَلة.

ومن الباب: الفريصة: اللَّحمة عند ناغِضِ الكَتِف من وسط الجَنْب. ويقال: إنَّ فَرِيص العنُق: عُروقُها. وهذا من الباب، كأنَّه فُرِص، أي مُيِّز عن الشّيء.

ومن الباب: الفُرافِص من النَّاس: الشَّديد البطش. وهو من الفُرافِصة، وهو الأسد، كأنَّه يفترص الأشياء، أي يقتطعُها. والقومُ يتفارصون الماءَ، وذلك إذا شربوه نَوبةً نَوبة، كأنَّ كلَّ شَرْبةٍ من ذلك مُفتَرَصة، أي مقْتَطَعة. والفُرصة: الشِّرب، والنَّوبة. والفريص: الذي يُفارِصك هذه الفُرصة.

(فرض) الفاء والراء والضاد أصلٌ صحيح يدلُّ على تأثيرٍ في شيء من حزٍّ أو غيره. فالفَرْض: الحزُّ في الشَّيء. يقال: فَرَضْتُ الخشبةَ. والحَزُّ في سِيَة القوس فَرْضٌ، حيث يقعُ الوتَر. والفَرْض*: الثّقب في الزَّند في الموضع الذي يُقدَح منه. والمِفْرض: الحديدة التي يُحَزّ بها.

ومن الباب اشتقاق الفَرْض الذي أوجَبَه الله تعالى، وسمِّي بذلك لأنّ لـه معالمَ وحدوداً.

ومن الباب الفُرضة، وهي المَشرَعة في النَّهر وغيرِه، وسمِّيت بذلك تشبيهاً بالحزِّ في الشَّيء، لأنَّها كالحزِّ في طَرَف النهر وغيرِه. والفَرْض: التُّرس، وسمِّي بذلك لأنه يُفرَض من جوانبه. وقال:

أرِقْتُ له مثلَ لمعِ البشير  *** يقلِّب بالكفِّ فَرضاً خفيفا([12])

ومن الباب ما يَفرِضُه الحاكم من نفقةٍ لزوجةٍ أو غيرها، وسمِّي بذلك لأنَّه شيءٌ معلوم يَبِين كالأثر في الشَّيء. ويقولون: الفَرض ما جُدتَ به على غير ثوابٍ، والفَرض: ما كان للمكافأة. قال:

وما نالَها حتَّى تجلَّتْ وأسفَرَتْ  *** أخُو ثقةٍ مني بقرضٍ ولا فرضِ([13])

ومما شذَّ عن هذا الأصل الفارض: المُسنّة، في قوله تعالى: {لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} [البقرة 68]. والفَرْض: جنسٌ من التَّمر. قال:

إذا أكلتُ سمكاً وفَرْضَا  *** ذهبتُ طولاً وذهبتُ عرضا([14])

والفِرْياضُ، الواسع.

(فرط) الفاء والراء والطاء أصلٌ صحيح يدلُّ على إزالةِ شيءٍ من مكانه وتنحيتِه عنه. يقال فرَّطت عنه ما كرِهَه، أي نحّيته. قال:

[فلعلَّ بُطأكُما يفرِّطُ سَيِّئاً  *** أو يَسبق الإسراعُ خَيراً مُقبِلا([15])]

فهذا هو الأصل، ثم يقال أفْرَطَ، إذا تجاوَزَ الحدَّ في الأمر. يقولون: إيَّاك والفَرَْط، أي لا تجاوِز القَدْر. وهذا هو القياس، لأنَّه [إذا] جاوَزَ القَدْر فقد أزالَ الشَّيءَ عن جهته. وكذلك التفريط، وهو التَّقصير، لأنَّه إذا قصَّر فيه فقد قَعَد به عن رُتْبته التي هي له.

ومن الباب الفَرَط والفارط: المتقدِّم في طلب الماء. ومنه يقال في الدعاء للصّبيّ: "اللهمَّ اجعلْه فَرَطاً لأبوَيه"، أي أَجْراً متقدِّماً. وتكلَّمَ فلانٌ فِراطاً، إذا سبقَتْ منه بوادِرُ الكلام. ومن هذا الكَلِم: أفرَطَ في الأمر: عَجَّل. وأفرَطَت السّحابةُ بالوسميِّ: عجَّلَتْ به. وفرّطتُ عنه([16]) الشَّيء: نحّيته عنه. وفَرَس فُرُط: تَسبِق الخيل. والماء الفِراط. الذي يكون لم سَبَق إليه من الأحياء. وقال في الفرس الفُرُط:

* فُرُطٌ وِشاحي إذْ غدوتُ لجامُها([17]) *

وفُرَّاط القَطا: متقدِّماتها إلى الوادي. وفُرَّاط القوم: متقدِّموهم. قال:

فاستعجَلُونا وكانوا من صَِحَابتنا  *** كما تَعَجَّل فُرَّاطٌ لِوُرّادِ([18])

ويقولون: أفْرَطت القربةَ: ملأتَها. والمعني في ذلك أنَّه إذا ملأها فقد أفْرَطَ، لأنَّ الماء يَسبِق منها فيَسيل. وغديرٌ مُفْرَطٌ: ملآنُ. وأفرطتُ القومَ، إذا تقدَّمتَهم وتركتَهم وراءَك. وقالوا في قوله تعالى:{وَأَنّهُمْ مُفْرَطُونَ}  [النحل 62]: أي مؤخَّرون.

ويقولون: لقيته في الفَرْط بعد الفَرْط، أي الحين بعد الحين. يقال: معناه مَا فَرَط من الزَّمان. والفارطان: كوكبانِ أمام بَنات نَعْش، كأنَّها سمِّيا بذلك لتقدُّمهما. وأَفراط الصَّباح: أوائل تَباشيره. ومنه الفَرَط، أي العَلَم([19]) من أعلام الأرض يُهتدَى بها، والجمع أفراط. وإيّاه أراد القائلُ([20]) بقوله:

أم هل سموتُ بجَرَّارٍ لـه لَجَبٌ  *** جَمِّ الصَّواهلِ بين الجَمِّ والفُرُطِ([21])

ويقال إنِّما هو الفَرَط، والقياس واحد.

(فرع) الفاء والراء والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على علوٍّ وارتفاعٍ وسموٍّ وسُبوغ. من ذلك الفَرْعُ، وهو أعلَى الشيء. والفَرْع: مصدر فَرعْتُ الشيء فَرعاً، إذا علَوتَه. ويقال: أفرَعَ بنو فلانٍ، إذا انتجَعُوا في أوّل النَّاس. والفَرَع([22]) : المال الطَّائل المعَدّ. والأفرع: الرَّجُل التامّ الشَّعَْر، وقد فَرِع.

قال ابن دُريد: امرأةٌ فرعاء: كثيرة الشّعر. ولا يقولون للرّجُل إذا كان عظيمَ الجُمَّة: أفرع، إنّما يقولون رجلٌ [أفرعُ([23]) ] ضدّ الأصلع. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفْرَع.

ورجلٌ مُفْرَعُ([24]) الكتف، أي ناشزُها، ويقال عريضُها.

