السبت، 10 ديسمبر 2022

علم المعانى والبديع


علم المعانى : القصر
(القصر) هو الحصر والحبس لغة، قال تعالى: (حور مقصورات في الخيام)(1).
واصطلاحاً هو: تخصيص شيء بشيء، والشيء الاول هو المقصور، والشيء الثاني هو المقصور عليه.
فلو قلت: (وما محمد الا رسول)(2) قصرت محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرسالة، بمعنى: انه ليس بشاعر، ولا كاهن، ولا إله لايموت... فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مقصور، والرسالة مقصور عليها.
ولو قلت: (ما الرسول في آخر الزمان إلا محمد صلى الله عليه وآله وسلم) قصرت الرسالة في آخر الزمان على محمد ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)، بمعنى: أن (مسيلمة) و(سجاح) ومن لف لفهم، ليسوا بمرسلين، فالرسالة مقصورة ومحمد مقصور عليها.
طرق القصر
وللقصر طرق كثيرة: كالاتيان بلفظ (فقط) أو (وحده) أو (لاغير) أو (ليس غير) أو توسّط ضمير الفصل، أو تعريف المسند إليه، أو لفظ (القصر) أو (الاختصاص) أو ما يشتق منهما.. أو نحوها ممّا عدّها بعضهم الى أربعة عشر طريقاً.
لكن الاشهر المتداول في كلام العلماء أربعة:
1 ـ القصر بالنفي والاستثناء، قال تعالى: (وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرُسُل)(3).
2 ـ القصر بـ (انّما)، قال تعالى: (إنَّما يخشى الله من عباده العلماء)(4).
3 ـ القصر بحروف العطف: (لا) و(بل) (ولكن) كقوله:
عمر الفتى ذكره لا طول مدّته وموته خزيه لا يومه الدانـي
وقوله: (ما الفخر بالنسب بل بالتقوى).
4 ـ القصر بتقديم ما حقه التأخير، قال تعالى: (ايّاك نعبد وايّاك نستعين)(5).
ثم ان المقصور عليه في الاول: هو المذكور بعد أداة الاستثناء، كالرسالة.
وفي الثاني: هو المذكور في آخر الجملة، كالعلماء.
وفي الثالث: هو المذكور ما قبل (لا) وهو: ذكره، وخزيه، والمقابل لما بعدها كقوله: (الفخر بالعلم لا بالمال) والمذكور ما بعد (بل) و(لكن) وهو: بالتقوى، وبالأدب.
وفي الرابع: هو المذكور مقدّماً، كـ (ايّاك).
أمور ترتبط بالقصر
هنا أمور ترتبط بالقصر:
1 ـ القصر يحدّد المعاني تحديداً كاملاً، ولذا كثيراُ ما يستفاد منه في التعريفات العلمية وغيرها.
2 ـ القصر من ضروب الايجاز وهو من أهم أركان البلاغة، فجملة القصر تقوم مقام جملتين: مثبتة ومنفية.
3 ـ يفهم من (انما) حكمان: اثبات للشيء والنفي عن غيره دفعة واحدة، بينما يفهم من العطف الإثبات أوّلاً والنفي ثانياً، أو بالعكس، ففي المثال السابق: الخشية للعلماء دون غيرهم، والفخر للتقوى لا للنسب، مع وضوح الدفعة في الاوّل، والترتّب في الثاني.
4 ـ في النفي والإستثناء يكون النفي بغير (ما) أيضاً، قال تعالى: (إنْ هذا إلاّ ملك كريم)(6).
ويكون الاستثناء بغير (الا) أيضاً، كقوله:
لم يبق سواك نلوذ به مـما نخشاه من المحن
5 ـ يشترط في كل من (بل) و(لكن) ان تسبق بنفي أو نهي، وأن يكون المعطوف بهما مفرداً، وأن لا تقترن (لكن) بالواو، وفي (لا) أن تسبق بإثبات وأن يكون معطوفها مفرداً وغير داخل في عموم ما قبلها.
6 ـ يدلّ التقديم على القصر بالذوق، بينما الثلاثة الباقية تدلّ على القصر بالوضع أعني: (الادوات).
7 ـ سبق أنّ الاصل هو أن يتأخّر المعمول عن عامله إلاّ لضرورة، أهمّها إفادة القصر، فإنّ من تتبع كلام البلغاء في تقديم ما من حقّه التأخير، وجدهم يريدون به القصر والتخصيص عادة.
أقسام القصر
للقصر قسمان:

1 ـ حقيقي: وهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه بحسب الحقيقة والواقع، نحو (لا إله إلا الله)(7).
2 ـ اضافي: وهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه لا حقيقة بل بالقياس إلى شيء آخر معيّن، كقول الحطّاب لزميله: (لايوجد في الصحراء إلا حطباً رطباً) فإن النفي ليس لكل شيء حتى الانسان والحيوان، وانما للحطب اليابس.
وينقسم القصر الاضافي الى ثلاثة أقسام:
الاول: قصر الأفراد، وذلك فيما اعتقد المخاطب الشركة، قال تعالى: (إنّما الله إله واحد)(8) رداً على من زعم التعدّد.
الثاني: قصر القلب، وذلك فيما اعتقد المخاطب عكس الواقع، كقوله: (وليس النبيّ سوى أحمد...) رداً لأتباع (مسيلمة) و(سجاح).
الثالث: قصر التعيين، وذلك فيما تردّد المخاطب كقوله: (ولم يك للحوض إلا عليّ عليه السلام) لمن تردّد.
وينقسم القصر ـ أعم من الحقيقي والاضافي ـ إلى:
1 ـ قصر الموصوف على الصفة، كما تقدّم في قوله تعالى: (وما محمّد إلاّ رسول)(9). حيث قصر محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرسالة.
2 - قصر الصفة على الموصوف، كما نقدّم في قوله تعالى: (إياك نعبُد)(10) حيث قصر العبادة في الله تعالى، فلا نعبد سواه.
1 ـ الرحمن: 72.
2 ـ آل عمران:144.
3 ـ آل عمران:144.
4 ـ فاطر: 28.
5 ـ الفاتحة: 5.
6 ـ يوسف: 31.
7 ـ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): 19.
8 ـ النساء: 171.
9 ـ آل عمران: 144.
10 ـ الفاتحة: 5.
=======
علم المعانى : الوصل والفصل
(الوصل): عطف جملة على اُخرى بالواو.
و(الفصل): الإتيان بالجملة الثانية بدون العطف.
فمن الوصل قوله تعالى: (يا أيُّها الذين آمنوا اتَّقوا الله وكونوا مع الصادقين)(1).
ومن الفصل قوله تعالى: (ولاتستوي الحسنة ولا السيّئة ادفع بالّتي هي أحسن)(2).
والبلاغة في الوصل أن تكون بالواو، دون سائر العواطف.
ويشترط في العطف بالواو وجود الجامع الحقيقي بين طرفي الاسناد، أو الجامع الذهني.
فالحقيقي نحو: (يقرأ زيد ويقرأ عمرو) فإن القراءة والكتابة متوافقتان، وزيد وعمرو كذلك.
والذهني نحو: (بخل خالد وكرم بكر) فإن االمتضادّين كالبخل والكرم بينهما جامع ذهني، لانتقال الذهن من أحدهما إلى الآخر.
ولا يجوز(3) أن يقال: ( جاء محمد وذهبت الريح) لعدم الجامع بين محمد والريح، ولا: (قال علي وصاح معاوية) لعدم الجامع بين القول والصياح ـ كذا قالوا ـ.
موارد الوصل
ويقع الوصل في ثلاثة مواضع:
1 ـ إذا اتّحدت الجملتان في الخبرية والإنشائية، لفظاً ومعنىً، أو معنى فقط، مع المناسبة بينهما، وعدم مقتضى الفصل.
فالخبريتان نحو قوله تعالى: (إنّ الابرار لفي نعيم وإنَّ الفجّار لفي جحيم)(4).
والإنشائيتان نحو قوله سبحانه: (واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئاً)(5).
والمختلفتان نحو قوله تعالى: (إنّي اُشهد الله واشهدوا أنّي بريء ممّا تُشرِكون)(6).
فالجملة الثانية وإن كانت انشائية لفظاً، لكنها خبرية معنى.
2 ـ دفع توهّم غير المراد، فإنه إذا اختلفت الجملتان خبراً وإنشاءاً، ولكن كان الفصل موهم خلاف المراد وجب الوصل، كقولك في جواب من قال: (هل جاء زيد): (لا، وأصلحك الله) فإنك لو قلت: (لاأصلحك الله) توهّم الدعاء عليه، والحال أنك تريد الدعاء له.
3 ـ أذا كان للجملة الاولى محل من الاعراب، وقصد مشاركة الثانية لها، قال تعالى: (إنّ الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله)(7) حيث قُصد اشتراك (يصدّون) لـ (كفروا) في جعله صلة.
موارد الفصل
الأصل في الجمل المتناسقة المتتالية أن تعطف بالواو، تنظيماً للّفظ، لكن قد يعرض ما يوجب الفصل، وهي أمور:
1 ـ أن تكون بين الجملتين اتّحاد تامّ، حتى كأنهما شيء واحد، والشيء لا يعطف على نفسه، قال تعالى: (أمدكم بما تعلمون أمدّكم بأموال وبنين)(8).
2 ـ أن تكون الجملة الثانية لرفع الإبهام في الجملة الاولى، قال تعالى: (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدُلّك على شجرة الخلد)(9).
3 ـ أن تكون الجملة الثانية مؤكدة للأولى، قال تعالى: (وما هم بمؤمنين يخادعون الله)(10).
وهذه الموارد الثلاثة تسمى لما يكون بين الجملتين فيها من الإتّحاد التام بـ: كما الاتصال.
4 ـ أن يكون بين الجملتين اختلاف تامّ في الخبر والإنشاء أو اللفظ والمعنى، أو المعنى فقط، قال الشاعر: (وقال رائدهم: اُرسوا نُزاولها...).
5 ـ أن لايكون بين الجملتين مناسبة في المعنى ولا ارتباط، بل كل منهما مستقل، كقوله:
انّما المرء بأصــغريه كلّ امرىء رهن بما لديه
وهذان الموردان يسميان لما بين الجملتين من الاختلاف التامّ بـ: كمال الانقطاع.
6 ـ أن يكون بينهما شبه كمال الإتصال، بأن تكون الجملة الثانية واقعة في جواب سؤال يفهم من الجملة الاولى، فتفصل عن الاولى كما يفصل الجواب عن السؤال، قال تعالى: (وما اُبرّىءُ نفسي إنَّ النفسَ لأمّارة بالسوء)(11).
7 ـ أن يكون بينهما شبه كمال الإنقطاع، بأن تسبق الجملة جملتان، بينهما وبين الاولى مناسبة، ويفسد المعنى لو عطفت على الثانية، فيترك العطف، دفعاً لتوهّم كونها معطوفة على الثانية، كقوله:
وتظنّ سلمى أنّني أبغي بها بدلاً، أراها في الضلال تهيم
فـ(أراها) يفسد لو عطف على مظنون سلمى ولذا يترك العطف.
8 ـ أن تكون الجملتان متوسطة بين الكمالين مع قيام المانع من العطف، بأن تكون بينهما رابطة قوية، ولكن منع من العطف مانع: وهو عدم قصد التشريك في الحكم، قال تعالى: (وإذا خلوا الى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنَّما نحن مستهزِءون الله يستهزىء بهم)(12).
فجملة (الله يستهزىء بهم) لايصح عطفها على جملة (إنّا معكم) لاقتضاء العطف أنه من مقول المنافقين، والحال أنه دعاء عليهم من الله.
كما أنه لا يصح عطفها على جملة (قالوا) لاقتضاء العطف مشاركتها لها في التقييد بالظرف، وان استهزاء الله بهم مقيّد بحال خلوّهم إلى شياطينهم، والحال أن استهزاء الله غير مقيّد بهذه الحال، ولذا يلزم الفصل دون الوصل.
واعلم: أن مباحث هذا الباب مغلقة كثيرة، والبسط في المطوّلات.
1 ـ التوبة: 119.
2 ـ فصّلت: 34.
3 ـ أي لايكون من البلاغة.
4 ـ الانفطار: 13ـ14.
5 ـ النساء: 36.
6 ـ هود: 54.
7 ـ الحج: 25.
8 ـ الشعراء: 132-133.
9 ـ طه: 120.
10 ـ البقرة: 8-9.
11 ـ يوسف: 53.
12 ـ البقرة: 14 ـ 15.
=========
علم المعانى : الإيجاز والإطناب والمساواة
(الايجاز): هو وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ أقل، مع وفائها بالغرض المقصود ورعاية الإبانة والإفصاح فيها.
و (الإطناب): زيادة اللفظ على المعنى لفائدة.
و (المساواة): تساوي اللفظ والمعنى، فيما لم يكن داع للإيجاز والاطناب.
كما أنه إذا لم تف العبارة بالغرض سمّي: (إخلالاً).
وإذا زاد على الغرض بدون داع سمّي: (تطويلاً)
فمثال الإيجاز، قوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)(1).
ومثال الاطناب، قوله تعالى: (قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهشّ بها على غنمي ولي فيها مآرب اُخرى)(2).
ومثال المساواة، قوله تعالى: (وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه...)(3).
ومثال الإخلاء، قول اليشكري:
والعيش خير في الــظلا ل النوك ممّـن عـاش كدّاً
أراد: أن العيش الرغد حال الحمق، أفضل من العيش النكد في ظلال العقل، وهذا إخلال.
ومثال التطويل، قول ابن مالك:
كذا إذا عاد عليه مضمر ممـــا به عنه مبيناً يخبر
أقسام الإيجاز
ثم انّ الايجاز على قسمين:
1 ـ ايجاز القصر، ويسمّى ايجاز البلاغة، وذلك بأن يتضمن الكلام المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة من غير حذف، كقوله تعالى: (وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً)(4) فإنّ مقتضى الكرامة في كل مقام شيء، ففي مقام الإعراض: الإعراض، وفي مقام النهي: النهي، وفي مقام النصح: النصح، وهكذا.. وهكذا..
2 ـ ايجاز الحذف، وذلك بأن يحذف شيء من العبارة، لايخل بالفهم، مع وجود قرينة.
وقد حصروا الحذف في اثني عشر شيئاً:
1 ـ الحرف، قال تعالى: (ولم أك بغيّاً)(5) أي: ولم أكن.
2 ـ الإسم المضاف، قال تعالى: (وجاهدوا في الله حقّ جهاده)(6) أي: في سبيل الله.
3 ـ الاسم المضاف إليه، قال تعالى: (وأتممناها بعشر)(7) أي: بعشر ليال.
4 ـ الاسم الموصوف، قال تعالى: (ومن تاب وعمل صالحاً)(8) أي: عملاً صالحاً.
5 ـ الإسم الصفة، قال تعالى: (فزادتهم رجساً إلى رجسهم)(9) أي: مضافاً إلى رجسهم.
6 ـ الشرط، قال تعالى: (فاتَّبعوني يُحبِبكم الله)(10) أي: فإن اتَّبعتموني يحببكم.
7 ـ جواب الشرط، قال تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على النار)(11) أي: لرأيت أمراً عظيماً.
8 ـ المسند، قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولنّ الله )(12) أي: خلقهنّ الله.
9 ـ المسند اليه، كقوله: (قال لي كيف أنت؟ قلت: عليل) أي: أنا عليل.
10 ـ المتعلّق، قال تعالى: (لايُسئل عمّا يفعل وهم يُسئلون)(13) أي عمّا يفعلون.
11 ـ الجملة، قال تعالى: (كان الناس اُمَّة واحدةً فبعث الله النبييّن)(14) أي: فاختلفوا.
12 ـ الجمل، قال تعالى: (فأرسلون، يوسف أيّها الصدّيق)(15) أي فأرسلوني الى يوسف لأ قصّ عليه الرؤيا وأستعبره عنها، فأتاه، وقال: (يوسف...).
دواعي الإيجاز
ثمّ أنّ دواعي الإيجاز كثيرة نشير الى بعضها:
1 ـ الإختصار.
2 ـ تحصيل المعنى باللّفظ اليسير.
3 ـ تقريب الفهم.
4 ـ تسهيل الحفظ
5 ـ ضيق المقام.
6 ـ الضجر والسآمة.
7 ـ إخفاء الامر على غير السامع، وغير ذلك.
مواقع الايجاز
ثمّ انّ مواقع الإيجاز الّتي يستحسن فيها كثيرة نذكر بعضاً منها:
1 ـ الشكر على النعم.
2 ـ الإعتذار.
3 ـ الوعد.
4 ـ الوعيد
5 ـ العتاب.
6 ـ التوبيخ.
7 ـ التعزية.
8 ـ شكوى الحال.
9 ـ الاستعطاف.
10 ـ أوامر الملوك ونواهيهم.
أقسام الزيادة
ينقسم الزائد على أصل المراد إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ الإطناب، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر منه لغرض مّا، كما تقدَّم.
2 ـ التطويل، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة في الكلام غير متعيّنة نحو قول العبادي:
وقدّدت الأديم لراهِشيه وألفى قولها كذباً ومَينا
فإن (الكذب) و(المين) يمعنى واحد، ولا يتعيّن الزائد منها، لصلاحية كل منهما لذلك.
3 - الحشو، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة متعيّنة في الكلام غير مفسدة للمعنى نحو قول الشاعر:
واعلم علم الــيوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غدٍ عمي
فإنّ كلمة (قبله) زائدة لوضوح ان الامس قبل اليوم.
أقسام الإطناب
وللإطناب أقسام كثيرة:
1 ـ ذكر الخاص بعد العام، قال تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى)(16).
2 ـ ذكر العام بعد الخاص، قال تعالى: (ربَّ اغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات)(17).
3 ـ توضيح الكلام المبهم بما يفسِّره، قال تعالى: (وقضينا اليه ذلك الأمر انّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين)(18).
4 ـ التوشيع، وهو أن يؤتى بمثنى يفسّره مفردان، كقوله (عليه السلام): العلم علمان: (علم الاديان وعلم الابدان)(19).
5 ـ التكرير وهو ذكر الجملة أو الكلمة مرّتين أو ثلاث مرّات فصاعداً، لاغراض:
أ - للتأكيد، كقوله تعالى: (كلاّ سوف تعلمون ثمّ كلاّ سوف تعلمون)(20).
ب - لتناسق الـــكلام، فـــلا يضره طــــول الفصل، قـــال تعالى: (إنّي رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)(21) بتكرير (رأيت) لئلا يضرّه طول الفصل.
ج - للإستيعاب، كقوله: (ألا فادخلوا رجلاً رجلاً...).
د - لزيادة الترغيب في شيء، كالعفو في قوله تعالى: (إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وأن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفور رحيم)(22).
هـ - لاستمالة المخاطب في قبول العظة، كقوله تعالى: (وقال الذي آمن يا قوم اتّبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم انما هذه الحياة الدنيا متاع وانّ الآخرة هي دار القرار)(23) بتكرير (يا قوم).
و - للتنويه بشأن المخاطب، كقوله: (علي رجل رجل رجل...).
ز - للترديد حثاً على شيء، كالسخاء في قوله:
قريب مـن الله السخيّ وأنـه قريب من الخير الكثير قريبّ
ح - للتلذّذ بذكره مكرّراً، كقوله:
علــي وصــي علــيّ رضــي علــــيّ تقــــــي علــيّ نقـــيّ
ط - للحث على الاجتناب، كقوله: (الحية الحية أهل الدار...).
ي - لإثارة الحزن في نفسه أو المخاطب، كقوله: (أيا مقتول ماذا كان جرمك أيا مقتول...).
ك - للإرشاد إلى الخير، كقوله تعالى: (أولى لك فأولى ثمَّ أولى لك فأولى)(24).
ل - للتهويل بالتكرير، كقوله تعالى: (الحاقّة ما الحاقّة وما أدراك ما الحاقة)(25).
6 - الاعتراض، بأن يؤتى في أثناء الكلام بجملة لبيان غرض من الاغراض، منها:
أ ـ الدعاء، كقوله:
ان الثمــــــــانين ـ وبُلّغتهــــــا ـ قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
ب - النداء، كقوله:
كـــان بــــرذون أبــا عصــــام ـ زيـــــد حمــــــار دق بـاللجــــام
ج - التنبيه على شيء، كفضيلة العلم، في قوله:
واعلم ـ فعلم المرء ينفعه ـ ان سوف يأتي كل ما قُدرا
د - التنزيه، قال تعالى: (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون)(26).
هـ ـ المبالغة في التأكيد، قال تعالى: (ووصَيّنا الإنسان بوالديه حملته أمّه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلىَّ المصير)(27).
و - الإستعطاف، كقوله:
ووجيب قلب لو رأيت لهيبه ياجـــنّتي لرأيت فيه جهنّما
ز - التهويل، قال تعالى: (وانّه لقسم لو تعلمون عظيم)(28).
7 - الايغال، بأن يختم الكلام بما يفيد نكتة يتم بدونها المعنى، قال تعالى: (ولله يرزق من يشاء بغير حساب)(29).
8 ـ التذييل، وهو أن يأتي بعد الجملة الاولى بجملة اُخرى تشتمل على معناها وذلك لأحد أمرين:
الأول: التأكيد، وهو إما تأكيد المنطوق، قال تعالى: (وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً)(30) وإما تأكيد المفهوم، كقوله:
ولست بمستبق أخـاً لاتلمـــــّه على شعث أيّ الرجال المهذب؟
فقد دلت الجملة الاولى بعدم وجود الرجل الكامل فأكّدها بالجملة الثانية: أي الرجال المهذّب؟
الثاني: التذييل، وهو إما يستقل بمعناه لجريانه مجرى المثل، كقوله:
كـــــلّكم أروغ مـــن ثــــــعلب مـــا أشبه الليلة بــالبارحـــــة
أو لا يستقل، لعدم جريانه مجرى المثل، كقوله:
لم يبق جودك لي شيئاً اُؤمّله تركتَني أصحب الدينا بــلا أمل
9- الإحتراس، وهو أن يأتي بكلام يوهم خلاف المقصود فيأتي بما يدفع الوهم، وهو على نحوين:
أ: انه قد يأتي به وسط الكلام، كقوله:
فسقى دياركِ غير مفسده صوبُ الربيع وديمة تهمي
فقد قال: (غيرمفسده) دفعاً لتوهّم الدعاء للمطر عامة حتى المفسد منه.
ب: وقد يأتي به آخر الكلام، كقوله:
حــليم إذا مــا الحكم زيّن أهله مع الحلم فــي عين العدو مَهيبُ
10 ـ التتميم، وهو زيادة مفعول أو حال أو نحوهما، ليزيد حسن الكلام، كقوله:
دعونا عليهم مــكرهين وإنـما دعاء الفتى المختار للحق أقرب
فـ (مكرهين) يزيد حسن الكلام كما لا يخفى.
11 - تقريب الشيء المستبعد وتأكيده لدى السامع نحو قوله: (رأيته بعيني يفعل كذا) و(سمعته بأذني يقول كذا).
12 - الدلالة على الشمول والإحاطة، قال تعالى: (فخرّ عليهم السقف من فوقهم)(31) فإنّ السقف لا يخرّ إلاّ من فوق، لكن بذكره (من فوقهم) دلّ على الشمول والإحاطة.
موارد الإطناب
وهناك موارد يستحسن فيها الإطناب، منها:
1 ـ الصلح بين الأفراد، أو الجماعات، أو العشائر.
2 ـ التهنئة بالشيء.
3 ـ المدح والثناء على أحد.
4 ـ الذمّ والهجاء لاحد.
5 ـ الوعظ والإرشاد.
6 ـ الخطابة في أمر من الامور العامّة.
7 ـ رسائل الولاة إلى الرؤساء والملوك.
8 ـ منشورات الرؤساء إلى الشعب.