ومن الباب: افتَرَعت البكر: افتضَضْتُها، وذلك أنَّه يَقهرها ويعلُوها. و*أفرَعْتُ الأرضَ: جوّلتها([25]) فعرفتُ خَبَرها. وفَرْعَة الطَّريق وفارعته: ما ارتفَعَ منه. وتفرَّعْتُ بني فلانٍ: تزوَّجتُ سيِّدةَ نسائِهم. وفَرَعْتُ رأسَه بالسَّيف: علوتُه. وفَرَعتُ الجبلَ: صِرتُ في ذِروته.

وممَّا يقارب هذا القياسَ وليس هو بعينه: الفَرَع: أوَّلُ نِتاج الإبل والغنم.

ومما شذَّ عنه الفَرَعة: دويْبَّة، وتصغيرها فُرَيعة، وبها سمِّيت المرأة.

وممَّا شذَّ أيضاً الفَرَع، كان شيئاً يُعمَل في الجاهليَّة، يُعمَد إلى جلد سَقْبٍ فيُلبَسُه سَقبٌ آخَرُ لتَرأمَه أمُّ المَنحُورِ أو الميِّت، في شعر أوس:

وشُبِّه الهَيْدَبُ العَبَامُ من الـ  *** أَقْوامِ سَقْباً مُجلَّلاَ فَرَعا([26])

فأمَّا قولُهم: أفرَعْتُ في الوادِي: انحدَرْتُ، فهذا إنَّما هو على الفَرْق بين فَرَعْت وأفرعت([27]) . قال رجل من العرب: "لقيتُ فلاناً فارعاً مُفْرِعاً". يقول: أحدُنا منحدرٌ والآخرُ مُصْعِد.

(فرغ) الفاء والراء والغين أصلٌ صحيح يدلُّ على خُلوٍّ [وَسَعةِ] ذَرْع. من ذلك الفَرَاغ: خِلاف الشُّغل. يقال: فَرَغ فَراغاً وفُروغاً، وفرِغَ أيضاً. ومن الباب الفَرْغ: مَفْرَغ الدَّلْو الذي ينصبُّ منه الماء. وأفرَغْتُ الماءَ: صببتُه. وافترغْتُ، إذا صببتَ الماءَ على نفسك. وذهب دَمُه فَِرْغاً، أي باطلاً لم يُطلَبْ به. وفَرسٌ فَرِيغٌ([28]) ، أي واسع المَشْي، وسمِّي بذلك لأنَّه كأنَّه خالٍ من كلِّ شيء فخَفَّ عَدْوُه ومَشْيُه. وضَربةٌ فريغٌ: واسِعَة، وطعنةٌ أيضاً. وحَلْقةٌ مُفْرَغَة، لأنَّه شيءٌ يصبُّ صَبَّا. وطريق فريغ: واسع. قال:

فأجَزْتَه بأَفَلَّ تَحسِب إثْرَه  *** نَهْجَاً أبَانَ بذي فَريغٍ مَخْرَفِ([29])

فأمَّا قولُه تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَنِ} [الرحمن 31]، فهو مجازٌ، والله تعالى لا يَشغَلُه شأنٌ عن شأن. قال أهل التّفسير: سنفرغ، أي نَعْمِد، يقال: فَرَغت إلى أمر كذا([30]) ، أي عَمَدْتُ له.

(فرق) الفاء والراء والقاف أُصَيلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمييز وتزييلٍ([31]) بين شيئين. من ذلك الفَرْق: فرق الشعر. يقال: فرَقْتُه فَرَقاً. والفِرْق: القطيع من الغَنَم. والفِرق: الفِلْق من الشَّيء إذا انفَلَقَ، قال الله تعالى:{فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطّودِ العَظِيم} [الشعراء 63].

ومن الباب: الفَرِيقة، وهو القَطِيع من الغَنَم، كأنَّها قطعةٌ فارقَتْ مُعظمَ الغَنم. قال الشاعر([32]) :

وذِفْرى كَكاهلِ ذِيخِ الخَلِيفِ  *** أصابَ فريقةَ ليلٍ فعاثا([33])

ومن الباب: إفراق المحموم من حُمَّاه، وإنما يكون كذا لأنَّها فارقَتْه. وكان بعضهم يقول: لا يكون الإفراق إلاَّ من مرض لا يُصيب الإنسانَ إلاَّ مرّةً واحدةً كالجُدَرِيِّ والحَصْبة وما أشبَهَ ذلك. وناقةٌ مُفْرِقٌ: فارَقَها ولدُها بمَوْت.

والفُرْقانُ: كتاب الله تعالى فَرَقَ به بين الحقِّ والباطل. والفُرْقان: الصُّبح، سمِّي بذلك لأنه به يُفْرق بين اللَّيل والنَّهار، ويقال لأنَّ الظُّلْمة تتفرَّق عنه. والأفرَق: الديك الذي عُرْفُه مَفروق. والفَرَق في الخيل، أن يكونَ أحدُ وركيه أرفَعَ من الآخر. والفَرَقُ في فُحولة الضَّأن: بُعْد ما بين الخُصْيَيْن، وفي الشاة: بُعْد ما بينَ الطُّبْيَين. والفارِق: الخَلِفَة([34]) تذهبُ في الأرض نادَّةً من وجَع المَخَاض فتُنْتَج حيث لا يُعلم مكانُها؛ والجمع فوارقُ وفُرَّقٌ. وسمِّيت بذلك لأنَّها فارقت سائر النُّوق. وتشبَّه السحابةُ تنفرد عن السَّحَابِ بهذه الناقة، فيقال: فارق. والفارق من الناس: الذي يَفرِق بين الأمور، يَفْصِلُها. وفَرَقُ الصُّبْحِ وفَلَقُه واحد.

ومما شَذَّ عن هذا الباب الفَرَْق: مِكيالٌ من المكاييل، تفتح فاؤه وتسكّن. قال القُتَيبِيّ: هو الفَرَق بفتح الراء، وهو الذي جاء في الحديث: "ما أسْكَرَ الفَرَق منه فمِلْء الكفِّ منه حرام"، ويقال إنّه ستّةَ عشَرَ رطلاً. وأنشَدَ لخِداش ابن زُهَير:

يأخذون الأرشَ في إخوتهم  *** فَرَقَ السَّمنِ وشاةً في الغَنَم([35])

والفَرِيقة: تمرٌ يطبَخ بحُلْبَةٍ يُتَدَاوَى به. والفَروقة: شَحم الكُلْيَتَين. قال:

* يُضيء لنا شَحمُ الفَرُوقةِ والكُلَى([36]) *

والفَروق: موضعٌ، كلُّ ذلك شاذٌّ عن الأصل* الذي ذكرناه.

(فرك) الفاء والراء والكاف أصلٌ يدلُّ على استرخاءٍ في الشيء وتفتيلٍ له. من ذلك: فركت الشيءَ بيدي أفرُكه فركاً، وذلك تَفتيلُك للشَّيء حتى ينفَرِك. وثوبٌ مفروكٌ بالزَّعفران: مصبوغٌ، والأصل فيه ما ذكرناه.

ومن الباب: فَرِكَتِ المرأةُ زوجَها تَفْرَكُه، إذا أبغضَتْه. قال:

* ولم يُضِعْها بين فِرْك وعَشَقْ([37]) *

ورجلٌ مفرَّك: يُبغِضه النِّساء، وإنما سمِّي فِرْكاً لأنها تلتوي وتَنفتِل عنه. والانفراك: استرخاء المَنْكِب. وأمَّا قوله: فاركتُ صاحبي، مثل تاركته، فهذا من باب الإبدال.

(فرم) الفاء والراء والميم كلمةٌ واحدةٌ، أظنُّها ليست عربيَّة، وهو الاستفرام. يقولون: هو أن تحتشِيَ([38]) المرأة شيئاً تضيِّق به [ما تحت إزارِها([39]) ]. قال الخليل: وليس هذا من كلامِ أهل البادية. قال ابنُ دُريد([40]) : يقال لذلك الشَّيء: فَرْمة([41]) . فأمَّا قول الراجز([42]) :

* مُستفرماتٍ بالحَصَى جوافلا *

فإنّه يريد خيلاً. يعني أنَّ من شدة جريها يدخُل الحصَى في فُرُوجها، فشبَّه الحصى بالفَرْمة. والفَرَماء: موضعٌ([43]) .

(فره) الفاء والراء والهاء كلمةٌ تدلُّ على أشَرٍ وحِذْق. من ذلك الفارِه الحاذِقُ بالشيء. والفَرِه: الأشِر. والفارهة: القينة. وناقةٌ مُفْرِهٌ ومُفْرِهَةٌ، إذا كانت تُنتَجُ الفُرْه.

(فري) الفاء والراء والحرف المعتلّ عُظْمُ البابِ قَطْعُ الشيء، ثم يفرَّع منه ما يقاربُه: من ذلك: فَرَيْتُ الشيء أفرِيه فرياً، وذلك قَطْعُكَه لإصلاحه. قال ابن السِّكِّيت: فَرَى، إذا خَرَز. وأفريتُه، إذا أنتَ قَطَعْته للإفساد([44]) . قال في الفَرْي:

ولأنْتَ تفرِي ما خلقت وبعـ *** ـضُ القومِ يَخلُقُ ثم لا يَفْرِي([45])

ومن الباب: فلانٌ يَفْري الفريَّ، إذا كان يأتي بالعَجَب، كأنَّه يَقْطع الشَّيءَ قطعاً عَجَباً. قال:

* قد كنتِ تَفرِينَ به الفَريَّا([46]) *

أي كنتِ تُكْثرين فيه القولَ وتعظِّمينه. ويقال: فَرَى فلانٌ كذِباً يَفرِيه، إذا خَلَقَه. وتفرَّتِ الأرضُ بالعُيون: انبجَسَتْ. والفَرَى: الجَبَان([47]) ، سمِّي بذلك لأنَّه فُرِي عن الإقدام، أي قُطِع. والفَرَى أيضاً: مِثلُ الفَرِيّ، وهو العَجَب. والفَرَى: البَهْت وَالدَّهَش، يقال فَرِيَ يَفْرَى فرَىً. قال الشَّاعر([48]) :

وفَرِيتُ من فَزَعٍ فلا *** أَرمِي وقد ودَّعْت صاحبْ([49])

ومن الباب الفَرْوة التي تُلبَس. وقال قومٌ: إنَّما سمِّيت فَروةً من قياس آخَر، وهو التَّغطية، لذلك سمِّيت فَرْوةُ الرّأس، وهي جلدتُه. ومنه الفَرْوة، وهي الغِنى والثَّروة. والفَروةُ: كلُّ نباتٍ مجتمِعٍ إذا يَبِس. وفي الحديث: "أنَّ الخَضِر جَلَسَ على فَرْوةٍ من الأرض فاخضرَّت". فإنْ صحَّ هذا فالبابُ على قياسين: أحدهما القطع، والآخَر التَّغطية والسَّترُ بشيءٍ ثَخين.

وأمَّا المهموز فليس من هذا القياسُ ولا يقاس عليه غيرُه، وهو الفَرَأ: حمار الوَحْش، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لأبي سفيان: "كلُّ الصَّيد في جوف الفَرَأ". وقال الشَّاعر([50]) :

* بِضربٍ كآذانِ الفِراء([51]) *

(فرت) الفاء والراء والتاء كلمة واحدة، وهي الماء الفُراتُ، وهو العَذْب. يقال: ماءٌ فرات، ومياهٌ فُرات.

(فرث) الفاء والراء والثاء أُصَيلٌ يدلُّ على شيء متفتِّت. يقال فَرَثَ كَبِدَه: فَتَّها. والفَرْث: ما في الكَرِش. ويقال على معنى الاستعارة: أفْرَثَ فلانٌ أصحابه، إذا سَعَى بهم وألقاهم في بَليَّة.

(فرج) الفاء والراء والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على تفتُّح في الشَّيء. من ذلك الفُرجة في الحائط وغيرِه. الشَّقُّ. يقال: فَرَجْته وفرَّجته. ويقولون: إنَّ الفَرْجة: التفصِّي من همٍّ أو غمّ. والقياسُ واحد، لكنَّهم يفرقون بينهما بالفتح. قال:

ربَّما تجزع النُّفوس من الأمْـ  *** ـرِ لـه فَرجة كحلِّ العِقالِ([52])

والفَرْج: ما بين رِجْلَي الفَرَس. قال امرؤُ القَيس:

لها ذنبٌ مثلُ ذَيل العروس  *** تَسُدُّ به فَرجَها من دُبُرْ([53])

والفُروج: الثُّغور التي بين مَواضِع المخافة، وسمِّيت فُرُوجاً لأنَّها محتاجةٌ إلى تفقُّد وحِفْظ. ويقال: إنَّ الفرجَين اللذين يُخاف* على الإسلام منهما: التُّرك والسُّودان. وكلُّ مَوضعِ مَخافةٍ فَرْج. وقوسٌ فُرُجٌ، إذا انفجَّتْ سِيَتُها. قالوا: والرَّجُل الأفْرَجُ: الذي لا يلتقي أَليتاه. وامرأةٌ فَرْجاء. ومنه الفُرُج: الذي لا يكتُم السِّرّ، والفِرْج مثله. والفَرِج: الذي لا يزالُ ينكشف فَرجُه. والفَرُّوج: القَبَاء؛ وسمِّي بذلك للفُرجة التي فيه.

ومما شذَّ عن هذا الأصل: المُفْرَج، قالوا: هو القتيل لا يُدرَى مَن قتلَه، ويقال هو الحَميل لا وَلاءَ له إلى أحدٍ ولا نَسَب. ورُوي في بعض الحديث: "لا يُتْرَك في الإسلام مُفْرَجٌ"، بالجيم.

(فرح) الفاء والراء والحاء أصلانِ، يدلُّ أحدهما على خلاف الحُزْن، والآخر الإثْقال.

فالأوَّل الفَرَح، يقال فَرِحَ يَفرَح فَرَحا، فهو فَرِح. قال الله تعالى: {ذلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ في الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}  [غافر 75]. والمِفراح: نقيض المِحْزان.