أقسام المساواة
(المساواة) هي الأصل في تأدية المعنى المراد، فلا تحتاج إلى علّة، واللازم الإتيان بها حيث لا توجد دواعي الايجاز والإطناب، وهي على قسمين:
1 ـ المساواة مع رعاية الاختصار، وذلك بتأدية المراد في ألفاظ قليلة الاحرف كثيرة المعنى، نحو قوله تعالى: (هل جزاء الاحسان إلا الإحسان)(32).
2 ـ المساواة من دون اختصار، وذلك بتأدية المعنى المراد بلا رعاية الإختصار، نحو قوله تعالى: (كلّ امرىء بما كسب رهين)(33) وقوله سبحانه: (وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله)(34) ونحو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (انّما الاعمال بالنيّات ولكلّ امرىء ما نوى)(35) فإن الكلام في هذه الامثلة لا يستغنى عن لفظ منه، ولو حذفنا منه ولو لفظاً واحداً لاختلّ معناه، وذلك لأنّ اللّفظ فيه على قدر المعنى لا ينقص عنه ولا يزيد عليه.
خاتمة المعاني
لا يخفى أنّ كلاً من الإيجاز والإطناب والمساواة يحتاج إليها في محلّه بحيث لا يسدّ أحدها مكان الآخر، وكذا بقيّة المباحث، والمرجّح في الجميع هو الذوق السليم.
كربلاء المقدّسة
محمّد بن المهدي الحسيني الشيرازي
1379هـ
1 ـ الاعراف: 199.
2 ـ طه: 4.
3 ـ الإسرار: 13.
4 ـ الفرقان: 72.
5 ـ مريم: 20.
6 ـ الحج: 78.
7 ـ الاعراف: 142.
8 ـ الفرقان: 71.
9 ـ التوبة: 125.
10 ـ آل عمران: 31.
11 ـ انعام: 27.
12 ـ لقمان: 25. زمر: 38.
13 ـ الانبياء: 23.
14 ـ البقرة: 213.
15 ـ يوسف: 45 ـ 46.
16 ـ البقرة: 238.
17 ـ نوح: 28.
18 ـ الحجر: 66.
19 ـ بحار الأنوار: 1/220 ب6ح52.
20 ـ التكاثر: 3-4.
21 ـ يوسف: 4.
22 التغابن: 14.
23 غافر: 38-39.
24 القيامة: 34-35.
25 الحاقة: 1-3.
26 النحل:57.
27 لقمان: 14.
28 الواقعة: 76.
29 النور: 38.
30 الاسراء: 81.
31 النحل: 26.
32 الرحمن: 60.
33 الطور: 21.
34 البقرة: 110.
35 مستدرك الوسائل: 1/90ب5ح57.
======
علم البيان : تعريف علم البيان وأركانه

(البيان) لغة: الكشف والظهور.
واصطلاحاً: اُصول وقواعد يُعرف بها ايراد المعنى الواحد بطرق متعدّدة وتراكيب متفاوتة: من الحقيقة والمجاز، والتشبيه والكناية..، مختلفة من حيث وضوح الدلالة على ذلك المعنى الواحد وعدم وضوح دلالتها عليه، فالتعبير عن (جود حاتم) ـ مثلاً ـ يمكن أن يكون بهذه الألفاظ: جواد، كثير الرماد، مهزول الفصيل، جبان الكلب، بحر لا ينضب، سحاب ممطر، وغيرها من التراكيب المختلفة في وضوح أو خفاء دلالتها على معنى الجود..
أركان علم البيان
ثم انه لّما اشتمل التعريف على ذكر الدلالة ولم تكن الدلالات الثلاث: المطابقيّة والتضمنّية والإلتزاميّة كلها قابلة للوضوح والخفاء، لزم التنبيه على ما هو المقصود، فإنّ المقصود منها هاهنا: هي الدلالة العقليّة للألفاظ، يعني: التضمنّية والإلتزاميّة، لجواز اختلاف مراتب الوضوح والخفاء فيهما، دون الدلالة الوضعيّة للألفاظ يعني: المطابقيّة، لعدم جواز اختلاف مراتب الوضوح في بعضها دون بعض مع علم السامع بوضوح تلك اللفاظ، وإلاّ لم يكن عالماً بوضعها، فتأمل.
ثم انّ اللّفظ إذا لم يرد منه ما وضع له من دلالته المطابقيّة، وانّما اُريد به دلالته العقلية من تضمّن أو التزام، فإن قامت قرينة على عدم إرادة ما وضع له فمجاز، وإن لم تقم قرينة على عدم إرادة ما وضع له فكناية، ومن المجاز ما يبتني على التشبيه، فيلزم التعرّض للتشبيه قبل التعرّض للمجاز والكناية، إذن: فعلم البيان يعتمد على أركان ثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية.
=====
علم البيان : التشبيه
(التشبيه) لغة: هو التمثيل، يقال: (هذا مثل هذا وشبهه).
واصطلاحاً: هو عقد مماثلة بين شيئين أو أكثر وارادة اشتراكهما في صفة أو أكثر بإحدى أدوات التشبيه لغرض يريده المتكلّم.
وفائدته: أن الصفة المراد اثباتها للموصوف، إذا كانت في شيء آخر أظهر، جعل التشبيه بينهما وسيلة لتوضيح الصفة، كما تقول: (زيد كالأسد) حيث تريد اثبات الشجاعة له، إذ هي في (الاسد) أظهر.
أركان التشبيه
وأركان التشبيه أربعة:
1 ـ المشبّه، كزيد.
2 ـ المشبّه به، كالأسد.
3 ـ وجه الشبه، كالشجاعة.
4 ـ أداة التشبيه ـ كالكاف ـ في قولك: (زيد كالأسد) وقد تحذف هذه، كما في (زيد أسد).
ثم ان الركنين الاوّلين: المشبّه والمشبّه به يسميّان بـ(طرفي التشبيه) أو (ركني التشبيه).
طرفا التشبيه وأقسامهما
وطرفا التشبيه على أربعة أقسام:
1 ـ الحسّيان: بأن يكونا مدركين بالحواسّ الخمس الظاهرة التي هي: (الباصرة، السامعة، الذائقة، اللامسة، الشامّة) نحو: (خدّك الورد ألّمته الرياح...).
2 ـ العقليان: بأن لم يكونا مدركين بالحواس الخمس، بل أدركا بالحواس الباطنية: وجدانيّاً كان، أم وهمياً، أم ذهنياً، نحو: (الجهل موت والعلم حياة..).
3 ـ المشبه به عقلي والمشبه حسّي، نحو: (الطبيب الجهول موت معجّل...).
4 ـ المشبه به حسّي والمشبه عقلي، نحو: (العلم كالنور يهدي كل من طلبه...).
طرفا التشبيه إفراداً وتركيباً
ينقسم (التشبيه) باعتبار طرفيه من حيث الإفراد والتركيب إلى أقسام أربعة:
1 ـ تشبيه مفرد:
أ ـ مطلقين كانا، نحو: (طالخدّ كالورد).
ب ـ أم مقيّدين، نحو: (العلم في الصغر كالنقش في الحجر).
ج - أم مختلفين، نحو: (ريقه كالشهد المصفّى) أو (الشهد المصفّى مثل ريقه).
2 - تشبيه مركّب بمركّب، كقوله:
كان سهيلاً والنجوم ورائه صفوف صلاة قام فيها إمامها
3 - تشبيه مفرد بمركّب، كقولها:
أغرّ أبلج تأتمّ الــهداة بـــه كـــأنه علـــــم فــي رأسه نار
4 ـ تشبيه مركّب بمفرد، كقوله:
وأسنانه البيض فــي فـمه تلوح لدى الضحوك كالاقحوان
طرفا التشبيه إذا تعدّدا
وينقسم (التشبيه) باعتبار طرفيه من حيث الإفراد والتركيب إلى أقسام أربعة:
1 ـ التشبيه الملفوف: بأن يجتمع مشبّهان أو أكثر معاً، ومشبه بهما أو أكثر معاً أيضاً، كقوله:
ليــــــل وبــــــــدر وغصــــن شعــــــر ووجـــــــه وقــــــــدّ
2 - التشبيه المفروق: بأن يجتمع كل مشبّه مع ما شبّه به، كقوله:
انما النفس كالزجاجة والعلــ ـــــــم سراج وحكمـة الله زيت
3 - تشبيه التسوية، بأن يتعدّد المشبّه دون المشبّه به، كقوله:
صــــــدغ الحبيـــب وحـالي كـــــــــلاهمــــــا كــــالليالــــــي
4 - تشبيه الجمع، بأن يتعدّد المشبه به دون المشبه، كقوله:
كأنمـــــا يبسم عـــن لـؤلؤ مـــــُنضّد أو بَــــــرَد أو اُقـــــاح
التشبيه باعتبار وجه الشبّه
ينقسم التشبيه باعتبار (وجه الشبه) الى ستة أقسام:
1 ـ تشبيه التمثيل، وهو ما كان وجه الشبه منتزعاً من متعدّد، كقوله:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يـــوافي تـــمام الشهر ثم يغيب
فشبّه الانسان في أدواره بالقمر في أطواره: هلالاً، وبدراً، ومحاقاً، فسرعة الفناء هو وجه الشبه المنتزع من أحوال القمر.
2 ـ تشبيه غير التمثيل، وهو ما لم يكن منتزعاً من متعدّد، نحو: (زيد كالاسد) فوجه الشبه الشجاعة وهو لم ينتزع من متعدّد.
3 ـ التشبيه المفصل، وهو ما ذكر فيه وجه الشبه أو ملزومه، كقوله:
يـــده كـــالسحب جـــوداً وإذا مــــا جـــاد أغـــرب
وكقوله للكلام الفصيح: (هو كالعسل حلاوة) فإنّ وجه الشبه فيه هو لازم الحلاوة وهو ميل الطبع، لا الحلاوة الّتي هي ملزوم لوجه الشبه.
4 ـ التشبيه المجمل، وهو مالم يذكر فيه وجه الشبه ولا ما يستلزمه، كقوله:
إنما الدنيا كبيت نسجته الــعنكبوت ولعمري عن قريب كلّ من فيها يموت
وكقوله: (هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها) أي: متساوون في الشرف.
5 ـ التشبيه القريب المبتذل، وهو ما كان وجه الشبه فيه واضحاً لا يحتاج إلى فكر وتأمل، كتشبيه الجود بالمطر، إلا أن يتصرّف المتكلّم فيه بحيث يخرجه عن الابتذال، كقوله:
لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا إلا بــــوجه لـــيس فـــيه حــياء
فإنّ تشبيه الوجه الحسن بالشمس مبتذل، إلا ان التصرّف فيه بإدخال الحياء أخرجه عن الابتزال.
6 ـ التشبيه البعيد الغريب، وهو ما كان وجه الشبه فيه يحتاج إلى فكر وتأمّل، كقوله:
والشمس كالمــرآة في يكف الاشل تمشي على السماء من غير وجل
فإن تموج النور حين طلوع الشمس وتشبيهه بالمرآة في اليد المرتعشة التي تتموّج انعكاساتها، يحتاج إلى فكر وتأمّل.
أقسام تشبيه التمثيل
ثم ان تشبيه التمثيل ينقسم إلى قسمين:
الاول: ما كان ظاهر الاداة، كقوله تعالى: (مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً)(1).
الثاني: ما كان خفيّ الأداة، كقولك للمتحيّر: (أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى) إذ الاصل: أراك في تردّدك، كمن يقدّم رجلاً، ثم يؤخّرها مرّة اُخرى.
وبما ذكرناه من أصل المعنى ارتفع الإشكال، بأن المتحيّر لايؤخّر رجلاً أخرى، وانما يؤخّر الرجل التي قدمّها، وظهرت الاداة المحذوفة وهي المكان الّتي اختفت في اللّفظ.
موارد تشبيه التمثيل
لتشبيه التمثيل موارد كالتالي:
1 ـ أن يأتي في مفتتح الكلام وصدر المقال، فيكون برهاناً مصاحباً فيفيد ايحاء المعنى إلى النفس مؤيّداً بالبرهان، وهذا في القرآن كثير، قال تعالى: (مثل الّذين يُنفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتتْ سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة)(2).
2 ـ أن يأتي بعد تمام المعنى واستيفاء الكلام، فيكون برهاناً عقيب الدعوى فيفيد اثباتها وتأكيدها، وهذا يكون لأحد أمرين:
أ ـ أنّه يكون دليلاً على امكان الدعوى كقوله:
وما أنا منهم بالعيش فيهم ولـــكن مـعدن الذهب الرُّغامُ
ادعى أنه مع اقامته فيهم ليس منهم، وهذا يبدو مستحيلاً عادةً، فاستدلّ له بهذا المثل وهو: أنّ الذهب مقامه في التراب وهو غيره ليدفع به ما ظهر مستحيلاً.
ب ـ أنّه يكون تأييداً للمعنى الثابت في الدعوى، كقوله:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها انّ السفينة لا تــجري علــى اليُبس
أدوات التشبيه
أدوات التشبيه ألفاظ تدل على المماثلة، وهي على أقسام:
1 ـ أن تكون حرفاً، كـ (الكاف) و(كانَّ).
2 ـ أن تكون اسماً، كـ (مثل) و(شبه).
3 ـ أن تكون فعلاً كـ (يحكي) و(يضاهى).
وهي قد يلفظ بها، نحو: (زيد كالاسد).
وقد لايلفظ بها، نحو: (أخلاقه ماء زلال...).
والغالب في (الكاف) و(مثل) و(شبه) ونحوها، أن يليها المشبه به لفظاً نحو (زيد كالأسد) أو تقديراً نحو قوله تعالى: (أو كصيّب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق)(3) فإنه بتقدير: أو كمَثَل ذوي صيّب.
كما أن الغالب في (كأنّ) و(شابه) و(ماثل) ونحوها، أن يليها المشبّه، نحو قوله: (كأنّ زيد أسد).
التشبيه باعتبار أداته
وينقسم (التشبيه) باعتبار أداته إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ التشبيه المرسل، وهو ما ذكرت فيه الاداة، وتسميته بالمرسل، لإرساله عن التأكيد، نحو:
ألا إنما الدنيا كمنزل راكــــب أناخ عشيّاً وهو في الصبح يرحل
2 ـ التشبيه المؤكّد، وهو ما حذفت منه أداة التشبيه، كقوله:
إنــما الدنيا أبو دلف بـين باديه ومحتضره
فــــإذا ولّى أبو دلف ولّت الدنيا علـى أثره
ويسمى (مؤكّداً) لإيهامه أن المشّبه عين المشبّه به.
3 ـ التشبيه البليغ، وهو ما حذف فيه أداة التشبيه ووجه الشبه، ويسمّى بليغاً، لبلوغه نهاية الحسن والقبول، لقوّة المبالغة في التشبيه، حتى يظن أن المشبه هو المشبه به، كقوله:
فاقضوا مآربكم عجالاً انما أعماركم سفر من الاسفار
فوائد التشبيه
للتشبيه فوائد تعود في الأغلب إلى المشبّه وهي:
1 ـ بيان حال المشبّه وأنّه على أيّ وصف من الاوصاف، كقوله:
اذا قامـت لحاجتها تثنت كأن عظامها من خَيزُران
وهذا القسم يكثر في العلوم، لإفادة حال المشبّه وبيانه.
2 ـ بيان امكان حال المشبّه، إذا أسند اليه أمر مستغرب، لاتزول غرابته الاّ بالتشبيه واثبات أن مثله واقع، كقوله:
انقلاب القوم بعد المصطفى مــثل هـــود قلّبوا بعد الكلم
3 ـ بيان مقدار حال المشبّه في القوّة والضعف، والزيادة والنقصان، كقوله:
كأنّ مشيتها مـــن بيت جارتها مــرُّ السحائب لاريث ولا عجل
4 ـ تقرير حال المشبّه وتقوية شأنه لدى السامع حتّى يهتمّ به، كقوله:
إن القـــلوب إذا تنافــر وُدُّهــا مــثل الــزجاجة كسرها لايّجبر
5 ـ بيان امكان وجود المشبّه، إذا بدى في نظر السامع مستحيلاً، كقوله:
حـــنين الـجذع عند فراق طه كــما يــتكلّم الشجـــر الــــــكليم
6 ـ قصد مدح المشبّه بما يزيّنه ويعظمه لدى السامع، كقوله:
كأنّك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لــم يبد منهنّ كــوكب
7 ـ قصد ذمّ المشبّه بما يقبّحه ويحقّره، كقوله:
وإذا أشار مـــحدّثاً فـــكأنــّه قــــرد يقهقـــه أو عـجوز تلطـم
8 ـ بيان طرافة المسبّه بما هو طريف غير مألوف للذهن، كقوله:
وكأنّ محمّر الشقيق إذا تصوّب أو تصعّد أعلام ياقوت نشرن على رماح زبرجد
التشبيه باعتبار الغرض
ينقسم (التشبيه) باعتبار الغرض المقصود منه، الى قسمين:
1 ـ مقبول، يفي بالغرض المقصود، كما في الامثلة السابقة.
2 ـ مردود، لا يفي ببه، وذلك فيما اذا كان المشبّه به أخفى من المشبّه في وجه الشبه، أو لم يكن بينهما شبه، كقوله (كان خورنقاً دار الكشاجم...).
من تقسيمات التشبيه
ثم إنه ينقسم (التشبيه) باعتبار تعارفه وعدم تعارفه إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ التشبيه الصريح، وهو ما تقدّم من التشبيه المتعارف، مما ليس بضمني ولا مقلوب.
2 ـ التشبيه الضمي، بأن لايجري فيه المشبّه والمشبه به على ما تعارف من صور التشبيه الصريح، وذلك، كقوله:
من يهن يسهل الهوان عليه مــا لجـــرحٍ بميّت أيــلامُ
فأنّ فيه اشارة الى التشبيه، بمعنى: أنه كما لا يتألّم الميت بالجرح، لا يتألّم من اعتاد الهوان بالهوان، فهو تشبيه على غير المتعارف.
3 ـ التشبيه المعكوس، ويسمّى بالتشبيه المقلوب وهو ما يجعل المشبّه مشبّهاً به، لادعّاء أن المشبه أتمّ وأظهر من المشبّه به، كقول البحتري في وصف البركة:
كأنّها حين لجّت في تدفّقها يد الخليفة لما سال واديها
ايهاماً الى أنّ يد الخليفة أقوى تدفّقاً بالعطاء من البركة بالماء.
1 ـ الجمعة: 5.
2 ـ البقرة: 261.
3 ـ البقرة: 19.
=======
علم البيان : المجاز
(المجاز) لغة: التجاوز والتعدّي.
واصطلاحاً: انقل عن معناه الأصلي، واستعمل في معنى مناسب له، كاستعمال (الأسد) في (الرجل لشجاع) .
والمجاز من الوسائل البيانية الذي يكثر في كلام الناس، البليغ منهم وغيرهم، وليس من الكذب في شيء كما توهّم.
المجاز لغويّ وعقليّ
ثمّ إنّ المجاز على قسمين:
1 ـ لغويّ، وهواستعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة ـ بمعنى مناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ـ يكون الإستعمال لقرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، وهي قد تكون لفظيّة، وقد تكون حاليّة، وكلّما أطلق المجاز، انصرف إلى هذا المجاز وهو المجاز اللغوي.
2 ـ عقلي، وهو يجري في الإسناد، بمعنى أن يكون الإسناد إلى غير من هو له، نحو: (شفى الطبيب المريض) فإن الشفاء من الله تعالى، فإسناده إلى الطبيب مجاز، ويتمّ ذلك بوجود علاقة مع قرينة مانعة من جريان الإسناد إلى من هو له.
أقسام المجاز العقلي
المجاز العقلي على قسمين، وقدمناه لقلّة مباحثه:
الأول: المجاز في الإسناد، وهو إسناد الفعل أو ما في معنى الفعل إلى غير من هو له، وهو على أقسام، أشهرها:
1 ـ الإسناد إلى الزمان، كقوله: (من سرّه زمن سائته أزمان) فإن إسناد المسرّة والاساءة إلى الزمان مجاز، إذ المسيء هو بعض الطواريء العارضة فيه، لا الزمان نفسه.
2 ـ الإسناد إلى المكان، نحو قوله تعالى: (وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم)(1) فإنّ إسناد الجري إلى الأنهار مجاز، باعتبار مائها.
3 ـ الإسناد إلى السبب، كقوله: (بنى الأمير المدينة) فإنّ الأمير سبب بناء المدينة لا إنّه بناها بنفسه.
4 ـ الإسناد إلى المصدر، كقوله: (سيذكرني قومي إذا جَدَّ جِدّهم) فإنّ الفعل (جَدَّ) أُسند إلى المصدر: (جِدّهم(مجازاً، لأنّ الفاعل الأصلي هو الجادّ.
الثاني: المجاز في النسبة غير الإسنادية، وأشهرها النسبة الإضافيّة نحو:
1 ـ (جَرْيُ الأنهار) فإنّ نسبة الجري إلى النهر مجاز باعتبار الإضافة إلى المكان.
2 ـ (صومُ النهار) فإنّ نسبة الصوم إلى النهار مجاز باعتبار الإضافة إلى الزمان.
3 ـ (غُرابُ البَين) فإنّه مجاز باعتبار الإضافة إلى السبب.
4 ـ (اجتهاد الجِدّ) مجاز باعتبار الإضافة إلى المصدر.
أقسام المجاز اللغوي
ثم إنّ المجاز اللّغوي إن كانت العلاقة فيه هي المشابهة، سمي المجاز بـ (الإستعارة) وإلاّ سمّي بـ (المجاز المرسل) وكل واحد من (المرسل) و(الإستعارة) إما (مفرد) أو (مركب) فالأقسام أربعة:
1 ـ مجاز مفرد مرسل.
2 ـ مجاز مفرد بالإستعارة.
3 ـ مجاز مركّب مرسل.
4 ـ مجاز مركّب بالإستعارة.
ويجري الأوّلان في الكلمة، والأخريان في الكلام.
المجاز المفرد المرسل
المجاز المفرد المرسل، هو اللفظ المستعمل ـ بقرينه ـ في خلاف معناه اللغوي لعلاقة غير المشابهة.
والعلائق كثيرة، أنهاها بعضهم إلى نيف وثلاثين، نذكر منها ما يلي:
1 ـ السبية، بأن يستعمل السبب في المسبب، كقولك: (رعت الماشية الغيث) أي النبات، إذ الغيث سبب النبات، والقرينة (رعت) .
2 ـ المسببية، بأن يستعمل المسبب في السبب، نحو: (وينزل لكم من السماء رزقاً)(2) أي: مطراً، إذ المطر سبب الرزق، والقرينة: الانزال من السماء.
3 ـ الكلية، بأن يستعمل الكل في الجزء، قال تعالى: (يجعلون أصابعهم في آذانهم)(3) أي أناملهم، والقرينة: عدم إمكان إدخال الإصبع بتمامها في الأُذن.
4 ـ الجزئية، بأن يستعمل الجزء في الكل، قال تعالى: (فتحرير رقبة مؤمنة)(4) أي انسان مؤمن، والقرينة: التحرير.
5 ـ اللازمية، بأن يستعمل اللازم في الملزوم، نحو: (طلع الضوء) حيث يراد به الشمس.
6 ـ الملزومية، بأن يستعمل الملزوم في اللازم، نحو: (جلست في القمر) أي في ضوئه.
7 ـ الآلية، بأن يستعمل الآلة في المسبب منها، قال تعالى: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين)(5) بمعنى الذكر الحسن، فإن اللسان آلة للذكر، والقرينة: ان اللسان لا يبقى، ولا ينفع الميت بمجرّده.
8 ـ المقيدية، بأن يستعمل المقيّد في المطلق، نحو: (مشفر زيد مجروح) فإن (المشفر) في اللغة: شفة البعير، فاستعمل في مطلق الشفة، ثم نقل إلى شفة الإنسان وهو زيد.
9 ـ المطلقية، بأن يستعمل المطلق في المقيّد، نحو: (تحرير رقبة)(6) أي رقبة مؤمنة.
10 ـ العمومية، بأن يستعمل العام في الخاص، قال تعالى: (الذين قال لهم الناس)(7) والمراد عبد الله بن مسعود
11 ـ الخصوصية، بأن يستعمل الخاص في العام، نحو: (جاءت قريش) فإن المراد القبيلة، مع أن قريش عَلَم لجدّهم.
12 ـ اعتبار ما كان، بأن يستعمل اللفظ الذي وضع للماضي في الحال، قال تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم)(8) فإنهم كانوا يتامى، وإذا بلغوا الرشد الذي يصح معه إعطاء أموالهم زال عنهم اليُتم.
13 ـ اعتبار ما يكون، بأن يستعمل اللفظ الذي وضع للمستقبل في الحال، قال تعالى: (إنّي أراني أعصر خمراً)(9) أي عصيراً يؤول أمره إلى الخمر، إذ هو حال العصر لا يكون خمراً، ويسمّى(المجاز بالأَول) .
14 ـ المجاز بالمشارفة، وهو كالمجاز بالأَول إلا أن الفرق بينهما كون (الأَوْل) أعم من القريب والبعيد، و(المشارفة) لخصوص القريب، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من قتل قتيلاً فله سلبه)(10) فإن القتيل لا يُقتل، وإنما المراد المشرف على القتل ومثله: (إذا مات الميّت)(11).
15 ـ الحاليّة، بأن يستعمل الحال في المحلّ، كقولهم: (أرى سواداً من بعيد)، فإن المراد الذات، والسواد حالّ.
16 ـ المحلّية، بأن يستعمل المحل ويراد الحالّ، قال تعالى: (وسئل القرية)(12) فإنّ المراد أهلها، إذ القرية لا تسئل.
17 ـ البدلية، بأن يستعمل البدل في المبدل منه، كقوله:
تيمَّمنا بماء المزن حتى فــــقدنـاه فقمنا للتراب
والمراد: توضّينا، فإنّ التيمّم بدل عن الوضوء، والوضوء مبدل منه، فاستعمل البدل في المبدل منه.
18 ـ المبدلية، بأن يستعمل المبدل منه في البدل، كقولهم: (أكل فلان الدم) يريدون الدية، فإن الدم مبدل منه.
19 ـ المجاورة، بأن يستعمل المجار في المجاور، كقولهم: (كلمت الجدار) أي الجالس بجنبه.
20 ـ اطلاق المصدر على اسم الفاعل، كقوله:
ولما بدا سيرٌ ذهبـــت لنحوه لاستبرء الاخبار من أهل كوفان
فالمراد بالسير: السائر.
21 ـ اطلاق المصدر على اسم المفعول، كقوله تعالى: (هذا خلق الله)(13) أي مخلوقه.
22 ـ اطلاق اسم الفاعل على المصدر، قال تعالى: (ليس لوقعتها كاذبة)(14) أي: تكذيب.
23 ـ اطلاق اسم الفاعل على اسم المفعول، قال تعالى: (لا عاصم اليوم من أمره الله)(15) أي لا معصوم.
24 ـ اطلاق اسم المفعول على اسم الفاعل، قال تعالى: (حجاباً مستوراً)(16) أي ساتراً.
25 ـ اطلاق اسم المفعول على المصدر، كقوله: (بمنصور النبي على الاعادي...) أي بمثل نصرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على اعاديه.
ولا يخفى ان في بعض الامثلة مناقشة، كما أن العلاقة لاتنحصر فيما ذكروا، بل كلما استحسنه الطبع جاز استعماله.
من فوائد هذا المجاز
ثم ان للمجاز المرسل على أنواعه، وكذلك العقلي على أقسامه، فوائد كثيرة:
1 ـ الإيجاز، فإنّ قوله: (بنى الامير المدينة) أوجز من ذكر البنائين والمهندسين ونحوهما، ونحوه غيره.
2 ـ سعة اللفظ، فإنه لو لم يجز إلا (جرى ماء النهر) كان لكلّ معنى تركيباً واحداً، وهكذا بقيّة التراكيب.
3 ـ ايراد المعنى في صورة دقيقة مقربة إلى الذهن، إلى غير ذلك من الفوائد البلاغية.
المجاز المفرد بالإستعارة
قد عرفت انّ العلاقة في المجاز إن كانت غير التشبيه، سمي المجاز: بـ (المرسل) وإن كانت التشبيه سمي بـ: (الإستعارة) .
و (الإستعارة) في اللغة، بمعنى طلب الشيء عارية، يقال: (استعار الكتاب) أي طلبه عارية.
وفي الإصطلاح: بمعنى استعمال اللفظ في غير ما وضع له، بعلاقة المشابهة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي، مع قرينة صارفة عن إرادة المعنى الاصلي، فإنك لو قلت: (رأيت أسداً يرمي) فقد استعملت (الاسد) بقرينة (يرمي) في (الرجل الشجاع) للمشابهة الواقعة بينهما في (الشجاعة) .
ولابدّ في (الاستعارة) من عدم ذكر وجه الشبه، ولا أداة التشبيه، بل اللازم ادعاء أن المشبه عين المشبّه به.
والحاصل: أن كل مجاز يبنى على التشبيه بدون الاداة ووجه الشبه يسمّى: (استعارة) .
أركان الإستعارة
للإستعارة أركان ثلاثة:
1 ـ المستعار منه، وهو المشبّه به.
2 ـ المستعار له، وهو المشبه، ويقال لهذين: (طرفا الإستعارة) .
3 ـ المستعار، وهو اللفظ المنقول.
ففي (رأيت أسداً يرمي) المستعار منه: الحيوان المفترس، والمستعار له: زيد، والمستعار: لفظ أسد.
أقسام الإستعارة
ثم إنّ )الإستعارة( تنقسم باعتبار ما يذكر من طرفي الإستعارة إلى ما يلي:
1 ـ أن يذكر في الكلام لفظ المشبه به فقط، ويسمّى: (استعارة تصريحية)، نحو: (فأمطرت لؤلؤاً من نرجس... ) فاللؤلؤ: الدمع، والنرجس: العين.
2 ـ أن يذكر في الكلام لفظ المشبه فقط، ويؤتى ببعض لوازم المشبه به. ويسمّى: (استعارة بالكناية) وسمي اللازم (استعارة تخييلية) كقوله: (وإذا المنية انشبت أظفارها) فإنه شبّه المنية بالسبع، وأثبت لها بعض لوازم السبع وهو الظفر، فالمنية: استعارة بالكناية، والأظفار: استعارة تخييلية.
ومنه يظهر: تلازم الإستعارة بالكناية مع الإستعارة التخييلية.
الاستعارة باعتبار المستعار له
تنقسم (الاستعارة) باعتبار (المستعار له) الى قسمين:
1 ـ الاستعارة التحقيقيّة: وهو ما كان المستعار له محققاً حسّاً: كالأسد المستعار للشجاع، أو عقلاً: كالصراط المستقيم المستعار للدين.
2 ـ الإستعارة التخييلية: وهو ما كان المستعار له موهوباً، غير محقق، لا عقلاً ولا حسّاً، كالاظفار المستعارة للمنية.
الإستعارة باعتبار اللفّظ المستعار
تنقسم (الإستعارة) باعتبار اللفظ المستعار إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ ما كان لفظ المستعار إسماً لذات: كالبدر للجميل، أو اسماً لمعنى: كالقتل للضرب الشديد، وتسمى الإستعارة (أصلية).
2 ـ ما كان لفظ المستعار فعلاً، أو اسم فعل، أو اسماً مشتقّاً، أو اسماً مبهماً، أو حرفاً، وتسمى الاستعارة: (تصريحية تبعية).
3 ـ ما كان لفظ المستعار اسماً مشتقّاً، أو اسماً مبهماً (17)، وتسمى هذه الاستعارة: (تبعية مكنية) وهذا داخل في القسم الثاني.
الإستعارة العنادية والوفاقية
ثم أن الاستعارة المصرحة تنقسم باعتبار الطرفين إلى قسمين:
1 ـ العنادية، وهي التي لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد، لتعاندهما، كاجتماع الهدى والضلال، والنور والظلام.
2 ـ الوفاقية، وهي التي يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد، لتوافقهما، كاجتماع النور والتقى، والحياة والهداية.
ومثال الاثنين: العنادية والوفاقية، قوله تعالى: (أو من كان مّيْتاً فأحييناه) (18) أي: ضالاً فهديناه، فإنّ في هذه الآية استعارتين هما:
أ ‌- استعارة الموت للضلال لاشتراكهما في عدم الانتفاع، وهي عنادية لعدم امكان اجتماع الموت مع الضلال الذي لا يكون إلا في الحي لأنّ الضالّ حيّ.
ب ‌- استعارة الإحياء للهداية لاشتراكهما في ثبوت الانتفاع، وهي وفاقيّة لإمكان اجتماع الإحياء والهداية.
أقسام الاستعارة العنادية
ثمّ انّ الاستعارة العنادية على قسمين:
1 ـ التمليحية: بأن يستعمل اللّفظ الموضوع لمعنى شريف في ضدّه أو نقيضه، كقوله: (رأيت أسداً) وهو يريد: جباناً.
2 ـ التهكمية: بأن ينزّل التضاد منزلة التناسب، نحو قوله تعالى: (فبشِّرهم بعذاب أليم)(19) أي: أنذرهم، فاستعيرت البشارة للإنذار الّذي هو ضدّه على سبيل التهكم والإستهزاء.
الإستعارة باعتبار الجامع
وتنقسم الإستعارة المصرحة باعتبار الجامع إلى قسمين:
1 ـ عامية، وهي المعلومة لدى كل أحد، نحو: (رأيت أسداً يرمي) والجامع بين الطرفين واضح وهي الشجاعة.
2 ـ خاصية، وهي التي تحتاج الى فكر وتأمّل، نحو:
غّمرُ الرداء إذا تبسّم ضاحكا غَلقـت لضحكته رقــابُ المال
والجامع بين الطرفين غير واضح يعرف بالتأمّل فيه وهي ساتريّة الكرم كالرداء عرض صاحبه.
الإستعارة باعتبار الملائمات
وتنقسم الإستعارة باعتبار ذكر ملائم المستعار منه أو ملائم المستعار له، وعدم ذكرها، إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ المطلقة، وهي مالم تقترن بما يلائم أحدهما، أو اقترنت بما يلائمهما معاً.
فالأول، نحو قوله تعالى: (ينقضون عهد الله)(20) .
والثاني، نحو:
لدى أسد شاكي السلاح مقذّف لــه لــبدٌ أظفــاره لـــم تقلـــَّم
فشاكي السلاح للرجل، وله لبد ـ الخ ـ للأسد.
2 ـ المرشَّحة، وهي ما قرنت بملائم المستعار منه، نحو: (أسد له لبد أتاك..).
3 ـ المجرّدة، وهي ما قرنت بملائم المستعار له، نحو: (أسد شاكي السلاح..).
المجاز المركّب المرسل
تقدم أن المجاز إما مرسل وإما استعارة، وكل واحد منهما إما مفرد أو مركّب، وسبق الكلام حول المفرد منهما، وبقي المركّب منهما.
فالمجاز المرسل المركب: هو الكلام المستعمل في غير المعنى الموضوع له، لعلاقة غير المشابهة، ويقع في المركبات الخبرية والإنشائية، لأغراض أهمها:
1 ـ التحسّر، كقوله: (ذهب الصِّبا وتولّت الأيّامُ..) فإنه خبر أريد منه انشاء التحسّر على ما فات من شبابه.
2 ـ اظهار الضعف، قال تعالى: (ربّ إنّي وهن العظمُ منّي... ) (21) اظهاراً للضعف.
3 ـ اظهار السرور، قال تعالى: (يا بُشرى هذا غلام)(22) .
4 ـ الدعاء، كقوله: (هداك الله للسبيل السويّ) .
5 ـ اظهار عدم الإعتماد، قال تعالى: (هل آمنكم عليه إلاّ كما امنتكم على أخيه)(23) .
المجاز المركب بالإستعارة
والمجاز المركّب بالإستعارة التمثيلية: هو الكلام المستعمل في غير معناه الموضوع له، لعلاقة المشابهة، كقولهم للمتردّد: (أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى) تشبيهاً بالمتردّد في السير، وقولهم لمن يريد أن يعمل ما لا يقدر عليه وحد: (اليد لا تصفّق وحدها) تشبيهاً له باليد الواحدة.
هذا في النثر، وفي الشعر أيضاً ورد ذلك نحو قوله:
إذا جاء موسى وألقى العصى فــقد بطل السحـر والساحــر
ونحو قوله:
متـى يبلغ البنيان يوماً تمامـه إذا كـنت تبنيه وغيـرك هادم
وإذا كثر استعمال الإستعارة التمثيليّة وشاع كان مثلاً، فلا يغيَّر مطلقاً، وإنما يخاطب به المفرد والمذكّر وفروعهما بلفظ واحد، دون أيّ تغيير.
1 ـ الانعام: 6.
2 ـ غافر: 13.
3 ـ البقرة: 19.
4 ـ النساء: 92.
5 ـ الشعراء: 84.
6 ـ المائدة: 89.
7 ـ آل عمران: 173.
8 ـ النساء: 2.
9 ـ يوسف: 36.
10 ـ بحار الانوار 1 / 159 ب 4 ح 34.
11 ـ مستدرك الوسائل: 2 / 141 ب 26 ح 1641.
12 ـ يوسف: 12.
13 ـ لقمان: 11.
14 ـ الواقعة: 2.
15 ـ هود: 43.
16 ـ الإسراء: 45.
17 ـ من غير أنواع التبعيّة المتقدمة.
18 ـ الأنعام: 122.
19 ـ آل عمران: 21. التوبة: 34. الانشقاق: 24.
20 ـ الرعد: 25.
21 ـ مريم: 4.
22 ـ يوسف: 19.
23 ـ يوسف: 64.
====
علم البيان : الكناية
(الكناية) من (كَنَيْت) أو (كنَوْت) بكذا عن كذا، إذا تركت التصريح به.
وهي في اللّغة: التكلّم بما يريد به خلاف الظاهر.
وفي الاصطلاح: لفظ أريد به غير معناه الموضوع له، مع إمكان إرادة المعنى الحقيقي، لعدم نصب قرينة على خلافه.
وهذا هو الفرق بين المجاز والكناية، ففي الأول لا يمكن ارادة الحقيقي لنصب القرينة المضادّة له، بخلاف الثاني.
نعم قد يمتنع المعنى الحقيقي لخصوص المورد، كقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)(1) فإنه كناية عن القدرة والإستيلاء، ويمتنع المعنى الحقيقي، لامتناع كونه تعالى جسماً.
ومثال الكناية: (فلان كثير الرماد) تريد انه كريم، للتلازم في الغالب بين الكروم وبين كثرة الضيوف الملازمة لكثيرة الرماد من الطبخ.
أقسام الكناية
تنقسم الكناية إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ الكناية عن الصفة، نحو (طويل النجاد) كناية عن طول القامة.
2 ـ الكناية عن الموصوف، نحو قوله:
فلما شربناها ودبّ دبيبهـــا إلى موطن الأسرار قلت لها قفي
أراد بموطن الأسرار: القلب.
3 ـ الكناية عن النسبة، كقوله:
إن السماحة والمروة والندى في قبة ضربت على ابن الحشرج
فإن تخصيص هذه الثلاثة بمكان ابن الحشرج يتلازم نسبتها إليه.
الكناية القريبة والبعيدة
ثم إن الكناية عن الصفة تكون على قسمين:
1 ـ قريبة، وهي التي لا يحتاج الإنتقال فيها إلى اعمال روية وفكر، لعدم الواسطة بينها وبين المطلوب.
2 ـ بعيدة، وهي التي يحتاج الإنتقال فيها إلى اعمال روية وفكر، لوجود الواسطة بينها وبين المطلوب.
فمثال الأول: (طويل النجاد) فإن النجاد حمائل السيف، وطوله يستلزم طول القامة بلا واسطة.
ومثال الثاني: (كثير الرماد) فكثرة الرماد تستلزم الكرم لكن بواسطة، لأنّ كثرة الرماد ملازمة لكثرة الإحراق، وهي ملازمة لكثرة النار والطبخ، وهي ملازمة لكثرة الضيوف، وهي ملازمة للكرم، المقصود(2).
الكناية باعتبار اللوازم
تنقسم الكناية باعتبار اللوازم والسياق إلى أربعة أقسام:
1 ـ التعريض، وهو أن يطلق الكلام ويراد معنى آخر يفهم من السياق تعريضاً بالمخاطب، كقولك للمهذار: (إذا تمّ العقل نقص الكلام)(3).
2 ـ التلويح، وهو أن تكثر الوسائط بدون تعريض، نحو: (كثير الرماد) و( وجبان الكلب) و(مهزول الفصيل).
3 ـ الرمز، وهو أن تقل الوسائط مع خفاء في اللزوم بدون تعريض، كقولهم: (فلان متناسب الأعضاء) كناية عن ذكائه، إذ الذكاء الكثير في الجسم المتناسب، وقولهم: (هو مكتنز اللّحم) كناية عن قوّته وشجاعته.
4 ـ الإيماء وهو أن تقل الوسائط، مع وضوح اللزوم بلا تعريض، كقوله:
اليمــــن يتبــــع ظلــــه والمجد يمشي في ركابه
من فوائد الكناية
ولا يخفى: أن الكناية أبلغ من التصريح، وذلك لأنها تفيد اُموراً، منها:
1 ـ القوّة في المعنى، وذلك لأنّها كالدعوى مع البينة، إذ لو قيل (فلان كريم) سئل عن دليل ذلك؟ فاللازم أن يقال: بدليل كثرة رماده، فإذا ذكر أولاً أراح، وأتى بالدعوى مع البيّنة.
2 ـ التعبير عن أمور قد يتحاشى الانسان عن ذكرها احتراماً للمخاطب.
3 ـ الإبهام على السامع.
4 ـ تنزيه الاُذن عمّا تنبو عن سماعه.
5 ـ النيل من الخصم دون أن يدع له مأخذاً يؤاخذه به وينتقم منه.
وهناك أغراض كثيرة اُخرى تترتّب على الكناية لا تخفى على البليغ
1 ـ طه: 5.
2 ـ ومن الكناية البعيدة جداً، ما قاله بعضهم: (اريد من شفتك ضد الشرقي بالعربي والفارسي والقلب والتصحيف)، وتفصيله: (ضد الشرقي: غربي، عربي، ربيع، بهار، نهار، روز، يوم، موسى، شعر، شعر، بيت، دار، راد، زاد، توشه، بوسه) أي القبلة، وهي المراد.
3 ـ بحار الأنوار: 1 / 159 ب 4 ح 34.
=====
علم البديع : مقدمة فى تعريف علم البديع
(البديع) لغة: هو من بَدَع وأبدع، أي: أوجده لا على مثال سابق.
واصطلاحاً: هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام.
والمحسنات على قسمين:
1 ـ معنوية.
2 ـ لفظية.
وسنشرح كل جزء على حدة
=====
علم البديع : المحسنات المعنوية
التورية
التورية، وتسمّى ايهاماً وتخييلاً أيضاً، وهي أن يكون للّفظ معنيان: قريب وبعيد، فيذكره المتكلّم ويريد به المعنى البعيد، الذي هو خلاف الظاهر، ويأتي بقرينة لا يفهمها السامع غير الفطن، فيتوهّم انّه أراد المعنى القريب، نحو قوله تعالى: (وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنهار)(1) أراد من (جرحتم): ارتكاب الذنوب، وكقوله:
أبيات شعرك كالقصور ولا قصور بها يعوق ومن العجائب لفظها حرّ ومعناها رقيق
فللرقيق معنيان: قريب وهو العبد. وبعيد: وهو من الرقة، والشاعر أراد الثاني، لكن الظاهر من مقابلته للحرّ إرادة العبد.
الإستخدام
الإستخدام: وهو أن يكون للّفظ معنيان فيطلقه المتكلّم ويريد به أحد المعنيين، ثم يذكر ضميره ويريد به المعنى الآخر، نحو قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)(2) أراد بالشهر أوّلاً: الهلال، ثمّ أعاد الضمير عليه وهو يريد أيّام الشهر المبارك، وكقوله:
إذا نزل السماء بأرض قوم ق رعينـــاه وإن كـــانوا غضابا
أراد بالسماء: المطر، وبضميره في (رعيناه) النبات.
الإستطراد
الإستطراد: وهو أن يشرع المتكلّم في موضوع، ثم يخرج منه قبل تمامه إلى موضوع آخر، ثم يرجع إلى موضوعه الأول، كقوله:
وانّا لقوم لا نرى القتل سبّة ق إذا ما رأته عامر وسلول
يقرّب حبّ الموت آجالنا لنـا ق وتـــكرهه آجالهم فتـطول
أراد مدح قومه، ثم خرج قبل تمام كلامه إلى ذم عامر وسلول، ثم رجع في الشطر الثالث إلى ما بدأ به في الشطر الأول.
الإفتنان
الإفتنان: وهو الجمع بين فنّين من الكلام، كالمدح والذم، والتهنئة والتعزية، والغَزَل والحماسة، وأمثالها، كقوله: (عينه كالذئب لكن سنّه كالاقحوان... ).
وقوله: (فقلبي ضاحك والعين تبكي...).
وقوله:
فوددت تقبيل السيوف لأنها ق لمعت كبارق ثغرك المتبسم
الطباق
الطباق: ويسمّى بالمطابقة وبالتطبيق وبالتطابق وبالتكافؤ وبالتضاد أيضاً، وهو: الجمع بين لفظين متقابلين في المعنى، ويكون على قسمين:
1 ـ طباق الايجاب: وهو ما لم يختلف فيه اللّفظان المتقابلان ايجاباً وسلباً، نحو قوله تعالى: (وانّه هو أضحك وأبكي)(3) وقوله سبحانه: (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء)(4).
2 ـ طباق السلب: وهو ما اختلف فيه اللفظان المتقابلان ايجاباً وسلباً فمثبت مرّة ومنفي اُخرى، نحو قوله تعالى: (فلا تخشون الناس واخشون)(5) وقوله سبحانه: (هل يستوي الّذي يعلمون والّذين لا يعلمون)(6).
المقابلة
المقابلة: وهي أن يؤتى بمعنيين أو معان متوافقة، ثم يؤتى بمقابلها على الترتيب، قال تعالى: (فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنُيسِّرهُ لليُسرى وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى)(7) ونحو قوله:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ق واقبـــح الكفــــرَ والإفلاس بالرجل
مراعاة النظير
مراعاة النظير: وتسمّى بالتوافق والإئتلاف والتناسب أيضاً وهو: الجمع بين أمرين أو أمور متناسبة، كقوله تعالى: (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانو مهتدين)(8).
ومنها: ما بني على المناسبة في (المعنى) وذلك بأن يختم الكلام بما بدأ به من حيث المعنى، كقوله تعالى: (لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير)(9). فاللطيف يناسب عدم ادراك الابصار، والخبير يناسب ادراكه للأبصار.
ومنها: ما بني على المناسبة في (اللفظ) وذلك بأن يؤتى بلفظ يناسب معناه أحد الطرفين ولفظه الطرف الآخر، كقوله تعالى: (الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان)(10) فالنجم لفظه يناسب الشمس والقمر، ومعناه - وهو النبات الذي لا ساق له ـ يناسب الشجر.
الإرصاد
الإرصاد، ويسمّى التسهيم أيضاً وهو: أن يذكر قبل تمام الكلام - شعراً كان أو نثرا ـ ما يدل عليه إذا عُرف الرويّ، كقوله تعالى: (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)(11) فإنّ (يظلمون) معلوم من السياق، وكقول الشاعر:
احلّت دمي من غير جرم وحرّمت ق بــلا سبب عـــند اللقاء كلامي
فـــليس الــــذي حـــلّلته بمــــحلّل ق ولـــيس الــذي حــرَّمته بحرام
فإن (بحرام) معلوم من السياق.