وأمَّا الأصل الآخر فالإفراح، وهو الإثقال. وقولُه عليه الصلاة والسَّلام: "لا يُتْرَك في الإسلام مُفْرَحٌ" قالوا: هذا الذي أثْقَلَه الدَّين. قال:

إذا أنت لم تَبْرحْ تؤدِّي أمانةً  *** وتَحمِلُ أخرى أفرحتكَ الودائعُ([54])

(فرخ) الفاء والراء والخاء كلمةٌ واحدة، ويقاس عليها. فالفَرْخ: وَلَد الطَّائر. يقال: أفرَخَ الطَّائر. ويُقاس فيقال: أفْرَخَ الرُّوع: سَكَن. وليُفْرِخ رُوعك، قالوا: معناه ليخرج عنك رَوْعُك وليفارقْك، كما يَخْرُج الفَرخ عن البيضة. ويقولون: أفرَخَ الأمر: استبانَ بعد اشتِباه. والفُرَيْخ: قينٌ كان في الجاهليَّة، يُنسَب إليه النِّصال أو السِّهام. قال:

* ومقذُوذَين من بُرْي الفُرَيْخ([55]) *

(فرد) الفاء والراء والدال أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على وُحْدة. من ذلك الفَرْد وهو الوَتْر. والفارد والفَرْد: الثَّور المنفرِد. وظبيةٌ فاردٌ: انقطعت عن القَطيع، وكذلك السِّدرة الفاردةُ، انفرَدَتْ عن سائر السِّدر. وأفراد النجوم: الدَّراريُّ في آفاق السَّماء. والفريد: الدُّرُّ إذا نُظِم وفصِّل بَينَه بغَيرِه. والله أعلم بالصَّواب.

ــــــــــــــــــ

([1]) ضبط في القاموس بكسر الفاء. وضبط في المجمل بفتحها وكسرها.

([2]) في الأصل: "من دق فرس العنق".

([3]) والفروسة أيضاً بوزن السهولة، ذكرت في المجمل وسائر المعاجم.

([4]) الفراسة هذه بفتح الفاء، وأما الفراسة بكسر الفاء، فهي التفرس في الشيء وإصابة النظر فيه.

([5]) المجمل (فرش) واللسان (أمم، فرش) والحيوان (4: 365). وأم البيض هنا: النعامة.

([6]) ديوان جرير 476. وقبله:

فالتغلبية والصليب على استها  *** رجس موقعة العجان ذلول

([7]) يعني الفراء، وهو يحيى بن زياد بن عبد الله.

([8]) وكذا في المجمل والقاموس. قال في القاموس: "وجمل مفرش كمعظم". والذي في الجمهرة (2: 345) واللسان: "مفترش".

([9]) وردت في المجمل والجمهرة واللسان، فلم ترد في القاموس.

([10]) ليزيد بن عمرو بن الصعق، كما في اللسان (فرش). وانظر إصلاح المنطق 480.

([11]) ديوان الأعشى 90 واللسان (فرص). وفي الديوان: "كمفراص".

([12]) لصخر الغي الهذلي. ديوان الهذليين (2: 69) واللسان (فرض).

([13]) للحكم بن عبدل الأسدي، أمالي القالي (2: 261). وأنشده في المجمل.

([14]) لراجز من عمان، كما في اللسان (فرض)، والرجز في مجالس ثعلب 217 والمخصص (11-134).

([15]) موضع البيت بياض في الأصل، وإثباته من اللسان (فرط). وهو لمرقش.

([16]) في الأصل: "اغلنه"، تحريف. وفي المجمل: "وفرطت عنه ما كرهه، أي نحيته".

([17]) للبيد في معلقته. وصدره: * ولقد حميت الحي تحمل شكتي *

([18]) للقطامي في ديوانه 13 واللسان (فرط، عجل) وإصلاح المنطق 79.

([19]) في الأصل: "الحين"، صوابه من المجمل.

([20]) هو وغلة الحرمي، كما في اللسان (فرط 244).

([21]) أنشد في المجمل "بين الجم والفرط" فقط. وقال: "فجمعه على فُرُط، ويقال إنما هو الفَرَط".

([22]) كذا ضبط في المجمل بالتحريك، وبذا ضبطه الجوهري، ووهمه المجد وذكر أن صوابه بسكون الراء. وأنشد:

فمن واستبقى ولم يعتصر  *** من فرعه مالا ولم يكسر

([23]) التكملة من الجمهرة (2: 382) واللسان.

([24]) كذا ضبط في المجمل، ولم ترد الكلمة في القاموس، وجاءت في اللسان بكسر الراء.

([25]) يقال جول الأرض وجول فيها، أي طوف. وفي المجمل: "حولت فيها"، تحريف.

([26]) ديوان أوس بن حجر 13 واللسان (هدب، عبم، فرع).

([27]) الحق أن "أفرع" و "فرع" بالتشديد من الأضداد، يقالان للصعود والانحدار.

([28]) زاد في المجمل: "وفريغة".

([29]) لأبي كبير الهذلي في ديوان الهذليين (2: 107) واللسان (فرغ، خرف). وقد سبق في (خرف).

([30]) في الأصل: "كنت في أمر كذا". وأنشد أبو حيان في تفسيره (8: 194) لجرير:

الآن وقد فرغت إلى نمير  *** فهذا حين كنت لهم عذابا

وقال: "أي قصدت"، ثم قال: "وأنشد النحاس:

* فرغت إلى العبد المقيد في الحجل *"

([31]) التزييل، التفريق. وفي الأصل: "وترتيل".

([32]) هو كثير عزة. اللسان (فرق، خلف).

([33]) الذفرى تنون وألفها للإلحاق، ولا تنون وألفها للتأنيث، قال ابن بري: صواب إنشاده: "بذفرى"، لأن قبله:

توالى الزمام إذا ما ونت  *** ركائبها واحتثثن احتثاثا

([34]) الخلفة: الناقة الحامل، وجمعها مخاض على غير قياس. في الأصل: "الخلقة"، صوابه في المجمل.

([35]) أنشده في المجمل واللسان (فرق 180).

([36]) للراعي، في اللسان (فرق) وصدره: * فبتنا وباتت قدرهم ذات هزة *

([37]) لرؤبة في ديوانه 104 واللسان (سرر، عسق، عشق، فرك) وإصلاح المنطق 9، 24، 111 . وقد سبق في (عسق، عشق).

([38]) في الأصل: "نخشى"، صوابه في المجمل.

([39]) التكملة من المجمل.

([40]) في الجمهرة (2: 402).

([41]) ضبطت في المجمل والجمهرة بفتح الراء، وضبطت في الأصل واللسان والقاموس بإسكانها.

([42]) هو امرؤ القيس ديوانه 158 واللسان والجمهرة (فرم).

([43]) موضع في حدود مصر ويقال بالقصر. وفي الجمهرة: "الفرمي" كتبت بالياء.

([44]) في الأصل: "للإنسان" وفي المجمل: "إذا أنت أفسدته".

([45]) زهير في ديوانه 94 واللسان (خلق، فرى)، وقد سبق منسوباً في (خلق).

([46]) لزرارة بن صعب، كما في اللسان (فرى).

([47]) الفرى، بهذا المعنى، مما فات المعاجم المتداولة، وذكره في المجمل.

([48]) هو الأعلم الهذلي، كما في المجمل ولسان العرب (فرا) وديوان الهذليين (2: 78).

([49]) وكذا جاءت روايته في المجمل. وفي اللسان: "من جزع". وفي اللسان والديوان: ولا ودعت".

([50]) هو مالك بن زغبة الباهلي، كما سبق في حواشي (بور).

([51]) هو بتمامه:

بطعن كآذان الفراء فضوله  *** وطعن كإيزاغ المخاض تبورها

([52]) لأمية بن أبي الصلت مع شك من الجاحظ في الحيوان (3: 39) وأنشده في اللسان (فرج) منسوباً إلى أمية. وهو في البيان (3: 260) بدون نسبة. على أن "الفرجة" مثلثة الفاء، لا كما ذكر ابن فارس.