أو يدل عليه بلا حاجة إلى معرفة الرويّ، نحو قوله تعالى: (ولكلّ أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)(12).
الإدماج
الإدماج: وهو أن يدمج في كلام سيق لمعنى، معنى آخر غير مصرّح به، كقوله:
وليل طويل لم أنم فيه لحظة ق أعد ذنوب الدهر وهو مديد
فإنه أدمج تعداد ذنوب الدهر بين ما قصده من طول الليل.
المذهب الكلامي
المذهب الكلامي: وهو أن يؤتى لصحة الكلام بدليل مسلّم عند المخاطب، وذلك بترتيب المقدمات المستلزمات للمطلوب كقوله تعالى: (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم)(13) فإن المسلّم عند منكر البعث ان اعادة الموتى أهون من خلق السماوات والارض، ولذا جعله تعالى دليلاً على البعث.
حسن التعليل
حسن التعليل: وهو أن يأتي البليغ بعلة طريفة لمعلول علّته شيء آخر، كقوله:
مـا بـه قتلُ أعاديه ولـكن ق يتقي إخلاف ما ترجو الذئابُ
فإنه أنكر كون قتل أعاديه للغلبة وقطع جذور الفساد، وادعى له سبباً آخر، وهو: أن لا يخلف رجاء الذئاب التي تطمع في شبع بطونها.
التجريد
التجريد: وهو أن ينتزع المتكلّم من أمر ذي صفة أمراً آخر مثله في تلك الصفة، وذلك لأجل المبالغة في كمالها في ذي الصفة المنتزع منه، حتى كأنه قد صار منها، بحيث يمكن أن ينتزع منه موصوف آخر، وهو على أقسام:
1 ـ أن يكون بواسطة (الباء التجريدية) نحو: (شربت بمائها عسلاً مصفّى...). فكأن حلاوة ماء تلك العين الموصوفة وصلت إلى حدّ يمكن انتزاع العسل منها حين الشرب.
2 ـ أن يكون بواسطة (من التجريدية) كقوله:
لي منك أعداء ومنه أحبة ق تـــالله أيّكمــــا إلـــيّ حبيب
فكأنه بلغ المخاطب إلى حدّ من العداوة يمكن أن ينتزع منه أعداء، وكذلك بلغ غيره من المحبّة بحيث ينتزع منه أحبة.
3 ـ أن لا يكون بواسطة، كقوله: (وسألت بحراً إذ سألته) جرّد منه بحراً من العلم، حتى أنه سأل البحر المنتزع منه إذ سأله.
4 ـ أن يكون بطريق الكناية، كقوله: (... ولا يشرب كأساً بكف من بخلا) أي: أنه يشربها بكفّ الجواد، جرّد منه جواداً يشرب هو بكفّه، وحيث أنّه لا يشرب إلاّ بكف نفسه، فهو إذن ذلك الكريم.
5 ـ أن يكون المخاطب هو نفسه، كقوله:
لا خيل عـندك تـهديها ولا مـال ق فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
فإنّه انتزع وجرّد من نفسه شخصاً آخر وخاطبه فسمي لذلك تجريداً، وهو كثير في كلام الشعراء.
المشاكلة
المشاكلة: وهي أن يستعير المتكلّم لشيء لفظاً لايصح اطلاقه على المستعار له إلاّ مجازاً، وانما يستعير له هذا اللفظ لوقوعه في سياق ما يصح له، كما في الدعاء: (غيِّر سوء حالنا بحسن حالك)(14) فإن الله تعالى لا حال له، وانما استعير له الحال بمناسبة سياق (حالنا) وكقوله تعالى: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك)(15) فإن الله تعالى لا نفس له، وإنما عبّر بها للمشاكلة، وكقوله:
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ق قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً
أي: خيّطوا لي جبّة وقميصاً، فأبدل الخياطة بلفظ الطبخ لوقوعها في سياق طبخ الطعام.
المزاوجة
المزاوج: وهي المشابهة وذلك بأن يزاوج المتكلّم ويشابه بين أمرين في الشرط والجزاء، فيرتب على كل منهما مثل ما رتب على الآخر، كقوله:
إذا قــال قولاً فأكّد فيه ق تجانبت عنه وأكّدت فيه
رتب التأكيد على كل من قول المتكلّم وتجانب السامع.
الطي والنشر
الطي والنشر، ويسمّى اللّف والنشر أيضاً، وهو: أن يذكر أموراً متعددة، ثم يذكر ما لكل واحد منها من الصفات المسوق لها الكلام، من غير تعيين، اعتماداً على ذهن السامع في إرجاع كل صفة إلى موصوفها، وهو على قسمين:
1 ـ أن يكون النشر فيه على ترتيب الطي، ويسمّى باللّف والنشر المرتّب كقوله:
آرائهم ووجــوهم وسيوفهم ق في الحادثات إذا دجون نــجوم
منها معالـم للهدى ومصابح ق تجلو الدجى والأخريات رجـوم
فالآراء معالم للهدى، والوجوه مصابح للدجى، والسيوف رجوم.
2 ـ أن يكون النشر فيه على خلاف ترتيب الطي، ويسمّى باللّف والنشر المشوّش، نحو قوله تعالى: (فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربّكم ولتعلموا عدد السنين والحساب)(16) فابتغاء الفضل في النهار وهو الثاني، والعلم بالحساب لوجود القمر في اللّيل وهو الأول، فكان على خلاف الترتيب.
الجمع
الجمع: وهو أن يجمع المتكلّم بين أمرين أو أكثر في حكم واحد، كقوله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)(17) وقوله سبحانه: (إنَّما الخمرُ والميسرُ ولأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه)(18)، وكقوله:
انّ الشباب والفراغ والجده ق مفسدة للـمرء أيَّ مــفسدة
التفريق
التفريق: وهو أن يفرق بين أمرين من نوع واحد في الحكم، كقوله تعالى: (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اُجاج)(19).
التقسيم
التقسيم: وهو أن يأتي بمتعدّد ثم يحكم على كل واحد منها بحكم، كقوله تعالى: (كذَّبتْ ثمود وعاد بالقارعة فأمّا ثمود فاُهلكوا بالطاغية وأما عاد فاُهلكوا بريح صرصر عاتية)(20).
وقد يطلق التقسيم على أمرين آخرين:
1 ـ على استيفاء أقسام الشيء، كقوله تعالى: (يهب لمن يشاء اُناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوّجهم ذكراناً واناثاً ويجعل من يشاء عقيماً)(21) فإنّ الامر لا يخلو من هذه الاقسام الأربعة.
2 ـ على استيفاء خصوصيات حال الشيء، كقوله تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)(22).
الجمع والتفريق
الجمع والتفريق وهو أن يجمع بين أمرين في شيء واحد، ثم يفرق بينهما في ما يختص بكل واحد منهما، كقوله:
قلب الحبيب وصخر الصم من حجر ق لكـــن ذا نــابع والقلـــب مغلوف
الجمع والتقسيم
الجمع والتقسيم: وهو أن يجمع بين متعّدد ثم يقسّم ما جمع، أو يقسم أولاً ثم يجمع، فالأول كقوله:
حتــى أقـام على أرباض خرشنة ق تشقى به الــروم والصلبان والـبيع
للرق مـا نسلوا والقتل ما ولدوا ق والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا
والثاني كقوله:
قــوم إذا حـاربوا ضروا عدوهم ق أو حاولوا النفع في أشياعهم نفـعوا
سجية تلك فــيهم غــير مــحدثة ق انّ الخلائق فــاعلــم شرّهــا الـــبدعُ
الجمع مع التفريق والتقسيم
الجمع مع التفريق والتقسيم: وهو أن يجمع بين أمرين في شيء واحد ثمّ يفرّق بينهما بما يخصّ كلّ منهما ثمّ يقسّم ما جمع، نحو قوله تعالى: (يوم يأتي لاتكلّم نفس إلاّ بإذنه فمنهم شقيّ وسعيد، فأمّا الّذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السماوات والارض إلاّ ما شاء ربّك انّ ربك فعّال لما يريد، وأمّا الّذين سُعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلاّ ما شاء ربّك عطاءاً غير مجذوذ)(23) جمع الانفس في عدم التكلّم ثمّ فرّق بينها بأن بعضها شقيّ وبعضها سعيد، ثم قسّم الشقي والسعيد إلى ما لهم هناك في الآخرة من الثواب والعقاب.
المبالغة
المبالغة: وهي الإفراط في الشيء، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ التبليغ، وهو أن يكون الإدعاء ممكناً عقلاً وعادة، كقوله:
جـــــــــــــاء رجـــــــــــال البلد ق مــليكمـــهم كـــــــــــــالفرقـــــــد
فإن مجيْ جميع رجال البلد ممكن عقلاً وعادة.
أباد عسكرنا ما دب أو درجـــا ق في أرض نجد وما فرد لهم برجا
فإن الإبادة ممكنة عقلاً، مستحيلة عادة.
2 ـ الغلو، وهو أن يكون الإدعاء مستحيلاً عقلاً وعادة، كقول الغالي:
ان الوصــــي هـو الإله وأنما ق آياتــــــه احياء عظــــــم رمــــيم
فإن الوهية علي (عليه السلام) مستحيلة عقلاً وعادة.
المغايرة
المغايرة: وهي ـ أن، يمدح المتكلّم شيئاً ثم يذمّه، أو بالعكس، كقوله:
جـــزى الله الــحوادث منجيات ق وأخـــزاها حــــوادث مـــاحــقات
فإن الحادثة قد ترفع الشخص وقد تضعه.
تأكيد المدح
تأكيد المدح بما يشبه الذمّ، وهو على ثلاثة أقسام:
1 ـ أن يأتي بمستــثـــنـــى فيه معنى المــــدح معمولاً لفعل فيـــه معنى الذمّ، نحو قوله تعالى: (وما تنقم منّا إلاّ أن آمنّا بأيات ربنا)(24).
2 ـ أن يستثني صفة مدح من صفة ذمّ منفية عن الشيء، نحو قوله:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ق بــهنّ فلول من قـراع الكـــتائب
3 ـ أن يثبت صفة مدح لشيء ثمّ يأتي بعدها بأداة استثناء أو استدراك يعقبها بصفة مدح اُخرى، نحو قوله:
فتى كملت أوصـــافه غيـــر أنّه ق جواد فما يبقى مــن المال باقياً
ونحو قوله في مثال الإستدراك:
وجوه كاظهار الـرياض نضارة ق ولكــنها يــوم الهيـــاج صخــور
تأكيد الذمّ
تأكيد الذم بما يشبه المدح، وهو على قسمين:
1 ـ أن يثبت صفة ذمّ لشيء ثمّ يأتي بعدها بأداة استثناء أو استدراك يعقبها بصفة ذمّ اُخرى كقوله: (كله ذم سوى أنّ محياه قبيح(.
2 ـ أن يستثني صفة ذمّ من صفة مدح منفية عن الشيء، كقوله:
خلا مــــن الفضل غـــير أنّي ق أراه فـــي الحُمـــق لا يجــــــارى
التوجيه
التوجيه: وهو أن يؤتى بكلام يحتمل أمرين متضادين كالذمّ والمدح، والدعاء له وعليه، كقوله - في خيّاط اسمه عمرو، وكان أعور -:
خــــاط لــي عمــــــرو قبــاءأً ق لـيــت عينيــــــــــه ســـــــــــواء
قلت شعــراً لــــــيس يــــدري ق أمـــــــــديــــــــــح أم هجــــــــاء
والفرق بين التوجيه والتورية: أن التورية لا تكون إلا فيما له معنيان بأصل الوضع، بخلاف التوجيه.
نفي الشيء بإيجابه
نفي الشيء بإيجابه: وهو أن ينفعي شيئاً عن شخص فيوهم اثباته له في الجملة، نحو قوله تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله)(25).
وكقوله للخليفة:
لم يُشغَلَنْك عن الجهاد مكاسب ق تــــرجو ولا لــــهو ولا أولاد
فإنه يوهم اشغال المكسب له في الجملة - كما في الأولاد - مع أنه لا كسب للخليفة.
القول بالموجب
القول بالموجب: وهو أن يحمل كلام الغير على خلاف مراده، كقوله:
وقــــالوا قد صفت مـــنّا قلوب ق لـقد صدقوا ولكن عن ودادي
فإنهم أرادوا الخلوص له، فحمله الشاعر على الخلوّ من وداده.
ائتلاف اللّفظ والمعنى
ائتلاف اللفظ والمعنى: وهو أن يُختار للمعنى المقصود ألفاظ تؤديه بكمال الوضوح، كقوله ـ في الذمّ ـ:
ولو أن برغوثاً على ظهر قملـــــة ق تـــكرّ علـــى صفيّ تميم لـــــــــولّت
وكقوله في المدح:
اذا مـــــا غضبنا غضبة مــــضرية ق هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
التفريع
التفريع: وهو جعل الشيء فرعاً لغيره وذلك بأن يُثبت لمتعلّق أمر حكماً بعد أن يُشتبه لمتعلّق آخر على نحو يُشعر بالتفريع، كقوله:
طبّــــــــــــه يــــــــنفي الــــــمرض ق فقهــــــه ينفــــــــــي البــــــــــدع
فله الله طبيباً وفقيهاً متّبع
الإستتباع
الإستتباع: وهو الوصف بأمر على وجه يستتبع الوصف بأمر آخر، مدحاً أو ذماً، مدحاً كقوله:
سمح البديهة لــيس يــمسك لفظه ق فـــــــــــكأنما ألفاظه مـــــــــن ماله
وذمّاً، كقوله ـ في قاضٍ ردّ شهادته برؤية هلال شوال ـ:
أتــــــــــــــرى القاضــــي أعمــى ق أم تــــــــــــــــراه يــــــــتعامـــــــــى
سرق العيـــــــــد كــــــــــــأنّ الـــ ق عـــــــــــيد أمــــــوال اليتــــــامــــى
السلب والإيجاب
السلب والإيجاب: وهو أن يسلب صفة مدح أو ذم عن الجميع ليثبتها لمن قصد، فالمدح كقوله:
كـــــــل شخص لقـــيت فيــه هنـات ق غـــــــير سلمى فخلقها من فضائل
والذم، كقوله: (لا أرى في واحد ما فيه من جمع الرذائل).
ويسمّى السلب والإيجاب: الرجوع أيضاً بمعنى العود على الكلام السابق بالنقض لنكتة، كقوله:
وما ضاع شعري عندكم حين قلته ق بلــى وأبيكم ضـــاع فــــهو يضوع
الإبداع
الإبداع: وهو أن يكون الكلام مشتملاً على جملة من المحسنات البديعية، كقوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي مائك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقُضي الامر واستوت على الجوديّ وقيل بُعداً للقوم الظالمين)(26).
قيل: أنّه يوجد في هذه الآية الكريمة اثنان وعشرون نوعاً من أنواع البديع اشيرها إليها في المفصّلات.
وكقوله:
فضحتَ الحيا والبحر جوداً فقد بكى الـ ق حــيا مـــن حـــــياء منك والتطم البحر
الأسلوب الحكيم
الأسلوب الحكيم: وهو اجابة المخاطب بغير ما سأل، تنبيهاً على كون الاليق هو السؤال عمّا وقع عنه الجواب، كقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس والحجّ)(27) فإنهم لّما لم يكونوا يدركون سبب اختلاف أشكال الهلال، اجيبوا بما ينبغي السؤال عنه، وهو فائدة اختلاف الأهلّة.
وكقوله:
قـــــلت: ثقلتُ إذ أتيتُ مـراراً ق قـــــــال: ثقّلتَ كـاهلي بالأيادي
قلت: طوّلتُ، قال أوليتَ طَولاً ق قلت: أبرمتُ، قال: حبل ودادي
تشابه الأطراف
تشابه الأطراف: وهو أن يكون بدء الكلام وختامه متشابهين لفظاً أو معنى:
الأول: وهو التشابه في اللــّفــــظ كقوله تعالى: (مثل نــــوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكبٌ درّيّ)(28).
الثاني: وهو التشابه في المعنى كقوله:
سم زعــــاف قـولـه وفعاله ق عند البصير كمثل طعم العلقم
فإن العلقم يناسب السمّ في المذاق.
العكس
العكس: وهو أن يكون الكلام المشتمل على جزئين أو أكثر، في فقرتين، فيقدم ما أخّره في الفترة الأولى، ويؤخّر ما قدّمه، كقوله تعالى: (لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ)(29) وكقوله:
في هواكم يا سادتي متُّ وجداً ق مـتُّ وَجداً يا سادتي في هـواكمُ
الهزل
الهزل: وهو أن يأتي بهزل يراد به الجدّ، كقوله:
إذا ما جاهلي أتاك مـــفاخراً ق فقل: عَدّ عن ذا كيف أكلك العنب
الاطراد
الاطراد: وهو أن يأتي باسم من يقصده واسم آبائه على ترتيب تسلسلهم في الولادة بلا تكلّف في السبك، كقوله:
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ق بعتيبة بن الحــارث بـن شهاب
ومنه قوله (صـــلى الله عليه وآله وسلم): الكريم ابن الـــكريـــم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم(30).
تجاهل العارف
تجاهل العارف: وهو أن يرى المتكلّم نفسه جاهلاً، مع أنه عالم، وذلك لنكتة كقوله: (أمنزل الأحباب ما لك موحشاً(...؟
أما إذا وقع مثل ذلك في كلام الله سبحانه، كقوله تعالى: (وما تلك بيمينك ياموسى)(31) أو في كلام أوليائه، فلا يسمّى بتجاهل العارف، بل يسمّى حينئذ: ايراد الكلام في صورة الإستفهام لغاية.
1 ـ الانعام: 60.
2 ـ البقرة: 185.
3 ـ النجم: 43.
4 ـ آل عمران: 26.
5 ـ المائدة: 44.
6 ـ الزمر: 9.
7 ـ الليل: 5 ـ 10.
8 ـ البقرة: 16.
9 ـ الانعام: 103.
10 ـ الرحمن: 5 ـ 6.
11 ـ العنكبوت: 40.
12 ـ الأعراف: 34.
13 ـ يس: 81.
14 ـ مستدرك الوسائل: 7/448 ب 14 ح 8623.
15 ـ المائدة: 116.
16 ـ الإسراء: 12.
17 ـ الكهف: 46.
18 ـ المائدة: 12.
19 ـ فاطر: 12.
20 ـ الحاقة: 4 ـ 6.
21 ـ الشورى: 49 ـ 50.
22 ـ المائدة: 54.
23 ـ هود: 105 ـ 108.
24 ـ الأعراف: 126.
25 ـ النور: 37.
26 ـ هود: 44.
27 ـ البقرة: 189.
28 ـ النور: 35.
29 ـ الممتحنة: 10.
30 ـ بحار الأنوار: 12/218 ب 9 ح 1.
31 ـ طه: 17.
====
علم البديع : المحسنات اللفظية
الجناس
الجناس: وهو تشابه لفظين، مع اختلافهما في المعنى، وهو قسمان:
1 ـ لفظي.
2 ـ معنوي.
أقسام الجناس اللفظي
الجناس اللفظي على أقسام:
1 ـ الجناس التام: وهو ما اتفق فيه اللفظان المتجانسان في أمور أربعة:
نوع الحروف، وعددها، وهيئتها، وترتيبها مع اختلاف المعنى، كقوله تعالى: (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة)(1) فالمراد بالساعة الاولى: يوم القيامة، وبالساعة الثانية: جزء من الزمان.
2 ـ الجناس غير التام: وهو ما اختلف اللفظان في أحد الأمور الأربعة المذكورة (النوع والعدد والهيئة والترتيب).
فالإختلاف في عدد الحرف، نحو: (دوام الحال محال).
وفي نوعه: كقوله تعالى: (ذلك بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحقّ وبما كنتم تمرحون)(2).
وفي هيئته: نحو: (الجَدّ في الجِدّ والحرمان في الكسل).
وفي ترتيبه: نحو: (رحم الله من فكّ كفّه وكفّ فكّه).
3 ـ الجناس المطلق: وهو توافق اللفظين في الحروف وترتيبها، بدون أن يجمعهما اشتقاق، نحو: (غِفار، غفر الله لها).
وإن جمعهما اشتقاق سمي جناس الإشتقاق، نحو قوله تعالى: (لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد)(3).
4 ـ الجناس المذيّل: وهو ما يكون الإختلاف بأكثر من حرفين في آخره، كقوله:
يمدون من أيد عواص عواصم تـــصول بأسياف قواض قواضب
5 ـ الجناس المطرّف: وهو ما يكون الإختلاف بزيادة حرفين في أوله، كقوله:
وكــــم غرر مـــن برّه ولطائف لشكري على تلك اللطائف طائف
6 ـ الجناس المضارع: وهو ما يكون باختلاف اللفظين في حرفين، مع قرب مخرجهما، كقوله تعالى: (وهم ينهون عنه وينئون عنه)(4).
7 ـ الجناس اللاحق: وهو ما يكون باختلاف اللفظين في حرفين، مع بعد مخرجهما، كقوله تعالى: (ويل لكلّ هُمَزةٍ لُمَزةٍ)(5).
8 ـ الجناس التلفّظي: وهو ما اختلف ركناه خطاً مع اتحادهما في التلفّظ، كقوله:
اعــــذب خـــلق الله نطقاً وفمـاً إن لم يـــــكن أحق بالحُسن فمن
فالاول تنوين، والثاني نون.
9 ـ الجناس المحرّف: وهو ما اختلف اللفظان في هيئات الحروف من حيث الحركات، نحو: (جُبة البُرد جُنّة البَرد).
10 ـ الجناس المصحّف: وهو ما اختلف اللّفظان من حيث التنقيط، بحيث لو زالت النُقَط لم يتميّز أحدهما عن الآخر، ككتاب كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية: (غَرّك عزُّك فَصار قصار ذلك ذُلّك، فاخش فاحش فعلك، فعلّك تهدى بهذي)(6).
11 ـ الجناس المركّب: وهو ما اختلف اللفظان من حيث التركيب والإفراد، كقوله:
إذا ملك لم يكن ذا هبة فــدعه فــدولته ذاهبة
فالاول مركب بمعنى: صاحب هبة، والثاني: مفرد وهو اسم الفاعل:
12 ـ الجناس الملفّق: وهو ما كان اللّفظان كلاهما مركّباً، كقوله:
فلم تضع الأعادي قدر شأني ولا قــــــــالوا فلان قد رشاني
الاول: مركّب من (قدر) ومن (شأني) والثاني: مركّب من (قد) ومن (رشاني).
13 ـ جناس القلب: وهو ما اختلف فيه اللفظان في ترتيب الحروف، نحو: (رحم الله امرءاً مسك ما بين فكّيه وأطلق ما بين كفيّه).
14 ـ الجناس المستوى: وهو من جناس القلب، ويسمّى أيضاً: (مالا يستحيل بالإنعكاس) وهو ما لايختلف لو قريء من حرفه الاخير إلى الأوّل معكوساً ومقلوباً، وانّما يحصل بـــعـــيــنـــــه، نحو قوله تعالى: (كلّ فــــي فلك)(7) وقوله سبحانه: (ربّك فكبّر)(8) فإنّه ينعكس بعينه، ونحو قوله:
مودّته تدوم لكلّ هولٍ وهل كـــلٌ مودّته تدوم
وكذا قوله: (أرانا الإله هلالاً أناراً).
أقسام الجناس المعنوي
الجناس المعنوي قسمان:
1 ـ جناس الإضمار: وهو أن يأتي بلفظ يحضر في ذهنك لفظاً آخر، واللفظ الآخر يُراد به غير معناه بدلالة السياق، كقوله:
فهو إذا رأته عين الرائي أبــو معاذ أو أخو الخنساء
فإن المراد بأبي معاذ: (جبل) وبأخ الخنساء: (صخر) وليس بمراد، وانما المراد: ذم المقصود بأنه كالصخر.
2 ـ جناس الاشارة: وهو ما ذكر فيه أحد اللفظين وأشير للآخر بما يدلّ عليه، كقوله:
ياحمزة اسمح بــــــوصل وامـــــنن علينا بقـــــــــرب
في ثغرك اسمك أضحــى مــــــــــصحّفاً وبقلـــــــــبي
أراد (الخمرة) و(الجمرة) إذ هما مصحفا حمزة.
التصحيف
التصحيف: وهو التشابه بين كلمتين أو أكثر خطّأً، والفارق النقط، كـ(التحلّي) و(التخلّي) و(التجلي).
الازدواج
الازدواج: وهو تجانس اللفظين المجاورين، نحو: (من لجّ ولج) و(من جدّ وجد).
السجع
السجع: هو توافق الفاصلتين أو الفواصل في الحرف الاخير- والفاصلة في النثر كالقافية في الشعر- وموطن السجع النثر، وأحسنه ما تساوت فقراته، كقوله تعالى: (في سدر مخضود وطلح منضود وظلّ ممدود)(9) وإن لم تتساو فقراته فالاحسن ما طالت فقرته الثانية نحو قوله تعالى: (والنجم إذا هوى، ما ضلّ صاحبكم وما غوى)(10) أو طالت فقرته الثالثة، نحو قوله تعالى: (خذوه فغلّوه، ثمّ الجحيم صلّوه، ثمّ في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه)(11) ولا يحسن العكس بأن تطول الفقرة الاولى دون الثانية، أو الثانية دون الثالثة، لأن السامع ينتظر بقيتها، فإذا انقطع كان كالمبتور.
التشطير
التشطير: وهو جعل كل من شطري البيت مسجوعاً سجعة مخالفة للسجعة الّتي في الشطر الآخر، وهذا يكون على القول بعد اختصاص السجع بالنثر، كقوله:
تدبير معتصم بالله منتقم لله مــرتغب في الله مرتقب
فالشطر الاوّل سجعته مبنيّة على الميم والثاني على الباء.
الموازنة
الموازنة: وهي تساوي الفاصلتين في الوزن فقط لا في التقفية، نحو قوله تعالى: (ونمارق مصفوقة، وزرابيّ مبثوثة)(12) فإن كلمة (مصفوفة) متفقة مع كلمة (مبثوثة) في الوزن، لا في التقفية.
الترصيع
الترصيع: وهو توازن الألفاظ مع توافق الاعجاز، أو تقاربها، ومثال التوافق قوله تعالى: (إنّ الأبرار لفي نعيم وإن الفجّار لفي جحيم)(13).
ومثال التقارب قوله تعالى: (وآتيناهما الكتاب المستبين، وهديناهما الصراط المستقيم)(14).
التشريع
التشريع: ويسمّى (التوشيح) و(ذا القافيتين) أيضاً، وهو بناء البيت على قافيتين أو أكثر، يصح الوقوف على كلّ واحد منها، كقوله:
يا خــــــاطب الدنيا الدنية انها شرك الـــردى وقرارة الأكدار
دار إذا ما أضحكت في يومها أبـــــكت غداً تبّاً لها مــــن دار
فيصح الوقوف على (الردى) و)غدا) فتنقلب الأبيات من (بحر الكامل) وتكون من (مجزوء الكامل) وتقرأ هكذا:
ياخـــــاطب النيــــا الدنـــــــــــ ـــــــيّة انها شَرَك الــــــــــردى
دار إذا مـــــــــــــــا أضحكت فــــــــــــــــــي يومها أبكت غداً
لزوم ما لا لزم
لزوم ما لايلزم: ويسمّى الالزام والتضمين والتشديد والإعنات أيضاً، وهو أن يجيء قبل حرف الرويّ - في فاصلتين وأكثر أو بيتين وأكثر - بحرف لا يتوقّف السجع عليه، كقوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر)(15).
وكقوله:
أصالة الرأي صانتني عن الخطل وحليــة الفضل زانتني لدى العَطَل
فالراء في الآية واللام في الشعر، حروف الروي، وقد جيء قبل الراء بالهاء وقبل اللام بالطاء، وهو غير لازم لتحقّق السجع بدون ذلك.
ردّ العجز على الصدر
ردّ العجز على الصدر: وهو ان يعاد ما بدأ به الاخير، كقوله تعالى: (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)(16).
وقوله:
سريع الى ابن العم يلطم وجهه ولــــيس إلى داعي الندى بسريع
ما لا يستحيل بالانعكاس
مالا يستحيل بالإنعكاس، ويسمّى: القلب المستوي كما مرّ في جناس القلب، وهو: أن يقرأ عكساً كما يقرأ طرداً: (دام علاء العماد). ونحو: (كن كما أمكنك) فإنه إذا قرئ عكساً من الاخير الى الاوّل كان أيضاً: (دام علاء العماد) و(كن كما أمكنك).
المواربة
المواربة: وهي أن يجعل المتكلّم كلامه بحيث يمكن تغييره بتصحيف ونحوه، كما يحكى عن أبي نؤاس أنّه كتب على باب قصر هارون العباسي البيت التالي:
لقد ضاع شعري على بابكم مـــــا ضاع عقد على خالصة
فلما أنكر عليه هارون ذلك، محى هلال العين، فصار البيت كالتالي:
لقد ضاء شعري على بابكم كمـــا ضاء عِقد على خالصه
ائتلاف اللّفظ مع اللّفظ
ائتلاف اللّفظ مع اللّفظ: وهو أن يؤتى في العبارة بألفاظ من واد واحد في الأنس والغرابة ونحوهما، نحو: (ما لكم تكاكأتم عليّ... افرنقعوا) جمع بين غريبين (تكاكأتم) و(افرنقعوا).
التسميط
التسميط: وهو أن يجعل الشاعر بيته على أربعة أقسام، كقوله:
فنحن في جزل، والروم في وجل والبــــــرّ في شغل، والبحر في خجل
الإنسجام
الإنسجام: ويسمّى (السهولة) أيضاً، وهو سلامة الألفاظ والمعاني مع جزالتهما وتناسبهما، كقوله تعالى: (كلٌّ في فلك يسبحون)(17) وكقوله:
ما وهب الله لامرىء هبة أفضلَ مـن عقله ومن أدبه
هما كمال الفتى فـإن فقدا ففقــــــده للحياة أليق بــــه
الاكتفاء
الإكتفاء: وهو أن يحذف بعض الكلام لدلاله العقل عليه، كقوله:
قالت بنات العم يا سلمى وإن كــان فقيراً معدماً قالت وإن
أي: وإن كان فقيراً معدماً.
التطريز
التطريز: وهو أن يكون صدر الكلام مشتملاً على ثلاثة أسماء مختلفة المعاني، ويكون العجز صفة مكررة بلفظ واحد، كقوله:
وتسقيني وتشرب من رحيق خليق أن يُلقّب بـــــالخلوق
كـــأن الكأس فـي يدها وفيها عقيق في عقيق في عقيق
1 ـ الروم: 55.
2 ـ غافر: 75.
3 ـ الكافرون: 2 ـ 3.
4 ـ الانعام: 26.
5 ـ الهمزة: 1.
6 ـ بحار الانوار: 40/163 ب 93 ح 54.
7 ـ الانبياء: 33.
8 ـ المدثّر: 3.
9 ـ الواقعة: 28 ـ 30.
10 ـ النجم: 1 ـ 2.
11 ـ الحاقة: 30 ـ 32.
12 ـ الغاشية: 15 ـ 16.
13 ـ الإنفطار: 13 ـ 14.
14 الصافات: 117 ـ 118.
15 الضحى: 9 ـ 10.
16 الاحزاب: 37.
17 الانبياء: 33
====من موسوعة د الكلحي =======

علم البلاغة (علم المعاني)


علم البلاغة : مقدمة
البَلاغة هو أحد علوم اللغة العربية، وهو اسم مشتق من فعل بلغ، بمعنى إدراكـ الغاية أو الوصول إلى النهاية. فـالبلاغة تدل في اللغة على : إيصال معنى الخطاب كاملا إلى المتلقي، سواء أكان سامعا أم قارئا. فالإنسان حينما يمتلك البلاغة يستطيع إيصال المعنى إلى المستمع بإيجاز ويؤثر عليه أيضاً فالبلاغة لها أهمية في إلغاء الخطب والمحاضرات...ووصفها النبي محمد في قوله:((إن من البلاغة لسحراً))
يقول ابن الأثير
«مدار البلاغة كلها على استدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم، لأنه لا انتفاع بإيراد الأفكار المليحة الرائقة ولا المعاني. اللطيفة الدقيقة دون أن تكون مستجلبة لبلوغ غرض المخاطب بها »
ملحوظة
السجال استراتيجية بلاغية للهجوم على رأي أو سياسة معينة، وغالبا ما يستخدم في الخطابات الدينية أو السياسية، كما يوظف في الفلسفة والنقد، يتجاوز السجال حد المناظرة أو المناقشة في مستواها البسيط بطرق عدة، ويعتمد على خطاب حجاجي يتطلع إلى وضعية القضاء على حجة الخصم إن لم يكن يتطلع إلى القضاء على الخصم نفسه. ويتجه هذا الفعل عملياً إلى الجمهور الذي من الممكن أن يكون وهمياً رغبة في تقديم الدعم لوضع المساجل.

وقد قسموا هذا العلم إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ (علم المعاني) وهو العلم بما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى الذي يريده المتكلم كي يفهمه السامع بلا خلل وانحراف.
2 ـ (علم البيان) وهو العلم بما يحترز به عن التعقيد المعنوي، كي لا يكون الكلام غير واضح الدلالة على المعنى المراد.
3 ـ (علم البديع) وهو العلم بجهات تحسين الكلام.
فـ(المعاني) و(البيان) وضعا لمعرفة التحسين الذاتي، و(البديع) وضع لمعرفة التحسين العرضي.
========
علم المعانى : الفصاحة والبلاغة
الفصاحة

(الفصاحة) في اللغة: بمعنى البيان والظهور، قالى تعالى: (وأخي هارون هو أفصح منّي لساناً)(1).
وفي الإصلاح: عبارة عن الالفاظ الظاهرة المعنى، المألوفة الإستعمال عند العرب.
وهي تكون وصفاً للكلمة والكلام والمتكلم يقال: كلمة فصيحة، وكلام فصيح، ومتكلم فصيح.
فصاحة الكلمة
فصاحة الكلمة هي: خلوص الكلمة من الأمور التالية:
1 ـ من تنافر الحروف، بأن لا تكون الكلمة ثقيلة على السمع، صعبة على اللسان، فنحو (هعخع): اسم بنت ترعاه الإبل، متنافر الحروف.
2 ـ ومن غرابة الاستعمال، وهي كون الكلمة غير ظاهرة المعنى، ولا مألوفة الاستعمال عند العرب، حتى لا يفهم المراد منها، لاشتراك اللفظ، أو للإحتياج الى مراجعة القواميس، فنحو (مسرّج) و) تكأكأتم) غريب.
قال الشاعر:
ومـــقلةً وحاجـــباً مـــرجــّجا وفــاحماً، ومــرسِناً مسرّجاً
وقال عيسى بن عمروا النحوي ـحين وقع من حماره واجتمع عليه الناس ـ (ما لكم تكأكأتم عليّ، كتكأكئكم على ذي جنة، إنفرقعوا عنّي).
3 ـ ومن مخالفة القياس: بأن تكون الكلمة شاذة، على خلاف القانون الصرفي المستنبط من كلام العرب، فنحو (الاجلل) مخالف للقياس، والقياس (الأجل) بالإدغام.
قال أبو النجم:
الـــــحمد لله الــعلي الاجــلل الواحــد الــفرد الــقديم الأول
4 ـ ومن الكراهة في السمع، بأن تكون الكلمة وحشية، تمجّها الأسماع، كما تمجّ الأصوات المنكرة، نحو) الجرشى) بمعنى: النفس.
قال المتنبي:
مـــبارك الإسم أغـــرّ اللقبْ كريم الجرشّى شريف النسبْ
والحاصل:
انه إذا كان في الكلمة شيء من هذه الأربعة، كانت غير فصيحة، فاللازم على الفصيح اجتناب هذه الأمور.
فصاحة الكلام
فصاحة الكلام هي: خلوص الكلام من الأمور التالية:
1- من عدم فصاحة بعض كلماته، فإذا اشتمل كلام على كلمة غير فصيحة ـ كما تقدّم ـ سقط الكلام عن الفصاحة.
2- ومن تنافر الكلمات المجتمعة، بأن يكون بين كلماته تنافراً، فتثقل على السمع، وتَعسر على النطق، نحو هذين البيتين:
وقــب رحــرب بــمكان قفــــرُ وليس قــربَ قـبر حـرب قـبرُ
وقال أبو تمّمام:
كــريم متى أمــدحه والــورى معي وإذا ما لمته لمته وحدي
3- ومن ضعف التأليف: بأن يكون الكلام جارياً على خلاف قوانين النحو المستنبطة من كلام العرب، كوصل ضميرين وتقديم غير الاعرف نحو: (اعاضهاك) في قول المتنّبي:
خلت البلاد من الغزالة ليلهـا فاعاضهاك الله كــي لا تحزنا
4- ومن التعقيد اللفظي، بأن تكون الكلمات مرتّبة على خلاف ترتيب المعاني.
قال المتنبي:
جفختْ وهم لا يجفخون بها بهم شيمٌ على الحسب الأغر دلائل
والأصل: جفخت بهم شيمٌ دلائل على الحسب الاغرّ وهم لا يجفخون بها.
5 ـ ومن التعقيد المعنوي: بأن يكون التركيب خفي الدلالة على المعنى المراد بسبب ايراد اللوازم البعيدة، المحتاجة الى إعمال الذهن، حتى يفهم المقصود.
قال عباس بن الاحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
أردا بجمود العين: الفرح والسرور الموجب لعدم البكاء، وهذا خلاف المعنى المتفاهم.
6- ومن كثرة التكرار، بأن يكرر اللفظ الواحد، فيأتي به مرتين أو أزيد.
قال الشاعر:
اني واسطار سطرن سطرا لقائل يا نصر نصر نصرا
7- ومن تتابع الاضافات، بأن تتداخل الإضافات.
قال ابن بابك:
حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي فأنت بمــــرأى مـــن سعاد ومسمع
والحاصل:
انه إذا كان في الكلام أحد هذه الأمور السبعة كان غير فصيح.
فصاحة المتكلم
فصاحة المتكّلم عبارة: عن أن يكون المتكلم ذا ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود، بكلام فصيح، والملكة تحصل بطول ممارسة الكلام الفصيح، بأن يكون في بيئة عربية فصيحة، أو يمرّن نفسه بكلمات الفصحاء كثيراً، كل ذلك وللذوق مدخل عظيم.
البلاغة
(البلاغة) في اللغة‏: بمعنى الوصول والانتهاء، قال تعالى: (ولّما بلغ اشدَّه)(2) أي وصل.
وفي الاصطلاح:
1 ـ أن يكون مطابقاً لمقتضى الحال، بأن يكون على طبق مستلزمات المقام، وحالات المخاطب، مثلاً لمقام الهول كلام، ولمقام الجد كلام، ومع السوقة كلام. ومع كلام الملوك كلام.. وهكذا.
2 ـ وان يكون فصيحاً ـ على ما تقدم ـ..
والبلاغة تقع وصفاً للكلام وللمتكلم، فيقال: كلام بليغ، ومتكلم بليغ، ولا يقال: كلمة بليغة.
بلاغة الكلام
(بلاغة الكلام) عبارة عن: أن يكون الكلام مطابقاً لما يقتضيه حال الخطاب، مع فصاحة الفاظ مفرداته ومركباته، فلو تكلم في حال الفرح مثل ما يتكلم في حال الحزن، أو العكس، أو تكلم في حال الفرح بكلام يتكلم به في هذه الحال لكن كانت الالفاظ غير فصيحة، لا يسمى الكلام بليغاً.
ثم إن الامر المقتضى للأتيان بالكلام على كيفية مّا، يسمى:
1 ـ (مقاماً) باعتبار حلول الكلام فيه.
2 ـ (حالاً) باعتبار حالة المخاطب أو المتكلم أو نحوهما.
والقاء الكلام على هذه الصورة التي اقتضاها الحال يسمى (مقتضى) فقولهم: (مقتضى الحال) أو (مقتضى المقام) بمعنى الكيفية التي اقتضاها الحال أو المقام.
مثلاً: يقال عند كون الفاعل نكرة، حين يتطلب المقام التنكير: هذا الكلام مطابق لمقتضى الحال.
إذاً: فالحال والمقام شيء واحد، وانما الاختلاف بالاعتبار.
بلاغة المتكلم
(بلاغة المتكلم) عبارة عن: ملكة في النفس يقتدر بها صاحبها على تأليف كلام بليغ، بحيث يكون مطابقاً لمقتضى الحال، فصيحاً.
وقد عرّف (ابن المعتز) الكلام البليغ بكلام بليغ، فقال: (ابلغ الكلام: ما حسن ايجاده، وقلّ مجازه، وكثر اعجازه، وتناسبت صدوره وأعجازه).
1 ـ القصص: 34.
2 ـ يوسف: 22. القصص: 14. الاحقاف: 15.
=======
علم المعانى : الخبر
أقسام الكلام
الكلام إما خبر وإما إنشاء، ولنتكلم الآن عن الخبر:
والخبر: هو ما يحتمل الصدق والكذب، نحو: محمد جالس، فإن كان هذا الكلام مطابقاً للواقع، بأن كان محمد جالساً، كان الكلام صدقاً، وإن لم يكن مطابقاً للواقع، بأن لم يكن محمد جالساً، كان كذباً.
والغالب في الخبر أن يلقى لأحد أمرين:
1- افادة المخاطب الحكم الذي تضمنه الخبر وذلك فيما إذا كان المخاطب جاهلاً، كقولك: (الله ربنا) للطبيعي. وهذا القسم يسمى: (فائدة الخبر).
2 ـ افادة المخاطب أن المتكلم عالم أيضاً وأنه يعلم الخبر، وذلك فيما إذا كان المخاطب عالماً، كقولك: (أنت حفظت القرآن) لمن كان حافظاً للقرآن. ويسمى هذا القسم: (لازم فائدة الخبر).
وقد تأتي بالكلام لاغراض اخر، غير هذين مثل:
1 ـ الاسترحام، نحو: (الهي عبدك العاصي اتاكا..).
2 ـ اغراء المخاطب بشيء، نحو: (وليس سواءاً عالم وجهول).
3 ـ اظهار الضعف والخشوع، كقوله تعالى: (قال رب اني وهن العظم مني..)(1).
4 ـ اظهار التحسر على شيء محبوب، كقوله تعالى: (قالت رب اني وضعتها انثى)(2).
5 ـ اظهار الفرح، كقوله تعالى (جاء الحق..)(3).
6 ـ التوبيخ، كقولك: (أنا أعلم فيم أنت!).
7 ـ التحذير، نحو (أبغض الحلال الطلاق)(4).
8 ـ الفخر، نحو: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)(5).
9 ـ المدح، نحو: (فإنك شمس والملوك كواكب..).
10 ـ التذكير بأمر، كالتفاوت بين المراتب، نحو: (لايستوي كسلان ونشيط).
أقسام الخبر
ينقسم الخبر الى:
1- الابتدائي، وهو ما يستعمل حين يكون المخاطب خالي الذهن من الخبر، كقولك ـ لمن لا يعلم كون القبلة في طرف الجنوب من العراق ـ: (القبلة في العراق نحو الجنوب).
2- الطلبي، وهو ما يستعمل حين يكون المخاطب شاكاً في الخبر، طالباً العلم به، كقولك ـ لمن شك في سقوط حكومة ـ: (الحكومة سقطت). ويستحسن في هذه الحال تأكيد الخبر بمؤكد.
3 ـ الإنكاري، وهو ما يستعمل حين يكون المخاطب منكراً، كقولك للنصراني: (والله محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي). وفي هذه الحال يؤتى بالخبر مؤكداً بالقسم أو حرف التنبيه المؤكد أو نحوهما.
لكن ربما يؤكد الخبر لشرف الحكم، وان لم يكن المخاطب متردداً أو منكراً، كقولك: (ان النجاة في الصدق)(6).
واذا جئنا بالتأكيد على حسب ما ذكرنا، سمي الكلام: مطابقاً لمقتضى الظاهر.
وأما اذا لم نأت بالتأكيد في مورد التأكيد، أو أتينا بالتأكيد في غير مورده، فإن كان هناك اعتبار بلاغي كان حسناً، والاّ فلا.
العدول عن مقتضى الظاهر
وقد ذكروا للعدول عن مقنضى الظاهر لاعتبار بلاغي موارد:
1 ـ تنزيل العالم منزلة الجاهل، لعدم جريه على موجب علمه، فيلقى إليه الخبر كما يلقى الى الجاهل تقول لمن لا يصلي، وهو عالم بوجوب الصلاة: (الصلاة واجبة) من غير تأكيد.
2- تنزيل خالي الذهن منزلة المتردد السائل، قال تعالى: (وما أبرء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء)(7) فإن قوله: ان النفس.. أكدت لأنه تقدم ويشير الى الخبر المقتضي لتردد المخاطب.
3- تنزيل غير المنكر منزلة المنكر، اذا ظهرت امارة الانكار، كقوله:
جاء شقيق عارضاً رمحه ان بني عمّك فيهم رماح
فشقيق لا ينكر رماح بني عمه، ولكن مجيئه واضعاً رمحه على فخذه بالعرض وهو راكب، بمنزلة انكاره ان لبني عمه رماحاً، فأكد الكلام استهزاءاً به.
4- تنزيل المتردد منزلة الخالي الذهن، كقولك لمن تردد في مجيء الشتاء: (جاء الشتاء).
5- تنزيل المتردد منزلة المنكر، ويدل على ذلك شدة التأكيد، والا فلو لم ينزل كان التأكيد الواحد كافياً، كقولك لمن يتردد في مجيء الامير: (والله ان الامير جاء).
6- تنزيل المنكر منزلة الخالي الذهن، لان عنده من الدلائل ما لو تأملها ارتدع، قال تعالى ‏: (والهكم اله واحد)(8).
7- تنزيل المنكر منزلة المتردد، ويظهر بعدم الاعتناء الى مزيد التأكيد مع اقتضاء المقام ذلك كقولك لمن ينكر نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أشد الانكار: (ان محمداً صلى الله عليه وآله نبي).
وحاصل التقسيم: ان كلاً من المنكر والمتردد والخالي قد ينزّل منزلة غيره لاعتبار بلاغي.
أقسام الخبر
ينقسم الخبر الى قسمين:
1- الجملة الفعلية، وهي اما مركبّة من فعل وفاعل، نحو: (قال زيد) واما من فعل ونائب فاعل نحو (ضُرب زيدٌ).
ثمّ إنّها قد تفيد التجدد والحدوث في زمن معيّن، نحو قولهم في البخيل: (يعيش عيشة الفقراء ويحاسب حساب الأغنياء).
وقد تفيد الاستمرار التجددي شيئاً فشيئاً، كقول المتنبي: (تدبّر شرق الارض والغرب كفه..) بمعنى أن شأنه المستمر تدبير الممالك.
2- الجملة الاسمية، وهي ما تركبت من مبتدأ وخبر، وهي لا تفيد الاّ ثبوت شيء لشيء، نحو (زيد شجاع) لكن إذا كان خبر المبتدأ فعلاً، أو كان هناك قرينة، أفادت التجدد أيضاً، نحو: (الكريـــم يفرح بالضيف) وقوله تعالـــى: (وانك لعـــلي خلق عظيم)(9).
1 ـ مريم: 4.
2 ـ آل عمران: 36.
3 ـ الاسراء: 81 سبأ: 49.
4 ـ راجع المستدرك 15/279 ب1 ح 18233.
5 ـ بحار الأنوار: 9/294 ب2 ح5
6 ـ بحار الأنوار: 70/14 ب 122 ح3 (بيان) ط بيروت.
7 ـ يوسف: 53.
8 ـ البقرة: 163.