([53]) ديوان امرئ القيس 13 واللسان (فرج).

([54]) البيت لبيهس العذري، كما في اللسان (فرح).

([55]) أنشده في اللسان (فرخ).

 


ـ (باب الفاء والزاء وما يثلثهما)

(فزع) الفاء والزاء والعين أصلانِ صحيحان، أحدهما الذُّعر، والآخَر الإغاثة.

فأمَّا الأوَّل فالفَزَع، يقال فَزِع يَفْزَع فَزَعاً، إذا ذُعِر. وأفزَعْتُه أنا. وهذا مَفْزَعُ القوم، إذا فَزِعوا إليه فيما يَدهَمُهم. فأمَّا فَزَّعت [عنه] فمعناه كَشَّفت عنه الفَزَع. قال الله تعالى: {حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ 23]. والمَفْزَعة: المكان يلتجئ إليه الفَزِع. قال:

طويلٌ طامحُِ الطَّرف  *** إلى مَفْزَعة الكلبِ([1])

والأصل الآخر الفَزَع: الإغاثة([2]) . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار: "إنَّكم لَتَكْثُرون عند الفَزَع، وتَقِلُّون عند الطَّمَع". يقولون: أفزَعْتُه إذ رَعَبتَه، وأفْزعتُه، إذا أغثتَه. وفَزِعتُ إليه فأفزَعَني، أي لَجأْتُ إليه فَزَِعَاً فأغاثَني. وقال الشَّاعر([3]) في الإغاثة:

فقلتُ لكاسٍ ألجِمِيها فإنَّما  *** نزَلنا الكثيبَ من زَرُودَ لنَفْزَعا([4])

وقال آخر([5]) :

كُنَّا إذا ما أتانا صارخٌ فَزِعٌ  *** كان الصُّراخَُ لـه قَرْعَُ الظَّنابيبِ

(فزر) الفاء والزاء والراء أُصَيلٌ يدلُّ على انفراجٍ وانصداع. من ذلك الطَّريق الفازِرُ: وهو المُنْفرِج الواسع. والفِزْر: القطيع من الغَنَم. يقال فزرْت الشَّيء: صدَعتُه. والأفْرزُ: الذي يتطامَنُ ظهرُه؛ والقياسُ واحد، كأنَّه يَنْفرِقُ لحمتا ظهرِه. والله أعلم.

ـــــــــــــــ

([1]) لأبي دواد الإيادي، أو هو لعقبة بن سابق الهزاني، وقد سبق التحقيق في حواشي (طمح).

([2]) الظاهر أن معناه في الحديث الاستغاثة. وفي اللسان: "وقد يكون التقدير أيضاً عند فزع الناس إليكم لتغيثوهم".

([3]) هو الكلحبة العرني اليربوعي. المفضليات (1: 30) واللسان (فزع).

([4]) كأس: اسم بنته. في اللسان: "حللت الكثيب" و "لأفزعا".

([5])هو سلامة بن جندل، ديوانه 11 والمفضليات (1: 122) واللسان (فزع، ظنب)، وقد سبق في (ظنب).

 

ـ (باب الفاء والسين وما يثلثهما)

(فسط) الفاء والسين والطاء كلمتانِ متباينتان. فالفَسِيط: ثُفْرُوق التَّمرة، ويقال قُلامة الظُّفر. والفُسطاط: الجماعة. وفي الحديث: "إنَّ يدَ الله تعالى عَلَى الفُسطاط"، وبذلك سمِّي الفُسطاط فُسطاطاً.‏

(فسق) الفاء والسين والقاف كلمة واحدة، وهي الفِسْق، وهو الخروج عن الطَّاعة. تقول العرب: فَسقَتِ الرُّطَبَةُ عن قِشْرها: إذا خرجَتْ، حكاه الفَرَّاء. ويقولون: إنَّ الفأرة فُوَيْسِقة، وجاء هذا في الحديث. قال ابنُ الأعرابيِّ: لم يُسْمع قطُّ في كلامِ الجاهليَّة في شعر* ولا كلامٍ: فاسق. قال: وهذا عجبٌ، هو كلامٌ عربيٌّ ولم يأتِ في شعرٍ جاهليٍّ(1) .‏

(فسل) الفاء والسين واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على ضَعف وقِلَّة. من ذلك: الرّجُل الفَسْل، وهو الرديُّ من الرِّجال. ومنه الفَسِيل: صَغار النَّخْل. وفَسَالة الحديد: سُحَالته.‏

(فسأ) الفاء والسين والهمزة. يقال فيه: تفسَّأ الثَّوبُ، إذا بَلِيَ. وفَسَأْته أنا: مدَدْتُه حتى تفزَّر. ويقولون: فَسَأه بالعصا: ضربه. ويقولون في غير المهموز: تفاسَى الرَّجُل تفاسِياً، إذا أخْرَجَ عَجِيزتَه.‏

(فسج) الفاء والسين والجيم، كلمة واحدة. يقولون: قَلوصٌ فاسجة(2) ، إذا أعجَلَها الفحلُ فضَرَبها قَبْلَ وقتِ المضْرِب. ويقال بل هي الحائل السَّمينة.‏

(فسح) الفاء والسين والحاء كلمةٌ واحدة تدلُّ على سَعَةٍ واتِّساع. من ذلك الفَسيح: الواسع. وتَفَسَّحت في المجلِس، وفَسَّحت المجلس.‏

(فسخ) الفاء والسين والخاء كلمةٌ تدلُّ على نَقْضِ شيء. يقال: تَفَسَّخَ الشَّيءُ: انتقَضَ. ويقولون: أَفْسَخْتُ الشيء : نَسِيتُه. ويقولون: الفَسِيخ: الرجلُ لا يَظفَر بحاجته.‏

(فسد) الفاء والسين والدال كلمةٌ واحدة، فَسَدَ الشَّيءُ يَفْسُد فساداً وفُسوداً، وهو فاسِدٌ وفَسِيد.‏

(فسر) الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدلُّ على بيانِ شيءٍ وإيضاحِه. من ذلك الفَسْرُ، يقال: فَسَرْتُ الشَّيءَ وفسَّرتُه. والفَسْر والتَّفسِرَة: نظَر الطَّبيب إلى الماء وحُكمهُ فيه. والله أعلم بالصَّواب.‏

ـــــــــــــــ

(1) انظر اللسان (فسق) والحيوان (1: 33/ 5: 280).‏

(2) في المجمل: "فاسج"، وكلاهما يقال.‏

 

ـ (باب الفاء والشين وما يثلثهما)

(فشج) الفاء والشين والجيم. يقولون: فَشَجت النّاقةُ: تفاجَّتْ لتَبُول. كذلك في كتاب الخليل. وقال ابن دريد: فَشَحت، بالحاء، وأنشد:‏

وحَكَّكِ الحِنْوانِ فانفشَحْتِ(1) *** إنَّكِ لو صاحَبْتِنا مَذِحْتِ‏

(فشخ) الفاء والشين والخاء، فيه طَريفَةُ ابن دُريد(2) . قال: الفشْخُ: ضربُ الرأسِ باليد.‏

(فشل) الفاء والشين واللام. يقولون: تفَشَّل الماءُ: سالَ. والفَشْل: شيءٌ من أدَاة الهَوْدَج.‏

(فشا) الفاء والشين والحرف المعتلّ كلمةٌ واحدة، وهي ظهورُ الشَّيء، يقال: فَشَا الشَّيءُ: ظَهَر.‏

وحكى ابنُ دريد(3) : فَشَأَ المرضُ فيهم فشُوءاً، وتفشَّأَ تفشُّؤاً.‏

(فشغ) الفاء والشين والغين أصلٌ يدلُّ على الانتشار. يقال انفشغ الشَّيء وتفشَّغ، إذا انتشَر. ويقولون: الفَشْغة: القُطنة في جوف القَصَبة. والفُشاغ(4) : نبات يتفشَّغُ على الشَّجر ويلتوِي. والناصية الفَشْغاء: المُنتشِرة. وتفَشَّغَ فيه الشَّيب: ظَهَر. وتفشَّغَ به الدَّم. ويقولون: أفْشَغَهُ سوطاً: ضَربَه.‏

(فشق) الفاء والشين والقاف، ليس هو عندي أصلاً، ولكنَّهم يقولون: الفَشَق: المُباغَتة. فاَشَقَ: باغَتَ. وفَشَقَ بنو فلانٍ الدُّنيا(5) ، إذا كثُرَت عليهم فلَعِبوا بها. والله أعلم بالصَّواب.‏

ــــــــــــــ

(1) الجمهرة (2: 159) واللسان (مذح، فشح)، والبيان (3: 318).‏

(2) الجمهرة (2: 224).‏

(3) في الجمهرة (3: 687).‏

(4) هو كغراب ورمان، كما في القاموس واللسان.‏

(5) هذا مما ورد في القاموس ولم يرد في اللسان.‏

 

ـ (باب الفاء والصاد وما يثلثهما)

(فصل) الفاء والصاء واللام كلمةٌ صحيحةٌ تدلُّ على تمييز الشَّيء. من الشَّيء وإبانته عنه. يقال: فَصَلْتُ الشَّيءَ فَصْلاً. والفَيْصل: الحاكم. والفَصِيل: ولدُ النَّاقةِ إذا افتُصِلَ عن أُمِّه. والمِفْصَل: اللِّسان، لأنَّ به تُفصَل الأمور وتميَّز. قال الأخطل:* وقد ماتت عِظامٌ وَمِفْصَلُ([1]) *

والمفاصل: مَفاصل العِظام. والمَفْصِل: ما بين الجبلَيْن، والجمع مَفاصل. قال أبو ذُؤَيب:

مَطَافيلَ أبكارٍ حديثٍ نِتاجُها *** يُشابُ بماءٍ مثلِ ماءِ المفاصلِ([2])

والفَصِيل: حائطٌ دونَ سُور المدينة. وفي بعض الحديث: "مَن أنفَقَ نفقةً فاصلةً فله من الأجر كذا"، وتفسيره في الحديث أنَّها التي فَصَلَت بين إيمانه وكُفره.

(فصم) الفاء والصاد والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على انصداعِ شيء من غير بَيْنُونة. من ذلك الفَصْم، وهو أن ينصَدِع الشَّيءُ من غير أن يَبين. وكلُّ منحنٍ من خَشَبَةٍ وغيرها فهو* مفصوم. قال:

كأنَّه دُمْلُجٌ من فِضّةٍ نَبَهٌ  *** في مَلْعبٍ من عَذَارى الحيِّ مفصومُ([3])

(فصي) الفاء والصاد والياء أصلٌ صحيح يدلُّ على تنحِّي الشَّيء عن الشَّيء. يقال تفَصَّى اللَّحمُ عن العَظْم، وتفَصَّى الإنسانُ من البلِيَّة: تَخَلَّص. والاسم الفَصْية. وفي حديث: قَيْلة: "الفَصْية والله، لا يزالُ كعبُكِ عاليا". وأفْصَى: رجلٌ([4]) .

(فصح) الفاء والصاد والحاء أصلٌ يدلُّ على خُلوصٍ في شيءٍ ونقاء من الشَّوب. من ذلك: اللِّسان الفصيح: الطَّليق. والكلام الفصيح: العربيّ. والأصلُ أفْصَحَ اللّبَنُ: سكنت رَُِغوتُه. وأفْصَحَ الرّجل: تكلَّم بالعربيَّة. وفَصُح: جادت لغتُه حتَّى لا يلحَنُ. في كتاب ابن دريد([5]) : "أفصح العربيُّ إفصاحاً، وفَصُح العجميُّ فَصاحةً، إذا تكلَّم بالعربية". وأُراه غلطاً، والقول هو الأوّل. وحكَى: فَصُحَ اللبنُ فهو فصيح، إذا أُخذت عنه الرِّغوة. قال:

* وتحتَ الرَُِّغوةِ اللَّبنُ الفصيح([6]) *

ويقولون: أفصَحَ الصُّبح، إذا بدا ضوؤُه. قالوا: وكلُّ واضحٍ مُفْصِحٌ. ويقال إنَّ الأعجم: ما لا ينطق، والفصيحَ: ما ينطق.

ومما ليس من هذا الباب الفِصْح([7]) : عيدُ النصارى، يقال: أفصحوا: جاء فِصحُهم.

(فصد) الفاء والصاد والدال كلمة صحيحة، وهي الفَصْد، وهو قطع العِرقِ حتَّى يسيل. والفَصيد: دمٌ كان يُجعَل في مِعىً من فَصد عروق الإبل، ويُشوَى ويُؤكل، وذلك في الشدّة تُصيب. قال الأعشى:

*ولا تأخُذ السَّهمَ الحديدَ لتفصِدا([8]) *

ويقولون: [تفصَّد([9]) ] الشيء: سال.

(فصع) الفاء والصاد والعين يدلُّ على خروجِ شيءٍ عن شيء. يقال: فصع الرُّطَبة، إذا قَشَرَها. ويقولون: الفُصْعة: غُلْفة الصبيّ إذا اتَّسعت حتَّى تبدوَ حَشَفتُه.

ـــــــــــ

([1]) البيت بتمامه كما في ديوان الأخطل ص2:

صريع مدام يرفع الشرب رأسه  *** ليحيا وقد ماتت عظام ومفصل

([2]) ديوان الهذليين (1: 141) واللسان (فصل) والحيوان (2: 351) وأمالي المرتضى (1: 187) وثمار القلوب 446 والمخصص (1: 23/ 5: 65/16: 161).

([3]) لذي الرمة في ديوانه 572 واللسان (نبه، فصم). وسيأتي في (نبه).

([4]) ومنه أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة، وأفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة.

([5]) الجمهرة (2: 163).

([6]) البيت لنضلة السلمي، كما في اللسان (فصح). وصدره كما في اللسان ومجالس ثعلب 9 والبيان والتبيين (3: 338): * فلم يخشوا مصالته عليهم *

([7]) كذا تذهب معجمات اللغة جميعها. والحق أن الكلمة كما ظهر لي معربة من العبرانية "بِيسَحْ"، وقد حققت ذلك التأصيل بإسهاب لأول مرة في حواشي الحيوان (4: 534).

([8]) صدره كما في ديوان الأعشى 103: * فإياك والميتات لا تأكلنها *

([9]) التكملة من المجمل.