9 ـ القلم: 4.
======
علم المعانى : الإنشاء
فـ (الانشاء) لغة: هو االايجاد.
وفي الاصطلاح: ما لا يحتمل صدقاً ولا كذباً، كالامر والنهي والاستفهام والتمني والنداء وغيرها، فإنك إذا قلت: (اللّهم ارحمني) لا يصح أن يقال لك: صادق أو كاذب، نعم يصح ذلك بالنسبة الى الخبر الضمني المستفاد من الكلام، وهو انك طالب للمغفرة.
أقسام الإنشاء
والانشاء ينقسم إلى (طلبي) و(غير طلبي).
فا لانشاء غير الطلبي: ما لايستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب، وهو على أقسام:
1 ـ المدح والذم، ويكونان بـ (نعم) و(حبذا) و(ساء) و(بئس) و(لاحبذا)، نحو: (نعم الرجل زيد) و(وبئست المرأة هند).
2 ـ العقود، سواء كانت بلفظ الماضي، نحو: (بعت) و(وهبت) أم بغيره، نحو: (امرأتي طالق) و(عبدي حرّ).
3 ـ القَسَم، سواء كان بالواو أو بغيرها، نحو: (والله) و(لعمرك).
4 ـ التعجّب، ويأتي قياساً بصيغة (ما أفعله) و(أفعل به) نحو): (ما أحسن عليّاً) و(أكرم بالحسين) وسماعاً بغيرهما، نحو: (كيف تكفرون بالله)(1).
5 ـ الرجاء، ويأتي بـ (عسى) و(حرى) و(اخلولق) نحو: (فعسى الله أن يأتي بالفتح)(2).
الإنشاء الطلبي
والانشاء الطلبي: هو الذي يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب ـ حسب اعتقاد المتكلم ـ وهو المبحوث عنه في علم المعاني لما فيه من اللطائف البلاغيّة، وانواعه خمسة:
الأول: الامر، وهو طلب حصول الفعل من المخاطب على سبيل الاستعلاء، وهو امّا:
1 - بفعل الامر نحو: (اقم الصلاة لدلوك الشمس)(3).
2 - أو بالمضارع المجزوم بلام الأمر نحو: (وليتق الله ربه)(4) ومثله الجملة نحو:(يعيد الصلاة)(5).
3 - أو باسم فعل الامر نحو: (عليكم أنفسكم)(6).
4 - أو بالمصدر النائب عن فعل الأمر: نحو: (ذهاباً الى بيت الله).
قالوا: وقد تخرج صيغة الامر: عن معناها الاصلي ـ المتقدم ـ فيراد منها أحد المعاني الآتية بالقرينة، لكن الظاهر أنها مستعملة في معناها، وانما تختلف الدواعي، وتحقيقه في الاصول(7).
1 ـ الدعاء، نحو: (رب أوزعني أن أشكر نعمتك)(8).
2 ـ الإلتماس، نحو: (اذهب الى الدار) تقوله لمن يساويك.
3 ـ الارشاد، نحو: (اذا تداينتم بدين الى اجل مسمى فاكتبوه)(9).
4 ـ التهديد، نحو: (اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير)(10).
5 ـ التعجيز، نحو: (فأتوا بسورة من مثله)(11).
6 ـ الاباحة، نحو: (وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)(12).
7 ـ التسوية، نحو: (اصبروا أو لا تصبروا)(13).
8 ـ الإكرام، نحو: (ادخلوها بسلام آمنين)(14).
9 ـ الإمتنان، نحو: (فكلوا ممّا رزقكم الله)(15).
10 ـ الاهانة، نحو: (كونوا حجارة أو حديداً)(16).
11 ـ الدوام، نحو: (اهدنا الصراط المستقيم)(17).
12 ـ التمنّي، كقوله: (ألا أيها الليل الطويل الا انجلي..).
13 ـ الاعتبار، نحو: (انظروا إلى ثمره إذا أثمر)(18).
14 ـ الاذن، نحو قولك: (ادخل) لمن طرق الباب.
15 ـ التكوين، نحو قوله تعالى: (كن فيكون)(19).
16 ـ التخيير، نحو: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)(20).
17 ـ التأديب، نحو: (كل ما بين يديك) لمن يأكل من الاطراف.
18 ـ التعجّب، نحو: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال)(21).
النهي
الثاني: النهي، وهو طلب المتكلم من المخاطب الكف عن الفعل، على سبيل الاستعلاء.
وهو أما:
1 ـ بصيغة المضارع المدخول عليها اللا، كقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل..)(22).
2 ـ أو بالجملة الدالة على ذلك، كقولك: (حرام أن تفعل كذا).
قالوا: وقد يستفاد من النهي معان أخر مجازاً بالقرينة، على ما يلي:
1 - الدعاء كقوله تعالى: (ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)(23).
2 - الالتماس، كقولك لاخيك: (لا تفعل خلاف رضاي).
3 - الارشاد كقوله تعلى: (ولا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)(24).
4 - الدوام، كقوله تعالى: (ولا تحسبن الله غافلاً عمَا يعمل الظالمون)(25).
5 - بيان العاقبة، كقوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً)(26).
6 - التيئيس، كقوله تعالى: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم)(27).
7 - التمنّي، كقولك: (يا شمس لا تغربي).
8 - التهديد، كقولك لولدك مهدداً: (لا تذهب إلى مجالس البطالين)
9 - الكراهة، نحو (لا تشتم الريحان في يوم الصوم).
10 - التوبيخ، كقوله: (لا تنه عن خلق وتأتي مثله).
11 - الايناس، كقوله تعالى: (لا تحزن)(28).
12 - التحقير، كقوله: (دع المكارم لا ترحل لبغيتها..).
الإستفهام
الثالث: الاستفهام، وهو طلب الفهم، فيما يكون المستفهم عنه مجهولاً لدى المتكلّم، وقد يكون لغير ذلك كما سيأتي، ويقع الاستفهام بهذه الادوات:
1 ـ الهمزة كقوله تعالى: (أراغب أنت عن آلهتي)(29).
2 ـ هل، كقوله تعالى: (فهل أنتم منتهون)(30).
3 ـ ما، كقوله تعالى: (أماذا كنتم تعملون)(31).
4 ـ من، كقوله تعالى: (من فعل هذا بآلهتنا)(32).
5 ـ أيّان، كقوله تعالى: (يسئلون أيان يوم الدين)(33).
6 ـ أين، كقوله تعالى: (أين شركاؤكم..)(34).
7 ـ كيف، كقوله تعالى: (كيف تكفرون بالله..)(35).
8 ـ انّى، كقوله تعالى: (اني يحيى هذه الله بعد موتها)(36).
9 ـ كم، كقوله تعالى: (كم لبثتم في الارض عدد سنين)(37).
10 ـ أيّ، كقوله تعالى: (أيّ الفريقين خير مقاماً)(38).
أقسام أدوات الاستفهام
تنقسم أدوات الإستفهام إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ ما يطلب به التصوّر.
2 ـ ما يطلب به التصديق.
3 ـ ما يطلب به التصوّر مرة، والتصديق اخرى.
والتصوّر، هو ادراك المفرد، بمعنى أن لا يكون هناك نسبة، فـ (زيد) و(عمرو) و(القرآن) و(الله).. ونحوها كلّها مفرد، فهي تصورات.
والتصديق: هو ادراك النسبة، أي نسبة الفعل الى فاعله أو المبتدأ الى خبره، فـ (زيد قائم) و(الله عالم)(39) و(محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي).. ونحوها كلها نسبة، فهي تصديقات.
وجملة القول:
ان العلم ان كان اذاعاناً للنسبة فتصديق، والا فتصورّ.
والتصديق كما يكون في الاثبات، نحو (محمد عادل) كذلك يكون في النفي، نحو (خالد فاسق).
همزة الاستفهام
من أدوات الاستفهام الهمزة، وهي مشتركة، فتأتي تارة لطلب التصور، وأخرى لطلب التصديق.
1- أما ما كان لطلب التصوّر، فيلي الهمزة المسئوول عنه، والسؤال حينئذٍ عن المفرد لا النسبة بمعنى: أن السائل يعلم بالنسبة، وانما لا يعلم شيئاً من اطرافها.
مثلاً يعلم: أنه وقع فعل ما، لكن لا يعرف المسند، أو المسند اليه، أو المفعول، أو الحال، أو الظرف، أو الصفة.. أو نحوها.
ففي نحو: (ضرب زيدٌ عمراً، الفاسق، راكباً، في الصحراء) يقع المجهول بعد همزة الاستفهام.
فتقول في الجهل بالفعل: (أضربه أم قتله)؟
وتقول في الجهل بالفاعل: (أزيد الضارب أم بكر)؟
وتقول في الجهل بالمفعول: (أعمراً المضروب أم محمداً)
وتقول في الجهل بالصفة: (أعمرا الفاسق أم التاجر)؟
وتقول في الجهل بالحال: (أراكباً كان زيد أم راجلاً)؟
وتقول فيي الجهل بالظرف: (أفي الصحراء أم في البلد)؟
وهكذا..
وقد علم من هذه الامثلة: ان النسبة معلومة، وانما المجهول مفرد من المفردات.
2 ـ وأما ما كان لطلب التصديق، فالهمزة تدخل على الجملة، والسؤال يقع عن النسبة، كقولك: (أجاء زيدٌ؟) فيما لم تعلم بالمجيء.
ثم ان الغالب أن يؤتى للهمزة التي لطلب التصور بمعادل، كما عرفت في الامثلة: من معادلة (أم) للهمزة.
بخلاف طلب التصديق فلا يؤتى للهمزة بمعادل، كما تقدم في المثال.
ثم أن جواب الهمزة التي لطلب التصور: تعيين أحد الشقين:
فتقول في السؤال الاول: (ضربه).
وتقول في السؤال الثاني: (زيدٌ).
وتقول في السؤال الثالث: (عمراً).
وهكذا...
بخلاف الهمزة التي لطلب التصديق، فالجواب: (نعم) أو (لا).
هل الاستفهامية
من أدوات الاستفهام: هل، وهي مختصة بطلب التصديق، فيراد بها معرفة وقوع النسبة وعدم وقوعها، ولذا لا يذكر معها معادل، كما يكون جوابها: (نعم) أو (لا).
تقول: (هل قام زيد)؟
والجواب: (نعم) أو: (لا).
وتنقسم هل الى:
1 ـ بسيطة، وهي أن يكون المستفهم عنه بها: وجود الشيء وعدمه، كما تقول: (هل العنقاء موجودة)؟
2 ـ مركبة، وهي أن يكون المستفهم عنه بها: صفة زائدة على الوجود، كما تقول: (هل الخفاش يبصر)؟
ما الاستفهامية
بقية أدوات الاستفهام موضوعة لطلب التصوّر فقط، فيقع السؤال عن معناها.
1 ـ فـ (ما): موضوعة للاستفهام عن غير العقلاء، ويطلب بها احد امور ثلاثة:
الأول: ايضاح الاسم، مثلاً يقال: (ما الفدوكس)؟ فيقال في الجواب: (أسد).
الثاني: بيان حقيقة الشيء، مثلاً يقال: (ما الاسد)؟ فيقال في الجواب: (حيوان مفترس).
الثالث: بيان صفة الشيء، مثلاً يقال: (ما الحيوان)؟ فيقال في الجواب: (حساس متحرك بالارادة).
وهنا نكتة لا بأس بالتنبيه عليها، وهي: أن السؤال عن شيء حسب ترتيبه العقلي هكذا:
الف ـ السؤال بـ (ما) الشارحة، تقول: (ما هي الذكاء)؟ فيقال: (الشمس).
ب- السؤال بـ (هل) البسيطة، تقول: (هل الشمس موجودة)؟ فيقال: (نعم).
ج- السؤال بـ (ما) الحقيقية، تقول (ماهي الشمس)؟ فيقال: (جرم علوي مضيء..).
د- السؤال بـ (هل المركبة)، تقول: (هل الشمس أصل الكون)؟ فيقال: (لا).
وذلك لان الانسان يطلب أولاً معنى اللفظ، ثم وجوده، ثم حقيقته، ثم صفاته وخصوصياته.
بقية أدوات الاستفهام
2 ـ و(من): موضوعة للاستفهام عن العقلاء، كقوله تعالى: (من فعل هذا بآلهتنا)؟ (40) وقد ينعكس، فتستعمل (ما) للعاقل، و(من) لغيره.
3 ـ و(متى): موضوعه للاستفهام عن الزمان، مستقبلاً كان أم ماضياً، نحو: (متى خلّف رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم) علياً عليه السلام و(متى يظهر الحجّة عليه السلام)؟
4 ـ و(أيّان): موضوعة للاستفهام عن زمان المستقبل فقط، قال تعالى: (يسئل أيّان يوم القيامة)؟ (41).
5 ـ و(كيف): موضـــوعــــة للاستفـــهام عن الحال، قــــال تعالى: (فكيف اذا جئنا من كل أُمَّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً)؟(42).
6 ـ و(اين): موضوعة للاستفهام عن المكان، قال تعالى: (أين شركاؤكم)؟ (43).
7 ـ و(أتّى): موضوعة الاستفهام، وتأتي بمعنى:
الف ـ كيف، كقوله تعالى: (أنّى يُحيي هذه الله بعد موتها)؟ (44).
ب - وبمعنى من أين، كقوله تعالى: (يا مريم أنّى لكِ هذا)؟ (45).
ج- وبمعنى متى، تقول: (زره أنّى شئت؟).
8 ـ و(كم): موضوعة للاستفهام عن عدد مبهم، كقوله تعالى: كم لبثتم في الارض عدد سنين) (46).
9 ـ و(أيّ) موضوعة للإستفهام عن تمييز أحد المتشاركين في أمر يعمهما: شخصاً، أو زماناً أو مكاناً، أو حالاً، أو عدداً، عاقلاً أو غيره، قال تعالى: (أيُّ الفريقين خير مقاماً)؟ (47).
خروج أدوات الإستفهام من معانيها
قالوا: وقد تخرج ألفاظ الاستفهام عن معناها الاصلي: وهو طلب الفهم من الجهل، فيستفهم بها عن الشيء مع االعلم به لاغراض أخرى، وأهمها أمور:
1 - الامر، كقوله تعالى: (فهل أنتم منتهون)؟ (48)أي انتهوا.
2 - النهي، كقوله تعالى: (أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه) (49). أي لا تخشوهم.
3 - التسوية، كقوله تعالى: (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم)؟ (50).
4 - النفي، كقوله تعالى: (هل جزاء الاحسان الا الاحسان)؟ (51).
5 - الانكار، كقوله تعالى:(أغير الله تدعون)؟ (52).
6 - التشويق، كقوله تعالى:(هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم)؟ (53).
7 - الاستئناس، كقوله تعالى: (وما تلك بيمينك يا موسى)؟ (54).
8 - التقرير، كقوله تعالى:(ألم نشرح لك صدرك)؟ (55).
9 - التهويل، كقوله تعالى: (وما أدراك ما الحاقة)؟ (56).
10 - الإستبعاد، كقوله تعالى: (أنّى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين)؟(57).
11 - التعظيم كقوله تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)؟ (58).
12 - التحقير، كقوله تعالى: (أهذا الذي يذكر آلهتكم)؟ (59).
13 ـ التعجّب، كقوله تعالى: (ما لهذا الرسول يأكل الطعام)؟ (60).
14 ـ التهكّم، كقوله تعالى: (أصلاتك تأمرك أن نترك ما كان يعبد آباؤنا)؟ (61).
15 - الوعيد، كقوله تعالى:(ألم تر كيف فعل ربّك بعباد)؟ (62).
16 - الاستبطاء، كقوله تعالى:(متى نصر الله)؟ (63).
17 - التنبيه على الخطأ، كقوله تعالى:(أتستبدلون الّذي هو أدنى بالذّي هو خير)؟ (64).
18 - التنبيه على ضلال الطريق، كقوله تعالى: (فأين تذهبون)؟ (65).
19 - التحسّر، كقوله تعالى: (ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني الى النار)؟ (66).
20 - التكثير، كقوله: (أهذا الخلق يحشر في القيامة).
التمنّي
الرابع(67): التمني، وهو طلب المحبوب الذي لا يرجى حصوله، لاستحالته عقلاً أو شرعاً أو عادة، كقولك: (ليت الشباب لنا يعود) و(ليت السواك كان واجباً) وقوله تعالى: (يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون)(68).
والفرق بين التمنّي والترجّي ـ كما ذكروا ـ: أن التمنّي يأتي فيما لا يرجى حصوله، ممكناً كان أم ممتنعاً، والترجّي فيما يرجى حصوله.
ويستعمل للترجّي ـ غالباً ـ (عسى) و(لعلّ) قال الله تعالى: (فعسى الله أن يأتي بالفتح)(69) وقال سبحانه: (لعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمراً)(70).
قالوا: وللتمنّي أدوات أخرى تستعمل فيه مجازاً، مثل:
(هل): قال تعالى: (فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا)؟ (71).
و (لو): قال تعالى: (فلو أن لنا كرَّةً فنكون من المؤمنين)(72).
و (لعلّ) كقول الشاعر:
أسرب القطا هل من يعير جناحه لعلّـــي إلى من قد هويت أطير
وقد ينعكس فيؤتى بـ (ليت) مكان (لعل)، قال تعالى: (يا ليتني اتّخذتُ مع الرسول سبيلاً)(73) للتندّم، وقال الشاعر:
فيا ليت ما بيني وبين أحبّتـــي من البعد ما بيني وبين المصائب
النداء
الخامس: النداء، وهو طلب توجّه المخاطب الى المتكلّم بحرف يفيد معنى: (انادي).
وحروف النداء:
1 ـ الهمزة: قال الشاعر: (أسكّان نعمان الاراك تيقّنوا...).
2 ـ يا: قال تعالى: (ياأيّها النبي اتّق الله...)(74).
3 ـ أيّ: قال الشاعر: (أيها السائل عنهم وعني...).
4 ـ أ: كقوله: (أسيد القوم أنّي لست متّكلاً...).
5 ـ أي: كقوله: (أي ربّ قوّ المسلمين فإنهم...).
6 ـ أيا: كقوله: (أيا من لست أنساه...).
7 ـ هيا: كقوله: (... ويقول من فرح: هيا ربّا).
8 ـ وا: كقوله: (فوا عجباً كم يدّعي الفضلَ ناقص...).
ثم انهم اختلفوا في هذه الحروف، والمرجحّ: أن (الهمزة) و(أيّ) لنداء القريب، والباقي لنداء البعيد.
وقد يجعل للقريب سائر الادوات اشارة إلى انحطاط مرتبته فلا يليق بالتكلّم معه عن قريب، أو ارتفاع مرتبته فشأنه أجلّ من أن يتكلّم عن قرب، أو لكونه كالبعيد، كالنائم والغافل..
كما أنه ربما يجعل للبعيد أدوات القريب، اشارة إلى أنه في نفس المتكلّم فهو كالقريب، أو لتنزيل القرب المعنوي منزلة القرب المكاني..
استخدام النداء لأغراض اُخر
قالوا: وربما يؤتى بحرف النداء لغرض آخر، وأهم الاغراض:
1 ـ الإستغاثة، كقوله: (يا لقومي ويا لأمثال قومي..).
2 ـ الاغراء، كقوله: (يا من رُميت ألا تنهض إلى الثار...).
3 ـ الندبة، كقوله: (يا حسيناً قتلته الأشقياء...).
4 ـ الزجر، كقوله: (أفؤادي متى المتاب؟...).
5 ـ التعجّب، كقوله: (يا أيّها المجنون كيف تفلسف؟...).
6 ـ التضجّر وإظهار الحزن، كقوله: (أيا منزل الاحباب أين الاحبّة؟...).
7 ـ التذكّر، كقوله: (ذكرتك يا معهد المسلمين...).
8 ـ الاختصاص، وهو كالنداء من غير ياء، فيؤتى بالضمير ثم باسم ظاهر يبيّنه، نحو قوله تعالى: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت أنّه حميد مجيد)(75) ونحو قوله (صلى الله عليه آله وسلم): (انّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم)(76).
وضع الخبر موضع الإنشاء
يوضع الخبر موضع الإنشاء لاغراض:
1 ـ التفأل، كقوله: (عافاك ربّك من بليتّك التي...) وكقوله: (وفّقك الله) و(أصلحك الله).
2 ـ الإحتراز عن إتيان الشيء بصورة الأمر، تأدباً ونحوه، كقوله: (ينظر سيّدي إلى مقالي..).
3 ـ التنبيه على سهولة الأمر لتوفّر شروطه، كقوله: (تأخذون بنواصي القوم وتنزلونهم من صياصيهم...).
4 ـ المبالغة في الطلب تأكيداً، كقوله: (لا تضربون وجوه الناس بالعمد..) لم يقل: (لا تضربوا) مبالغة في النهي حتّى كأنّهم امتثلوا النهي فأخبر عن امتثالهم.
5 ـ إظهار الرغبة في الشيء، كقوله: (شفّعني الله محمداً وآله).
وضع الانشاء موضع الخبر
وقد ينعكس الامر فيوضع الإنشاء موضع الخبر لأغراض:
1 ـ اظهار العناية بالشيء والإهتمام به، كقوله تعالى: (قل أمر ربّي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كلّ مسجد...)(77) والأصل: وإقامة وجوهكم.. لكنه لعظيم خطر الصلاة اُوتي في صورة الانشاء.
2 ـ التأدب بالنسبة إلى عظيم لئلا يساويه غيره في سوق الكلام، كقوله تعالى: (قال انّي اُشهد الله واشهدوا أنّي بريء ممّا تُشركون...)(78) لم يقل: واشهدكم.. لئلا يتشابه الإستشهادان.
1 ـ البقرة: 28.
2 ـ المائدة: 52.
3 ـ الاسراء: 78.
4 ـ البقرة: 282.
5 ـ المستدرك 5/406ب1ح6199.
6 ـ المائدة: 105.
7 ـ راجع كتاب (الاصول) للامام المؤلف.
8 ـ النمل: 19. الاحقاف: 15.
9 ـ البقرة: 282.
10 ـ فصلت: 40.
11 ـ البقرة: 23.
12 ـ البقرة: 187.
13 ـ الطور: 16.
14 ـ الحجر: 46.
15 ـ النحل: 114.
16 ـ الاسراء: 50.
17 ـ الفاتحة: 6.
18 ـ الانعام: 99.
19 ـ البقرة: 117.
20 ـ النساء: 3.
21 ـ الاسراء: 48. الفرقان:9.
22 ـ البقرة: 188.
23 ـ البقرة: 286.
24 ـ المائدة: 101.
25 ـ ابراهيم: 43.
26 ـ آل عمران: 169.
27 ـ التوبة: 66.
28 ـ التوبة: 40.
29 ـ مريم: 46.
30 ـ المائدة: 91.
31 ـ النمل: 84.
32 ـ الانبياء: 59.
33 ـ الذاريات: 12.
34 ـ الانعام: 22.
35 ـ البقرة: 28.
36 ـ البقرة: 259.
37 ـ المؤمنون: 112.
38 ـ مريم: 73.
39 ـ فاطر: 38.
40 ـ الانبياء: 59.
41 ـ القيامة: 6.
42 ـ النساء: 41.
43 ـ الانعام: 22.
44 ـ البقرة: 259.
45 ـ آل عمران: 37.
46 ـ المؤمنون: 112.
47 ـ مريم: 73.
48 ـ المائدة 91.
49 ـ التوبة: 13.
50 ـ البقرة: 6.
51 ـ الرحمن 60.
52 ـ الانعام: 40.
53 ـ الصف: 10.
54 ـ طه: 17.
55 ـ الشرح: 1.
56 ـ الحاقة: 3.
57 ـ الدخان: 13
58 ـ البقرة: 255.
59 ـ الانبياء: 36.
60 ـ الفرقان: 7.
61 ـ هود: 87.
62 ـ الفجر: 6.
63 ـ القرة: 214.
64 ـ البقرة: 61.
65 ـ التكوير: 26.
66 ـ غافر: 41.
67 ـ من أقسام الإنشاء الطلبي.
68 ـ القصص: 79.
69 ـ المائدة: 52.
70 ـ الطلاق: 1.
71 ـ الاعراف: 53.
72 ـ الشعراء: 102.
73 ـ الفرقان: 27.
74 ـ الاحزاب: 1.
75 ـ هو: 73.
76 ـ بحار الأنوار 1/85 ب1 ح7.
77 ـ الاعراف:29.
78 ـ هود: 54.
========
علم المعانى : المسند إليه
(المسند إليه): هو الذي يعتمد عليه الفعل وشبهه، فاعلاً أم نائباً، أم غيرهما.
وتعرضه حالات، من ذكر وحذف، وتعريف وتنكير، وتقديم وتأخير، وغيرها.
والاصل ذكر المسند إليه، لتوقّف فهم الكلام عليه، لكنه قد يجوز حذفه لوجود قرينة تدل عليه، وحينئذ فالراجح ذكره لأمور:
1 ـ زيادة التقرير والإيضاح، كقوله تعالى: (اُولئك على هدى من ربّهم واُولئك هم المفلحون)(1) فإن ذكر (اُولئك) لزيادة الايضاح.
2 ـ ضعف القرينة، أو ضعف فهم السامع عن إدراكها، كقوله تعالى: (وما أدراك ما هيه نار حامية)(2) فإن ذكر (النار) انما هو لاحتمال ضعف القرينة أو ضعف ادراك سامعها.
3 ـ الرد على المخاطب، كقوله تعالى: (إنَّما الله إله واحد)(3) رداً على من زعموا أنه أكثر.
4 ـ التلذّذ بذكر المحبوب، كقوله: (حبيبتي هي بدر، حبيبتي هي شمس...).
5 ـ التعريض بغباوة السامع، كقولك: (زيد قال كذا) في جواب: (ماذا قال زيد)؟.
6 ـ التسجيل على السامع حتى لا يتمكّن من الإنكار، كقولك: (نعم، زيد سرق) في جواب أبيه: (هل زيد ابني سرق)؟‍
7 ـ التعجّب، فيما كان الحكم عجيباً: كقولك: (علي عليه السلام أخمد نار بدر) في جواب: (هل عليّ عليه السلام أخمد نار بدر)؟
8 ـ التعظيم، كقولك: (جاء أمير المؤمنين) في جواب (هل جاء أمير المؤمنين)؟!
9 ـ الاهانة، كقولك: (جاء السارق) في جواب: (هل جاء السارق)؟
10 ـ بسط الكلام حيث الإصغاء مطلوب، كقوله تعالى: (قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهشّ بها على غنمي..)(4).
حذف المسند إليه
حذف (المسند إليه) خلاف الأصل كما عرفت، لكن إذا كانت هناك قرينة، وكان في حذفه غرض رجّح حذفه، وأهم الأغراض:
1 ـ الإحتراز عن العبث ـ بناءً على الظاهر ـ كقوله: (زيد أتى ثم ذهب) ولم يقل (زيد ذهب).
2 ـ اخفاء الأمر عن الحاضرين غير المخاطب، كقولك: (جاء) في جواب (ما فعل)؟ تريد أحد المجرمين.
3 ـ سهولة الانكار حيث تمس الحاجة إليه، كقولك: (زنديق) حيث يعرفه المخاطب.
4 ـ الحذر من فوات الفرصة، كقولك: (غزال) لتنبيه الصيّاد، فإن قلت: (هذا غزال) فات خلف جبل مثلاً.
5 ـ اختبار تنبه السامع عند القرينة أو مقدار تنبهّه له، كقولك: (خاتم النبييّن) أي (محمدّ صلى الله عليه وآله وسلم).
6 ـ تضجّر المتكلّم بسبب، فلا يحب التطويل، كقوله: (قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليل) ولم يقل: (أنا عليل) تضجّراً من علّته.
7 ـ المحافظة على السجع، كقولك: (زيد طاب، ثم آب) ولا تقول: (آب هو).
8 ـ المحافظة على القافية، كقوله:
قد كــــان بــالإحسان أحــرى أحمد لأنـــه فـــي كــل حـــــال يحـــــم
لم يقل: يحمد هو، تحفّظاً على القافية.
9 ـ المحافظة على الوزن، كقوله:
على أنّني راض بأن أحمل الهوى وأخلص منه لا علّـــى ولا ليـــــا
أي: لا شيء عليَّ، فإنه لو ذكره اختلّ الوزن.
10 ـ كون المسند معلوماً معيّناّ، كقوله تعالى: (عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال)(5).
11 ـ اتباع الاستعمال الوارد على تركه، كقولهم: (رمية من غير رام) أي هذه رمية.
12 ـ ايهام حفظه عن لسانك، لانه أجلّ من أن يذكر، كقوله: (صاحب كل منقبة..) يعني محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لأنه لا يليق أن يذكر لخسّته، كقوله تعالى: (صمّ بكم عمي)(6).
13 ـ تكثير الفائدة لكثرة الإحتمالات، كقوله تعالى: (فصبر جميل)(7). أي أمري صبر جميل، أو عملي، أو نحو ذلك.
14 ـ كون المسند معيّناً للعهد به، نحو قوله تعالى: (حتّى توارت بالحجاب)(8) أي الشمس.
ما ينبغي للمسند إليه
(المسند إليه) ينبغي أن يكون معرفة، لأن الكلام إنما يؤتى به للإستفادة، ولا يستفاد من الحكم على النكرة، إلا في ظروف نادرة.
وتعريف (المسند إليه) يكون بالإضمار، والعَلَمية، والإشارة، والموصولية، وال، والإضافة، وقد يعرف بالنداء.
المسند إليه مضمراً
أما تعريف المسند إليه بالإضمار فهو لأغراض أهمّها:
1- كون الحديث في مقام التكلّم، كقوله: (أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي...).
2- أو في مقام الخطاب، كقوله: (وأنت الذي في رحمة الله تطمع...).
3- أو في مقام الغيبة، كقوله تعالى: (هو الملك القدّوس السلام...)(9).
ولا بدّ من تقدّم ذكر مرجع الضمير وذلك:
1- إمّا لفظاً، كقوله تعالى: (فاصبروا حتّى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين)(10).
2- وإمّا معنىً، كقوله تعالى: (اعدلوا هو أقرب للتقوى)(11). أي العدل المفهوم من قوله: (اعدلوا).
3- وإمّا حكماً، كقوله تعالى: (ولأبويه لكلّ واحد منهما السدس)(12)أي أبوي الميّت، المفهوم من السياق.
ثم أن الأصل في الخطاب أن يكون لمعيّن مشاهد.
وقد يأتي لغير المعيّن إذا قصد التعميم، كقوله تعالى: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربّهم)(13).
كما أنه قد يأتي لغير المشاهد، إذا نزّل منزلته، نحو (لا اله إلا أنت)(14) لكون الله تعالى مع كل أحد.
تأخير مرجع الضمير أو حذفه
وربما يترك ذكر مرجع ضمير الغائب مقدماً عليه، فيؤخّر المرجع، أو لا يذكر أصلاً، لاغراض أهمّها:
1- ارادة تمكين الكلام فـــي ذهن السامـــع، لانه إذا سمع الضميـــر تشوّق إلى معرفة مرجعه، كقوله تعالى: (قل هو الله أحد)(15).
2- ادّعاء حضور مرجع الضمير في الذهن، فلا يحتاج إلى ذكر مرجعه، كقوله: (ذكرتني والليل مرخى الستور...) أي المحبوبة.
وهذا القسم من الكلام يسمّى: بـ (الإضمار في مقام الإظهار).
وقد يعكس الكلام فيوضع الظاهر مقام المضمر ويسمّى بـ: (الإظهار في مقام الإضمار) وذلك لاغراض أهمّها:
1 - القاء المهابة في ذهن السامع، كقول الوالي: (الامير يأمر بكذا).
2 - تمكين المعنى في نفس المخاطب، كقوله: (هو ربّي وليس ندّ لربّي...).
3 - التلذّذ بالتكرار، كقوله:
(أمّر على الديار ديار ليلى)..
إلى:
(وما حبّ الديار شغفن قلبي).
4 - اثارة الحسرة والحزن، كقوله:
قـــد فـارقتني زوجتي فـراقاً وزوجتي لا تبتغي الطلاقا
5 - الاستعطاف، كقوله: (إلهي عبدك العاصي أتاكا...) لم يقل: (أنا).
المسند إليه علماً
وأما تعريف المسند إليه بالعلمية فهو ليمتاز عما عداه باسمه الخاص، قال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا)(16).
وقد يعرض له اضافة إلى امتيازه وجه مرجّح آخر، وأهم الوجوه:
1 ـ المدح، فيما إذا كان الاسم مشعراً بذلك، قال تعالى: (محمّد رسول الله )(17).
2 ـ الذمّ والإهانة، قال تعالى: (وقال الشيطان لمّا قضي الأمر)(18).
3 ـ التفأل كقوله: (جاء سعد فاتبعته سعود...).
4 ـ التشاؤم، كقوله: (وإذ أتت شوهاء نحوك فاستعذ...).
5 ـ التبرّك، بذكره، كقوله: (فليحكم القرآن في أبنائنا).
6 ـ التلذّذ باسمه، كقوله:
تالله ياظبيــات القــاع قلن لنا ليلاي منكنّ أم ليلى من البشر
7 ـ الكناية عن ذمّ يصلح العَلَم له، لكون المراد كان معنى هذا اللفظ قبل وضعه علماً، كقوله: (وابر الحتوف إذا تعرّض نحوهم...) كناية عن الحتف المتوجّه إليهم.
8 ـ التسجيل على السامع لئلا ينكر، كقوله: (أفهل علمت بأن أحمد قد أتى)؟
9 ـ طلب الإقرار بصريح الاسم، كقوله: ( قل: هل دريت بأن يوسف حاكم)؟
المسند إليه معرفاً بالإشارة
وأما تعريف المسند إليه باسم الإشارة فهو لأمور:
1 ـ أن لا يكون طريق لا حضاره إلا باسم الإشارة، لجهل السامع باسمه وبصفاته، كقوله: (جاءني هذا) مشيراً إلى زيد، حيث لا يمكنك احضاره باسمه أو صفته في ذهن المخاطب.
2 ـ بيان حاله في القرب، قال تعالى: (هذه جهنم التي كنتم توعدون)(19).
3 ـ بيان حاله في التوسّط، كقوله: (ذاك شيخي ومرجعي وعمادي...).
4 ـ بيان حاله في البعد، قال تعالى: (ذلك يوم الخروج)(20).
5 ـ تعظيمه بالقرب، قال تعالى: (إنَّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم)(21).
6 ـ تعظيمه بالبُعد، كقوله: (ذلك الكتاب لا ريب فيه)(22).
7 ـ تحقيره بالقرب، قال تعالى: (لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها)؟(23).
8 ـ تحقيره بالبُعد، قال تعالى: (فذلك الّذي يدعُّ اليتيم)(24).
9 ـ اظهار الاستغراب كقوله:
كم عـاقل عــاقل اعيت مـذاهبه وجـــاهل جــاهل تلقـاه مرزوقــا
هذا الــذي ترك الأوهام حـائرة وصيّر الــعالم النحر ير زنـديـقاً(25)
10 - تمييز المشار إليه أحسن تمييز، كقوله:
هـذا الّـذي أحمد المختار والده بــجدّه أنــبياء اللــه قــد ختمــوا
11 - التعريض بغباوة المخاطب ايماءاً إلى أنه لا يعرف إلا المحسوس، كقوله:
أولئك آبــائي فــجئني بـمثلهم إذا جــمعتنا يــا جــريـر المجامع
12 - افادة أن المشار اليه حقيق بما يذكر له من الاوصاف، قال تعالى:
(اُولءك على هُدىّ من ربِّهم واُلئك هم المفلحون)(26). بعد ذكر انهم (يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وممّا رزقناهم ينفقون...)(27).
المسند إليه موصولاً
وأمّا تعريف المسند إليه بالموصول فهو لأمور:
1 - أن لا يكون طريق لإحضاره في ذهن المخاطب إلا بإتيانه موصولاً، كقولك: (الذي هاجم الاعداء كان مقداماً) إذا لم يعرف المخاطب أي شيء منه، وكذا اذا لم يعرف اسمه المتكلّم.
2 - التشويق لكون مضمون الصلة أمراً غريباً، كقوله:
والذي حارت البريّة فيه حيوان مستحدث من جماد
3 - التنبيه على خطأ المخاطب، قال تعالى: (إنّ الذين تدعونَ من دون الله عباد أمثالكم)(28).
4 - التنبيه على خطأ غير المخاطب، كقوله:
مــن أخذوه جـوشنـاً مـن شـرّ الاعـداء لهم
5 - ارادة اخفاء المسند اليه بخصوصياته، كقوله:
مـا حـدث فـي دارنـا ليست عن الصبر أمرّ
6 - تعظيم شأن المسند اليه، كقوله:
انّ الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعــائمـه أعــزّ وأطول
7 ـ التهويل، قال تعالى: (فغشيهم من اليمّ ما غشيهم)(29)
8 ـ استهجان التصريح بالإسم، قال تعالى: (وراودته الّتي هو في بيتها عن نفسه)(30).
9 ـ الاشارة إلى النحو الذي يبنى عليه الخبر، من خير وشرّ، ومدح وقدح، قال تعالى: (والّذين آمنوا واتّبعتهم ذريّتهم بايمان ألحقنا بهم ذرّيتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء)(31).
10 ـ التوبيخ، كقوله:
افيقوا أمن كـان يـحسن دائـماً إليكم؟ فهل هذا جزاء المفضل؟
11- الاستغراق، كقوله: (الّذين يزورونك أكرمهم).
12- الإبهام، قال تعالى: (علمت نفس ما قدَّمتْ وأخرتْ)(32).
المسند إليه مضافاً
وأمّا تعريف المسند إليه بالإضافة فهو لأمور:
1 ـ أنه أخصر طريق لإحضاره في ذهن المخاطب، كقوله: (زرتُ والدك)؟
2 ـ تعذّر التعداد، كقوله تعالى: (كلّ من عليها فان...)(33).
3 ـ تعسّر التعداد، كقوله: (زارني أصدقائي) لمن أصدقاؤه كثيرون.
4 ـ الخروج عن تبعة تقديم بعض على بعض، كقوله: (جاء أمراء الجيش).
5 ـ تعظيم المضاف، كقوله: (خادم السلطان يبغي مطلباً) تعظيماً للخادم بأنه خادم السلطان.
6 ـ تعظيم المضاف اليه، كقوله:
إذا ما رأيت الكسائي فقل صنيعك أضحى أمير البلاد
تعظيماً للكسائي بأن صنيعه صار أميراً.
7 ـ تعظيم غيرهما نحو: (أخو السلطان صهري) تعظيماً للمتكلّم بأن أخ السلطان صهره..
8 ـ تحقير المضاف، نحو: (ابن الجَبان حاضر).
9 ـ تحقير المضاف اليه، نحو: (عبد زيد خائن).
10 ـ تحقير غيرهما، نحو: (أخو اللصّ عندك).
11 ـ الإختصار لضيق المقام، كقوله: ( هواي من الركب اليمانين مصعد) فلفظ (هواي) أخصر من (الذي أهواه).
12 ـ الإستهزاء، كقوله: (علمك النافع لاعلم جميع العلماء).
المسند إليه معرّفاً باللام
وأمّا تعريف المسند إليه بـ (أل) سَواء العهدية أم الجنسية، فلأغراض:
أما (ال) العهدية، فإنها تدخل على المسند إليه للإشارة الى معهود لدى المخاطب، والعهد على ثلاثة أقسام:
1 ـ العهد الذكري، وهو ما تقدم فيه ذكر المسند إليه صريحاً، قال تعالى: (كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول)(34) فإن (الرسول) تقدّم ذكره صريحاً، لكن المثال ليس للمسند إليه، إذ الرسول مفعول في المقام، وانما المثال المطابق قوله:
أتاني شخصاً لابساً ثـوب سؤدد وما الشخص إلا من كرام الأقارب
2 ـ العهد الذهني، وهو ما تقدم فيه ذكر المسند إليه تلويحاً، قال تعالى: (وليس الذكر كالأنثى)(35) فإنه لم يسبق ذكر (الذكر) صريحاً، وإنّما اشير اليه في قوله: (ربّ اني نذرت لك ما في بطني محرّراً)(36) فإنّ (ما) يراد منه الذكر، لانه القابل لخدمة المسجد.
3 ـ العهد الحضوري، وهو ما كان المسند إليه حاضراً بذاته، قال تعالى: (اليومَ أكملت لكم دينكم)(37) فإن (اليوم) وهو يوم الغدير ـ الذي أكمل الله تعالى دينه بولاية أمير االمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ كان حاضراً، ومثله ما بمنزلة الحاضر، نحو: هل انعقد المجلس؟ فيما كان المجلس في شرف الانعقاد.
وأما (ال) الجنسية فإنها تدخل على المسند إليه لبيان الحقيقة، وهي على أربعة أقسام:
1 ـ لام الجنس، وهي ت دخل على الأجناس، للإشارة الى الحقيقة، من دون نظر إلى العموم والخصوص، نحو (الانسان حيوان ناطق) فإن المراد أن هذا الجنس متّصف بكونه حيواناً ناطقاً.
2 ـ لام الحقيقة، وهي تدخل على الاجناس، للإشارة إلى فرد مبهم، قال تعالى: (وأخاف أن يأكله الذئب)(38) فالمقصود: فرد من الذئب، ويعامل مع مدخولها معاملة النكرة، لكونه بمعناها.
3 ـ لام الاستغراق الحقيقي، وهي تدخل على الاجناس، للإشارة الى عمومها لكل فرد صالح لان يكون داخلاً في الجنس ـ بحسب اللغة ـ قال تعالى: (عالم الغيب والشهادة)(39) أي كلّ غيب وكلّ شهادة.
4 ـ لام الاستغراق العرفي، وهي تدخل على الاجناس، للإشارة إلى عمومها لجميع الافراد، لكن عرفاً لا حقيقة، نحو: (جمع الامير الصاغة) فإن المراد صاغة بلده أو مملكته لا صاغة الدنيا.
واعلم أن بعض هذه الامثلة ليست مما نحن فيه، وانما المقصود أصل المثال، لا كونه في المسند اليه.
المسند اليه معرّفاً بالنداء
وأما تعريف المسند إليه بحرف النداء فهو لاغراض:
1- إذا لم يعرف المتكلّم للمخاطب عنواناً خاصاً، نحو: (يا رجل).
2 ـ إذا اريد اغراء المخاطب لامر، نحو (يا فقير) و(يا مظلوم) و(يا شجاع) إذا أريد رغبته في طلب الغنى، أو اثارته على الظالم، أو تشجيعه على اقتحام المصاعب.
3 ـ اذا أريد الاشارة الى وجه النداء، نحو: (يا قاضي الحاجات، اقض حاجتي).
4 ـ التحقير، نحو: (يا رجل عافاك الله).
تنكير المسند إليه
سبق أنّه ينبغي أن يكون المسند إليه معرفة، ولكن قد يؤتى به نكرة لاغراض:
1 - اذا لم يعلم المتكلم بجهة من جهات التعريف، حقيقة أو ادعاءاً، كقوله: (جاء رجل يسأل عنك).
2 - إخفاء الامر كقوله: (اتّهمك رجل) يخفي اسمه حتى لايكون شغباً.
3 - قصد الافراد، قال تعالى: (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) أي: رجل واحد
4 - قصد النوعيّة، نحو: (لكل داء دواء).
5 ـ التعظيم، قال تعالى: (وعلى أبصارهم غشاوة)(40) أي: غشاوة عظيمة.
6 ـ التحقير، قال تعالى: (ولئن مسّتهم نفحة من عذاب ربّك)(41).
7 ـ التكثير، قال تعالى: (وإن يكذّبوك فقد كذّبت رسل من قبلك)(42).
8 ـ التقليل، قال تعالى: (ورضوان من الله أكبر) أي: رضوان قليل أكبر من نعيم الجنّة ـ على بعض التفاسيرـ.
تقديم المسند اليه
الاصل في (المسند إليه) التقديم، لأنه محمكوم عليه والحكم مؤخّر، وقد يرجّح تقديمه ـ علاوة على ذلك ـ لاغراض أهمها:
1 ـ تعجيل المسرّة، كقوله: (عطاؤك ممنوح ورزقك مضمون).
2 ـ تعجيل المسائة، كقوله: (السجن موطنه والقبر عاقبته).
3 ـ التشويق إلى الخبر إذا كان المبتدأ غريباً، كقوله:
والذي حـارت الـبريّة فيه حيوان مستحدث من جماد
4 ـ التلذّذ بالمسند إليه، كقوله: (حبيبي شمس للمعالي وزورق...).
5 ـ التبرّك بالتقديم، كقوله: (محمّد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رسول حقّ...).
6 ـ كون المقدم محلّ الإنكار، كقوله: (لعب وشيب، انّ ذا لعجيب)؟!
7 ـ التدرّج في الحسن أو القبح أو ما شاكلهما، كقوله: (أصحيح ومفصح وبليغ)؟ فالصحّة مقدّمة على الفصاحة، وهي على البلاغة.
وقوله: (نظرة فابتسامة فسلام...).
وقوله: (نواة ثم زرع ثم نخل...).
8 ـ مراعاة الترتيب الوجودي، قال تعالى: (لا تأخذه سنة ولا نوم)(43).
9 ـ النص على مقدار النفي، وإنه جميع الأفراد أو بعضها، لأنه:
اذا كان المنفي جميع الافراد، قدموا أداة العموم على أداة النفي، فيقال:
(كل صدوق لا يكذب) ويسمى هذا بـ: (عموم السلب).
وإذا كان المنفي بعض الأفراد، قدموا أداة السلب على أداة العموم، فيقال:
(ما كل سوداء تمرة) ويسمى هذا بـ: (سلب العموم).
نعم هذه القاعدة غير مطردة، قال تعالى: (إن الله لا يحب كل مختال فخور)(44). والمراد عموم السلب.
10- افادة التخصيص إذا كان المسند مسبوقاً بنفي وكان المسند فعلاً، نحو: (ما أنا قلت هذا) والمراد: إني لم أقل، لكن غيري قال، فالنفي مختص بالمتكلم.
1 ـ البقرة: 5.
2 ـ القارعة: 10-11.
3 ـ النساء: 171.
4 ـ طه: 18.
5 ـ الرعد:9.
6 ـ البقرة: 171.
7 ـ يوسف: 18 و83.
8 ـ ص: 32.
9 ـ الحشر: 23.
10 ـ الاعراف: 87.
11 ـ المائدة: 8.
12 ـ النساء: 11.
13 ـ السجدة: 12.
14 ـ الانبياء: 87.
15 ـ التوحيد: 1.
16 ـ البقرة: 257.
17 ـ الفتح: 29.
18 ـ ابراهيم: 22.
19 ـ يس: 63.
20 ـ ق: 42.
21 ـ الإسراء: 9.
22 ـ البقرة: 2.
23 ـ الانبياء: 99.
24 ـ الماعون: 2.
25 ـ وقيل في ردّه:
كــم مـن قـوي قـوي فــــي تــقلبه مهذب الرأي عنه الرزق منحرف
وكـم من ضعيف ضعيف في تقلبه كــأنه مــن خــليج البحـر يغتـرف
هـــذا دلــيل علـــى أن الإلـــه لــه في الخلق سرّ خفيٌّ ليس ينكشف
26 ـ البقرة: 5.
27 ـ البقرة: 3-4.
28 ـ الاعراف: 194.
29 ـ طه: 78.
30 ـ يوسف: 23.
31 ـ الطور: 21.
32 ـ الإنفطار: 5.
33 ـ الرحمن: 26.
34 ـ المزمّل: 15.
35 ـ آل عمران: 36.
36 ـ آل عمران: 35.
37 ـ المائدة: 3.
38 ـ يوسف: 13.
39 ـ الانعام: 73.
40 ـ البقرة: 7.
41 ـ الانبياء: 46.
42 ـ فاطر: 4.
43 ـ البقرة: 255.
44 ـ لقمان: 18.
=====
علم المعانى : المسند
(المسند): هو المحكوم به، فعلاً كان، أم خبراً، أم نحوهما.
ويعرضه الذكر والحذف، والتعريف والتنكير، والتقديم والتأخير، وغيرها.
ذكر المسند وحذفه
أما ذكره فلاغراض، أهمها:
1 ـ كونه الاصلي ولا داعي للعدول عنه، قال تعالى: (الله خير أما يشركون)(1).
2 ـ اذا ضعف التعويل على دلالة القرينة فيجب الذكر، كقوله: (خير مال المرء ما أنفقه...).
3 ـ ضعف تنبه السامع، نحو: (زيدٌ قائم وعمرو قائم).
4 ـ الردّ على المخاطب، فيكون الذكر أحسن، قال تعالى حكاية عن منكر البعث: (مَن يُحيي العظام وهي رميم)(2)؟! فردّه الله تعالى: (قل يحييها الّذي أنشأها أوَّلَ مرّةٍ) (3).
5 ـ افادة التجدّد بإتيان الفعل، كقوله: (يحمد الله كل عبد فقيه...).
6 ـ افادة الثبوت والدوام بإتيان الاسم، قال تعالى: (عالم الغيب والشهادة...)(4).
وأمّا حذفه فلأمور، أهمّها:
1 ـ الإحتراز عن العبث، لقرينة مذكورة، قال تعالى: (إنَّ الله بريءٌ من المشركين ورسوله)(5) أي رسوله بريءٌ أيضاً.
2 ـ الاحتراز عن العبث، لقرينة مقدّرة، كما لو قيل لك: (ما صنع بالكبش؟) فتقول: (الكبش) ـ مع الاشارة اليه ـ مذبوحاً، فإنّ المراد: ذُبح الكبش.
3 ـ ضيق المقام عن الاطالة، كقوله:
نحن بما عندنا وأنت بــما عندك راض والرأي مختلف
أي: نحن بما عندنا راضون.
4 ـ اتباع الإستعمال الوارد، قال تعالى: (لولا أنتم لكنّا مؤمنين)(6) أي: لولا أنتم موجودون.
تعريف المسند وتنكيره
وأمّا تعريفه فلأمور:
1 ـ إفادة السامع حكماً معلوماً على أمر معلوم، وذلك يفيد النسبة المجهولة، فمن عرف زيداً بشخصه، وعرف أنّ له صديقاً، ولكن لم يعرف أنّ زيداً هو صديقه، قيل له: (زيد صديقك) وهذا يفيد النسبة، وإن لم يفد الخير ـ لكونه معلوماً -.
2 ـ قصر المسند على المسند إليه حقيقة، كقوله: (عليّ عليه السلام أمير المؤمنين صريحة...).
3 ـ قصر المسند على المسند إليه ادّعاءً، كقوله: (وأخو كليب عالم الانساب...).
وأمّا تنكيره، فلأنّ الاصل في المسند أن يكون نكرة، لإفادة العلم بشيء مجهول، لكن قد يرجّحها أمور:
1 ـ ارداة عدم العهد والحصر، كقوله: (مجاهد عبد، وسلمى أمة...).
2 ـ ارادة التفخيم، قال تعالى: (هدىً للمتَّقين)(7) بناءً على كونه خبراً.
3 ـ ارادة التحقير، كقوله: (وما هندة شيئاً، ولكن رجالها...).
4 ـ اتباع المسند اليه في التنكير، كقوله: (رجل عالم وآخر فقيه...).
تقديم المسند وتأخيره
وأمّا تأخيره عن المسند إليه، فلأنّ الاصل في المسند التأخير، لانه حكم على شيء، والمحكوم عليه مقدم طبعاً.
لكن قد يتقدّم لأمور:
1 ـ كونه عاملاً نحو: (جاء زيد).
2 ـ كونه ممّا له الصدارة في الكلام نحو: (أين زيد؟).
3 ـ التخصيص بالمسند اليه، قال تعالى: (ولله ملك السموات والأرض)(8).
4 ـ التنبيه على أنه خبر لا صفة ـ من بدء الكلام ـ كقوله يصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
لــــه هــمم لامــنتهى لكبارهـا وهمّتـــه الصغرى أجــلّ مـن الدهر
له راحة لو انّ معشار جودها على البرّ كان البــرّ أندى من البحر
فلو قال: (همم له) أو (راحة له) توهم بادي الامر انّ (همم) أو (راحة) صفة.
5 ـ التشويق للمتأخّر، إذا كان المقدّم مشوّقاً له، قال تعالى: (إنَّ في خلق السموات والارض واختلاف اللَّيل والنهار لآيات لأولي الألباب)(9).
6 ـ التفؤّل، كقوله:
سعدت بغرّة وجهك الايام وتــزيّنت بلقــائك الأعوام
7 ـ التطيّر، كقوله: (شاهت بلقياك الوجوه وإنّما...).
8 ـ قصر المسند إليه على المسند، قال تعالى: (لكم دينكم ولي دين)(10). أي دينكم مقصور عليكم وديني مقصور عليّ.
9 ـ المساءة، كقوله:
ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى عدواً لــه ما مـن صــداقته بـدّ
10 ـ تعجيل التعجّب، أو التعظيم، أو المدح، أو الذمّ، أو الترحّم، أو الدعاء، أو الإغراء، أو المسرّة، أو ما أشبه ذلك.
كقوله: (ومعجب كل فتى بوالده...).
وقوله: (عظيم أنت يا ربّ الفصاحة...).
وقوله: (كريم علاء الدين عند الملمات...).
وقوله: (بئس أخو القوم الذي أن يحضر...).
وقوله: (ومسكين أبوه لدى المجاعة...).
وقوله: (بخير رجعت من السفر...).
وقوله: (أسير العدل أنت أبا ظليم...).
وقوله: (لله درّك).
أقسام المسند
المسند إما مفرد وإمّا جملة، والمفرد على قسمين:
1 ـ فعل، نحو: (قام زيد).
2 ـ اسم، نحو: (زيد أسد).
والجملة على ثلاثة أقسام:
1 ـ اسمية، نحو: (زيد أبوه منطلق).
2 ـ فعلية، نحو: (زيد يصلّي).
3 ـ ظرفية، إما جاراً أو مجروراً، نحو: (محمد في الدار)، أو لا، نحو: (عليّ عندك).
أقسام الجملة
ثم ان الجملة على ثلاثة أقسام:
1 ـ السببية، وهي ما تكون من متعلقات المسند إليه، نحو: (حسين انتصر ابنه).
2 ـ المؤكدة، وهي ما تكون مؤكدة للحكم، نحو: (جعفر يفقه) لتكرر الإسناد.
3 ـ المخصصة، وهي ما تكون مخصصة للحكم بالمسند إليه، نحو: (أنا سعيتُ في حاجتك) أي: الساعي فيها أنا وحدي لا غير.
تقسيم المسند
ثم المسند إما جامد وإمّا مشتق:
1 ـ فالجامد، هو الذي لايؤوّل بالمشتق، ولايكون مشتقّاً، نحو: (فارقليطا اسم).
2 ـ والمشتق، نحو: (حسان شاعر)، ويلحق به المؤوّل، نحو: (جعفر أسد) أي شجاع.
1 ـ النمل: 59.
2 ـ يس: 78.
3 ـ يس: 79.
4 ـ المؤمنون:92.
5 ـ التوبة:3.
6 ـ سبأ: 31.
7 ـ البقرة: 2.
8 ـ آل عمران: 189.
9 ـ آل عمران: 190.
10 ـ الكافرون: 6.
=========
علم المعانى : الإطلاق والتقييد
قد يؤتى بكل من (المسند) و(والمسند اليه) مطلقاً، بدون أيّ قيد، نحو: (جواد عالم) وذلك فيما إذا لم يتعلّق غرض بذكر الخصوصيات، وانما المقصود أصل الكلام.
وقد يؤتى بأحدحما، أو كليهما مقيّداً، لتوقّف الكلام أو مقصود المتكلّم عليه، فلو حذف القيد لكان الكلام كاذباً أو غير مقصود، قال تعالى: (وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين)(1) فلو حذف الحال (لاعبين) لكان الكلام كذباً، وقال تعالى: (يكاد زيتها يُضيء)(2) فلو حذف (يكاد) لفات الغرض المقصود الّذي هو افادة المقاربة.
والتقييد يكون بالتوابع الخمسة: نعت وتأكيده، وعطف بيان، وعطف نسق وبدل، وضمير الفصل، والمفاعيل الخمسة: به وله ومعه وفيه والمطلق، والنواسخ، وأدوات الشرط، والنفي، والحال والتمييز.
التقييد بالنعت
أما التقييد بالنعت ـ وهو المعبّر عنه بالصفة ـ فيأتي لاغراض:
1 ـ تخصيص المنعوت بصفة تميزه عما عداه، وهذا يكون في النكرة نحو: (جائني رجل عالم).
2 ـ توضيح المنعوت، وهذا وما بعده يكون في المعرفة، نحو: (قام زيد العالم).
3 ـ تأكيد النعوت، قال تعالى: (تلك عشرة كاملة)(3).
4 ـ مدح المنعوت، قال تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم).
5 ـ ذم المنعوت، قال تعالى: (وامرأته حمّالة الحطب)(4).
6 ـ الترحّم على المنعوت، قال الشاعر: (أتى الرجل المسكين فليط بعضكم).
التقييد بالتأكيد
وأمّا التقييد بالتأكيد فيأتي لتقريره، ودفع توهّم عدم الشمول، ونحوه، وذلك في موارد:
1 - مجرّد التقرير، كقوله: (الله الله يكفي كلّ مشكلة...).
2 - دفع توهّم المجاز، كقوله: (أتى الامير نفسه عند المساء...) لئلاّ يتوهّم ان الآتي أحد خواص الامير، وانما عبّر به مجازاً، نحو: (وجاء ربّك...)(5).
3 ـ دفع توهّم عدم الشمول، قال تعالى: (فسجد الملائكة كلّهم أجمعون)(6) لئلاً يستبعد سجدة جميع الملائكة مع كثرتهم المخرجة عن العدّ، وتباعد أماكنكم، واختلاف أعمالهم...
4 ـ زيادة التشريف بتكرار المؤكدّ، قال تعالى: (اسكن أنت وزوجك الجنَّة...)(7).
5 ـ زيادة التحقير والإهانة، كقوله: (خبيث أنت أنت ولا سواك...).
التقييد بعطف البيان
وأمّا التقييد بعطف البيان ـ الذي هو لتوضيح المتبوع باسم مختصّ به، سواء كان العطف أجلى من المعطوف، أم حصل الجلاء التام بضميمة أحدهما الى الآخر ـ فيأتي لاغراض:
1 ـ مجرذّ التوضيح، اذا اقتضى الحال ذلك، نحو قوله: ( محمد الجواد أتاك عبد...).
2 ـ زيادة المدح، قال تعالى: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس)(8).
3 ـ زيادة الذم، كقوله: (طحلب الاشتر يطلب العلى...).
4 ـ زيادة الترحّم، كقوله: (وزمعة المسكين في آخر الركب...).
فطحلب والاشتر اسمان، وكذا زمعة ومسكين.
التقييد بعطف النسق
وأمّا التقيد بعطف النسق ـ وهو العطف بالحرف ـ فيأتي لأمور أهمّها:
1 ـ تفصيل المسند إليه باختصار، كقوله: (جاء محمد وعلي وفاطمة) لم يقل: جاء محمد وجاء علي وجاءت فاطمة.
ثم انّ حروف العطف الثلاثة: الواو والفاء وثم، وكلها مشتركة في التفصيل مع الاختيار، إلا أن (الواو) لمطلق الجمع، سابقاً كان المعطوف على المعطوف عليه، أو مقارناً، أو لاحقاً. و(الفاء) للجمع مع الترتيب بتقديم المعطوف عليه على المعطوف مع تراخ ما. و(ثم) مع تراخ معتد به، هذا في الظاهر، ولكن قد يعدل عنه مع القرينة، كما ذكر في كتب النحو.
2 - رد السامع إلى الصواب مع الاختصار، نحو: (جاء زيد لا عمرو) أو (لم يجئ زيد لكن عمرو).
3 - صرف الحكم من المسند إليه إلى غيره، نحو:(زارني زيد بل عمرو).
4 - الشك من المتكلّم أو التشكيك للسامع نحو (جاءني زيد أو عمرو).
5 ـ الإبهام على السامع، قال تعالى: (وإنّا أو اياكم لعلى هُدىً أو في ضلال مبين) (9).
6 ـ الإباحة، نحو:(تعلم فقهاً أو نحواً).
7 ـ التخيير، نحو: (تزوج هنداً أو أُختها).
ولا يخفى أن أبحاث هذا الباب مفصلة اقتصرنا منها على الألزم.
التقييد بالبدل
وأمّا التقييد بالبدل فيأتي لزيادة التقرير والإيضاح، والبدل على خمسة أقسام:
1 ـ بدل الكلّ، كقوله: (جاء الأمير محمد بن علي...).
2 ـ بدل البعض، كقوله: (ألحّ رجال الدين أهل التفقّه).
3 ـ بدل الاشتمال،كقوله: (الا إنما القرآن أحكامه التي...).
4 ـ بدل البدا، كقوله: (حبيبي نجم لامع، شمس مشرق...).
5 ـ بدل الغلط ويقع من البلغاء كغيرهم، إذ البليغ بليغ لا معصوم، وكلامه بليغ وإن
وقع فيه غلط، نحو: (جاء زيد بكر).
التقييد بضمير الفصل
وأمّا التقييد بضمير الفصل فلأغراض:
1 ـ التخصيص وقصر المسند على المسند إليه، قال تعالى: (ألم يعلموا أنّ الله هو
يقبل التوبة عن عباده)(10).
2 ـ تمييز الخبر عن الصفة، كقوله عليه السلام: (المتّقون هم أهل الفضائل).
التقييد بالمفاعيل الخمسة
وأمّا التقييد بالمفاعيل فيأتي لاغراض:
1 ـ بيان نوع الفعل، كقوله: (جلست جلوس المتواضع).
2 ـ بيان عدد الفعل، كقوله: (ضربت ضربتين).
3 ـ بيان توكيد الفعل في المطلق، كقوله: (أحسنت احساناً).
4 ـ بيان ما وقع عليه الفعل، قال تعالى: (لقيا غلاماً)(11).
5 ـ بيان ما وقع فيه الفعل، كقوله: (هنا امكث زماناً).
6 ـ بيان ما وقع لاجله الفعل، كقوله: (ضرب أخاه تأديباً...).
7 ـ بيان ما وقع مقارناً معه، كقوله: (فقلت لها سيري وزوجك بكرة...).
حذف المفاعيل
أمّا حذف المفاعيل فلأغراض:
1 ـ التعميم مع رعاية الاختصار، قال تعالى: (والله يدعو الى دار السلام)(12). أي: جميع عباده.
2 ـ الاعتماد على المتقدّم اختصاراً، قال تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)(13). أي: ويثبت ما يشاء.
3 ـ اختصار الكلام بدون الامرين السابقين، للإعتماد على القرينة العقلية، قال تعالى: (يغفر لمن يشاء)(14) أي يغفر الذنوب، فإن الغفران لايكون إلا عن ذنب.
4 ـ استهجان التصريح، كقوله: (ما رأيت منّي ولا أبصرت منها، في زمان..) أي العورة.
5 ـ البيان بعد الابهام، لكونه أوقع في النفس، قال تعالى: (فمن شاء فليؤمن)(15) أي: فمن شاء الإيمان.
6 ـ المحافظة على السجع، قال تعالى: (سيذّكّر من يخشى)(16) أي يخشى الله، ولم يذكر لفظ الجلالة لتناسب رؤس الآي.
7 ـ المحافظة على الوزن، قال المتنبّي: (بناها فأعلى، والقنا يقرع القنا...). أي: فأعلاها، لم يذكر المفعول تحفّظاً على الوزن.
8 ـ تعيّن المفعول، فيكون ذكره لغواً، كقوله: (رعت شاء قومي، والمعاشب كثرة...) أي عشباً.
9 ـ قصد المتكلّم الفعل فقط، فلا يذكر المفعول كما لا يذكر الفاعل، كقولك: (سرت عاصفة في البلد، فاقتُلع وهُدم)، والمعنى: قلعت العاصفة الاشجار وهدمت الابنية.
10 ـ قصد المتكلم الفعل والفاعل، قال تعالى: (ووجد من دونهم امرأتين تذودان)(17) إذ المقصود وقوع الذود منهما، أما أن المذود ابل أم شاء أم بقر، فليس من محل الكلام.
تقديم المفاعيل
ثم ان الاصل في المفعول وغيره من المعمولات أن يتأخر عن العامل، لكنه قد يعكس فيقدم على العامل لأغراض:
1 ـ التخصيص، قال تعالى: (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين)(18).
2 ـ رد المخاطب الى الصواب، في كلام قدّم معموله، فنقدّمه نحن أيضاً موافقة لكلامه، كقوله: (وقال: أعمراً نصرت؟ فقلت مجيب مقاليه: عمراً نصرت).
3 ـ مراعاة السجع، قال تعالى: (خذوه فغلّوه ثمّ الجحيم صلّوه)(19).
4 ـ استعجال التبرّك والتلذّذ بذكره، كقوله: (محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم اتبعت وليس عندي...).
5 ـ كون المتقدّم محل الكلام، كقوله: (الله اجعل نصب عينيك ولا...).
6 ـ كون المتقدم محط الكلام الإنكار، كقوله: (أبعد طول التجارب تنخدع بالزخارف)؟
التقييد بالنواسخ
وأمّا التقييد بالنواسخ، وهي(20):
1 ـ الحروف المشبّهة بالفعل.
2 ـ (لا) النافية للجنس.
3 ـ الافعال الناقصة.
4 ـ أفعال المقاربة.
5 ـ (ما) و(لا) و(ان) المشبّهات بـ (ليس).
6 ـ أفعال القلوب.
فلبيان الأغراض التي تؤديها معاني هذه النواسخ وذلك مثل:
1 ـ التأكد في (إنّ) و(وأنّ).
2 ـ التشبيه في (كأن).
3 ـ الإستدراك في (لكن).
4 ـ الترجّي في (لعلّ).
5 ـ التمنّي في (ليت).
6 ـ نفي الجنس في (لا).
7 ـ الإستمرار أو حكاية الحال الماضية في (كان).
8 ـ التوقيت بزمن معيّن كالنهار واللّيل والصباح والمساء والضحى في (ظل) و(بات) و(أصبح) و(أمسى) و(أضحى).
9 ـ التوقيت بحالة معينة في (ما دام).
10 ـ الإستمرار مع خصوصية في (ما فتى) و(ما برح) و(ما زال) و(ما انفك).
11 ـ المقاربة في (كاد) و(كرب) و(أوشك) و(عسى).
12 ـ الإنشاء والشروع في (طفق) و(جعل) و(أنشأ) و(أخذ) و(علق).
13 ـ النفي المطلق في (ما) و(لا) و(لات) و(ان).
14 ـ اليقين في (وجد) و(ألفى) و(درى)و(علم).
15 ـ الظن في (خال)و(زعم) و(حسب).
16 ـ التحوّل في (اتخذ)و(جعل) و(صيّر).
وهكذا... وهكذا...
التقييد بالشرط
وأمّا التقييد بالشرط فيأتي لأغراض تؤدّيها معاني أدوات الشرط، ولذا تختلف الاغراض باختلاف معاني الادوات:
1 ـ الزمن في: (متى) و(أيّان).
2 ـ المكان في (أين) و(أنّى)و(حيثما).
3 ـ الحال في (كيفما).
4 ـ التعليق في (إنْ) و(إذا) و(لو).
لكن مع فرق بينهما:
أمّا (إن) فلما يحتمل وقوعه وعدمه، والاكثر عدم الوقوع، قال تعالى: (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل)(21).
وأما (إذا) فلما يكثر وقوعه ويقطع المتكلّم بتحقّقه مستقبلاً، قال تعالى: (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه)(22).
وأمّا (لو) فللشرط في الماضي مع القطع بانتفائه، قال تعالى: (لوكان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا)(23).
وقد تخرج هذه الأدوات عن معانيها لأغراض مذكورة في المفصلات.
التقييد بالنفي
وأمّا التقييد بالنفي فلسلب النسبة على وجه خاص، وذلك حسبب ما تفيده حروف النفي:
1 ـ النفي مطلقاً في (لا).
2 ـ نفي الحال إذا دخلت على المضارع في (ما) و(ان) و(لات).
3 ـ نفي الاستقبال في (لن).
4 ـ نفي الماضي في (لم) و(لمّا)، لكن في (لمّا) ينسحب النفي إلى ما بعد زمان التكلّم، ويختصّ بالمتوقّع، فيُقابل(لمّا) في النفي (قد) في الاثبات، ويكون منفيّها قريباً من الحال، قال تعالى: (ولمّا يدخل الايمان في قلوبكم)(24).
ويقيد المسند بالنفي لكون الكلام بدونه لا يستقيم، قال تعالى: (ما أريد منهم من رزق)(25) فإنّ المقصود في هذا المورد نفي الارادة لا إثباتها.
التقييد بالحال
وأمّا التقييد بالحال فيأتي لبيان هيئة صاحب الحال وتقييد عاملها، قال تعالى: (وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين)(26) وقال سبحانه: (لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى)(27) فإنّ المقصود: نفي الخلق لاعباً، ونفي الصلاة في السكر، لا مطلقاً.
التقييد بالتمييز
وأمّا التقييد بالتمييز فيأتي لبيان الإبهام الواقع في ذات أو صفة، نحو: (منوان عسلاً) و(طاب زيد نفساً) فإن محل الفائدة هو القيد وبدونه لا يتم المقصود.
التقييد بالظرف ونحوه
وأمّا التقييد بالظرف والجار والمجرور فيأتي لبيان كون المقصود من الكلام ذلك، حتى أنه لو لم يقيّد لفات المقصود، قال تعالى: (لا ريب فيه)(28) وقال سبحانه: (وانّ له عندنا لزلفى)(29).
تقديم ما حقّه التأخير
ثم ان الاصل تقدّم العامل على المعمول، وتقدّم بعض المفردات كالفاعل على البعض الآخر كالمفعول.
لكن ربما يقدم ما حقه التأخير لأغراض:
1 ـ التخصيص.
2 ـ الاهتمام.
3 ـ التبرّك.
4 ـ التلذّذ.
5 ـ مراعاة الفاصلة أو الوزن، وغير ذلك.
ويعرف مما تقدّم في المباحث السابقة أمثلتها.
1 ـ الدخان: 38.
2 ـ النور: 35.
3 ـ البقرة: 196.
4 ـ المسد: 4.
5 ـ الفجر: 22.
6 ـ الحجر: 30 وص 73.
7 ـ البقرة: 35.
8 ـ المائدة: 97.
9 ـ سبأ: 24.
10 ـ التوبة: 104.
11 ـ الكهف: 74.
12 ـ يونس: 25.
13 ـ الرعد: 39.
14 ـ آل عمران: 129.
15 ـ الكهف: 29.
16 ـ الاعلى: 10.
17 ـ القصص: 23.
18 ـ الفاتحة: 5.
19 ـ الحاقة: 30- 31.
20 ـ أي النواسخ.
21 ـ الكهف: 29.
22 ـ الاعراب: 131.
23 ـ الانبياء: 22.
24 ـ الحجرات: 14.
25 ـ الذاريات: 57.
26 ـ الدخان: 38.
27 ـ النساء: 43.
28 ـ البقرة: 2.
29 ـ ص: 25. ص: 40.
من موسوعة د الكلحي
========