 

ـ (باب الفاء والضاد وما يثلثهما)

(فضل) الفاء والضاد واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على زيادةٍ في شيء. من ذلك الفَضْل: الزِّيادة والخير. والإفضال: الإحسان. ورجل مُفْضِل. ويقال: فَضَل الشّيءُ يَفْضُل، وربما قالوا فَضِلَ يَفْضُل، وهي نادرة. وأمَّا المتفضِّل فالمدّعي للفَضْل على أضرابِه وأقرانه. قال الله تعالى في ذِكر مَن قال:{مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} [المؤمنون 24]. ويقال المتفضِّل: المتوشَّح بثَوبه. ويقولون: الفُضُل: الذي عليه قميصٌ ورداءٌ، وليس عليه إزارٌ ولا سراويل. و[منه] قول امرئِ القيس:‏

وتُضْحِي فَتيتُ المِسْكِ فوقَ فراشها *** نَؤومُ الضُّحَى لم تنتطِق عن تفضُّلِ(1)‏

(فضي) الفاء والضاد والحرف المعتلّ أصلٌ صحيح يدلُّ على انفساحٍ في شيء واتِّساع. من ذلك الفَضاء: المكان الواسِع. ويقولون: أفضَى الرّجُل إلى امرأته: باشَرَها. والمعنى فيه عندنا أنّه شُبّه مقدَّمُ جسمه بفَضاء، ومقدَّمُ جسمها بفضاء، فكأنه لاقَى فضاءَها بفضائه. وليس هذا ببعيدٍ في القياس الذي ذكرناه.‏

ومن هذا على طريق التشبيه: أفضَى إلى فلانٍ بسرِّه إِفضاءً، وأفضى بيده إلى الأرض، إذا مَسَّها بباطِنِ راحته في سُجوده. وهو من الذي ذكرناه في قياس الفَضَاء. ويقولون: الفَضَا، مقصور: تمر وزبيبٌ يُخلَطان. وقال بعضهم: الفَضَا مقصور: الشَّيئان يكونان في وعاء مختلطَين لا يُصَرُّ كلُّ واحدٍ منهما على حِدَة. قال:‏

وتمرٌ فضاً في عَيْبتي وزَبيبُ(2) *** فقلت لها يا عَمَّتَا لك ناقتِي‏

وقال:‏

* طعامُهمُ فَوضى فَضاً في رحالهمْ(3) *‏

(فضح) الفاء والضاد والحاء كلمتان متقاربتان تدلُّ إحداهما على انكشافِ شيء، ولا يكاد يُقال إلاّ في قبيح، والأخرى على لونٍ غير حسنٍ أيضاً.‏

فالأوَّل قولهم: أفْضَح الصُّبح وفَضَّح، إذا بدا. ثم يقولون في التَّهتُّك: الفُضوح. قالوا: وافْتَضَح الرّجُل*، إذا انكشفتْ مساوِيه.‏

وأمَّا اللَّون فيقولون: إِنَّ الفَضَح: غُبْرَةٌ في طُحْلة؛ وهو لَوْنٌ قبيح(4) . وأفْضحَ البُسر، إذا بدَتْ منه حمرةٌ. ويقولون: الأفْضَح: الأسَد، وكذلك البعير، وذلك من فَضَحِ اللَّون.‏

(فضخ) الفاء والضاد والخاء فيه كلمةٌ تدلُّ على الشَّدخ. يقال: فَضَخْت الرُّطَبة: شَدَخْتُها. والفَضِيخ: رُطَبٌ يُشْدَخ ويُنْبَذ.‏

ــــــــــــــــ

(1) البيت من معلقته المشهورة. ويروى: "ويضحي فتيت المسك".‏

(2) في المجمل: "يا عمتي". وفي اللسان (فضا): "يا خالتي"، ونبه على رواية المجمل.‏

(3) البيت للمعذل البكري، كما في اللسان (فضا). وعجزه:‏

* ولا يحسنون الشر إلا تناديا *‏

(4) في الأصل: "ويقولون قبيح"، صوابه في المجمل.

ـ (باب الفاء والطاء وما يثلثهما)

(فطم) الفاء والطاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على قَطْع شيء عن شيء. يقال: فَطَمَت الأمُّ ولدَهَا، وفَطَمتُ الرّجُلَ عن عادته. قال أبو نصرٍ صاحبُ الأصمعيّ: يقال فَطَمْتُ الحَبْلَ، إذا قطعتَه. قال: ومنه فِطام الأمِّ ولَدَها.‏

(فطن) الفاء والطاء والنون كلمةٌ واحدةٌ تدل على ذكاء وعلم بشيء. يقال: رجلٌ فَطِنٌ وفَطُنٌ، وهي الفِطْنَة والفَطَانة(1) .‏

(فطأ) الفاء والطاء والهمزة كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على تطامُنٍ. يقال للرَّجُل الأفطس: الأفْطَأ. ويقولون: فَطِئَ البعيرُ، إذا تطامَنَ ظهره خِلْقةً.‏

(فطح) الفاء والطاء والحاء كلمة واحدة. يقولون: فَطَّحْتُ العود وغيرَه، إذا عرَّضْتَه. وهو مُفَطَّح. ورأسٌ مفطَّح: عريض.‏

(فطر) الفاء والطاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على فَتْح شيء وإبرازهِ. من ذلك الفِطْرُ من الصَّوم. يقال: أفْطَرَ إفطاراً. وقومٌ فِطْرٌ(2) أي مُفْطِرُون. ومنه الفَطْر، بفتح الفاء، وهو مصدرُ فطَرْتُ الشاةَ فَطراً، إذا حَلبْتَها. ويقولون: الفَطْر يكون الحلبَ بإصبعَين. والفِطْرَة: [الخِلْقة(3) ].‏

(فطس) الفاء والطاء والسين. فيه الفَطَس في الأنف: انفِراشُه. وفِطِّيسَةُ الخنزير: أنْفُه. والفِطِّيس: المِطْرَقة، ولعلَّها سمِّيت بذلك لأنَّها يُكسَرُ بها الشيء، ويتطامَن(4) . ويقولون: فَطَسَ: مات. ويقولون: الفَطْسَة: خَرزَة يُؤَخَّذ بها.‏

ـــــــــــــــــ

(1) في الأصل: "والفطنة". ومن أخوات هذه المصادر الفطن مثلثة، وبالتحريك، وبضمتين ومنها الفطونة والفطانية.‏

(2) يقال للواحد والجميع.‏

(3) التكملة من المجمل.‏

(4) في الأصل: "وتطامن".‏

 


ـ (باب الفاء والظاء وما يثلثهما)

(فظع) الفاء والظاء والعين كلمةٌ واحدة. أَفْظَع الأمرُ وفَظُع: اشتدَّ. وهو مُفْظِعٌ وفظيع. والله أعلم.‏

 

ـ (باب الفاء والعين وما يثلثهما)

(فعل) الفاء العين واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على إحداث شيء من عملٍ وغيره. من ذلك: فَعَلْتُ كذا أفعلُه فَعْلا. وكانت مِن فُلانٍ فَعْلةٌ حَسَنَةٌ أو قبيحة. والفِعَال جمع فِعْل. والفَعَال، بفتح الفاء: الكَرَم وما يُفْعَل من حَسَن.‏

وبقيت كلمةٌ ما أدري كيف صحّتها. يقولون: الفِعَال: خَشَبة الفأس.‏

(فعم) الفاء والعين والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على اتِّساعٍ وامتلاء. فالفَعْم: الملآن. فَعُم يَفْعُم فَعامةً وفُعُومة. وامرأةٌ فَعْمة السَّاقَين، إذا امتلأت ساقُها لحماً وأفعمْتُ الشَّيءَ: ملأته.‏

(فعي) الفاء والعين والحرف المعتلّ كلمة واحدة، وهي الأفعَى: حيَّة [وحَكى ناسٌ: تفعَّى الرّجل، إذا ساءَ(1) ] خُلقُه، مشتقٌّ من الأفعى. والله أعلم.‏

ـــــــــــــــــــ

(1) التكملة من المجمل.‏

 

ـ (باب الفاء والغين وما يثلثهما)

(فغم) الفاء والغين والميم كلمتان، إحداهما تدلُّ على فَتْح شيء أو تفتُّحه، ولا يكون إلاّ طيّباً. والأخرى تدلُّ على الوَلُوع بالشَّيء. فالأُولى: فَغَمَ الوردُ: تفتَّح. والرِّيح الطيِّبةُ تَفْغَم، أي تصير في الأنف تَفتح السُّدَّة. وأفْغَمَ المِسكُ المكانَ: ملأه برائحته.‏

والكلمة الأخرى: فَغِم بكذا: أُولِعَ به وحَرَصَ عليه. قال الأعشى:‏

[تؤمُّ ديارَ بنِي عامرٍ‏  *** وأنتَ بآل عَقيلٍ فَغِمْ(1) ]

(فغي) الفاء والغين والحرف المعتلّ كلمةٌ واحدة. يقولون: الفاغِيَة: نَوْر الحِنَّاء. يقال: أَفْغى، إذا أخْرَجَ فاغِيَتَه. ويقولون: الفَغَا: فَسَادٌ في البُرِّ.‏

(فغر) الفاء والغين والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على فتْح وانفتاح. من ذلك: فَغر الرجلُ فاه: فتَحَه. وفَغر فوهُ، إذا انفتح. وانفغَر النَّوْرُ: تفتَّح. والفاغرة: ضربٌ من الطِّيب. ويقال: إنَّ المَفغَرة: الأرضُ الواسعة.‏

ــــــــــــ

(1) البيت ساقط من الأصل، وإثباته من الديوان 30 واللسان (فغم). وأنشد عجزه في المجمل بدون نسبة.‏

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله فاء)

من ذلك (الفَرْزدقة): القِطعة من العجين. هذه كلمةٌ منحوتة من كلمتين(1)، من فَرَزَ ومن دَقَّ، لأنَّه دقيقٌ عُجِنَ(2) ثم أُفرِزَت منه قطعة، فهي من الفَرْز والدَّقّ.‏

ومن ذلك (الفَرقَعة): تنقيضُ الأصابع. وهذا ممَّا زيدت فيه الراء، وأصله فَقَع، وقد ذكر.‏

ومن ذلك قولهم (افْرَنقَعوا)، إذا تنحَّوا. وهي كلمةٌ منحوتة من فَرَق وفقَع، لأنَّهم يتفرَّقون فيكونُ لهم عند ذلك فَقْعةٌ وحَرَكة.‏

ومن ذلك قولهم (الفِرْشِطُ) و(الفِرشاط(3)): الواسع. وهذا مما زيدت فيه الطاء، والأصل فَرَش؛ ويكون ذلك من فرشت الشَّيء. ومن هذا الباب (فَرْشَط) البعير، لأنه ينفرِش ويَنْبَسِط.‏

ومن ذلك (الفَلْقَم): الواسع. وهذا من كلمتين: من فَلَق ولَقِم، كأنّه من سَعته يلْقَم الأشياء. والفَلْق: الفتح.‏

وقد ذكروا من ذلك (الفَلْحَس) الرَّجل الحريص والكلب الفَلْحَس(4) وهذا مما زيدت فيه الفاء، والأصل لَحِسَ كأنَّه من حرصه يَلْحَس الأشياء لحساً. والفلْحَس: المرأة الرسحاء، كأنَّ اللحم منها قد لُحِس حتَّى ذهب.‏

ومن ذلك (الفُرهُد): الحادر الغليظ. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من فَرِه ورَهَد. فالفَرَه: كثرة اللحم، والرَّهَد(5) : استرخاؤُه.‏

ومن ذلك (الفَرْشَحة)، وهو أن يفرِّج الإنسانُ بين رجلَيه ويُباعدَ إحداهما من الأُخرى، وهو المنهيُّ عنه في الصلاة. وهذا من كلمتين: من فَرَشَ وفَسَح، وقد مرَّ تفسيرُها.‏

ومن ذلك قولُهم: لقيت منه (الفُِـَتَكْرِينَ)، وهي الشَّدائد. وهذا من الفتك، وسائره زائد.‏

ومن ذلك (الفَدْغَم): الرجل العظيم الخَلْق، والميم فيه زائدة، وكأنَّه يَفْدَغ بخَلْقِه الأشياءَ فَدْغاً.‏

ومما وُضِع وضعاً ولعلّ لـه قياساً لا نعلمُه (الفَرْقد): ولدُ البَقَرة. و(الفَرقدانِ) : نجمان. و(فَقْعَسٌ) : حيٌّ من الأسَد(6) . و(الفِطَحْل) : زمنٌ لم يُخلَق الناس [فيه(7) ] بَعد. و(الفَلَنْقَس): الذي أُمُّه عربيّةٌ وأبوه عجَميّ. باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله فاء‏

و(الفِرصاد) : التُّوت. و(الفِرنِب) الفأرة(8). ويقولون:(الفُرْطُوم) : منقار الخُفّ. يقال خَفٌّ مُفَرْطَم. وأمّا قوله:‏

* عَكْفَ النَّبيط يَلعبون الفَنْزَجا(9) *‏

فيقال إنَّه فارسيٌّ(10) وإنَّه الدَّسْتَبَنْد(11) . و(الفُرْعُل) : ولد الضَّبُع على ما قالُوا، من كلام العرب، والله أعلم.‏

(تم كتاب الفاء والله أعلم بالصَّواب) .‏

ـــــــــــــــــــــ

(1) كذا. والحق أن الكلمة معربة من الفارسية "برازده". انظر اللسان ومعجم استينجاس 239، إذا فسرها بقوله:(Lump of dough) . أي كتلة أو قطعة أو قرص من العجين.‏

(2) في الأصل: "عجين".‏

(3) الكلمة وسابقتها لم تردا في اللسان. وفي القاموس: "فرشط: قعد ففتح ما بين رجليه، وهو فرشط كزبرج وقرطاس".‏

(4) الذي في المجمل: "ويقال للكب فلحس".‏

(5) هذا المصدر مما لم يرد في المعاجم المتداولة.‏

(6) يقال أسد، والأسد. انظر اللسان. وفي المجمل: "حي من أسد".‏

(7)التكملة من اللسان.‏

(8) أنشد شاهداً له في اللسان:‏

كضيون دب إلى فرنب  *** يدب بالليل إلى جاره‏

(9) للعجاج في ديوانه 8 واللسان (فنزج) والمعرب للجواليقي 237 وأدب الكاتب 377.‏

(10) قالوا: هو معرب "بنجكان".‏

(11) في الألفاظ الفارسية المعربة لأدي شير 63: "الدستبند لعبة المجوس يدورون وقد أمسك بعضهم يد بعض كالرقص، مركب من دست، أي بند، ومن بند، أي رباط".‏

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق