
المؤلف : ابن سعيد المغربي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه
مملكة قرطبة
أبو العاص الحكم الربضي
ابن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام
ابن عبد الملك بن مروانولى سلطنة الأندلس بعد أبويه. وتلخيص ترجمته من مقتبس ابن حيان: أمه زخرف أم ولد. ومولده سنة أربع وخمسين و مائة. مدته ست وعشرون سنة وعشرة أشهر وعشرة أيام. سنة ثلاث وخمسون سنة. وولى وهو ابن ست وعشرين. وبيعته يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من صفر سنة ثمانين ومائة.
صفته: أسمر طوال نحيف لم يخضب.
ذكور أولاده عشرون، إناثهم ثلاثون. وكان أفحل بني أمية بالأندلس وأشدهم إقداماً وصرامة وأنفة وأبهة وعزة، إلى ما جمع لذلك من جودة الضبط. وحسن السياسة وإيثار النصفة. وكان يشبه بالمنصور العباس في شد الملك وقهر الأعداء وتوطيد الدولة.
وقال الرازي: هو أول من استكثر من الحشم والحفد، وارتبط الخيول على بابه، وناوأ جبابرة الملوك في أحواله، وبلغ مماليكه خمسة آلاف: ثلاثة آلاف منهم فرسان وهم الخرس سموا بذلك لعجمتهم. وكان يقول: ما تحل الخلفاء بأزين من العدل، ولا امتطوا مثل التثبت، ولا ازدلفوا بمثل العفو. وكان يستريح إلى لذاته من غير إفحاش. وكان خطيباً مفوهاً أدبياً شاعراً. ومن حكاياته المستحسنة أنه توجه عليه حكم في أم ولد من القاضي فانقاد للحق، ودفع ثمنها لمولاها. وسايره يوماً زياد بن عبد الرحمن، و قد أردف زياد ولده خلفه، فلما انتهى إلى القنطرة وهو يحادثه سمع الأذان فقطع زياد حديثه، وقال: معذرة إلى الأمير، فإنا كنا في حديث عارضه هذا المنادي إلى الله تعالى، وهو أحق بالإجابة، ومر إلى المسجد، فلم ينكر عليه شيئاً بل زاده حظوة، وكان يكثر من مجالسته. وبلي بمحاربة عميه عبد الله وسليمان، و كانا قد خرجا إلى بر العدوة، فلما سمعا بموت الرضا كرا إلى الأندلس وكان السابق بالعبور عبد الله، تعصب معه أهل بلنسية، وتلوم بعده سليمان بطنجة، فكتب له عبد الله، فجاز إليه، ونهض سليمان إلى قرطبة، فهزمه الحكم الهزيمة القبيحة، ثم هزمه أقبح منها، وانكب به فرسه، وسيق أسيراً؛ فجاء رسول من الحكم بقتله، فقتل، وشهر رأسه بقرطبة، وسقط في يد عبد الله، فصالح الحكم على الإقامة ببلنسية، ولم يزل على ذلك حياة الحكم. واتهم الحكم عمه أمية، فحبسه.
نسق التاريخ
سنة ثمانين ومائةغزا بالصائفة الحاجب عبد الكريم بن عبد الواحد، وقفل مثقلاً بالغنائم.
سنة إحدى وثمانينظهر بهلول بن أبي الحجاج بجهة الثغر الأعلى وملك سرقسطة.
وفيها ثار عبيد بن خمير بطليطلة، فكاتب الحكم أعياناً منها، عملوا في قتله.
سنة اثنتين وتسعينجمع لذريق بن قارلة ملك الإفرنج جموعه وسار إلى حصار طرطوشة فبعث الحكم ابنه عبد الرحمن في العساكر فهزمه وفتح الله على المسلمين وعاد ظافراً. ولبث كليب في السجن بداخل القصر ستاً وعشرين سنة، إذ كان الأمير هشام هو الذي سجنه، وكان له فيما بعد غزوات في النصارى والمنافقين ظفر فيها.
سنة أربع وتسعينحاصر الحكم ماردة بنفسه.
وفيها عصى عمروس بالثغر، ثم أناب للطاعة، ومات مخلصاً في مدة الحكم، فكانت ولايته على الثغر تسع سنين وعشرة أشهر وأياماً.
سنة سبع وتسعينفيها غزا عبيد الله بن عبد الله البلنسي صاحب الصوائف، فحل ببرشلونة، فلما كان حضور صلاة الجمعة، وقد تقدم في ملاقاة العدو صلى ركعتين، وركب، فنصره الله عليهم، فدعا بقناة طويلة، فركزت، وصفت رءوس النصارى حولها، حتى ارتفعت فوقها، وغيبت سنانها، فأمر المؤذنين، فعلوها، وأذنوا، فكانت غزوة اختال الإسلام في أردية عزتها دهراً.
سنة تسع وتسعينغزا الحكم طليطلة، وقد أظهر قصد مرسية، فعاث فيهم أشد العيث ونقل وجوههم إلى قرطبة، فذلوا بعدها دهراً طويلاً.
سنة إحدى ومائتينفيها نكث أهل ماردة، وقام بأمرها مروان بن الجليقي.
سنة اثنتين ومائتين
فيها كانت وقعة الربض، كان أصل ما هاجها أن بعض مماليك الحكم دفع سيفاً إلى صيقل فمطله، والغلام يتكرر عليه، والصيقل يتهكم به، فأغلظ الغلام للصيقل، وآل الأمر إلى أن خبطه به الصيقل، فقتله، وثار الهيج لوقته، كأنما الناس كانوا يرتقبونه، فهتفوا بالخلعان، وأول من شهر السلاح أهل الربض القبلي بعدوة النهر، ثم ثار أهل المدينة والأرباض، وانحاز الأمويون وأتباعهم إلى القصر، فارتقى الحكم السطح، وحرك حفائظ جنده، فآل الأمر إلى أن غلبهم الجند، وأفشوا القتل، وتتبعوا في الدور. وقتل الحكم بعد ذلك من أسراهم نحو ثلاثمائة، صلبهم على النهر. وكان يوم هذه الوقعة يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من رمضان سنة اثنتين ومائتين. فلما كان في اليوم الثاني أمر بهدم الربض القبلي، حتى صار مزرعة، ولم يعمر طول مدة بني أمية، وتتبع دور أهل الخلاف في غيره بالهدم والإحراق. وبعد ثلاثة أيام أمر برفع القتل والأمان على أن يخرجوا من قرطبة، فلحق جمهور منهم بطليطلة وكاتبوا مهاجر بن القتيل الذي كان قد لحق بدار الحرب، وولوه عليهم، وصار معه نحو خمسة عشر ألفاً في البحر إلى الإسكندرية، وتقاتلوا مع أهلها فأنزلهم عبد الله بن طاهر جزيرة إقريطش، وكانت حينئذ خالية، فعمروها.
وكان في حبس الحكم يومئذ شبريط. صاحب وشقة، وهو ابن عم عمروس صاحب الثغر الأعلى، فلما سمع بثورة الناس قال: أهي غنم؟ لو كان لها راع! كأني بهم قد مزقوا، فأمر الحكم بصلبه.
وأغرب الحكم في بأساء حربه هذه عندما حمى وطيسها بنادرة ما سمع لأحد من الملوك بمثلها، وذلك أنه في مقامه بالسطح وعند بصره باشتداد الحرب دعا بقارورة غالية فجاءه بها خادم له، فأفرغها على رأسه، فلم يملك الخادم نفسه أن قال له: وأية ساعة طيب هذه؟ فقال: اسكت لا أم لك! ومن أين يعرف قاتل الحكم رأسه من رأس غيره، ثم أعتق مماليكه، ووالى الإحسان عليهم، وجعل يقول: ما استعدت الملوك بمثل الرجال، ولا حامى عنها كعبيدها. وكان ممن هرب من أهل الربض إلى طليطلة الفقيه يحيى بن يحيى ثم أمنه الحكم وكان منهم طالوت بن عبد الجبار المعافري أحد من لقى مالك بن أنس، استخفى عند يهودي أحسن خدمته، ثم انتقل إلى الوزير الإسكندارني واثقاً به، فسعى به إلى الحكم، وأمكنه منه، فوجده أغلظ ما كان عليه، فلما قرر عليه ذنوبه قال له: إني أبغضتك لله وحده، فلم ينفعك عندي ما صنعته معي، وأخبره ما جرى له مع اليهودي والوزير، فرقق الله قلبه عليه، فقال له: إن الذي أبغضتني من أجله قد صرفني عنك، ونقص الإسكندارني في عين الحكم. قال: ولقد بلغ من استخفاف أهل الربض بالحكم أنهم كانوا ينادونه ليلاً من أعلى صوامعهم: الصلاة الصلاة يا مخمور. ولم يتمل بالعيش بعد هذه الوقعة من علة طاولته أربعة أعوام، فمات نادماً مستغفراً. وكان مما نعوه عليه أن جعل العشر ضريبة على الناس بعد أن كان مصروفاً إلى أمانتهم.
سنة ست ومائتينبايع الحكم لابنيه بالعهد: عبد الرحمن ثم المغيرة، فانخلع المغيرة لأخيه ومات مكرماً في حياته، وله عقب كثير. والحكم أول من عقد العهد منهم. وفيها توفي الحكم.
حجب له عبد الكريم بن عبد الواحد وله ترجمة، وعبد العزيز بن أبي عبدة بعده، وكان زاهداً كثير الصدقة. صاحب جيوشه وصوائفه ابن عمه عبيد الله بن عبد الله. من أشهر وزرائه فطيس بن سليمان وكتب عنه أيضاً. وكتب عنه حجاج المغيلي، وهو شاعر. وقضاته مذكورون في تراجمهم. وفي مدته مات شهيد بن عيسى الذي ينسب له بنو شهيد في سنة ثمان وثمانين ومائة، وتمام بن علقمة أحد أكابر النقباء، وعبد الواحد بن مغيث وفطيس بن سليمان، وحجاج المغيلي في سنة ثمان وتسعين ومائة، والفقيه زياد ابن عبد الرحمن اللخمي راوية مالك سنة ست وتسعين ومائة، والفقيه المفتي صعصعة بن سلام سنة اثنتين ومائتين.
وقال ابن حزم في نقط العروس: ومن المجاهرين بالمعاصي السفاحين للدماء لدينا الحكم صاحب الربض، وقد كان من جبروته يخصى من اشتهر بالجمال من أبناء رعيته، ليدخلهم إلى قصره. وأحسن ما أوردوا له من الشعر قوله بعد وقعة الربض:
رأبت صدوع الأرض بالسيف راقعاً ... وقدماً لأمت الشعب مذ كنت يافعا
فسائل ثغوري هل بها اليوم ثغرة ... أبادرها مستنضي السيف دارعا
وشافه على الأرض الفضاء جماجماً ... كأقحاف شريان الهبيد لوامعا
تنبيك أني لم أكن في قراعهم ... بوان، وأني كنت بالسيف قارعا
وأني إذا حادوا سراعاً عن الردى ... فما كنت ذا حيد عن الموت جازعا
حميت ذمارى فاستبحت ذمارهم ... ومن لا يحامى ظل خزيان ضارعا
ولما تساقينا نهال حروبنا ... سقيتهم سجلاً من الموت ناقعا
وهل زدت أن وفيتهم صاع قرضهم ... فوافوا منايا قدرت ومصارعا
ابنه
أبو المطرف عبد الرحمن بن الحكممن المقتبس: هو بكر والده. مولده بطليطلة في شعبان سنة ست وسبعين ومائة. عمره اثنتان وستون سنة. دولته إحدى وثلاثون سنة وثلاثة أشهر وستة أيام. وفاته بقرطبة ليلة الخميس لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين.
ذكر ابن حزم في نقط العروس: أن ولده مائة، النصف ذكور. عني أبوه بتعليمه وتخريجه في العلوم الحديثة والقديمة. ووجه عباس بن ناصح إلى العراق في التماس الكتب القديمة، فأتاه بالسندهند وغيره منها، وهو أول من أدخلها الأندلس وعرف أهلها بها ونظر هو فيها. وكان حسن الوجه بهي المنظر. ومن بديع التعارض في كماله نقص ولادته، لأنه ولد لسبعة أشهر. وكان من أهل التلاوة للقرآن والاستظهار للحديث. وأطنب في ذكره في العلوم وأنه كان يداخل كل ذي علم في فنه. وهو أول من فخم السلطنة بالأندلس بأمور يطول ذكرها، من انتقاء الرجال والمباني وغير ذلك. وهو الذي بنى جامع إشبيلية وسورها. وتولع جواريه ببناء المساجد وفعل الخير.
وهو الذي ميز ولاية السوق عن أحكام الشرطة المسماة بولاية المدينة، فأفردها، وصير لواليها ثلاثين ديناراً في الشهر ولوالي المدينة مائة دينار. وكان يقال لأيامه أيام العروس. واستفتح دولته بهدم فندق الخمر وإظهار البر. وتملى الناس معه العيش، وخلا هو بلذاته، وطال عمره وفشا نسله.
وقال الرازي: إنه الذي أحدث بقرطبة دار السكة، وضرب الدراهم باسمه، ولم يكن فيه ذلك مذ فتحها العرب. وفي أيامه أدخل للأندلس نفيس الجهاز من ضروب الجلائب لكون ذلك نفق عليه، وأحسن لجالبيه. ووافق انتهاب الذخائر التي كانت في قصور بغداد عند خلع الأمين فجلبت إليه، وانتهت جبايته إلى ألف ألف دينار في السنة. وهو الذي اتخذ للوزراء في قصره بيت الوزارة، ورتب اختلافهم إليه في كل يوم يستدعيهم معه أو من يختص منهم، أو يخاطبهم برقاع فيما يراه من أمور الدولة. وكان سعيداً. قال ابن مفرج: ما علمنا أنه خرج عليه مع طول أيامه خارج، خلا ما كان من موسى بن موسى بن قسي بناحية الثغر الأعلى. ولم يشغله النعيم عن وصل البعوث إلى دار المغرب.
وكان مكرماً لأصناف العلماء محسناً لهم، وكان يخلو بكبير الفقهاء يحيى بن يحيى كثيراً ويشاوره، وسرق بعض صقالبته بدرة فلمحه، ولما عدت البدر نقصت، فأكثروا التنازع فيمن أخذها، فقال السلطان: قد أخذها من لا يردها ورآه من لا يفضحه، فإياكم عن العودة لمثلها فإن كبير الذنب يهجم على استنفاد العفو، فتعجب من إفراط كرمه وحيائه.
ومن توقيعاته البليغة: من لم يعرف وجه مطلبه كان الحرمان أولى به.
ومن مشهور شعره قوله في جاريته طروب التي هام بها:
إذا ما بدت لي شمس النها ... ر طالعة ذكرتني طروبا
عداني عنك مزار العدى ... وقودى إليهم لهاماً مهيبا
ألاقي بوجهي سموم الهجير ... إذا كاد منه الحصى أن يذوبا
وأجنب في بعض غزواته وقد دنا من وادي الحجارة، فقام إلى الغسل، وفكره موقوف على الخيال الذي طرقه، فاستدعى ابن الشمر وقال له: أجز:
شاقك من قرطبة الساري ... بالليل لم يدر به الداري
فقال بديهة:
زار فحيا في ظلام الدجى ... أهلاً به من زائر زاري
فهاج اشتياقه لصاحبة الخيال، فاستخلف على الجيش، ورجع إلى قرطبة، وكان مولعاً بالنساء ولا يتخذ منهن ثيباً ألبتة. وكملت لذته بقدوم زرياب غلام إسحاق الموصلي.
وفي مدته في سنة سبع ومائتين
أظهر العصيان عم أبيه عبد الله، وعسكر بمرسية، وصلى الجمعة على أن يخرج يوم السبت وقال في خطبته: اللهم إن كنت أحق بهذا الأمر من عبد الرحمن حفيد أخي فانصرني عليه؛ وإن كان هو أحق به مني وأنا صنو جده فانصره علي، فأمنوا على دعائه. ولم يستتم كلامه حتى ضربته الريح الباردة، فسقط مفلوجاً، فكمل الناس صلاتهم بغيره، وافترق الجمع، وصار إلى بلنسية، فمات بها سنة ثمان ومائتين. وأحسن عبد الرحمن الخلف على ولده. وعليه قدم بنو عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم صاحب تيهرت، وأنفق عليهم ألف ألف دينار.
وفي السنة المذكورة.ثارت فتنة تدمير بين اليمن ومضر ودامت سبع سنين، وكان انبعاثها من ورق دالية جمعها مضري من جنان يمني بغير أمره، فقتله اليماني، وكان أكثرها دائراً على اليمانية.
وفي سنة عشر ومائتينأمر عبد الحرمن عامله جابر بن مالك أن يتخذ مرسية منزلاً للولاية، وتحرك بنفسه إلى حصار طليطلة وماردة، وفتح حصوناً كثيرة من جليقية، ووصله كتاب صاحب القسطنطينية يذكر ما كان بين السلفين في المشرق والأندلس، فجاوبه بكتاب فيه إنحاء على المأمون والمعتصم.
وفي سنة خمس وعشرين ومائتينهلك محمود ببن عبد الجبار البربري البطل المشهور المنتزى بماردة الذي دامت محاربته مع أصحاب عبد الرحمن واشتهرت وقائعه. كان قد فر إلى أذفنش وأراد أن يرجع إلى السلطان وهو بحصن من جليقية، فحاربه أذفنش، فجمع ب فرسه في الحرب وصدم بشجرة بلوط قتلته وبقي مجدلاً في الأرض حيناً، وفرسان النصارى قيام على ربوة يهابون الدنو إليه ويخافون أنها حيلة منه.
وفي سنة سبع وعشرين ومائتينعصى موسى بن موسى صاحب تطيلة، واستولى على الثغر الأعلى وله وقائع مشهورة في العدو والإسلام، وغزاه عبد الرحمن غزوات متتابعة إلى أن صالحه.
وفي سنة تسع وعشرينظهرت مراكب الأردمانين المجوس بسواحل غرب الأندلس. ويوم الأربعاء لأربع عشرة خلت من محرم سنة ثلاثين ومائتين حلت على إشبيلية، وهي عورة، فدخلوها واستباحوها سبعة أيام إلى أن جاء نصر الخصي، وهزم عنها النصارى المعروفين بالمجوس، وعاث في مراكبهم، وفي ذلك يقول عثمان بن المثنى:
يقولون إن الأردمانيين أقبلوا ... فقلت إذا جاءوا بعثنا لهم نصرا
وبعد هذا بنى سور إشبيلية بإشارة عبد الملك بن حبيب.
وفي سنة أربع وثلاثين ومائتينجهز عبد الرحمن أسطولاً من ثلاثمائة مركب إلى جزيرتي ميورقة ومنورقة لإضرار أهلما بمن يمر بهما من مراكب الإسلام ففتحوهما.
وفي سنة ست وثلاثين ومائتينكاد نصر الخصي مولاه عبد الرحمن بشربة فيها سم، نبه الأمير عليها، فقال له: اشربها أنت، فشربها، وخرج، فأشار عليه طبيبه بلبن المعز، فلم يوجد حتى هلك.
وفي سنة سبع وثلاثين ومائتينادعى بالثغر الأعلى النبوة معلم، فقتل، وهو يقول على جذعه: " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله " . وكان ينهى عن قص الأظفار والشعر، ويقول: " لا تغيير لخلق الله " .
واحتجب عبد الرحمن قبل موته مدة ثلاث سنين لعلة أضعفت قواه.
وحجب له عبد الكريم حاجب والده إلى أن توفي، فولى بعده سفيان بن عبد ربه ثم عيسى بن شهيد، وعزله بعبد الرحمن بن رستم، ثم أعاده إلى وفاته، وقال ابن القوطية: لم يختلف أحد من شيوخ الأندلس أنه ما خدم بني أمية في الحجاب أكرم من عيسى بن شهيد. ومن كتابه: محمد بن سعيد الزجالي التاكرني. وسيأتي ذكر قضاته في تراجمهم على نسق. وفي مدته مات عيسى بن دينار الطليطلي الذي قيل إنه أفقه من يحيى بن يحيى، وكان له رحلة إلى المشرق وصحب ابن القاسم، ودارت عليه الفتوى، ومات يحيى بن يحيى في رجب سنة أربع وثلاثين ومائتين.
وذكر الحجاري أن جواد بني أمية بالأندلس عبد الرحمن، وبخيلهم عبد الله، وأطنب في الثناء عليه، وذكر أنه كتب يوماً إلى نديمه ومنجمه عبد الله بن الشمر:
ما تراه في اصطباح ... وعقود القطر تنثر؟
ونسيم الروض يختا ... ل على مسك وعنبر
كلما حاول سبقاً ... فهو في الريحان يعثر
لا تكن مهمالة واس ... بق فما في البطء تعذر
فجاوبه بما تأخر فيه عن طبقته. وله في الكرم حكايات، منها: أن زرياب غناه يوماً، فأطربه، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار، فاحتوشه جواريه وولده، فنثرها عليهم. وكتب أحد السعاة إليه بأن زرياب لم يعظم في عينه ذلك المال، وأعطاه في ساعة واحدة، فوقع: نبهت على شيء كنا نحتاج التنبيه عليه، وإنما رزقه نطق على لسانك، وقد رأينا أنه لم يفعل ذلك إلا ليحببنا لأهل داره، ويغمرهم بنعمنا، وقد شكرناه، وأمرنا له بمثل المال المتقدم، ليمسكه لنفسه، فإن كان عندك في حقه مضرة أخرى، فارفعها إلينا.
ورفع له أحد المستغلين بتثمير الخراج أن القنطرة التي بناها جده على نهر قرطبة لو رسم على الدواب والأحمال التي تعبر عليها رسم لاجتمع من ذلك مال عظيم، فوقع: نحن أحوج إلى أن نحدث من أفعال البر أمثال هذه القنطرة، لا أن نمحو ما خلده آباؤنا باختراع هذا المكس القبيح، فتكون عائدته قليلة لنا، وتبقى تبعته وذكره السوء علينا، وهلا كنت نبهتنا على إصلاح المسجد المجاور لك الذي قد تداعى جداره واختل سقفه، وفصل المطر مستقبل، لكن يأبى الله أن تكون هذه المكرمة في صحيفتك، وقد جعلنا عقوبتك بأن تصلح المسجد المذكور من مالك على رغم أنفك، فيكون ما تنفق فيه منك، وأجره لنا، إن شاء الله.
؟ابنه أبو عبد الله محمد كان أخوه عبد الله بن طروب قد رشحه أبوه للولاية بعده، وكان نصر الخصى يعضده، ويخدم أمه طروب الحظية عند عبد الرحمن الأوسط، إلا أن عبد الله كان مستهتراً، منهمكاً، في اللذات، فكان أولو العقل يميلون إلى أخيه محمد. فما مات أبوهما، وكان ذلك بالليل، اتفق رءوس الخدم أن يعدلوا بالولاية عن عبد الله إلى محمد فمر أحدهما إلى منزله وجاء به على بعلة في زي صبية كأنه بنته تزور قصر جدها، فلما مر على دار أخيه عبد الله، وسمع ضجة المنادمين، وليس عنده خبر من موت أبيه أنشد:
فهنيئاً له الذي هو فيه ... والذي نحن فيه أيضاً هنانا
ولما دخل القصر بعد تمنع من البواب، وتم له الأمر، تلقاه بحزم، ولم يختلف عليه أحد من جلة أقاربه.
قال صاحب الجذوة: كان محمد محباً للعلوم مؤثراً لأهل الحديث، عارفاً، حسن السيرة، ولما دخل الأندلس أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد بكتاب أبي بكر بن أبي شيبة، وقرئ عليه، أنكر جماعة من أهل الرأي ما فيه من الخلاف، واستشنعوه، وبسطوا العامة عليه، ومنعوا من قراءته، إلى أن اتصل ذلك بالأمير محمد، فاستحضره وإياهم، واستحضر الكتاب كله، وجعل يتصحفه جزءاً جزءاً، إلى أن أتى على آخره، وقد ظنوا أنه موافقهم على الإنكار عليه، ثم قال لخازن الكتب: هذا كتاب لا تستغني خزانتنا عنه فانظر في نسخه لنا، ثم قال لبقي بن مخلد: انشر علمك، وارو ما عندك من الحديث، واجلس للناس حتى ينتفعوا بك. فنهاهم أن يتعرضوا له.
وكان محمد قد فوض أمور دولته لهاشم بن عبد العزيز أعظم وزرائه، واشتمل عليه اشتمالاً كثيراً، وكان هاشم تياهاً، معجباً، حقوداً، لجوجاً، فأفسد الدولة. وكان يقدمه على العساكر، فخرج مرة إلى غرب الأندلس ليقمع ما هنالك من الثوار فأساء السيرة في الحركة والنزول والمعاملة مع الجند، فأسلموه، وأخذ أسيراً، ثم افتدى بأموال عظيمة. وأنهضه مرة مع ابنه المنذر إلى ثغر سرقسطة، فأساء الأدب معه حتى أحقده وأتلف محبته لما صارت السلطنة إليه، وثارت الثوار في الأندلس بسببه. وما مات محمد حتى خرقت الهيبة، وزال ستر الحرمة، و استقبل ابنه المنذر ثم عبد الله نيران الفتنة، فأصلتهما مدة حياتهما إلى أن خمدت بالناصر عبد الرحمن. وكانت وفاة السلطان محمد في آخر صفر سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
؟؟
ابنه
أبو الحكم المنذر بن محمد
ولي بعد أبيه، فلم تكن له همة أعظم من خداع وزير أبيه هاشم بن عبد العزيز إلى أن وثب عليه، وسجنه وأثقله بالحديد، وذكره ما أسلفه من ذنوبه الموبقة، ثم أخرجه، وأتى به إلى دار عظيمة كان قد شيدها، وقصر عليها جميع أمانيه، وضرب عنقه فيها، وفتك في أولاده ومخلفيه أشد الفتك وشفى غيظه الكامن. ثم أخذ في التجهيز إلى قتال عمر بن حفصون الثائر الشديد في الثوار، وكان قيامه وامتناعه في قلعة ببشتر بين رندة ومالقة، وقد وقفت عليها، وهي خراب، وكانت من أمنع قلاع الأندلس لا ترام، ولا يخشى من فيها إلا من الأجل، فحصره فيها، فيقال إن أخاه عبد الله، الذي ولى بعده وكان حاضراً معه دس إلى الفاصد مالاً على أن يسم المبضع، ففعل ذلك، فمات المنذر، وبادر في الحين عبد الله بحمله إلى قرطبة، وحصلت له السلطنة. وكان المنذر قد ترشح في مدة أبيه لقود العساكر، وعظم أمره، واشتدت صولته، وكان شكس الأخلاق مر العقاب، ولم تطل مدته.
وذكر صاحب الجذوة أنه كان مولده في سنة تسع وعشرين ومائتين.
فاتصلت ولايته سنتين غير خمسة عشر يوماً. ومات في سنة خمس وسبعين ومائتين. قال الحميدي: وقد انقرض عقب المنذر.
المستكفي
محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله
ابن عبد الرحمن الناصرقال ابن حيان: بويع محمد بن عبد الرحمن الناصري يوم قتل عبد الرحمن المستظهر يوم السبت لثلاث خلون من ذي القعدة سنة أربع عشرة وأربعمائة، فتسمى بالمستكفي بالله، اسماً ذكر له، فاختاره لنفسه، وحكم به سوء الاتفاق عليه، لمشاكلته لعبد الله المستكفي العباسي أول من تسمى به في أفنه ووهنه، وتخلفه وضعفه، بل كان هذا زائداً عليه في ذلك، مقصراً عن خلال ملوكية كانت في المستكفي سميه، لم يحسنها محمد هذا لفرط نخلفه، على اشتباهما في سائر ذلك كله: من توثبهما في الفتنة، واستظهارهما بالفسقة، واعتداء كل واحد منهما على ابن عمه، وتولع كل واحد منهما شأنه بامرأة خبيثة، فلذلك حسناء الشيرازية ولهذا بنت سكرى المورورية، وكل واحد منهما خلع، وتركه أبوه صغيراً. قال: ولم يكن من الأمر في ورد ولا صدر، وإنما أرسله الله على الأمة محنة. بلغت به الحال قبل تملكه إلى أن كان يستجدي الفلاحين، ولم يجلس في الإمارة في تلك الفتنة أسقط منه. خنق ابن عمه ابن العراقي، وسجن ابن حزم وابن عمه أبا المغيرة، واستؤصلت في مدته بالهدم قصور الناصر، وهرب بين النساء لتخنيثه، ولم يتميز منهن.
المعتد بالله أبو بكر
هشام بن محمد بن عبد الملك
ابن الناصر المروانيمن الجذوة: أن أهل قرطبة اتفقوا بعد ذهاب الدولة الحمودية بعد طول مدة عليه. وكان مقيماً بالبونت عند صاحبها محمد بن عبد الله بن القاسم، فبايعوه في ربيع الأول سنة ثمان عشرة وأربعمائة، فبقي متردداً في الثغور ثلاثة أعوام غير شهرين، إلى أن سار إلى قرطبة، ولم يبق إلا يسيراً حتى خلع، وانقطعت الدولة المروانية من يومئذ في سنة عشرين وأربعمائة.
ومن كتاب السلوك في حلى الملوك
أبو الحزم جهور بن محمد
بن جهور بن عبيد الله ابن محمد بن الغمر بن يحيى بن عبد الغافرابن أبي عبدة الكلبي مولى بني أمية
كان من وزراء الدولة العامرية، قديم الرئاسة، موصوفاً بالدهاء والسياسة، ولم يغير أمراً توجبه المملكة، حتى إنه بقي يؤذن على باب مسجده، ولم يتحول عن داره. وأحسن ترتيب الجند، فتمشت دولته. وكان حرماً يلجأ إليه كل خائف ومخلوع عن ملكه، إلى أن مات في صفر سنة خمس وثلاثين وأربعمائة، فولى بعده:
ابنه
أبو الوليد محمد بن جهورونشأ له ولدان تنافسا في الرئاسة، واضطربت بهما الدولة، وجاء المأمون ابن ذي النون محاصراً لقرطبة من طليطلة، فاستغاثا بالمعتمد بن عباد، فوجه لهم ابنه الظافر بعسكر، فأقلع المأمون عنهم، فغدرهم الظافر، وأخذ قرطبة منهم، وحملهم إلى شلطيش، فسجنوا هنالك، وأقام الظافر ملكاً، إلى أن دخل عليه بالليل حريز بن عكاشة، فقتله، وصارت قرطبة للمأمون بن ذي النون.
ثم وصل إليها المعتمد بن عباد، وولى عليها ابنه المأمون بن المعتمد، فأقام فيها إلى أن قتله بخارجها الملثمون.
وتوالى عليها ولاة الملثمين إلى أن ثار فيها أحمد بن محمد بن حمدين قاضيها.
ثم صارت لعبد المؤمن فتوالت عليها ولاة دولته إلى أن صارت للمتوكل ابن هود. ثم تغلب عليها محمد بن الأحمر المرواني الثائر بأرجونة إلى أن توجه إلى إشبيلية، فعادت إلى ابن هود، فحصرها أذفنش النصراني ملك طليطلة فأخذها، وخرج منها أهلها. والله يعيدها بمنه وحوله.
السلك
القرشيون
من كتاب رغد العيش في حلى قريشفمن بني العباس.
الزاهد أبو وهب عبد الرحمن العباسيذكر ابن بشكوال أنه يقال إنه من بني العباس، وكان منقطع القرين في الزهد والورع، مجاب الدعوة، مقبولاً في الناس، لا يكلم أحداً، ولا يجالسه. وما زالت البركة وإجابة الدعوة متعرفة عند قبره، وكان بظاهر قرطبة.
وباع ماعونه قبل موته، فقيل له: ما هذا؟ فقال: أريد سفراً فمات إلى أيام يسيرة.
وكان قد طرأ على قرطبة من المشرق، وأخفى نسبه، كان متفنناً في أطراف من العلوم، ومن لم يتكشف على حاله يظهر له أنه مدخول العقل.
وكان لا يأنس إلا بمن يعرفه، وكان أكثر دهره مفكراً، وجهه على ركبته، ثم يرفع رأسه، فيقول: أي وحله.
وأنشد له ابن بشكوال:
أنا في حالتي التي قد تراني ... أحسن الناس إن تفكرت حالا
منزلي حيث شئت من مستقر ال ... أرض، أسقى من المياه زلالا
ليس لي كسوة أخاف عليها ... من مغير، ولا ترى لي مالا
؟أجعل الساعد اليمين وسادي ... ثم أثني إذا انقلبت الشمالا
قد تلذذت حقبة بأمور ... فتدبرتها فكانت خيالا
وتوفي بقرطبة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، عن تسعين سنة في أيام الناصر، وكان حفل جنازته عظيماً.
وقيل أنه لم يبق أحد من أهل قرطبة لا وسمع عند بابه من يقول: اشهد في غد إن شاء الله جنازة الرجل الصالح في مقبرة بني هائل، فإذا خرج إلى الباب لم يجد أحداً.
وذكر الحجاري أن أبا وهب لقيه مرة غلام وغد بخارج قرطبة، فآذاه بلسانه، ثم أراد أن يرميه بطوبة، فجعل يبحث عنها، ويقول: يا علي طوبة أضرب بها هذا الأحمق!، فوقعت عين أبي وهب على طوبة، فقال له: هذه طوبة خذها، فابلغ بها غرضك، فارتاع الغلام وأخذته كالرعدة. وكان إذا أصبح، ونظر إلى استيلاء النور على الظلمة، رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم إنك أمرتنا بالدعاء إذا أسفرنا، فاستجب لنا، كما وعدتنا. اللهم لا تسلط علينا في هذا اليوم من لا يراقب رضاك ولا سخطك. اللهم لا تشغلنا فيه بغيرك. اللهم لا تجعل رزقنا فيه على يد سواك. اللهم امح من قلوبنا الطمع في هذه الفانية، كما محوت بهذا النور هذه الظلمة. اللهم إنا لا نعرف غيرك فنسأله. يا أرحم الراحمين يا غياث من لا غياث له.
وقال: الاعتزال ملك من لا مال له ولا أعوان، لا يجد من ينازعه، ولا من يستطيل عليه.
ومن بني أمية
بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروانمن المقتبس: أن أباه قتل مع يزيد بن عمر بن هبيرة، ودخل بشر إلى الأندلس في صدر أيام عبد الرحمن الداخل، وكان من فتيان قريش وأدبائهم وشعرائهم، ومحاسنه كثيرة.
وذكر الحجاري أن عبد الرحمن كان يحبه ويشاوره، وهو الذي أشار عليه باصطناع البربر واتخاذ العبيد، ليستعين بهم على العرب. وأنشد له صاحب السقط:
حنانيك ما أقسى فؤادك تذهب ال ... ليالي ولا عطف لديك ولا وصل
وإني من قوم هم شرعوا الندى ... فكيف على أبنائهم يحسن البخل
أيوب بن سليمان السهيليمن السقط: أنه من ولد سهيل بن عبد العزيز بن مروان، ممن خمل ذكره بالفتنة، كان بقرطبة يخدم ابن الحاج، فلما ثار ابن الحاج في مدة الملثمين أنشده قصيدة منها:
إذا أنا لم أبلغ بك الأمل الذي ... قطعت به الأيام فالصبر ضائع
فاعتذر له بالفتنة، فقال: إن لم يكن ما ارتقبته فليكن وعد والتفات، أتعلل بهما، وأعلم منهما أني في فكر الأمير، فالسكوت يطمس أنوار الآمال، ويغلق أبواب الرجاء.
وكان قد حرضه على ابن حمدين، فلما ظفر ابن حمدين حصل في يده أيوب، فكلمه بكلام ألان به قلبه، إلا أنه أمره أن يغيب عنه، فرحل إلى سرقطسة وملكها ابن تيفلويت، فكتب إلى وزيره ابن باجة:
يا من به لاذ العفاة ونحوه ... رقت الأماني دلني ما أصنع
إن صنت وجهي عن سؤال مت من ... جوع ومثلي للورى لا يخضع
فتسبب له في إحسان من قبل الملك، على أن يرحل عن بلدهم فراراً من هذا النسب، فقال: الحمد لله الذي أسعدنا به أولاً، وأشقانا به آخراً واتفق له في طريقه أن أكرمه بدوي نزل عنده، وقد تخيل أنه رسول من بعض ملوك الملثمين، أو ممن يلوذ بهم، فلما أعلمه غلامه أنه من بني أمية هاج وأخذ رمحه، وحلف أن لا يبقى له في منزل. فقال لغلامه: إذا سئلت عني فقل إنه من اليهود، فإنه أمشى لحالنا. وله من شعر:
قرطبة الغراء هل أوبة ... إليك من قبل الحمام المصيب
ذكرك قد صيرته ديدناً ... وكيف أنساك وفيك الحبيب
ومات بسرقطسة في المائة الخامسة.
بشر بن حبيب بن الوليد بن حبيب؟
المعروف بدحونذكر صاحب السقط أن جده حبيب بن عبد الملك بن عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، صاحب طليطلة، وبنو دحون أعيان بلكونة، رأسوا بهما. ووصفه بالفروسية والأخلاق الملوكية والأدب، وأنشد له قوله:
قل لبرق أضاء من نحو نجد ... كيف بالله ساكن الجزع بعدي
أتراهم على العهود أقاموا ... أم ترى البين قد أخل بعهدي
من يكن في الدنو غير وفي ... كيف يرجى وفاؤه في البعد
قال: ولما قال:
لأضرمن جميع الأرض قاطبة ... ناراً وأبلغ ما لا يبلغ الأجل
أنا الذي ليس في الدنيا له مثل ... وبارتقائي في العليا جرى المثل
سجنه عبد الرحمن الأوسط. ثم تشفع فيه، فسرحه، فرحل إلى المشرق وحج، وروى الحديث، وجاء إلى الأندلس في صورة أخرى.
وذكره ابن حيان في المقتبس وأنه قدم الأندلس بعلم كثير، وكان يتحلق في الجامع، إلى أن نهاه عبد الرحمن عن ذلك.
ومن بني مخزوم
أبو الوليد أحمد بن زيدون المخزوميمن القلائد: زعيم الفئة القرطبية، ونشأة الدولة الجهورية، الذي بهر في نظامه، وظهر كالبدر ليلة تمامه، فجاء من القول بسحر، وقلده أبهى نحر، لم يصرفه إلا بين ريحان وراح، ولم يطلعه إلا في سماء مؤانسات وأفراح، ولا تعدى به الرؤساء والملوك، ولا تردى منه إلا حظوة كالشمس عند الدلوك، فشرف بضائعه، وأرهف بدائعه وروائعه، وكلفت به تلك الدولة حتى صار ملهج لسانها، وحل من عينها مكان إنسانها، وكان له مع أبي الوليد ابن جهور تآلف أحراماً بكعبته وطافا، وسقياه من تصافيهما نطافا، وكان يعتد ذلك حساماً مسلولاً، ويظن أنه يرد به صعب الخطوب ذلولاً، إلى أن وقع له طلب أصاره إلى الاعتقال، وقصره عن الوخد والإرقال، فاستشفع بأبي الوليد وتوسل، واستدفع به تلك الأسنة المشرعة والأسل، فما ثنى إليه عنان عطفه، ولا كف عنه فنون صرفه، فتحيل لنفسه، حتى تسلل من حبسه، ففر فرار الخائف، وسرى إلى إشبيلية سرى الخيال الطائف، فوافاها غلساً قبل الإسراج والإلجام، ونجا إليها برأس طمر ولجام، فهشت له الدولة، وباهت به الجملة، فأحمد قراره، وأرهفت النكبة غراره. وحصل عند المعتضد بالله بن عباد، كالسويداء من الفؤاد، واستخلصه استخلاص المعتصم لابن أبي دؤاد، وألقى بيديه مقاد ملكه وزمامه، واستكفى به نقضه وإبرامه، فأشرقت شمسه وأنارت، وأنجدت محاسنه وغارت، وما زال يلتحف بحظوته، ويقف بربوته، حتى أدركه حمامه، ولقى السرار تمامه، فأخبى منه شهباً طالعة، وزهرة يانعة. وقد أثبت من مقاله، في سراحه واعتقاله، ومقامه وانتقاله، ما هو أرق من النسيم، وأشرق من المحيا الوسيم، من ذلك قوله متغزلاً:
يا قمراً أطلعه المغرب ... قد ضاق بي في حبك المذهب
ألزمتني الذنب الذي جئته ... صدقت! فاصفح أيها المذنب
وإن من أغرب ما مر بي ... أن عذابي فيك مستعذب
ورحل عنه من كان يهواه، وفاجأه ببينه ونواه، فسايره قليلاً وما شاه، وهو يتوهم ألم الفرقة حتى غشاه، واستعجل الوداع، وفي كبده ما فيها من الانصداع، وأقام يومه بحالة المفجوع، وبات ليله منافر الهجوع، يردد الفكر، ويجدد الذكر، فقال:
ودع الصبر محب ودعك ... ذائع من سره ما استودعك
يقرع السن على أن لم يكن ... زاد في تلك الخطا إذ شيعك
يا أخا البدر سناء وسنا ... حفظ الله زماناً أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم ... بت أشكو قصر الليل معك
وقال يتغزل في ولادة بنت المستكفي التي كان يهواها، وكانت شاعرة:
يا نازحاً، وضمير القلب مثواه ... أنستك دنياك عبداً أنت دنياه
ألهتك عنه فكاهات تلذ بها ... فليس يجري ببال منك ذكراه
عل الليالي تبقيني إلى أمد ... الله يعلم والأيام معناه
وكتب إلى ابن عبد العزيز صاحب بلنسية:
راحت فصح بها السقيم ... ريح معطرة النسيم
مقبولة هبت قبو ... لاً فهي تعبق في الشميم
أفضيض مسك أم بلن ... سية لرياها نميم؟!
بلد حبيب أفقه ... لفتى يحل به كريم
إيه أبا عبد الإل ... له نداء مغلوب العزيم
إن عيل صبري من فرا ... قك، فالعذاب به أليم
أو أتبعتك حنينها ... نفس، فأنت لها قسيم
ذكرى لعهدك كالسها ... د سرى فبرح بالسليم
مهما ذممت فما زما ... ني في زمامك بالذميم
زمن كمألوف الرضا ... ع يشوق ذكراه الفطيم
أيام أعقد ناظر ... ي بذلك المرأي الوسيم
فأرى الفتوة غضة ... في ثوب أواه حليم
الله يعلم أن حب ... ك من فؤادي في الصميم
ولئن تحمل عنك بي ... جسم، فعن قلب مقيم
وله في ولادة القصيدة التي ضربت في الإبداع بسهم، وطلعت في كل خاطر ووهم، ونزعت منزعاً قصر عنه حبيب وابن الجهم:
بنتم وبنا، فما ابتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم، ولا جفت مآقينا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضى علينا الأسى، لولا تأسينا
حالت لفقدكم أيامنا فغدت ... سوداً، وكانت بكم بيضاً ليالينا
إذ جانب العيش طلق من تألفنا ... ومورد اللهو صاف من تصافينا
وإذ هصرنا غصون الوصل دانية ... قطوفها، فجنينا منه ماشينا
ليسق عهدكم عهد السرور، فما ... كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم ... حزناً مع الدهر لا يبلى ويبلينا
أن الزمان الذي كنا نسر به ... أنساً بقربهم، قد عاد يبكينا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا ... بأن نغص، فقال الدهر آمينا
فانحل ما كان معقوداً بأنفسنا ... وانبت ما كان موصولاً بأيدينا
وقد نكون وما يخشى تفرقنا ... فالآن نحن وما يرجى تلاقينا
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم ... رأياً، ولم نتقلد غيره دينا
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا ... أن طال ما غير النأي المحبينا
؟والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً منكم، ولا انصرفت عنكم أمانينا
ولا اتخذنا خليلاً عنك يشغلنا ... ولا اتخذنا بديلاً منك يسلينا
يا ساري البرق غاد القصر فاسق به ... من كان صرف الهوى والود يسقينا
ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا ... من لو على البعد حيي كان يحيينا
يا روضة طالما أجنت لواحظنا ... ورداً جناه الصبا غضاً ونسرينا
ويا حياة تملينا بزهرتها ... منى ضروباً، ولذات أفانينا
ويا نعيماً خطرنا من غضارته ... في وشي نعمي سحبنا ذيلها حينا
لسنا نسميك إجلالاً وتكرمة ... وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا
إذا انفردت، وما شوركت في صفة ... فحسبنا الوصف إيضاحاً وتبيينا
يا جنة الخلد، بدلنا بسلسلها ... والكوثر العذب زقوماً وغسلينا
كأننا لم نبت، والوصل ثالثنا ... والسعد قد غض من أجفان واشينا
سران في خاطر الظلماء يكتمنا ... حتى يكاد لسان الصبح يفشينا
لا غرو في أن ذكرنا الحزن حين نهت ... عنه النهى وتركنا الصبر ناسينا
إنا قرأنا الأسى يوم النوى سوراً ... مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا
أما هواك فلم نعدل بمنهله ... شرباً وإن كان يروينا فيظمينا
لم نجف أفق جمال أنت كوكبه ... سالين عنه ولم نهجره قالينا
نأسي عليك إذا حثت مشعشعة ... فينا الشمول وغنانا مغنينا
لا أكؤس الراح تبدي من شمائلنا ... سما ارتياح ولا الأوتار تلهينا
دومي على الوصل ما دمنا محافظة ... فالحر من دان إنصافاً كما دينا
أبدي وفاء وإن لم تبذلي صلة ... فالطيف يقنعنا، والذكر يكفينا
وفي الجواب متاع، إن شفعت به ... بيض الأيادي التي ما زلت تولينا
عليك مني سلام الله ما بقيت ... صبابة بك نخفيها فتخفينا
وقال فيها:
يا مستخفاً بعاشقيه ... ومستغشاً لناصحيه
ومن أطاع الوشاة فينا ... حتى أطعنا السلو فيه
الحمد لله! قد بدا لي ... بطلان ما كنت تدعيه
من قبل أن يهزم التسلي ... ويغلب الشوق ما يليه
وقال:
أيوحشني الزمان وأنت أنسي ... ويظلم لي النهار، وأنت شمسي
وأغرس في محبتك الأماني ... فأجني الموت من ثمرات غرسي
لقد جازيت غدراً عن وفائي ... وبعت مودتي ظلماً ببخس
ولو أن الزمان أطاع حكمي ... فديتك من مكارهه بنفسي
وله:
كأن عشي القطر في شاطئ النهر ... وقد زهرت فيه الأزاهر كالزهر
ترش بماء الورد رشاً وتنثني ... لتغليف أفواه بطييبة الخمر
وقوله:
يا ليل طل أو لا تطل ... لا بد لي أن أسهرك
لو بات عندي قمري ... ما بت أرعى قمرك
وقوله في بني جهور أصحاب قرطبة:
بني جهور أحرقتم بجفائكم ... جناني، فما بال المدائح تعبق
تظنونني كالعنبر الورد إنما ... تطيب لكم أنفاسه وهو يحرق
وقال فيه صاحب الذخيرة: إنه كان سامحه الله ممن لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره، والعجب أنه سلم من المعتضد بن عباد، مع كونه كان مدبر دولته، ولم يسلم له أحد من أصحابه.
وولى ولده بعده وهو أبو بكر وزارة المعتمد بن عباد.
ومن كتاب تلقيح الآراء في حلى الحجاب والوزراء
أبو بكر بن ذكوانورثاه أبو الوليد بن زيدون بشعر منه:
يا من شآ الأمثال منه بواحد ... ضربت به في السؤدد الأمثال
وذكره ابن حيان في كتاب القضاة، وقال: إنه أبو بكر محمد بن أبي العباس أحمد بن عبد الله بن ذكوان، كان أبوه قاضي القضاة، وإن أعيان قرطبة هتفوا باسم أبي بكر في القضاء عند ولاية أبي الحزم بن جهور، وأجمعوا على أنه في الكهول حلماً وعلماً ونزاهة وعفة وتصاوناً ومروءة وثروة، فأمضى له الولاية ابن جهور، فامتنع إلى أن كثروا عليه، فقبل ذلك، فنصر الحق، فأجمعوا على مقته، فعزل نفسه غرة شعبان سنة ثلاثين وأربعمائة. ومدته سنة غير ثلاثة أيام. ومات إثر ولاية صديقه أبي الوليد ابن جهور يوم الثلاثاء لثلاث خلت من ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وأربعمائة؛ ولم يتخلف عنه كبير أحد من أهل قرطبة، وأتبعوه ثناء جميلاً، و مولده في رجب سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.
أبو إسحاق
إبراهيم بن عبيد الله المعروف بالنوالةوصفه الحجاري بأنه بحر أدب ليس له ساحل، وأفق رئاسة قد زينه الله بنجوم المكارم والفضائل، وأنه كان ممن يؤخذ من ماله وأدبه، وأنه استعان بخزائن كتبه العظيمة على ما صنفه في كتاب المسهب، وكتب له رسالة يعتبه فيها على كونه دخل قرطبة فلم يبادر إلى الاجتماع به، أولها: أنا عاتب على سيدي عتباً لا تمحوه بحور البلاغة، ولا تحمله يد الاعتذار على مر الزمان. وختمها بقوله: وبعد هذا فإني أخبط خبط عشواء في تيه ظلام، فأطلع على صبح وجهك، لنبصر به سبل الهداية، على جري عادتك في تلك الأيام.
ومما أنشد من شعره قوله:
بادر إلى شاد وكأس تدور ... ومجلس قد زينته بدور
في جنة تضحك غدرانها ... وترقص القضب وتشدو الطيور
لما غدا الرعد بها مطرباً ... شق له الزهر جيوب السرور
وبلغ في دولة الملثمين من الجاه والمال والذكر بقرطبة ما لم يبلغه أحد.
ومن كتاب أردية الشباب في حلى الكتاب
محمد بن أمية
مولى معاوية بن يزيد بن عبد الملككتب عن هشام بن عبد الرحمن، وكان والده كاتباً لعبد الرحمن.
ومن تاريخ ابن حيان أنه كتب عن الحكم بن هشام فأتهمه بولائه لعمه سليمان الثائر عليه معزله وكان سليمان قدهم بالركون حتى كتب إليه ابن أمية:
لا تقبلن عهوداً لا وفاء لها ... إن المدير عليك الرأي شيطان
إن الصدور التي استعذبت أولها ... أعجازها لك إن حصلت خطبان
كيف المقام بأرض ليس يملكها ... ذاك المبرأ من نقص سليمان
وذكر الفرضي أنه مات خاملاً في مدة عبد الرحمن بن الحكم وبيته بيت كتابة ورئاسة.
أبو القاسم إبراهيم بن الإفليليذكر ابن حيان أنه بذ أهل زمانه بقرطبة في علم اللسان والضبط لغريب اللغة، والمشاركة في بعض المعاني، وكان غيوراً على ما يحمل من ذلك، كثير الحسد، راكباً رأسه في الخطأ البين إذا تقلده.
واستكتبه المستكفي فبرد، ووقع كلامه خالياً من البلاغة، لأنه كان على طريقة المعلمين، فزهد فيه، وما بلغني أنه ألف شيئاً إلا كتابه في شعر المتنبي. ولحقته تهمة في دينه أيام هشام، فسجن في المطبق.
وابن شهيد كثير الوقوع فيه والتندير به. قال في كلام، وصفه فيه: وهو أشدهم ضنانة بألا يكون بالأندلس محسن سواه، وكان الرأي عندي له أن يسكن أرض جليقية، حتى لا يسمع لخطيب فيها ذكراً، ولا يحس لشاعر شعراً، فينعم هنالك فرداً، وليست شيبته شيبة أديب، ولا جلسته جلسة عالم، ولا أنفه أنف كاتب، ولا نغمته نغمة شاعر.
وقال في رسالته التي سماها بالتوابع والزوابع على لسان الجن: وأما أبو القاسم بن الإفليلي فمكانه من نفسي مكين، وحبه بفؤادي دخيل، على أنه حامل علي، ومنتسب إلى. فصاحا: يا أنف الناقة بن معمر، من سكان خيبر، فقام إليهما جني أشمط ربعه يتظالع في مشيه كاسراً لطرفه، زاوياً لأنفه، وهو ينشد:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوى بأنف الناقة الذنبا؟
فقالا لي: هذا صاحب أبي القاسم. ما قولك فيه يا أنف الناقة؟ قال: لا اعرف على من قرأ؟ فقلت في نفسي: العصا من العصية! فقلت: وأنا أيضاً لا أعرف على من قرأت؟ قال؛ لمثلي يقال هذا الكلام؟ فقلت: وكان ماذا؟ قال فطارحني كتاب الجيل. قلت: هو عندي في زنبيل. قال: فناظرني على كتاب سيبويه. قلت: خريت الهرة عندي عليه.
وقال الحجاري: كان بارد النظم والنثر، لم يندر له من شعره إلا قوله:
صحبت القطيع ونادمته ... وأصبحت في شربه ذا انقطاع
وأبصرت أنسي به وحده ... كأنس الرضيع بثدي الرضاع
قال: وهو القائل في يحيى بن حمود من قصيدة يكفي منها ما يكفي من الترياق:
أنت خير الناس كلهم ... يا بن من ما مثله بشر
فإذا ما لحت بينهم ... قيل هذا البدو والحضر
قال: وأنشدتهما لأحد الأدباء، فقال لي عندما سمع عجز الأول ورأى ترادف الميمات: هذه عقد ذنب العقرب، فلما سمع الثاني قال: سبحان من أخلى خاطر هذا الرجل من التوفيق، وجعله يخرى على فمه!
أبو يحيى أبو بكر بن هشامهو ممن قرأت عليه وأدركته يكتب عن الباجي ملك إشبيلية. والإشارة إليه بأنه شيخ كتاب الأندلس. وكان سهل الطريقة، كتب عن المأمون أيام ولايته قرطبة، ثم لحق بالبياسي الثائر، وكتب عنه، ثم قتل البياسي، فاستخفى، ثم لحق بإشبيلية.
وتسبب إلى المأمون، وأنشده قصيدة منها:
مولاي إن بليتي مع خدمتي ... خصمان فاحكم للتي هي أقدم
ثم أكثر عليه من الرقاع في ذلك، فوقع له: يا هذا قد أكثرت علينا من الرقاع، وقد أمضينا لك حكم ابن الرقاع.
وبلغني في مصر أنه توفي بالجزيرة الخضراء في سنة أربعين وستمائة. ومما أنشدنيه لنفسه قوله:
لاموا على حب الصبا والكأس ... لما بدا وضح المشيب برأسي
والغصن أحوج ما يكون لسقيه ... أيان يبدو بالأزاهر كاسي
وقوله:
أمسى الفراش يطوف حول كؤوسنا ... إذ خالها تحت الدجى قنديلا
ما زال يحفق حولها بجناحه ... حتى رمته على الفراش قتيلا
ومن نثره: بما أسلف لهذا الحزب الغالب من انتباه والناس نيام، وانتصار بالمال والنفس والكلام، وخوض في لجج المهالك، وقطع لمضيقات المسالك، حتى شكر إثر عناه راحته ونجاحه، وحمد بعد ما أطال سراه صباحه، فجدير أن يجني ثمرة ما غرس، وأن يمشي في ضوء ذلك القبس.
أخوه
أبو القاسم عامر بن هشامهو صاحب القصيدة المتقدمة في متفرجات قرطبة، وحسبه فخراً وعلو طبقة. وكان مشهوراً بالمنادمة والبطالة. ومن نثره قوله في مخاطبة رئيس: وإني لكالأرض الكريمة إن نظر منها وسقيت أنبتت وأزهرت، وأودعت لسان النسيم، ما يعبر به في الآفاق من شكر الخير الجسيم، وإن أهملت صوحت وأودعت السوافي ما يعمى العين، ويرغم الأنف، وإن لسيدي كبير حق، ولمعظمه صغير حق، ورعى أحدهما منوط بالآخر.
ومن رسالة: وأني يصح له ذلك مع ما اشتهر عنه من كونه نماماً للأسرار، نقالاً لما يسوء سماعه من الأخبار، مولعاً بالفضول، كثير الخروج والدخول، ولاجاً عند فلان وفلان، كثير التضريب والإفساد بين الإخوان، مع لزوم الثقالة، والمظاهرة بالتقلب والاستحالة، لا يشكر كثير الإحسان، ولا يغفر قليل الإساءة، بساط المنادمة معه لا يطوي أبداً، أسقط على المساوئ من كلب على جيفة، وألح فيها من ذباب على قرحة. وله مع الحضرمي ممازحة كثيرة.
وهو المخاطب للحضرمي:
لا خير في الصاحب إن لم يكن ... يقود أو يَنِكحُ أو يَنكَحُ
فإن خلت من صاحب هذه ... فإنه للود لا يصلحُ
فقال له: حسبي القيادة! وقاد له على محبوب له من أبناء الجند، في حكاية طويلة. وحلق أبو الصبي شعره وقيده، وحبسه، لما سمع باجتماعه مع ابن هشام؛ فقال ابن هشام في ذلك:
طال ليلي مذ قصروا ليل شعره ... ورموا بالسرار كامل بدره
يا هلال السماء قبل هلالاً ... قيدوه به مخافة فره
فلما سرح قال:
صفح السرار عن القمر ... وبدا وقد كان استتر
كتب السرور لناظري ... لما رآه قد ظهر:
هذا أمان للجفو ... ن من المدامع والسهر
وسكر ليلة، فخرج والمطر يسح، فرأى جريه، فأعجبه، وزين له السكر الرقاد في وسط الطريق، فجاء أحد العسس، فعرفه، فحمله إلى داره، وجرد ثيابه البليلة، وألقى عليه من ثيابه، وحمله إلى منزله، فلما أفاق أبو القاسم قال:
أقول وقد أوردت نفسي مورداً ... أبحت به ما شاءه السكر من عرضي
وقد صرت سداً بالطريق لسائل ... من القطر إذ لا بسط. تحتي سوى الأرض
وقد هزني في آخر الليل مرسل ... من الله أحياني وألحق بي غمضي
سأثني عليك الدهر في كل محفل ... وما كل من أوليته نعمة يقضي
ولم أدر من ألقى علي رداءه ... خلا أنه قد سل عن ماجد محض
وأنشد له أبو البحر في كتاب زاد المسافر:
وأغن تثنيه الشبية خوطة ... تيهاً وتسحب ثوبه أذيالا
سفرت محاسن وجهه عن شجة ... نونية حشت الحشا بلبالا
لاحت كإحدى حاجبيه تقوساً ... بيضاء راقت في العيون جمالا
فتأملوها آية بدعية ... قمراً جلا في صفحتيه هلالا
ومات قبل أخيه، وله موشحات.
ومن كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت
عبد الملك بن أحمد بن عيسى بن شهيد
مولى بني أميةذكر الشقندي: أنه كان جليس الأمير محمد، وأنشد له:
ويلي على أحور تياه ... أجد فيه وهو بي لاه
أقبل في غيد حكين الظبا ... بيض تراق حمر أفواه
يأمر فيهن وينهي ولا ... يعصينه من آمر ناه
حتى إذا أمكنني أمره ... تركته من خشية الله
وذكر الحجاري: أن الأمير محمداً استوزره، وجالس الناصر، واستوزر الناصر ابنه أحمد الشاعر، وكان أحمد يقول: لا يخلص لي جاه ما دام أبي في الحياة، فقال في ذلك شعراً منه:
سرني فرعى وقد أث ... مر واستعلت غصونه
غير أني بجلوسي ... معه صرت أشينه
يا بني اصبر فإن ال ... شيخ قد حانت منونه
وسيبدو لك فرع ... وترى كيف فنونه
أبو عامر أحمد بن عبد الملك
بن أحمد بن عبد الملك بن عمر بن محمد بن عيسى بن شهيدهو أعظم هذا البيت شهرة في البلاغة. وقال ابن بسام في وصفه: شيخ الحضرة وفتاها ونادرة الفلك الدوار، وأعجوبة الليل والنهار. وأطنب في الثناء على نظمه ونثره وأدبه. وكذلك ابن حيان وصاحبا المسهب والسقط. وقال عنه ابن حيان: كان يبلغ المعنى ولا يطيل سفر الكلام،. ولم يوجد له بعد موته كتب يستعان بها على ما جرت به عادة البلغاء والأدباء، وكان قديراً على فنون الهزل، إلا أنه غلبت عليه البطالة، فلم يحفل في إيثارها بضياع دين أو مروءة، وكان منهمكاً في الجود، حتى شارف الإملاق عند موته.
وله رسالة إلى عبد العزيز بن الناصر بن المنصور بن أبي عامر يمت فيها بتربيته في قصور بني أبي عامر. وأن عمه المظفر بن المنصور أعطاه ألف دينار وهو صغير، وأن حظية المنصور أعطته ألفاً عنها، وثلاثة آلاف عن سيدها. وانصرف عن قصرهم بالغنى، وأن أباه احتوى على ذلك، فبلغ المنصور، فأمر له بخمسمائة دينار، وأقسم على أبيه ألا يمنعه منها فيما شاءه.
وله في جواب رسالة.
فتنفضت تنفض العقاب، وهزتني أريحية كأريحية الشباب، وجعل يوهمني أني ملأت الأرض بجسمي، وأومأت إلى الجوزاء بكفي أن تأملى، والى العواء أن أقبلى. وقلت المجرة في عيني أن تكون لي منديلاً، وصغر الزبرقان عندي أن أتخذه إكليلاً، فقلت: هكذا تكون الألوك، وبمثل هذا تنفح الملوك.
ومن قصيدة يمدح بها ابن الناصر المذكور:
؟ورعيت من وجه السماء خميلة ... خضراء لاح البدر من غدرانها
وكأن نثر النجم ضان عندها ... وكأنما الجوزاء راعى ضانها
وله رسالة يخطب بها أبا بكر بن حزم، سماها بالتوابع والزوابع، وبناها على مخاطبات الجن، قال في أولها: كان لي في أول صبوتي هوى اشتد به كلفي، ثم لحقني في أثناء ذلك ملل وتولى به عني الحمام، فجزعت وأخذت في رثائه في الحائر، وقد أبهمت على أبوابه، وانفردت، فقلت:
تولى الحمام بظبي الخدور ... وفاز الردى بالغزال الغرير
إلى أن انتهيت إلى الاعتذار من الملل الذي كان، فقلت:
وكنت مللتك لا عن قلى ... ولا عن فساد ثوى في ضميري
وأفحمت، فإذا بفارس على باب المجلس على فرس أدهم قد اتكأ على رمحه، وصاح بي: أعجزاً يا فتى الأندلس؟ قلت: لا وأبيك، ولكن للكلام أحيان، وهذا شأن الإنسان، فقال: قل:
كمثل ملال الفتى للنعيم ... إذا دام فيه وحال السرور
فأثبت إجازته، و قلت: بأبي أنت، من أنت؟ قال: أنا زهير بن نمير، من أشجع الجن، فقلت: وما الذي حداك إلى التصور لي؟ قال: هوى ورغبة في اصطفائك، قلت: أهلاً بك أيها الوجه الوضاح، صادفت قلباً إليك مقلوباً، وهوى نحوك مجنوباً، وتحادثنا حيناً، ثم قال: متى شئت استحضاري فأنشد هذه الأبيات:
وآلى زهير الحب يا عز أنه ... متى ذكرتك الذاكرات أتاها
إذا جرت الأفواه يوماً بذكرها ... تخيل لي أني أقبل فاها
فأغشى ديار الذاكرين وإن نأت ... أجارع من دارى هوى لهواها
وأوثب الأدهم جدار الحائط وغاب عني، وكنت متى أرتج علي أنشد الأبيات، فيتمثل لي، فأسير إلى ما أرغب.
ومما ضمن هذه الرسالة من محاسن الشعر قوله:
ومرقبة لا يدرك الطرف رأسها ... تزل بها ريح الصبا فتحدر
تكلفتها، والليل قد ماج بحره ... وقد جعلت أمواجه تتكسر
ومن تحت حضني من ظبا الهند أبيض ... وفي الكف من عسالة الخط أسمر
هما صاحباي من لدن كنت يافعاً ... مقيلان من جد الفتى حين يعثر
فذا جدول في الغمد تسقى به المنى ... وذا غصن في الكف يجنى فيثمر
وقوله:
أفي كل حين مصرع لعظيم؟! ... أصاب المنايا حادثي وقديمي
وكيف اهتدائي في الخطوب إذا دجت ... وقد فقدت عيناي ضوء نجوم
وقوله:
وكأن النجوم في الليل جيش ... دخلوا للكمين في جوف غاب
وكأن الصباح قانص طير ... قبضت كفه برجل غراب
وقوله:
ولرب حان قد أدرت بديره ... خمر الصبا مزجت بصفو خموره
في فتية جعلوا الزقاق تكاءهم ... متصاغرين تخشعاً لكبيره
وترنم الناقوس عند صلاتهم ... ففتحت من عيني لرجع هديره
وقوله:
أصبيح شيم أم برق بدا ... أم سنا المحبوب أورى زندا
هب من نعسته منفتلاً ... مسبلاً للكم مرخ للردا
يمسح النعسة من عيني رشاً ... صائد في كل يوم أسدا
قلت: هب لي يا حبيبي قبلة ... تشف من عمك تبريح الصدا
فانثنى يهتز من منكبه ... قائلاً: لا، ثم أعطاني اليدا
كلما كلمني قبلته ... فهو إما قال قولاً رددا
كاد أن يرجع من لثمي له ... وارتشافي الثغر منه أدردا
قال لي يلعب: خذ لي طائراً ... فتراني الدهر أمشي في الكدا
شربت أعطافه خمر الصبا ... وثناه الحسن حتى عربدا
وإذا بت به في روضة ... أغيداً يقرو نباتاً أغيدا
قام في الليل بجيد أتلع ... ينفض اللمة من دمع الندى
أححت من عضتي في نهدها ... ثم عضت حر خدي عمدا
فأنا المجروح من عضتها ... لا شفاني الله منها أبدا
ومن محاسنة قوله:
وقد فغرت فاها دجى كل زهرة ... إلى كل ضرع للغمامة حافل
ومرت جيوش المزن رهواً كأنها ... عساكر زنج مذهبات المناصل
وخطفت الخضراء في غر زهرها ... كلجة بحر كللت باليعالل
تخال بها زهر الكواكب نرجساً ... على شط نهر للمجرة سائل
ومن بدائعه قوله في صفة برغوث: أسود زنجي، وأهلي وحشي، ليس بوان ولا زميل، كأنه جزء لا يتجزأ من ليل، وشونيزة، وثبتها غريزة، أو نقطة مداد، أو سويداء قلب فؤاد، شربه عب، ومشيه وثب، يكمن نهاره، ويسري ليله، يدرك بطعن مؤلم، ويستحل دم كل مسلم، مساور للأساورة، يجر ذيله على الجبابرة، يتكفر بأرفع الثياب، ويهتك ستر كل حجاب، ولا يحفل ببواب، يرد مناهل العيش العذبة، ويصل إلى الأحراج الرطبة، لا يمنع منه أمير، ولا ينفع فيه غيرة غيور، شره مبثوث، وعهده منكوث، وهكذا كل برغوث.
وقوله:
وقفنا على جمر من الموت وقفة ... صلى لظاه دأب قومي ودابها
إذا الشمس رامت فيه أكل لحومنا ... جرى جشعاً فوق الجياد لعابها
وقوله:
وقالت النفس لما أن خلوت بها ... أشكو إليها الهوى خلواً من النعم
حتام أنت على الضراء مضطجع ... معرس في ديار الظلم والظلم
وقوله:
ومنتن الريح إن ناجيته أبداً ... كأنما مات في خيشومه فار
وقوله في أبي عامر بن المظفر:
جمعت بطاعة حبك الأضداد ... وتألف الأفصاح والأعياد
كتب القضاء بأن جدك صاعد ... والصبح رق والظلام مداد
وقوله:
كأن هامته والرمح يحملها ... غراب بين على بان النقا نعقا
وقوله:
أبى دمعنا يجري مخافة شامت ... فنظمه فوق المحاجر ناظم
وراق الهوى منا عيوناً كريمة ... تبسمن حتى ما تروق المباسم
وقاسى في مرضه شدة، فقال عند موته:
خليلي من ذاق المنية مرة ... فقد ذقتها خمسين قولة صادق
وكان موته من فالج أقام به مدة، ورام أن يقتل نفسه لشدة الآلام، وقال في تلك العلة:
تأملت ما أفنيت من طول مدتي ... فلم أره إلا كلمحة ناظر
وحصلت ما أدركت من طول لذتي ... فلم ألفه إلا كصفقة خاسر
وما أنا إلا أهل ما قدمت يدي ... إذا خلفوني بين أهل المقابر
سقى الله فتياناً كأن وجوههم ... وجوه مصابيح النجوم الزواهر
يقولون: قد أودى أبو عامر العلا ... أقلوا فقدماً مات آباء عامر
هو الموت لم يحرس بأسجاع خاطب ... بليغ ولم يعطف بأنفاس شاعر
وتوفي يوم الجمعة آخر جمادى الأولى سنة ست وعشرين وأربعمائة، ولم يشهد على قبر أحد ما شهد على قبره من البكاء والعويل، وأنشد عليه من المراثي جملة موفورة، وممن رثاه أبو حفص بن برد الأصغر.
وقال الحجاري: كان ألزم للكأس من الأطيار بالأغصان، وأولع بها من خيال الواصل بالهجران. واستوزره المستظهر، ثم اصطفاه هشام المعتد، ورثاه لما خلع بقصيدة منها:
أحللتني بمحلة الجوزاء ... ورويت عندك من دم الأعداء
وحملتني كالصقر فوق معاشر ... تحتي كأنهم بنات الماء
وذكره الثعالبي في اليتيمة، وأنشد له الشقندي ما تقدم في رسالته والحجاري في الحديقة.
؟عم أبي عامر بن شهيد أنشد له في حانوت عطار:
صدوداً وإن كان الحبيب مساعفاً ... وبعداً وإن كان المزار قريباً
وما فتئت تلك الديار حبيبة ... لنا قبل أن نلقى بهن حبيباً
ولو أسعفتنا بالمودة في الهوى ... لأدنين إلفاً أو شغلن رقيباً
وما كان يجفو ممرضي غير أنه ... عدته العوادي أن يكون طبيباً
؟
أخو
أبي عامر بن شهيدأنشد له في الكتاب المذكور:
شكوت إليك صروف الزمان ... فلم تعد أن كنت عون الزمان
وتقصر عن نعمتي قدرتي ... فيا ليتني لسوى من نماني
ولا غرو للحر عند المضي ... ق أن يتمنى وضيع الأماني
أبو حفص أحمد الأصغر بن محمد
بن أبي حفص
أحمد الأكبر بن بردقال ابن بسام عنه: فلك البلاغة الدائر، ومثلها السائر. ووصفه بالنظم والنثر. وما أورد له يغني عن الإطناب في وصفه. ولحق جده أبا حفص وقرأ عليه، وسيذكر في مدينة الزاهرة. وصنف كتاباً رفعه للمعتصم بن صمادح صاحب المرية، في بعض فصوله في الحمد: الحمد لله واصل الحبل بعد انقطاعه، وملائم الشعب بعد انصداعه، المصبح بنا من ليل الخطوب، والماحي عنا غياهب الكروب.
الحمد لله وإن عثرت الجدود، وهوت نجوم السعود، المرجو للإدالة، والمدعو في الإقالة، والقادر على تعجيل الانتصار، والآخذ للإسلام بالثار، أما بعد، فما أتيت البصائر من تعليل، ولا الأعداد من تقليل، ولا القلوب من خور، ولا السواعد من قصر، ولا الجياد من لؤم أعراق، ولا الصفوف من سوء اتساق، ولكن النصر تأخر، والوقت المقدور حضر، ولم تكن لتمضي سويف لم يشإ الله إمضاءها، ولا لتبقى نفوس لم يرد الله بقاءها، وفي قوله تعالى أجمل التأسي وأحسن التعزي: " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله؛ وتلك الأيام نداولها بين الناس " .
الحمد لله مولف الآراء، وجامع الأهواء على ما أغمد من سيف الفتنة، وأخمد من نار الإحنة.
الحمد لله الذي صير أعداءنا في أعدادنا. وأضدادنا في أعضادنا، والسيوف المسلولة علينا مسلولة دوننا.
وفي بعض فصوله في الشكر: الشكر عوذة على العارفة، وتميمة في جيد النعمة. الكفر غراب ينعب على منازل النعم. الشكر بيد النعمة أمان، وعلى وجه العارفة صوان.
وفي بعض فصوله في وصف القلم: المداد كالبحر، والقلم كالغواص، واللفظ. كالجوهر، والطرس كالسلك ما أعجب شأن القلم! يشرب ظلمة ويلفظ. نوراً، قاتل الله القلم! كيف يفل السنان، وهو يكسر بالأسنان؟!. فساد القلم خدر في أعضاء الخط. رداءة الخط. قذى في عين القراءة.
وفي بعض فصوله في الأمان:
أما بعد، فإنكم سألتم الأمان، أوان تلمظت السيوف إليكم، وحامت الحتوف عليكم، وهمت حظائر الخذلان أن تنفرج لنا عنكم، وأيدي العصيان أن تتحفنا بكم، ولو كلنا لكلم بصاعكم، ولم نرع فيكم ذمة اصطناعكم، لضاق عليكم ملبس الغفران، ولم ينسدل عليكم ستر الأمان، ولكنا علمنا أن كهولكم الخلوف عنكم، وذوي الأسنان العاصين لكم، ممن يهاب وسم الخلعان، ويخاف السلطان، وأنهم لا يراسلونكم في ميدان معصية، ولا يزاحمونكم في منهل حيرة، ولا يماشونكم إلى موقف وداع، ولولا تحرجنا أن نقطع أعضادهم بكم، ورجاؤنا أن يكون العفو على المقدرة تأديباً لكم، لشربت دماءكم سباع الكماة، وأكلت لحومكم ضباع الفلاة، وقد أعطينا بتأميننا إياكم عهد الله وذمته، ونحن لا نخفرهما أيام حياتنا، إلا أن تكون لكم كرة، ولغدرتكم ضرة، فيومئذ لا إعذار إليكم، ولا إقصار عنكم، حتى تحصدكم ظباة السيوف، وتقضي ديون أنفسكم غرة الحتوف.
وفي بدأة عتاب: أظلم لي جو صفائك، وتوعر على أرض إخائك.
وفي بعض فصوله في الاستزارة: نحن من منزل فلان أعزه الله بحيث نلتمح سناك، ونتنسم رياك، وقد راعنا اليوم باكفهرار وجهه، وما ذر من كافور ثلجه، فادرعنا له بالستور، وانغمسنا بين جيوب السرور، ورفعنا لبنات الزناد ألوية حمراء، وأجرينا لبنات الكروم خيلاً شقراء، وأحببنا أن نشهد جيش الشتاء كيف يهزم، وأنفاس البرد كيف تكظم.
فصل في ذم مؤاخ، وهو من أبدع ما قيل في ذلك: خليت عنه يدي، وخلدت قلاه خلدي، بيض الأنوق من رفده أمكن، وصفا المشقر من خده ألين. منزور النوال، رث المقال، أحاديث وعده لا تعود بنفع، ولا هي من غرب ولا نبع، مطحلب الوجه، مراق ماء الحياء، مظلم الخلق، دبوري الريح، مقشعر الوجه، طاشت عنده الصنيعة وضاعت فيه اليد، على وجهه من التعبيس قفل ضاع مفتاحه، وليل مات صباحه. غنى من الجهل، مفلس من العقل، تتضاءل النعم لديه، وتقبح محاسن الإحسان إليه، لم ينظم عليه قط در ثناء، ولا استحق أن يلبس بزة مديح، غربال حديث، كلما أجال قدحاً كان غير فائز، أو رمى سهماً جاءه غير صائب، كبد الزمان عليه قاسية، ونعم الله له ناسية. شر بقعة لغرس المودة وبذر الإخاء، قصير عمر الوفاء للإخوان، عون عليهم مع الزمان، كدر الدنيا وسقم الحياة.
ومن محاسن ما أورده ابن بسام من نظمه قوله:
لما بدا في لا زور ... دي الحرير وقد بهر
كبرت من فرط الجما ... ل، وقلت: ما هذا بشر!
فأجابني: لا تنكرن ... ثوب السماء على القمر
وقوله:
أقبل في ثوب لا زورد ... قد أفرغ التبر من عليه
كأنه البدر في سماء ... قد طرز البرق جانبيه
وقوله:
صح الهوى منا، ولكنني ... أعجب من بعد لنا يقدر
كأننا في فلك واحد ... فأنت تخفى وأنا أظهر
وقوله:
لما رمته العيون ظالمة ... وأثرت في جماله الحدق
ألبس من نسج شعره زرداً ... صيغت له من زمرد حلق
وقوله:
رقم العذار غلالتيه بأحرف ... معنى الهوى في طيها متناهي
نادى عليه الحسن حين لقيته ... هذ المنمنم في طراز الله
وقوله:
وما زلت أحسب فيه السحاب ... ونار بوارقها في لهب
بخاتي توضع في سيرها ... وقد قرعت بسياط الذهب
وقوله:
وقد فتح الأفق للناظري ... ن عن شهلة الصبح جفن الغبش
وقوله:
عارض أقبل في جنح الدجى ... يتهاذى كتهادي ذا الوجى لؤلؤه
بددت ريح الصبا لؤلؤه ... فانبرى يوقد عنه سرجا
وقوله:
؟وكأن الليل حين لوى ... ذاهباً، والصبح قد لاحا
كلة سوداء أحرقها ... عامد أسرج مصباحا
وقوله:
والبدر كالمرآة غير صقله ... عبث العذارى فيه بالأنفاس
والليل ملتبس بضوء صباحه ... مثل التباس النقس بالقرطاس
وجعله الحجاري فوق جده في النثر، قال: وأما النظم، فلا أستجيز أن أجعل بينهما أفعل.
رحل من قرطبة إلى المرية، فاستوزره المعتصم بن صمادح، ثم رحل إلى مجاهد صاحب دانية.
؟
بيت بني الطبني
أصلهم من طبنة، قاعدة الزاب، والوافد منهم على الأندلس في أيام ابن أبي عامر أبو مضر:
؟
محمد بن يحيى بن أبي مضر الطبنيوصفه الحجاري بالأدب والشعر، ومجالسة الملوك، وكان ممن يجالس أبا الحزم بن جهور وابنه أبا الوليد، وصحب ابن شهيد، وأنشد له:
لا يبعد الله من قد غاب عن بصري ... ولم يغب عن صميم القلب والفكر
أشتاقه كاشتياق العين نومتها ... بعد الهجود، وجدب الأرض للمطر
وعاتبوني على بذل الفؤاد له ... وما دروا أنني أعطيته عمري!!
وذكره الحميدي وأنشد له شعراً يخاطب به أبا محمد بن حزم.
أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله
ابن أبي مضر الطبنيمن ذخيرة ابن بسام: أنه كان أحد حماة سرح الكلام، وحملة ألوية الأقلام، وذكر ابن حيان: أن جواريه قتلنه لتقتيره عليهن، ورحل إلى المشرق، وحج، وقتل بقرطبة سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
وذكر الحجاري أنه كان إماماً في علم الحديث، ووصفه بالبخل المفرط: كان يترك أهل داره يأكلن الخبز بلاد إدام، فإذا طلبوا الإدام حرد عليهم، وقال: هذه عادة سوء، فخنقوه.
وأنشد له:
إني إذا حضرتني ألف محبة ... تقول: أخبرني هذا وحدثني
صاحت بعقوتى الأقلام زاهية: ... هذى المكارم لا قعبان من لبن
أبو الحسن علي بن عبد العزيز
ابن زيادة الله بن أبي مضر الطبنيجعله الحجاري أشعر بني الطبني، وأنشد له قوله:
لا تسقني إلا بكأس إذا ... شربتها تملك عقلي جميع
وزادك الله سروراً إذا ... سقيتني بالجام أو بالقطيع
لا ترفع الخمر إلى مدة ... أولى وأحلى من زمان الربيع
وقوله:
يا سالباً عاشقيه ... وعاشقاً كل تيه!
ومن مدامي ونقلي ... من وجنتيه وفيه
هلا جزيت فوادي ... ببعض مالك فيه
بيت بني كليب بن ثعلبة بن عبيد الجذامي
مولى بني أمية
أبو مروان عامر بن عامر بن كليبمن تاريخ ابن حيان: أنه أحد وجوه الموالي في العسكر السلطاني، ووصفه الفرضي بالأدب والذكاء والترسل والشعر والمعارضة والتحكك بالشعراء، قال: وفيه يقول العتبي:
عفت معالمه الليالي مثل ما ... عفى سواد الشعر بهجة عامر
ومن شعره قوله:
عظم الخطاء فهل تقيل ... يا سيدي، أم ما تقول؟
أنت العزيز بهفوتي ... وأنا بها العبد الذليل
تالله لو أني استطع ... ت لما بدا مني فضول
ولما رأى مني الصدي ... يق سوى قوام لا يميل
فأبت على الكأس إلا ... أن يداخلني الذهول
وكان مختصاً بالوزير هاشم، فسلطه على الوزير محمد بن جهور، فكان يتتبع سقطاته، فاتفق أن نادمه في متصيد للأمير محمد، فلما دارت الكأس قال ابن جهور لخادمه: هات ذاك التفاح المخروج، فضحك عامر من لحنه، وجعل يقول: يا ضيعة الوزارة! حين تولاها الأبله اللحانة! فغضب، وضربه بالسياط، فغض ذلك من قدره، ونعاه عليه الشعراء في أشعارهم.
قال ابن حيان: ومات سنة خمس وسبعين ومائتين.
وذكر الحجاري: أنه كان لا يبالي أين يضع لسانه، وجرى حديث، فقال بعض رجال السلطان: من قال هذا؟ فقال عامر: قاله بنو إوزة، يعني أحد أولاد الأمير لقب بذلك لتولعه بإوزة كان يشرب عليها، ويعجبه مشيها وصياحها، فبلغه ذلك، فاحتال عليه ولد الأمير بعد أيام، حتى حصله في منزله، وجعله يخدم تلك الإوزة على ما يقتضيه قوله:
يا سائلاً عن قصتي ... اعجب لقبح قضيتي
حال الزمان عن الذي ... تدرى، وذلل عزتي
وكفاك أني كانس ... خرء الإوز بلحيتي
فلما قرأها ابن الأمير ضحك، وأمر له بإحسان وسرحه، فقال فيه قصيدة أولها: ط
لبست ليوم البين درعاً من الصبر ... فقدته ألحاظ خلسن من الخدر
ومنها:
كذا فليكن جود الكرام مرادفاً ... كما أردفت موج تتابع في بحر
أبو خالد بن التراس القرطبيمن ولد أيوب بن حبيب اللخمي الذي ولي سلطنة الأندلس.
ذكره الحجاري، وأخبر أنه كان يصحب أبا المغيرة بن حزم، وكان جهير الصوت، كثير الكلام، لا يكاد يسكت، ولا يكفيه من الطعام قليل، وهو القائل:
كيف اصطباري للذي حل بي ... والرزء فيما ناب منه جليل
إذ من أنا ضيف له باخل ... ولست ممن يكتفي بالقليل
وأخبر الحميدي أنه شاعر مذكور في أيام المستظهر.
أبو علي الحسن بن مضاء القرطبيذكر الحجاري أن بيت بني مضاء بقرطبة متوارث الحسب، وأن أبا علي لشعره ديباجة عراقية، ورقة حجازية، وكان مختصاً بعبد الملك بن أبي الوليد ابن جهور، وله فيه أمداح، وأنشد له قوله:
قصر اليوم فحث الش ... رب بالكأس الكبير
فإذا ما طال فاشرب ... فيه بالكأس الصغير
وقوله:
بشرب الكبير، وعشق الصغير ... أدين، ومن لام لا يقبل
بيت بني مسلمةذكر ابن حيان: أن أصل هذا البيت مسلمة بن حسان مولى معاوية بن أبي سفيان. ومسلمة من المخلصين لعبد الرحمن الداخل، وكان بباجة، وتناسل ولده بقرطبة.
أبو عامر محمد بن مسلمة القرطبيأثنى عليه الحجاري وعلى بيته، وذكر: أنه هاجر من قرطبة إلى إشبيلية للمعتضد بن عباد، وندم لما رآه من استحالته، فداراه مدة حياته، واسأله كيف نجا!.
وأنشد له في المعتضد المذكور:
أيا ملك الأملاك والسيد الذي ... يسير على سبل الرشاد بمقباس
عهدتك سمح الكف بالجود، كيف قد ... بخلت بترك المجد أجمع للناس؟!
وقوله في غلام كان يهواه:
وإني لأهواه وأبغي اكتتامه ... وتأبى أمارات اللقاء تكتما
لساني في حكمي ولكن مقلتي ... ولوني ما إن يقبلان تحكما
وفي الذخيرة: أنه أحد جهابذة الكلام، وجماهير النثار والنظام، من قوم طالما ملكوا أزمة الأيام، وخصموا بألسنة السيوف والأقلام. وكان أبو عامر منهم بمنزلة الفص من الخاتم، والسر من صدر الكاتم. وذكر قدومه على المعتضد، وأنه ألف له كتاباً سماه حديقة الارتياح في وصف حقيقة الراح.
وأنشد قوله:
أهلاً وسهلاً بوفود الربيع ... وثغره البسام عند الطلوع
كأنما أزهاره حلة ... من وشي صنعاء السرى الرفيع
أحبب به من زائر زاهر ... دعا إلى الأنس فكنت السميع
وبينه وبين إدريس بن اليمان وابن الأبار مراسلات. وجدهم أبان بن عبيد مولى معاوية بن أبي سفيان، أهدى إليه من سبي البربر.
أبو الحسين بن مسلمة القرطبيذكر لي والدي: أنه من سراة هذا البيت، صحبه في مواطن كثيرة أيام الصبا، ووصفه بالمشاركة في العلوم القديمة والحديثة.
قال: وكنا نقول واضيعة خزائن الكتب بحضوره، وكانت له همة فائقة، وكان يوفى إخوانه حقوقهم في المغيب والمشهد، إلا أنه قليل الإخوان هرباً من العجز عن القيام بحق كثيرهم. وذكر والدي: أنه صحبة في سفر، فمرا على مالقة، فوجدا صاحبها أبا علي بن حسون في فرجة، فاتفقا على أن يخاطباه، فقال ابن مسلمة:
مررنا برية قصداً كما ... يمر النسيم بروض الزهر
فقال ابن سعيد:
فجلنا بروض نأى زهره ... وأقلع عنه انسكاب المطر
فقال ابن مسلمة:
فلم نر رحلتنا دون أن ... نسير ببشر وسقيا درر
فقال ابن سعيد:
ولم نقض من كعبة الجود ما ... يقضى الذي حجها واعتمر
فقال ابن مسلمة:
ولم نر إلا خطاب العلا ... بطوع الإقامة أو بالسفر
فقال ابن سعيد:
وترك التكلف تأميلنا ... متى كنت بالبدو أو بالحضر
فقال ابن مسلمة:
وليس لنا رغبة في السحاب ... ولكن لنبصر وجه القمر
فبعث في وصولهما، وكان منه ما اشتهر عنه من الأفعال البرمكية. ومما أنشدنيه والدي من شعر أبي الحسين، فاستحسنته، قوله:
رقد الغزال وكلنا يقظان ... ما تلتقي في حبه الأجفان!
هبت عليه الراح ريحاً صرصراً ... وبمثلها تتقصف الأغصان
وقوله:
بروحي التي وافت، وكالورد خدها ... حياء، ومنها قد شكا الصب ما شكا
وما ضحكت إلا غروراً بمهجتي ... كما خجلت كأس المدام لتفتكا
وقوله:
سلوا ورق الآس لم حددت ... وقد وضح الصبح آذانها
ولم ذا أقيمت على ساقها ... وبلت من الطل أجفانها
أأطربها هاتف قد غدا ... يهز من الطيب أغصانها؟
وله رسائل، وموشحات، وأزجال.
بيت بني قزمانأثنى على هذا البيت الحجازي في بيوت قرطبة، وأنهم لم يزالوا ما بين وزير وعالم ورئيس.
أبو بكر محمد الأكبر بن عبد الملك
ابن عيسى بن قزمان القرطبيذكر ابن بسام: أن المتوكل صاحب بطليوس أول من اتخذه كاتباً، وأثنى على بيته وذاته، وأثبت له رسالة طويلة من غير طائل، وشعراً تركه أولى من إيراده.
وأثنى عليه صاحب القلائد، وذكر أن تكدر عشيه في آخر عمره، وأساء في حقه القاضي أبو عبد الله بن حمدين، وأن أخلاقه كانت صعبة، ففلت من غربه، وكانت سبباً لطول كربه، ولم يورد له إلا قوله:
ركبوا السيول من الخيول وركبوا ... فوق العوالي السمر زرق نطاف
وتجللوا الغدران من ماذيهم ... مرتجة إلا على الأكتاف
أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك
ابن عيسى بن قزمان الأصغرإمام الزجالين بالأندلس، وسيرد من عجائبه في الأهداب، ما يشهد له بالتقدم في هذا الباب. وذكر الحجاري أنه كان في أول شأنه مشتغلاً بالنظم المعرب، فرأى نفسه تقصر عن أفراد عصره، كابن خفاجة وغيره، فعمد إلى طريقة لا يمازجه فيها أحد منهم، فصار إمام أهل الزجل المنظوم بكلام عامة الأندلس.
ومن شعره على طريقة المعرب قوله، وقد رقص في مجلس شرب، فأطفأ السراج بأكمامه:
يا أهل ذا المجلس السامي سرارته ... ما ملت لكنني مالت بي الراح
فإن أكن مطفئاً مصباح بيتكم ... فكل من قد حواه البيت مصباح
وقوله في يحيى بن غانية الملثم سلطان الأندلس:
ولله يحيى إذ تأبط للوغى ... من السمر حزم أرقماً ثم أرقما
وثارت به الهيجا كزند بناره ... فصير كافور الصوارم عندما
لدى موقف رد العجاج سماءه ... ثرى والثرى من أنجم البحر كالسما
ومن كتاب بلوغ الآمال في حلى العمال
عبد الله بن حسين بن عاصم
الثقفي القرطبيذكر ابن حيان: أن جده عاصم المعروف بالعريان صاحب عبد الرحمن الداخل، لقب بذلك لأنه عبر نهر قرطبة يوم القتال وهو عريان.
ورحل عبد الله إلى المشرق، وأدرك عصر معلى الطائي، ولقي ببغداد مخارقاً المغنى، واستظرفه رؤساء العراق، وقال له أحدهم: يا غليظ ما أرقك! وكان أكولاً حتى لقب بالزير، كثير السعاية والنميمة، شاعراً مفلقاً.
ولي الشرطة بقرطبة، فمر به فتى حسن الشارة، يترنح سكراً، فأمر بحده، فقال: أنشدك الله ، من الذي يقول:
إذا عاب شرب الخمر في الدهر عائب ... فلا ذاقها من كان يوماً يعيبها؟
فقال ابن عاصم: أنا، وأستغفر الله، فقال الفتى: ما تستحي من الله حين تغري بالشراب، ثم تعاقب فيه؟! فكان ذلك سبباً لأن تركه.
وأخبر الحميدي أنه كان من جلساء الأمير محمد وأنه شرب معه يوماً، وغلام جميل الصورة يسقيهم، فألح الأمير على الغلام في سقي عبد الله، فقال:
يا حسن الوجه لا تكن صلفاً ... ما لحسان الوجوه والصلف؟!
يحسن أن تحسن القبيح ولا ... ترثي لصب متيم دنف
فخيره بين بدرة والغلام، فاختار البدرة خوفاً من الظنة.
أبو الأصبغ عبد العزيز بن فاتح القرطبيذكر محمد بن عبد الملك بن سعيد: أنه كان من عمال قرطبة في مدة لمتونة، واختص بأميرها الزبير بن عمر الملثم، ونادمه، وكان عارفاً بالغناء، وأنشدني لنفسه قوله:
عاد من بعد ما أطال الصدودا ... وأتى مرغماً بذاك الحسودا
وتناسى ما كان منه قديماً ... وأعاد الزمان خلقاً جديداً
إن يوماً قضى لنا باجتماع ... لحقيق بأن يسمي سعيدا
وقوله:
قم هات كأس فالروض ممطور ... والأفق مسك والأرض كافور
ري وخمر فحثها عجلاً ... فكلنا عاطش ومقرور
لا حفظ الله من يضيعها ... في مثل ذا اليوم فهو مسحور
الماء فوق الغصون منتظم ... والزهر بين الرياض منثور
ومن كتاب الإحكام في حلى الحكام
معاوية بن صالح القاضيمن تاريخ ابن حيان: أنه دخل الأندلس قبل دخول عبد الرحمن الداخل، وهو من جلة العلماء، عالي الرواية، يذكر عنه أنه روى عنه مالك بن أنس، ووجهه عبد الرحمن عن أختيه اللتين بالشام ليتحيل في إيصالهما إليه، فلم يطاوعاه، ورجع، فولاه قضاء حضرته، وكان يحضر معه غزواته، ويحيى ليلة بالصلاة، فإذا أقبل النهار تقدم في خيل حمص غازياً، إلى أن عزله في آخر أيامه.
وانشد له الحجاري وغيره هذه الأبيات التي قد نسبت لعبد الرحمن المرواني الداخل:
أيها الراكب الميمم أرضي ... أقر من بعضي السلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بأرض ... وفؤادي ومالكيه بأرض
قدر الله بيننا بافتراق ... فعسى الله باجتماع سيقضي
القاضي أبو الوليد بن الفرضيوصفه ابن بسام بحسن النظم، وذكر أنه لما حج تعلق بأستار الكعبة، وسأل الله الشهادة، فمات في فتنة البربر بقرطبة سنة أربعمائة.
قال ابن حزم: أخبرني من رآه بين القتلى يومئذ، وهو في آخر رمق، وهو يقول: " لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء وجرحه يوم القيامة يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك " .
وهذا حديث صحيح في كتاب مسلم. وأنشد له وكان قد كتب بها إلى أهله حين توجه للحج:
مضت لي شهور منذ غبتم ثلاثة ... وما خلتني أبقى إذا غبتم شهراً
وما لي حياة بعدكم أستلذها ... ولو كان هذا لم أكن بعدها حراً
أعلل نفسي بالمنى في لقائكم ... وأستسهل البر الذي جبت والبحرا
ويؤنسني طي المراحل دونكم ... أروح على أرض وأغدو على أخرى
وتالله ما فارقتكم عن قلي لكم ... ولكنها الأقدار تجري كما تجري
وذكر الحجاري: أنه ولي في الفتنة قضاء إستجة، ورغب إليه أهل مصر في الإقامة عندهم فقال: من المروءة النزاع إلى الوطن.
القاضي الفيلسوف أبو الوليد محمد بن أحمد بن الإمام
الفقيه القاضي
أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشدأدرك والدي وقرأ عليه، وقال في وصفه الشقندي: فقيه الأندلس، وفيلسوفها الذي لا يحتاج في نباهته إلى تنبيه.
وأنشد من شعره قوله:
ما العشق شأني ولكن لست أنكره ... كم حل عقدة سلواني تذكره
من لي بغض جفوني عن مخبرة ال ... أجفان قد أظهرت ما لست أضمره
لولا النهى لأطعت اللحظ. ثانية ... فيمن يرد سنا الألحاظ منظره
ما لابن ستين قادته لغايته ... عشرية فنأى عنه تصبره؟
قد كان رضوى وقاراً فهو سافية ... الحسن يورده، والهون يصدره
وولي قضاء القضاة بقرطبة، وكذلك جده أبو الوليد، ومات جده سنة عشرين وخمسمائة. ولأبي الوليد الأصغر تصانيف كثيرة في الفروع والأصول والنحو والفلسفة وغير ذلك، وآل أمره مع منصور بني عبد المؤمن، وقد وقف على قوله عن الزرافة: وقد رأيتها عند ملك البربر، فقرعه على ذلك، فاعتذر أنه ما قال: إلا ملك البرين، إلى أن أمر به، فأقيم، وجعل كل من يمر به يلعنه ويبصق في وجهه، ثم أمر بنفيه إلى بيانه مدينة اليهود.
؟
الفقيه القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى
ابن المناصف القرطبيقال والدي: بنو المناصف الثلاثة اجتمعت بهم وذاكرتهم فما رأيت منهم إلا نجيباً مبرزاً، والفضل لأبي عبد الله، لأنه تفنن في العلوم، وولي أكبر خطط القضاء، مثل مرسية وبلنسية، وإن كان موسى أرق شعراً، فإنه أمتن علماً فيما يتعلق بالأصول والفروع، وكان أبو إسحاق مشاركاً مديد الباع في الأصول والفروع، وولي قضاء سجلماسة. ولأبي عبد الله الرجز المشهور بالمغرب في الشيات.
قال: ومما أنشدنيه لنفسه قوله من قصيدة للناصر:
دانت لك العرب طوع الحق والعجم ... وأصبح الدهر عن علياك يبتسم
وقله:
تغيب عني وقلبي ... لديك رهن معذب
فرده لي وبن حي ... ث ما تشا وتغيب
الله يعلم أني ... طول الدجى أتقلب
فجد علي بطيف ... إن كنت في الوصل ترغب
إن لم تلح لي بدراً ... فلح فديتك كوكب
وقوله:
ألزمت نفسي خمولاً ... عن رتبة الأعلام
لا يخسف البدر إلا ... ظهوره في تمام
وحج، وأقام بمصر قليلاً، وكر راجعاًن فمات. وذكر المحدث أبو العباس بن عمر القرطبي أنه جمع كتاباً فيه أربعة علوم: أصول الدين، وأصول الفقه، وفروعه، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
؟
أخوهأبو إٍسحاق إبراهيم بن المناصف
قال والدي: كان فقيهاً جميل المذهب، ولي قضاء سجلماسة، سألته أن ينشدني من شعره، فقال: من يحفظ من الشعر ما تحفظ أنت يجب على العاقل ألا ينشده شيئاً، إلى أن أنشدني أحد أصحابه له:
يا محرقاً قلبي بنار الأسى ... وماحياً عيني بماء الدموع
رفقاً فإني بالجوى ذاهب ... كيف يبقى من جفاه الهجوع
وأبصر الغصن لوى عطفه ... والبدر محجوباً أوان الطلوع
وقوله في المجبنات:
هات التي إن قربت جمرة ... فهي على الأحشاء كالماء
وكلما عض بها لاثم ... تبسمت عن ثغر حسناء
تبرية الظاهر فضية ال ... باطن لم تصنع بصنعاء
وكان نحوياً.
؟
أبو عمران موسى بن عيسى بن المناصفولي دار الإشراف بمراكش في مدة الناصر، وذكره الشقندي، ووصفه بحلاوة الشعر، وأنشد له في غلام جزار:
قالت عواذله لما بصرن به ... في مجزر ساقط الأثواب واللمم
لشد ما عرض الإعراض عاشقه ... فأين ما يدعيه الدهر من همم
فقلت: صارت هموماً كلها هممي ... فما أفرق بين الراس والقدم
لطرفه في فؤادي ما لمديته ... فيما تقسم كفاه على الوضم
وجعله والدي أشعر بني المناصف وأشهرهم شعراً. قال: ومما أنشدني من شعره قوله - وقد وصله من محبوبه مطيب من آس - :
مطيبك المهدي أجل مطيب ... يقل له عندي المقام على جفني
أتى كاسمه آس لما بي من الجوى ... فحل حلول السعد والمال والأمن
وما جاءني والكل منه مسامع ... مؤللة إلا ليسمع ما أثنى
لعمري لقد بتنا وبيني وبينه ... كما بين خيري الحديقة والدجن
يذكر أيام العناق اتساقه ... فأسقيه من عيني ضروباً من المزن
ومن قصيدة:
إن لم يردوا من فؤادي ما سبوا ... يوم النوى أتحفتهم بالباقي
وفي مطلع أخرى:
جاروا وما علموا ما يشتكى الجار ... من القلوب جلاميد وأحجار
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
علماء القرآن العزيز
أبو عبد الله جعفر بن محمد بن مكي
ابن أبي طالب القيسيجده مكي القيرواني المشهور بالزهد والقراءات، وأثنى ابن بسام على جعفر، وأنشد له شعراً في رثاء أبي مروان بن سراج العالم، أوله:
انظر إلى الأطواد كيف تزول ... ولحالة العلياء كيف تحول؟!
يهوى الفتى طول البقاء مؤملاً ... وله رحيل ليس منه قفول
وذكر الحجاري أنه: حذا حذو جده في الإقراء، وذكر ابن بشكوال: أن جده مكياً توفي بقرطبة في محرم سبع وثلاثين وأربعمائة.
محمد بن محمود المكفوفذكر الحميدي: أن ابن حزم أنشد له:
كأن الجياد الصافنات وقد عدت ... سطور كتاب والمقدم عنوان
علماء الحديث
أبو العباس أحمد بن قاسمجعله الحجاري من رؤساء المحدثين، ورءوس المتفننين، مشاركاً في العلوم القديمة والحديثة. قال ابن بسام: وهو فتى وقتنا بحضرة قرطبة، مقلة عين العصر. وأثنى على نظمه ونثره، وأخبر أنه نظر في التعاليم، وبرع على صغر سنة، وبينهما مخاطبة واجتماع. وأنشد له:
لهج الناس بالقبيح وهاموا ... فالزم البيت واغلق الأبوابا
وإذا ما خرجت تطلب رزقاً ... فأكثر الصمت واضمم الأثوابا
فكثير ممن تجالس تلقى ... من عيوب الورى لديه عيابا
وإذا ما سألته عن جميل ... فيهم لم تجد لديه جوابا
لقى الناس قبلنا غرة الده ... ر ولم نلق منه إلا الذنابى
وقوله:
خذها كما اعتدلت أنابيب القنا ... فكري الثقاف لها وذهني النار
أبو إسحاق إبراهيم بن عثمانأخبرني والدي أن والده صحبه، وكان يقول: إنه من أعظم من رآه من العلماء، والذي غلب عليه علم الحديث، وله مشاركة في الأدب.
ومن شعره وفد أصغى إلى غناء:
لا تلحني إن غدوت ذا طرب ... لما ثناني للأنس غريد!
طوراً جليد، وتارة طرب ... كالعود منه الزوراء والعود
ومات في المائة السابعة.
علماء النحو
أبو عبد الله محمد بن يحيى
بن زكريا القلفاط القرطبيجعله الحجاري من نحاة قرطبة المعروفين بالإقراء، وجملة الشعراء المشهورين بالهجاء، وترقت أذاته إلى أن هجا عبد الله المرواني سلطان الأندلس بشعر منه:
ما يرتجى العاقل في مدة ... الرجل فيها موضع الرأس؟!
ووفد على إبراهيم بن حجاج ملك إشبيلة، فأنشده قصيدة ذم فيها أهل بلدة، فأبغضه لذلك.
قال ابن حيان: فانصرف إلى قرطبة، وابتدأ بهجاء ابن حجاج، فقال شعره الذي فيه:
أبغي نوال الأكرمين معاً ولا ... أبغي نوال البومة البكماء
فبلغ الشعر ابن حجاج، فأرسل إليه من قال له: والله الذي لا إله غيره، لئن لم تكف عما أخذت فيه لآمرن من يأخذ رأسك فوق فراشك! فارتاع، وكف.
أبو بكر محمد بن عبد الله بن ميمون
العبدري القرطبيكان محمد بن عبد الملك بن سعيد يجالسه كثيراً، و يخبر عن تبحره في النحو، وله شرح الجمل، وشرح المقامات، وعظمت منزلته عند المنصور وكان له ملح وشعر مليح، كقوله:
تقحمت جاحم حر الضلوع ... كما خضت بحر دموع الحدق
أكنت الخليل؟ أكنت الكليم؟ ... أمنت الحريق، أمنت الغرق!
وقوله:
طرفي وحقك، يرعى الن ... جوم نجماً فنجما!
مردداً فكأني ... أفك منها معمى
توفي في المائة السادسة، وله رسالة إلى محبوب يستدعيه: فبالله إلا ما لقيت الرسول، بوجه يدل على القبول، وتفضلت بأن تصل قبل رجوعه إلينا، وتخالفه من طريق مختصر حتى تطلع قبله علينا، هنالك كنا نخر للفضائل سجداً، ولا نزال نوالي شكرك وذكرك أبداً.
علماء اللغة
أبو عبد الملك عثمان بن المثنى
القيسي القرطبيوصفه ابن حيان بمعرفة اللغة والتجويد في الشعر، وذكر أنه رحل ولقي أبا تمام الطائي، وأخذ عنه شعره، ولقي ابن الأعرابي وغيره، وكان شجاعاً مكثراً للغزو في الثغور، وأدب أولاد عبد الرحمن بن الحكم سلطان الأندلس، وولد في صدر دولة هشام الرضا، فأدرك أربعة سلاطين من المروانية، آخرهم محمد، وفيه يقول:
لو لم أكن أدركت ملك محمد ... وزمانه لحسبتني لم أخلق
وزاره بعض إخوانه في مكتبه بقصر الخلافة، وهو يعلم ولداً للأمير محمد، جميل الصورة، فقال له: كيف حالك مع هذا الرشأ؟ فقال: لا أزال أشرب خمر عينيه فلا أروى، وهو يسقينها دائماً. وأنشأ يقول:
صناعة عيني السهاد وإنما ... صناعة عينيه الخلابة والسحر
ولو بفناء الدهر أرجو نواله ... إذاً لوددنا أنه فنى الدهر
وتوفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين عن أربع وتسعين سنة، وجعله الحجاري أحد أئمة النحاة اللغويين.
أبو محمد
عبد الله بن بكر بن سابق الكلاعي
وقيل البكري المعروف بالنذلمن تاريخ ابن حيان: أن مؤمن بن سعيد لقبه بذلك، وكان مؤدباً بالنحو، عالماً باللسان، مبرزاً في الشعر، أديباً بليغاً.
أدب أولاد الأمير عبد الرحمن بن الحكم، وكان يحب الغلمان وهو القائل من قصيدة في الأمير المذكور:
أيرجو المشركون لهم بقاء ... وقد عزم الأمير على الجهاد
ومن لطيف شعره قوله:
إذا لم يكن لي من ضميرك شافع ... إليك فإني ليس لي منك ناصر
ألان لداود الحديد بقدرة ... مليك على تليين قلبك قادر
صبرت ومالي بالتصبر طاقة ... فيا ليت قلبي مثل قلبك صابر
وفارقتني فالدار غير بعيدة ... وأوحش شيء أن يفارق حاضر
وله من شعر:
وما ضمني يوماً وإياك مجلس ... من الدهر إلا وهو لي منك غائظ
وإني لأغني الناس عن كل مجلس ... يلاحظني فيه على الكره لاحظ
أبو عثمان سعيد بن الفرج
المعروف بالرشاشمولى بني أمية القرطبي اللغوي
من تاريخ ابن حيان: أنه كان ما آدب الناس في زمانه، وأقومهم على لسان العرب، وأحفظهم للغة، وأعلمهم بالشعر. وحكى عنه أنه كان يحفظ أربعة آلاف أرجوزة، وكان شديد التقعير في كلامه، وقد ضرب به المثل في الفصاحة في الأندلس، كما ضرب ببكر الكناني رسيله. ولما لحقته سعاية عند نصر خصى الأمير عبد الرحمن، وأمر بضربه، جعل يستغيث ويقول: تحنن علي أبا الفتح سيدي! شيخ كبير يفن أبق علي ولا تسط بي. ورحل إلى المشرق، وحج ودخل بغداد، وروى عن الأكابر، وقفل، فسكن مصر، ثم القيروان، إلى أن بلغه أن عبد الرحمن ولي سلطنة الأندلس، وكانت بينهما وصلة، فوفد عليه ، فرعاه، وقربه، وأكثر الرشاش مدحه، وله يقول:
أصبحت لا أحسد إلا امرءاً ... ينال من قربك ما أحرمه
وذكره معاوية بن هشام، وعبادة، والحجاري ووصفه بالتندير، وهو القائل في ابن الشمر:
إنني أكره الهجاء ولك ... ن إلى الله في هجائك قربه
أبو مروان عبد الملك بن سراج
ابن عبد الله بن محمد بن سراجمن الذخيرة: أن جده سراج بن قرة الكلابي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصاب سلفه سباء صيرهم في موالي بني أمية، وأثنى على عظم بيتهم بقرطبة، وأفرط في تعظيم أبي مروان هذا، وقال في وصفه: محيي علم اللسان بجزيرة الأندلس، قال: ولم ير مثله قبله، ولا يرى بعده، والله أعلم. ولد لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربعمائة، وتوفي ليلة الجمعة لثمان خلون من ذي الحجة سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ورثاه جماعة، منهم ابن عبدون، وأنشد له ابن بسام:
جدرت فقالوا بها علة ... ستقبح بعد بآثارها!
ألا إنها روضة نورت ... فزادت جمالاً بأنوارها
وأطنب في وصف صاحب القلائد وقال: أودى فطويت المعارف، وتقلص ظلها الوارف، إلا أنه كان يضجر عند السؤال فما يكاد يفيد، ويتفجر غيظاً على الطالب حتى يتبلد ولا يستفيد. وأنشد له من قصيدة في مدح المظفر بن جهور:
أما هواك ففي أعز مكان ... كم صارم من دونه وسنان
وبنى حروب لم تزل تغذوهم ... حتى الفطام ثديها بلبان
في كل أرض يضربون قبابهم ... لا يمنعون تخير الأوطان
أو ما ترى أوتادها قصد القنا ... وحبالهن ذوائب الفرسان
وجعله الحجاري أصمعي الأندلس، وأخبر أن صاحب سفط اللآلئ أثنى عليه وعلى بيته، وذكر أن عبد الملك بن أبي الوليد بن جهور عتبه في كونه جاء لزيارته، وأبو مروان لا يزوره، فقال: أعزك الله، أنت إذا زرتني قال الناس: أمير زار علماً تعظيماً للعلم، واقتباساً منه، وأنا إذا زرتك قيل: عالم زار أميراً للطمع في دنياه، والرغبة في رفده، ولا يصون علمه. فتعجبوا من جوابه.
ابنه أبو الحسين
سراج بن أبي مروان بن سراجمن الذخيرة: اسم وافق مسماه، ولفظ طابق معناه، فإنه سراج علم وأدب، وبحر لغة ولسان العرب، وإليه في وقتنا هذا بحضرة قرطبة تشد الأقتاب، وتنضي الركاب. وأثنى على نظمه ونثره، وأنشد له قوله:
لما تبوأ من فؤادي منزلاً ... وغدا يسلط مقلتيه عليه
ناديته مسترحماً من لوعة ... أفضت بأسرار الضلوع إليه
رفقاً بمنزلك الذي تحتله ... يا من يخرب بيته بيديه!
علماء التاريخ
ابن حيانثلب أبا الحزم فقال: والله لقد صدق، وإني والله ما أصلح لهذا الأمر، ولكن مكرهاً لزمته. وحلف عبد الملك بن جهور أن يسفك دمه، فأحضره أبوه أبو الوليد، وقال: والله لئن طرأ على ابن حيان أمر لا آخذن أحداً فيه سواك أتريد أن يضرب بنا المثل في سائر البلدان بأنا قتلنا شيخ الأدب والمؤرخين ببلدنا تحت كنفنا مع أن ملوك البلاد القاصية تداريه وتهاديه؟ وأنشد له نظماً، وقال: سبحان من جعله إذا نثر في السماء، وإذا نظم تحت تخوم الماء.
أبو عبد الله محمد بن الصفار
الأعمى الزمن القرطبي
من بني الصفار المنتمين إلى بني مغيث مولى بني أمية، وهو بيت عظيم بقرطبة. وكان هذا الشيخ باقعة قد أخذ نفسه بالوقوع في الأعراض مأخذ ابن حيان على ما تقدم، وتركته بتونس، فنعي إلى سنة أربعين وستمائة، ولم أر أعجب من شأنه فإنه كان أعمى، معطل اليدين والرجلين، شنيع الخلقة، لا يزال لعابد يسيل ووجه يهتز، وإذا جاذبته أهداب الآداب رأيت منه بحراً زاخراً. وكان آية في الحساب والفرائض مقدماً على أعراض الملوك والوجوه، وحسبك أنه لما قال أبو زيد الفازازي كاتب المأمون بن المنصور ابن يوسف بن عبد المؤمن قصيدته التي أولها: " الحزم والعزم منسوبان للعرب " وكان أنصاره عرب جشم، قال ابن الصفار في مناقضتها قصيدته التي منها في ذكر المأمون عم يحيى بن الناصر ومخاصمة على الخلافة:
وإن ينازعك في المنصور ذو نسب ... فنجل نوح ثوى في قسمة العطب
وإن يقل أنا عم فالجواب له ... عم النبي بلا شك أبو لهب
وشاعت القصيدة، وبلغت المأمون فحرص على قتله، فلما كبس مدينة فاس وفر أمامه منها يحيى بن الناصر وكان ابن الصفار في خدمته اختفى عند عجوز في خوص على قارعة الطريق، وقامت بحاله لما رأته عليه من الأعذار الموجبة للصدقة، وأمر المأمون المنادين في الأسواق بالبحث عنه وتحذير من كتمه بإراقة الدم والإحسان لمن أظهره، وأذكيت العيون عله، فستره الله إلى أن سكنت تلك النائرة، ولحق بإفريقية، فأحسن إليه سلطانها أبو زكريا بن عبد الواحد وأجرى عليه مشاهرة، وجالسه، إلى أن كرهه لما شاهده من كثرة وقوعه في الأحياء والأموات، فحجبه عن مجلسه، ولم يقطع الإحسان عنه.
وسايرته يوماً فأنشدني لنفسه قوله:
لا تحسب الناس سواء متى ... ما اشتبهوا فالناس أطوار
وانظر إلى الأحجار في بعضها ... ماء وبعض ضمنه نار
وقوله:
يا طالعاً في جفوني ... وغائباً في ضلوعي
بالغت في السخط ظلماً ... وما رحمت خضوعي
إذا نويت انقطاعاً ... فاعمل حساب الرجوع
ومن نثره: لا يتهلل عند سؤاله ولا يأخذ رائده من أدبه ولا ماله. أيها الغبي المتعثر في ذيول جهله وجاهه، الأشوس الطرف من غير حول، والرافع أنفه دون شمم، الساري إلى العلياء سرى العين، الذي لا يظفر منه قاصده المخدوع بغير التعب والمين وعض اليدين. من دلك علي، ومن هداك إلي، متى استدعيتني إلى ربعك، وتكلفت من التجمل لحضور الفضلاء ما ليس في طبعك، وما العجب منك حين رغبت عن كنيف في تلطيخ بطيب، بل العجب ممن كان في طيب، فجاء يتلطخ بكنيف. وكأني بك في منزلك العامر بالحرمان، الغامر من الفضل والإحسان، وقد قعدت في بهوه، ونفخت شخصك الضئيل في زهوه. ومنه: ذو اللحية الطويلة، والجثة الضئيلة، الوسخ الأثواب، العرى من الآداب، المرسل لسانه في كل عرض، الآخذ في كل قبيح بالطول والعرض.
ومنه: ثم قلت لي ابدأ بمذهب أبي حنيفة أو بمذهب امرئ القيس فكدت والله أضرط ضحكاً، ولا أخاف في تبعة الأدب دركاً. فاتق الله بستر نفسك، ولا تكن في غدك أجهل منك في أمسك.
الأديب أبو محمد
عبد الحق الزهري القرطبيمن حفاظ مؤرخي الأندلس وأدبائها، جالسته كثيراً في إشبيلية ومالقة، وكان والدي يكرمه لحفظه، والذي في ذكري الآن من شعره قوله من قصيدة في ذم بني هود حين خلعوا عن إشبيلية:
كأنما الراية السوداء قد نعبت ... لهم غراباً ببين الأهل والولد
مات الهدى تحتها من فرط روعته ... فأظهر الدهر منها لبسة الكمد
علماء الفلسفة
سعيد بن عبد الرحمن بن محمد
بن عبد ربه القرطبيهو ابن أخي أبي عمر بن عبد ربه صاحب العقد، ذكره صاعد في كتاب طبقات الأمم وأخبر أنه فصد يوماً، فبعث إلى عمه المذكور راغباً في الحضور عنده، فلم يسعفه، فكتب له:
لما عدمت مؤانساً وجليسا ... نادمت بقراطاً وجالينوسا
وجعلت كتبهما شفاء تفردى ... وهما الشفاء لكل برح يوسى
فجاوبه عمه:
ألفيت بقراطاً وجالينوسا ... لا يأكلان ويرزآن جليسا
فجعلتهم دون الأقارب جنة ... ورضيت منهم صاحباً وأنيسا
وأظن بخلك لا يرى لك تاركاً ... حتى تنادم بعدها إبليسا
قالوا: وكان جميل المذهب، طيباً، شاعراً، منقبضاً عن الملوك، وهو القائل:
أمن بعد غوصي في علوم الحقائق ... وطول انبساطي في مواهب خالقي
وفي حين إشرافي على ملكوته ... أرى طالبا رزقاً إلى غير رازق
ومن المسهب: أنه كان آية في فنون العلم القديم، لكنه ثقيل الطلعة، سيئ الأدب والمقابلة، ولذلك كان عمه أبو عمر يكرهه. وذكر أن الناصر المرواني استحضره لينظر عليه في العلم القديم، فقابله من الكلام العامي الجلف بما كرهه من أجله، وأبعده.
أبو عبد الله محمد بن سليمان بن الحناط
الرعيني الأعمى القرطبيمن المسهب: أن أباه كان يبيع الحنطة بقرطبة، ونشأ هذا الأعمى نشأة أعانته على أن بلغ غاية من العلم الحديث والعلم القديم. وكان بنو ذكوان هم الذين كفوه مؤونة الدهر، وفرغوه للاشتغال بالعلم. وكان الغالب عليه المنطق حتى اتهم في دينه ونفي عن قرطبة. وله في فراره واستقراره بالجيزة الخضراء تحت كنف أميرها محمد بن القاسم بن حمود قصيدة، منها:
تفرغت من شغل العداوة والظعن ... وصرت إلى دار الإقامة والأمن
أمقتولة الأجفان من دمع حزنها ... أفيق فإني قد أفقت من الحزن
وما عن قلى فارقت تربة أرضكم ... ولكنني أشفقت فيها من الدفن
قال: وكفاك من شعره قوله من قصيدة في علي بن حمود العلوي:
راحت تذكر بالنسيم الراحا ... وطفاء تكسر للجنوح جناحا
مرت على التلعات فاكتست الربى ... حللاً أقام لها الربيع وشاحا
فانظر إلى الروض الأريض وقد غدا ... يبكي الغوادي ضاحكاً مرتاحا
والنور يبسط نحو ديمتها يداً ... أهدي لها ساقي الندى أقداحا
وتخاله حيي الحيا من عرفه ... بذكيه فإذا سقاه فاحا
روض يحاكي الفاطمي شمائلاً ... طيباً، ومزن قد حكاه سماحا
ومن نثره: زففتها إليك بنت ليلتها عذراء، وجلوتها عليك كريمة فكرها حسناء، تتلفع بحبرة حبرها، وتتبختر في شعار شعرها، مؤتلف بين رقها ومدادها، ومجتمع في بياضها وسوادها: " الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس " .
وذكر: أن الوزير أبا بكر بن ذكوان مرض له ولد جميل طبه ابن الحناط، فلما خلا به يوماً سأله عن حاله، فضجر الغلام من طول العلة، فقال: أعرف والله دواء يريحك، قال: وما هو؟ قال: تقبلني، وآتيك به، فاغتاظ الغلام، ثم سهل عليه ذلك التماس الراحة، فقبله وقام ليأتيه بالدواء. فقال: عمدته خيار شنبر، وها هو حاضر! وكشف عن ... وقد قام، فاغتاظ الغلام، وضربه بزبدية، كانت أمامه، فخرج هارباً. وبلغت الحكاية أباه، فضحك منها وتمثل:
كيف يرجو الحياء منه جليس ... ومكان الحياء منه خراب
وقيل له: كيف كان هشام المعتد؟ فقال: كيفي من الدلالة على اختياره أنه استكتبني واتخذ ابن شهيد جليساً!! وكان ابن الحناط أعمى وابن شهيد أصم.
ومن المتين لابن حيان: وفي سنة سبع وثلاثين وأربعمائة نعى إلينا أبو عبد الله بن الحناط الشاعر الأديب القرطبي بقية الأدباء النحارير في الشعر. هلك بالجزيرة الخضراء في كنف الأمير محمد بن القاسم بن حمود، وكان من أوسع الناس علماً بعلوم الجاهلية والإسلام وسائر التعاليم. ووصفه بفساد الدين، وأنه ولد أعشى الحملاق، ثم طفئ نور عينيه بالكلية بعد القراءة الكثيرة، فازداد براعة، وكان يتطبب عنده الملوك والخاصة. وقال في وصفه ابن بسام: زعيم من زعماء العصر، ورئيس من رؤساء النظم والنثر، وبينه وبين أبي عامر بن شهيد مناقضات نظماً ونثراً أشرقت أبا عامر بالماء، وأخذت عليه بفروج الهواء، ومما أنشده له قوله في مخاطبة المظفر بن الأفطس ملك بطليوس:
كتبت على البعد مستجدياً ... لعلمي بأنك لا تبخل
فجاء الرسول كما اشتهي ... وقد ساق فوق الذي آمل
وما كان وجهك ذاك الجميل ... ليفعل غير الذي يجمل
وقوله من قصيدة في علي بن حمود:
لوينا بأعناق المطي إلى اللوى ... وقد علمتنا البث تلك المعالم
سقى منبت اللذات منها ابن هاشم ... إذا انهملت من راحتيه الغمائم
إمام أمام الدين حد حسامه ... طرير ومنه في يد الله قائم
ويزهر في يمناه زهر من الظبا ... له من رءوس الدارعين كمائم
بكل خميس طبق الأرض نقعه ... وضيق مسراه الجلاد الصلادم
كأن مثار النقع إثمد عينه ... وأشفار جفنيه الشفار الصوارم
وقوله من قصيدة في القاسم بن حمود يذكر فيها خيران الصقلبي وقتل المرتضى المرواني لما هزمهما صنهاجة على غرناطة:
لك الخير، خيران مضى لسبيله ... وأصبح ملك الله في ابن رسوله
وفرق جمع الكفر واجتمع الورى ... على ابن حبيب الله بعد خليله
وقام لواء النصر فوق ممنع ... من العز جبريل إمام رعيله
وأشرقت الدنيا بنور خليفة ... به لاح بدر الحق بعد أفوله
فلا تسأل الأيام عما أتت به ... فما زالت الأيام تأتي بسوله
علماء التنجيم
عبد الله بن الشمر بن نمير القرطبي
منجم سلطان الأندلس عبد الرحمن بن الحكم ونديمهمن المقتبس: أنه كان نسيج وحده مجموعاً له من الخصال النبيلة ما فرق في عمر من جميع التعاليم والأدب والشعر والنثر. وكان لطيفاً حلواً يغلب على قلب من شاهده. وصحب عبد الرحمن قبل السلطنة أيام والد الحكم، ولما صار الأمر إليه وفى له ونادمه.
وذكر عبادة: أنه كان قد بشر عبد الرحمن بأن الأمر سيصير إليه من جهة التنجيم، فلما كان ذلك أحسن جزاءه، وأجرى عليه رزقاً للشعر ورزقاً للتنجيم. وكان أيام تمكن نصر الخصى من عبد الرحمن يقل زيارة محمد ابن عبد الرحمن، فلما هلك نصر قال شعراً منه:
لئن غاب وجهي عنك إن مودتي ... لشاهدة في كل يوم تسلم
وما عاقني إلا عدو مسلط ... يذل ويشجي من يشاء ويرغم
ولم يستطل إلا بكم وبعزكم ... وما ينبغي أن يمنح العز مجرم
فنحمد رباً سرنا بهلاكه ... فما زال بالإحسان والطول ينعم
وذكر عبد الله بن الناصر في كتاب العليل والقتيل: أن الأمير عبد الرحمن قال يوماً لابن الشمر على الشراب: ما فعلت غفيرتك التي كانت جرداء، قد صارت أخياطها كالعروق؟ فقال: عملت منها لفائف لبغيلك الأشهب! وكان حينئذ الأمير عبد الرحمن ليس له ما يركب إلا البغيل المذكور، لأنه كان مضيقاً عليه في زمان والده، وكان له أخ مرشح للسلطنة، ولم تتسع حاله حتى هلك أخوه.
وذكر الرازي: أن عبد الرحمن خرج مرة لصيد الغرانيق التي كان مولعاً بها، فأبعد، وكان الشتاء، فقال ابن الشمر شعراً منه:
ليت شعري أمن حديد خلقنا ... أم نحتنا من صخرة صماء
كل عام في الصيف نحن غزاة ... والغرانيق غزونا في الشتاء
إذ نرى الأرض والجليد عليها ... واقع مثل شقة بيضاء
وكأن الأنوف تجدع منا ... بالمواسى لزعزع ورخاء
نطلب الموت والهلاك بإلحا ... ح كأنا نشتاق وقت الفناء
وبدر منه ما أوجب سجنه، فكتب إليه شعراً منه:
قل لمن أمسى بأرض ال ... غرب للخلق ربيعا
لا يضيق لي منك ما قد ... وسع الناس جميعا
وذكر ابن حيان أن الأمير عبد الرحمن كان مصغياً لأحكام التنجيم، ولم يكن عنده في المنجمين مثل ابن الشمر. وغض يوماً من علم المنجمين، وقال: إنه مخرقة ورجم بالغيب، فأراد ابن الشمر أن يقيم له برهاناً على صحته: بأن قال للأمير، اختبر في مقامك بما شئت؟ فقال: إن أنبأتني على أي باب من أبواب هذا المجلس أخرج في قيامي صدقت بعلمك، فكتب ابن الشمر في ورقة مختومة ما اقتضى له الطالع، ودعا الأمير من فتح له باباً محدثاً في غارب المجلس الذي يلي مقعده، ثم خرج منه وترك الخروج من أبواب المجلس الأربعة وفتح الورقة، فوجد فيها ما فعله الأمير، فتعجب، ووصله. ونزل بفحص السرادق أعلى قرطبة وقد قفل من غزاة مزمعاً على الدخول إلى قرطبة صبيحة غده في تعبئة كاملة، فقال له ابن الشمر: لتعلم أنك مغلوب على ذلك، ولا بد لك الليلة من المبيت في قصرك، فقال: والله لأدخلنه، فقال: والله لتدخلنه مكرهاً، ولأكونن في هيئتي شبهك في طريقك إليه، وسوف ترى. فغضب ووكل به، وكان ذلك اليوم مشمساً صائفاً، فما هو إلا أن دنا المساء، فانهمل من المطر وهب من الريح ما ضج له الناس، وتداعوا للدخول لقرطبة، ولم يجد الأمير بداً من مبادرة قصره، وركب في نفر من خاصته، وابن الشمر إلى جانبه يسايره، فوطئت دابة ابن الشمر مسماراً فلم تنهض، فأمر له بفرس من جنائبه بسرجه ولجامه، فركبه، وشكا نفوذ الماء لغفارته التي كان يتوقاه بها ووصله إلى جسده، فأمر له الأمير بممطر خز من مماطره، وقنزعة من قنازعه، صباً عليه، فاستوى والأمير في لبوسه، ومضى يسايره. فلما نزل قال له: يا مولاي كيف رأيت قولي؟ فقال: انطلق بما عليك وتحتك، والصلة لاحقة بك. وكتب ابن الشمر في الحين رقعة فيها:
تحرك حين حركه ... لوقت إيابه القدر
فيا من دونه الحجا ... ب والأستار والحجر
لئن كنت امرءا تخشى ... بوادر زجره البشر
فما يخشاك بهرام ... ولا زحل ولا القمر
وجعله الحجاري رئيس المنجمين بالأندلس، إلى ما حباه الله به من حسن الخلال، التي بأقلها يبلغ الكمال.
علماء الموسيقى
إسحاق بن شمعون اليهودي القرطبيمن المسهب: أحد عجائب الزمان، في الاقتدار على الألحان، وكان قد لازم ابن باجة، وأحسن الغناء بلسانه ويده، وأخذ طرائق كثيرة عن كلب النار واعتبط شاباً وكان له نظم رائق، كفاك منه قوله:
قم هات كأسك فالنعيم قد اتسق ... والعود عن داعي المسرة قد نطق
ولديك من حث الكووس أزاهراً ... في الخز يمرح كالأراكة في الورق
والزهر زهر والرياض سماوها ... والفجر نهر والشقائق كالشفق
وكان كثير المقام، على شرب المدام، وهو القائل:
خبرت العالمين فلم أجد من ... يثير لي المنى غير المدام
تجلى الهم عن فكري وتبدى ... لي اللذات أجمع في نظام
وتطمعني بمالا أرتجيه ... بأحلى من لذاذات المنام
وتخرج بي إذا واليت حثاً ... بها في الشرب من خلق الطغام
ولو أني أحكم لم أذرها ... تحل بغير آقاق الكرام
علماء الطب
أبو عبد الله محمد بن قادم القرطبيمن المسهب: من أطباء قرطبة المشهورين في الدولة المروانية. وأنشد له من قصيدة:
بأي لسان أقتضى شكر نعمة ... مننت بها عفواً ولم أتكلم
وقد كان حالي في أخير ذمائه ... فكنت له مثل المسيح ابن مريم
ولولاك ما كان القريض بنافع ... ولا كان في جيد العلا بمنظم
وله في بدأة قصيدة يرثي بها ولده:
بني بكاك الجود والسيف والقلم ... ولو تستطيع الشهب لم تبد في الظلم
أبو محمد عبد الله بن خليفة القرطبي
يعرف بالمصري لطول إقامته بمصر
من الذخيرة: شيخ الفتيان، وآبدة الزمان، وخاتمة أصحاب السلطان، وكان رحل إلى مصر واسمه خامل، وسماؤه عاطل، فلم يلبث، أن طرأ على الأندلس، وقد نشأ خلقاً جديداً، وجرى إلى النباهة طلقاً بعيداً، فتهادته الدول، وانتهت إليه التفاصيل والجمل، وكلما طرأ على ملك فكأنه معه ولد؛ وإليه قصد، يجري مع كل أحد، ويجول في كل بلد، وتلون في العالم تلون الزمان، وتلاعب بملوك الطوائف تلاعب الرياح بالأغصان، حتى ظفر به المأمون بن ذي النون، فشد عليه يد الضنين. وذكر: أنه اشتهر بالطب، وكان كثير النادرة حاضر الجواب. ووقفت له على شعر أكثره عاطل من حلية البديع. ولما انصرفت الدولة الذنونية تحيز إلى إشبيلية، فأنس المعتمد بمكانه، وجعل له حظاً من سلطانه، وذكر: أنه بقي بعد خلع المعتمد مشتملاً على فضل جدة، إلى أن توفي سنة ست وتسعين وأربعمائة يوم الجمعة منتصف رجب.
وذكر ابن حيان: أنه كان ابن جار له خفاف، وأخذ في ذمه. وأنشد له في المأمون بن ذي النون.
وقد كان لي في مصر دار إقامة ... ولكن إلى المأمون كان التشوق
حللت عليه والمكارم جمة ... وسحب العطايا فوقها تتألق
وقوله:
الحب داء دواؤه القبل ... والرسل بين الأحبة المقل
يا حفظ الله ليلة سلفت ... حيت ببدر سماؤه الكلل
بتنا وراح العفاف تلحفنا ... برد وفاء والشمل مشتمل
اثنان من شدة التعانق قد ... صارا كفرد بالروح يتصل
حتى إذا غرة الصباح بدت ... وجفنة بالعبير مكتحل
فارقني وهو خائف وجل ... نشوان من خمرة الصبا ثمل
عيناي منه قريرة أبداً ... والنار بين الضلوع تشتعل
ومدح بلقين بن حماد صاحب القلعة، ومدح باديس بن حبوس، صاحب غرناطة، بقصيدة منها:
رسخت أصول علاكم تحت الثرى ... ولكم على خط المجرة دار
تبدو شموس الدجن من أطواقكم ... وتفيض من بين البنان بحار
؟إن المكارم صورة معلومة ... أنتم لها الأسماع والأبصار
ذلت لكم قمم الخلائق مثلما ... ذلت لشعري فيكم الأشعار
فمتى مدحت ولا مدحت سواكم ... فمديحكم في مدحه إضمار
وقوله:
ألا يا هند قد قضيت حجى ... فهات شرابك العطر العجيبا
فقد ذهبت ذنوبي في طوافي ... فقومي الآن نقترف الذنوبا
خلطنا ماء زمزم في حشانا ... بماء الكرم فامتزجا قريبا
وقوله:
أي هلال أطل فينا ... مطلعه الطوق في الجيوب
كحيل طرف ثقيل ردف ... مبسمه اللؤلؤ الرطيب
يقودنا كيف شاء طوعاً ... لأن أعوانه القلوب
وذكر الحجاري ذم ابن حيان له، وقال: ما كان له عنده ذنب إلا جواره، فبئس الذمام. وذكر: أنه قصد بعد ابن ذي النون المعتمد بن عباد، فلم يحمده، وكتب له رسالة بعد انفصاله عنه، فيها:
رحلت وفي القلب جمر الغضا ... وهجري لكم دون شك صواب
؟كما تهجر النفس طيب الطعام ... إذا ما تساقط فيه الذباب
وذمه ابن اللبانة في كتاب سقيط الدرر، لأن المعتمد بن عباد كان يعظمه، ويجزل إحسانه له، فلما خلع ظهر منه في حقه قلة وفاء وادعى أن جارية ولدت من ولد المعتمد في ملكه، وأنها غصبت له، فأخذها، ومعها ولد صغير من ولد المعتمد استعبده، وصار يصرف فيما يصرفه فيه العبيد.
؟
ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام
أبو الأجرب جعونة الكلابيمن المقتبس: أنه كان مداحاً للصميل وزير يوسف بن عبد الرحمن الفهري سلطان الأندلس، أفنى فيه قوافيه، وكان الصميل قد أغلظ القسم على نفسه ألا يراه إلا أعطاه ما حضره، فكان أبو الأجرب يعتمد إغباب لقائه، وكان لا يزوره إلا مرتين في العيدين، وكان قد هجاه وهجا قومه، فلما حصل في يده عفا عنه فنسخ هجوه بمدحه.
قال: وكان فارساً شجاعاً، يدعى عنترة الأندلس، لم يلحق دولة بني أمية. قيل إنه مات قبل وقعة المصارة، التي كانت لعبد الرحمن على يوسف.
ومن الجذوة: أنه جعونة بن الصمة، وأنشد له:
ولقد أراني من هواي بمنزل ... عال ورأسي ذو غدائر أفرع
والعيش أغيد ساقط أفنانه ... والماء أطيبه لنا والمرتع
وجعله ابن حزم في طبقة جرير والفرزدق وعصرهما وذكر الحجاري أنه من العرب الطارئين على الأندلس، كان يرحل ويحل بأكناف قرطبة.
مؤمن بن سعيد بن إبراهيم بن قيس
مولى الأمير عبد الرحمن المرواني الداخلمن المقتبس: أنه فحل شعراء قرطبة، كان يهاجي ثمانية عشر شاعراً، فيعلوهم، وكانت آفته التهكم بالناس، وتتبع زلاتهم، وتمزيق أعراضهم فرموه عن قوس واحدة. ورحل إلى المشرق، فلقي أبا تمام الطائي، وروى عنه شعره، وكان يقرأ عله بالأندلس، وقرأ عليه يوماً أحد المتعلمين قول حبيب:
أرض خلعت اللهو خلعي خاتمي ... فيها وطلقت السرور ثلاثا
فقال له: من سرور هذه أصلحك الله؟ فقال: هي امرأة حبيب، وقد رأيتها ببغداد! وحمله طبعه الذميم على أن أفسد حاله عند مستخلصه هاشم بن عبد العزيز وزير الأمير محمد. ولما أسر هاشم شمت به، وقال مخاطباً أبا حفص، ابن عم هاشم وعدوه:
تصبح أبنا حفص على أسر هاشم ... ثلاث زجاجات، وخمس رواطم
وبح بالذي قد كنت تخفيه خفية ... فقد قطع الرحمن دولة هاشم
وقال هذه القصيدة سراً، وصنع على وزنها قصيدته:
متى ترجع الأيام دولة هاشم ... ويشملها نور العلا والمكارم
ولم يخف على هاشم وبنيه قصيدة الشماتة، فلما عاد هاشم إلى وزارته، وخلص من الأسر نصب له حبائل السعاية عند الأمير محمد، حتى أطال حبسه الذي أدى به إلى الهلكة، ولم يفده ما أطاله في حبسه من النظم والنثر، وأكثر التشفع بجد هاشم: محمد بن جهور، فلم يفده، فأقذع في هجائه. وفي أبي حفص المتقدم الذكر يقول:
أخاطر في هوى عمر برأسي ... أليس أعز من رأسي علياً؟!
ولما كسر أهل سجن قرطبة السجن، وفروا منه، رغب مؤمن عن الفرار، وظن أن ذاك يخلصه، فلما وقف هاشم بباب الحبس لمعاينة من فيه، والنظر في أمره، خرج إليه مؤمن، وأستعطفه، فلم يلتفت إله، وأوصى السجان بإيصاده. فقتله اليأس إلى ستة أيام، ليلة الثلاثاء لأربع خلون من رجب سنة سبع وستين ومائتين.
وجعله الحجاري دعبل الأندلس.
وأنشد له الحميدي:
حرمتك ما عدا نظراً مضراً ... بقلب بي أضلاع مقيم
فعيني منك في جنات عدن ... مخلدة، وقلبي في الجحيم
محمد بن عبد العزيز العتبيمن المسهب: أنه من نبهاء شعراء دولة الأمير محمد، وكان مخصوصاً بالقاسم بن الأمير محمد، كما كان مؤمن بن سعيد مخصوصاً بمسلمة بن الأمير محمد، وكان بينهما مهاجاة.
وله حكايات مع القاسم، منها: أنه ناوله قدحاً كبيراً ليشربه من يده، فقام واقفاً، وصب القدح في حلقه، من غير أن يباشر شفة الكأس، فأمر أن يملأ له دنانير.
وأنشد:
إذا نفح النسيم فقم وباكر ... رياض النهر والأنداء تهمى
ولا تشرب بنات الكرم إلا ... على روض ند وبنات كرم
أبو عبد الله محمد بن مسعود القرطبيمن الذخيرة: كان ظريفاً في أمره، كثير الهزل في نظمه ونثره، وأراه فيما انتحاه تقيل منهاج ابن حجاج بالعراق، فضاقت ساحته، وقصرت راحته، وأعياه الصريح فمذق، ولم يحسن الصهيل فنهق، ومما أنشد له:
وخرجنا كما دخلنا بلا فل ... س ولكن ربحت صفع قفاء
مد في ذا المكان ذا الحرف لما ... مده صفع ظالم ذي اعتداء
وجعله الحجاري من مشهوري شعراء المائة الخامسة.
؟أبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي القرطبي كان عندي من الشعراء، ثم وقفت على ذكره في خط الصاحب كمال الدين بن أبي جرادة، ووصفه بأنه كان مقرئاً نحوياً، وأنه سمع الحديث بقرطبة على أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب، ودخل حلب، وأقرأ بها، ورحل إلى الموصل، ودخل أصفهان، وتوفي سنة إحدى وسبعين وخمسمائة بالموصل. وذكر ابن عساكر: أنه توفي يوم الجمعة سنة سبع وستين وخمسمائة وأنشد له الصاحب:
عرج على منزل الأحباب يا حادي ... بباب أبرز حيث الكوكب الهادي
لعلنا نلتقي ليلاً بهم وعسى ... نلقي إليهم حديثاً ليس بالبادي
يا حادي العيس لا تعجل وها كبدي ... ودمع عيني عن ماء وعن زاد
أحمد بن مسعود بن محمد الخزرجي القرطبيذكر لي أنه من شعراء قرطبة الذين رحلوا إلى المشرق، وأنشدت له:
من لي به ذو صلف زائد ... يمطلني ناظره ديني
وكلما وافيته طالباً ... ألفيته منكسر العين
ثم وقفت على ذكره في خط. الكمال بن الشعار المؤرخ، موصوفاً بالتفنن في العلوم الكثيرة، وأنه صنف كتباً في الطب والنحو وأصول الدين، وكان شافعياً، وسكن دنيسر، وانتفع به أهلها، وبها مات سنة إحدى وستمائة.
قال: وأنشدني له أبو الحسن علي بن يوسف بن محمد بن الصفار المارديني الكاتب الشاعر بإربل، قال: أنشدني أبو العباس الخزرجي لنفسه:
وفي الوجنات ما في الروض لكن ... لرونق زهرها معنى عجيب
وأعجب ما التعجب منه أني ... أرى البستان يحمله قضيب
وقوله:
ونمت بنا في الليل أنوار وجهه ... فمد علينا في ذوائبه سترا
أبو الحسن علي بن يوسف
بن خروف القرطبيشاعر مشهور في الغرب والشرق، مدح بسبتة ملكها إدريس بن يوسف ابن عبد المؤمن بقصائد، منها قوله من قصيدة في وصفها:
خذها إليك عروساً لا كفاء لها ... تزيد جدتها ما دامت الحقب
عذراء أخجلها ما فيك من عظم ... حتى لكادت من العلياء تنتقب
إن لم تكن أحرزت من ربها حسباً ... فإن مدحك في أثنائها حسب
ومدح بمراكش وزيرها أبا سعيد بن جامع بقصيدة منها:
ضمنت لعيني يوم لحت لأفقها ... بأن لا ترى وجهاً من الدهر يسود
ومن مشهور شعره قوله:
لا تظهرن صفاء ... ولا لمن تصطفيه
لولا صفاء زجاج ... لم ينظر البول فيه
وقوله:
وكان غريب الحسن قبل عذاره ... فلما التحى صار الغريب المصنفا
وقوله وهو المرقصات في راقص:
ومنوع الحركات يلعب بالنهى ... لبس المحاسن عند خلع لباسه
متأوداً كالغصن وسط رياضه ... متلاعباً كالظبي عند كناسه
بالعقل يلعب مقبلاً أو مدبراً ... كالدهر يلعب كيف شاء بناسه
ويضم للقدمين منه رأسه ... كالسيف ضم ذبابه لرئاسه
وأنشد له صفوان في زاد المسافر في غلام ضربته قوس في فمه:
لا زرت يا زوراء كف حلاحل ... يوم الهياج ولا رميت نبالاً
نازعت عند الرمى مقلة شادن ... تصمى القلوب ولا تغب نزالاً
فقرعت مبسم ثغره حسداً له ... لما غدا بدراً وكنت هلالا
فبدت جمانة سنة مرجانة ... وغدا قراح رضابه جريالا
وقوله:
بني المغيرة لي في حيكم رشأ ... ظلال سمر كم تغنيه عن سمره
يزهى به فرس الكرسي من بطل ... بإبرة هي مثل الهدب من شفره
كأنها فوق ثوب اخز جائلة ... شهاب رجم جرى والنجم في أثره
وقوله:
ما راق للطرف غير طرف ... قصر في العدو بالظليم
ذى نقط كالنجوم تبدو ... في جنح ليل له بهيم
وقوله:
تبلج صبح الذهن عندي نيراً ... فغارت من الأموال شهب عواتم
ولو كان ليل الجهل عندي حالكاً ... للاحت به مثل النجوم الدراهم
وأنشدت له:
مثلي يسمى أريباً ... مثلي يسمى أديباً
متى وجدت كثيباً ... غرست فيه قضيبا
ولا أبالي خصيبا ... لاقيته أم جديبا
واستدعاه ابن لهيب لدعوة لم يرضها، فقال
دعاني ابن لهيب ... دعاء غير نبيه
إن عدت يوماً إليه ... فوالدي في أبيه
وقال في حلب شعراً منه:
حلبت الدهر أشطره ... وفي حلب صفا حلبي
وقدر أن منيته كانت في حلب بقلعتها، وقد حضر في ليلة لسماع الواعظ تاج العلا الشريف فخرج للإراقة، فسقط في جب طعام، فمات فيه في سنة عشر وستمائة.
وكان قد مدح أبا عبد الله محمد بن عياش كاتب الحضرة بمراكش، فأعطاه شيئاً لم يرضه، فاغتاظ، ورده، وقال:
مدحت ابن عياش فجدد لي الذي ... حباني به ما قد تناسيت من كربي
ورددت إليه عظمه لأسره ... وأقبلت أمحو كل ما كان في قلبي
وأصبحت أسمو للمشارق طالعاً ... لأني رأيت الشمس تنحط في الغرب
ورحل إلى المشرق.
أبو جعفر أحمد بن شطرية القرطبيسابق في حلبة شعراء المائة السابعة، اعتبط شاباً، وله في ناصر بني عبد المؤمن قصائد جليلة، منها قصيدته التي مدحه بها حين جاز إلى الأندلس:
كذا يشرف الطالع الأسعد ... ويسمو لأملاكه السيد
ويرعى أقاصي أقطاره ... قريب له عزمة تبعد
إذا جمعت فكرها للوغى ... تفرق من سربه الفرقد
ومما اخترته من شعره قوله:
رأوا ميلاً في قده فتباشروا ... وقالوا: اجنه مهما تمايل وارجحن
وما علموا أن الهلال وقد غدا ... ممالاً بعيد لا ينال مدى الزمن
وقالوا أتخشى فترة في جفونه ... فقلت أما تخشى من الفترة الفتن
وقوله:
ستر الصبح بطره ... وجرا الليل بغره
وأرى من وجهه في ... قده غصناً وزهره
كمل الله لدينا ... من محياه المسره
كعبة للحسن في ك ... ل فؤاد منه جمره
جاءني كالظبي في أش ... راكه إذ حل شعره
مبدياً وجهاً كأن الل ... يل يجلو منه بدره
ومضى عني ولكن ... بعد ما خلف نشره
فتراني في افتضاح ... كلما أخفيت سره
وقوله:
انظر إلى النهر الذي ... لا ينقضي خفقانه
أمواجه في دوحه ... ماجت بها أشجانه
مرحت به في ملعب ... مترادف فرسانه
أمسى جموحاً إذ غدا ... بيد النسيم عنانه
قد درعته الريح إذ ... طعنت به أغصانه
وقوله:
وافى بنرجسة وطر ... ف الشمس يغمضه المغيب
فكأنما حتم علي ... ه لزوم عين من رقيب
وقوله:
يا منكراً ذكر من أهواه حين جلا ... كأس المدام على عيني ونظمها
لولا الذي في كؤوس الراح من حبب ... يحكي ثناياه ما قبلت مبسمها
وقوله:
أيا مانعى في يقظة وهو باذل ... إذا النوم أعماني لكل وصال
وددت بأن الدهر أجمع ليلة ... لأني لا أحظى بغير خيال
أبو جعفر أحمد بن قادم القرطبيبيت بني قادم، مشهور بقرطبة، وقد تقدم في الأطباء منهم أبو عبد الله بن قادم، وجد أبي جعفر لأمه أبو جعفر الوزغي الأديب المشهور. وكان أبو جعفر بن قادم آية في الشعر والتوشيح، أولع الناس بغلام صقيل الخد، أو بغلامة قائمة النهد، اجتمع به عمي يحيى بقرطبة، واستنشده من شعره، فأكثر من ذكر الغلمان والجواري فقال له: يا أبا جعفر، كأنك وكلت على التغزل في الغلمان والجواري؟! فقال على الفور: فترى أنت يا سيدي من الرأي أن أقصر نظمي على كل تيس مثل سيدي وأشباهه؟ قال: فكدت والله أموت من الضحك، وعذرته، فإني كنت كما وصلت من السفر، ولي لحية كبيرة ضخمة، و على حلية الجندية، وليس لي عبارة الأدباء. ومما اخترته مما كتبه عنه من شعره قوله، وقد جلس مع ندماء في جنة يشقها نهر، فرمى أحدهم فيه بطبق ورد نثره عليه:
يا حبذا الروض النضير يشقه الن ... هر الذي من فوقه الورد افترق
شبهته بالأفق شق ظلامه ... نهر الصباح وفوقه قطع الشفق
وقوله:
بأبي وغير أبي غري ... ب اللون يخجل في الكلام
ماء الشباب بوجهه ... يبدي لنا مزج المدام
؟خيلانه كحبابها ... ولثامه بدل الفدام
ألقى به كسحابة ... سفرت عن البدر التمام
وفى لنا ألفاً وكل ... م فانثنى أدباً كلام
فلثمت منه موطئ الن ... عل الذي فوق الرغام
وطفقت أملأ جانبي ... ه من اعتناق واستلام
فكأنني قد طفت من ... ه هناك بالبيت الحرام
ووردت زمزم كوثر ... ولثمت أركان المقام
وأنا أميله ويأ ... بى قده إلا قوام
كالبان تعطفه فإن ... خليته في الحين قام
يا خصره! يا جيده! ... كم من وشاح أو نظام
متكفل بهما اعتنا ... قي عند ما يرخى الظلام
يا عاذلي كم ذا تلي ... م بما تزخرف من ملام
وتقول لي: ماذا يفي ... د المهر من دون اللجام؟
والغصن إن لم يبد في ال ... أوراق خلته الحمام
هو ما علمت قريب عه ... د بالمهاد وبالفطام
لا يعرف الحيل التي ... جمعت لمن خبر الأنام
؟غر شققت حجابه ... عنه كما انشق الكمام
لم يدر قبلي ما الصدو ... د ولا الوصال ولا الغرام
؟قد الحسام فإن يجز - ه صار يصلح للحسام ورثاه والدي بقصيدة أولها:
عليك سلام الله قبر ابن قادم ... على بعد داري مودعاً في الغمائم
أبو جعفر أحمد بن رفاعة القرطبيمن مشهوري شعراء قرطبة في المائة السابعة، وهو أيضاً ممن اعتبط شاباً، اجتمع به عمي يحيى، وكتب عنه ما منه قوله - وهو كاف في الدلالة على جلالة قدره - :
ضربت عليك المكرمات رواقها ... وثنت عليك المعلوات نطاقها
أوسعت أبناء الزمان مكان ما ... قد كان قبلك عن سواهم عاقها
فلو الحمائم أفصحت لمسائل ... زعمت بأنك ملبس أطواقها
ومن كتاب ذهبية المساء في حلى النساء
مهجة بنت التياني القرطبيةمن المسهب: أن أباها كان يبيع التين، وكانت هي تدخل عند ولادة بنت المستكفي الشاعرة، وكانت من أجمل نساء زمانها، وأخفهن روحاً، فعلقت بها ولادة، ولزمت تأديبها، إلى أن صارت شاعرة، وهجت ولادة، وزعمت أنها ولدت وليس لها بعل، فقالت ما نقص عنه ابن الرومي:
ولادة قد صرت ولادة ... من دون بعل، فضح الكاتم!
حكت لنا مريم لكنه ... نخلة هذي ذكر قائم
قال: ومما تقدمت به فحول الذكران قولها:
لئن حلأت عن ثغرها كل حائم ... فما زال يحمي عن مطالبه الثغر
فذلك تحميه القواضب والقنا ... وهذا حماه من لواحظها السحر
الحلة
من كتاب الإحكام في حلى الحكامأول من ذكره أبو عبد الملك أحمد بن عبد البر، في كتاب القضاة: معاوية بن صالح، قاضي عبد الرحمن المرواني، أول سلاطينهم بالأندلس، وقد تقدمت ترجمته في السلك. ونذكر هنا بعده من ولى قضاء الجماعة بقرطبة، إلى أن انتقل قطب الإمامة إلى مدينة الزهراء. ثم نذكر قضاة الفتنة حين عاد القطب إلى قرطبة، وخرجت الزهراء والزاهرة.
نصر بن طريف
مولى عبد الرحمن المرواني الداخلمن كتاب ابن عبد البر: أنه تربى معه، وتأدب بأدب الملوك، واستحق عنده خطة القضاء، لما كان خير أهل زمنه، فكان يستقضيه عاماً، ومعاوية بن صالح عاماً، وتوفي في مدة هشام أول ولايته.
مصعب بن عمرانمن كتاب ابن عبد البر: أنه شامي الأصل، دخل الأندلس في مدة عبد الرحمن الداخل، وكان راوية عن الأوزاعي لا يتقلد مذهباً، ويقضى بما يراه صواباً، وكان خيراً، وسجل على أحد رجال الأمير هشام في دار أخرجه عنها، فشكاه إلى الأمير، وطمع أن يأمره بحله فقال الأمير: والله لو سجل علي في مقعدي هذا لخرجت عنه. أقره الحكم بعد أبيه هشام حتى مات مصعب.
أبو بكر محمد بن بشير المعافري
من كتاب ابن عبد البر: أنه ولاه الحكم بعد وفاة مصعب، وهو من أهل باجة، رحل وحج، وسمع علماً كثيراً. كان يكتب لأحد الوزراء، فأشار به على الحكم فاستدعاه، فمر في طريقه بعابد كان فله صديقاً، فأخذ معه في أمره، فقال له العابد: اصدقني في ثلاثة أسألك عنها: كيف مدح الناس وذمهم من قلبك؟ وكيف حبك في أن يخدمك الفتيان، وتكثر بين يديك الألوان؟ وكيف حبك للباس الحسن وركوب الفاره؟ فقال ابن بشير: أما مدح الناس وذمهم فما أبالي من مدحني أو ذمني في الله عز وجل، وأما أن تخدمني الفتيان وتكثر بين يدي الألوان فما أجد قلبي يتوق إلى ذلك ولا يشتهيه، وأما الركوب واللباس فما أفضل على ملبسي ومركوبي شيئاً سواه أبداً، قال: فاقبل القضاء ولا بأس عليك. فلما وصل قبل القضاء على ثلاثة شروط: نفاذ الحكم على كل أحد، وإذا ظهر له العجز من نفسه أعفى، وأن يكون رزقه من الفيء. وكان يدخل المسجد، وعليه رجاء معصفر، وحذاء صرار، ولمة مسرحة مدهونة، فيخطب على المنبر، فإذا رام أحد من دينه شعرة فالثريا أقرب إليه. وكان لا يجالسه أحد إذا قعد للقضاء، ولا يكالمه، ولا يسايره، ولا يخلو به في داره، وله طوابع من وقف عليها بادر إلى مجلس الحكم. واحتاج سعيد الخير بن عبد الرحمن الداخل إلى شهادة سلطان الأندلس الحكم وهو ابن أخيه، فردها القاضي، فركب إلى ابن أخيه وقال: اليوم ذهب سلطاننا من الأندلس، قاضيك الذي وليته يرد شهادتك، فقال: القاضي رجل صالح فعل ما يجب عليه ولست أعارضه.
وأول سجل سجل به على الوزير الذي سعى في ولايته، فشكاه إلى الحكم، فقال له: أنت اخترته، ولكن امض إليه في منزله. فإن أوصلك إلى نفسه، وخرج إليك فقد جعلت عزله بيدك، فلما استأذن عليه خرج إذن القاضي بأن يصل إلى مجلس الحكم، ورجع الوزير خائباً. فأرسل له: والله لأطلبن دمك، فكان جواب القاضي: أما أنا فلست أقتله إلا بقلمي فزاد غبطة عند الحكم. وكان بقي بن مخلد يثني عليه، ويقول: له في قضائه حقائق لا يقارن فيها إلا بمن تقدم من صدر هذه الأمة واستحقت أم ولد عند الحكم، فألزمه ابن بشير أداء ثمنها إلى مستحقها. وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائة.
أبو القاسم الفرج بن كنانةذكر ابن عبد البر: أن الحكم استقضاه بعد وفاة ابن بشير وكان خيراً، فاضلاً، ذا وقار وسمت يعظم بهما في العيون والقلوب، واستعفى الحكم، فعزله.
أبو مروان عبيد الله بن موسىمن كتاب ابن عبد البر: أن الحكم ولاه أول سنة إحدى ومائتين إلى أن مات سنة أربع ومائتين، وطلب الاستعفاء فلم يعفه، وقال له: إذا كان الأمير يجور والقاضي يجور فأين يجد الناس الراحة؟ توفي سنة أربع ومائتين.
أبو محمد حامد بن يحيىمن الكتاب المذكور: أن الحكم ولاه بعد عبيد الله إلى أن توفي الحكم. وتوفي في أول مدة عبد الرحمن بن الحكم سنة سبع ومائتين. وكانت فتيا قضاة الحكم تدور على زياد بن عبد الرحمن وعيسى بن دينار ويحيى بن حصن.
أبو نجيح مسرور بن محمدمن الكتاب المذكور: استقضاه عبد الرحمن سنة سبع ومائتين، وتوفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وكان من مواليه. أحسن السيرة، وخطب في الاستسقاء فقال: يا أيوب البلوطي! عزمت عليك حيث كنت لتقومن، فلم يقم إليه إلا بعد أن أقسم عليه في الثالثة، وقال: يا هذا، أشهرتني، أما كنت أدعو حيث أنا؟! ثم رفع رأسه القاضي فقال: اللهم إنا نستشفع إليك بوليك هذا، وألح بالدعاء، وكثر الضجيج والبكاء، فلم ينصرفوا إلا وأحذيتهم في أيديهم من كثرة المطر، وطلب أيوب بعد ذلك فلم يوجد.
أبو عثمان سعيد بن سليمانمن الكتاب المذكور: أصله من فحص البلوط، وكان عم سليمان بن أسود القاضي، وكان صليباً مهيباً، خطب بخطبة واحدة طول أيامه لم يبدلها، وخرج إلى الاستسقاء، فلما بدأ خنقته العبرة، فلم يكمل الاستسقاء، وصلى وانصرف، فسقى الناس في ذلك النهار وولى القضاء مرتين لعبد الرحمن بن الحكم.
أبو بكر يحيى بن معمر
من الكتاب المذكور: أصله من إشبيلية، استقدم عبد الرحمن وولاه القضاء، وكان صالحاً، وقدم ليلة عيد، وكانت توضع للإمام عنزة في المصلى، فباكر أهل الدهاء والحركة واصطفوا إلى العنزة، ليختبروا خطبته وينتقدوا عليه، فلما نظر إليهم عرف بهيئاتهم أنهم بالصفة التي كانوا بها، فقال للقومة: إني أرى الناس قد تزاحموا، فقدموا هذه العنزة ليتسعوا، فقدموها وطاش أوساط الناس وأحداثهم يتقدمون كباً وجرياً مع العنزة، وتثاقل أولئك عن الخفوف، فصار حول القاضي من لا مئونة عليه منهم، وخالف شيخي الفقهاء: يحيى وعبد الملك، فانقبضا عنه، فعزل في آخر سنة تسع ومائتين، فركب بغلته وجعل خرجه تحته، وانصرف، وقال لمن صحبه: يا أهل قرطبة! كما جئناكم كذلك ننصرف عنكم.
أبو عقبة الأسوار بن عقبةمن الكتاب المذكور: أنه لما عزل ابن معمر أشار يحيى بن يحيى على الأمير عبد الرحمن به، وكان صالحاً، فاضلاً، عاقلاً، مسمتاً، حسن الحكم، وتوفي وهو قاضي، سنة ثلاث عشرة ومائتين.
أبو إسحاق إبراهيم بن العباس الأمويمن الكتاب المذكور: أنه جد بني أبي صفوان، وكان عاقلاً، فاضلاً مسمتاً، وكان عبد الرحمن قد عزم على أن يولى القضاء بعد الأسوار رأس الفقهاء يحيى بن يحيى، فامتنع، وقال له: أشر علي بمن أوليه، فأشار عليه بإبراهيم، فأحسن الحكم، إلا أنه صار طوعاً ليحيى، فرفع رافع لعبد الرحمن: أن يحيى قد ملك الأندلس، وقد مكنه الأمير، والناس له طوع، وهو عامل على أخذ البيعة لهذا القرشي القاضي، وأن يخلع الأمير، أبقاه الله، فلينظر لنفسه فبعث في عبد الملك بن حبيب مناقض يحيى، فأخرج له البطاقة، واستنصحه، فقال: أصلح الله الأمير قد علمت ما بيني وبين يحيى، وليس ذلك بحاملي على أن أقول غير الحق، لا يأتيك من يحيى في هذا إلا ما يأتيك مني، ولكن أقول لا يشرك الأمير في حكمه من يشركه في نسبه، ففطن الأمير، وعزل إبراهيم آخر سنة ثلاث عشرة ومائتين. وكانت فيها القضاة في مدة عبد الرحمن تدور على عيسى بن دينار ويحيى وعبد الملك، وكلهم مات في مدته إلا عبد الملك، فإنه أدرك في مدة محمد ستة شهور.
أبو عبد الله محمد بن سعيد الإلبيريمن الكتاب المذكور: أشار به يحيى فولاه عبد الرحمن بعد إبراهيم، وكان من إلبيرة، وكان يحيى قد عرفه منها أيام اختلافه بالتجارة إليها، وكان حسن السمت، جميل المذهب في قضائه. وكان إذا اختلف عليه الفقهاء لم يؤثر على قول يحيى، فلم يزل قاضياً إلى سنة عشرين ومائتين فتشاور في قضية فتوقف فيها عن قول يحيى وغيره. ثم شاروه في قضية ثانية، فقال لرسوله: ما أفك له كتاباً لأني قد أشرت عليه في قضية فلان، فلم ينفذ القضاء. فركب من حينه إلى يحيى واعتذر له، ووعد أنه ينفذ القضاء من يومه، فقال: يا هذا إنما ظننت إذ خالفني أصحابي أنك توقفت مستخيراً الله عز وجل متخيراً في القضاء، فأما إذ تقضى برضا مخلوق فارفع تستعفى، وإلا رفعت في عزلك، فرفع. فعزل.
يخامر بن عثمانمن الكتاب المذكور: ولاه عبد الرحمن سنة عشرين ومائتين، وأصله من جيان، وكان خيراً فاضلاً، غير أنه كان فيه جفاء؛ لما قعد يحكم ونظر إلى عظم يحيى بن يحيى وغلبته على قلوب الناس كتب إلى عبد الرحمن إني قدمت قرطبة فوجدت لها أميرين: أمير الأخيار وأمير الأشرار، فأما أمير الأخيار فيحيى بن يحيى، وأما أمير الأشرار فأنت! فاستجفاه، وعزله، وأعاد على القضاء سعيد بن سليمان، فمات في سنة سبع وعشرين ومائتين.
أبو الحسن علي بن أبي بكرمن الكتاب المذكور: استقضاه عبد الرحمن بعد وفاة سعيد بإشارة يحيى. وقلما كان يولى عبد الرحمن قاضياً إلا بإشارته. فلذلك كثروا في أيامه، إذ كان يشير عليه بالقاضي فإذا أنكر منه شيئاً قال للقاضي: استعف وإلا رفعت في عزلك وكان حسن السمت مستقيم الحال، إلى أن توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
أبو عبد الله بن عثمان
أخو يخامر المتقدممن الكتاب المذكور: كان عابداً، ولاه عبد الرحمن بعد وفاة علي ابن أبي بكر، وقيل: إنه كان من الأبدال مجاب الدعوة، ومات سنة أربع وثلاثين.
أبو عبد الله محمد بن زياد
من الكتاب المذكور: هو جد بني زياد، وكان عاقلاً راوية عن يحيى، ولكنه لم يكن حافظاً، وأبقاه الأمير محمد على القضاء حتى توفي ابن زياد، وكان أديباً.
أبو القاسم أحمد بن زياد أخو محمدمن الكتاب المذكور: ولاه محمد بعد وفاة أخيه، وكان فاضلاً خيراً، يقال: إنه مجاب الدعوة، وخرج يستسقي، وأمر من حمل معه غطاء، فعجب الناس فلم ينصرف إلا والغيث نازل، ولكنه كان فيه جفاء، وحرج صدر. وكان سليمان ابن أسود يكتب عنه، وبلغه أن الأمير محمداً ذكره للقضاء بعده، فاستبطأ سليمان الخطة، فأتاه من باب النصيحة، وقال له: لو كتبت إلى الأمير تستعفيه، وتذكر شيخك وضعفك كان أشرف لك عنده، وصرت أعظم في قلبه؟ فقال له: اكتب عني بما رأيت، فكتب بذلك، فلما وصل الكتاب إلى الأمير اغتنم ذلك وأعفاه من يومه.
أبو أيوب سليمان بن أسودمن الكتاب المذكور: أن الأمير محمداً استقضاه بعد استعفاء أحمد بن زياد، وكان صالحاً صليباً متقشفاً، وكان سبب عظمه في قلب محمد أن الأمير عبد الرحمن كان قد استقضاه بماردة، ومحمد أميرها، قبل سلطنته، فقدم تاجر يهودي برقيق من جليقية، وكان فيهن جارية رائعة الجمال تشطط اليهودي في ثمنها على الأمير محمد، فأمسكها عنه، فرفع ذلك إلى سليمان، فآل الأمر إلى أن أنكرها، وركب القاضي إلى قرطبة لأبيه، فحينئذ ردها على اليهودي، فقال القاضي لليهودي: قد بلغتك ما طلبته، وأرى أن تصير الجارية إلى الأمير بما أحبه من الثمن، ففعل ذلك، ووجهها إلى الأمير، وقال: هذا أشبه بالأمير وأليق. فعظم في عينه من ذلك الحين. ولم يزل قاضيه إلى أن مات، إلا سنتين عزله فيها لسبب، ثم رده. وجاءه رجل بوثيقة فيها شهد الوزير هاشم بن عبد العزيز، فقال له: لا بد من أن يأتيني هاشم يشهد عندي، فمضى الرجل إليه، فقال له: لست من أهل الشهادات، فقال: يا سيدي اتق الله في، فبك تتم حاجتي، والقاضي دعاني إليك. فلما سمع هاشم ذلك طمع أن يسجل القاضي بشهادته، فيكون ذلك فخراً باقياً له، فركب هاشم إلى مجلسه وشهد عنده ومضى، وكان مع شهادته شهادة عدل فقال القاضي للرجل: زدني شهادة عدل ثان، فظهر أن القاضي كاد هاشماً، وبلغ ذلك محمداً فنقص به عقله لجواز كيد القاضي عليه.
وطالبت أيدون الحظى عند الأمير محمد امرأة في دار، فأعطاها طابعه، فلما وقف عليه اعتذر بأنه مشغول ببعض أشغال الأمير، فبينما هو مقبل إلى القصر إذ ضرب على عنانه رسول القاضي، وصرفه عن موكبه، فأدخله عليه في الجامع، فقال له: عصيت طابعي، فقال: لم أعص، فقال: وحق هذا البيت لو ثبت عندي عصيانك لأمرت بك إلى الحبس. ولما رأى صعوبة مقامه أعطاها ما ادعت. ودخل على الأمير باكياً شاكياً، فقال: يا أيدون، سلنا حوائجك كلها ما خلا معارضة قضاتنا، والقاضي أعلم بما فعل.
أبو عبد الله عمرو بن عبد اللهمن الكتاب المذكور: أن الأمير محمداً أراد شراء دار من أيتام لبعض كرائمه، فشطط. القاضي سليمان في ثمنها، ولم يساعد الأمير ولا وزيره هاشم ابن عبد العزيز، فأشار هاشم بأن يعزله ويستقضي عمراً حتى يمكنه من الدار المذكورة بما يحب، فكان ذلك. ثم رد سليمان إلى القضاء بعد سنتين. وكان عمرو عاقلاً وقوراً، وكان أبوه قد روى عن المدنيين، فكان يقول وجدت في كتاب أبي كذا، وكان يتورك في فتياه على محمد بن وضاح.
؟أبو معاوية عامر بن معاوية من الكتاب المذكور: أصله من ريه أشار به على المنذر بقي بن مخلد فولاه. وكان صالحاً وروى علماً كثيراً، عن ابن بكير وأصبغ وغيرهما في المشرق، وعن عبد الملك بن حبيب. وكان مدار فتياه على بقي بن مخلد، ولما ولى عبد الله عزله.
؟
أبو محمد النضر بن سلمةمن الكتاب المذكور: ولاه الأمير عبد الله بعد ابن معاوية، وكان عاقلاً مقتدياً بمن قبله من القضاة، ومدار فتياه على بقي وعبيد الله بن يحيى. وحال في ولايته الثانية، وولي الوزارة بعد عزله عن القضاء في دولته الثانية، فدخل في مطالبات آلت به إلى أن مات خاملاً، وقد أقعده النقرس. أدركته على ذلك، ولما احتاج عبد الله إلى المال المودع للورثة في الجامع لحال الفتنة منعه منه، فعزله لما رفع إليه موسى بن زياد: إن ولاني الأمير أتبرأ به إليه، فولاه.
أبو القاسم موسى بن زياد
من كتاب ابن عبد البر: ولى القضاء كما تقدم، فكان أول من أفسد هذه الخطة، وكان باطنه غير ظاهره، وكان أسلم بن عبد العزيز صديقه ووصفه بأشياء قبيحة. وكان مدار فتواه على محمد بن عمر بن لبابة ولما صح عند الأمير أمره عزله، ولكنه جعله في الوزراء.
أبو القاسم محمد بن سلمةمن الكتاب المذكور: استقضاه عبد الله بعد موسى، وكان خيراً زاهداً، غير أنه كان من الجهل في غاية. قال يوماً لصهيب بن منيع: أي شهر قبل رجب أو شعبان؟ فقال: رجب ثم شعبان فقال: انظر ماذا تقول، فإني على أن أكتب بطاقة إلى الأمير فلا تنشبني إلا في صحيح. وحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم قول في شيء، فقال: من أين قال هذا النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأشار إليه محمد بن غالب أن احذر السيف. وكان ولده أبو الجودي يشير إلى الفقه بلا علم، فاعتل محمد في بعض الجمع فصلى ابنه عوضه بأمر الأمير، فشق على آل السلطان ذلك لصلابة أبيه، فدسوا مع رقع البطائق على أبي الجودي بكل قبيحة، فقال: لا ألتفت إلى ذلك حتى أمتحن حقيقته بمحمد بن وليد الفقيه، وكان عنده في أعلى المنازل، بخديعة وذلك: أنه كان يأخذ حزمة حطب فيجعلها على عنقه، ويتلقاه في محجته من ناحية الجبل إذا خرج للصيد كأنه مقبل بحطب على ظهره يعيش منه، فإذا مر به وضع الحزمة، وأقبل يسلم عيه! فيقول الأمير: هذا فقيه فاضل حقاً ما له قرين! فقامت له بهذا عنده سوق فبعث له الحاجب ابن حدير السليم وكان يكره القاضي في شأن ولده، فقال له: كفيتك، فلما أحضره الأمير وأخذ معه في ذلك قال: إني أكرم الله الأمير ليست بيني وبين ولد القاضي خلطة، ولا أعرفه، غير أني رأيت الناس بعد صلاة الجمعة يعيدون الصلاة، فسألت عن ذلك فقالوا: لما اعتل القاضي تقدم بالناس ابنه، فلم يرضوه فأعاد أكثر الناس الصلاة، فلما سمع الأمير هذا قال: لا يعيد الناس الصلاة إلا من أمر عرفوه منه، لا يصلي بعد هذا.
أبو القاسم
أحمد بن محمد بن زياد اللخميمن كتاب ابن عبد البر: كان عربياً شريفاً وشيخاً وسيماً جميلاً ذا هيئة حسنة، غير أنه أهان خطة القضاء وتبذل فيها بالركوب إلى السلطان والدخول فيما لا يسعه من أمورهم، وكان ممولاً، كثير الصدقات سخياً بإطعام الطعام، وكان الصنائع العظيمة ويحضرها شيوخ زمانه من الفقهاء والعدول، ولم يزل قاضياً وصاحب صلاة حتى توفي الأمير عبد الله، وأقره الناصر شهوراً. ثم عزله وولى أسلم بن عبد العزيز، ثم أعاده إلى أن مات، فعاد أسلم. وكان اعتماده في الشورى على محمد بن عمر بن لبابة وابن وليد وعبيد الله بن يحيى.
قضاة الفتنة
أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن
بن وافدمن كتاب ابن حيان في القضاة: استقصاه وولاه الصلاة هشام المؤيد آخر أئمة الجماعة إثر سخطه على أحمد بن ذكوان ونفيه له وقت اشتعال الفتنة البربرية، وكان يقول إنه من عرب العريش، من الشام، من لخم. وجرت له خطوب طويلة مع محمد بن أبي عامر، كانت سبب نزوع نفس هشام إليه وتوليته بعد ابن ذكوان، فنعم العوض أصاب فيه، فقد كان فقيهاً، عالماً، حافظاً، عادلاً، حاذقاً، خيراً، فاضلاً، نزهاً، من أعلام الشورى بقرطبة، المبرزين في العلم والرئاسة، لم يزل يؤذن له في مسجده المجاور لداره قبل ولايته، و فيها.
وله رحلة إلى المشرق حج فيها ولقي العلماء، وتحكك، وممن لقى أبو محمد بن أبي زيد فقيه المغرب بالقيروان ولم يزل يصل سببه إلى أن مات ابن أبي زيد، إلا أنه أخل به في ولايته حب السلطان ولجاجه في دفع صلح البرابرة، وقد أهلكوا الناس، وخالف عبد الرحمن بن منيوه مولى ابن أبي عامر مدبر أمر هشام في ذلك. فكان سبب صرفه يوم الأربعاء لتسع خلون من ذي الحجة سنة اثنتين وأربعمائة، فالتزم منزله إلى أن خرج ابن منيوه عن قرطبة، ودبر الأمر الموالي العامريون، فأعاد هشام ابن وافد يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة ثلاث وأربعمائة إلى القضاء والصلاة بعد تكره منه واشتداد من هشام. ولما غلب المستعين بالبرابرة على هشام وأهلك المصر وقلب الدولة استخفى ابن وافد فوقع الطلب الحثيث عليه لما أٍلفه من عداوة البرابرة فظفروا به صبيحة يوم الخميس لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعمائة، فعنفوا به وجرروه، وتلوه على وجهه إلى باب القصر راجلاً حافياً، مكشوف الرأس بادي الصلعة، ما عليه إلا قميصه، وفي رقبته عمامته يقتادونه بها مخترقين به الشوارع إلى باب القصر، والناس تتقطع قلوبهم ولا يغنون عنه، والبربر ينادون عليه: هذا جزاء قاضي النصارى مسبب الفتنة، ومعطي المشركين حصون المسلمين على ذلك رشوة، وهو لا يترك الرد عليهم والتكذيب لهم. فما رئي أجلد منه على محنته، وأدخل على المستعين، فأفحش في سبه. وتقدم في صلبه. فنظر في ذلك وزيره وصاحب مدينته موسى بن هارون بن حدير، وكان أشد الناس عليه، فأحضر آلة الصلب، والبربر ينتظرون مشاهدته، وترادفت الشفاعات فيه، فاستحياه، وأمر بسجنه في داخل قصره، وامتنع من أكل طعامه إلى أن تحيلت مولاة له في إيصال قوت ترمق به، واشتدت به العلة، إلى أن انكشف للناس موته غداة يوم الأحد لأربع عشرة خلت من ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة بإخراجه إلى أسطوان الميضأة على باب الجامع، ملقى موتى المحاويج والغرباء موعظة لمن يبصره فتكفل به بعض العامة وأحد الزهاد، ولم يصل عليه أحد من المشاهير خوفاً من السلطان والعيون.
أبو المطرف عبد الرحمن
بن أحمد بن أبي المطرفمن كتاب ابن حيان: أنه استقضى دون الصلاة ما بين دولتي ابن وافد المذكور. وأصله من باغة، من بيت ذي جاه ومال، وكان الأغلب عليه الأدب والرواية، وكان قليل الفقه، أكره على القضاء، فلم يزل يحسن السيرة ويواصل الاستعفاء إلى أن خرج عبد الرحمن بن منيوه عن قرطبة، فعزله هشام وأعاد ابن وافد كما تقدم.
قال: ولم تعلق به لأئمة، وعاش فيما بعد مقبلاً على النسك، إلى أن توفي يوم الاثنين للنصف من صفر سنة سبع وأربعمائة بقرطبة، ومولده صدر سنة ست وثلاثين وثلاثمائة. وذكر ابن مفرج في تاريخه: أنه كان له رحلة حج فيها وروى. وجهد المستعين بأبي العباس بن ذكوان في ولاية القضاء فامتنع، فقسمه بين يونس بن الصفار ومحمد بن خرز من أعيان زناته إلى أن جاءت دولة ابن حمود.
أبو المطرف عبد الرحمن بن بشر
المعروف بابن الحصارمن كتاب ابن حيان: أن أباه كان حصاراً وبنو فطيس يدعون ولاءه. وكان يبدو عليه مذهب الشعوبية في دفع الفخر بالأنساب، ويتلو: " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ولم يقبل القضاء حتى ناوله عهده بيده على بن حمود، وأقسم عليه وإن عينه لتدمع، وكان ماهراً بالحكومة لا يعدله أحد من أهل زمانه في التوثيق واستنباط النوازل، مع حلاوة اللفظ وحسن الخط، يشف على الفقهاء بذلك، مع مساواته إياهم فيما يحذقونه من الفتوى ويحفظونه من المسائل والكتب، له في ذلك القدم الثابتة، إلى أن ما رزقه من الذكاء، وجمال الهيئة، وتمام الآلة، والنزوع في أبواب من المعارف كثيرة، يجمل بها محاضرته.
ومن رجل لئيم الخئولة، شعوبي الرأي، هادماً الشرف بالكلية، ذي عجرفة يزرى به التعريض، ويحب المماتنة الجالبة للعداوة، أضاع قضاء الفريضة وزهد في الرحلة على الصحة والثروة، وبه اختتم كملة القضاة بالأندلس على علاته. ولم يزل بنو حمود يقدمونه للقضاء واحداً بعد واحد، واشتهر بالهوى فيهم، وتناولته السعايات، فعزله هشام المعتد المرواني، وهو بالثغر، قبل أن يصل إلى قرطبة، فتأخر يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من ذي الحجة سنة تسع عشرة وأربعمائة، فكانت مدته اثنتي عشرة سنة وعشرة أشهر وأربعة أيام، ولم يزل خاملاً خائفاً إلى أن دفن بمقبرة العباس بعد صلاة العصر من يوم السبت للنصف من شعبان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة فشهده الخليفة هشام كالشامت به، وكان الجمع في جنازته كثيراً.
أبو الوليد يونس بن عبد الله
بن الصفار من بني مغيثمن كتاب ابن حيان: أن هشاماً المعتد ولاه بعد ابن الحصار فلم يقبل إلا بعد الجهد من الكبراء، ولم يزل قاضياً إلى أن هلك ليلة الجمعة لثلاث بقين من رجب سنة تسع وعشرين وأربعمائة. وصار خامتة القضاة بقرطبة، وآخر الخطباء المعدودين فيها وتأريخ المحدثين، لا ينازع في هذه المراتب، على ما أخل به من تمام الخصال التي اجتمعت لمن قبله، وهلك وهو أسند من بقي بالأندلس وأوسعهم جمعاً وأعلاهم سناً؛ زاد على التسعين ستة أشهر، وهو مع ذلك ممتع بحواسه، يستبين الخط الدقيق، ويرتجل الخطب الطوال، ولا يدع التأليف. وله كتب حسان في الزهد والرقائق وغيرها. وكان على تفرده بالحديث متقدماً في علم اللسان والآداب، راوية للشعر والخبر، حسن البلاغة خطيباً ذرباً، سريع الدمعة، له ضلع صالح في الشعر، أسعده في الصبا على الرقيق وفي المشيب على الوعظ.
من رجل لم يحذق في المسألة والجواب ولا برع في الفقه، وفرط في إضاعة الحج لغير عذر، وكان مع ارتسامه بالزهد ملججاً في حب الدنيا، منافساً في مراتبها العلية، مزدلفاً إلى ملوكها على اختلاف دولهم. استغنى بعد بادئ الإملاق، فضاد قول القضاة الفضلاء: من ولى القضاء ولم يفتقر فهو سارق. وأشهد على نفسه عند موته أنه استخلف على القضاء ابنه مغيث بن محمد، فلم يمض ذلك مدته تسع سنين وستة أشهر وأربعة عشر يوماً، وولي بعده في مدة أبي الحزم بن جهور أبو بكر بن ذكوان، و هو شاعر تقدمت ترجمته في السلك.
أبو محمد عبد الله بن أحمد
المعروف بابن المكوىمن كتاب ابن حيان: أن الأحكام تعطلت بعد استعفاء ابن ذكوان وطالت المدة، فضج الناس إلى أبي الحزم، فولى ابن المكوى، ولم يكن في نصاب القضاء، وهو ممن آثر الخمول للدعة والفلاحة على الدراسة، وانطوى مع ذلك على العفة والصيانة، ولم يقبله إلا بعد جهد، ولم يطلق عليه اسم القضاء على سبيل ابن ذكوان قبله، وذلك يوم الخميس لسبع خلون من محرم اثنتين وثلاثين وأربعمائة. واكتسب في ولايته صرامة وإعجاباً، حتى استخف بكثير من وجوه الناس، فجرت له بذلك خطوب واعترض ملك قرطبة أبا الوليد بن أبي الحزم، وعزل وزيره إبراهيم بن محمد بن يحيى عن مخارن الجامع، وأكثر الناس السوال في صرفه، فصرف غداة يوم الاثنين لثلاث عشرة بقيت من ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وأربعمائة، وبقي خاملاً إلى أن دفن عشي يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين، فشهده جميع الناس وأثنوا عليه بالعفة والانقباض. من رجل قليل العلم نكد الخلق، به طرق لأول النقص على هذه الولاية الرفيعة.
أبو علي حسن بن محمد بن ذكوانمن كتاب ابن حيان: أن أبا الوليد ولاه بعد ابن المكوى وهو شيخ أهل بيته الحاظين بهذه الدولة ومتقلد الحسبة قديماً، فاستقل بالعمل، لطول دربته بالحكم، على نقصان العلم، وقد كان عفيفاً ذا صرامة وثروة ومرانة بالحكومة.
من رجل عار عن العلم عاطل عن الأدب ضارب بأوفر الحظ في شكاسة الخلق وخشونة الطبع، ألجأ إليه الاضطرار، إلى أن جرى من تخليطه في مهاودة ابن عمه أحمد بن محمد بن ذكوان والرهيط الذين سعوا في الوثوب على السلطان بقرطبة، فعزله أبو الوليد في صدر ربيع الأول سنة أربعين وأربعمائة، وألزمه منزله إلى أن توفي على ذلك، فدفن بمقبرة العباس عشي يوم الثلاثاء لإحدى عشرة خلت من ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وأربعمائة وشهد جنازته ملك قرطبة أبو الوليد.
أبو بكر
يحيى بن محمد بن يبقى بن زربمن كتاب ابن حيان: أن أبا الوليد ولاه بعد ابن ذكوان، وهو عميد الفقهاء في زمانه، اختار منه كهلاً عفيفاً، لين العريكة، حليماً مبلو السداد وقوام الطريقة، وجمع له ذلك إلى خطة الصلاة والخطابة، على رسم والده القاضي أبي بكر بن يبقى، وما أجاب إلا بعد جهد، فلم يفارق العفة والسلامة إلى أن مات يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سبع وأربعين وأربعمائة، وصلى عليه ملك قرطبة أبو الوليد. ولم يكن فيه إلى العفة التي جملت حاله خلة تدل على فضيلة، فما وجد فقده، ولا بكت عليه سماؤه ولا أرضه. وتوقف أبو الوليد بعده عن تعيين قاض مدة طويلة، وصرف النظر في الأحكام إلى وزيره أبي الحسن بن يحيى، فانثال الناس وكثر تعبه، وتفرقت الأمور عليه، وهو يصدرها كلها في واد رحب من سعة خلقه وحسن سياسته.
أبو القاسم
سراج بن عبد الله بن سراجمن كتاب ابن حيان: أن أبا الوليد أراح وزيره من أحكام القضاء، وفرغه لما كان بسبيله من تدبير الدولة، واختار للقضاء ابن سراج المذكور، من البيت المشهور، جده سراج مولى الأمير الداخل. وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة بقيت من صفر، ثمان وأربعين وأربعمائة بعد جهد به، وقسمه عليه، قال وهو مقيم على حاله إلى وقت إملاء هذا الكتاب وقد نيف على الثمانين؛ حسن البقية.
المشهورون من قضاة قرطبة بعد هذا التاريخ
أبو الوليد أحمد بن رشد الأكبرصاحب التصانيف الجليلة في الأصول والفروع والخلافيات، أطنب ابن اليسع في ذكره بما هو من أهله، وذكر أن له كتاباً سماه بالمتحصل، جمع فيه اختلاف أهل العلم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وتسمية مذاهبهم، وكتاب المقدمات في الفقه. وكناه ابن بشكوال في الصلة بأبي القاسم ووصفه بالخير والعقل والفضل وأنه كان محبباً للناس. وتوفي يوم الجمعة الثالث عشر من رمضان سنة ثلاث وستين وخمسمائة، ومولده في سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
أبو القاسم أحمد بن محمد
بن علي بن محمد
ابن عبد العزيز بن حمدينمن صلة ابن بشكوال: قاضي الجماعة بقرطبة، أخذ عن أبيه، وتفقه عليه وتقلد القضاء مرتين، وكان نافذاً في أحكامه، جزلاً في أفعاله، وهو من بيت علم ودين وجلالة وفضل، وتوفي قاضياً يوم الأربعاء لثمان بقين من ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وصلى عليه ابنه أبو عبد الله.
أبو عبد الله
محمد بن أصبغ بن المناصفأطنب ابن اليسع في الثناء عليه، وذكر أنه ولي قضاء قرطبة في مدة على ابن يوسف بن تاشفين قال: وقد كنت أسمع بمن وهب الآلاف وألزم ماله الإتلاف، فيداخلني ما يداخل المخبر من تصديق وتكذيب وتبعيد وتقريب، حتى باشرته ينفق في كل يوم على أكثر من ثلاثمائة بيت يعيل ديارهم ويقيل عثارهم، وكان يحرث له في ضياعه الموروثة بثمانمائة زوج في كل عام، فلم يبق عند نفسه منها إلا ما يأكل.
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
الفقيه الأعظم
أبو محمد يحيى بن يحيى الليثيمن الجذوة: أصله من البربر من مصمودة، تولى بني ليث، فنسب إليهم، رحل إلى المشرق فسمع مالك بن أنس وسفيان بن عيينة والليث بن سعد وعبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن وهب. وتفقه بالمدنيين والمصريين من أكابر أصحاب مالك، بعد انتفاعه بمالك وملازمته له، وكان مال يسميه عاقل الأندلس. وكان سبب ذلك فيما روى: أنه كان في مجلس مالك مع جماعة من أصحابه، فقال قائل: قد خطر الفيل فخرجوا، ولم يخرج، فقال له مالك: ما لك لم تخرج لتنظر الفيل وهو لا يكون في بلادكم؟ فقال له: لم أرحل لأنظر الفيل وإنما رحلت لأشاهدك، وأتعلم من علمك وهديك، فأعجبه ذلك منه وسماه: عاقل الأندلس.
وإليه انتهت الرياسة في الفقه بالأندلس وبه انتشر مذهب مالك هنالك وتفقه به جماعة لا يحصون. وكان مع إمامته ودينه مكيناً عند أمراء الأندلس معظماً، وعفيفاً عن الولايات منزهاً، جلت درجته عن القضاء، فكان أعلى قدراً من القضاة عند ولاة الأمر هنالك، لزهده في القضاء وامتناعه منه؛ سمعت الفقيه الحافظ أبا محمد علي بن أحمد يقولك مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان: مذهب أبي حنيفة، فإنه لما ولى قضاء القضاة أبو يوسف كانت القضاة من قبله، فكان لا يولي قضاء البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى أعمال إفريقية إلا أصحابه والمنتمين إلى مذهبه. ومذهب مالك بن أنس عندنا، فإن يحيى بن يحيى كان مكيناً عند السلطان، مقبول القول في القضاة، فكان لا يلي قاض في أقطارنا إلا بمشورته واختياره، ولا يشير إلا بأصحابه ومن كان على مذهبه، والناس سراع إلى الدنيا والرياسة، فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به. على أن يحيى بن يحيى لم يل قضاء قط، ولا أجاب إليه، وكان ذلك زائداً في جلالته عندهم، وداعياً إلى قبول رأيه لديهم. وكذلك جرى الأمر في إفريقية لما ولى القضاء بها سحنون بن سعيد ثم نشأ الناس على ما انتشر. وكانت وفاة يحيى بن يحيى في رجب لثمان بقين منه من سنة أربع وثلاثين ومائتين وخلف بعده ابنه عبيد الله الفقيه المشهور. وممن أخذ عنه من الأعلام: أبو عبد الله محمد بن وضاح، وزياد بن محمد بن زياد المعروف بشبطون، وإبراهيم بن قاسم بن هلال، ومحمد بن أحمد العتبي، وإبراهيم بن محمد بن بان، ويحيى بن حجاج، ومطرف بن عبد الرحمن، وعجنس بن أسباط الزيادي، وعمر بن موسى الكناني، وعبد المجيد بن عفان البلوي، وعبد الأعلى بن وهب، وعبد الرحمن بن أبي مريم السعدي، وسليمان بن نصر المريى، وأصبغ ابن الخليل، وإبراهيم بن شعيب.
الفقيه المحدث أبو عبد الله
محمد بن الفرج
المعروف بابن الطلاعمن كتاب ابن اليسع: أنه كان من العلماء بالحديث ومذهب مالك، وله تواليف، منها كتابه في نوازل الأحكام النبوية، وكتابه في الوثائق، وسنده في موطأ يحيى من أعلى ما يوجد في زمانه. وهو من قرطبة، ولقيه المعتمد ابن عباد فنزل له عن دابته، ووعظه ابن الطلاع ووبخه.
الفقيه الإمام
أبو عبد الله محمد بن عتابمن كتاب ابن اليسع: ذو الوقار والسكينة، والمكانة المكينة وذكر أنه رحل وساد أترابه، وألف كتاباً في الحديث، وكان في المائة الخامسة في زمن المعتمد بن عباد.
أبو الحسن علي بن الصفارمن البيت المشهور. ذكر ابن اليسع أن له تاريخاً في جزيرة الأندلس، ووصفه بالدعابة والمرح. وله رواية عن يونس بن مغيث وهو جده.
اللغوي أبو غالب
تمام بن غالب
المعروف بابن التيانيمن الأعلام في علم اللغة المشهورين، انتقل من قرطبة إلى مرسية، وبث علمه هنالك، وصنف كتاباً في اللغة وقف عليه مجاهد العامري ملك الجزر ودانية، فأعجبه، فبعث إليه بألف دينار وكسوة على أن يزيد فيه أنه صنفه مطرزاً باسم مجاهد، فقال أبو غالب: كتاب صنفته لله ولطلبة العلم أصرفه إلى اسم ملك، هذا والله ما لا يكون أبداً، وصرف على مجاهد الألف الدينار والكسوة، فزاد في عين مجاهد وعظم في صدور الناس.
وقد أطنب الحجاري بسبب هذه القضية في شكر الملك والعالم، وقال: هكذا ينبغي أن تكون الملوك وكذا يجب أن تكون العلماء.
ومن كتاب الريحانة في حلى ذوي الديانة
الزاهد عبد الرحمن بن مروان
ابن عبد الرحمن الأنصاري القنازعي القرطبيمن تصنيف ابن بشكوال في زهاد الأندلس وأئمتها: أنه نسب إلى صنعته، وأطنب في الثناء عليه، وأخبر أنه جمع في أخباره كتاباً مفرداً. وله رحلة ورواية بالمشرق، وندبه الخليفة علي بن حمود إلى الشورى، فلم يعرج عليه. وكان صوام النهار، قوام الليل، راضياً بالقليل من الحلال، وربما اقتات بما يرميه الناس من أطراف البقول وما أشبه ذلك، ولا ينحط إلى مسألة أحد.
وقال: كنت بمصر وشهدت العيد مع الناس، فانصرفوا إلى ما أعدوه وانصرفت إلى النيل، وليس معي ما أفطر عليه إلا شيء من بقية ترمس بقي عندي في خرقة، فنزلت على الشط، وجعلت آكله وأرمي بقشره إلى مكان منخفض تحتي، وأقول في نفسي: ترى إن كان اليوم بمصر في هذا العيد أسوأ حالاً مني؟ فلم يكن إلا ما رفعت رأسي وأبصرت أمامي، فإذا برجل يلقط قشر الترمس الذي أطرحه ويأكله، فعلمت أنه تنبيه من الله عز وجل، وشكرته. وتوفي بقرطبة يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من رجب سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وكان من أهل العلم بالحديث والفقه، مجوداً للقرآن.
الأهداب
أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك
بن عيسى بن قزمانإمام الزجالين بالأندلس، وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره. وقد جمع أزجاله. وديوانها مشهور بالمشرق والمغرب، وذكر في خطبته أن الإعراب في الزجل لحن، كقول أحدهم وهو أخطل بن نمارة:
كسر الله رجل كل ثقيل
على كونه إماماً، وصدر عنه مثل قوله:
طاق في خد وبف فالقنديل
عم مقابل وجدت إليك سبيل
وقوله:
قدر الله وساق الخناس
إلى داري على عيون الناس
ولعبنا طول النهار بالكاس
وجا الليل وامتد مثل القتيل
ونوه في ترجمته بذكر أبي القاسم محمد بن أحمد بن حمدين وأبي العلاء بن زهر في الرياسة ومدحه لهما.
فمن ملح أزجال ابن قزمان قوله في هزيمة:
والكتف يتعلق والقحف يقسم
وشنيوران راقد في برك من دم
قد خط فيه السيف خطا لا يفهم
وجا الغبار من فوق بحل نشاره
وقوله:
اصحى تعيب الناس كل أحد عيب ماع
إنما هو المطهر من سلم يد وقاع
وقال في بداءة زجل في مدح ابن أضحى قاضي غرناطة:
الله ساقك ولم يسوقك أحد ... واجتمعنا اصداف أخير من وعد
وفر الله مشي ذك الأميال
والرقاد الردي وشغل البال
وكفى الله المؤمنين القتال
وفي آخره:
طار حديثك على المدن والقرى
قاضي يعطي عطية الأمرا
رد غرناطة مكة الشعرا
فترى فيها أهل كل بلد
وله:
لو زارني صاحب التفريق ... قد كان نفيق
حتى نرى مثل ما قدريت من الأمل
فما حلو لا تقول سكر ولا عسل
يقبل الروح ولا يدري طيب القبل
لس يربح القبل والتعنيق ... غير العشيق
شربت سرك وه عندي جل المنى
وقمت للرقص بأكمامي على الغنا
وأصبح الناس يذكر الله وأصبحت أنا
ما بين الأشكال والأبريق ... سكران غريق
وله:
ليس عندي ... قوام ولاه فلاح
إلا شرب الشراب ... وعشق الملاح
نرضي إبليس إلى متى ذا العقوق
فه شيخي وله علي حقوق
والشريبة مفتاح لكل فسوق
في لساني نربط ... ذك المفتاح
أيها الناس وصيتي للجميع
من خلاع فإن اليوم خليع
ولا نمشوا إلا بكاس أو قطيع
وسكارى إيك ... لا تمشو صحاح
اسكت اسكت هذا الحديث يمضغ
فقلاده في عنق من بلغ
إن دراه ... محمد بن أصبغ
خمس مت سوط يحس للبراح
إنما بع ... ل المري بالنهار
فإذا كنت وقت رقاد في دار
أرخ شف وارضع في هذا العقار
لا تقع لك قطاع ... في اصطباح
فإن أصبحت ... وفي دماغك ثقل
جع فالدار إن ... كان لراسك عقل
ويكون الغذا ... لحم ببقل
والله الله لاتستجيبإذا تصاح
وإذاكنت صاح إذتصبح
اغسل أجك ... وهلل أو سبح
شرط إن قال أحد اعمل لي آح
اعمل ات أح وزيد فالساق حاح
وإذا كنت مع فقي أو إمام
ويقل لك شربت قط مدام
قل له اشنه يا فقي ذا الكلام
والله ما ذقت قط ... شرب تفاح
فإن أجمعك بيه زماناً نبيل
وعسى لس ذا الصبر غير قليل
؟قل له السا وجدت إليك سبيل
جي نقل لك بالرسل ... أو بالصياح
تدري إذ قلت لي شربت عقار
آه حقاً كن نبتلعها كبار
واناذاب نحسوها ليل ونهار
بشرابك ... وربما أقداح
تحفظ اسماه سايقل لك لا
قل له خذ نملا منه أذنيك ملا
هي هي القهوة والمدام والطلا
والحمياوالخندريسوالراح
وله:
كن صبيان ودارت الأحوال
والتحينا وصرنا ذاب رجال
وكن إكريت دويره من إنسان
برباعي سكنت فيه زمان
ثم قال لي تزن ثلاث أثمان
ونزن لو ولو طلب مثقال
إن فيه حنى أمام السير
وعقاباً مليح بجنب البير
وقصيبا عليها باباً كبير
تكشف الفحص من ثلاث أميال
والربض لا شيوخ ولا حجاج
وأرامل ملاح بلا أزواج
ويجوني طول النهار عن حواج
واشيات لس ينبغي أن تقال
ومنه:
إش نقل لك بقيت كذا مبهوت
وأخذني فزع بحال من يموت
وقفز قلب مثل قفز الحوت
وضرب بالجناح بحل برطال
وله:
تدر إش قال لي الفقى تب ... إن ذا فضول وأحمق
كف نتوب والروض زاهر ... والنسيم كالمسك يعبق
والربيع ينشر علام ... مثل سلطاناً مؤيد
والثمار تنثر حليه ... بثياب بحل زبرجد
والرياض تلبس غلالا ... من نبات فحل زمرد
والبهار مع البنفسج ... يا جمال ابيض في أزرق
والندى والخير والآس ... والراح والظل والما
والمليح خلطي مهاود ... والرقيب أصم أعمى
وزمير من فم ساحر ... وغنا من كف سلمى
والزجاج ملح مجزع ... والشراب أصفر مروق
يا شراباً مر ما أحلاك ... علقم ات ممزوج بسكر
بالذي رزقن حبك ... من نثر عليك جوهر
وترى لش تشتكي ضر ... لش نراك رقيق أصفر
ما أظن إلا ألم بيك ... أو مليح لا شك تعشق
ذا الطريق يعجبن يا قوم ... ما أملح وما أجل
أي نبل أقل ل خليه ... وسمع مما أقل ل
يا صديقي لس نراع ... يا صديقي لس نمل
قل لي كف نترك ذا الأشيا ... قصة حقيق بالحق
ونجوم السعد تطلع ... ونوار اليمن تفتح
وغنا ودن دن دن ... ولعب وكح كح كح
وارتفع عني يا راجل ... انسلخ عكان أح أح
القطع فز عن يام ... تركف يعمل لي بق بق
وله:
نفني عمرى فالخنكرا والمجون
يا بياض خلع بنيت أن يكون
إنما أن نتوب أنا فمحال
وبقاى بلا شريب ضلال
نفن عمرى ودعن مما يقال
إن ترك الخلاع ... عندي جنون
خذوا مالي وبددوه فالشراب
وثيابي ولبسه القحاب
وقولا لي بأن رايك صواب
لم تكن قط في ذا الحديث مغبون
وإذا مت مذهبي فالدفن
أن نرقد في كرم بين فالدفن
أن نرقد في كرم بين الجفن
ويضم الورق على كفن
ولراسي عمامه من زرجون
ومنه:
إنماه ما ريت ذك التحت ساق
وذك العينين الملاح الرشاق
وعمل إير فاسراول رواق
ورفع بالثياب بحل قيطون
أنا والله قد ابتديت في العمل
أوذيك زلق لساعة دخل
وأنا نرعج حلو حلو كالعسل
وهبط روحي بن سقى سخون
؟
الهيدورةقال الحضرمي: كان بقرطبة مخنث يعرف بالهيدورة، قد برع في التخنيث والكيد، حتى صار يضرب به المثل، وهو الذي لما حصل في الأسر كتب له إخوانه يتفجعون من شأنه، فجاوبهم: يا سخفاء العقول ولأي شيء تتفجعون من شأني وهناك ... وهنا .... وزيادة ختانة لم تقطع خير كثير.
قال: وليس بالأندلس بلد قد شهر بكثرة القطماء مثل قرطبة، وخاصة منه درب ابن زيدون، فيقولون في التعريض: هو من درب ابن زيدون كما يقولون: رطب الذراع.
قال: وكان في درب ابن زيدون رجل مشهور بهذا الشأن ينام في أسطوان داره، ويترك القفل على الباب يتمكن فتحه، فإذا رآه سارق على تلك الحال عالج الباب ودخل، فيمسكه القطيم، وكان له عبدان يريحهما بهذا الشأن، فيقول للسارق: أيها الملعون! جسرت على بابي وفتحته وأردت الدخول على حرمي، ما بقى لك إلا أن .... والله وتالله لا زلت حتى تفعل، فتتم لك النادرة في. ثم ينبطح فيرى السارق أنه يفعل ذلك لئلا يفتضح، ثم يطلقه.
البحبضة الحكيمكان خفيف الروح. قصدته يوماً عجوز وهو في دكانه، فقالت له وهو بين جلسائه: يا سيدي، أنت هو الحكيم البحبوضي؟ فقال لها في الحين: يا ستي وأنت هي العجوزة سو القوادة. وكان في قرطبة طبيب يقال له رأس قدح، فجاءته عجوز يوماً، وقالت له: يا سيدي! أنت ه الرأس خيبة! فقال: من عاش كبر.
يحيى بن عبد الله بن البحبضةكان في المائة السابعة يشتغل بأعمال السلطان وله أزجال على طريقة البداة التي يغنون بها على البوق. من ذلك زجله الطيار:
دعن نشرب قطيع صاح
من ذنا ست الملاح
دعن نشرب ونرخي شفا
ونصاحب من لس فيه عفا
يا زغلا شدوا الأكفا
من باب الجوز يسمع صياحي
والله إنك صرف ملحلا
وسمينا بحال بخلا
وخفيفا بحال بوللا
حن تطرلى مع الرياح
والله ذنا أنى مشاكل
وحزامي مليح وكامل
حن تراني نرخي السراول
على وجه القرق الصياح
يا زغلة درب الزجالي
منه فيكم زغل بحال
أو دلال بحال دلالي
أو رماح بحال رماحي
غدا قالت تجيني ذنا
بتحنفف مليح وحنا
نشرب الكاس معها مهنا
حن تجيني بياض صباحي
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمدأما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب الحلة الذهبية في حلى الكورة القرطبية وهو
كتاب الصبيحة الغراء في حلى حضرة الزهراءهن عروس: لها منصة وتاج وسلك وحلة.
المنصةذكر ابن حوقل: أن الناصر بناها في غربي قرطبة في سفح جبل، وأمر مناديه ينادي: ألا من أراد أن يبني بجوار السلطان فله أربعمائة درهم، فسارع الناس إليها، وجعلا الناصر قطبه، قال الحجاري: وكان منذر ابن سعيد قاضي الناصر وخطيبه كثيراً ما يقرعه فيما أسرف فيه من مبانيه، ويعظه، ودخل عليه يوماً وهو مكب على البنيان، فوعظه، فأنشده الناصر قوله وهو عالي الطبقة:
همم الملوك إذا أرادوا ذكرها ... من بعدهم فبألسن البنيان
أما ما ترى الهرمين قد بقيا وكم ... ملك محاه حادث الأزمان
إن البناء إذا تعاظم شأنه ... أضحى يدل على عظيم الشان
ودخل عليه مرة وهو في قبة قد جعل قرمدها من ذهب وفضة، والمجلس قد غص، فقام ووعظه، وتلا: " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة " الآية، فاحتمله لمكان منه.
وقال وزيره عبيد الله بن إدريس:
سيشهد ما شيدت أنك لم تكن ... مضيعاً وقد مكنت للدين والدنيا
فبالجامع المعمور للعلم والتقى ... وبالزهرة الزهراء للملك والعليا
وقد ذكرها المعتمد بن عباد في قوله الذي استدعى به وزراءه وكتابه، وقد تنادموا بالزهراء، إلى قصر قرطبة، أنشده الفتح:
حسد القصر فيكم الزهراء ... ولعمري وعمركم ما أساء
قد طلعتم به شموساً صباحاً ... فاطلعوا عندنا بدوراً مساء
وقد ذكرها الوزير أبو الوليد بن زيدون في شعره الذي خاطب به محبوبته ولادة:
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا ... والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلال في أصائله ... كأنما رق لي فاعتل إشفاقا
والروض عن مائه الفضى مبتسم ... كما شققت عن اللبات أطواقا
يوم كأيام لذات لنا انصرمت ... بتنا لها حين نام الدهر سراقا
نلهو بما يستميل العين من زهر ... جال الندى فيه حتى مال أعناقا
كأن أعينه، إذا عاينت أرقي ... بكت لما بي فجال الدمع رقراقا
ورد تألق في ضاحي منابته ... فازداد منه الضحى في العين إشراقا
كل يهيج لنا ذكرى تشوقنا ... إليك، لم يعد عنه الصبر أن ضاقا
لو كان وفى المنى في جمعنا بكم ... لكان من أكرم الأيام أخلاقا
آس ينافحه نيلوفر عبق ... وسنان نبه منه الصبح أحداقا
لا سكن الله قلباً عن ذكركم ... فلم يطر بجناح الشوق خفاقا
لو شاء حملي نسيم الريح نحوكم ... وافاكم بفتى أضناه ما لاقى
كان التجاري بمحض الود مذ زمن ... ميدان أنس جرينا فيه أطلاقا
فالآن أحمد ما كنا لعهدكم ... سلوتم وبقينا نحن عشاقا
بنى الزهراء الناصر، وسكنها، ثم سكنها ابنه المستنصر. وسكن المؤيد بن المستنصر مدينة الزاهرة، فنذكر ترجمتي الناصر والمستنصر وأعلام دولتتيهما.
التاج
الناصر لدين الله
أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد
ابن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم
ابن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروانذكر الحميدي: أنه ولي بعد جده عبد الله، وكان والده قد قتله أخوه المطرف بن عبد الله في صدر دولة أبيهما، وترك ابنه عبد الرحمن ابن عشرين يوماً، فولي وله اثنتان وعشرون سنة، وكانت ولايته من المستطرف، إذ كان بالحضرة جماعة أكابر من أعمامه وأعمام أبيه، فلم يعترض معترض. وكان شهماً، صارماً، وكل من ذكرنا من أجداده فليس منهم من تسمى بإمرة المؤمنين، ولم يتعدوا في الخطبة الإمارة. وجرى على ذلك عبد الرحمن إلى آخر السنة السابعة عشرة من ولايته، فلما بلغه ضعف الخلافة في العراق أيام المقتدر وظهور الشيعة بالقيروان تسمى بأمير المؤمنين وتلقب بالناصر ولم يزل منذ ولي يستنزل المتغلبين حتى استكمل إنزال جميعهم في خمس وعشرين سنة من ولايته، وصار جميع أقطار الأندلس في طاعته.
ومن المسهب: إنما تسمى بأمير المؤمنين حين بلغه أن المقتدر خطب له بالخلافة وهو دون البلوغ. ولما قتل المطرف بن عبد الله أخاه محمد بن عبد الله، قتله به أبوه، وقد قيل إن أباهما قتل الاثنين. وخلا الو لعبد الرحمن، وملك قلب جده بحسن خدمته، وكل ما يعلم أنه يوافق غرضه، فتقدم بعد جده في مستهل ربيع الأول سنة ثلاثمائة، فقال ابن عبد ربه صاحب العقد:
بدا الهلال جيداً ... والملك غض جديد
يا نعمة الله زيدي ... إن كان فيك مزيد
وصرف من الآراء والحيل في الثوار الذين اضطرمت بهم الأندلس ما يطول ذكره، حتى صفت له الجزيرة.
قال: وأعانه على ذلك المعرفة باصطفاء الرجال واستمالة أهوائهم بالمواعيد وبذلك الأموال مع طول المدة وهبوب ريح السعادة، وقد شبهوه بالمعتضد العباسي في تلافي الدولة، وكان يده في استنزال العصاة القائد أبا العباس ابن أبي عبدة، وبقي في السلطنة خمسين سنة وستة أشهر وثلاثة أيام.
قال ابن غالب: وجد بخطه: أيام السرور التي صفت له في هذه المدة الطويلة يوم كذا ويوم كذا، فكانت أربعة عشر يوماً، وكانت وفاته ليلة الأربعاء لليلتين خلتا من رمضان سنة خمسين وثلاثمائة. وكان مشغوفاً بتضخيم البنيان والسلطنة والجند. وقسم أموال جبايته على ثلاثة: قسم للجند والحروب، وقسم للبنيان، وقسم ينفق منه في غير هذين من المصالح، ويخزن باقيه ذخيرة. وقد تقدمت أبياته في البنيان مما أنشده الشقندي والحجاري، وله حكايات دينية ودنياوية، فأملح ما وقفت عليه من حكاياته الدينية ما حكاه الحجاري؛ من أنه حضر يوم جمعة في جامع الزهراء فلما خطب منذر بن سعيد قال في خطبته: " أتبنون بكل ريع آية تعبثون " . الآية، فتحر الناس لذلك، وعلم الناصر أنه عرض به، فلما فرغ قال لابنه المستنصر فيما جرى عليه، ثم قال: لكن علي لله يمين ألا أصلي خلفه ما عشت فلما جاءت الجمعة الثانية قال لابنه: كيف نصنع في اليمين؟ قال يؤمر بالتأخر، ويستخلف غيره، فاغتاظ الناصر وقال: أبمثل هذا الرأي القائل تشير علي؟! والله لقد ندمت على ما فرط مني في اليمين، وإني لأستحيي أن أجعل بيني وبين الله غير منذر، ثم رأى أن يصلي في جامع قرطبة فواصل ذلك بقية مدته. وكان له جلساء ووزراء عظماء يأتي منهم تراجم بعد هذا. وأعظم من استعان به في الحروب ابن عمه سعيد بن المنذر بن معاوية بن أبان بن يحيى بن عبيد الله بن معاوية ابن هشام بن عبد الملك، وهو الذي تولى حرب ابن حفصون كبير المنافقين، وافتتح قلعته، وكان ممدحاً، جواداً سعيد الحياة، فقيد الممات، وحضر ليلة عنده وزيره ومولاه أبو عثمان بن إدريس، فغنت جارية:
أحبكم ما عشت في القرب والنوى ... وأذكركم في حالة الوصل والصد
على أنم لا تشتهون زيارتي ... قريباً ولا ذكراي في فترة البعد
واستجاز وزيره، فقال: الابتداء لأمير المؤمنين، فقال:
وأنتم جعلتم مهجتي مسكن الجوى ... وأنت جعلتم مقلتي مسكن السهد
ثم قال الوزير:
ومالي عنكم جرتم أو عدلتم ... على كل حال فاعلموا ذاك من بد
وكانت علامة سكره وأمر ندمانه بالقيام أن يميل برأسه إلى حجره، وربما أنشد:
ما زلت أشربها والليل معتكر ... حتى أكب الكرى رأسي على قدحي
وكان على حسن خلقه وحلمه ربما حدثت له على المنادمة وسوسة كدرت ما يعتاد منه. ولما كثرت قطع المنادمة، ثم تزهد. ومن قبيح ما يؤثر عنه حكايته مع الجارية التي كانت عنده بمنزلة حبابة من يزيد: سكر ليلة، فأكثر من تقبيلها، فأكثرت الضجر والتبرم، وقبضت وجهها، فأمر ألا يزال وجهها يلثم بألسنة الشمع، وهي تستغيث، فلا يرحمها، حتى هلكت.
قال الحجاري: وربما كان أجود من جميع من ملك من بني مروان، ومما نسب له وقد نسب لابنه المستنصر:
ما كل شيء فقدت إلا ... عوضني الله عنه شيا
إني إذا ما منعت خيري ... تباعد الخير من يديا
من كان لي نعمة عليه ... فإنها نعمة عليا
وذكر: أن توقيعاته بليغة؛ كتب له محمد بن عبد الرحمن المعروف بالشيخ، الممتنع بحصن لقنت في جواب استنزاله له ما أوجب أن كان في جواب الناصر له: ولما رأيناك قد تذرعت بإظهار اتقاء الله رأينا أن نعرض عليك أولاً ما لا بد لك من أخراً وليس من أطاع بالمقال، كمن أطاع بعد الفعال. فبادر مستسلماً إلى قرطبة.
وكتب له ابن عمه سعيد بن المنذر وهو محاصر ابن حفصون يذكر له تلون بني حفصون، فأجابه بكتاب فيه: مهما تحققت من غدر بني حفصون ومكرهم فزد فيه بصيرة واثبت على تحقيقك، ومهما ظننت فصير ظنك تحقيقاً، فإنهم شجرة نفاق، أصلها وفروعها تسقى بماء واحد، فاهجر فيهم المنام والدعة، فالعيون إليهم تنظر والآذان نحوهم تسمع، فمتى استنزلتهم من معقلهم أغناك ذلك عن مكابدة غيرهم. فلم يزل بهم حتى غلب عليه.
وأقدم عليه رجل وقاح بالشكوى والصياح، وخرج من أمره أنه اشترى حماراً فخرج فيه عيب، فرفع ذلك إلى القاضي فرد حكمه إلى أهل السوق فأفتوا أنه عيب حديث قال: فألزموني به وأنا لا أريده، فقال: تجاوزت القاضي وأهل السوق إلى الخليفة في هذه المسألة الوضيعة، ثم أمر به فضرب، نودي عليه بذلك مجرساً، ورد رأسه إلى وزرائه، وقال: أعلمتم أن الأمير عبد الله جدي بنزوله للعامة في الحكم للمرأة في غزلها، والحمال في ثمن ما يحمله، والدلال في ثمن ما ينادي عليه، أضاع كبار الأمور ومهماتها، والنظر في حروبه، ومدارأة المتوثبين عليه، حتى اضطرمت جزيرة الأندلس، وكادت الدولة ألا يبقى لها رسم. وأي مصلحة في نظر غزل امرأة ينظر فيه أمين سوق الغزل، وإضاعة النظر في قطع الطرق وسفك الدماء وتخريب العمران؟!. وكان حاجبه موسى بن حدير على ذكائه يقول: ما رأيت أذكى منه، كنت والله آخذ معه في الشيء تحليقاً على سواه، حتى أخرج إليه، فيسبقني لمرادي، ويعلم ما بنيت عليه تدبيري. وكان له عيون على ما قربن وبعد، وصغر، وكبر، وكان معروفاً بحسن العهد، وبذلك انتفع في استنزال المتغلبين.
قال الحجاري: ورفع للناصر أن تاجراً زعم أنه ضاعت له صرة فيها مائة دينار، ونادى عليها، واشترط أن يهب للآتي بها عشرة دنانير، فجاء بها رجل عليه سمة خير، ذكر أنه وجدها، فلما حصلت في يده قال: إنها كانت مائة وعشرة، وإن العشرة التي نقصت منها أخذها الذي أتى بها، وأبى أن يدفع له ما شرط، فوقع الناصر: صدق التاجر والرجل الذي وجد المال، ولولا صدق الرجل ما أتى بشيء مجهول، فاردد عليه المائة، وناد على مال التاجر فإنه مائة وعشرة. فكان ذلك من ملحه.
وقال لقائد عساكره ابن أبي عبدة: إن استرسلت في الكلام معك بمحفل، فتعقبه في الخلوة، ومع ذلك فإنك ترى بالمشاهدة ما لا نراه، فلا ترجع عن مصلحة.
وقتل الناصر ابنه عبد الله ذبحاً بيده، وقد بلغه أنه يريد قتله وأخذ الخلافة.
ابنه
الحكم المستنصر باللهمن الجذوة: كان له إذ ولى بعد أبيه سبع وأربعون سنة، وكان حسن السيرة، جامعاً للعلوم، محباً لها، مكرماً لأهلها، وجمع من الكتب في أنواعها ما لم يجمعه أحد من ملوك الأندلس قبله، وذلك بإرساله فيها إلى الأقطار واشترائه لها بأعلى الأثمان، ونفق عليه ذلك فحمل إليه. وكان قد رام قطع الخمر من الأندلس، وأمر بإراقتها، وتشدد في ذلك، وشاور في استئصال شجرة العنب، فقيل إنهم يعملونها من التين وغير ذلك. فوقف عما هم به.
ومن المسهب: توفي يوم الأحد لليلتين خلتا من صفر سنة ست وستين وثلاثمائة، فكانت مدته خمس عشرة سنة وخمسة أشهر وثلاثة أيام.
وحكى ابن حيان: أن عدد الكتب التي كانت فهارس بأسماء الكتب التي اجتمعت في خزائنه أربعة وأربعون، في كل فهرست منها عشرون ورقة. ووجه لأبي الفرج الأصبهاني ألف دينار على أن يوجه له نسخة من كتاب الأغاني؛ وباسمه طرز أبو علي البغدادي كتاب الأمالي، وعليه وفد، فأحمد وفادته. وأنشد من شعره قوله:
إلى الله أشكو من شمائل مترف ... على ظلوم لا يدين بما دنت
نأت عن داري، فاستزاد صدوده ... وإني على وجدي القديم كما كنت
ولو كنت أدري أن شوقي بالغ ... من الوجد ما بلغته لم أكن بنت
وأنشد له ابن حيان:
عجبت وقد ودعتها كيف لم أمت ... وكيف انثنت بعد الوداع يدي معي
فيا مقلتي العبرى عليها اسكبي دماً ... ويا كبدي الحرى عليها تقطعي!
وله غزوات وفتوح مدن. ومات بالفالج.
وكان حاجبه جعفر مولاه قبل جعفر المصحفي. قال ابن غالب وفي مدته ضرب الدينار الجعفري المشهور بالأندلس.
السلك
من كتاب مشارع الصفا في حلى الشرفابنو أمية بالأندلس يعرفون بالشرفاء، ونذكر منهم هنا أولي الفضل من السلالة الناصرية على نسق، وغيرهم ممن كان في مدتي الناصر والمستنصر.
عبد الله بن الناصرمن الجذوة: أن كان فقيهاً شافعياً، متنسكاً، شاعراً، أخبارياً، وأنشد له:
أما فؤادي فكاتم ألمه ... لو لم يبح ناظري بما كتمه
إليك عن عاشق بكى أسفاً ... حبيبه في الهوى وما ظلمه
ظلت جيوش الهوى تقاتله ... مذ نذرت أعين الملاح دمه
ومن المسهب: مثل ذلك، وأنه كان محسناً للشعراء، وأن سعيد ابن فرج أخا أبي عمر أهدى له ياسميناً أبيض وأصفر، وكتب معه:
مولاي! قد أرسلت نحوك تحفة ... بمراد ما أبغيه منك تذكر
من ياسمين كالنجوم تبرجت ... بيضاً وصفراً والسماح يعبر
فعوضه عنها ملئ طبقها دنانير ودراهم، وكتب له:
أتاك تعبيري ولما يحل ... مني على أضغاث أحلام
فاجعله رسماً دائماً قائماً ... منك ومني أول العام
وأنشد له، وقد مر مع أحد الفقهاء فأبصر غلاماً فتان الصورة:
أفدي الذي مر بي فمال له ... لحظي ولكن ثنيته غصبا
ما ذاك إلا مخاف منتقد ... فالله يعفو ويغفر الذنبا
قال الرقيق في تاريخه: كان عبد الله يسمى الزاهد، فبايع قوماً على قتل والده وأخيه الحكم ولي العهد، فسجنه أبوه، ثم ذبحه بيده يوم الأضحى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، وقتل أصحابه قال صاحب سفط اللآلئ: ومن العجائب أن عبد الله كان شافعياً، وأخاه عبد العزيز حنيفاً، والمستنصر مالكياً.
عبد العزيز بن الناصرذكره الحميدي وأنشد له ما تركه أولى، وأنشد له صاحب سفط اللآلئ وقال: كان له شعر عراقي المشرع، نجدي المنزع، كقوله:
زارني من همت فيه سحراً ... يتهادى كنسيم السحر
أقبس الصبح ضياء نوره ... فأضا، والفجر لم ينفجر
واستعار الروض منه نفحة ... بثها بين الصبا والزهر
أيها الطالع بدراً نيراً ... لا حللت الدهر إلا بصري
وكان مغرماً بالخمر والغناء، فتر الخمر لبغض أخيه فيها، فقال: لو ترك الغناء لكمل سروره، فقال: والله لا تركته حتى تترك الطيور تغريدها، ثم قال:
أنا في صحة وجاه ونعمى ... هي تدعو للذة الألحان
وكذا الطير في الحدائق تشدو ... للذي سر نفسه بالعيان
أخوهما
أبو عبد الله محمد بن الناصرمن السقط. أنه كان شاعراً، أديباً، حسن الأخلاق كريم السجايا، له من قصيدة، وقد قدم أخوه المستنصر من بعض غزواته:
قدمت بحمد الله أسعد مقدم ... وضدك أضحى لليدين وللفم
لقد حزت فينا السبق إذ كنت أهله ... كما حاز بسم الله فضل التقدم
ابن أخيهم أبو عبد الله
محمد بن عبد الملك بن الناصرذكره الثعالبي في اليتيمة، وأنشد له من قصيدة خاطب بها العزيز صاحب مصر:
ألسنا بني مروان، كيف تبدلت ... بنا الحال أو دارت علينا الدوائر
إذا ولد المولود منا تهللت ... له الأرض، واهتزت إليه المنابر
فأجابه العزيز: عرفتنا فهجوتنا، و لو عرفناك لأجبناك. وفضله الحجاري في الشعر. ومن أحسن ما أنشد له صاحب السقط قوله:
أتاني وقد خط العذار بخده ... كما خط في ظهر الصحيفة عنوان
تزاحمت الألحاظ في وجناته ... فشقت عليه للشقائق أردان
وزدت غراماً حين لاح كأنما ... تفتح بين الورد آس وسوسان
وقوله من قصيدة:
وإني إذا لم يرضى قلبي يمنزل ... وجاش بصدري الفكر جم المذاهب
جليد يود الصخر لو أن صبره ... كصبري على ما نابني للنوائب
وأسرى إلى أن يحسب الليل أنني ... لطول مسيري فيه بعض الكواكب
وولى الإمامة ولداه: المرتضى والمعتد.
الشريف الطليق أبو عبد الملك مروان
ابن عبد الرحمن بن مروان بن الناصرمن الجذوة: أن أكثر شعره في السجن. وقال ابن حزم: إنه في بني أمية كابن المعتز في بني العباس ملاحة شعر وحسن تشبيه. سجن وهو ابن ست عشرة سنة.
ومكث في السجن ست عشرة سنة، وعاش بعد إطلاقه من السجن ست عشرة سنة، ومات قريباً من الأربعمائة. وكان فيما قيل يتعشق جارية كان أبوه قد رباها معه، وذكرها له، ثم بدا له فاستأثر بها، وأنه اشتدت غيرته لذلك، فانتضى سيفاً، وانتهز فرصة في بعض خلوات أبيه معها، فقتله، وعثر على ذلك، فسجن. وذلك في أيام المنصور أبي عامر محمد ابن أبي عامر. ثم أطلق بعد ذلك فلقب الطليق لذلك ومن مستحسن شعره قصيدة أولها:
غصن يهتز في دعص نقا ... يجتني منه فؤادي حرقا
أطلع الحسن لنا من وجهه ... قمراً ليس يرى ممحقا
ورنا عن طرف ريم أحور ... لحظه سهم لقلبي فوقا
وفيها:
أصبحت شمساً وفوه مغرباً ... ويد الساقي المحيي مشرقا
فإذا ما غربت في فمه ... تركت في الخد منه شفقا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمدأما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا
الكتاب الثالث من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب الحلة الذهبية في حلى الكورة القرطبية وهو
كتاب البدائع الباهرة في حلى حضرة الزاهرةهي عروس لها منصة وتاج وسلك وحلة: المنصة .... التاج
المؤيد هشامقال ابن حيان: وانهمك هشام طول أيامه... ونال في مدة هذا الانهماك والدعة أهل الاحتيال من الناس.. الرغائب النفسية بما ازدلفوا به من أثر كريم أو زخرفوه من كذب صريح، حتى لقد اجتمع عند نساء القصر ثمانية حوافر، عزي جميعها إلى حمار عزير المستحيى بالأية الباهرة، واجتمع عندهن من خشب سفينة نوح عليه السلام وألواحها قطعة، وظفرن من نسل غنم شعيب عليه السلام بثلاث. وكثير من ذا توجهت على أمواله منه أعظم حيلة، ولهجن مع ذلك بطلب ذوي الأسماء الغريبة من الناس مثل: عبد النور، وعبد السميع، وحزب الله، ونصر الله، يصير الرجل من هؤلاء في الحاشية، ويستعمل على وكالة جهة، ولا يبعد أن يتمول في أقرب مدة. وإن اتفق أن يكون مع ذلك ذا لحية عظيمة، وهامة ضخمة، تقدمت به السعادة، ولا سيما إن كانت لحيته حمراء قانية، فإنها أجدى عليه من دار البطيخ غلة. ثم لا يسأل عما وراء ذلك من أصل وفضيلة، ولو كان مردداً في بني اللخناء ترديداً. وذكر في شأن الدعي الذي تشبه بهشام أنه ظهر في المرية في أيام زهير سنة ست وعشرين وأربعمائة. ثم ظهر عند القاضي ابن عباد بإشبيلية، وخطب له مغالطاً باسمه، ومستميلاً قلوب الناس. ووجه ابن جهور أمير قرطبة من وقف على غيه، وصحت عنده الشهادة به، وخطب له، ثم رجع عن ذلك.
قال: وأظهر المعتضد بن عباد موت هذا الدعي.
وهول الحجاري حديثه في التخلف وقال: نشأ جامد الحركة، أخرس الشمائل، لا يشك المتفرس فيه أنه نفس حمار في صورة آدمي. وعشق في صباه نباح كلب فجعل الغلمان يهيجونه، حتى ينبح، ليلتذ بذلك. وكلما زاد سناً نقص عقلاً ولما خلعه المهدي وحصل في قبضته قال لأحد غلمانه، وقد ذهبت دولته، وهتك حرمه: بالله انظر هدهدي إن كان سلم، وافتقده لئلا يهلك بالجوع والعطش، فإنه من ذرية الهدهد الذي دل سليمان على عرش بلقيس. قال المأمور بهذا: فكدت والله أخنقه، فيستريح، ويستراح منه.
وكانت أمه صبح هي التي أظهرت المنصور بن أبي عامر، ويقال إنها أرضعته، ولهذا كان يقال له ظئر هشام، فلما تغلب ولم يرع صبحاً قالت لابنها: أما ترى ما يصنع هذا الكلب؟ فقال: دعيه ينبح لنا، ولا ينبح علينا.
ومن تخلفه أنه رام الصعود إلى برج يتفرج فيه، فنزل في دهليز تحت الأرض، فلما طال عليه النزول، وأظلم المكان، قال للذي معه: يا إنسان! أين أعلى البرج؟! قال: فقلت: يا مولاي، ليس هذا بابه، وإنما هذا باب الدهليز الذي تحت الأرض. قال: صدقت. وإلا لو كان باب البرج كان يكون فيه خابية الماء! وإنما جعل الخابية شرطاً، لأنه كان له برج يعتاد صعوده، وفي بابه خابية.
ونظر يوماً إلى بغلة كانت من تحف الملوك، وقد جعل على فرجها ما جرت به العادة، خوف تعدى السواس عليها. فقال: لم صنعت هذه الأخراس على حر هذه البغلة؟ فعرفه بالعلة، فقال: فاجعل على حجرها أخراساً أخر، فقد يكون في السواس لاطة! قال: فوالله ما قدرت على أن أملك الضحك، فخالسته، وتحملت على تقطيعه وستره، ثم قلت: يا سيدي، البغلة إذا خيط. فرجها قدرت على أن تبول منه، وكيف تصنع إذا خيط. حجرها بما يخرج منه، قال: صدقت، فاجعل على حراستها شاهدين عدلين يرقبان ذلك الموضع، فقلت له: سأكلم الحاجب، قال: وانفصلت إلى ابن أبي عامر، لأطرفه بما جرى، فلما أخبرته سجد، وجعل يكرر حمد الله. قال: ثم قال لي: أتعلم أن في هذا الذي أنكرته صلاح المسلمين؟! وذلك أن السلطان الذي تصلح معه الرعية اثنان: إما سلطان قاهر ذو رأي، عارف بما يأتي ويذر، مستبد بنفسه، وإما سلطان مثل هذا تدبر الدنيا باسمه، ولا يخشى المتفرغ لحراسة سلطانه غائلة؛ والمتوسط يهلك ويهلك.
ودخل عليه يوماً أحد الفقهاء ليستفتيه في مسألة تختص بحرمه، فلما فرغ من سؤاله، قال له: يا فقيه، إنا في هذا البستان نعرض لمشاهدة هذه الطيور في مسافدتها، أتراها تحسب علينا قيادة؟ قال: فقلت له: لا، يا أمير المؤمنين، فقال: الحمد لله وتهلل وجهه، وقال: لقد أزلت عني غماً تراكم في صدري! ثم أمر خادماً واقفاً على رأسه أن يأتيه بسفط، فلما كشفه إذا فيه حصى كثير، فقال: كل حصاة منها مقابلة لمجامعة بين طوير، ونحن نسبح الله كل يوم بهذا العدد، ليكفر عنا تلك الهنات، فقلت: الأمر أهون فقد رخص الله لأمير المؤمنين في ذلك.
وكانت له جارية من أحسن ما تقع عليه العين، فلما أراد أن يستقضها وجدها ثيباً، فسألها، فقالت: بينما أنا ذات يوم راقدة تحت الشجرة الفلانية في البستان، وإذا بمن نزه الله ذكره عن هذا المكان قد جامعني واستفضني، فاستيقظت، فوجدت الدم على رجلي، وخفت الفضيحة، وكتمت ذلك. فبكى هشام المتخلف، وقال: أبلغت أنا من العناية عند الله أن يأتي من أتاك إلى بستاني ويستفض جاريتي؟ أنت حرة لوجه الله! وأمر في الحين أن تبنى بذلك الموضع رابطة يتعبد فيه. ووجد بخطه على هذا البيت:
ترى بعر الآرام في عرصاتها ... وقيعانها كأنه حب فلفل
هذا وقت كان بعر الغزلان فيه ييبس للشمس بدل الزبيب، ويوكل، فسبحان الذي عوضنا منه بالزبيب الطيب ببركة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن السلك
من كتاب رغد العيش في حلى قريش
المطرف بن عمر الهشيمي
من ولد هشيم بن عبد الملك
ابن المغيرة بن الوليد بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروانمن السقط: أنه من متميزي المروانيين وشعرائهم، وكان المظفر بن أبي عامر يحسن له، وله فيه أمداح منها قوله:
إن المظفر لا يزال مظفراً ... حكماً من الرحمن غير مبدل
تلقاه صدراً كلما قابلته ... مثل السنان بمحفل وبجحفل
وطلبه المهدي، ففر إلى شرق الأندلس، وصحب المرتضى.
وله في شعر:
وكدر عيشي بعد صفو وإنما ... على قدر ما يصفو الخليل يكدر
أبو عثمان سعيد بن عثمان
بن مروان المعروف بالبلينةقال الحميدي: هو من شعراء الدولة العامرية وأنشد له من قصيدة في المنصور بن أبي عامر:
من لي بمن تأبى الجفون لفقده ... في الدهر ألا نلتقي أو نلتقى
ريم يروم وما اختبرت جريمة ... قتلي ليتلف من بقائي ما بقى
وإذا رماني عن قسي جفونه ... لم أدر من أي الجوانب أتقى
قال: وفيها مدح مفرط الحسن أعطاه عليها ثلثمائة دينار: ومن السقط: أنه من نبهاء بني مروان، ومتقدمي شعرائهم. والبلينة: حوت كبير يعرف بدابة البحر.
ولما هجره المنصور بن أبي عامر، دخل عليه ومجلسه غاص، فأنشده:
مولاي مولاي أما آن أن ... تريحني الأيام من هجركا
وكيف بالهجر وأني به ... ولم أزل أسبح في بحركا
فضحك وأقبل عليه.
وأنشد له صاحب اليتيمة:
والبدر في جو السماء قد انطوى ... طرفاه حتى عاد مثل الزورق
فتراه من تحت المحاق كأنما ... غرق الكثير وبعضه لم يغرق
ومن كتاب تلقيح الآراء
في حلى الحجاب والوزراء
المنصور أبو عامر
محمد بن أبي عامر المعافريالذي حجب المؤيد، وكان في منزلة سلطان، وهو مذكور في كتب كثيرة، ولابن حيان فيه كتاب مفرد، قال الحميدي: أصله من الجزيرة الخضراء وله بها قدر وأبوة، وورد شاباً إلى قرطبة، فطلب العلم والأدب، وتمهر، وكانت له همة لم تزل ترتقى من شيء إلى أن اعتنت به صبح أم هشام المؤيد، فصارت له الحجابة، وكان له مجلس معروف في الأسبوع، يجتمع فيه أهل العلم. وغزواته نيف وخمسون غزوة، وله فتوح كثيرة، وكان في أكثر زمانه لا خيل بغزوتين في السنة.
ومن خط ابن حيان: هو أبو عامر محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر محمد بن الوليد بن سويد بن عبد الملك. وعبد الملك جده هو الداخل للأندلس مع طارق في أول الداخلين من العرب، وهو وسيط في قومه.
وذكر أن المستنصر ولى ابنه هشاماً العهد وهو غلام، ولما مات قام بأمره جعفر المصحفي الحاجب، وعدل عن المغيرة الذي أراد الصقالبة مبايعته وهو أخو المستنصر. وقال: إن أبقينا بن مولانا كانت الدولة لنا، وإن استبدلنا به استبدل بنا. وبعث ابن أبي عامر إلى الغيرة فقتله في داره. وكان عبد العزيز أخو المستنصر تقدم بمديدة. واشتغل الأصبغ ببطالة أزالت عنه التهمة. وذكر أن المصحفي استأثر بالأموال، وبنى المنازل، وهدم الرجال، وعارضه من ابن أبي عامر فتى ماجد،، أخذ معه بطرفي نقيض: بالبخل جوداً، وبالاستبداد أثرة، وباقتناء الضياع اصطناع الرجال، فظهر عليه عما قليل. وكانت حال ابن أبي عامر متمكنة عند الحرم لقديم الاتصال، وحسن الخدمة، والتصدي لمواقع الإرادة، وطلاقة اليد في باب الألطاف، وأخرجن له أمر الخليفة هشام إلى حاجبه المصحفي في الاستعانة به والموازرة. واستراح المصحفي إلى كفايته، واغتر بخدمته ومكره، وأخذ المصحفي يدفع الرجال، وابن أبي عامر يضمهم، إلى أن غلب عليه. وذكر أنه في مدة المستنصر ولى قضاء كورة رية وقضاء إشبيلية، وارتقى إلى خطة الشرطة بالحضرة والسكة، فعلت حاله، وهمته ترتمي أبعد مرمى، وهو في ذلك كله يغدو إلى باب المصحفي ويروح. فما ثبتت قدمه امتثل رسم أمراء الديلم المتغلبين في عصره على بني العباس ونسخ رجال الدولة برجاله. وأول عروة نقضها فتكه في جماعة الصقلب المتمردين، واستخراج الأموال العظيمة منهم، وكانت النصرانية قد جاشت بموت المستنصر، وجاء صراخهم إلى باب قرطبة، وظهر من المصحفي جبن، وأمر أهل قلعة رباح بقطع سد نهرهم، يلتمس بذلك دفاع العدو من حوزته. فأنف ابن أبي عامر من ذلك، وقام بأمر الجهاز، ويعان بمائة ألف مثقال، فلما قفل ظافراً وقد ملك الجند بما رأوه من حسن كرمه سمت همته، وأخذ نفسه بالتغلب على مكان المصحفي، فاستعان بغالب الناصري صاحب مدينة سالم، شيخ الموالي، وفارس الأندلس، وصاهره، وان عدواً للمصحفي، فتمكن، وصار عند المصحفي كلا شيء، إلا أنه غالطه مديدة، ولم يشك المصحفي في الإدبار، إلى أن عزل، وسخط السلطان عليه وعلى أولاده وأسبابه، وطولبوا بالأموال، و تمكن منهم ابن أبي عامر كيف شاء، وكان لا يريح المصحفي من المطالبة، وإذا سم من أذاه أسلمه إلى عدوه غالب، إلى أن هلك في سجنه كما تقدم في ترجمته.
ثم حصلت وحشة بني صبح أم هشام الخليفة وبين المنصور آل الأمر فيها إلى أن كنت الغلبة له، وأخذ الأموال التي كانت في القصر مختزنة، ونقلها إلى داره، ووكل بالقصر من أراد، وصات الدولة باطناً وظاهراً على حكمه.
وكان في أثناء ذك مريضاً، وأرجف أعداؤه به، ولما أفاق وصل إلى الخليفة هشام، واجتمع به، واعترف له بالاضطلاع بالدولة، فخرست ألسنة الحسدة، وعلم ما في نفوس الناس، لظهور هشام ورؤيته، إذ كان منهم من لم يره قط. فأبرزه، وركب ركبته المشهورة، وقد برزوا له في خلق عظيم لا يحصيهم إلا رازقهم، معاً على الطويلة، سادلاً للذؤابة، والقضيب في يده، على زي الخلافة، وإلى جانبه المنصور راكباً يسايره، وعبد الملك بن المنصور راجلاً يمشي بين يديه، ويسير الجيش أمامه. وخرج المنصور إلى الغزاة، وقد وقع في مرضه الذي مات منه في صفر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، واقتحم أرض جليقية من تلقاء طليطلة إلى أرض قشتلة، بلد شانجه بن غرسية، وهو كان مطلوبه؛ فأحال الغارة على بلاده، وقويت هنالك علته، فاتخذ سرير خشب يحمله السودان على أعناقهم، واشتدت عليه الخلقة، فوصل إلى مدينة سالم، وأيقن بالموت، فقال: إن زمامي يشتمل على عشرين ألف مرتزق، ما أصبح منهم أسوأ حالاً مني فأمر ابنه عبد الملك بالنفوذ إلى قرطبة بعد ما أكثر وصيته، وأمره أن يستخلف أخاه عبد الرحمن على العسكر.
وذكر ابن حيان: أن أباه خلف بن حسين دخل على المنصور حينئذ، وهو كالخيال، وأكثر كلامه بالإشارة. ومات ليلة الاثنين، لثلاث بقين من رمضان سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وأوصى أن يدفن حيث يقبض، فدفن في قصره بمدينة سالم.
واضطرب الموالي على ابنه عبد الرحمن، وقالوا: إنما نحن في حجر آل أبي عامر الدهر كله!.
وكان عليه في قرطبة من الحزن يوم وصول العسكر ما لا شيء فوقه، وكان مما أوصى ولده عبد الملك ألا يلقى بيده إلقاء الأمة فينشب في حبس بني أمية.
قال: فإن انقادت لك الأمور بالحضرة، وإلا فانتبذ بأصحابك وغلمانك إلى بعض الأطراف التي حصنتها لك، وانتظر غدك إن أنكرت يومك، وإياك أن تضع يدك في يد بني مروان فإني أعرف ذنبي لهم.
ومن فرحة الأنفس: دامت دولته ستاً وعشرين سنة، فيها اثنتان وعشرون غزوة. ومن المسهب: أنه استعان أولاً بالمصحفي على الصقالبة، ثم بغالب على المصحفي، ثم بجعفر ممدوح ابن هانئ على غالب، ثم بعبد الرحمن بن هاشم التجيبي على جعفر، وعدا بنفسه على عبد الرحمن وقال للدهر هل من مبارز!.
وعلى قبره مكتوب:
آثاره تنبيك عن أوصافه ... حتى كأنك بالعيان تراه
تالله لا يأتي الزمان بمثله ... أبداً ولا يحمي الثغور سواه
وقيل إنه وصل من قرية كرتش من عمل الجزيرة الخضراء، برسم طلب العلم، وترقى من الكتابة أمام باب القصر إلى أن صار القصر بحكمه.
وأنشد له ابن حيان:
رميت بنفسي هول كل عظيمة ... وخاطرت والحر الكريم يخاطر
وما شدت بيتاً لي ولكن زيادة ... على ما بنى عبد المليك وعامر
رفعنا المعالي بالعوالي بسالة ... وأورثناها في القديم معافر
وله حكايات في الجهاد والغيرة والهيبة كثيرة، رحمة الله عليه.
أبو مروان عبد الملك بن أحمد بن شهيدأبوه أحمد الوزير المذكور في الزهراء. وابنه أحمد المذكور في قرطبة، استوزره المنصور بن أبي عامر، واكتسب معه أموالاً عظيمة.
وذكر صاحب المطمح: أنه حضر يوماً عند المنصور على راحة، فتناهى الطرب بالمنصور وندمائه، إلى أن تصايحوا، وتراقصوا، وبلغ الدور بالكأس إلى ابن شهيد، وكان لا يطيق القيام من نقرس، فأقامه الوزير ابن عباس، فارتجل هذه الأبيات، و جعل يغرد بها:
هاك شيخ قاده ود لكا ... قام في رقصته منهتكا
لم يطق يرقصها مستثبتاً ... فانثنى يرقصها مستمسكا
أنا لو كنت كما تعرفني ... قمت إجلالاً على رأسي لكا
فهقه الإبريق مني ضحكا ... ورأى رعشة رجلي فبكى
ومن كتاب بغية الراد في حلى الرؤساء والقواد
القائد يعلى بن أحمد بن يعلىذكر الحميدي في الجذوة أن يعلى كان شاعراً، وأنشد له، وقد بعث بورد مبكر إلى المنصور بن أبي عامر:
بعثت من جنتي بورد ... غض له منظر بديع
فقال ناس رأوه عندي ... أعجله عامة المريع
قلت: أبو عامر المعلى ... أيامه كلها ربيع
ومن كتاب أردية الشباب في حلى الرؤساء والكتاب
أبو حفص أحمد بن بردمن الذخيرة: أن المظفر بن أبي عامر ولاه ديوان الإنشاء بعد القبض على أبي مروان الجزيري، ثم كتب لملوك الفتنة، ورقاه للوزارة المستظهر وكان واسطة السلك، وقطب رحى الملك. وبنو برد موالي بني شهيد. وتوفي بسرقسطة سنة ثمان عشرة وأربعمائة، وقد نيف على الثمانين.
وعنوان بلاغته في النثر، قوله من رسالة عن المظفر حين قتل صهره عيسى بن سعيد بن القطاع.
أيها الناس، ونقكم الله بعصمته، واستنقذكم برحمته، إن من علم منكم حال الخائن عيسى بن سعيد بالمشاهدة، ورأى مبلغ النعمة عليه بالمحاضرة، فقد اكتفى بما شهد، واجتزأ بما حضر، ومن غاب عنه كنه ذلك، فليعلم أنا أخذناه من الحضيض الأوهد، وأنتشلناه من شظف العيش الأنكد، ورفعنا خسيسته، وأتممنا نقيصته، وخولناه صنوف الأموال، وصيرنا حاله فوق الأحوال، بدأ بذلك المنصور مولاي رحمه الله، فاعتمدته، وأسبغت من نعمي عليه، ما أحوج العامة والخاصة إليه، فلا أقر لنا بحق، ولا قابل إحساننا بصدق، ولا عامل رعيتنا برفق، ولا تناول خدمتنا بحذق، بل أعلن بالمعاصي، واستذل الأعزة، وذوي الهيئات والمروة، وناجزهم وأنس بأضدادهم، ونبذ عهودنا، وخالف سبلنا، وكدر على الناس صفونا، حتى إذا ملكه الأشر، وتناهى به البطر، وعلت به الأمور، وغره بالله الغرور، وحاول شق عصا الأمة، وهد ركن الخلافة، بما احتجن من حرام الأموال، واستمال من طغام الرجال، فحجته نعمنا عليه، وخصمته عوارفنا لديه، وكشف لنا سريرته، حتى صرعه بغيه، وأسلمه غدره، وأخذه الله بما اجترح، وأوبقه بما اكتسب، فأعجلناه عن تدبيره، وصار إلى نار الله وسعيره.
وكان ابن القطاع قد أراد أن يقلب الدولة، ويولى الخلافة هشام بن عبد الجبار بن الناصر المرواني، فقتله المظفر في مجلس شراب.
ومن كتاب الياقوت في حل ذوي البيوت
عبد الرحمن بن محمد بن النظاممن المسهب: أنه كان من نبهاء الدولة العامرية، وأنشد له ملغزاً في مبخرة:
وجاثمة لها ابن مستطار ... يفارق جسمه عند احتراق
ولم أر قبله من ذي نعيم ... يحرق جسمه والروح باق
إذا صاحبته لم يبد شخصاً ... ولا يخفى عليك لدى التلاق
أبو مضر محمد بن الحسين التميمي الطبنيهو أصل بني الطبني: أهل البيت الشهير بقرطبة. من الجذوة: أنه من بني حمان، شاعر مكثر، وأديب مفتن، ومن بيت أدب وشعر وجلالة، كان في أيام المستنصر، وله أولاد نجباء مبرزون في الأدب والفضل. وذكر ابن حيان: أنه كان شاعراً عالماً بأخبار العرب وأنسابهم. شرب يوماً مع المنصور بن أبي عامر فغنت قينة ببيتين من شعره:
صدفت ظبية الرصافة عنا ... وهي أشهى من كل ما يتمنى
هجرتنا فما إليها سبيل ... غير أنا نقول: كانت وكنا
فاستعادها أبو مضر، فأنكر ذلك المنصور، وعلم أن هيبته لم تملأ قلبه، فأومأ إلى بعض خصيانه، فأخرج رأس الجارية في طست، ووضعه بين يدي الطبني، وقال له المنصور: مرها فلتعد، فسقط في يده.
ومن المسهب: أنه وفد على المنصور من طبنة قاعدة الزاب فاستوطن حضرته، وكان مع شعره وعلمه وارتفاع مكانه له خفة روح، وانطباع نادر جذب بهما هواه وأحسن ما أختاره من شعره قوله:
اجتمعنا بعد التفرق دهراً ... فظللنا نقطع العمر سكرا
لا يراني الإله إلا طريحاً ... حيث تلقى الغصون حولي زهرا
قائلاً كلما فتحت جفوني ... من نعاس الخمار: زدني خمرا
أبو بكر عبد الله بن أبي الحسنمن المسهب: من أعيان قرطبة، وممن يحضر مجلس ابن أبي عامر، وبلغ ابن أبي عامر عنه ما أوجب طلبه، فاستخفى مدة، وأحسن ما أنشد له قوله في رثاء صديق له اعتبط:
رجعت على رغم الوفاء إلى الصبر ... كما صبر الظمآن في البلد القفر
وقلت لعيني: ما وفيت وإن جرت ... عليك كما ينهل منسكب القطر
وكيف أوفى قدر ثكلي بعد من ... دفنت به الآمال أجمع في قبر
على حين لم أبصر به ما رجوته ... ولم أر من ذاك الهلال سنا البدر
فواهاً لعمر منك لذ قصيره ... فكان خفيفاً مثل إغفاءة الفجر
أبو عبد الله محمد بن شخيص
من المسهب: أحد من له البيت الرفيع، والنظم البديع، وممن يحضر مجلس المظفر بن أبي عامر. وماشاه يوماً في بستان، فنظر إلى ورد مقابل آس ورغب أن يقول في ذلك، فقال:
أراد الورد بالاس انتقاصاً ... فقال له: نقيصتك الملال
فقال الورد: لست أزور إلا ... على شوق كما زار الخيال
وأنت تديم تثقيلاً طويلاً ... تدوم به كما رست الجبال
فتسأمك العيون لذاك بغضاً ... وترقبني كما رقب الهلال
وذكر الحميدي أنه مات قبل الأربعمائة.
جعفر بن أبي علي القاليمن المسهب: بنى له أبوه بقرطبة مرتبة بقيت محفوظة، ورفع له ذكراً ووطد له كرامة لم تزل ملحوظة، وحمى ما غرسه له أبوه، وثمره بناصع أدبه. قال: ومن فطانته أنه دخل يوماً على المنصور بن أبي عامر، فقال له من أراد ينكت عليه: يا مولانا هذا هو القالي. فقال جعفر: لأعداء الحاجب أذلهم الله بعزته. فاستحسن ذلك المنصور.
ومن أحسن ما أنشد له قوله من شعر:
بين العذيب وبين وادي المنحني ... خلفت قلبي للصبابة والعنا
الموت أحسن من فراقك ساعة ... أتراك تحسب من تفارق في هنا
ودعت منك الغصن يبسم زهره ... والورد عانق آسه والسوسنا
ورحلت منك بعبرة ما تنقضي ... فحسبت جفني للسحائب معدنا
قال: وثار في خاطره أن يرحل إلى موطن أصله، ويجتمع هنالك مفترق شمله، ويحل بين من له به من الأقارب، ولا يثني العنان بعد إلى المغارب، فلما حل بغداد، أكذبت عينه ظنه، وأجدب المراد، وأخفق المراد، فرجع لا يلوي على متعذر، ولا يمر بغير مستكره عنده متكدر، فقال:
حننت إلى بغداد حيث تمكنت ... أصولي فلما أن حللت ببغداد
رأيت دياراً يبعث الهم لحظها ... وقوماً يسومون الغريب بأحقاد
فوليت عنهم عائداً غير عاطف ... وإن كان فيما بينهم نشء أجدادي
وجزت على مصر فغمضت مقلتي ... وقلت بعنف مغرب الشمس يا حادي
وكان أشد ما لقيه ببغداد، أنه حرد يوماً بحضرة جماعة منهم، وأفرط في سوء الخلق، فقال له أحدهم: يا هذا، بئس ما عوضتنا عما نقله أبوك من بلدنا إلى المغرب: حمل عنا علماً وأدباً، وجئتنا بجهل وسوء أدب، فقال: المشي يلزمني إلى مكة حافياً راجلاً إن قعدت لكم في بلد من يومي هذا. وخرج من حينه، فقال له البواب: من أين أتيت يا إنسان؟ فقال بشدة الغيظ: من لعنة الله! فقال: اصبر حتى أستأذن عليك! وكتب بذلك للوزير، فقال الوزير: لا ينكر هذا الخلق على مغربي، فأطلقوه ينصرف إلى موضعه الذي ذكر.
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
أبو الأصبغ
عيسى بن عبد الملك بن قزمانمعدود في علماء الحديث والأدب، وكان المنصور بن أبي عامر قد جعله يؤدب هشاماً المؤيد.
وأنشد له حبيب الأندلس في كتاب فصل الربيع:
لا شيء أحسن منظراً إن زرته ... أو مخبراً من حسن روض ناضر
إن جئته أعطاك أجمل منظر ... أو غبت زارك في النسيم الخاطر
وأنشد له أبو الحجاج البياسي مؤرخ الأندلس:
ومما شجاني هاتف يبعث الأسى ... فهيج من قلبي ومن خفقانه
يكاد القضيب اللدن يعشق قده ... فيذهله بالميس عن طيرانه
وبيت بني قزمان أفي قرطبة بيت جليل منه أعلام ونبهاء، ومنهم أبو بكر بن قزمان الزجال.
الحكيم الأديب أبو عبد الله
محمد بن الحسن المذحجي
المعروف بابن الكتانيمن الجذوة: له مشاركة قوية في علم الأدب والشعر وله تقدم في علوم الطب والمنطق، وكلام في الحكم، و رسائل في ذلك كله وكتب معروفة.
وعاش بعد الأربعمائة مدة.
ومن شعره قوله:
نأيت عنكم بلا صبر ولا جلد ... وصحت وا كبدي حتى مضت كبدي
أضحى الفراق رفيقاً لي يواصلني ... بالبعد والشجو والأحزان والكمد
وبالوجوه التي تبدو فأنشدها ... وقد وضعت على قلبي يدى بيدي
إذا رأيت وجوه الطير قلت لها: ... لا بارك الله في الغربان والصرد
أبو الأصبغ عيسى بن الحسن
من المسهب من شعراء الدولة العامرية، من شعره قوله في عيسى بن سعيد ابن القطاع:
أنت عيسى بن سعيد ... لست روح الله عيسى
كلم الناس فقد كل ... م رب الناس موسى
وكان ممن باطن عبد الله بن المنصور بن أبي عامر، فلما ضرب أبوه عنقه سجن أبا الأصبغ. وفي طول سجنه يقول:
ليت شعري كيف البلادو كيف ال ... إنس والوحش والسما والماء
طال عهدي عن كل ذاك، وليلي ... ونهاري في مقلتي سواء
ليس حظي من البسيطة إلا ... قدر قبر صبيحة أو مساء
وإذا ما جنحت فيه لأنس ... أوحشتني بأنسها الأغبياء
؟
الحلة
من كتاب تلقيح الآراء في حلى الحجاب والوزراء
المظفر عبد الملك بن المنصور
بن أبي عامرذكر ابن حيان ضبطه للدولة بعد موت أبيه، ونفيه من خاف فتنه من الغلمان إلى سبتة، وأحبه الناس، وانصب التأييد والإقبال عليه انصباباً لم يسمع بمثله، وسكن الناس منه إلى عفاف ونزاهة، فأخذوا في المكاسب والزينة، وبلغت الأندلس في أيامه إلى نهاية الجمال والكمال.
وكان أحمد بن فارس المنجم قد قال: لم يولد بالأندلس قط أسعد من المظفر على نفسه وعلى أبيه وحاشيته، نعم! وعلى أهل الأندلس طراً، وأنها لا تزال بخير حياته، فإذا هلك لم تفلح، فكان كذلك. وكانت نفائس الأعلاق والآلات الملوكية قد ارتفعت في وقته ارتفاعاً عظيماً، وبلغت الأندلس في مدته إلى نهاية الهدو والرفاهية، وجرى على سنن أبيه من غزوة النصارى، وضبط الدولة، ورام صهره عيسى بن سعيد المعروف بابن القطاع أن يأخذ الدولة، فغطن به، وعاجله وقتله في مجلس المنادمة.
إلا أنه لم يكن فيه للأدب ما كان له من أبيه، فقد وصفه ابن حيان بأنه كان مائلاً لمجالسة العجم الجفاة من البرابر والإفرنج، منهمكاً في الفروسية وآلاتها، إلا أن أصحاب أبيه لم يخل بهم ولا جفاهم، بل أبقاهم على رسمهم.
أخوه الناصر
عبد الرحمن بن المنصوركان هذا الرجل بضد أخيه، إذ قام نحساً على نفسه وعلى أهل الأندلس، فمنه انفتح باب الفتنة العظمة وفسد الناموس.
لما مات أخوه استولى على حجابة هشام المؤيد، فأخذ في الانهماك شرباً وزندقة وحكى عنه من الطعن في الدين قولاً وفعلاً حكايات شنيعة، ومع هذا فإنه طلب من هشام أن يوليه العهد بعده، ففعل، ولقبه بالمأمون، ورأى بنو مروان أن الخلافة خارجة عنهم، فثار عليه المهدي بن عبد الجبار. وكان الناصر غائباً في طليطلة، فرجع إلى قرطبة ليصلح ما فسد، فتلقاه عسكر حزوا رأسه. وقد أفرده أصحابه لسوء تدبيره، وانقرضت الدولة العامرية.
ومن كتاب الأحكام في حلى الحكام
أبو بكر محمد بن إسحاق بن السليمأطنب ابن بشكوال في تعظيمه علماً وعبادة، وذكر أنه رحل وحج. وكان يتصيد الحيتان بنهر قرطبة، ويقتات من ثمنها. ولاه قضاء الجماعة المستنصر، بعد وفاة منذر، ولم يطرق له بعيب إلا من جهة التطويل في أحكامه. ثم ولاه الصلاة والخطبة. وتوفي يوم الثلاثاء عقيب جمادى الأولى سنة سبع وستين وثلاثمائة.
أبو بكر محمد بن يبقى بن زربمن الجذوة: قاضي الجماعة بقرطبة. سمع من أبي محمد قاسم بن أصبغ البياني وغيره، وكان فقيهاً فاضلاً نبيلاً جليلاً، وله كتاب في الفقه سماه الخصال. كان في أوائل الدولة العامرية. وفي كتاب القضاة ذكره. وروى عنه القاضي أبو الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث بن الصفار وأبو بكر عبد الرحمن بن أحمد بن حوبال وغيرهما.
أبو عبد الله محمد بن يحيى بن زكريا
المعروف بابن برطالقال ابن حيان في كتاب القضاة: إنه خال المنصور بن أبي عمر، وكان من بيت غنى وثروة، وشهر صلاحه، إلا أنه لم يكن من العلماء.
ودام إلى أن ظهر اختلاله بكبر السن، وغلبه ولده أحمد عن أمره، ولم يك بالمرضي عند الناس فتخوف ابن أبي عامر عند ذلك، فعزله عن القضاء، ناقلاً إلى خطة الوزارة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة.
أبو العباس أحمد بن محمد بن ذكوان
من كتاب ابن حيان: أن ابن أبي عامر قلده القضاء بعد خاله، قال: والناس ينسبون بني ذكوان إلى برابر فحص البلوط. وهم يزعمون أنهم من بني سليم من موالي بني أمية. واتصلت ولايته إلى قيام الفتنة، وسعى عليه ابن القطاع فعزل، ثم رد إليها، واعتلت منزلته في مدة المظفر بن أبي عامر وأخيه الناصر، وقلده الناصر الوزارة، وكان يكتب عنه من الوزير قاضي القضاة، وهو أول من كتب عنه بذلك من قضاة الأندلس. فلا كان قضاء القضاة من خطط الدولة المروانية، لأنهم لم يفوضوا أمر القضاة إلى قاض في وقت من الأوقات. ومال إلى البرابر في الفتنة، فقبض عليه واضح مولى أبي عامر مدبر دولة هشام أسوأ قبض، ونفي إلى بر العدوة في وقت تنكر البحر، فسلمه الله إلى وهران إلى أن قتل واضح. فاسترجع إلى قرطبة، ولم يقبل خطة القضاة بوجه. وكان السلطان لا يقطع أمراً دونه، وصحبته الرياسة بقية مدته إلى أن مات على تلك الحال، فدفن صلاة العصر من يوم الأحد لتسع بقين من رجب سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، بمقبرة العباس مع سلفه، ولم يتخلف عنه كبير أحد من الخاصة والعامة، وشهد الخليفة يحيى بن علي ابن حمود جنازته.
أبو المطرف
عبد الرحمن بن محمد بن فطيسمن كتاب ابن حيان أنه ولي القضاء بين مدتي أبي العباس بن ذكوان. وهو أحد الأعاظم من وزراء السلطان في أحد البيوت المولوية التي انتهى إليها الشرف. وممن جمعه إلى ذلك الارتسام بالعلم والرواية الواسعة، والتقدم بالعمل في الحكومة بالمظالم والشرطة. وكان مشهوراً بالصلابة في الحق، وإعزاز الحكومة، إلا أنه كان يخلط صرامته ببطش وعجلة وحدة لا تليق بالأحكام. وكان الغالب عليه الرواية والبصر بطريق الحديث. وصاهره ابن القطاع صاحب الدولة العامرية، وكانت وفاته صدر الفتنة، فدفن يوم الثلاثاء للنصف من ذي القعدة سنة اثنتين وأربعمائة.
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
أبو عمر أحمد بن سعيد بن إبراهيم الهمداني
المعروف بابن الهنديذكره ابن بشكوال في كتاب الأعلام، وأخبر أنه روى عن أبي علي صاحب الأمالي، وعن قاسم بن أصبغ، وكان حافظاً لأخبار أهل الأندلس، بصيراً بعقد الوثائق، وله فيها ديوان كبير كثير المنفعة.
ولا عن زوجه بالجامع في قرطبة في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، فعوتب في ذلك، وقيل له: مثلك يفعل هذا؟! فقال: أردت إحياء سنة.
قال ابن بشكوال: وكانت وفاته في شهر رمضان سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وصلى عليه القاضي أحمد بن ذكوان. ومولده لعشر بقين من محرم سنة عشرين وثلثمائة.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمدأما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع من الكتب التي تشتمل عليها
الكورة القرطبية وهو
كتاب الوردة في حلى مدينة شقندةكانت في قديم الزمان مدينة، ثم خربت وصارت قرية، وهي مطلة عليها مجاورة لها. منها:
أبو الوليد الشقنديوحسبه من التنبيه على محله في الأدب رسالته التي تقدمت في صدر كتاب الأندلس، وكان شاهداً عدلاً يتولى القضاء في مثل بياسة وأبدة، وتفنن في العلوم القديمة والحديثة وارتقى إلى أن كان ممن يحضر مجلس منصور بني عبد المؤمن، وكان والدي يقدمه، وأبصرته في إشبيلية في مدة ابن هود، وبها توفي بعد سنة سبع وعشرين وستمائة.
له في مطلع قصيدة في منصور بني عبد المؤمن وقد نهض للنصارى عام الأرك:
إذا نهضت فإن السعد منتهض ... ترمي السعود سهاماً والعدا غرض
لك البسيطة تطويها وتنشرها ... فليس في كل ما قد رمت معترض
وأنشد الوزير ابن جامع قصيدة فيها:
استوقف الركب قد لاحت لك الدار ... واسأل بربع تناءت عنه أقمار
لا خفف الله عني بعد بينهم ... فإنني سرت الأحباب ما ساروا
ألا رعى الله ظبياً في قبابهم ... منه لهم في ظلام الليل أنوار
غدا أنيساً بهم لا شيء يذعره ... لكنه عن جنابي الدهر نفار
فقال له الوزير: يا أبا الوليد! هذا الظبي نفارك، فمن تواقك؟ فخلج. وله:
عللاني بذكر من همت فيه ... وعداني عنه بما أرتجيه
وإذا ما طربتما لارتياحي ... فاجعلا خمرتي مدامة فيه
ليت شعري وكم أطيل الأماني ... أي يوم في خلوة ألتقيه
وإذا ما ظفرت يوماً بشكوى ... قال لي: أين كل ما تدعيه
لا دموع ولا سقام فماذا ... شاهد عنك بالذي تخفيه
قلت: دعني أمت بدائي فإني ... لو براني الغرام لا أبديه
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمدأما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الخامسمن الكتب التي يشتمل عليها.
كتاب الكورة القرطبية وهو
كتاب الجرعة السيغة في حلى قرية وزغة من قرى قرطبة. ينسب إليها:
أبو جعفر
أحمد بن يحيى الحميري الوزغيخطيب جامع قرطبة، المصدر به في المائة السابعة لإقراء النحو وفنون الأدب، المشهور بالظرف واللطافة. كان يعشق غلاماً اسمه عيسى فقرأ عليه غلام اسمه محمد، فمال إليه وقال:
تبدلت من عيسى بحب محمد ... هديت ولولا الله ما كنت أهتدي
وما عن ملال كان ذاك وإنما ... شريعة عيسى عطلت بمحمد
ابن أخيه
الحافظ أبو زكرياكان له نوادر مضحكات مع كونه كان حافظاً لأكثر السيرة وكثير من كتب اللغة، وتقرب إلى سلطان إفريقية ابن عبد الواحد بما حكى له عنه من الغفلة والبله إلى أن صار يحضه، وكان على رأسه طاقية وسخة فأعطاه عمامة كبيرة، فكان يعمم قدر ثلثها، ويجعل الثلثين في كمه، ويقال له: إذا كبرت عليك اقطعها، فيقول: إنعام السلطان لا أجسر على قطعه.
ورأيته يوماً في عسكر السلطان وهو راكب بغلة، وقد انحدرت به، وجاء جمل من فوق، فقال مخاطباً للجمل: بفضلك ألا اصبر حتى أمضي عنك. وكان يخاطب السلطان من الألفاظ. العامية المحشوة بسوء الأدب بما يضحك، وقد مات بالفسطاط.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمدأما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصبحه، فهذا:
الكتاب الثاني من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة القرطبية وهو
كتاب الدرة المصونة في حلى كورة بلكونةالحالي منها قعدتها مدينة بلكونة، وهي آهلة مشهورة الاسم في عصرنا، معروفة بالفرسان. فيها ثلاث تراجم.
سعيد بن هشام بن دحونأخبر الحجاري: أنه من ولد دحون المرواني المتقدم الذكر في تراجم بني أمية. وبنو دحون أعيان بلكونة إلى الآن، وقال: إنه لما دخل إلى بلكونة سأل فيها عمن يتسم بالأدب وقول الشعر، فدل على سيعد بن هشام، فوجده في قرية من قراها في زي الفلاحين، فتأنس به، واستنشده من شعره فأنشده قوله:
استعار الروض ممن ... همت فيه ورد خده
ورآه ذا احتياج ... فحباه غصن قده
ثم أوفى نرجس الأل ... حاظ مع رمان نهده
فمن الإنصاف مهما ... سمى الروض بعبده
فلهذا يزدهى الرو ... ض علينا فوق حده
وقوله في أبي عبد الله بن حمدين قاضي قرطبة:
إلى أي وقت أرتجيك وإنما ... يرجى الفتى أيان يسعده السعد
وهذا أوان لحت فيه محكماً ... يطيعك أهل العلم والمال والجند
فمن لي بوعد إن تأخر حاضر ... فقد ينعش النفس المؤملة الوعد
؟القائد أبو الحسن علي بن وداعة السلمي البلكوني ذكر الحجاري: أنه كان من أعيانها ووليها لبني عامر، وكان في المائة الخامسة، وكان فارساً شجاعاً أديباً شاعراً وخاض في فتنة ابن عبد الجبار، فقتل فيها، و من شعره قوله:
قفوا ساعة حتى أوفي بالعهد ... وأبدي إليكم من جوى بعض ما عندي
أمر على الأطلال لم تجر أدمعي ... ولا مهجتي ذابت عليها من الوجد
وأين وفاء كنت أعني بأمره ... لقد غيرت مني الحوادث بالبعد
وما حلت، لكني جليد على النوى ... أموت وما أخفيه ليس له مبدي
على أن لي في جانب الشوق رقة ... كما أرهفت بعد الصدا ظبة الهند
أيا دعد كم أبكي عليك تشوقاً ... كأني قد أخرجت من جنة الخلد
ذكرتك والأعداء من كل جانب ... وقد جلت ما بين المطهمة الجرد
على ساعة لا يذكر المرء قلبه ... يقد بها الهندي قداً إلى قد
لئن عادت الأيام بيني وبينكم ... لأشكو لكم ما أثر الدمع في خدي
وما أحرقت من مهجتي جمرة النوى ... ويا ليت شعري هل أرى ذلكم يجدي
وبينه وبين صاعد مخاطبة وهو مذكور في الجذوة
سعيد بن جهير البلكوني الشاعرذكر الحجاري: أنه كان في المائة الخامسة، خبيث الهجو سيئ الخلق، وله هجو في عبيد الله بن المهدي، ولما أكثر من هجو أعيان قرطبة نفوه منها فانتهى إلى مصر، فاضطر إلى جواز النيل، وهو في معظم تياره، فطلب منه صاحب مركب الجواز أجرة التعدية، فلم يحتملها لسوء خلقه وبخله، فأخذ ثيابه وجعلها على رأسه، وسبح قاطعاً للنيل، فكان آخر العهد به، ولم يحفظ الدحوني من شعره إلا قوله:
تثقل بالزيارة كل يوم ... وتزعم أن شخصك لا يمل
وبيتين في عبيد الله بن المهدي وقد تقدما في ترجمته.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمدأما بعد حمداً لله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة القرطبية وهو
كتاب محادثة السير في حلى كورة القصيرالحال منها حصن القصير في شرقي قرطبة على النهر.
ذكر والدي: أنه حضر لديه مع أبي الحسين الوقشي في روضة مدبجة على النهر، فصنع أبو الحسين.
شربنا على وادي القصير عشية ... وقد ركضت فيه الجياد النواسم
على نرجس مثل الدناينر بددت ... على بسط خز والبهار دراهم
وقد ضحكت للأقحوان مباسم ... تقبلها من حسنهن المباسم
ورق رجاء للأصيل مدبج ... فأنق فيه من يد الشمس راقم
ومالت عليه للغمام ذوائب ... فخيل لي أن الغمام عمائم
هنالك لو أبصرتني لوجدتني ... وقد حسدتني في الهديل الحمائم
وقد ملأت عيناى قلبي مسرة ... وغاب نصيح عن جنابي ولائم
ولما انقضى ذاك النعيم شككت في ... تمكنه حتى كأني حالم
عبد الغافر بن رجلون المروانيأخبرني والدي: أن مولده بحصن القصير، وأنه من ولد سليمان بن عبد الملك اجتمع به في غزوة المنصور بطليطلة، وأخبر: أنه كان أسوأ الناس خلقاً، ينفرون من عشرته لذلك، وشعره ضعيف ، أحسنه قوله:
هذا هو الغصن النضير ... هذا هو الظبي الغرير
هذا هو الليل البهي؟ ... م بدا على القمر المنير
قوموا انظروه فإنه ... ما إن له أبداً نظير
ووقع له في زجل ما هو مستحسن:
أوقد في قلبي النار ... ولس يريد يطفيه
وسد باب الدار ... أي خذل فيه وأي تيه
يا أحسن الغزلان ... يا كوكب دري
لك تسجد الأغصان ... ويمدح القمرى
؟ويخجل النعمان ... وأنت لا تدري
والعقل فك قد حار ... والوصف والتشبيه
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمدأما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة القرطبية وهو
كتاب الوشي المصور في حلى كورة المدور
الحال منها حصن المدور، المعقل العظيم المشهور في الأندلس، وقد ذكر ابن غالب: أنه كان للروم به اعتناء في القديم وعليه اعتماد، وأخبر: أن ملك القسطنطينية توجه إلهي أحد أرسال بني أمية ولم يسأله عن شيء سؤاله عن طليطلة والمدور. وفي أهله شجاعة وجفاء للغريب على كل حالة. وما التجأ إليهم مقهور مسلوب من دولة إلا خذلوه وصاروا عليه. وذكر الحضرمي: أنه اجتاز بها مرة فبينا هو قاعد أمام الدار التي نزل بها ينظر إلى منازع بداتها المطبوعين على الجفاء والبداوة إذ مر به بدوي غريب فسأله عن طريق الجامع، قال: فقلت له: ما أعرف فإني غريب، فابتدر لي بدوي من جهالها برمحه في يده، وسدده إلى نحري وقال لي: ولد ملعونة زنديق! لك في البلد أكثر من خمسة أيام، ولم تسأل عن جامعنا، ولم تصل فيه، واجتمع على كثير من أجناسه، وقلت: هذا آخر يومي من الدنيا فما خلصني منهم إلا شيخ من شيوخهم، فيه بعض تهذيب بدخول البلاد.
ومن المدور
أبو بكر محمد الأعمى المخزوميمن المسهب: بشار الأندلس انطباعاً ولسناً وأذاة، وهو الذي أحيا سيرة الحطيئة بالأندلس فمقت، وكان لا يسلم من هجوه أحد، ولا يزال يخبط الآفاق بعصاه، ويقع فيمن أطاعه أو عصاه. وأصله من المدور، وقرأ بقرطبة ثم جال على البلدان، وأكثر الإقامة في غرناطة، وتعرض لشاعرتها نزهون، وهجاها بقوله:
ألا قل لنزهونة ما لها ... تجر من التيه أذيالها
ولو أبصرت فيشة شمرت ... كما عودتني سربالها
فقالت فيه:
قل للوضيع مقالاً ... يتلى إلى حين يحشر
من المدور أنشئ ... ت والخرا منه أعطر
حيث البداوة أمست ... في جهلها تتبختر
لذاك أمسيت تهوي ... حلول كل مدور
خلقت أعمى ولكن ... تهيم في كل أعور
جاوبت هجواً بهجو ... فقل لعنت من اشعر
إن كنت في الخلق أنثى ... فإن شعري مذكر
قال: وأنت إذا سمعت قوله من شعر يهجو به أحد من صبه الله عليه وعلى قومه:
ألا فاعلموا أني لكم غير صابر ... على لومكم أخرى الليالي الغوابر
فعرجوا بني اللخناء نحو هجائكم ... إلى لعنة تزري بمن في المقابر
فأنتم سننتم كل محدث سبة ... ولم تتركوا فيها لحاقاً لآخر
رأيتكم لا تتقون مذمة ... ولا عندكم من هزة نحو شاكر
وأهون ما أهدى الزمان إليكم ... فلا عشتم للوم طلعة شاعر
فأين الألى كانوا إذا جاء ناظم ... تلقته منهم بالندى كف ناثر
سلام عليهم كلما ارتحت نحوهم ... فلا أثر من بعدهم للمآثر
أعيركم جهدي بكل قبيحة ... وما لكم نم يقظة بالمعاير
ركنتم إلى الأعذار في كل حاجة ... فهل نفعت نبلي حصون المعاذر
وقوله:
ألا لا تركنن إلى فلان ... فتسرى منه في ليل السليم
لئيم ليس ينفع فيه لؤم ... يروم وراثة العرق اللئيم
إذا جربته يوماً تراه ... مضاع الجار ممطول الغريم
وإن كشفته لاقيت منه ... مصون المال مبذول الحريم
وقوله:
وأحدب ليس له همة ... ولا لذة في سوى فيشة
يقول أنا القوس في شكله ... فلا تنكروا السهم في بدرتي
فضولكم أبداً زائد ... أفقحتكم تلك أم فقحتي
وقوله في ابن له:
؟الحق أبلج ليس أنت وحق من ... أحيا بك الأجلاف ممن يفلح
لا تهتدي بفضليه لا ترعوى ... بملامة لا أنت ممن يصلح
يزداد عقلك ما كبرت تنقصاً ... وتلج في صمم إذا ما تنصح
أكل وسلح كل حين لا ترى ... لسواهما ما دمت حياً تطمح
أسخنت عين المجد يا ابن عميرة ... ولقد تقر عيونه لو تذبح
وقوله:
قطيم يغلق أبوابه ... ويفرح بالبيت مهما خلا
يفرج أولاده عامداً ... ويبعدهم أبداً منزلا
ويرجع للبيت من حينه ... لوغد أخي فيشة مبتلى
يعذبه يومه منشداً ... علوت فلا تزهدن في العلا
تعلم من لطفه صنعة ... تصير مخرجه مدخلا
علمت قدر شعره، وما صبه الله منه على أهل عصره.
قال والدي: هجاءو الأندلس: المخزومي، واليكى، والأبيض.
وأنشد علي بن أضحى قاضي غرناطة قصيدة منها:
عجباً للزمان يطلب ثاري ... وملاذي منه علي بن أضحى
الأبي الذي يمد من البأ ... س إباه إلى السماكين رمحا
جاره قد سما على النطح عزاً ... ليس يخشى من طالب الثأر نطحا
فكأني علوت قرن فلان ... أي تيس مطول القرن ألحى
فقال له: يا أبا بكر هلا اقتصرت على ما أنت بسبيله فكم تقع في الناس؟ فقال: أنا أعمى وهم لا يبرحون حفراً، فقال: والله لا كنت لك حفرة أبداً. وجعل يوالي عليه يده.
وأخبرني والدي: أن جده عبد الملك بن سعيد كان كثير الإحسان له مستحفظاً من لسانه، وبعد ذلك فما سلم من أذاته. ومن خبره معه: أنه قصده مرة وهو بقلعته، فأنزله وتلقها ببر قولاً وفعلاً، ثم إنه قال لغلام له: اسأل في الموضع الذي نزل فيه المخزومي متى يرحل؟ وكان غرضه أن يرسل له زاداً، وينظر ما يركب عليه، فأساء الغلام التناول، وضرب عليه بابه، فخرج له الأعمى، فقال: يقول لك القائد: متى ترحل؟ فقال: ارفق أكتب لك الجواب، فكتب له أبياتاً منها:
لا ترجون بني سعيد للندى ... فالظل أفيد منهم للسائل
فلقد مررت على منازلهم فما ... أبصرت منها غير بعد منازل
قوم مصيبتهم بطلعة وافد ... وسرورهم أبدأً بخيبة راحل
وفيهم يقول وقد أسكنوه جوارهم:
أبنى سعيد قد شقيت بقربكم ... فلتتنركوني حيث شئت أسير
أفنى المدائح فيكم لا وعدكم ... يقضي، وقلبي في المطال أسير
أعطيتم نزراً على طول المدى ... ويقول وغد: إنه لكثير
ولشد ما عرضتموني للعنا ... فرس عتيق عاشرته حمير
فإذا صهلت غدا النهاق مجاوبي ... يا رب أنت على الخلاص قدير
قال: ووجدت بخط والدي محمد: ومن نسيب المخزومي، على قلته، قوله:
رب حسناء كالغزالة جيداً ... والتفاتاً تزري بحور الخلود
كلمتني فطار قلبي إليها ... وترجيت للظماء ورودي
فتجافت عن منظري ثم قالت ... أترى الحور واصلات القرود
لم ألمها على الصدود لأني ... كنت أهلاً من مثلها للصدود
قال: ولم يخل في هذا من الهجاء، ولكن لنفسه!! وأنشد له ابن غالب:
زنجيكم بالفسوق داري ... يدلي من الحرص كالحمار
يخلو بنجل الوزير سراً ... فيولج الليل في النهار
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمدأما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الخامس من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة القرطبية وهو
كتاب نيل المراد في حلى كورة مرادفي غربي قرطبة. الحالي منها حصن مراد، سكنه قبيلة مراد فنسب إليها. منه:
عبد الملك بن سعيد المرادي الخازنأنشد له الحميدي في الجذوة في وصف ناعورة:
ناهيك ناعورة تعالت ... على ضفافي مع اقتداري
يحملها الماء بانقياد ... وتحمل الماء باقتسار
تذكر طوراً حنين ناي ... وتارة من زئير ضاري
تسقى بساتين حاويات ... غرائب الروض والثمار
طلوع عبد العزيز فيها ... كالشمس في جنة القرار
وله في بعض من زاره، فحجبه:
ما حمدناك إذ وقفنا ببابك ... للذي كان من طويل حجابك
قد ذممنا الزمان فيك وقلنا ... أبعد الله كل دهر أتى بك
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمدأما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول من كتابي الكورة القبرية وهو
كتاب الدرة
في حلى مدينة قبرة
مدينة نابهة، هي قصبة الكورة، فيها ترجمة، وهي:
عبد الواحد بن محمد بن موهب
التجيبي القبريفقيه محدث، عاصر أبا عمر بن عبد البر، وهو ممن ذكره ابن بشكوال: في كتاب الصلة، وأنشد له قوله:
يا روضتي ورياض الناس مجدبة ... وكوكبي وظلام الليل قد ركدا
إن كان صرف زماني عنك أبعدني ... فإن شوقي وحزني عن ما بعدا
كتاب الذهبية الأصيلية في حلى المملكة الإشبيلية
كتاب الذهبية الأصيلية في حلى المملكة الإشبيليةينقسم هذا الكتاب إلى اثني عشر كتاباً، هي: 1 - كتاب الحلة الذهبية في الكورة الإشبيلية؟ 2 - كتاب الحركات المجونية في حلى الكورة القرمونية 3 - كتاب الدرة المخزونة في حلى كورة شذونة 4 - كتاب فجأة السرور في حلى كورة مورور 5 - كتاب نفحة الورد في حلى قلعة ورد 6 - كتاب شفاء التعطش في حلى كورة أركش 7 - كتاب الدروع المسنونة في حلى كورة أشونة 8 - كتاب بغية الظريف في حلى جزيرة طريف 9 - كتاب الحلة الحمراء في حلى الجزيرة الخضراء 10 - كتاب الزبدة في حلى كورة رندة 11 - كتاب نيل القبلة في حلى كورة لبة 12 - كتاب الحلة المعجبة في حلى كورة أونبة
كتاب الحلة الذهبية في الكورة الإشبيليةينقسم هذا الكتاب إلى تسعة كتب، هي: 1 - كتاب النفحات الذكية في حلى حضرة إشبيلية 2 - كتاب النسرينه في حلى قرية مقرينه 3 - كتاب روق العريش في حلى قرية منيش 4 - كتاب وشي المحابر في حلى قلعة جابر 5 - كتاب العذار المطل في حلى جزيرة قبطل 6 - كتاب الحانة في مدينة طريانة 7 - كتاب الحبابة في حلى قرية الغابة 8 - كتاب وشي المصر في حلى حصن القصر 9 - كتاب النورة في حلى حصن لورة
مملكة اشبيلية
كتاب النفحات الذكية في حلى حضرة إشبيليةالمنصة... التاج... السلك: من كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت...
أبو حفص عمر بن الحسن الهوزنيمن الذخيرة: أفضى أمر إشبيلية إلى عباد، وأبو حفص يومئذ ذات نفسها، وآية شمسها، وناجذها الذي عنه تبتسم، وواحدها الذي بيده ينقض ويبرم، وكان بينه وبين عباد قبل إفضاء الأمر إليه، ومدار الرياسة عليه، ائتلاف الفرقدين وتناصر اليدين، واتصال الأذن بالعين. ولما ثبتت قدم المعتضد بالرياسة، ودفع إلى الدبير والسياسة، أوجس منه ذعراً، وضاق بمكانه من الحضرة صدراً.. وكان ألمعياً، وذكياً لوذعياً، لو أخطأ الحازم أجله، ونفعت المحتال حيله، فاستأذن المعتضد في الرحلة، سنة أربعين وأربعمائة، فصادف غيرته وكفى إلى حين معرته.. وتهادى عجائب ذكره الشام والعراق، ثم رحل إلى مصر، و له هنالك صوت بعيد، ومقام محمود، ووصل إلى مكة، وروى في طريقه كتاب الترمذي في الحديث، وعنه أخذه أهل المغرب، ثم رجع إلى الأندلس واستأذن المعتضد في سكنى مرسية، رأياً رآه، وبلداً اختاره وتوخاه.. فلما غلب الروم على مدينة بربشتر سنة ست وخمسين... خطب المعتضد برسالة يحضه فيها على الجهاد، فراجعه برسالة... يشير ليه فيها بالرجوع إلى بلده، لا بل استدرجه إلى ملحده.. فاستقر بإشبيلية سنة ثمان وخمسين، ولقيه المعتضد بأعلى المحل، وفوض إليه من الكثر والقل، وعول عليه في العقد والحل، فلما كان يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت لربيع الأول سنة ستين أحضره القصر... وباشر قتله بيده، فلم ينل عباد بعده سولا، ولا متع بدنياه إلا قليلاً ومن شعره في رسالة كان خاطب بها المعتضد من مرسية:
أعباد جل الرزء والقوم هجع ... على حالة ما مثلها يتوقع
فلق كتابي من فراغك ساعة ... وإن طال فالموصوف للطول موضع
إلا لم أبث الداء رب نجاحه ... أضعت، وأهل للملام المضيع
وفي الرسالة: فالثمرة من ساقها، والجياد على أعراقها
أبو الحسن علي بن أبي حفص
عمر بن أبي القاسم
ابن أبي حفص الهوزنيجد أبيه و أبو حفص المذكور، وأبوه أبو القاسم هو الذي سعى في فساد دولة بني عباد عند أمير الملثمين ثأراً بأبيه حتى نال غرضه. وأخبرني والدي: أنه اجتمع به، وكان يكتب عن منصور بني عبد المؤمن، وأنشد له:
من لي بفاتكة اللحاظ إذا رنت ... فكأنما سيف براني قاضب
هي صيرت جسمي رقة خصرها ... وجفت ومالي من رضاها جانب
وإذا شكوت تقول لي ما تستحي ... تشكو الغليل وماء عينك ساكب
أبو القاسم محمد بن عبد الغفورذكر صاحب الذخيرة: أنه توفي في عنفوان شبابه، فقال فيه المعتمد بن عباد:
أبا قاسم قد كنت دنياً صحبتها ... قليلاً كذا الدنيا قليل متاعها
وأحسن ما أنشد له قوله:
لا تنكروا أننا في مهمه أبداً ... نحث في نفنف طوراً وفي هدف
فدهرنا سدف ونحن أنجمه ... وليس ينكر مجرى النجم في السدف
لو أسفر الدهر لي أقصرت عن سفري ... وملت عن كلفي بهذه الكلف
ابنه
أبو محمد عبد الغفورذكر ابن بسام: أنه نشأ بين يدي أبيه في دولة المعتمد. وذكره الحجاري فقال: قطع الله لسان الفتح صاحب القلائد، فإنه شرع في ذمه بما ليس هو من أهله، والله ما أبصرت عيني شخصاً أحق بفضله منه، وأنشد ل في مطلع قصيدة:
هو السعد حتى يعبد الحجر الصلد ... وتترك شمس الأفق والقمر الفرد
وذكر صاحب الخريدة: أنه كان بمراكش كاتباً سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة. وقال في وصفه صاحب القلائد: قد كنت نويت ألا أجري له ذكراً، و لا أعمل فيه فكراً، لتهوره، وكثرة تقعره. وقال إنه من شدة حقده يتنكد بالأفراح، ويحسد حتى على الماء القراح. وأنشد له جملة أبيات في يحيى بن سير كلها ساقطة عن طبقة المختار، وأشبه ما أنشد له قوله في معارضة قول المتنبي ومداخلته:
سر حيث شئت تحله النوار ... وأراد فيك مرادك المقدار
وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة ... وغمامة بل ديمة مدرار
تنفي الهجير بظلها وتنيم بال ... رش القتام وكيف شئت تدار
؟وقضى الإله بأن تعود مظفراً ... وقضت بسيفك نحبها الكفار
ابنه
أبو القاسم محمدأثنى عليه صاحب السمط، وذكر: أنه اعتبط. شاباً، وأورد له رسالة طويلة سماها بالساجعة والغربيب يقول فيها: ومن القصائد مصائد تهيض أجنحة الوفر، ومن الرسائل حبائل تعلق شوارد البيض والصفر.
ومنها: إلى أن احتل بقعة استقاها من قليب النصرانية، بأرشية الردينية، واستخرجها من لهوات الكفر، بأيدي المهندة البتر.
أبو الحكم
عمرو بن مذحج بن حزم الإشبيليذكر ابن بسام: أن أبا الحسن البطليوسي فيه يقول، وقد غلب بحسنه على لبه:
رأى صاحبى عمراً فكلف وصفه ... وحملني من ذاك ما ليس في الطوق
فقلت له: عمرو كعمرو، فقال لي ... صدقت ولكن ذاك شب عن الطوق
وممن تغزل فيه: ابن عبدون، قال ابن بسام: فلما هم ليله بنهاره ودب على سيف وجنته فرند عذاره، راع المجد بحزم وكرم، وسره بسيف وقلم، فبارى نجوم الليل، وتقلب في صهوات الخيل، وعلى ذلك فلم ينسى مكارم الأخلاق، ولا خلا من قلوب العشاق، وأثنى على سلفه، وأنشد له في شعر يراجع به ابن عبدون:
لئن حازت الدنيا بك الفضل آخراً ... ففي أخريات الليل ينبلج الفجر
وقوله:
ولا غرو إن طافت برجلك وثأة ... لها المجد خفاق الجناحين واجم
فقد ترجف الأفلاك في دورانها ... وتنقض أعلام النجوم العوائم
وقوله في أبي العلاء بن زهر:
يا جالياً وجه السعادة واضحاً ... ومقلباً طرف النباهة طامحا
صير مجنك صفحتي قمر الدجى ... وسنان رايتك السماك الرامحا
وبينه وبين ابن بسام مشاعرة.
أخوه
أبو بكر محمد بن مذحجذكر الحجاري: أن أخاه أبا الحكم أظهر وأكبر وأشعر، وأنشد له:
ألسنا من القوم الذين سموا بنا ... إلى حيث لا تسمو النجوم ولا تسري
فكم جعلوا عبساً يطول عبوسها ... وكم صبحوا بكراً براغية البكر
ابن عمهما
الوليد محمد بن يحيى بن حزم المذحجيجعله ابن بسام أحلى الناس شعراً، لا سيما إذا عتب. ومن أحسن ما أنشده من شعره قوله:
وخيل الظلام أمام الصبا ... ح والركض قد ضم أجوافها
وقد فضض الفجر أذيالها ... وزاد فذهب أعرافها
وقوله:
أساكن قلبي والجوار حفيظة ... لعلك تصغي تارة فأقول
أعيذك من أقوال قوم مريبة ... فكم قمر غطى عليه أفول
وكم أملوا لا بلغوا فيك خطة ... وحاشاك منها، والحديث يطول
ومستكشف لم يدر ما بين أضلعي ... تعرض لي، واللوم فيك ثقيل
فشدت لساني يعلم الله سكتة ... لها في جناني زفرة وعويل
وسد طريق اللحظ دمع كأنما ... تشحط من جفني فيه قتيل
وقوله:
مقال يطير الجمر من جنباته ... ومن تحته قلب عليك يذوب
وقوله:
لما استمالك معشر لم أرضهم ... والقول فيك كما علمت كثير
داريت دونك مهجتي فتماسكت ... من بعد ما كادت إليك تطير
فاذهب فغير جوانحي لك منزل ... واذهب فغير وفائك المشكور
وقوله:
بأي مقال من لساني أرثيه ... وأي دموع من جفوني أبكيه
وقد جل رزئي فيه حتى كأنما ... جميع رزايا الناس مجموعة فيه
أبو الحسن بن فندلةوصفه صاحب السمط بالفضل والجود والارتياح. ومن أحسن ما أنشده من شعره قوله:
ودارت حمياً الكأس بيني وبينه ... فدبت دبيباً ليس يحسنه النمل
وقوله:
انظر إلى الراح والكؤوس ... تبعث زهواً إلى النفوس
وقد علاها الحباب نظماً ... سمعت بالجوهر النفيس؟
فهو كتاج على مليك ... أو مثل سلك على عروس
أبو بكر بن افتتاحقال في وصفه صاحب السمط: كرم أوله وآخره، وعظم باطنه وظاهره، وهو من مداح علي بن يوسف بن تاشفين. وأحسن ما أنشد له قوله:
منعوا التحية عن محب مدنف ... يوم الوداع فأبت أخيب آيب
ما ضر يوم رحيلهم لو ودعوا ... إن الوداع دليل رأى العاتب
يا ربة البيت الكريم نجاره ... في ذروة الشرف الرفيع الجانب
من لي برجع تحية جنح الدجى ... إني أراها كالشهاب الثاقب
ومن نثره قوله: كيف يحسن لا زلت تحميني القبيح، وتقتطع الحمد بالثمن الربيح أن أهدى الصفر للذهب؟! أو أقاول من انتقى من البلاغة طرائفها واستزاد فضل ما يهب، لا جرم أن نومي إلى كرم اعتقاده، حملني على حمل هذه الزيوف إلى صيارفة انتقاده.
أبو القاسم
محمد بن إبراهيم بن المواعينيأثنى صاحب السمط على ذكائه وأدبه وأخلاقه، وأنشد له في قصيدة يمدح بها الزبير بن عمر:
برقت ثغورهم وسالت أدمعي ... فانظر إلى برق وصوب عهاد
ومنها:
طولوا وصولوا، فالمناسب حمير ... أهل المفاخر والندى والنادي
للقوم في كل البلاد رياسة ... تحكي بني العباس في بغداد
أضحت مجالسهم سروج جيادهم ... إن السروج مجالس الأمجاد
وقوله من قصيدة يمدح بها زينب بنت علي بن يوسف:
طابت الصهباء في أفواههم ... حيث أبدوا من ثغور حببا
وقوله:
كأن أقاح الروض بين شقيقه ... طفو حباب في قرارة راح
ومن نثره: أطال الله بقاء الأمير محفوفاً بالرايات الخافقة، موصوفاً بالآراء المتوافقة، ولا زالت أمصاره تنير، ومضاؤه يبير، ياله أيده الله من مضاء لا يبيت له جار على وجل! وردى يستوهب من كماته كل أجل!.
أبو بكر محمد بن مرتينأثنى عليه الحجاري، و ذكر أنه كان ينادم ابن افتتاح، وأنش له قوله:
كيف لي بعدكم بطيب الهجوع ... وجفوني مملوءة بدموعي
كل شيء يئست منه إذا ما ... بنتم غير عبرتي وولوعي
ولكم قد شكوت مما ألاقي ... غير أني أشكو لغير سميع
وقوله يخاطب ابن افتتاح:
صحبت منك العلا والفضل والكرما ... وشيمة في الندى قد فاقت الشيما
مودة في ثرى الإنصاف راسخة ... وسمكها فوق أعنان السماء سما
أبو أيوب سليمان بن أبي أميةقال صاحب الذخيرة في وصفه: الوزير أبو أيوب في وقتنا بحر الأدب وساحله، وسنام المجد وكاهله، وسنان الحسب وعامله، ورافع لواء الحمد وحامله. وكر: أن دولة المعتمد بن عباد كانت دائرة على أبيه ومما أنشده من شعره قوله:
أمسك دارين حياك النسيم به ... أم عنبر الشحر أم هذي البساتين
بشاطئ النهر حيث النور مؤتنق ... والراح تعبق، أم تلك الرياحين
أبو العباس أحمد بن حنون الإشبيليمن بيوت إشبيلة وأغنيائها آل أمره إلى أن اتهم بالقيام على السلطان، ففر على وجهه، ثم عفى عنه، في مدة المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن. وهو ممن ذكره صفوان في كتاب زاد المسافر، وعنوان طبقته قوله في أشتر:
يا طلعة أبدت قبائح جمة ... فالكل منها إن نظرت قبيح
أبعينك الشتراء عين ثرة ... منها ترقرق دمعها المسفوح؟
شترت فقلنا زورق في لجة ... مالت بإحدى شقتيه الريح
وكأنما إنسانها ملاحها ... قد خاف من غرق فظل يميح
وقوله:
وبيضاء تحسبها درة ... تذوب إذا ذكرت، أو تكاد
تنمنم بالمسك كافورتي ... محياً حوى الحسن طراً وزاد
فقلت، وقد كان ما كان من ... تخلل خيلانها بالفواد:
أكل وصالك ذاك البياض ... وبعض صدودك ذاك السواد؟!
فقالت: أبى كاتب للملوك ... دنوت إليه بحكم الوداد
فخاف اطلاعي على سره ... فلم يعد أن رشني بالمداد
وله موشحات مشهورة.
ومن كتاب تلقيح الآراء في حلى الحجاب والوزراء
أبو الوليد
إسماعيل بن محمد بن عامر بن حبيب
الملقب بحبيبذكر صاحب الذخيرة: أن ابن الأبار هو الذي أقام قناته، وصقل مرآته، ولو تخطاه صرف الدهر، وامتد به قليلاً طول العمر، لسد طريق الصباح، و غبر في وجوه الرياح، قتله المعتضد بن عباد، ابن تسع وعشرين سنة. وله كتاب البديع في فصل الربيع. وأحسن ما أنشده له قوله:
إذا ما أدرت كؤوس الهوى ... ففي شربها لست بالمؤتلى
مدام تعتق بالناظرين ... وتلك تعتق بالأرجل
أبو الحسن علي بن غالب بن حصنأثنى عليه صاحب الذخيرة، ونبه على قوله:
بكرت سحرة قبيل الذهاب ... تنفض الماء عن جناح الغراب
وأخبر: أن ابن زيدون لم يزل يسعى في حتفه بمكره، حتى فتك به المعتضد بن عباد. وأحسن ما أنشده له قوله:
وما هاجني إلا ابن ورقاء هاتف ... على فنن بين الجزيرة والنهر
مفستق طوق لازورد كلكل ... موشى الطلى أحوى القوادم والظهر
أدار على الياقوت أجفان لؤلؤ ... وصاغ على الأجفان طوقاً من التبر
حديد شبا المنقار داج كأنه ... شبا قلم من فضة مد في حبر
توسد من فرع الأراك أريكة ... ومال على طي الجناح مع النحر
ولما رأى دمعي مراقاً أرابه ... بكائي فاستولى على الغصن النضر
وحث جناحيه وصفق طائراً ... وطار بقلبي حيث طار ولا أدري
وقوله:
قم يا غلام فسقنيها واطرب ... واشرب عتبت عليك إن لم تشرب
من قهوة صفراء ذات أسرة ... في الكأس تأنلق ائتلاق الكوكب
خضبت بنان مديرها بشعاعها ... فعل العرارة في شفاه الربرب
ومن مجونياته قوله:
قمت نشوان وقامت ... بتهاد وتثن
ونضت عنها قميصاً ... ثم لما ضاجعتني
قلبت بطناً لظهر ... قلت: لا! ظهراً لبطن
فانثنت في خجل قا ... ثلة عند التثني:
أنا حانوت بوجدهي ... ن فلط إن شئت وازن
وله:
كأنما في الكأس من صبها ... خيط من الفضة مفتول
وقوله:
اشرب على طيب نسيم السحر ... وانظر إلى غرة ذاك القمر
كأنه ماء غدير صفا ... والمحق فيه مثل ظل الزهر
وذكر الحجاري: أنه نشأ مع المعتضد، فاستوزره، إلا أنه كان فيه طيش أداه إلى حتفه.
؟الوزير الكاتب أبو الوليد محمد بن عبد العزيز بن المعلم من الذخيرة: بديع ذلك الأوان، وأحد وزراء المعتمد الكتاب الأعيان، فمما أورده من نثره:
سقى عهدك أيتها الدمنة الزهراء كل عهد، وجاد على قطرك أيتها الروضة الغناء كل قطر، وتناوحت عليك إلا من ضلوعي جنوب وشمال، ولا زالت تجر عليك للنعيم أذيال.
ومن النظم قوله من قصيدة في المعتمد، وقد رجعت له قرطبة، وقتل ابن عكاشة قاتل ابنه الظافر:
صفا لك الشرب كانت فيه أقذاء ... وعاد برءاً على ما أفسد الداء
ولم يعجل بمقدور له أجل ... وللأمور مواقيت وآناء
فقد تباطأ وحي الله آونة ... عن النبي وغابت عنه أنباء
فليهنك الصنع قد راقت عواقبه ... وشفعت منه بالآلاء آلاء
؟
ومن كتاب الكتاب
الكاتب
أبو محمد عبد الله بن عمر الإشبيلي
الملقب بالمهيرسكان بمراكش كاتباً عن ابن الشهيد مدبر دولة يحيى بن الناصر. أخبرني أبو يحيى بن جامع الوزير أنه قتل في إحدى المعارك المراكشية، وأنه كتب يوماً يستهدي منه فاختة كان قد سمعها عنده، وكان في ذلك الحين يكنى بأبي العلاء:
ألا خذها إليك أبا العلاء ... حلى الأمداح ترفل في الثناء
وهبهاقينة تهدى عروساً ... خضيب الكف قانية الرداء
لأجعلها محل جليس أنسى ... وأغنى بالهديل عن الغناء
أبو بكر محمد بن أحمد بن البناء الإشبيلىساد ببلده، وصار يكتب عن ملوكه وهو، أهل لذلك، لما أحرزه من الصيانة والأدب والبلاغة، وهوذو غرام في اقتناء نفائس الكتب ونسخها. ومن أحسن شعره قوله من قصيدة في رثاء أبي عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن، وقد عزل عن بلنسية، وهي في شرق الأندلس، وولي إشبيلية، وهي في غربها، فمات:
كأنك من جنس الكواكب كنت، لم ... تفارق طلوعاً حالها وتواريا
تحليت من شرق يروق تلألؤا ... فلما انتحيت الغرب أصبحت هاويا
ومن كتاب الإحكام في حلى الحكام
القاضي أبو بر
محمد بن عبد الله بن العربي الإشبيليقال الحجاري: لو لم ينسب لإشبيلية إلا هذا الإمام الجليل، لكان لها به من الفخر ما يرجع عنه الطرف وهو كليل.
وقال ابن الإمام: بحر العلوم، وإمام كل محفوظ ومعلوم. له أشعار تشوق فيها إلى بغداد وإلى الحجاز. وهو مذكور في كتاب السمط، واجتمع مع عبد المؤمن.
ومن أظرف شعره وألطفه قوله، وقد داعبه ابن أمير من أمراء الملثمين بأن ركض فرسه، وهز عليه رمحه:
يهز على الرمح ظبي مهفهف ... لعوب بألباب البرية عابث
فلو أنه رمح إذاً لاتقيته ... ولكنه رمح، وثان، وثالث
وقوله وقد دخل عليه غلام جميل الصورة في ثياب خشنة:
لبس الصوف لكي أنكره ... وأتانا شاحباً قد عبسا
قلت: إيه قد عرفناك وذا ... جل سوء لا يعيب الفرسا
كل شيء أنت فيه حسن ... لا نبالي حسن ما قد لبسا
وقال، وقد كتب كتاباً، فأشار أحد من حضر أن يتربه:
لا تشنه بما تذر عليه ... فكفاه هبوب هذا الهواء
فكأن الذي تذر عليه ... جدري بوجنة حسناء
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
النحوي اللغوي
أبو بكر محمد بن الحسين الزبيدي الإشبيليمن الجذوة: أنه إمام في النحو واللغة، وله في النحو كتاب الإيضاح واختصر كتاب العين للخليل. وأنشد له قوله يخاطب جارية كان يحبها، وقد استأذن المستنصر في العود إلى إشبيلية، فلم يأذن له:
ويحك يا سلم لا تراعي ... لا بد للبين من زماع
لا تحسبين صبرت إلا ... كصبر ميت على النزاع
ما خلق الله من عذاب ... أشد من وقفة الوداع
إن يفترق شملنا سريعاً ... من بعد ما كان ذا اجتماع
فكل شمل إلى افتراق ... وكل شعب إلى انصداع
توفي قريباً من الثمانين والثلاثمائة.
أبو عمر أحمد بن محمد بن حجاجمن الذخيرة: أنه كان بحر علوم، وسابق ميدان منثور ومنظوم، ونبه على سلفه. ======
المؤلف : ابن سعيد المغربي
من نثره: لو قرنت أيده الله بذوي التأميل له لفضلت، أو وزنت بذوي المحبة فيه لرجحت، وقد بعثت أعزه الله بما يجمل فقرى قدرته، وضراعتي إلى علاه في الأمر بقبوله تشريفاً وتنويهاً من منازعة الكريمة لإعلاء شأني، وترفيع مكاني. وقوله: ولما ترادفت على تك الأمواج، وأغرقني ذلك البحر العجاج، أظفرني بسفينة الدعاء، فوصلت إليها ونجوت عليها.
النحوي أبو العباس أحمد بن سيد اللص
أثنى عليه ابن الإمام وذكر: أنه كان في من أنشد عبد المؤمن بجبل الفتح عند جوازه البحر إلى الأندلس.وأنشد له:
الليل إن هجرت كالليل إن وصلت ... أشكو من الطول ما أشكو من القصر
وقوله:
كلني إلى أدمع تسح تكتب شرح الهوى وتمحو
أفدي التي لو بغت فساداً ... ما كان بين الأنام صلح
صاحية والجفون سكرى ... من أسكرته فليس يصحو
جار عليك الأنام ظلماً ... سموك ليلى وأنت صبح
وقوله من قصيدة في مدح أبي بكر بن مزدلى:
نداك الغيث إن محل توالى ... وأنت الليث إن شهدوا القتالا
غصبت الليث شدة ساعديه ... نعم، وسلبت عينيه الغزالا
ومنها:
وما أفنى السؤال لكم نوالا ... ولكن جودكم أفنى السؤالا
نوال طبق الآفاق حتى ... جرى مثلاً بها وغدا مثالا
النحوي أبو بكر محمد بن طلحة الإشبيلي
وكان مصدراً للإقراء بإشبيلية، اجتمع به والدي وأخبرني: أنه كان لطيفاً كثير الحب للغلمان والتغزل فيهم. ومن شعره قوله:بدا الهلال فلما ... بدا نقصت وتما
كأن جسمي فعل ... وسحر عينيه لما
الأديب أبو جعفر أحمد بن الأبار الخولاني
ذكر ابن بسام: أنه ممن صنف وأبدع، وكان في زمن المعتضد بن عباد. وأنشد له فيه:ملك إذا الهبوات أظلم جنحها ... جعل الحسام إلى الحمام دليلا
إن كنت الأسد الضواري لم تخف ... من بأسه فلم اتخذن الغيلا؟
أو كانت البيض الصوارم لم تهم ... في حبه فلم اكتسين نحولاً؟
الأديب أبو القاسم بن العطار
ذكر صاحب القلائد: أنه أحد أدباء إشبيلية، ووصفه بكثرة الارتياح والفرح، والانتهاك في حب الغلمان، وبذلك وصفه الحجاري، وأنشد له قوله:ركبنا على اسم الله نهراً كأنه ... جمان على عطفيه وشي حباب
وإلا حسام جال فيه فرنده ... له من مديد الظل أي قراب
وقوله:
لله بهجة منزه ضربت به ... فوق الغدير رواقا الأنسام
فمع الأصيل النهر درع سابغ ... ومع الضحى يلتاح فيه حسام
وقوله:
لحاظه أسهم وحاجبه ... قوس وإنسان عينه رامى
وقوله في أبي حفص الهوزني، وقد مات في نهر طلبيرة:
فيا عجباً للبحر غالته نطفة ... وللأسد الضرغام أرداه أرقم
الأديب أبو نصر
الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي
من المسهب: الدهر من رواة قلائده، وحملة وسائطه وفرائده. وجعل ابن بسام أكثر تقييداً، وعلماً مفيداً، والفتح أقدر على البلاغة، وكلامه أكثر تعلقاً بالأنفس، وذكر: أنه عرف بابن خاقان لاتهامه في الخلوة، وأن ذلك وما اشتهر به من الوقوع في الأعراض صده عن أن يكون علماً من أعلام كتاب الدولة المرابطية. قال: وقد رماه الله بما رمى به إمام علماء الأندلس ابن باجة، فوجد في فندق بمراكش، قد ذبحه عبد أسود خلا معه... وتركه.ومن سمط الجمان أن التكلم في شأنه، وإعمال القلم في وصف تجلفه وخذلانه، إخلال بالبيان، و إضاعة للزمان، فآثرنا في أمره الاختصار، وتمثلنا قول القائل: كل الثمار، وخل العود للنار. وأما سهمه في الكتابة، وعلمه المرفوع في ميادين الخطابة، فسهم إصابة، وعلم عرابة. وأحسن ما أنشده من شعره قوله:
سقى أرض حمص بالأصيل وبالضحى ... سحاب كدمعي يستهل ويسجم
ومدت بها للروض أبراد سندس ... تطرزها كف الغمام، وترقم
وحيا الحيا أرض الغروس وروضها ... بحيث التوى فيه من النهر أرقم
وما ورد ويرد في أثناء كتاب المغرب من نثره في القلائد عنوان بلاغته.
الأديب الأستاذ
أبو الحسن علي بن جابر الدباج
شيخ جليل القدر، قدمه أهل إشبيلية للصلاة بهم في جامع العدبس، مشهور بالفضل، وهو مع هذا في نهاية منن اللطافة، والمداعبة للغلمان والتندير في شأنهم، قرأت عليه بإشبيلية، ومن شعره قوله:لما تبدت وشمس الأفق بادية ... أبصرت شمسين: من قرب ومن بعد
من عادة الشمس تعشي عين ناظرها ... وهذه نورها يشفي من الرمد!
وقوله في المجبنات:
أحلى مواقعها إذا قربتها ... وبخارها فوق الموائد سامي
إن أحرقت لمساً فإن أوارها ... في داخل الأحشاء برد سلام
وتركته في قيد الحياة.
؟؟
الطبيب الفيلسوف
أبو الصلت أمية بن أبي الصلت الإشبيلي
يقال إن عمره كان ستين سنة: عشرون في إشبيلية، وعشرون في المهدية، وعشرون في مصر محبوساً في خزانة الكتب.ومن الخريدة: كان واحد زمانه، وأفضل أوانه، متبحراً في العلم، منشئاً للمنثور والمنظوم، وله الباع الطويل في الأصول، والتصانيف الحسنة، منها كتاب الحديقة، على أسلوب كتاب اليتيمة، وتوفي سنة ست وأربعين وخمسمائة في المحرم. وأحسن ما وقفت عليه في ديوانه قوله:
لا غرو أن سبقت يداك مدائحي ... وتدفقت جدواك ملء إنائها
يكسي القضيب ولم يحن إثماره ... وتطوق الورقاء قبل غنائها
وقوله:
تخذوا القنا أشطانهم واستنبطوا ... في كل قلب للطعان قليبا
ومنها:
تعطى الذي أعطتكه سمر القنا ... أبداً فتغدو سالباً مسلوبا
وكان قد خرج من إشبيلية، فصحب بالمهدية ملوكها الصنهاجيين، وتوجه في رسالة إلى مصر، فسجن في القاهرة في خزانة البنود، وكان فيها خزائن من أصناف الكتب، فأقام بها نحو عشرين سنة، فخرج منها وقد برع في علوم كثيرة، من حديثة وقديمة. وصنف كتاب الحديقة، على منزع كتاب اليتيمة، في فضلاء عصره، وصنف الرسالة المصرية، وصنف في الطب والتنجيم والألحان، وعنه أخذ أهل إفريقية الألحان التي هي الآن بأيديهم. وعاد إلى المهدية، فجل قدره، وعظم عند ملوكها ذكره، وأعقب هنالك عقباً نابهاً. وقد تقدمت أبياته في بركة الحبش والأهرام. ووجدت في ديوانه منسوباً له:
أشهر الصوم ما مثل ... ك عند الله من شهر
على أنك قد حرم ... ت فينا لذة الخمر
وقرع الكاس بالكاس ... ورشف الثغر للثغر
وإني والذي شر ... ف أوقاتك بالذكر
لمسرور بأن تفنى ... على أنك من عمري!
الأديب
الهيثم بن أحمد بن أبي غالب بن الهيثم
حافظ إشبيلية، لم ألق بها أحفظ منه، و كان والدي يتعجب منه، ومن أعجب عجائبه أنه كان يملي على شخص شعراً، وعلى ثان موشحة، وعلى ثالث زجلاً، وكل ذلك ارتجال دون توقف. وتنبه ذكره في مدة مأمون بني عبد المؤمن، وكتب له مدة، وقد نشأ بينه وبين فلاح من أهل الشرف ما ذكره:تعرض لي بالبدو أهوج طائش ... أتى مسرعاً نحوي تأبط لي شرا
وذكرى عجوزي وهي تبكي تأسفاً ... علي بكا الخنساء ذكرني صخرا
فبادرت من حيني صفاة كقلبه ... فإن يفتتح باعاً فتحت بها شبرا
فأقسم لو لا أن نحوت له بها ... لقد كان لي زيداً وكنت له عمرا
وقوله وقد نظر إلى باب غني معموراً وبابه إلى جانبه خالياً:
يجفى الفقير ويغشى الناس قاطبة ... باب الغني كذا حكم المقادير!
وإنما الناس أمثال الفراش فهم ... بحيث تبدو مصابيح الدنانير!
الطبيب الوشاح أبو الحجاج يوسف بن عتبة
اجتمعت به في إشبيلية، وكان طبيباً أديباً وشاحاً مطبوعاً، ثم سافر إلى إفريقية، ثم إلى مصر، فمات في مارستان القاهرة قبل سنة ثمان وثلاثين وستمائة.ومن شعره قوله، وقد شرب مع ندمائه تحت قصب فارسي:
انظر إلى القصب الذي تهفو به ... ريح الصبا وتميله نحو الكئوس
أو ما كفاه شربه من طله ... أولا فلم جعلت ذوائبه تنوس
أسهمه من أكوابنا ولو أنه ... سكران يطفح حق ما لثم الرءوس
ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام
محمد بن ديسم الإشبيلي
ذكر الحجاري: أنه من شعراء الدولة المعتضدية، وأنشد له ما أنشده أبو عامر في حديقة الارتياح:تجافيت عن شربي لها لا لعفة! ... لم يك إقصائي لها عن تحرج
وإن أك قد عرجت عن حق حبها ... فما أنا عن تفضيلها بمعرج
أحمد بن محمد الإشبيلي
ذكر الحجاري: أنه من شعراء الدولة المعتضدية، وأنشد له صاحب كتاب فصل الربيع:أما ترى النرجس الغض الزكي بدا ... كأنه عاشق شابت ذوائبه
أو المحب بكى لما أضر به ... طول السقام فعادته حبائبه
وقوله:
رب نيلوفر غدا مخجل الرا ... ني إليه نفاسة وغرابه
كمليك للزنج في قبة بي ... ضاء يبدو الدجى فيغلق بابه
أبو إسحق إبراهيم بن خيرة بن الصباغ
ذكر الحجاري: أنه من الشعراء المعتضديين، وأنشد له ابن بسام ما أنشده أبو عامر في حديقة الارتياح:يوم كأن سحابه ... لبست غمامي المصامت
حجبت به شمس الضحى ... بمثال أجنحة الفواخت
فالغيث يبكي فقدها ... والبرق يضحك مثل شامت
والرعد يخطب مفصحاً ... والجو كالمحزون ساكت
والروض يسقيه الحيا ... والنور ينظر مثل باهت
أبو بكر عبد الله بن حجاج الإشبيلي
ذكر الحجاري: أنه شاعر بعيد الصوت، معدود في شعراء المعتضد، وكان قد هجر وطنه، وانتبذ إلى صاحب الجزيرة الخضراء محمد بن القاسم بن حمود، ومدحه عندما وفد عليه بقصيدة منها:ألا أيها الوادي الذي رف ظله ... وفاحت خزاماه وغرد طائره
أتذكر أيامي بدوحك والحمى ... يباكرنا منه بجزعك زائره
وقد رق نسج العتب بيني وبينه ... وما زاد منا الحب عفت سرائره
فقال له وزيره: اسأل ابن الخليفة: هل أنت من بني حجاج أصحاب السيرة بإشبيلية؟ فقال: لو كنت منهم طلبت بالسيف، ولم أطلب بالشعر، فقال ابن حمود: لافُضَّ فُوه! يا شد ما امتعض لأعيان بلده.
أبو القاسم بن مرزقان
مولى المعتمد بن عباد
ذكر صاحب الذخيرة: أنه قتل يوم دخول الملثمين إشبيلية على المعتمد، وأنشد له قوله في شمعة على صفة مدينة أهديت للمعتمد:مدينة في شمعة صورت ... قامت حماها فوق أسوارها
وما رأينا قبلها روضة ... تتقد النار بنوارها
تصير الليل نهاراً إذا ... ما أقبلت تضحك في نارها
كأنها بعض الأيادي التي ... تحت الدجى تسري بأنوارها
من ملك معتمد أصبحت ... بلاده أوطان زوارها
أبو بكر
محمد بن أحمد بن حجاج
الغافقي الإشبيلي
من نبهاء الشعراء في صدر الدولة المصمودية، أنشد له صفوان في زاد المسافر:من مبلغ موسى المليح رسالة ... بعثت له من كافري عشاقه؟
ما كان خلق راغباً عن دينه ... لو لم تكن توراته من ساقه
وقوله:
ومحرم من شعره وحده ... يا ليته من ثوبه أحرما!
حتى أراه مثل ما ينبغي ... ومن لمثلي أن يرى مثل ما؟
عبيد الله بن جعفر الإشبيلي
كان وشاحاً مطبوعاً، ظريفاً لطيفاً، وكان يكثر من زيارة صديق له، وذلك الصديق لا يزوره فكتب مرة على بابه:يا من يزار على بعد المحل ولا ... يزورنا مرة ما بين مرات
زر من يزورك واحذر قول عاتبة ... تقول عنك: فتى يؤتى ولا ياتي
أبو الحسن علي بن جحدر
كان زجالاً مطبوعاً، صحب والدي مدة، ولقيته أنا بإشبيلية، وله من الشعر ما عنوانه قوله:كيف أصبحت أيهذا الحبيب ... نحن مرضى الهوى وأنت الطبيب
لا تزيد الزمان إلا نفاراً ... ويحها يا علي منك القلوب؟!
أبو بكر
محمد بن أحمد بن الصابوني الإشبيلي
اجتمعت
به في إشبيلية، والناس يجعلونه شاعرها المشار إليه، وكان قد تقدم عند
مأمون بني عبد المؤمن ثم رأى أن يقصد سلطان إفريقية فلقيه في مليانة ومدحه
بقصيدته التي أولها:
الله جارك في حل ومرتحل ... يا معلياً ملة الإسلام في الملل
ثم رحل إلى مصر، فلم يجد فيها من قدره، وعاجلته بها منيته، فمات بالإسكندرية، قبل سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
ومما أنشدنيه من شعره قوله: - وقد بعث إلى محبوب بمرآة - :
بعثت بمرآة إليك بديعة ... فأطلع بسامي أفقها قمر السعد
لتنظر فيها حسن وجهك منصفاً ... وتعذرني فيما أقاسي من الوجد
مثالك فيها منك أقرب ملمساً ... وأكثر إحساناً وأبقى على العهد
وقوله:
أقبل في حلة موردة ... كالبدر في حلة من الشفق
تحسبه كلما أراق دماً ... يمسح في ثوبه ظبا الحدق
ومن نصاراها ويهودها
ابن المرعزي النصراني الإشبيلي
من المسهب: أنه من نصارى إشبيلية، ظهر في دولة المعتمد بن عباد، وان من مداحه، وله الأبيات المشهورة في كلبة الصيد، وهي قوله:لم أر ملهى لذي اقتناص ... ومقنع الكاسب الحريص
كمثل خطلاء ذات جيد ... أغيد تبرية القميص
كالقوس في شكلها، ولكن ... تنفذ كالسهم للقنيص
إن تخذت أنفها دليلاً ... دل على الكامن العويص
أو أرسلوها وراء برق ... لم يجد البرق من محيص
أبو إسحاق إبراهيم بن سهل الإسرائيلي
قرأت معه في إشبيلية على أبي الحسن الدباج وغيره، وكان من عجائب الزمان في ذكائه على صغر سنه، يحفظ الأبيات الكثيرة من سمعة، وبلغني أنه الآن شاعر خليفتهم بمراكش، وعنوان طبقته قوله في ابن هود، يصف راياته السود:أعلامه السود إعلام بسؤدده ... كأنها فوق خد الملك خيلان
وقوله في غلام أصفر اللون، التحى فذهبت بهجته، وقصد هجاءه:
كان محياك له بهجة ... حتى إذا جاءك ما حي الجمال
أصبحت كالشمعة لما خبا ... فيها الضياء اسود منها الذبال
الحلة
عبد الملك بن زهر
هو صاحب التيسير في الطب والأغذية المشهورة، أبوه أبو العلاء المتقدم الترجمة، وابنه أبو بكر الوشاح، وقد تقدمت ترجمته.الأستاذ النحوي هذيل
كان لطيفاً كثير النوادر، أخبرني عنه تلميذه الشيخ أبو العباس النيار، بإشبيلية، قال: جاءه يوماً للقراءة صبي متخلف، فكان أول ما قرأ عليه بيت كثير: " حيتك عزة بعد الهجر وانصرفت " . فقال مصحفاً له: جئتك عرة، فقال الشيخ: وأكثر! بالله يا ولدي تروح، ولو قريت سنة. فأضحك الحاضرين.وكان يقرأ عليه بربري جعد الشعر قبيح الوجه. فوقف يوماً على: قل إن كان للرحمن ولد فأنا ... فقال: لأي شيء بالله؟ لحسن وجهك، وطيب شعرك؟
الأهداب
أحسن موشحات ابن زهر موشحته التي أولها:مد الخليج ورف الشجر ... لقد تعانقا منظر ومختبر
وقد تقدمت في المتنزهات.
وموشحته التي أولها:
ما للمولهمن سكره لا يفيقيا له سكران
وقد تقدمت في المتنزهات.
وموشحته:
أيها الساقي إليك المشتكى ... كم دعوناك وإن لم تسمع
ونديم همت في غرته
وسقاني الراح من راحته
كلما استيقظ من سكرته
جذب الزق إليه واتكى ... وسقاني أربعاً في أربع
غصن بان مال من حيث استوى
بات من يهواه من خوف النوى
خافق الأحشاء مضعوف القوى
كلما فكر في البين بكى ... يا له يبكي لما لم يقع
أيها المعرض عما أصف
تعرف الذنب ولا تعترف
كبد حرى ودمع يكف
مثل حالي حقه أن يشتكي ... كمد اليأس وذل الطمع
ما لعيني شقيت بالنظر
أنكرت بعدك ضوء القمر
فإذا ما شئت فاسمع خبري
عشيت عيناي من طول البكا ... وبكى بعضي على بعضي معي
قد براني في هواك الكمد
يا لقومي عذلوا واجتهدوا
أنكروا شكواي مما أجد
قد نما حبك عندي وزكا ... لا يظن الحب أني مدعي
موشحته:
يا صاحبي نداء مغتبط بصاحب
لله ما ألقاه من فقد الحبائب
قلب أحاط به الهوى من كل جانب
أي قلب هائم ... لا يستفيق من اللواح
أنحى على رشدي وأعدمني صلاحي
ثغر ثنى الأبصار عن نور الأقاح
يسقي بمختلطين من مسك وراح
كالحباب العائم ... في صفحة الماء القراح
من لي به بدر تجلى في الظلام
علقت من وجناته بدر التمام
وعلقت من أعطافه لدن القوام
كالقضيب الناعم ... لم يستطع حمل الوشاح
يا من أعانقه بأحناء الضلوع
وأقيمه بدلاً من القلب الصديع
أنا للغرام وأنت للحسن البديع
وكلام اللائم ... شيء يمر مع الرياح
حملتني في الحب ما لا يستاطع
وجداً يراع بذكره من لا يراع
ولأنت أجور من له أمر مطاع
ومع أنك ظالم ... أت ه مناى واقتراحي
وموشحته:
جنت مقل الغزلان ... جنايا الشمول
على عالم الإنسان ... جيلاً بعد جيل
أهيم بمن يطغيه ... على الجمال
أداريه أسترضيه ... فيأبى الدلال
لقد عذلوني فيه ... وقالوا وقالوا
على حين قد ألهاني ... عن قال وقيل
ليل الصد والهجران ... ويوم الرحيل
إلى كم أداري اللوام ... مثنى وفرادى
وتالله أخرى الأيام ... لا أعطى قيادا
لهفي صرت بين الأقوام ... حديثاً معادا
وقد قعدت أشجاني ... بكل سبيل
ولا عهد بالسلوان ... ولا ينبغي لي
هو الحسن لا أختار ... مطلوباً عليه
وجه تشرق الأنوار ... على صفحتيه
وتستبق الأبصار ... إليه إليه
وقد كغصن البان ... في حقف مهيل
فذاك الذي يلحاني ... عليه عذولي
يا بن الناصر المنصور ... يا بن المجد أجمع
أنت الأمن للمذعور ... مما يتوقع
فكم جذل مسرور ... يقول ويسمع
أبو حفص هُ سلطاني ... الهل يحرزو لي
هُ آمني هُ أغناني ... هُ بلغني سولي
وموشحته:
لأتبعن الهوى ... إلى أقاصيه
حتى يقول فريق ... رقت حواشيه
ما عيل مصطبري ... لولاك يا يحيى
أموت بالنظر ... وتارة أحيا
ما شئت من خبر ... يا بدع في الأشيا
صب يقاسي النوى ... فيما يقاسيه
يفيض وادي العقيق ... على مآقيه
من لي بوجه جمع ... محاسن الصور
يغني إذا ما طلع ... عنن مطلع القمر
ومبسم لم يدع ... صبراً لمصطبر
مثل الأقاح استوى ... فبات يسقيه
ريق كأن الرحيق ... مشعشع فيه
دمعي جرى فنطق ... عن بعض ما أجد
ومسعدي في الأرق ... والناس قد رقدوا
نجم ضعيف الرمق ... حيران منفرد
يلوح ضعف القوى ... على توانيه
مثل التماس الغريق ... ما ليس ينجيه
وجه كمثل الهلال ... يبدو على غصن
رصعته بالجمال ... وتحفة الحسن
فعند ذلك قال ... قولوا له عني
لس نرتضي لو سوى ... وصفي وتشبيهي
يريد نكون لُ صديق يصبر على تيهي
وموشحته التي منها:
عبرة تسيل ... ودم على الأثر
قد صبرت حتى ... لات حين مصطبري
لا أطيق كتما ... ضقت بالأسى ذرعا
زائر ألما ... يلبس الدجى درعا
حجبوه لما ... صار صورة بدعا
وكذا الأفول ... من عوائد القمر
قلما تأتى أمل ... بلا كدر
وموشحته:
صادني ولم يدر ما صادا
شادن سبى الليث فانقادا
يا له لقد ضم بالبدر أزراره ... وبالحقف زناره
لو أجاز حكمي عليه
لاقترحت تقبيل نعليه
لا أقول ألثم خديه
أنا من يعظم والله مقداره ... ويلزم إكباره
يا سناك حسبك أو حسبي
قد قضيت في حبكم نحبي
واحتسبت نفسي في الحب
إنها نفس لدى الحب محتاره ... وبالسوء أماره
عرض الفؤاد لأشجانه
ومضى على حكم سلطانه
فانبريت في بعض أوطانه
تارة أقبل آثاره ... وأندبه تارة
أيها المدل بأجفانه
كم وفيت والغدر من شانه
وأصح، من طول هجرانه
وعلش حبيب قطعت الزياره ... وعينيك سحاره
وموشحته:
حي الوجوه الملاحا ... وحي نجل العيون
هل في الهوى من جناح
أو في نديم وراح
رام النصيح صلاحي
وكيف أرجو صلاحا ... بين الهوى والمجون
أبكى العيون البواكي
تذكار أخت السماك
حتى حمام الأراك
بكى شجوني وناحا ... على فروع الغصون
ألقى إليها زمامه
صب يداري غرامه
ولا يطيق اكتتامه
غدا بشوق وراحا ... ما بين شتى الظنون
يا غائباً لا يغيب
أنت البعيد القريب
كم تشتكيك القلوب
أثخنتهن جراحا ... فاترك سهام الجفون
يا راحلاً لم يودع
رحلت بالأنس أجمع
والفجر يعطي ويمنع
مرت عيناك الملاحا ... سحراً فما ودعوني
وموشحته التي منها:
نبه الصبح رقدة النائم ... فانتبه للصبوح
وأدر قهوة لها شان ... ذات عرف يفوح
موشحة لابن حنون
الذي تقدمت ترجمته
أبى أن يجود بالسلام ... فكيف يجود بالوصالمن كانت تحية الوداع ... منه قبلة عند الزوال
عناء المتيم المعنى
أثاب إليه أو تجنى
يروقك منظراً وحسناً
كالغصن النضير في القوام ... كالبدر المنير في الكمال
يروعك وهو ذو ارتياع ... كالليث الهصور كالغزال
تذكر عهدي الملول
وقد أخذت منه الشمول
فجاد بزورة بخيل
أتى حين عب في المدام ... كالغصن هفت به الشمال
يمشي بين ميل واضطلاع ... فمنه انثنا واعتدال
محمد عبدك المنيب
يدعوك وأنت لا تجيب
لقد شقيت منك القلوب
بسهل الهوى صعب المرام ... هي الشمس نيلها محال
تلقى العيون بالشعاع ... فيمنعها من أن تنال
ألم يأن أن يلين قلبك
فيلتذ بالكرى محبك
فلو أنه ينام صبك
وتعتنقان في المنام ... لأقنع ذلك الخيال
من بات بذاك الاجتماع ... على ثقة من الليال
تفوق سهم كل حين
بما شئت من يد وعين
وتنشد في القضيتين
خلقت مليح علمت رام ... فلس نخله ساعه عن قتال
وتعمل بذي العينين متاع ... ما تعمل أرباب النبال
موشحة لابن عتبة
الروض في حلل خضر عروسوالليل قد أشرقت فيه الكئوس
تجلى بكفي غلام ... كالغصن لدن القوام
ريقه سلسبيل يشفي لهيب أوامى
يا حبذا يومنا يوم الخليج
والموج تركض أطراف المروج
أحبب به وبمرآه البهيج
يفتر ثغر الكمام عن باكيات الغمام
والغصون تميل سكراً بغير مدام
فقم نباكرها للاصطباح
والشهب تنثر من خيط الصباح
والقضب ترقص في أيد الرياح
على غناء الحمام ... والكاس ذات ابتسام
والظلام قتيل ... والصبح دامي الحسام
وقد وقع له تأليف هذا المعنى وقوعاً عجيباً، كما وقع لابن الفرس الغرناطي قوله:
نفض مسك الختام ... عن عسجدي المدام
ورداء الأصيل ... تطويه كف الظلام
وكلاهما كان يزهى بالمعنيين
موشحة لابن عيسى الإشبيلي
عرف الروض فاح والطير قد غنى ... والصبح أضا فباكر الدناخذها كالرجا في عقب الياس
إذا صبها الإبريق في الكاس
مشعشعة تضيء للناس
كالنجم ألاح في أفقه وهنا هوى فمضى أن يخطف الجنا
ألا بأبي نورية البرد
بلبتها لآلئ العقد
تطوف بها مليحة القد
تخال الصباح في وجهه عنا ... وإن أعرضا حسبته غصنا
غزال كأن البدر يحكيه
أذوب حذاراً من تجنيه
فمن لي به حتى أدانيه
قليل السماح ويكثر المنا وقد ارتضى في الحب أن أفنى
تلفت به في الهجر إذ جدا
ولم ألف من صبر له بدا
لو شاء من كنت له عبدا
كثير المزاح يقتلني ظنا فهلا قضى علي إذا ضنا
أجر هوى في الحب أذيالي
وما إن دنا والموت أدنى لي
ولكنما أشدو لعذالي
سلطان الملاحيا قد رضى عناولولا الرضاولش كن يكون منا
أعلام الزجالين من إشبيلية
أبو عمرو بن الزاهر
ذكره ابن الدباغ في كتاب ملح الزجالين وأثنى عليه وأورد من ملحه قوله:إش عليك آت يا بن يقلق
دعن نشرب دعن نعشق
حتى نمشي سكران أحمق
في دراعي مقبض خماس ... وفي صدري قيس المجنون
وقوله:
إذا وصفت جمال ذاك الخد
قلت الحسن على كاس ينشد
وإن مدحت شعرك الأسود
فالمتنبيينشدلكافور
وقوله:
يا من هُ مجد والسها
جاوزت حد الانتها
وقد عطيت من النها
أوفى نصيب
أبو بكر الحصار
ذكره الدباغ، وأنشد من ملحه قوله:
حن نلتقيه يحتشموينصبغ كل دم
كم من مليح وكم
تتمنى ذاك الخجل عن خضاب
وقوله في المدح والظفر
لقدل فالحلاب نهار
ولا نجا إلا الفرار
حتى استحت فيها الشفار
من الجراح
وله الزجل المشهور الذي منه:
الذي نعشق مليح ... والذي نشرب عتيق
المليح أبيض سمين ... والشراب أصفر رقيق
لا شراب إلا قديم ... لا مليح إلى وصول
إذ نقول روحك نريد ... لس يخالف ما نقول
والزيارة كل يوم ... لا ملول ولا بخيل
من زيارة بعد ... قد رجع بحل صديق
أبو عبد الله بن خاطب
ذكره الدباغ، و أنشد له من ملحه قوله:إن كان تسافر انتا يزيد مالك
لصحرا تمضي خفف أحمالك
فمن جمالك تكون أجمالك
ومن وقارك تكون أوقارك
وقوله:
حظاه أن يقول مع ذا الصغار
في طلب الدنيا والافتخار
مش على الدنيا وحالها
فجات تخضع لُ وجالها
أبو بكر بن صارم الإشبيلي
له الزجل المشهور:حقاً نحب العقارفالدير طول النهارنرتهن
خلع أنا لس قداً عن فلان
نشرب بشقف القدح كف ما كن
للدير مر وتراني عيان
قد التويت فالغبار ... وماع كانون بنار فالدكان
ومذهبي فالشراب القديم
وسكرا من هُ المنى والنعيم
ولس لي صاحب ولا لي نديم
فقدت أعيان كبارواخلطن مع ذا العيارالزمن
لا تستمع من يقول كان وكان
وانظر حقيق الخبر والعيان
بحال خيالي رجع ذا الزمان
فأحلى ما يوريك ديارغيبها واخرج جواراليمن
وشاعت زندقته، فطلب أ، يقتل، فهرب إلى الشرف، واختفى في بيت، فوقع النار فيه فاحترق
الحكايات
قد تقدم في نهر إشبيلية ومتنزهها من النوادر المضحكات ما فيه كفاية، وهو ميدان لهوهم ومضحكاتهم وتنديرهم، قال الحجاري في كتاب المسهب: أهل إشبيلية أكثر العالم طنزاً وتهكماً، قد طبعوا على ذلك. وكان المعتمد ابن عباد كثيراً ما يتستر، ويشاركهم في واديهم وفي ظان مجتمعاتهم، ويمازجهم، ويصقل صدأ خاطره بما يصدر عنهم. ومر المعتمد ليلة بباب شيخ منهم مشهور بكثرة التندير والتهكم يمزج ذلك بحرد يضحك الثكلى، فقال المعتمد لوزيره ابن عمار: تعال نضرب على هذا الشيخ الساقط الباب، حتى نضحك معه، فضربا عليه بابه، فقال: من هو؟ فقال ابن عباد: إنسان يرغب أن تقد له هذه الفتيلة، فقال: والله لو ضرب ابن عباد بابي في هذا الوقت ما فتحته، قال: فإني ابن عباد، قال: امض بنا قبل أن يتعدى القول إلى الفعل، فهذا شيخ ركيك. ولما كان من غد تلك الليلة وجه له ألف درهم، وقال لموصلها يقول له: هذا حق الألف صفعة متاع البارحة.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني من الكتب التي تشتمل عليها كورة إشبيلية، وهو
كتاب النسرينة في حلى قرية مقرينة
قرية في نطاق حضرة إشبيلية، منها:أبو العباس أحمد الكساد
كان في إشبيلية في مدة منصور بني عبد المؤمن، وكان يهوى موسى بن عبد الصمد، مليح إشبيلية في ذلك الأوان، ولما مات قال فيه:هتف الناعي بشجو الأبد ... إذ نعى موسى بن عبد الصمد
ما عليهم ويحهم لو دفنوا ... في فؤادي قطعة من كبدي
وقال فيه أيضاً:
رد إلى الجنة حوريها ... وارتفع الحسن من الأرض
وأصبح العشاق في مأتم ... بعضهم يبكي على بعض
وله أزجال كثيرة، وبها اشتهر:
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث من الكتب التي تشتمل عليها الكورة الإشبيلية، وهو:
كتاب ورق العريش في حلى قرية منيش
من قرى إشبيلية، منها على ما ذكره الحجاري:أبو القاسم بن أبي طالب الحضرمي المنيشي
المعروف بعصا الأعمى
لقب بعصا الأعمى، لأنه كان يقود الأعمى التطيلي، وقال في وصفه ابن الإمام: أحد الأفراد، ورأس الجهابذة النقاد، وأنشد له قوله:صاغت يمين الرياح محكمة ... في نهر واضح الأسارير
وكلما ضعفت به حلقاً ... قام لها القطر بالمسامير
وقوله:
وخشفية الألحاظ واليد والحشا ... ولكن لها فضل الفيول على الخشف
تثنى على مثل العنان إذا انثنى ... وقد عقدوها للفهوق على النصف
وليس كما قال الجهول تقسمت ... فبعض إلى غصن وبعض إلى حقف
سعت في سبيل الهتك والفتك بيننا ... إشارات لحظ تخلط النكر بالعرف
فما شئت من عض الحلى ورضه ... وما شئت من صك الخلاخل والشنف
وقوله:
وعجزاء لفاء وفق الهوى ... تحيرت فيها وفي أمرها
غلامية ليس في جسمها ... مكان رقيق سوى خصرها
إذا أقبلت أو إذا أدبرت ... ففي فرها الموت أو كرها
ولما خلونا ورق الكلام ... ودفعت بكفي في صدرها
ومن لا أسميه مثل القناة ... قد ألقت ذراعاً على عشرها
وصارفتها العين هذا بذاك ... وقد شدت السوق من أزرها
وما زلت أجمع ضرباً وطعناً ... على زيدها وعلى عمرها
فأعطيتها المحض من فضتي ... وأعطتني المحض من تبرها
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من كتب الكورة الإشبيلية، وهو:كتاب وشي المحابر في حلى قلعة جابر
على قرب من إشبيلية، وكثيراً ما يتفرج فيها أعيانها لحسنها في المروج والمياه وكثرة الطير، منها:
عامر بن خدوش القلعي
أنشدت له:ألا يا سقي الرحمن قلعة جابر ... فكم لي فيها من ليال زواهر
محلى الذي لا زلت أشدو بذكره ... إذا ما شدا مغري بهند وساحر
فلله منها كل غصن وطائر ... ولله فيها كل خذ وناظر
ضمنت لها أن لا تزال مدامعي ... على فقدها مثل السحاب المواطر
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس
من الكتب التي تشتمل عليها
الكورة الإشبيلية وهو:
كتاب العذار المطل في حلى جزيرة قبطل
جزيرة كبيرة مشهورة في نهر إشبيلية، والماء عندها غير عذب، لقرب البحر المحيط منها، وخيلها تجلب إليها من إشبيلية، وهي خصبة؛ منها:الحسيب أبو عمرو بن حكم القبطلي
حسنة بني حكم، أعيان قبطل. أخبرني والدي: أنه طلع إلى حضرة مراكش في هذه المدة الأخيرة، وأمل أحد وجوه الدولة، فطال عليه وعده، وظهر له أ، يرجع إلى بلده خائباً، فكتب له:حاشا لمن أملكم أن يخيب ... وينثني نحو العدا مستريب
هذا وكن أقرأني بشركم ... نصر من الله وفتح قريب
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السادس
من الكتب التي تشتمل عليها
كورة إشبيلية وهو
كتاب الحانة في مدينة طريانة
هذه مدينة ممتدة على شاطئ النهر الأعظم في مقابلة النصف من حضرة إشبيلية، وهي مسورة من جهة الصحراء، وفيها الحمامات والأسواق الضخمة. وقد بنيت على تاج مطل على النهر، ومناظرها التي من جهة النهر سن فيها المعتمد بن عباد أن تبيض بالكلس لئلا تنبو العين عنها، ومن لا ينهض إلى ذلك فيبنى من جهة الصحراء، ولا يترك يبنى من جهة النهر. فجاءت بديعة فتانة المنظر، أكثر شراجيبها منقوشة مذهبة تخطف الأبصار، ويكون فيها من أصناف الطرب في الليالي القمرية ما هو مشهرو في البلاد. ومنها:الشيخ النحوي الأديب
أبو عمران موسى الطرياني
سكن قصر عبد الكريم من بر العدوة، وهنالك قرأت عليه، ووجدت فيه من اللطافة والظرف ما لم أزل أحدث به. وأنشدني من شعره قوله في المدينة التي يعملها أهل المغرب من العجين بأصناف الألوان في النوروز المعروف عندهم بينير:مدينة مصوره ... تحار فيها السحره
لم تبنها إلا يدا ... عذراء أو مخدره
بدت عروساً تجتلى ... من درمك مزعفره
وما لها مفاتح ... إلا البنان العشرة
وقوله:
شكوت لها الغرام عسى رضاها ... يريني بعد شقوتي النجاحا
فقالت لي: إذا ما الليل أرخى ... ستائره فسل عني البطاحا
فيممت البطاح ولا دليل ... سوى عرف تضمنه الرياحا
فقالت: نم، فقلت: أمثل طرفي ... ينام وقد رأى ذاك السماحا؟
فقالت: بل تناوم إن وجهي ... إذا استيقظت يذكرك الصباحا
فتمسى طول ليلك في عذاب ... تراع وما صباح الروع لاحا
وتركته في قيد الحياة.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السابع
من الكتب التي تشتمل عليها الكورة الإشبيلية وهو
كتاب الحبابة في حلى قرية الغابة
من القرى التي على نهر إشبيلية، منها:محمد بن سليمان بن ربيع
الخولاني الغابي
أنشد له صاحب الحدائق:أمثل شوقي إليك ينفرج ... وهل بروحي في الجسم يمتزج
أين لقلبي من الهوى فرج ... ولوعة الشوق فيه تعتلج
وابأبي من يذيب نفسي بالتك ... ريه منه الدلال والغنج
علم طرفي السهاد من طرفه الس ... احر ذاك الفتور والدعج
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثامن
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب الكورة الإشبيلية وهو:
كتاب وشاح المصر في حلى حصن القصر
من الحصون المذكورة المشهورة، التي في الشرف، وكان ابن عباد كثيراً ما يتفرج في وادي الطلح بجهته، وهو نهر مليح في نهاية الحسن. وينسب إليه:ابن حبيب القصري الفيلسوف
برع في العلم القديم، واشتهر اشتهار البدر في الليل البهيم، فلاحظته الأعين، وخاضت فيه الألسن، وصادف اشتهاره إظهار مأمون بني عبد المؤمن طلب الزنادقة وتطهير الأرض منهم، فكان فيمن ضرب عنقه وصلبه. وله شعر أنشدت منه قوله:جلت في علم ترفع ... ت به عن ذي البريه
وترقيت إلى أن ... صح لي الذات العليه
ثم إنا نجرع المو ... ت جميعاً بالسويه
فأبن لي العدل يا جا ... هل في هذي القضيه
وقوله:
هنيئاً خلعة الملك الذي قد ... رآك لها من العظماء أهلا
حباك بها من النعمى سحاباً ... ومن جاه يمد عليك ظلا
ول موشحات، منها موشحة أولها:
اشرب على ضفة الغدير ... وبهجة الروض في المطر
وانظر إلى الكوكب المنير ... يسعى بكاس لها شرر
لا تشرب الكاس دون ساق ... تسبيك من وجهه فتن
مهفهف الخصر ذو نطاق ... يجول منه بكل فن
وقف على اللثم والعناق ... يصلح في مذهب الحسن
يهتز في قده النضير ... على كثيب يسبي البصر
يا قوم هل فيه من مجير ... فليس لي عنه مصطبر
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:؟
الكتاب التاسع
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب الكورة الإشبيلية وهو:
كتاب النورة في حلى حصن لورة
من حصون نهر إشبيلية، ينسب إليه:عبد الغفار بن مليح اللوري
إن كان ضعيف الشعر فقد صدر له قوله:بتنا وبرد الليل ينسجه الدجى ... لكن تمزقه الكؤوس اللمع
والنهر مثل الصب يشكو بعده ... عن روضه وتراه فيه يطبع
وإذا أتاه المد راجع وصله ... رغماً فتلقاه الغصون فيركع
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب الحركات المجونية في حلى الكورة القرمونية
كورة مشهورة بكثرة المحرث طيبه، والحالي منها مدينة قرمونة، وهي مدينة من جهة ضخامة الأسواق والحمامات، ومعقل عظيم من جهة الارتفاع والمنعة، لا ترام بقتال. وهي من حصون الإسلام المشهورة. وقد كان امتنع فيها يحيى بن علي بن حمود الفاطمي، وجعل يقاتل ابن عباد في إشبيلية حتى ضاق ابن عباد به، ولم يكن له فيه حيلة لمنعة معقله، إلى أن خرج ليلة، وهو سكران، بخيل ضربت من إشبيلية على قرمونة، فوقع في أيديهم فقتلوه.السلك
أبو الحسن علي بن الجعد القرموني
لحق دولتي الملثمين والمصامدة، وكان فقيهاً، ورحل إلى المشرق، ومن شعره قوله:خلني والغصون مهما تثنت ... فلقلبي هناك أمر عجيب
أتراها تكون أطرب مني ... حين يشدو بها الحمام الطروب
لا تلمني على انهتاكي في الح ... ب إذا قيل قد جفاك الحبيب
؟أنا الله لا أطيق اصطباراً ... وإذا ما صبرت إني كذوب
وقوله:
إياك من زلل اللسان فإنما ... قدر الفتى في لفظه المسموع
فالمرء يختبر الإناء بنقره ... ليرى الصحيح به من المصدوع
البلارج القرموني
ممن لقيته بقرمونة، وأنشدني أشعاراً ضعيفة تعلق منها بخاطري قوله:لنا معقل سامي الذرى قارب السما ... إذا رامه من رامه ليس يظفر
وأعيانه زهر كرام أعزة ... وسل عنهم فالذكر بالجود يخبر
ومن زجل:
حبيب إيك تغيب عن عيني
فإن بعدك يولد حيني
أهوى دنوك وتهوى بيني
يا رب إش حظ بين العشاق
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب الدرة المخزونة في حلى كورة شذونة
من أجل كور إشبيلية محرثاً، وشجرة، ومياهاً، وضياعاً، وماشية، وهي إلى جانب البحر المحيط.وكتابها ينقسم إلى أربعة كتب: كتاب التعريش في حلى مدينة شريش كتاب انعطاف السكرانة في حلى قرية شرانة
كتاب ابتسام العابس في حلى جزيرة قادس
كتاب عقلة العجلان في حلى معقل خولان
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب كورة شذونة وهو
كتاب التعريش في حلى مدين شريش
هي حالية، لها بساط، وسلك، وعصابة:البساط
من مدن الأندلس المليحة ظاهراً وباطناً، دخلتها وتفرجت فيها كثيراً، وهي في نهاية من العمارة وكثة الأرزاق، ولها رؤساء أغنياء، لهم نعم واسعة. ومن متفرجاتها الجانة وهي على النهر بهجة المنظر، فيها يقول أبو عمرو ابن غياث:باكر الجانة مع روح الجنان ... واصطبح فيها على نقر المثان
حبذاها من عروس تجتلي ... في برود لم يحكهن البنان
رقمتها الشمس في رأد الضحى ... وكأن الطل أسلاك الجمان
جنة زيدت لأمر ألفاً ... وسلوني إنني رب المعان
هي فأل للذي قد عودت ... معشر العشاق من إلف الحسان
ومرج السندسية، ونهر لك وهو نهر مستحسن، عليه بساتين، ومناظر ملاح، وكأنه مختصر نهر إشبيلية.
العصابة
ولاتها تتردد عليها من إشبيلية. وقد ثار فيها محمد بن القاسم بن حمود الفاطمي في مدة ملوك الطوائف، وخطب لنفسه بالخلافة، واتسعت رقعته، فملك الجزيرة الخضراء، وأخذها المعتضد بن عباد من ابن أبي قرة.السلك
من كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت
أبو الحسن
علي بن أحمد بن علي بن فتح
؟؟المشهور بابن لبال من بني أمية
من مطرب ابن دحية: هو عين ذلك المصر، وفارسه في الفقه والنظم والنثر، ولي القضاء به، فحمدت في ذات الله مآثره وآثاره، وسارت في العدل أخباره، ومن شعره قوله في الجلمين:ومعتنقين ما اتهما بعشق ... وإن وصفا بضم واعتناق
لعمر أبيك ما اجتمعا لأمر ... سوى سعى القطيعة والفراق
وقوله في محبرة عناب محلاة بفضة:
منعلة بالهلال ملجمة ... بالنسر مجدولة من الشفق
كأنما جمرها تميع في ... قرصتها سائلاً من الغسق
فأنت مهما ترد شبيهتها ... في كل حال فانظر إلى الأفق
وله أمداح وتشوق في النبي صلى الله عليه وسلم
أبو جعفر أحمد بن أبي محمد
كان في مدة منصور بني عبد المؤمن، وبيته مشهور إلى الآن.ومن شعره قوله:
على حسن نور الباقلاء أدرهما ... على الصب كأس خمرة وجفون
يذكرني بلق الحمام، وتارة ... يذكر للأشجان شهل عيون
ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام
أحمد بن شكيل
من شعراء شريش في مدة منصور بني عبد المؤمن.أنشدني له والدي قوله:
وقالوا: أتهواه على قلح به؟! ... فقلت: هناني دون غيري مورد
متى أبصرت عيناك في الماء عرمضاً ... إذا كان في كل الأحايين يورد؟
وقوله:
تفاحة بت بها ليلتي ... أبثها سرى والشكوى
أضمها معتنقاً لاثماً ... إذ ذكرت سرة من أهوى
أبو عمرو بن غياث
شاعر مشهور من شعراء المائة السابعة، اجتمع به والدي في سبتة وغيرها. ومن مشهور شعره ومستحسنه قوله:صبوت وهل عار على الحر إن صبا ... وقيد بعشر الأربعين إلى الصبا
يرى أن حب الحسن في الله قربة ... لمن شاء بالأعمال أن يتقربا
وقالوا: مشيب قلت واعجبا لكم ... أينكر صبح قد تخلل غيهبا
وليس بشيب ما ترون وإنما ... كميت الصبا مما جرى عاد أشهبا
وقوله:
كأنك لم تبصر كميت الدجى ... يدركه من صبحه أشهب
الأهداب
وصف الحضرمي أهل شريش بالنذالة المفرطة، وفيها يقول ابن رفاعة الساكن بها في عصرنا:شريش ما هي إلا ... تصحيف شر يبين
فارحل فديتك عنها ... إن كنت ممن تدين
فقلما ساد فيها ... حر ولا من يعين
من موشحة لابن غياث:
طال عنكم مغيبي ... فلم تراعوا ودادي
ذاك شأن الغريب ... ينسى بطول البعاد
لم يكن باختياري ... لكن بحكم القضاء
رحلتي عن دياري ... فصرت في الغرباء
إن سلوت نهاري ... أطلت ليلي بكائي
ليس لي من مجيب ... في الليل حين أنادي
غير دمع سكيب ... ولاعج في ازدياد
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يحتوي عليها
كتاب الكورة الشذونية وهو
كتاب انعطاف السكرانة في حلى قرية شرانة
من قرى مدينة شريش، وهي حالية بترجمة الوزير الكاتب:أبي بكر محمد بن عبد العزيز
ذكر ذلك الحجاري وأورد ما في الذخيرة من أن بني عبد العزيز يعرفون ببني المرخى، ونسبهم في لخم، وهم حملة فضل، ونبتة نبل، وذكر أنه كاتب العصر، وكان أبوه يكتب للمأمون بن المعتمد بن عباد ملك قرطبة، ونشأ أبو بكر في حجر تلك الدولة، وكان بقرطبة سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وبينهما مخاطبة.من رسالة ابن المرخي في جواب ابن بسام: وقفت أعزك الله من كتابك الكريم، المهدى من البر العميم، ما أيسره يثقل الظهر، ويستنفد الشكر، ويستعبد الحر، ورأيتك - رأيت أملك - تخطب من مودتي ما ليس بكفء لخطبتك، ولا بإزاء رتبتك، لكنه فضل، ملكت زمامه، وأعطيت مقوده وخطامه.
ومن السمط: إنه بحر البلاغة إذا طم ومسك الفصاحة إذا نم، وبدر الكتابة إذا تم. وما أورد من نظمه قوله في مخاطبة ابن خفاجة:
أما طل فيك الشوق وهو غريم ... وأطلب فيض الدمع وهو كريم
ولو أنه ماء لبرد غلتي ... ولكن دمع العاشقين حميم
ومنه:
ومن يحمد الإصباح في عقب السرى ... فإن صباحي بالمشيب ذميم
ومن نثره: ما العين بكراها، ولا النفوس ببشراها، ولا الغريب بوطنه، ولا اللبيب بإصابة فطنه، بآنس متى بكتاب عمادي الأعلى، وقد ورد فأهدى مبرة لم يبعد بأمثالها عهدي، وجدد مسرة لا أزال أعمل في شكرها جهدي.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من كتب
الكورة الشذونية وهو
كتاب ابتسام العابس في حلى جزيرة قادس
جزيرة منقطعة في البحر المحيط، وفي بحرها من جهة البر آثار قنطرة كان يدخل عليها الماء الحلو من البر في مدة النصارى. وفيها كرمات وبساتين، وقد صبحها النصارى من الشمال فأحرقوها.علي بن أحمد الكتاني القادسي
لقيت بالقدس على زي الفقراء، وقد صدر من الحج، وأنشدني لنفسه:ذاك العذار المطل ... دمى عليه يطل
كأنما الخد ماء ... وقد جرى فيه ظل
عقود صبري عليه ... مذ حل فيه تحل
جرت دموعي عليه ... فقلت آس وطل
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليهاكتاب الكورة الشذونية وهو
كتاب غفلة العجلان في حلى قلعة خولان
قلعة منيعة، كالمائدة منقطعة، ولها كروم وبساتين ونهر صغير، وأهلها لهم رجلة وشدة ودعارة مفرطة، ولعبهم في أكثر الأوقات في ظاهر بلدهم بالرماح والسيوف.أبو عمران بن سالم القلعي
فاضل ذو بيت مشهور هنالك، أخرج أهل القلعة بيته بأسره لما ثاروا على المصامدة، لأن نسبهم في هسكورة. ومن شعره قوله:أقسم لا جفت له دمعة ... ما غبت عنه وجفا ربعه
أظلمت الآفاق من بعدها ... كأنما كانت له شمعه
وقوله:
طلعت علي والأحوال سود ... كما طلع الصباح على الظلام
فقل لي كيف لا أوليك شكري ... وإخلاص التحية والسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب فجأة السرور في حلى كورة مورور
ذكر الرازي: أنها اشتملت على فوائد كثيرة، ومنها:أمية بن غالب الموروري
ذكر الحجاري: أنه من شعراء المنصور بن أبي عامر وأن صاحب الجذوة أنشد له:أعدوا غداً ليكون الفراق ... ولم يعلموا ذا هوى بانطلاق
فنم الرغاء بإعدادهم ... وجمع الركاب دليل افتراق
أسروا نوى البين في ليلهم ... فأظهره الصبح قبل انفلاق
ويوم الفراق على قبحه ... يذكرنا الشوق حسن التلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب نفحة الورد في حلى قلعة ورد
لهذه القلعة عمل جليل كثير الخير والجباية والحالي منه قرية مغيلة، منها:أبو بر المغيلي
على ما ذكره الحجاري، واختص بجعفر المصحفي وأنشد له صاحب الجذوة:تبين فقد وضح المعلم ... وبان لك الأمر لو تفهم
هو الدهر لست له آمناً ... ولا أنت من صرفه تسلم
وإن أخطأتك له أسهم ... أصابتك بعد له أسهم
لياليه تدني إليك الردى ... دوائب في ذاك ما تسأم
أتفرح بالبرء بعد الضنا ... وفي البرء داؤك لو تعلم
فأين الملوك وأشياعهم ... ودنياهم أدبرت عنهم
فهذي القبور بهم عمرت ... وتلك القصور خلت منهم
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السادس
من الكتب التي تشتمل عليهاالمملكة الإشبيلية وهو
كتاب شفاء التعطش في حلى كورة أركش
كورة كثيرة الأرزاق، والحالي منها معقل أركش، من معاقل الأندلس المنيعة المستورة. وقد ثار فيه ولد المعتمد بن عباد، فأذاق إشبيلية شراً، حتى قتل بسهم.السلك
من كتاب أردية الشباب في حلى الكتاب
أبو جعفر أحمد بن عبيد
بيته مشهور معظم في أركش. وأبو جعفر من أعيان كتاب ملوك الدولة المصمودية، واجتمعت به في إشبيلية، وبها تركته، وبلغني الآن أنه وفد على تونس، فتقدم عند سلطانها. واشتهر من شعره قوله:قالوا: خليلك ملتاث، فقلت لهم: ... نفسي الفداء له من كل محذور
يا ليت بي ما به من علة وله ... أجري وأني فيها غير مأجور
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
أبو زكريا يحيى بن محمد الأركشي
من حفاظ الأدب، طال عمره، وهو راوية ابن خفاجة وبينه وبين ابن الزقاق مخاطبة بالشعر. وأنشد له الشقندي:لا تبكين لإخوان تفارقهم ... فإنني قبلك استخبرت إخواني
فما حمدتهم في حال قربهم ... فكيف في حال إبعاد وهجران
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب الدروع المسنونة في حلى كورة أشونة
من كور إشبيلية فيما بينهما وبين غرناطة، منها:غانم بن الوليد بن عمر بن غانم
الأشوني الساكن بمالقة
عالم جليل مذكور في المائة الخامسة ذكره صاحب الذخيرة والمسهب، ومن مشهور شعره قوله:صير فوادك للمحبوب منزلة ... سم الخياط مجال للمحبين
ولا تسامح بغيضاً في معاشرة ... فقلما تسع الدنيا بغيضين
وقوله:
وإذا الديار تتكرت حالاتها ... فدع الديار وأسرع التحويلا
ليس المقام عليك حتماً واجباً ... في بلدة تدع العزيز ذليلا
لا يرتضى حر بمنزل ذلة ... لو لم يجد في الخافقين مقيلا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثامن من الكتب التي يحتوي عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب بغية الظريف في حلى جزيرة طريف
ليست بجزيرة، وإنما هي مدينة صغيرة أمامها جزيرة في البحر، نزل بها طريف مولى بني أمية أول فتح الأندلس، فنسبت له. وأهلها من كرام الناس وأحسنهم إقبالاً على الغريب.كثير الطريفي
شاعر أدركه والدي، وأنشدني له:سلام على أطلالهم بعد بينهم ... فكيف بها لو أنهم في جنابها
مررت بها أرتاد منها مرورهم ... عليها وأستشفي بلثم ترابها
وخاطبتها حين استقلوا فلم تبن ... ولا سمحت لحظاً برد جوابها
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب التاسع
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب الحلة الحمراء في حلى الجزيرة الخضراء
من كتاب الرازي: مدينة الجزيرة الخضراء، من أرشق المدن وأطيبها، وأرفقها بأهلها، و أجمعها لخير البر والبحر، وقرب المنافع من كل جهة، توسطت مدن السواحل وأشرفت بسورها على البحر، ومرساها أحسن المراسي للجواز، وأرضها أرض زرع وضرع ونتاج.قال ابن سعيد: لما رجعت إشبيلية إلى ابن هود ولي على الجزيرة الخضراء والدي فأقمنا بها مدة في عيش يجب ذكره والحنين إليه، وفيها أقول:
رعى الله أياماً إذا سر غيرها ... فإن سروري بعدها متكلف
وعند ما يخرج الإنسان من بابها، يجد المياه الجارية والبساتين النضرة، ونهرها يعرف بوادي العسل، سمي بذلك لحلاوته، وعليه موضع سهل، عليه حاجب مشرف على النهر والبحر في نهاية من الحسن، يعرف بالحاجبية.
ومن متنزهاتها النقا. ومقابرها حسنة، في نهاية من الأخذ بالقلوب والفرجة. وولاتها تتردد عليها من إشبيلية.
السلك
من كتاب أردية الشباب
أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري
كاتب المنصور بن أبي عامر ثم ولده المظفر، ذكره صاحب الذخيرة والمسهب، وكلاهما عظم محله، وذكرا: أنه كان يشبه بمحمد بن عبد الملك الزيات في البلاغة والعبقرية. وسجنه المنصور، ثم عفا عنه، وكتب له، وقد أتبع العفو بإحسان:عجبت من عفو أبي عامر ... لا بد أن تتبعه منه
كذلك الله إذا ما عفا ... عن عبده أدخله الجنة
فاستحسن ذلك، وصرفه إلى حاله، ثم كتب بعده للمظفر، فلما قتل صهره ابن سعيد اتهمه، فسجنه في برج من طرطوشة، ثم قتله هنالك. ودخل صاعد البغدادي على المنصور في ويوم عيد، فازدحم على حافة الصهريج، فسقط في الماء، فضحك المنصور، وأمر بإخراجه، وخلع عليه، وقال له: هل حضرك شيء؟ فقال: شيئان كانا في الزمان. فاستبردوا ما أتى به فقال الجزيري: هلا قلت:
سروري بغرتك المشرقة ... وديمة راحتك المغدقه
ثناني نشوان حتى غرق ... ت في لجة البركة المطبقة
لئن ظل عبدك فيها الغريق ... فجودك من قبلها أغرقه
فقال المنصور : لله درك يا أبا مروان قسناك بأهل بغداد ففضلتهم، فبمن تقاس بعد؟ وأنهضه يومئذ للشرطة.
وشرب ليلة مع المنصور فكان ما أوجب أن ارتجل:
أرى بدر السماء يلوح حيناً ... فيبدو ثم يلتحف السحابا
وذلك أنه لما تبدى ... وأبصر وجهك استحيا وغابا
وله في اعتقاله القصيدة المشهورة الطويلة التي يوصى بها ولده؟ منها:
وبضمر الأقلام يبلغ أهلها ... ما ليس يبلغ بالجياد الضمر
؟
ومن كتاب الياقوت
أبو عمر أحمد بن النسره
من
بيوتات الجزيرة، كان له أموال طائلة من الورث، فأفناها في الغبوق والصبوح
وما يتبع ذلك. لقيته وهو بسبلة بيضاء، وقد اشتهر بما ينطق ب قوله:
يعيبون حملي عصى الخصا ... وما زلت مذ كنت حمالها
ولا بأس للمرء في لذة ... على أي جارحة نالها
وتركت في قيد الحياة.
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
أبو عبد الله محمد بن عبد الله الجزيري
برع في العلم وجال، وثار في رأسه أن يحيى سنة مهدي الغرب، وزعم أن أصحابه غيروا أمره، وقال:في أم رأسي سر ... يبدو لكم بعد حين!
لأطلبن مرادي ... إن كان سعدي معيني
أولا فأكتب ممن سعى لإظهار ديني
واشتهر أمره، وعظم في النفوس خبره، ووضعت عليه العيون في جميع بلاد بني عبد المؤمن، وشاع عند الناس أنه يتصور في صورة قط. وكلب، وكانت العامة ترجم الكلاب والسنانير بسبب ذلك، إلى أن قبض عليه في عمل بسطة وحمل رأسه إلى مراكش.
عباس بن ناصح الثقفي الجزيري
ذكره أبو بكر الزبيدي في كتاب طبقات العلماء، وقال: إنه كان منجباً في الولادة، قد ولى قضاء بلده مع شذونة، ووليه من بيته علماء شعراء ومن كتاب المفضل المذحجي نسابة أهل الجزيرة: أن ناصحاً والد عباس كان عبداً لمزاحمة بنت مزاحم الثقفي الجزيري.قال ابن حيان: كان عالماً شاعراً أثيراً عند الخلفاء المروانيين، ووفد مرة على قرطبة في مدة الحكم الربضي، فجاءه أدباؤها للأخذ عنه، فمرت عليهم قصيدة:
لعمرك ما البلوى بعار ولا العدم ... إذا المرء لم يعدم تقى الله والكرم
حتى انتهى القارئ إلى قوله:
تجاف عن الدنيا، فما لمعجز ... ولا حازم إلا الذي خط بالقلم
فقال له يحيى الغزال وهو حدث أيها الشيخ، وما الذي يصنع مفعل مع فاعل؟! فقال: فكيف تقول أنت؟ قال: تجاف عن الدنيا فليس لعاجز. فقال عباس: والله لقد طلبها عمك ليالي فما وجدها! وجعله الرازي فحل شعراء الأندلس وله مشاركة في التعاليم.
أبو الحسن علي بن حفص الجزيري
ذكر الحجاري: أنه لم يلق بالجزيرة الخضراء مثله مروءة وكرم نفس، وتعشقاً لأهل الأدب، مع نظم تميل إليه النفوس، وتسر به سرورها بالكئوس.وأنشد من شعره:
بأبي الذي صافحته فتوردت ... وجناته وانآد نحوي قده
قمر بدا كلف السرى في خده ... لما توالى في الترحل جهده
لكن معالم حسنه نمت كما ... قد نم عن صدإ الحسام فرنده
وقوله:
كم قد بكرت إلى الرياض وقضبها ... قد ذكرتني موقف العشاق
يا حسنها والريح تلحف بعضها ... بعضاً كأعناق إلى أعناق
والورد خد والأقاحي مبسم ... وغدا البهار ينوب عن أحداق
لم أنفصل عنها بكأس مدامة ... حتى حملت محاسن الأخلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب كورة الجزيرة الخضراء وهو
كتاب الإبلال في حلى قرية بني بلال
من القرى المشهورة في عمل الجزيرة الخضراء. منها:أبو العباس أحمد بن بلال
لقيته بالجزيرة، فلقيت خير من يلقى تأنيساً وبراً وكرماً، مع تصرف في الأدب، ومعرفة بالشعر، وقول له، وتركته هنالك. ثم بلغني أنه سعى به إلى السلطان، فنفي من البلد، وفرق بينه وبين الأهل والولد. ومات طريداً غريباً، رحمة الله عليه، فقد كان مألفاً ومقصداً لغرباء الأدب. ولقد مر لي معه أيام لا يزال يتمثلها الضمير، فتميد عليها أغصانه، ويتذكرها فتشوقه أكثر مما تشوقه أوطانه. كتبت إليه في يوم أنس سمح به الزمان فكمله، وبلغ من ساعده ما تمناه وأمله:أبا العباس لو أبصرت حولي ... ندامي بادروا العيش الهنيا
يبيحون المدام ولا انتقاد ... وقارهم ويزدادون غيا
وهم مع ما بدا لك من عفاف ... يحبون الصبية والصبيا
ويهوون المثالث والمثاني ... وشرب الراح صبحاً أو عشيا
على الروض الذي يهدي الطرف ... وأنف منظراً بهجاً وريا
وقد صدح الحمام ومال غصن ... وأمسى النهر صباً أريحيا
فلا تلم السرى على ارتياح ... حكى طرباً بجانبه سريا
ويرتاح ارتياحاً بالمثاني ... ولا ينفك بالنعمى يحيا
فبادر نحو ناد ما خلا من ... نداك فقد عهدتك لوذعيا
فكان جوابه:
أبيت سوى المعالي يا عليا ... فما تنفك دهرك أريحيا
تميل إذا النسيم سرى كغصن ... وتسرى للمكارم مشرفيا
وترتاح ارتياحاً بالمثاني ... وتقتنص الصبية والصبيا
وتهوى الروض قلده نداه ... وألبسه مع الحلل الحليا
وإن غنى الحمام فلا اصطبار ... وإن خفق الخليج فنيت حيا
تذكرني الشباب فلست أدري ... أصبحاً حين تذكر أم عشيا
فلو أدركتني والغصن غض ... لأدركت الذي تهوى لديا
ولم أترك وحقك قدر لحظ ... وقد ناديتني ذاك النديا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب كورة الجزيرة الخضراء وهو
كتاب الأهلة في حلى قرية قسطله
من قرى الجزيرة الخضراء. منها:أبو الوليد يونس بن محمد القسطلي
شاعر مشهرو رحل إلى المشرق، وكان بالقاهرة في المائة السادسة. ومن أحسن ما سمعته هل قوله:وفوق الدوحة الغنا غدير ... تلألأ صفحة وصفا قرارا
إذا ما انصب أزرق مستطيلاً ... تدور في البحيرة واستدارا
يجرده فم الأنبوب صلتاً ... حساماً ثم يفلته سوارا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب العاشر
من الكتب التي يحتوي عليهاكتاب المملكة الإشبيلية
وهو
كتاب الرندة، في حلى كورة رندة
كورة خصيبة كانت أولاً من كور قرطبة، ثم صارت في الأخير من كور إشبيلية، وفيها مزارع القطن كثيرة.وينقسم كتابا على ثلاثة كتب: كتاب المعنى في حلى مدينة تاكرنا كتاب الزبدة في حلى معقل رنده كتاب رونق الجده في حلى حصن أنده
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب الرنده في كورة رندةوهو
كتاب المعنى في حلى مدينة تاكرنا
هي كانت قصبة هذه الكورة، ثم خربت. ومنها:من كتاب أردية الشباب في حلى الكتاب
محمد بن سعيد الزجالي
من بني يطفت برابر تاكرنا
ذكره الحجاري وأخبر: أنه كان يلقب بالأصمعي لذكائه وحفظه، وساد بقرطبة وفشا فيها نسله، وعظم عقبه، وكان أول من استكتبه عبد الرحمن الأوسط. وذكر ابن حيان: أنه سبب سعادته أن عبد الرحمن عثرت به دابته وهو سائر في بعض الأسفار، فكاد يكبو لوجهه، فتمثل:وما لا ترى مما يقي الله أكثر
وطلب صدر البيت فلم يوجد إلا في حفظ الزجالي، فأنشد:
ترى الشيء مما يتقي فتهابه
وكان يكتب عن الأمير، وتشاركه فيه وزراؤه على العادة، فأنف من ذلك، وكتب إليه كتاباً، منه: إن من وسم بميسم كتابته أعزه الله وشرف باسمها لجدير أن يعتلى عن كتابة وزرائه، ويزدهي بحصانة أسراره. فأفرده لكتابته، فجرت عادة. وحفظ قصيدة من سمعة. ثم استوزره محمد بن عبد الرحمن. وله في رسالة يشكو بها نصراً الخصي إلى عبد الرحمن: قد علم ما خصني به دون نظرائي من المنزلة الرفيعة التي أصبحت علماً من أجلها محسوداً، مرمياً بالحدق، تسلقني الألسن وتجول في الأفكار، وعندما استوى بناؤها، وقام عمودها، واسترخت أطنابها، سعى في هدمها من لا أزال أوثل شرف ذكره، وأجل رفيع قدره.
ابنه حامد
سلك
مسلكه وارتقى إلى الكتابة عن سلطان الأندلس محمد بن عبد الرحمن ووزارته،
وكان أهلاً لذلك لبلاغته، وحسن معرفته. وأثنى عليه ابن حيان، خلا أنه كان
يوصف بالبخل، قال: وقيل لمؤمن بن سعيد الشاعر: ما بالك لا تسامر الوزير
حامداً حسبما نراك تفعله مع الوزراء من أصحابه مع قديم اتصالك به؟ فقال:
ذاك جنازة غريب لا يصحبها من صحبها إلا الله. ونمت كلمته إلى حامد، فحقدها،
وشيعه مؤمن بعد أيام في خروجه من قصر السلطان إلى الدار، وهو لا ينكر منه
شيئاً مما كان يعرفه، فلما أراد مؤمن الانصراف قال له حامد: أعظم الله أجرك
أبا مروان، وكتب خطاك! كما يدعي لمشيع الموتى. وغلط أمامه ليلة في بعض
قراءته في التراويح، فقال مكان " والزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما "
فانكحوهما فقال حامد:
أبدع القارئ معنى ... لم يكن في الثقلين
أمر الناس جميعاً ... بنكاح الزانيين
أبو عامر التاكرني
كاتب المنصور بن أبي عامر الأصغر ملك بلنسيةذكر ابن بسام: أنه كاتب مجيد، وأن أباه ساد في الدولة العامرية. ومن عنوان ما أورده من نثره قوله من رسالة عن المنصور المذكور يخاطب مجاهداً العامري، وقد أظلم بينهما الأفق: إن أولى الناس بالإصطلاح نفوس جبلت على صفو ودادها، وأحق الذنوب بالإطراح ذنوب بنيت على غير اعتقادها، وإن رسولك الكريم ورد فلم يتردد عندي إلا ريثما يقدح زند الوداد ولم يبد من إشارتك الرفيعة، سوى برق أسرى به في ظلماء القطيعة.
وكتب مجاهد إلى المنصور رقعة لم يضمنها غير قول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فأحرجت المنصور، وأقامته وأقعدته، وأحضر أبا عامر فكتب عنه:
شتمت مواليها عبيد نزار ... شيم العبيد شتيمة الأحرار
فسلا المنصور عما كان فيه.
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
عباس بن فرناس التاكرني
ذكر ابن حيان: أنه نجم في عصر الحكم الربضي، ووصفه بأنه حكيم الأندلس الزائد على جماعتهم بكثرة الأدوات والفنون. وهو مولى بني أمية، وبيته في برابر تاكرنا. وكان فيلسوفاً حاذقاً، وشاعراً مفلقاً، مع علم التنجيم. وهو أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة، وأول من فك بها كتاب العروض للخليل، وكان صاحب نيرنجات، كثير الاختراع والتوليد، واسع الحيل، حتى نسب إليه السحر وعمل الكيمياء. وكثر عليه الطعن في دينه، واحتال في تطيير جثمانه، فكسا نفسه الريش على سرق الحرير، فتهيأ له أن استطار في الجو من ناحية الرصافة، واستقل في الهواء، فحلق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة، وقال فيه مؤمن:يطم على العنقاء في طيرانها ... إذا ما كسا جثمانه ريش قشعم
وتوفي في أعقاب أيام محمد بن عبد الرحمن سنة أربع وسبعين ومائتين. فتداول صحبة السلاطين الثلاثة، ومدحهم أجمعين. وعمل المنقانه لمعرفة الأوقات، ورفعها للأمير محمد. ونشأ بينه وبين مؤمن بن سعيد مهاجاة، فأفحش الاثنان، ومن قول ابن فرناس فيه:
ترى أثر الأعراد في جحر مؤمن ... كآثار قضب في رماد مغربل
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني من الكتب التي يشتمل عليها كتاب الكورة الرندية وهو
كتاب الزبدة في حلى معقل رنده
من كتاب القلائد: أحد معاقل الأندلس الممتنعة، وقواعدها السامية المرتفعة، تطرد منها على بعد مرتقاها، ودنو النجم من ذراها، عيون لانصبابها دوي كالرعد القاصف، والريح العواصف، ثم يتكون واد يلتوي بجانبها التواء الشجاع، ويزيدها في التوعر والامتناع، لا يتعذر فيها مطلب، ولا يتسور بها عدو إلا علقه ناب أو مخلب.ومن المسهب: معقل رنده الذي تعمم بالسحاب، وتوشح بالأنهار العذاب. ووصف أهلها بالجفاء.
وأخبرني والدي موسى بن سعيد: أن أبا الفتح بن فاخر التونسي حدث له بها وحشة، فقال:
قبحاً لرندة مثلما ... قبحت مطالعة الذنوب
بلد عليه وحشة ... ما إن يفارقه القطوب
ما حلها أحد فين ... وي بعد بين أن يؤوب
لم أتها عند الضحى ... إلا وخيل لي الغروب
أفق أغم وساحة ... تملا القلوب من الكروب
لم يجر لي طرف بها ... إلا وعاجله النكوب!
السلك
من كتاب الإحكام في حلى الحكام
القاضي الكاتب أبو القاسم
أخيل بن إدريس الرندي
من المسهب: لقيته فألفيته قد برع في الآداب، وتغلغل في محاسن الشعراء والكتاب، قال: فمما أعجبني من نثره قوله من رسالة: قد تخيلت أن الهوى لا يبلغ إلى هذا الحد، كما تخيلت أنك لا تنتهي في الجفاء إلى هذا الإعراض والصد، فبت أرقب الكواكب، كأني منجم حاسب، منشداً لأفق السماء، وقد تخيل أني علقت بقمره وقاسيت منه أشد العناء:لو بات عندي قمري ... ما بت أرعى قمرك
وأنشد له قوله:
وددت أن المدام حل ... فأصرف الهم بالمدام
لكنني خائف عقاباً ... مجانب لذة الملام
يا ليتني قد خلقت من قب ... ل حرموها بألف عام
وقوله:
إلى الله أشكو ما أقاسيه من رشا ... يبين على عمد ويدنو بلا عمد
إذا غاب لم يذكر، وإن كان حاضراً ... تلون ما بين الملامة والصد
وأخبرني والي: أنه جالس تاشفين أمير الملثمين، وجالس عبد المؤمن، ونفاه عبد المؤمن إلى مكناسة، ثم عفا عنه. وهو ممن مدحه بجبل الفتح بقصيدة أولها:
ما الفخر إلا فخر عبد المؤمن
؟
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
إلياس بن صدود اليهودي الطبيب
في المسهب: أنه كان في صدر المائة السادسة، وأنشد له قوله:لا تخدعن فما تكون مودة ... ما بين مشتركين أمراً واحدا
انظر إلى القمرين حين تشاركا ... بسناهما كان التلاقي فاسدا
ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام
حبلاص الشعر الرندي
كان شاعراً برندة، لا يؤبه به لاختلال عقله، وكان ساقط الهمة، لا يتعدى صلة الدرهم والدرهمين، إلى أن حل برندة أحد رؤساء الملثمين، فمدحه بقصيدة، وقع له فيها:ولو لم تكن كالبدر نوراً ورفعة ... لما كنت عزاً بالسحاب ملثما
وما ذاك إلا للنوال علامة ... كذا القطر مهما لثم الأفق أتهما
فأعجبه هذا، وأمر له بكسوة وعشرة دنانير، فهرب حبلاص حين حصل ذلك في يده من يومه، فقيل له بعد ذلك: لم فررت بالكسوة والذهب وما ذاك إلا دليل الخير ومبشر بما بعده؟ فقال: والله ما رأيت قط في يدي ديناراً واحداً، وما حسبت أن في الدنيا من يعطي هذا العدد، فلما حصل في يدي ظننت أنه سكران أو مجنون، فبادرت الهرب خوفاً من أن يبدو له فيها!.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث من الكتب التي يشتمل عليها كتاب الكورة الرندية وهو
كتاب رونق الجده في حلى حصن أنده
من حصون رنده.أبو بكر محمد بن عمر الأندي
قرأ معي على أبي علي الشلوبيني إمام نحاة المغرب، وشاهدت منه ذكاء مفرطاً، وإن طال به الأمد، فسيستولي على المدى، وتركته قد رجع من إشبيلية إلى بلده، ومما يستدل به على طبقته قوله:لا تذكرن ما غاب عني من ثنا ... أطنبت فيه فليس ذلك يجهل
فمتى حضرت بمجلس وجرى به ... خبري فإن الذكر فيه يجمل
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الحادي عشر من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب نيل القبلة في حلى كورة لبله
الحالي منها قعدة لبلهالبساط
من كتاب الرازي: جامعة لكل وجه من الفوائد، محبوة بصنوف الخيرات، لم يبعد عنها شيء من المرافق، جمعت البر والبحر، والزرع والضرع، والنحل والنتاج، وأجناس الثمار، وكثرة الزيتون والأعناب، وأرضها يجود فيها العصفر، ويوجد في بحرها القندس، وفيها عين تنبعث بالشب، وعين تتدفق بالزاج.العصابة
ثار فيها في مدة الملثمين البطروجي، وقاسى معه ابن غانية شدة عظيمة، ولم يقدر عليه. وثار بها في مدة ابن هود شعيب، وحاصره بها، فنزل على الأمان بعد مدة طويلة، وأغرى عليه من قتله.
السلك
من كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت
بيت بني الجد
بيت جليل، وهم فهريون، سكنوا لبلة، وسادوا أيضاً بإشبيلية.أبو الحسن بن محمد بن الجد
نبه ابن بسام على أصله وذاته، وأن معاقرة الدنان غضت منه. وقد استكتبه ابن عمار لما ملك مرسية.ومما أنشده من شعره قوله:
فطولك في إرعاء سمعك ساعة ... لتسمع ما شطت به عنك أزمان
وراجع ولو في صفحة الماء راقماً ... وطالع فيكفيني من الطرس عنوان
ووصفه الحجاري بحب الغلمان.
أبو القاسم بن الجد محمد بن عبد الله
من الذخيرة: قريع وقتنا، ووحيد عصرنا. وأنثى عليه ذاتاً وأصلاً. وذكر: أن أهل لبلة ولوه خطة الشورى. وكان قد تقلد وزارة الراضي ابن المعتمد بن عباد. وأورد من نثره ونظمه ما هو مندمج فيما نورده.ومن كتاب القلائد: راضع ثدي المعالي، المتواضع العالي، آية الإعجاز، في الصدور والأعجاز، جمع طبع العراق وصنعة الحجاز، وأقطع استعارته جانبي الحقيقة والمجاز، وأنشد من شعره قوله:
أما ونسيم الروض طاب به فجر ... وهب له من كل زاهرة نشر
تحامى له عن سره زهر الربا ... ولم يدر أن السر في طيه نشر
ففي كل سهب من أحاديث طيبه ... تمائم لم يعلق بحاملها وزر
لقد فغمتني من ثنائك نفحة ... ينافسني في طيب أنفاسها الزهر
تضوع منها العنبر الورد فانثنت ... وقد أوهمتني أن منزلها الشحر
سرى الكبر في نفسي بها ولربما ... تجانف عن مسرى ضرائبها الكبر
وشيب بها معنى من الراح مطرباً ... فخيل لي أن ارتياحي بها سكر
أبا عامر أنصف أخاك فإنه ... وإياك في محض الهوى الماء والخمر
أمثلك يبغي في سمائي كوكباً ... وفي جوك الشمس المنيرة والبدر
ويلتمس الحصباء في ثغب الحصى ... ومن بحرك الفياض يستخرج الدر
ومن نثره: مرحباً أيها البر الفاتح، والروض النافح، فما أحسن تولجك، وأعطر تأرجك، لقد فتحت للمخاطبة باباً، طالما كنت له هياباً، ورفعت حجاباً، ترك قلبي وجابا، وما زلت أحوم عليها شرعة، فلا أسيغ منها جرعة.
أبو عامر أحمد بن عبد الله بن الجد
من سمط الجمان: بدر تطلع في سماء الجلالة، وغصن تفرع في أرومة الشرف والأصالة، لم يدنس ثوب شبيبته براح، ولا أنفق أيام غرارته في لهو ولا أفراح.وأنشد من شعره قوله:
لله ليلة مشتاق ظفرت بها ... قطعتها بوصال اللثم والقبل
نعمت فيها بأوتار تعللني ... أحلى من الأمن أو أمنية الغزل
وأكؤس نتعاطاها على مقة ... حتى الصباح فيا للأنس والجذل
أحبب إلي بها إذ كلها سحر ... صممت فيها عن العذال والعذل
وقوله:
ظلمتني بهجرها ثم قالت ... أنت مني بكل هجر حقيق
حين لم تكتم الهوى، قلت: كلا ... إن عهدي في كتم ما بي وثيق
ليس إلا قتلى أردت وإلا ... كيف يبدي هواك صب شفيق؟
أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد
جل قدره في إشبيلية، وكان يعرف بالحافظ، لكونه كان أعجوبة في سرعة ما يحفظه، وبلغ به العلم إلى مرتبة علية، بحيث أن كان يوسف بن عبد المؤمن ينزل له عن فرسه إذا خرج للقائه. ولم يشتهر بالشعر، وإنما اشتهر بحفظ المذهب المالكي والحديث، وكان بينه وبين عظيمة عدواة، فقال فيهم:وا عجباً كيف لان قلبي ... من بعد ما قسوة عظيمه
صيرني الحب بعد عقلي ... كأنني من بني عظيمه
وعقبه في إشبيلية إلى الآن في نهاية من النباهة.
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
أبو عبد الله محمد بن عياض اللبلي
كان
نحوياً أديباً، مصدراً للإقراء في قرطبة في صدر دولة بني عبد المؤمن. وله
المقامة المشهورة بالدوحية، ترجمت عن لطافته ومعرفته وانطباعه.
أولها:
قال ميزان الأشواق، ومعيار المحبين والعشاق: نبت بي معاهد الأحباب، في
ريعان الشباب، لقينة أذكت نيرانها، وألقت بمسقط الرأس جرانها، فامتطيت
الليل طرفاً، ومزقت السنان طرفاً، وجعلت أمسح الأرض نجداً ووهداً، وأستطعم
الآمال صاباً وشهداً، كالعنز لا يستقر بمنزل، ولا وجد عن رحلة بمعزل، أصعد
من خصور القيعان، إلى روادف الرعان، وأنحدر من متون الهضاب، إلى بطون
اليباب، حتى عجمتني أنياب النوائب، وتقاذفت بي صدور المشارق إلى أعجاز
المغارب، وقد حللت من الاغتراب بين الذروة والغارب، وكنت أكلف بالبلدة
الحمراء، كلف الكمي بالصعدة السمراء، وأحن إلى جوارها، حنين الناقة إلى
حوارها، للذي اشتهر من حسنها وطيبها وخصبها، واختيالها في حلل شربها
وعصبها، فهداني إليها حادي الاغتراب، وتطاوحت بي إليها طوائح الاضطراب، ولا
أمل إلا اعتلاق خل ظريف، والإصغا إلى نبأ طريف. وأنشد فيها:
عربد بالهجر والعتاب ... نشوان من خمرة الشباب
طفا على ريقه حباب ... فاحتجب الخمر بالحباب
أنكرت إلا سقام طرف ... وأي سيف بلا ذباب
إن أنا لاحظته توارى ... من دمعة العين في حجاب
أبصرته جدولاً وورقاً ... من دمع عيني وانتحابي
لم تستبق سلوة وحب ... إلا وطرف السلو كابي
ومن أخرى:
تقاذفت الأيام بي وسط لجة ... من الهجر لا يبدي لها الوصل ساحلا
لعل الرضا يدني من القمر السها ... ويجمعنا غصنين: غضا وذابلا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني عشر من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب الحلة المعجبة في حلى كورة أونبة
من الكور البحرية الغربيةينقسم كتابها إلى: كتبا الأصوات المطربة في حلى مدينة أونبة كتاب عهد الصحبة في حلى مدينة ولبة كتاب الترقيش في حلى جزيرة شلطيش كتاب المقلة الساجية في حلى قرية الزاوية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب الحلة المعجبة في حلى كورة أونبة وهوكتاب الأصوات المطربة في حلى مدينة أونبة
هي حاليةالبساط
غرب من مدينة لبلة إلى جهة البحر، وهي قاعدة عملهاالعصابة
توارث إمارتها البكريون، ورئيسهم المشهور أبو زيد عبد العزيز بن محمد البكري. ومنه أخذها المعتضد بن عباد، ولحق هو بقرطبة.السلك
أبو عبيد عبد الله بن صاحب أونبة
أبي زيد عبد العزيز البكري
من الذخيرة: كان بأفقنا آخر علماء الجزيرة بالزمان، وأجلهم في البراعة والإحسان. كأن العرب استخلفته على لسانها، أو الأيام ولته زمام حدثانها. وأثنى على سلفه، ووصفه بمعاقرة الراح، وأنشد له:خليلي إني قد طربت إلى الكاس ... وتقت إلى شم البنفسج والأس
فقوما معي نلهو ونستمع الغنا ... ونسرق هذا اليوم سراً من الناس
ومن القلائد: عالم الأوان ومصنفه، ومقرط البيان ومشنفه، بتواليف كأنها الخرائد، وتصانيف أبهى من القلائد، حلى بها من الزمان عاطلاً، وأرسل بها غمام الإحسان هاطلاً، ووضعها في فنون مختلفة وأنواع، وأقطعها ما شاء من إتقان وإبداع. وأما الأدب فهو كان منتهاه، ومحل سهاه، وقطب مداره، وفلك تمامه وإبداره، وكان كل ملك من ملوك الأندلس يتهاداه تهادي المقل للكرى، والآذان للبشرى. وأنشد له في خط ابن مقلة:
خط ابن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه لو بدت مقلا
ومن رسالة: وله المنة في ظلام كان أعزه الله صبحة، ومستبهم غدا شرحه.
أبو الحسن حكم بن محمد
غلام أبي عبيد البكري
من
الذخيرة: أبو الحسن في وقتنا بحر من بحور الكلام، قذف بدر النظام، فقلده
أعناق الأيام، أحسن من أطواق الحمام. وذكر: أنه من شعراء الدولة العبادية،
وزهد بعدها في الشعر. وهو مولى البكريين. وأنشد له ما يبين الغرض منه فيما
اخترته منه.
من كتاب القلائد: ذو الخاطر الجائش، الباري لنبل المحاسن
الرائش، الذي اخترع وولد، وقلد الأوان من إحسانه ما قلد، طلع في سماء
الدولة العبادية نجماً، وصار لمسترق سمعها رجماً، وكان له فيها مقام محمود،
وتوقد لا يشوبه خمود، ثم استوفى طلقه، ولبس العمر حتى أخلقه، فصحب الدولة
المرابطية برهة من الزمان، لا يألو نحرها تقليد لآلئ وفرائد جمان. وأنشد من
شعره قوله:
أرقني بعدك البعاد ... فناظري كحله سهاد
يا غائباً وهو في فؤادي ... إن كان لي بعده فؤاد
الله يدري وأنت تدري ... أن اعتقادي لك اعتقاد
تذكر والحادثات بله ... ليس لها ألسن حداد
ونحن في مكتب المعالي ... يصبغ أفواهنا المداد
يسدل ستر الصبا علينا ... والأمن من تحتنا مهاد
لا نتهدي لما خلقنا ... نجهل ما الكون والفساد
تكلؤنا من حفاظ بكر ... لواحظ ما لها رقاد
وهمة ناصت الثريا ... تقود صعباً ولا تقاد
أذمة بيننا لعمري ... يحفظها السيد الجواد
حسب العدا منك ما رأوه ... لا وريت للعدا زناد
لم يعلم الصائدون منهم ... أنك عنقاء لا تصاد
وأن في راحتيك سعداً ... تندق من دونه الصعاد
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب كورة أونبة وهوكتاب عهد الصحبة في حلى مدينة ولبة
من عمل أونبة، ينسب إليها:ذو الوزارتين أبو بكر محمد بن سليمان
المعروف بابن القصيرة الولبي
من الذخيرة: هو في وقتنا جمهور البراعة، وقدوة أهل الصناعة، نشأ في دولة المعتضد، واعتنى به أبو الوليد بن زيدون فقدمه عنده، ثم تقدم عند المعتضد، وصيره سفيراً بينه وبين يوسف بن تاشفين، إلى أن نكب مع المعتمد، ثم اشتمل عليه أمير الملثمين.ومن القلائد: غرة في جبين الملك، ودرة لا تصلح إلا لذلك السلك، باهت به الأيام، وتاهت في يمينه الأقلام، واشتملت عليه الدول اشتمال الكمام على النور، وانسربت إليه الأماني انسراب الغمام إلى الغور.
فمن نثره قوله: وافتني أطال الله بقاءك أحرف كأنها الوشم في الخدود تميس في حلل إبداعها، وإنك لسابق الحلبة لا يدرك غبارك في مضمارها، ولا يضاف سرارك إلى إبدارها، وما أنت في أهل البلاغة إلا نكتة فلكها، ومعجزة تشرف، الدول بتملكها، وما كان أخلقك بملك يدنيك، وملك يقتنيك، ولكنها الحظوظ لا تعتمد من تتجمل به وتتشرف، ولا تقف إلا على من توقف، ولو أنفقت بحسب الرتب لما ضربت عليك إلا قبابها، ولا عطفت عليك إلا أثوابها، وأما ما عرضته فلا أرى إنفاذه قواما، ولا أرى لك أن تترك عيون رأيك نياما، ولو كففت عن هذا الخلق، وانصرفت عن تلك الطرق، لكان الأليق بك، والأذهب مع حسن مذهبك.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب كورة أونبة هوكتاب الترقيش في حلى جزيرة شلطيش
جزيرة في البحر المحيط. فيها مدينة صغيرة حصينة. منها:الفقيه الكاتب أبو بكر
محمد بن يحيى الشلطيشي
المعروف بابن القابلة
من السمط: ذو المنزع اللطيف، والتلون الظريف، وسالك مهيع ابن العريف، وملبس سوقة المعاني حلل اللفظ الشريف. كان حين تهدل غصون آدابه، وترفل أيام شبابه في ذيول أرابه، يندى مجلسه بقطر الأدب الغض، ويفري الفرى لسانه وعيناه لا يبرح مغرزها من الأرض. عنوان ما أورده من نثره: من رسالة كتب بها إلى يحيى بن غانية:أما بعد، فإن الله تعالى يقول: " ظهر الفساد في البر والبحر
بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " إنه قد عمت
الرزايا والمصائب، وشملت الفتن المشارق والمغارب، وهلك فيها إلا ما شاء
الله الشاب والشائب، وعادت زاهرات الأمصار موحشة خرائب، وعامرات الأقطار
مقفرة سباسب، بما كسبت أيدي الناس ولولا حلم الله وإمهاله ليتوب إلهي عبيد
ه، ويرجع عما يكرهه إلى ما يريده، لكان الإبلاس، ولرفع من الرحمة المساس.
ومن
أخرى: الحمد لله عالم السر والعلن، والصلاة على سيدنا محمد رسوله شارع
الفرض والسنن، ورضي الله عن الصحابة الذين شاهدوا من النبوة أعلامها،
وصاحبوا كيفما تقلبت أيامها، والتزموا من غير أن يجدوا في أنفسهم حرجاً
أحكامها، وعن التابعين وتابعيهم المحسنين الذين نالوا من الولاية حالها
ومقامها، وإيجادها فناء وبقاء وإعدامها، وإثباتها على فلك واصطلامها.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب كورة أونبة.وهو
كتاب المقلة الساجية في حلى قرية الزاوية
ذكر الحجاري: أنها ما أعمال أونبة. نسب إليها بنو حزمالوزير العالم الحافظ
أبو محمد علي بن الوزير
أبي عمر أحمد بن سعيد بن حزم الفارسي مولى بني أمية
من الذخيرة: كان كالبحر لا تكف غواربه، ولا يروى شاربه، وكالبدر لا تجحد دلائله، ولا يمكن نائله. وقال ابن حيان في المتين: كان حامل فنون من حديث وفقه وجدل ونسب، وما يتعلق بأذيال الأدب، مع المشاركة في كثير من أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، له في بعض تلك الفنون كتب كثيرة، غير أنه لم يخل فيها من غلط وسقط، لجراءته في التسور على الفنون، لا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زل هنالك، وضل في سلوك تلك المسالك، وخالف أرسططاليس واضعه مخالفة من لم يفهم غرضه، ولا ارتاض في كتبه. ومال أولاً به النظر في الفقه إلى رأي الشافعي، وناضل عن مذهبه، وانحرف عما سواه حتى وسم به، ونسب إليه، فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء، وعيب بالشذوذ، ثم عدل في الآخر، إلى قول أصحاب الظاهر، مذهب داود بن علي ومن ابتعه من فقهاء الأمصار، فنقحه، ونهجه، وجادل عنه، ووضع الكتب في بسطه، وثبت عليه إلى أن مضى لسبيله، رحمه الله. وكان يجادل عن علمه هذا من خالفه، على استرسال في طباعة، ومذل بأسراره، واستناد إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده، " ليبيننه للناس ولا يكتمونه " فلم يك يلطف بما عنده بتعريض، ولا يزفه بتدريج، بل يصك به معارضه صك الجندل، وينشقه أحر من الخردل، فطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به منقطع أثره، بقرية بلده، من بادية لبلة. وبها توفي رحمه الله سنة ست وخمسين وأربعمائة.وكان متشيعاً في بني أمية منحرفاً عمن سواهم من قريش، وادعى أنه من الفرس، وهو خامل الأبوة من عجم لبلة. وصله من ابن عمه أبي المغيرة رسالة فيها ما أوجب أن جاوبه بهذه: سمعت وأطعت لقول الله تعالى: " وأعرض عن الجاهلين " وأسلمت وانقدت لقول نبيه عليه السلام: " صل من قطعك، واعف عمن ظلمك " ، ورضيت بقول الحكماء: كفاك انتصاراً ممن تعرض لأذاك إعراضك عنه، وأقول:
تبغ سواي امرءاً يبتغي ... سبابك، إن هواك السباب
فإني أبيت طلاب السفاه ... وصنت محلى عما يعاب
وقل ما بدا لك من بعد ذا ... فإن سكوتي عنه خطاب
وأقول:
كفاني بذكر الناس لي ومآثري ... ومالك فيهم يا ابن عمي ذاكر
عدوي وأشياعي كثير، كذاك من ... غدا وهو نفاع المساعي وضائر
وإني وإن آذيتني وعققتني ... لمحتمل ما جاءني منك صابر
قال قصيدة منها:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة ... ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
ولو أنني من جانب الشرق طالع ... أجد علا ما ضاع من علمي النهب
وله على مذهبه:
وذي عذل فيمن سباني حسنه ... يطيل ملامي في الهوى ويقول:
أمن أجل وجه لاح لم تر غيره ... ولم تدر كيف الجسم أنت عليل
فقلت له: أسرفت في اللوم فاتئد ... فعندي رد لو أشاء طويل
ألم تر أني ظاهري وأنني ... على ما أرى حتى يقوم دليل
وله:
يقول أخي: شجاك رحيل جسمي ... وقلبي عندكم أبداً مقيم
فقلت له: المعاين مطمئن ... لذا سأل المعاينة الكليم
وله في غلام ناحل:
وإن غصناً أبداً لا تزول ... عليه شمس لحر بالذبول
ابن عمه أبو المغيرة عبد الوهاب
ابن أحمد بن عبد الرحمن
بن سعيد بن حزم
من الذخيرة: لحق ببلاد الثغر، وقد اعتلت طبقته في النظم والنثر، وكتب عن عدة من الملوك ونال حظاً عريضاً من دنياهم، إلا أنه اعتبط شاباً بعد أن ألف عدة تواليف. وشجر الأمر بينه وبين ابن عمه أبو محمد ابن حزم، وجرت بينهما هنات ظهر فيها أبو المغيرة، وبكته، حتى أسكته.جواب أبي المغيرة للرسالة المتقدمة: قرأت هذه الرقعة العاقة، فحين استوعبتها أنشدتني:
نحنح زيد وسعل ... لما رأى وقع الأسل
فأردت قطعها، وترك المراجعة عنها، فقالت لي نفس قد عرفت مكانها: بالله لا قطعتها إلا يده، فأثبت على ظهرها، ما يكون سبباً إلى صونها، وقلت:
نعقت ولم تدر كيف الجواب ... وأخطأت حتى أتاك الصواب
وأجريت وحدك في حلبة ... نأت عنك فيها الجياد العراب
وبت من الجهل مستنبحاً ... لغير قرى فأتتك الذئاب
مملكة بطليوس
كتاب الفردوس في حلى مملكة بطليوس
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث من الكتب التي يحتوي عليها غرب الأندلس وهو
كتاب الفردوس في حلى مملكة بطليوس
مملكة جليلة في شمال الأندلس، وقد استولى عليها النصارى، وكتابها ينقسم إلى: كتاب الأمثال الشاردة في حلى مدينة ماردة كتاب نزع القوس في حلى مدينة بطليوس كتاب نغم المغردين في حلى حصن مدلين كتاب الجنة في حلى حصن قلنة كتاب الروضة المزهرة في حلى مدينة يابره كتاب وشي الحلة في حلى مدينة ترجلة كتاب حسن الغانية في حلى حصن جلمانيةبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة البطليوسية وهو
كتاب الأمثال الشاردة في حلى مدينة ماردة
المنصة
من كتاب الرازي: إحدى القواعد التي بنتها ملوك العجم للقرار، وفيها من إظهار القدرة الماء المجتلب المحجوب عليه بأبنية، أعجزت الصانعين صنعتها. ويحكى أنه كان في كنيستها حجر يضيء الموضع من نوره، فأخذته العرب أول دخولها.التاج
قد اتخذها سلاطين الأندلس قبل الإسلام سريراً لسلطنة الأندلس، وكانت في دولة بني أمية يليها عظماء بيتهم، وكثيراً ما تخالف عليهم، ثم صار الكرسي بطليوس، وهي الآن للنصارى.السلك
أبو الربيع سليمان بن محمد
بن أصبغ بن وانسوس
أصله من البربر، ولآبائه رئاسة في مدينة ماردة، وساد هو في حضرة قرطبة وصار وزيراً، وجل قدره وله نثر متأخر الطبقة، ونظم، منه قوله:كيف لي أن أعيش دونك يا بد ... ر الدياجي وأنت مني بعيد
إن يوماً أراك فيه ليوم ... في حسابي مدى الزمان سعيد
ومرادي ألا أراك تداني ... غير وصلي وذاك مالا تريد
وقوله:
الحب علم مقلتي أن تسهرا ... وقضي علي بأن أذل وأصبرا
يا مشبه القمرين مالك معرضاً ... عني وإني لا أزال محيرا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة البطليوسية وهو
كتاب نزع القوس في حلى مدينة بطليوس
المنصة
من كتاب الرازي: مدينة عظيمة كثيرة الحذق، جامعة للخلق، أرضها كريمة، وهي على نهر أنة.ومن
المسهب: حاضرة بلاد الجوف التي تمصرت فيها، و تأهلت بتوارث المملكة
الأفطسية على جميع ما يليها، قد خطت في بسيط من الأرض، مخضر الأبراد، منفسح
المراد، وأوفت على النهر الأعظم المعروف بنهر أنة، وليس الآن في بلاد
الجوف قاعدة أعظم منها. وبنى فيها المتوكل بن الأفطس المباني الطيبة،
والمصانع الجليلة. وفيها يقول ابن الفلاس:
بطليوس لا أنساك ما اتصل البعد ... فلله غور من جنابك أو نهد
ولله دوحات يحفك بينها ... تفجر واديها كما شقق البرد
التاج
ذكر ابن حيان: أن الذي أحدث هذه المدينة، وكان أول بان لها عبد الرحمن بن مروان المعروف بالجليقي. وكان ابتداء خلافه على سلاطين بني مروان سنة إحدى وستين ومائتين، وتوارثها ولده.وصارت في مدة ملوك الطوائف بعد انقراض دولة بني أمية من الأندلس إلى بني الأفطس. وأولهم: المنصور عبد الله الأفطس بن سلمة، ثم ورثها عنه ابنه المظفر أبو بكر محمد، وكان قريع المعتضد بن عباد ومحاربه، وهو الذي صنف كتاب المظفري في الأدب والتاريخ، نحو مائة مجلد. وورثها بعده ابنه:
المتوكل عمر بن المظفر
من المسهب: كان المتوكل في حضرة بطليوس، كالمعتمد بن عباد في حضرة إشبيلية، فكم أحييت الآمال بحضرتهما، وشدت الرحال إلى ساحتهما.ومن القلائد: ملك جند الكتائب والجنود، وعقد الألوية والبنود، وأمر الأيام فائتمرت، وطافت بكعبته المال واعتمرت، إلى لسن وفصاحة، ورحب جناب للوافدين وساحة، ونظم شعر يزري بالدر النظيم، و نثر تسرى رقته سرى النسيم، وأيام كأنها من حسنها جمع، وليال كان فيها على الأنس حضور ومجتمع. وآل أمره إلى أن حصره الملثمون، وقتلوه مع ولديه الفضل والعباس. وعنوان طبقته في النظم قوله يستدعي الوزير أبا غانم لمنادمته:
انهض أبا غانم إلينا ... واسقط سقوط الندى علينا
فنحن عقد من غير وسطى ... ما لم تكن حاضراً لدينا
وعنوان نثره قوله لولده العباس: قبولي لتنصلك من ذنوبك موجب لجراءتك علي، وعودتك إليها. واتصل ما كان من خروج فلان عنك، ولم تثبت في أمره، ولا تحققت صحيح خبره، حين فر عن أهله ووطنه، والعجلة من النقصان، وليس يحمد قبل النضج بحران، وهذا الذي أوجبه إعجابك بأمرك، وانفردك برأيك، ومتى ما لم ترجع عما عودت به نفسك، فأنا والله أريح نفسي من شغبك.
السلك
من كتاب تلقيح الآراء في حلى الكتاب والوزراء
ذو الوزارتين أبو الوليد الحضرمي
استوزره المتوكل بن الأفطس ملك بطليوس، فداخله عجب، وتيه، وتجبر مفرط، كرهه من أجله أصحاب الدولة، فعزله المتوكل.ومن شعره قوله:
كيف لا أعشق الملاح إذا ما ... كان عشق الملاح يحي السرورا
وأحث الكؤوس بين البساتي ... ن وأدعو هناك بما وزيرا؟!
ذو الوزارتين أبو عبد الله محمد بن أيمن
هو مذكور في الذخيرة، استوزره المتوكل. من نثره: ما تحول إلا إلى أعمالك، ولا انتقل إلا من يمينك إلى شمالك، وعنده تذكر لحسن معاهدة، وطيب مشاهدة، ولا يزال يشكر سوالف نعمك، وينشر مطاوي منازعك الجميلة وهممك.ابنه
أبو الحسن محمد بن أيمن
من السمط: له، وهو عنوان طبقته:وليلة خضت فيها لجة الظلم ... وقد جعلت حسامي موضع القلم
إلى التي فتكت في القلب مقلتها ... حتى فشا سقمي من طرفها السقم
لما حللت بها قالت وقد وجلت: ... أما اتقيت أسود الغاب والأجم
فقلت: أهلاً بما يجري القضاء به ... لم أشر وصلك حتى بعت فيه دمي
فبت شربي ونقلي طول ليلتنا ... عض الثدي ورشف الأشنب الشبم
فيا لها ليلة ما كان أطيبها! ... نامت عيون العدا فيها ولم أنم
ومن كتاب أردية الشباب في حلى الكتاب
بنو القبطورنة
أبو بكر عبد العزيز
وأبو محمد طلحة
وأبو الحسن محمد
من القلائد: هم للمجد كالأثافي، وما منهم إلا موفور القوادم والخوافي، إن ظهروا زهروا، وإن تجمعوا تضوعوا، وإن نطقوا صدقوا، ما وهم صفو، وكلهم كفو.وذكر: أنهم باتوا ليلة على راحة، فلما هم رداء الفجر أن يندى، وجبين الصبح أن يتبدى قام أبو محمد فقال:
يا شقيقي أتى الصباح بوجه ... ستر الليل نوره وبهاؤه
فأصطبح، واغتنم مسرة يوم ... ليس تدري بما يجئ مساؤه
ثم استيقظ أخوه أبو بكر، وقال:
يا أخي قم تر النسيم عليلاً ... باكر الروض والمدام الشمولا
لا تنم، واغتنم مسرة يوم ... إن تحت التراب نوماً طويلا
ثم استيقظ أخوهما أبو الحسن، فقال:
يا صاحبي ذرا لومي ومعتبتي ... قم نصطبخ خمرة من خير ما ذخروا
وبادرا غفلة الأيام واغتنما ... فاليوم خمر ويبدو في غد خبر
ومن محاسن أبي بكر قوله:
دعاك خليلك واليوم طل ... وعارض وجه الثرى قد بقل
لقدرين فاحا وشمامة ... وإبريق راح، ونعم المحل
ولو شاء زاد ولكنه ... يلام الصديق إذا ما احتفل
وقوله:
هلم إلى روضنا يا زهر ... ولح في سماء العلا يا قمر
إذا لم تكن عندنا حاضراً ... فما لعيون الأماني ممر
وقعت من القلب وقع المنى ... وحسنت في العين حسن الحور
ولأبي الحسن:
ذكرت سليمى، وحرى الوغى ... كجسمي ساعة فارقتها
وأبصرت بين القنا قدها ... وقد ملن نحوي فعانقتها
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
الأديب الأعلم
أبو إسحاق إبراهيم البطليوسي
قرأ عليه بإشبيلية، ولم أر في أشياخ الأدباء أصعب خلقاً منه، ومما يدلك على ذلك قوله في إشبيلية جنة الدنيا:يا حمص لا زلت داراً ... لكل بؤس وساحه!
ما فيك موضع راحة ... إلا وما فيه راحه!
الأديب أبو الأصبغ القلمندر
وصفه الحجاري بمعاقرة المدام، وملازمة الندام، وأنشد له قوله:جرت مني الخمر مجرى دمي ... فجل حياتي من سكرها!
ومهما دجت ظلمات الهموم ... فتمزيقها بسنا بدرها
وكان يقول: أنا أولى الناس بألا يترك الخمر، لأنني طبيب أحبها عن علم بمقدار منفعتها. وأمر المظفر بن الأفطس بقطع لسانه لكثرة أذيته.
ومن كتاب مصابيح الظلام
أبو عبيد الله محمد بن البين البطليوسي
من الذخيرة: أنه كان مشغوفاً بطريقة ابن هانئ الأندلسي، كقوله:غصبوا الصباح فقسموه خدوداً ... واستوهبوا قضب الأراك قدودا
ورأوا حصى الياقوت ودون محلهم ... فاستبدلوا منه النجوم عقودا
واستودعوا حدق ألمها أجفانهم ... فسبوا بهن ضراغماً وأسودا
لم يكف أن سلبوا الأسنة والظبي ... حتى استعانوا أعيناً ونهوداً
وتضافروا بضفائر أبدوا لنا ... ضوء النهار بليلها معقودا
وهو من شعراء المائة الخامسة.
الأهداب
من موشحات الكميت
سرى طيف الخيال ... من أم جندبلتجديد الوصال ... والعهد الأول
فطال ما منعت ... طيف خيالها
وعز ما حرمت ... عطف وصالها
حتى إذا خطرت ... يوماً ببالها
هبت ريح الشمال ... من نشر طيب
بالمسك والغوالي ... ونشر مندل
بقيتم لا عدمتم ... يا أهل مسلمه
وليتم فأوليتم ... نعمي ومكرمه
ومن هذا لبستم ... ثياباً معلمه
من الطراز العالي ... من نسج يعرب
فيها طرز المعالي ... بأعلى منزل
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة البطليوسية وهوكتاب المغردين في حلى حصن مدلين
من حصون بطليوس. منه:الوزير الكاتب
أبو زيد بن عبد الرحمن بن مولود
من المسهب: بنو مولود أعيان مدلين. ونجب منهم أبو زيد، وعلا إلى درجات الوزراء والكتاب عند المتوكل بن الأفطس. ومن شعره قوله:أرني يوماً من الده ... ر على وفق الأماني
ثم دعني بعد هذا ... كيفما شئت تراني
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة البطليوسية وهوكتاب الجنة في حلى حصن قلنة
من الحصون البطليوسية، وهو الآن للنصارى. منه:الكاتب أبو زكريا يحيى بن سعيد
ابن مسعود الأنصاري
من علية الكتاب وذوي الجاه الطويل العريض فيهم، اشتهر وجل قدره بالكتابة عن أبي العلاء بن يوسف بن عبد المؤمن سلطان إفريقية، ومن شعره قوله:تكلفني بعض الذي لو طلبته ... لديك لما أبصرتني آخر الدهر
فكن منصفاً، أولا، فدعني جانباً ... فليس لطبع الماء مكث مع الجمر
عليك سلام بعد يأس وحسرة ... وماذا الذي يبقى الرجاء مع الخبر
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليهما كتاب المملكة البطليوسية وهو
كتاب الروضة المزهرة في حلى مدينة يابرة
البساط
مدينة يابرة من المدن المشهورة في المملكة البطليوسية، وكثيراً ما يذكرها ابن عبدون في شعره.العصابة
كان المظفر بن الأفطس قد حصن بها ابنه المنصور، وكذلك وليها المتوكل أيضاً، وابن المتوكل. وهي الآن للنصارى.السلك
أبو محمد بن عبدون اليابري
من القلائد: منتمى الأعيان، ومنتهى البيان، والمطاول لسحبان، والمقارع لصعصعة ابن صوحان، الذي أطلع الكلام زاهراً، ونزع فيه منزعاً باهراً، نخبة العلاء، وبقية أهل الإملاء، الشامخ الرتبة، العالي الهضبة، فاق الأفراد والأفذاذ، ومشى في طرق الإبداع الوخد والإغذاذ. الغرض مما أورده من نظمه قوله:سقاها الحيا من مغان فساح ... فكم لي بها من معان فصاح
وحلى أكاليل تلك الربا ... ووشي معاطف تلك البطاح
فما أنس لا أنس عهدي بها ... وجرى فيها ذيول المراح
ونومي على حبرات الرياض ... يجاذب بردي مر الرياح
بحيث لم أعط النهى طاعة ... ولم أصغ فيها إلى لحي لاح
وليل كرجعة طرف المريب ... لم أدر له شفقاً من صبح
وقوله:
أقول لصاحبي قم لا لأمر ... تنبه إن شأنك غير شاني
لعل الصبح قد ولى وقامت ... على الليل النوائح بالأذان
وقوله:
ولم أنس ليلتنا والعنا ... ق قد مزج الكل منا بكل
إلى أن تقوس ظهر الظلام ... وأشمط عارضه واكتهل
ومس رداء رقيق النسي ... م في عاتق الليل بعض البلل
وقوله:
هل تذكر العهد الذي لم أنسه ... ومودتي ممزوجة بصفاء
ومبيتنا في نهر حمص والدجى ... قد حل عقد حباه بالصهباء
ودموع طل الليل تخلق أعيناً ... ترنو إلينا من عيون الماء
والقصيدة الجليلة التي له في رثاء المتوكل بن الأفطس وولديه:
ما لليالي أقال الله عثرتنا ... من الليالي وخانتا يد الغير
تسر بالشيء لكن كي تضر به ... كالأيم ثار إلى الجاني من الزهر
كم دولة وليت بالنصر خدمتها ... لم تبق منها، وسل ذكراك من خبر
ثم أخذ يقص دول الجاهلية والإسلام، إلى أن قال:
وليتها إذ فدت عمراً بخارجة ... فدت علياً بما شاءت من البشر
ومنها:
وأوثقت في عراها كل معتمد ... وأشرقت بقذاها كل مقتدر
وروعت كل مأمون ومؤتمن ... وأسلمت كل منصور ومنتصر
بني المظفر والأيام لا نزلت ... مراحلاً والورى منها على سفر
سحقاً ليومكم يوماً ولا حملت ... بمثله ليلة في سالف العصر
من للأسرة؟ أو من للأعنة؟ أو ... من للأسنة يهديها إلى الثغر؟
من للبراء؟ أو من لليراعة؟ أو ... من للسماحة؟ أو للنفع والضرر؟
ويح السماح وويح الناس لو سلما ... وا حسرة الدين والدنيا على عمر
سقى ثرى الفضل والعباس هامية ... تعزى إليهم سماحاً لا إلى المطر
ثلاثة ما رأى السعدان مثلهم ... تجهزوا فغدوا في اللحد والغير
ثلاث ما رقى النسران حيث رقوا ... وكل ما طار من نسر ولم يطر
ومر من كل شيء فيه أطيبه ... حتى التمتع بالآصال والبكر
على الفضائل إلا الصبر بعدهم ... سلام مرتقب للأجر منتظر
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:؟
الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة البطليوسية وهوكتاب وشي الحلة في حلى مدينة ترجلة
من مدن الجوف المشهورة، وهي الآن للنصارى. ينسب إليها:أبو محمد عبد الله بن البنت الترجلي
من المسهب: أنه كان في جملة شعراء المظفر بن الأفطس ملك بطليوس، وله فيه من قصيدة قوله:فتح تبسمت المنى عن ثغره ... والدهر يبصر واضحاً عن بشره
لما دجا ليل القتام بدا لنا ... منه كما انسلخ الدجى عن فجره
ومن شعره قوله:
سقنيها على النواقيس خمرا ... جمعت للعيان ماء وجمرا
من يكن منكراً لسحر فإني ... قد أرتني على الحقيقة سحرا
ولكم قد شربتها جنح ليل ... فأرتني من الزجاجة فجرا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليهاكتاب المملكة البطليوسية وهو
كتاب حسن الغانية في حلى حصن جلمانية
أبو زكريا محمد بن زكي الجلماني
من المسهب: كان سكناه بأشبونة، وهو من جلمانية، وكان شاعراً متجولاً على الأقطار، مستجدياً بالأشعار. له من قصيدة في المأمون بن ذي النون:خبرت ملوك الأرض شرقاً ومغرباً ... فلم أر كالمأمون في الشرق والغرب
مقالة معضود اللسان بقلبه ... ولا خير في قول يكون بلا قلب
وقوله:
إذا خجل الورد فاشرب عليه ... وإن نظرت أعين النرجس
ولا تستمع من نصيح فما ... قوام الحياة سوى الأكؤس
مملكة شلب
كتاب الخلب في حلى مملكة شلب
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب غرب الأندلس وهو كتاب الخلب في حلى مملكة شلب
مملكة تجاور مملكة إشبيلية وهي في غربها وشمالها ويخرج في سواحلها العنبر من البحر المحيط. وينقسم كتابها على: كتاب الشرب في حلى مدينة شلب كتاب حلة الطاووس في قرية شنبوس كتاب الروضة المرتادة في حلى قرية رمادة كتاب الليالي القمرية في حلى مدينة شنتمرية كتاب حلى العليا في حلى مدينة العليا كتاب الكواكب المطلة في حلى مدينة قسطلةبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة الشلبية وهو كتاب
الشرب في حلى مدينة شلب هي عروس.المنصة
من كتاب الرازي: مبناها على نهر يمد من البحر المحيط، وبين شلب وقرطبة للراكب تسعة أيام. قال ابن سعيد: هي مدينة مستحسنة مشهورة بالأدباء، وفيها نشأ المعتمد بن عباد، وفيها قصر الشراجيب الذي قال ابن عمار فيه:وسلم على قصر الشراجيب عن فتى ... له أبداً شوق إلى ذلك القصر
التاج
قد تقدم أن المعتمد بن عباد نشأ فيها، وولاه أبوه المعتضد مملكتها، ولما استقل المعتمد بإشبيلية ولى على شلب ابنه المعتد. وولاتها الآن من إشبيلية.السلك من كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت
أبو بكر محمد بن وزير
بنو وزير أعيان شلب، وساد أبو بكر وصار بإشبيلية من قواد الأعنة المذكورين. وله من شعر يخاطب به المنصور من بني عبد المؤمن:
ولما تلاقينا جرى الطعن بيننا ... فمنا ومنهم قائم وحصيد
فلا صدر إلا فيه صدر مثقف ... وحول الورد للحسام ورود
صبرنا ولا كهف سوى البيض والقنا ... كلانا على حر الجلاد جليد
ولكن شددنا شدة فتبلدوا ... ومن يتبلد لا يزال يحيد
ابنه
أبو محمد بن وزير
ساد في دولة بني عبد المؤمن. وهو القائل وقد ولى ابن غمر أشراف إشبيلية:لا تيأسن من الخلافة بعدما ... ولى ابن غمر خطة الأشراف
تباً لدهر هذه أفعاله ... يضع النوافج في يدي كناف
وقتله ابن هود.
أبو الوليد بن أبي حبيب
بنو أبي حبيب من أعيان شلب
من السمط: نكتة الزمان، ونخبة الأعيان، الذي ملك الحيا عنانه، وأيدت الحكمة لسانه: وذكر: أنه عاشره بشلب، وأنشد من شعره قوله في جواب رسالة:أهلاً بزائرة أرانا حسنها ... وجه المسرة والوفاء صقيلا
لبست من الإبداع أحسن حلة ... وغدت تجر من الوفاء ذيولا
ما زلت ألحظها بعين مهابة ... وأمد كفي نحوها تبجيلا
وأقوم إجلالاً لها لما دعت ... مني القبول وزدتها تقبيلا
وأطنب في الثناء عليه.
أبو بكر محمد بن الملح
من القلائد: حل كنف العلم والعليا، وأخذ بطريقي الدين والدنيا، وأنشد له قوله:والروض يبعث بالنسيم كأنما ... أهداه يضرب لاصطباحك موعدا
سكران من ماء النعيم فكلما ... غناه طائره وأطرب رددا
يأوي إلى زهر كأن عيونه ... رقباء تقعد للأحبة مرصدا
زهر يبوح به اخضرار بنانه ... كالزهر أسرجها الظلام وأوقدا
وقوله:
حسب القوم أنني عنك سالي ... أنت تدري قضيتي ما أبالي
قمري أنت كل يوم وبدري ... فمتى كنت قبل هذا هلالي
وأنشد له صاحب الذخيرة وقد حضر مع المعتضد بن عباد على راحة:
كأن سراجي شربنا في التظائه ... وأنبوب ماء الحوض في سيلانه
كريم تولى كبره من كليهما ... لئيمان في إنفاقه يعذلانه
أبنه
أبو القاسم أحمد
نشأ على عفة وطهارة وزهد، فكان أبوه يلومه على إفراطه في الزهد والاقتصار على كتب المتصوفين، ويحضه على الأدب، إلى أن اشتهر في الانخلاع، وفر إلى إشبيلية، وتزوج هنالك عاهراً ترقص في الأعراس، فكتب له أبوه شعراً، أوله:يا سخنة العين يا بنيا ... ليتك ما كنت لي بنيا
فأجابه:
أوجفت خيل العتاب نحوي ... وقبل زينتها إليا
وقلت هذا قصير عمر ... فاربح من الدهر ما تهيا
قد كنت أرجو المتاب مما ... فتنت جهلاً به وغيا
لولا ثلاث شيوخ سوء: ... أنت وإبليس والحميا
ومن كتاب أردية الشباب في حلى الكتاب
أبو الوليد حسان بن المصيصي
من الذخيرة: كان هو وابن عمار وابن الملح في شلب أتراباً متمازجين، فلما سمت الحال بابن عمار أنف ابن الملح من خدمته، ورضيها ابن المصيص، فقربه من المعتمد بن عباد، واستكتبه المأمون بن المعتمد لما ولاه أبوه مملكة قرطبة. وعنوان طبقته في النظم قوله من قصيدة في المعتمد بن عباد:من استطال بغير السيف لم يطل ... ولم يخب من نجاح سائل الأسل
أعدتك صحبتك الأرماح شيمتها ... فانفذ نفوذ القنا في الأمر واعتدل
وإن أتتك أمور لم تعد لها ... فانهض برأيك بين الريث والعجل
اقدم على حذر وارغب على زهد ... واغلظ على رقة واسفر على خجل
جر الذيول ولكن من جحافله ... على القتاد ولكن من شبا الأسل
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
أبو محمد عبد الله بن السيد
أحد
من تفخر به جزيرة الأندلس من علماء العربية، وهو من شلب، ولازم مدينة
بطليوس فعرف بالبطليوسي، وله شرح كتاب الجمل، وتصانيف في النحو، ومن شعره
قوله:
إذا سألوني عن حالتي ... وحاولت عذراً فلم يمكن
أقول: بخير ولكنه ... كلام يدور على الألسن
وربك يعلم ما في الصدور ... ويعلم خائنة الأعين
وقوله:
خليلي ما للريح أضحى نسميها ... يذكرني ما قد مضى ونسيت
أبعد نذير الشيب إذ حل عارضي ... صبوت بأحداق المها وسبيت
تلاحظني العينان منها برحمة ... فأحيا، ويقسو قلبها فأموت
فيا قمراً أغرى بي النقص واكتسى ... كمالاً ووافى سعده وشقيت
ومن كتاب مصابيح الظالم في حلى الناظمين لدر الكلام
أبو بكر محمد بن الروح
من شعراء دولة اللثام المذكورين، وممن تضمنه كتاب السمط وعنوان طبقته في الشعر قوله من قصيدة:ما للزمان على محاربتي يد ... عرضي أشد من الخطوب وأنجد
من كان يحذر من غد فأنا الذي ... من بعد هذا اليوم يحذرن غد
يا ليت قومي يعلمون بأنني ... في حيث سوق الشعر ليست تكسد
ورأيت كيف هززت أجنية المنى ... لما رأيت غصونها تتأود
أبو بكر محمد بن إبراهيم
بن منخل الشبلي
ذكره صفوان في كتاب زاد المسافر، وكان بينه وبين ابن الملاح من بلده مباعدة، ونشأ ابناهما على ذلك، فعتب ابن المنخل ولده على شمته ولد ابن الملاح، فأنشده هجاء فيه لولد ابن الملاح، وكانا على واد تنق ضفادعه، فقال أبو بكر أجز: تنق ضفادع الوادي.فقال ابنه: بصوت غير معتاد.
فقال أبو بكر: كأن ضجيج معولها.
فقال ابنه: بنو الملاح في النادي.
الأهداب
موشحة لا بن أبي حبيب
عسى لديك يا ربة القلب ... زاد لراحلفودعي فديتك هيمانا
لا يستطيع دونك سلوانا
إذا تذكر البين أو بانا
بكى وحن إلى شلب ... حنين ثاكل
ومنها:
ما هيج الغليل على الصب ... غير الغلائل
ومنها:
فدلنا على الصبح في الحجب ... برد الخلاخل
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من كتب المملكة الشلبية وهوكتاب حلة الطاووس في حلة قرية شنبوس
من أحسن القرى وأصغرها. منها:ذو الوزارتين أبو بكر محمد بن عمار
من القلائد: مقذف حصا القريض وجماره، ومطلع شمسه وأقماره، الذي بعث الإحسان عرفاً عطراً ونفساً، وأثبته في شفاه الأيام لعسا.وتلخيص أمره من القلائد والذخيرة والمسهب: أنه من هذه القرية الخاملة تأدب بشلب، وصحب المعتمد بن عباد من الصبا، ونهاه المعتضد أبوه عن صحبته، ثم خوفه ففر ابن عمار إلى سرقسطة. ثم لما استقل المعتمد بعد أبيه جاءه ابن عمار مذكراً بمودته، فتلقاه بأعظم قبول، وصار عنده كجعفر عند الرشيد، إلى أن داخل ابن عمار العجب، وسمت به نفسه إلى مجاذبة رداء الملك، فوثب على مرسية لما أخذها لابن عباد، وانفرد فيها بنفسه، و هجا ابن عباد وزوجه الرميكية، و اشتهر من ذلك قوله من القصيدة الطائرة:
ألا حي بالغرب حيا حلالا ... أناخوا جمالاً وحازوا جمالا
ومنها:
فيا عامر الخليل يا زيدها ... منعت القرى وأبحت العيالا
وأفحش غاية الفحش، ولم يفكر في العواقب. ثم إنه خرج من مرسية لإصلاح بعض الحصون فثار عليه في مرسية ابن رشيق وأغلق أبوابها في وجهه، فعدل إلى المؤتمن بن هود، ورغبه في أن يوجه معه جيشاً ليأخد له شقورة من يد عتاد الدولة فخدعه عتاد الدولة حتى حصل في سجنه، وبعث فيه ابن صمادح مالاً لعداوته له، وكذلك ابن عباد، فقال ابن عمار:
أصبحت في السوق ينادي على ... رأسي بأنواع من المال
تالله لا جار على ماله ... من ضمن بالثمن الغالي
وآل
أمره إلى أن باعه من ابن عباد، فجاء به ابنه الراضي إلى إشبيلية على أسوإ
حال، وسجنه ابن عباد في بيت في قصره، و لم يزل يستعطفه وهو لا ينعطف له إلى
أن كان ليلة يشرب، فذكرته الرميكية به، وأنشدته هجاءه فيه، وقالت له: قد
شاع أنك تعفو عنه، وكيف يكون ذلك بعد ما نازعك ملكك، ونال من عرض حرمك؟
وهذان لا تحتملهما الملوك. فثار عند ذلك، وقصد البيت الذي هو فيه، فهش إليه
ابن عمار، فضربه بطبرزين شق به رأسه، ورجع إلى الرميكية، وقال: قد تركته
كالهدهد. قال ابن بسام: ولذلك يقول فيه صنيعته ابن وهبون:
لله من أبكيه ملء مدامعي ... وأقول لا شلت يمين القاتل
وأجل قصائده قصيدته التي يمدح بها المعتضد بن عباد، ومن فرائدها قوله:
أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى ... والنجم قد صرف العنان عن السرى
الصبح قد أهدى لنا كافوره ... لما استرد الليل منا العنبرا
والروض كالحسنا كسا زهره ... وشياً وقلده نداه جوهرا
أو كالغلام زها بورد رياضه ... خجلاً وتاه بآسهن معذرا
روض كأن النهر فيه معصم ... صاف أطل على رداء أخضرا
وتهزه ريح الصبا فتخاله ... سيف ابن عباد يبدد عسكرا
عباد المخضر نائل كفه ... والجو قد لبس الرداء الأغبرا
أندى على الأكباد من قطر الندى ... وألذ في الأجفان من سنة الكرى
قداح زند المجد لا ينفك من ... نار الوغى إلا إلى نار القرى
أيقنت أني من ذراه بجنة ... لما سقاني من نداه الكوثرا
ومنها:
أثمرت رمحك من رءوس ملوكهم ... لما رأيت الغصن يعشق مثمرا
وصبغت درعك من دماء كماتهم ... لما رأيت الحسن يلبس أحمرا
وقوله من قصيدة:
أذكيت دونك للعدى حدق القنا ... وخصمت عنك بألسن الأغماد
ومنها:
يفدي الصحيفة ناظري فبياضها ... بياضه وسوادها بسواد
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليهاكتاب المملكة الشلبية وهو
كتاب الروضة المرتادة في حلى قرية رمادة
ذكر الحجاري: أنها من قرى شلب. منها:أبو عمر
يوسف بن هارون الرمادي الكندي
من الجذوة: كثير الشعر، سريع القول، مشهور عند العامة والخاصة لسلوكه في فنون المنظوم، ومن فرائد ما أنشده من شعره قوله:خليلي عيني في الدموع فعاينا ... إلى أين يقتاد الفراق الظعائنا
ولم أر أحلى من تبسم أعين ... غداة النوى عن لؤلؤ كان كامنا
وقوله:
لا تنكروا غزر الدموع فكل ما ... ينحل من جسم يصير دموعا
والعيد قد يعصي وأحلف أنني ... ما كنت إلا سامعاً ومطيعا
قولوا لمن أخذ الفؤاد مسلماً ... يمنن على برده مصدوعا
وقوله:
بدر بدا يحمل شمساً بدت ... فحدها في الحسن من حده
تغرب في فيه ولكنها ... من بعد ذا تطلع في خده
وقوله:
صد عني فليس يعلم أني ... كنت في كربة ففرج عني
وتجنى علي من غير ذنب ... فتجنى على كثير التجني
حسن ظني قضى علي بهذا ... حكم الله لي على حسن ظني
وقوله:
قفوا تشهدوا بثي وإنكار لائمي ... على بكائي في الرسوم الطواسم
أيأمن أن يغدو حريق تنفسي ... وإلا غريقاً في الدموع السواجم
فهذا حمام الأيك يبكي هديله ... بكائي فليفزع للوم اللوائم
وما هي إلا فرقة تبعث الأسى ... إذا نزلت بالناس أو بالبهائم
خلا ناظري من نومة بعد خلوة ... متى كان مني النوم ضربة لازم
وقوله:
قالوا اصطبر وهو شيء لست أعرفه ... من ليس يعرف صبراً كيف يصطبر
أوص الخلى بأن يغضي الملاحظ عن ... غر الوجوه ففي إهمالها غرر
وفاتن الحسن قتال الهوى نظرت ... عيني إليه فكان الموت والنظر
ثم انتصرت بعيني وهي قاتلتي ... ماذا تريد بقتلي حين تنتصر
يا شقة النفس واصلها بشقتها ... فإنما أنفس الأعداء تهتجر
ظلمتني ثم إني جئت معتذراً ... يكفيك أني مظلوم ومعتذر
وهو من مداح المنصور بن أبي عامر.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليهاكتاب المملكة الشلبية وهو
كتاب الليالي القمرية في حلى مدينة شنتمرية
مدينة مشهورة تعرف بشنتمرية الغرب، لأن هنالك شنتمرية الشرق، وهي الآن للمسلمين.السلك
أبو الحسن بن هارون
كان بنو هارون قد ملكوا شنتمرية، وتوارثوها، وأخذها منهم المعتضد بن عباد. وأبو الحسن ممن ذكره صاحب الذخيرة وأنشد له قوله:وحديقة شرقت بغمر نميرها ... يحكي صفاء الجو صفو غديرها
تجري المياه بها أسود أحكمت ... من خالص العقيان في تصويرها
فكأنها أسد الشرى في شكلها ... وكأن وقع الماء صوت زئيرها
وذكره الحجاري، وأنشد له هذه الأبيات.
ومن كتاب الإحكام في حلى الحكام
أبو الفضل جعفر بن محمد بن الأعلم
من السمط: ذو اللسان الذلق، و الجبين الطلق، والدال على كرم الخلق بكمال الخلق، الذي سابق فبذ وأشرف، وناضل قادة الكلام فأنصف، وساجل بحور النثار والنظام فما تلعثم ولا توقف. وأثنى على أصله وذاته، وأنشد له قوله:قالت وقد أقبلت ألثمها ... والخرص لا يلوي على الدهش
أفضحت نفسك؟ قلت: وا حربا ... أأموت في غرق من العطش؟
وقوله:
كتبت ولا عج البرحاء يملي ... ونار الشوق تستمري الدموعا
ولو نفسي أطاوعها لقضت ... إليكم يا أحبتي الضلوعا
وقوله:
هذا الخليج وهذه أدواحه ... جسم نسيم رياضه أرواحه
سيف إذا ركد الهواء بصفحه ... درع إذا هبت عليه رياحه
وقوله:
انظر إلى الأزهار كيف تطلعت ... بسماوة الروض المجود نجوما
وتساقطت فكأن مسترقاً دنا ... للسمع فانقضت عليه رجوما
وإلى مسيل الماء قد رقمت صنا ... ع الريح فيه من الحباب رقوما
ترمى الرياض له نثير أزاهر ... فتعيده في ضفتيه نظيما
ومدح أبا إسحاق بن أمير الملثمين يوسف.
ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام
أبو الحسن صالح بن صالح الشتنمري
من شعراء المائة الخامسة المشهورين المذكورين في كتاب الذخيرة، وأحسن ما وقفت عليه من شعره قوله، على أنه قد روى لأبي محمد بن سارة، وهو أولى به:أسنى ليالي الدهر عندي ليلة ... لم يخل فيها الكاس من إعمال
فرقت فيها بين عيني والكرى ... وجمعت بين القرط والخلخال
وقوله:
أملي من الدنيا تستر خلوة ... أبكي بها وأبث سر هواك
حول وحولك أعين ومسامع ... أخفي الهوى عنهن إذ ألقاك
حذراً عليك فديت بي ومخافة ... أن يقصروك ويحجبوا مرآك
لولا الحياء وأن تشيع سريرتي ... بددت شمل الدمع حين أراك
وقوله:
إذا هب النسيم فلا تسلني ... عن الوجد المبرح والغرام
وإن ناح الحمام فدع فؤادي ... وما أبداه من طرق الحمام
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الشلبية وهو
كتاب حلى العليا في حلى مدينة العليا
من المدن الغربية الشمالية.كثير العلياوي
أديب مشهور في عصرنا، كان بإشبيلية ورحل إلى بجاية، فأكثر كلامه فيما لا يعنيه، فضرب وجرس، ونفي في البحر، فاستقر بجزيرة منورقة عند صاحبها سعيد بن حكم. ومن شعره قوله:ليس المدامة مما أستريح له ... ولا مجاوبة الأوتار والنغم
وإنما لذتي كتب أطالعها ... وصارمي أبداً في نصرتي قلمي
وقوله:
طار الغراب لبينهم فحسبته ... إذ طار مشتملاً صميم فؤادي
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الشلبية وهو
كتاب الكواكب المطلة في حلى مدينة قسطلة
تعرف بقسطلة الغرب. منها:أبو علي إدريس بن اليمان العبدري
أطال الإقامة في جزيرة يابسة حتى عرف منها، وله أمداح كثيرة في ملوك الطوائف. وقد ذكر صاحب الذخيرة: أن صلته على القصيدة كانت مائة دينار، ولا يمدح أحداً إلا بهذا الشرط. وأبدع شعره قوله:ثقلت زجاجات أتتنا فرغاً ... حتى إذا ملئت بصرف الراح
خفت فكادت تستطير بما حوت ... إن الجسوم تخف بالأرواح
وقوله في لحية طويلة عريضة:
لو أنها دون السماء سحابة ... لم تخترقها دعوة المظلوم
مملكة باجة
كتاب الديباجة في حلى مملكة باجة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس من الكتب التي يشتمل عليها كتاب غرب الأندلس وهو
كتاب الديباجة في حلى مملكة باجة
مملكة غربية شمالية قد استولى عليها النصارى، وينقسم كتابها إلى كتابين: كتاب الكواكب الوهاجة في حلى مدينة باجة كتاب الأقراط المكللة في حلى حصن مارتلةبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول من الكتابين اللذين يشتمل عليهما:
كتاب مملكة باجة وهو
كتاب الكواكب الوهاجة في حلى مدينة باجة
من كتاب الرازي: مدينة باجة من أقدم مدائن الأندلس ابتنيت أيام جاسر أول القياصرة، وهو الذي ابتدأ بتذريع الدنيا وتكسيرها، وأرضها أرض زرع، وضرع، ونوارها يحسن للنحل، ويكثر عنه العسل، ولمائها خاصية في دباغ الأدم، لا يبلغه دباغ.السلك
من كتاب الياقوت
أبو عمرو بن طيفور الباجي
بنو طيفور أعيان باجة، وقد ملكوها في وقت. وكان أبو عمرو بن طيفور في عصرنا، وهو القائل في الهيثم حافظ إشبيلية:إنما الهيثم سفر ... من كلام الناس ضخم
لا تطالبه بفهم ... ليس للديوان فهم
ومن كتاب العلماء
أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف
من القلائد: بدر العلوم اللائح، وقطرها الغادي الرائح، وثبيرها الذي لا يزحم، ومنيرها الذي ينجلي به ليلها الأسحم، كان إمام الأندلس الذي تقتبس أنواره، وتنتجع أنجاده وأغواره، وقد كان رحل إلى المشرق، فعكف على الطلب ساهراً، وقطف من العلم أزاهراً، وتغالى في اقتنائه، وثنى إليه عنان اعتنائه، حتى غدا مملوء الوطاب، وعاد بلح طلية إلى الإرطاب، فكر إلى الأندلس بحراً لا تخاض لججه، وفجراً لا يطمس منهجه، فتهادته الدول، وتلقته الخيل والخول، وانتقل من محجر إلى ناظر، وتبدل من يانع لناضر. وأنشد له قوله:إذا كنت أعلم علماً يقيناً ... بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنيناً بها ... وأجعلها في صلاح وطاعة
وقوله يرثي ابنيه وقد ماتا مغتربين:
رعى الله قلبين استكانا ببلدة ... هما أسكناها في السواد من القلب
يقر بعيني أن أزور ثراهما ... وألصق مكنون الترائب في الترب
وأبكي وأبكي ساكنيها لعلني ... سأنجد من صحب وأسعد من سحب
فما ساعدت ورق الحمام أخا أسى ... ولا روحت ريح الصبا عن أخي كرب
ولا استعذبت عيناي بعدهما كرى ... ولا ظمئت نفسي إلى البارد العذب
أحن ويثنى اليأس نفسي عن الأسى ... كما اضطر محمول على المركب الصعب
وله كتاب المنتقى في الفقه المالكي. وناظر ابن حزم، ففل من غربه، وكان سبباً لإحراق كتبه.
الفقيه أبو عمر يوسف بن جعفر الباجي
فقيه
جليل القدر رحل إلى المشرق وحج وولى قضاء حلب، وعاد إلى الأندلس فجل قدره
عند المقتدر بن هود ملك سرقسطة. ومن شعره قوله يخاطب إخوانه:
سلام على صفحات الكرم ... على الغرر الفارجات الغمم
فلا أنس لا انس ذاك الحيا ... وتلك المعالي وتيك الشيم
ودنيا بكم طلقة المجتلى ... ودهراً بكم واضح المبتسم
وساعات أنس تجول النفوس ... لديها مجال حمام الحرم
أحن إليكم من شاقه ... تذكر عهدكم لم يلم
وأنشر من فضلكم ما علمت ... على أنه ظاهر كالعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتابين اللذين يشتمل عليهما كتاب المملكة الباجية وهوكتاب الأقراط المكللة في حلى حصن مارتلة
من حصون باجة، وهو معقل جليل، كان في أيدي المسلمين حين كانت بالأندلس.منه:
الزاهد أبو عمران
موسى بن عمران المارتلي
سار بإشبيلية في طريق الزهادة، وكان الملوك يزورونه ولا يلتفت إليهم، وله نثر ونظم في الزهد والحكم مدون مشهور. ومن نثره: كل ما يفني ما له معنى. من خف لسانه وقدمه كثر ندمه. التغافل عن الجواب من فعل ذوي الألباب. من أعطاك رفده فقد منحك وده. ملك فؤاد من أفادك. ومن نظمه قوله:إلى كم أقول ولا أفعل ... وكم ذا أحوم ولا أنزل
وأزجر عيني فلا ترعوى ... وأنصح نفسي فلا تقبل
وكم ذا تعلل لي ويحها ... بعل وسوف وكم تمطل
وكم ذا أومل طول البقا ... وأغفل والموت لا يغفل
وفي كل يوم ينادي بنا ... منادى الرحيل: الأ فانزلوا
آمن بعد سبعين أرجو البقا ... وسبع أتت بعدها تعجل
كأن بي وشيكاً إلى مصرعي ... يساق بنعشي ولا أمهل
فيا ليت شعري بعد السؤال ... وطول المقام لما أنقل
وكان ملتزماً لما ينطق به من قوله:
اسمع أخي نصيحتي ... والنصح من محض الديانة
لا تقربن إلى الشها ... دة والوساطة والأمانة
تسلم من أن تعزى لزو ... ر أو فضول أو خيانة
ومات في آخر مدة ناصر بني عبد المؤمن.
مملكة اشبونة
كتاب الرياض المصونة في حلى مملكة أشبونة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السادس من الكتب التي يشتمل عليها كتاب غرب الأندلس وهو
كتاب الرياض المصونة في حلى مملكة أشبونة
مملكة جليلة على البحر المحيط في غرب إشبيلية وشمالها، وقد حصلت في يد النصارى.وينقسم كتابها إلى: كتاب الغرة الميمونة في حلى مدينة أشبونة كتاب حديقة الأحداق في حلى دولة القبذاق كتاب النكهة العطرة في حلى مدينة شنترة كتاب عرف النسرين في حلى شنترين
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة الأشبونية وهو
كتاب الغرة الميمونة في حلى مدينة أشبونة
هي عروس
المنصة
من كتاب الرازي: مدينة قديمة في غرب باجة، ولها أثرة فاضلة في طيب الثمرات وتمكن في ضروب الصيد براً وبحراً، وبزاتها الجبلية أطير البزاة وأعتقها، وفي جبالها شورة النحل، وهو العسل الخالص البياض كالسكر، ويوضع في خرقة، فلا يكون له رطوبة.التاج
كانت في مدة ملوك الطوائف للمتوكل بن الأفطس وقد ولي عليها أبا محمد بن هود المهاجر إليه من سرقسطة. وأخذها النصارى في آخر مدة الملثمين.السلك
محمد بن سوار الأشبوني
شاعر مشهور مذكور في كتاب الذخيرة أسره النصارى وجرت عليه محن، وفداه منهم ابن عشرة كريم سلا، فله فيه أمداح كثيرة، منها قوله:رأيتك أندى الناس كفاً وكل ما ... تجود به فالله ينميه للأخرى
ولولاك ما فك السلاسل ضاغط ... وما فارقت عيناي سلسلة الأسرى
وصيرت عيشي في جنابك بالذي ... مننت به حلواً وكم ذقته مرا
على ذاك لا أنفك أخلص داعياً ... إلى الله أن ينمي لك الجاه والعمرا
وقوله:
أحب سلا من أجل كونك من سلا ... فكل سلاوي إلى حبيب
لصيرتها مصراً ونيلك نيلها ... وكفك بطحاها وأنت خصيب
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة الأشبونية وهو
كتاب حديقة الأحداق في حلى قرية القبذاق
من قرى أشبونة.أبو زيد عبد الرحمن بن مقانا
الأشبوني القبذاقي
شاعر مشهور مذكور في الذخيرة، سافر إلى حضرة مالقة ومدح بها الخليفة إدريس بن يحيى بن علي بن حمود الفاطمي بالقصيدة المشهورة في الآفاق التي منها:ألبرق لائح من أندرين ... ذرفت عيناك بالدمع المعين
ولصوت الرعد زجر وحنين ... ولقلبي زفرات وأنين
لعبت أسيافه عارية ... كمخاريق بأيدي اللاعبين
وأنادي في الدجى عاذلتي ... ويك! لا أسمع قول العاذلين
عيرتني بسقام وضني ... إن هذين لزين العاشقين
قد بدا لي وضح الصبح المبين ... فاسقنيها قبل تكبير الأذين
مزة صافية مشمولة ... لبثت في دنها بضع سنين
نثر المزج على مفرقها ... درراً عامت فعادت كالبرين
مع فتيان كرام نجب ... يتهادون رياحين المجون
ويسقون إذا ما شربوا ... بأباريق وكأس من معين
شربوا الراح على خد رشا ... نور الورد به والياسمين
رجلت داياته عامدة ... سبج الشعر على عاج الجبين
فانثنى غصن على دعص نقاً ... ودجا ليل على صبح مبين
وجناح الجو قد بلله ... ماء ورد الصبح للمصطبحين
والندى يقطر من نرجسه ... كدموع أسبلتهن الجفون
وانبرى جنح الدجى عن صبحه ... كغراب طار عن بيض كنين
وكأن الشمس لما أشرقت ... فانثنت عنها عيون الناظرين
وجه إدريس بن يحيى بن ... علي بن حمود أمير المؤمنين
قال الحجاري: أنشده هذه القصيدة خلف حجاب على عادتهم في ذلك، فلما بلغ إلى قوله:
كتب الجود على أبوابه ... ادخلوها بسلام آمنين
انظرونا نقتبس من نوركم ... إنه من نور رب العالمين
أمر برفع الحجاب، حتى نظر إليه، وأفرغ سابغ إحسانه عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة الأشبونية وهو
كتاب النكهة العطرة في حلى مدينة شنترة
البساط
هي مدينة مشهورة بالخصب وبها التفاح العجيب الذي حكى ابن اليسع وغيره: أنه لا تحمل الدابة منه إلا ثلاث حبات، وهي الآن للنصارى.السلك
بكار بن داود المرواني
ذكر صاحب سفط. اللآلي: أنه من ولد عبد الله بن عبد الملك بن مروان. مولده في صفر سنة أربعين وأربعمائة في مدينة شنترة، ثم انتقل إلى قرطبة، ثم استوطن أشبونة، وكان غاية في الزهد، مطرحاً لنفسه، ومات في جهاد العدو. واجتمع به، وأنشده من شعره، فأنشده صاحب السفط لنفسه قوله:أبطأت عني وإني ... لفي اشتياق شديد
وفي يدي لك شيء ... قد قام مثل العمود
لو ذقته مرة لم ... تعد لهذا الصدود
فقال له بكار: أما في شعرك أطهر من هذا؟ فأنشده:
ولما وقفت على ربعهم ... فجرعت وحدي بالأجرع
وأرسل جفني سرار الدموع ... لنار تأجج في الأضلع
فقال عذولي لما رأى ... بكائي: رفقاً على الأدمع
فقلت له: هذه سنة ... لمن حفظ العهد في الأربع
قال: فاختلط لبه، وجعل يجيء ويذهب، ثم استنشده صاحب السفط من شعره، فأنشده بكار:
ثق بالذي سواك من ... عدم فإنك من عدم
وانظر لنفسك قبل قر ... ع السن من فرط الندم
واحذر وقيت من الورى ... واصحبهم أعمى أصم
قد كنت في تيه إلى ... أن لاح لي أهدى علم
فاقتدت نحو ضيائه ... حتى خرجت من الظلم
لكن قناديل الهوى ... في نور رشدي كالحمم
وقوله:
أيها الشادن الذي ... حسنه في الورى غريب
لحظ ذاك الجمال يط ... في ما بي من اللهيب
وعليه أقوم ده ... ري ولكنني أخيب
كلما رمت زورة ... قيض الله لي رقيب
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة الأشبونية وهوكتاب عرف النسرين في حلى مدينة شنترين
هي حالية.البساط
من كتاب الرازي: غرب باجة، مبناها على نهر تاجه، بمقربة من انصبابه في البحر، وأرضها غاية من الكرم والطيب.العصابة
كانت ولاتها تتردد عليها من أشبونة، وهي الآن للنصارى.السلك
من كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
الأديب أبو الحسن علي بن بسام
التغلبي الشنتريني
من المسهب: العجب أنه لم يكن في حساب الآداب الأندلسية أنه سيبعث من شنترين، قاصية الغرب، ومحل الطعن والضرب، من ينظمها قلائد في جيد الدهر، ويطلعها ضرائر للأنجم الزهر. ولم ينشأ بحضرة قرطبة ولا بحضرة إشبيلية ولا غيرهما من الحواضر العظام من يمتعض امتعاضه لأعلام عصره، ويجهد في جمع حسنات نظمه ونثره. وسل الذخيرة، فإنها تعنون عن محاسنه الغزيرة، وأعلى شعره قوله:ألا بادر فلا ثان سوى ما ... عهدت: الكأس والبدر التمام
ولا تكسل برويته ضباباً ... تغص به الحديقة والمدام
فإن الروض ملتثم إلى أن ... توافيه فينحط اللثام
وهذا من الطبقة العالية. ونثره في كتاب الذخيرة يدل على علو طبقته، وأما ما أنشده فيها لنفسه من الشعر فنازل.
ومن كتاب مصابيح الظلام
أبو عبد الله
محمد بن عبد البر الشنتريني
ممن ذكره في المسهب الحجاري، وأنشد له قوله:أحب الذي يهوى عذابي دائماً ... وما لي فيه ما حييت نصيب
هلال على غصن يميس على نقاً ... وكل معاني حسنه فغريب
أبو محمد عبد الله بن سارة الشنتريني
من القلائد: نادرة الدهر وزهرة الأيام، المثبت في الأعناق من ذمه أو مدحه مياسم كأطواق الحمام. إلى تفنن في الآداب، وولوج في مدينة الشعر من كل باب. إن شبه فالمعتزيات واجمة، أو أغرب ببديعه فالمغريات راغمة. والغرض مما أنشده من شعره قوله:أما الرياض فإنهن عرائس ... لم يحتجبن حذار عين الكالي
جاد الربيع لها بنقد مهورها ... دفعاً ولم يبخل بوزن الكالي
تثنى الصبا منها أكف زبرجد ... منظومة أطرافها بلآلي
وقوله:
لابنة الزند في الكوانين جمر ... كالدراري في دجى الظلماء
خبروني عنها ولا تكذبوني ... ألديها صناعة الكيمياء
سبكت فحمها سبائك تبر ... رصعتها بالفضة البيضاء
كلما ولول النسيم عليها ... رقصت في غلالة حمراء
لو ترانا من حولها قلت: شرب ... يتعاطون أكؤس الصهباء
وقوله:
قد شابت النار بتنورها ... لما تناهى عمرها واكتهل
كأنها لما خبا جمرها ... مطيب الورد إذا ما ذبل
وقوله في النارنج:
أجمر على الأغصان دارت نضارة ... به، أم خدود أبرزتها الهوادج
كرات عقيق في غصون زبرجد ... بكف نسيم الريح منها صوالج
وقوله وقد قعد إلى جانبه غلام وسيم، فقام وقعد مكانه أسود قبيح:
مضت جنة المأوى وجاءت جهنم ... فها أنا أشقى بعد ما كنت أنعم
وما كان إلا الشمس حان غروبها ... فأعقبها جنح من الليل مظلم
مملكة مالقة
كتاب خدع الممالقة في حلى مملكة مالقة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السابع من الكتب التي يشتمل عليها كتاب غرب الأندلس وهو
كتاب خدع الممالقة في حلى مملكة مالقة
مملكة بين مملكتي إشبيلية وغرناطة، على بحر الزقاق، وهي كثيرة التين واللوز وينقسم كتابها إلى: كتاب النفحة الزهرية في حلى مدينة رية كتاب الترييش في حلى مدينة بليش كتاب نخبة الريحانة في حلى مدينة بزليانة كتاب الراية في حلى مدينة لماية كتاب فرحة المسرور في حلى حصن موروربسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة المالقية وهو
كتاب النفحة الزهرية في حلى مدينة رية
المنصة
من المسهب: تعرف الآن بمالقة، وفي القديم برية، وهي بحرية برية ولها الوادي الربيعي الذي يأتي زائراً مغباً، فيزداد أهلها فيه غبطة وحباً، وعلى مذانبه المتفرعة كسبائك اللجين، ما ترتاح بمرآه النفس والعين، وفيه أقول:بوادي رية عرج فإني ... رأيت الحسن عنه لا يميل
وهات الخمر صرفاً دون مزج ... بحيث الماء والظل الظليل
غدا متقسماً في كل وجه ... كما سلت على خز نصول
تجول لواحظي ما دمت فيه ... بحيث ترى مذانبه تجول
ولمالقة مما فضلت به ما حفها من شجر اللوز وشجر التين، إذ هو بها طوفان لا تزال تحمل منه الركاب والسفين، وهو مفضل على سائر تين الأندلس، إلا شعري إشبيلية، فإن بعضهم يفضله، ولا سيما في دخوله في الأدوية ومنفعته. ويكفيها عن الإطناب ما يتضمن شرح اسمها، إذ معنى رية عند النصارى: سلطانة فهي سلطانة البلاد. ولها القلعة المنيعة التي تتقلد من المجرة بنجاد. قال ابن سعيد: دخلت مدينة مالقة وأقمت فيها إقامة أرضت الشباب، وأمتعت مجالس الآداب. وكان والدي يفضلها ويعجب بها ولا سيما في أيام فرحهم وخروجهم إلى كروم العنب والتين، ولقد خرجنا إلى كرم أقمنا فيه مدة منفعته، فعددنا ذلك من أيام النعيم، إذ بياض أبراجها في خضرة شجرها مع تناسقها وكثرتها كما قال الكاتب أبو العباس الشلبي:
نظرت لمالقة مرة ... وقد زينوا أرضها بالبروج
فقلت سماء بدت زهرها ... تضاهي نجوم السما والبروج
وخمر مالقة مشهورة بالأندلس مفضلة، وفيها من ضروب الوشي العجائب، ويصنع بها الفخار المذهب والزجاج، ولأبي الحسين بن مسلمة موشحة في واديها، وهي:
بوادي رية ... اخلع عذار التصابي
أما تراه مفرع
مثل الصباح المرصع
بالروض عاد مجزع
سقاه ريه ... من صفو ماء السحاب
عليه حث المدامه
وانظره في شكل لامه
خاف الرياض حمامه
فكم خطيه ... مدت له كالحراب
دعني من العشق دعني
فكم به هاج حزني
فالآن أعشق دني
وأقصي ميه ... مع الممنى والرباب
الكاس أعشق عمري
لله ساعات سكرى
ما بين ورد وزهر
فما لي نيه ... في غير هذا الحساب
إلا إذا كان شادن
يسبيك منه محاسن
حلو الهوى متماجن
ينادي سيه ... يا عم إحرز ثيابي
وهذه من اصطلاح الصبيان الذين يسبحون هنالك.
التاج
أول من ثار بها في مدة ملوك الطوائف عامر بن الفتوح، وخدعه على بن حمود، فأخذها منه، فصارت قطباً لخلافة ولده حين أخرجوا من قرطبة. وأشهرهم بها إدريس بن يحيى بن علي الملقب بالعالي. وصارت إلى باديس ابن حبوس صاحب غرناطة. ثم تداولت عليها ولاة الملثمين وولاة المصامدة وولاة ابن هود. وهي الآن لابن الأحمر ملك غرناطة.السلك
من كتاب تلقيح الآراء في حلى الحجاب والوزراء
أبو عمرو بن هاشم
وزير العالي الإدريسي
من المسهب: كان له خلال توجب له الوزارة، أخبرت أنه كان يوماً في بيت وزارته، فدخل عليه غلام جميل بقل عذاره، فقال:أتاني وقد خط العذار بخده ... كما خط من جمر على مهرق سطرا
فقلت له: لم يقتنع بحيائه ... محياك حتى زاد من شعر سترا
ومن كتاب أردية الشباب في حلى الكتاب
أبو محمد عبد الله بن أبي العباس
الجذامي المالقي
قال والدي: بنو أبي العباس من بيوتات مالقة، وهو بيت علم وأدب وحسب ورياسة، وكان أبو محمد هذا من أعلامهم قد برع في النثر والنظم، وحسبك أن الرصافي شاعر زمانه يقول في رثائه:أبني البلاغة! فيم حفل النادي؟ ... هبها عكاظ فأين قس إياد
ومن شعره قوله من قصيدة في يوسف بن عبد المؤمن:
جللتم فماذا يبلغ القول فيكم ... وأفعالكم هن النجوم الزواهر
وإني وإن أطنبت جئت مقصراً ... وما تبلغ الأوصاف والبحر زاخر
وقوله من قصيدة:
وكأن سمرهم غصون فوقها ... طير ترفرف فوق أفئدة العدا
أبو الحسن رضي بن رضا المالقي
أخبرني والدي: أنه أدركه في مدة ناصر بني عبد المؤمن وكان يكتب عن ملوكهم ووصفه بالانهماك في شرب الخمر، حتى إنه كان لا يكاد يصحو منها. ومن شعره قوله:اشرب على البحر بحرا ... والثم على الزهر زهرا
وانظر لدهر تأتى ... فكم تشكيت دهرا
ولا تمل لمميل ... لا يقبل الدهر عذرا
خلعت في الكأس عذري ... فاخلع فديتك عذرا
أولا فدعني فإني ... أمحق العمر سكرا
وسافر من مالقة، فغاب خبره، وشاع أنه قتل، سامحه الله.
ابنه أبو جعفر
أحمد بن رضي
أخبرني أبو الحجاج البياسي مورخ الأندلس: أنه كان مدمناً للخمر كثير القول فيها، وأنه حضر معه يوماً على شراب، فدخل شيخ ضخم الجثة مستثقل، فقال أبو الحجاج:اسقني الكأس صاحيه ... ودع الشيخ ناحيه
فقال:
إن تكن ساقياً له ... ليس ترويه ساقيه
أبو عبد الله محمد بن عبد ربه
من ولد أبي عمر بن عبد ربه صاحب كتاب العقد، رحل إلى المشرق، وله رسالة في صقلية، ذكر فيها ما جرى له بمصر. وكان كاتباً لأبي الربيع ابن عبد الله بن عبد المؤمن سلطان الغرب الأوسط. ومن شعره قوله:كأنما الشمس وقد قابلت ... بدر الدجى والأفق الأهيف
عينا هزبر كلف وجهه ... ينظر في عطفيه لا يطرف
فإن تقل ما لونها واحد ... قلت: وهذا سبع أخيف
وحذر في رسالته من الأسفار، لما قاسى فيها.
أبو عبد الله محمد بن محمد بن طالب
قال والدي: كان يكتب عن ولاة مالقة، وأدركه ابن عمي أبو محمد بمالقة، وأنشدني له قوله:جفوتني من بعد ذاك الرضا ... والليل يأتي في عقيب النهار
وصار أنسي وحشة منكم ... والخمر لا بد لها من خمار
وله:
هذا النهار قد أضحى ... يبكي لفقد المدام
فانهض لنبديه بالكا ... س في اتصال ابتسام
ومن كتاب بلوغ الآمال في حلى العمال
أبو القاسم بن السقاط المالقي
من القلائد: مستعذب المقاطع، كأنما صور من نور ساطع، أبهى من محيا الظبي الخجل، وأحلى من الأمن عند الخائف الوجل، يهب عطراً نشره، ولا يغب حيناً بشره. الغرض مما أثبته من نظمه قوله:سقى الله أيامنا بالعذيب ... وأزماننا الغر صوب السحاب
إذا الحب يا بثن ريحانة ... تجاذبها خطرات العتاب
وإذ أنت نوارة تجتنى ... بكف المنى من رياض التصابي
ليالي والعيش سهل الجنا ... نضير الجوانب طلق الجناب
رميتك طيراً بدوح الصبا ... وصدتك ظبياً بوادي الشباب
وقوله:
ويوم ظللنا للمنى تحت ظله ... تدور علينا بالسعادة أفلاك
بروض سقته الجاشرية مزنة ... لها صارم من لامع البرق بتاك
توسدنا الصهباء أضغاث آسه ... كأنا على خضر الأرائك أملاك
تطاعننا فيه ثدي نواهد ... نهدن لحربي والسنور أفناك
وتجلى لنا فيه وجوه نواعم ... يخلن بدوراً والغدائر أفلاك
وذكر أنه حضر معه مواضع أنس. وهو ممن أثنى عليه صاحب المسهب، وأخبر: أنه ولي أعمال مالقة.
أبو علي بن يبقى
ولي أعمال مالقة حين كان واليها أبو العلاء مأمون بني عبد المؤمن وكان له جارة قد أدبها وعلمها الغناء، فطلبها منه أبو العلاء، فلم يسعفه بها، فأمسك له ذلك مع أشياء، كانت عليه في نفسه، فلما خطب لنفسه بالخلافة في إشبيلية أحضره، وضرب عنقه.وكتب إلى والدي وقد جاز على مالقة فلم يجتمع به:
أكذا يجوز القطر لا يثني على ... أرض توالى جدبها من بعده
الله يعلم أنها ما أنبتت ... زهراً ولا ثمراً لمدة فقده
عرج علينا ساعة يا من له ... حسب يفوق العالمين بمجده
ومن كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت
أبو العباس أحمد بن مؤمل
من بيت كبير بمالقة، وأبو العباس من سراتهم وساداتهم في الأدب والشعر: ومن شعره قوله:وكأس على وجه الحبيب شربتها ... كأني أسقي الشمس أو أنظر البدرا
سقيت بها من لا أبوح بذكره ... ثلاثاً فهز السكر معطفه النضرا
وشعشعتها كيما تغض جماحمها ... وقد وردت من خده ذلك الزهرا
فقال وقد زادت بخديه حمرة ... كما أبصرت عيناك في الشفق الفجرا
خلعت عليها للحباب قلادة ... فعوض خدي سكرها حلة حمرا
ومن كتاب الإحكام في حلى الحكام
أبو علي الحسن بن حسون
من المسهب: عين مالقة. ورب حلها وعقدها، وعلم بردها وواسطة عقدها، وكان من أئمة العلماء، ولى قضاء مالقة في مدة العالي بن يحيى بن حمود الفاطمي.ومن شعره قوله:
خلعت عذاري في هواها وعند ما ... تبدت نجوم الشيب في غسق الشعر
ثنيت عناني وارتجعت إلى النهى ... وعاودني حلمي وراجعني صبري
وأصبحت لا أبغي سوى العمل خطة ... ففيه الذي أرجوه في موقف الحشر
ولولاه ما أصبحت أقضي على الألى ... صبحتهم في عنفوان من العمر
وقاسى شدة من اختلاف الخلفاء على بلده.
أبو محمد عبد الله بن الوحيدي
قاضي حضرة مالقة
من المسهب: جرى في صباه طلق الجموح، ولم يزل يعاقب بين غبوق وصبوح، خالعاً عذاره في الملاح، هائماً بانثناء الغصن فوق الحقف الرداح، لا يثنيه عاذل، ولا يرعوى عن باطل، إلى أن دعاه النذير، فاقتدى منه بسراج منير، وعوض ذلك الاستهتار بما استمال به قلوب العامة.وله:
ولما بدا شيبي عطفت على الهدى ... كما يهتدي حلف السرى بنجوم
وفارقت أشياع الصبابة والطلا ... وملت إلى أهلي علاً وعلوم
أبو عبد الله محمد بن عسكر
قاضي مالقة
اجتمعت به في مالقة، وحضرت مجلسه، وكان متبحراً في العلوم، وكتب إلى والدي رسالة فيها:أفاتح من قلبي بعلياه واثق ... وإن كانت الأبصار لم تفتح الودا
وقلت: أرى فأل انساب ينيلني ... بقربك في نيل المنى والعلا السعدا
عسى الله أن يدني لنا بعد داركم ... ويفري حجاباً بيننا للنوى مداً
وله:
أهواك يا بدر وأهوى الذي ... يعذلني فيك وأهوى الرقيب
والجار والدار ومن حلها ... وكل من مر بها من قريب
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
أبو عبد الله محمد بن الفخار
الأصولي المالقي
من القلائد: صاحب لسن، وراكب هواه من قبيح أو حسن، لا يصد إذا صمم، ولا يرد عما يمم. ومن شعره قوله:بأي حسام، أم بأي سنان ... أنازل ذاك القرن حين دعاني
لئن عرى اليوم الجواد لعلة ... فبالأمس شدوا سرجه لطعان
وإن عطل السهم الذي كنت رائشاً ... ففيه دم الأعداء أحمر قاني
ألا إن درعي نثرة تبعية ... وسيفي صدق إن هززت يمان
وقد علم الأقوام من صح وده ... ومن كان منا دائم الشنآن
وقوله:
إذا ما خليلي أسا مرة ... وقد كان فيما مضى مجملا
ذكرت المقدم من فعله ... فلم يفسد الآخر الأولا
أبو عبد الله محمد بن معمر اللغوي
المعروف بابن أخت غانم
من المسهب: من علماء مالقة المشهورين، وهو متفنن في علوم شتى، إلا أن الأغلب عليه علم اللغة، وفيه أكثر تواليفه، وكان قد وصل من مالقة إلى المرية، فجل عند ملكها المعتصم بن صمادح. وهو القائل في أبي الفضل بن شرف:قولوا لشاعر برجة: هل جاء من ... أرض العراق فحاز طبع البحتري
وافى بأشعار تضج بكفه ... وتقول: هل أعزى لمن لم يشعر؟
يا جعفراً! رد القريض لأهله ... واترك مباراة لتلك الأبحر
لا تزعمن ما لم تكن أهلاً له ... هذا الرضاب لغير فيك الأبخر
أبو عمرو سالم بن سالم النحوي
من نحاة مالقة المشهورين، كان يقرئ فيها العربية. ومن شعره المشهور قوله:يا ماطلاً قد لوى بديني ... مالي على الصبر من يدين
ويا غزالاً غزا فؤادي ... بسهم ألحاظ ناظرين
أطلت سقمي أخفيت رسمي ... أسهرت طرفي أجريت عيني
مالك ترنو إلي شزراً ... بمقلة تستجيز حيني
كأنني من بني زياد ... وأنت من شيعة الحسين
الأديب أبو الحسن سلام بن سلام المالقي
قال والدي: هو سلام بن سلام، مخفف اللام، وكان أديباً، وله مقامات سبع مشهروة. وأعلى شعره قوله:لما ظفرت بليلة من وصله ... والصب غير الوصل لا يشفيه
أنضجت وردة خده بتنفسي ... وطفقت أرشف ماءها من فيه
وله:
كيف لي بالسلو عنكم، وأنتم ... موضع السؤل والمنى والمراد؟!
باعدوني إن شئتم واهجروني ... يستبن قدر ما لكم في فؤادي
ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام
أبو عبد الله محمد بن السراج
من الذخيرة: محسن في أهل عصره معدود، وشاعر بني حمود له في الهزار:ومسمعة غنت فهاجت لنا هوى ... جنينا به منها ثمار المنى جنيا
دعوت لها سقيا، فما استكمل الرضا ... دعائي لها حتى سقاها الحيا سقيا
وكأن على طيب استماعي لصوتها ... شربت، ودمع العين يسعدني جريا
ولو أقلعت أولى عزالية لانبرت ... رياح النوى تمري دموع الهوى مريا
خليلي هذا اليوم لو بيع طيبه ... بما حوت الدنيا، لقلت له الدنيا
وقال في ديك صدح سحراً:
رعى الله ذا صوت أنسنا بصوته ... وقد بان في وجه الظلام شحوب
دعا من بعيد صاحباً فأجابه ... يخبرنا أن الصباح قريب
علي له لو كنت أملك عمره ... حياة على طيب الزمان تطيب
وقال:
تأمل سقوط الغيث ماذا أثار من ... هوى، هو في قلب المحب كمين
رأى لي جفوناً دمعها غير ذائب ... فذابت على الإسعاد منه جفون
أبو علي الحسن بن الغليظ
ذكر صاحب الذخيرة: أنه كان صاحب ابن السراج ومنادمه، كتب إلى ابن السراج:يا خليلاً صفا وكدر يومي ... هل إلى الطيب في غد من سبيل
لتمنيت أن ترى حسن الور ... د بعينيك بالجناب الظليل
يا خليلاً مثاله نصب عيني ... لو خلونا إذن شفيت غليلي
وحسن الورد: هي محبوبة ابن السراج. وكتب إليه:
يا من أقلب طرفي في محاسنه ... فلا أرى مثله في الناس إنسانا
لو كنت تعلم ما لاقيت بعدك ما ... شربت كأساً ولا استحسنت بستانا
وبينهما مخاطبات كثيرة بالشعر، وهما من شعراء ملوك الطوائف.
أبو محمد الباهلي
قال والدي: كان عارفاً بطريقي الناظم في المعرب والملحون. ومن شعره قوله:أخيى، يا أخيى، يا أخيى ... تداركني فإني شر شي!
تداركني بمعصال وكأس ... لسكران الضحى صاحي العشي
شرابكم وعرض الناس طراً ... وحسبي من غنى شبعي وريي
الرميلي
الرميلة: حاضر من أرباض مالقة، نسب إليه، وكان قد خدم علي بن غانية الميورقي الذي خرج من ميورقة وملك بجاية، وصلب ببجاية بسبب ذلك على قوله:أنتم صباح الدين يجلو غيهب ال ... إلحاد والدنيا بكم ستنير
أبو عبد الله محمد بن الحمامي
شاعر مشهور في مدة مستنصر بني عبد المؤمن من مشهور شعره قوله:جيش التجلد يوم البين مهزوم ... وإن موجود أنسى فيه معدوم
وعاقني عن تشفي العين إذ رحلوا ... سحاب دمع من الأجفان مركوم
يا قلب إنك نشوان بغير طلاً ... كما بغير سلاح أنت مكلوم
يا حادي الركب لا تعجل ببينهم ... إن المعين على التفريق مأثوم
هم أتلفوا مهجتي يوم الغرام وما ... لمتلف بغريم الحب مغروم
أبو شهاب المالقي
قال والدي: هو ممن صحبته في أيام الشباب، وكان خليع العذار، في شرب العقار. ومن شعره قوله:زارتكم أكؤس الحميا ... تسحب ذيل السرور زيا
رأت طلي الإنس دون حلي ... فانتظمت حوله حليا!
وقوله:
الراح روحي فلا والله أتركه ... ما دام جسمي مشتاقاً إلى روح
وكان في المائة السابعة.
أبو النعيم رضوان بن خالد
من شعراء عصرنا المشهورين، لقيته بمالقة، وهو من أظرف الأدباء زيا ومجالسة، ومن مشهور شعره قوله:وجه نضير لنا رياض ... فكلنا ناظر إليه!
فالزهر فيه من زهر فيه ... والورد توريد وجنتيه
والجيد جيد القطيع حسناً ... والوجه تفاحة عليه
والقطيع عند أهل المغرب: قنينة طويلة العنق وقوله:
أيا من حبه سرى وجهري ... ويا من عفتي فيه رقيب
ويا من لا أسميه لأني ... إذا ما قلت أحمد يستريب
وبعد انفصالي من إفريقية بلغني أنه مات. ولم يكن بمالقة أشهر في الشعر منه، وأشعاره يغني بها كثيراً.
الأهداب
لغرض من أزجال أبي علي الحسن بن أبي نصر الدباغ
لما عبرت على مالقة، كان حينئذ هنالك، وهو إمام في الهجو على طريقة الزجل، والقول في اللياطة، وله كتاب في مختار ما للزجالين المطبوعين.زجل له:
لا مليح إلا مهاود ... لا شراب إلا مروق
اتكي واربح زمانك ... بالخلاعا والمعيشق
لا شراب إلا في بستان ... والربيع قد فاح نوار
يبكي الغمام ويضحك ... أقحوان مع بهار
والمياه مثل الثعابين ... فذاك السواق دار
والنسيم عذري الأنفاس ... قد نحل جسمو وقد رق
وعشية مليحة فتن ... عنها المسك ينشق
الطيور تحكي المثاني ... وتسقها أحسن سياقا
في ثماراً يلهمون ... لزمان العشق طاقا
فغصن لا خَرْ يقبل ... وقضيب لا خَرْ يعنق
وشعاع الشمس قد غاب ... وبقا فالجو نور
والشفق فالغرب ممدود ... قد كتب بزنجفور
أحرفاً تقرى وتفهم ... فتراهم في سطور
السماك ميماً مدور ... والهلال نوناً معرق
ونحن في طيب مدام ... قوم جلوس وآخر يميل
ونديم يستقى نديم ... وخليل يهوي خليل
وعذار الليل قد شاب ... لما أن دنا رحيل
ودليل الصبح قدام ... قد ركب جواداً أبلق
زجل هجو في حكيم:
إن ريت من عداك ... يشتكي من تلطيخ
وتريد أن يقبر ... احمل للمريخ
قد حلف ملك الموت بجميع أيمان
ألا يبرح ساعة من جوار دكان
ويريح روح ويعظم شان
وفساد النيا تحت ... ذاك التوبيخ
بقياس الفاسد وبدين الحمروج
يخذ الصفراوي ويرد مفلوج
للصحيح لس يسمح بمريقة فروج
ويحيل المحموم على ... أكل البطيخ
وغني إن طب فيرد يسعى
والمنى يطلق في مروج ترعى
يسقى ما يسقيه يحتبس في الأمعا
احتباس أيدي العار بحبال التوبيخ
قوة تتنقى من عطاه تنقياً
ويرى أكباده في الطسيس مرميا
تنبري أنياط وتقع ملويا
مثل شعر العانا إن حلق بالزرنيخ
وشراب الممدوح مثل سكر ذباح
فالزجاج يتقليط لخروج الأرواح
نقط أو ما جني على صلب التمساح
وبدا يتناثر ... بالعفن والتزنيخ
الوزير أبجعفر قد كثر تبجيلك
واش يقول البربر حن يروا تعجيلك
سو الأدب علمنا ذا الدوا أديلك
الطفل يتقدم للقبر قبل الشيخ
زجل هجو في الجرنيس النيار الزجال وموت أمه:
عزوا ابليس ونوح يا كفارماتت أم الجرنيس النيار
أي عجوز لقد فجع فيها!
كل شاطر إن كان في ذا الجيها
حلف الموت ألا يخليها
وأي رزياً جرت على الشطار
بيها كان الربض يفوح ....
إن دعت للفسوق تقول لبيك
وتزين قبح المعاصي إليك
بحل إبليس حتى تقع فالعار
خلت أولاد بحل فراخ البوم
السموجا والقرنسا والشوم
نفستهم في طالعا مذموم
من رآهم رأي وجوه أطيار
لم تخلى لهم في قاع الدير
غير بطناً وقف مع لغطير
وعرم من خروق لمسح ....
وقدير تهيج الأسحار
موتاً ماتت ما لا يمتها بشر
عينان أزرق ووجه مثل القدر
واللسان قد خرج لنصف الصدر
أذكر الله وهي تصيح النار
خرج الروح على دين الربى
وأبو مراً يصيح أيا حزبي
في جهنم تركب على ....
مع ابنة القلا وذيك العيار
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة المالقية وهو
كتاب الترييش في حلى مدينة بليش
مدينة في شرقي مالقة، عامرة، آهلة، ضخمة الأسواق؛ الحضارة أغلب عليها من البادية، وليس في قواعد أعمال مالقة مثلها في الحضارة، وحولها ضياع كثيرة، وقد مررت بها مع والدي وسألت: هل فيها من له نظم؟ فلم نجد من يؤبه به، وذكر لنا أحد أدبائها أن منها شاعرين.عبد العزيز بن الطراوة
هو أحد الشاعرين، كان في زمن أبي سعيد بن عبد المؤمن ملك غرناطة ومالقة، وأنه وفد عليه ومدحه بقصيدة مطلعها:لا تسقني الكأس إلا من دم البطل ... ولا تغن بغير البيض والأسل
ومنها:
قد كنت أثني من الآمال جامحة ... فعند ما لحت لي لم يبق من أمل
وكان شغلي بهذا الدهر مذ زمن ... فليس لي الآن غير المدح من شغل
وقوله:
من لي به بدوي لا يهذبه ... لين الكلام ولا يرتاح للغزل
وكلما رمت لثماً منه قيض لي ... وجهاً يريني فيه اليأس من أملي
واهاً له من غزال ضاع في بقر ... اللثم عندهم كالطعن بالأسل
صالح بن جابر
هو الشاعر الثاني. عاصر ابن الطراوة المذكور وهاجاه، ومن شعره قوله:لبكائي تبكي الغمام وإني ... لست راض عن دمع تلك الغمام
لو وفت بالذي أريد لدامت ... أبد الدهر في توالي انسجام
لست أرضى بغير دمعي دمعاً ... إنه ناثر دمي من نظام
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة المالقية وهو
كتاب تحية الريحانة في حلى مدينة بزليانة
من حصون مالقة على بحر الزقاق. منها:أبو عبد الله محمد بن عامر
البزلياني الكاتب
من الذخيرة: كان في ذلك الأوان أحد شيوخ الكتاب، وجهابذة أهل الآداب، ممن أدار الملوك ودبرها، وطوى الممالك ونشرها. والى بني عباد، صارت مصائره بعد تقلبه في البلاد. عنوان من نثره: من رقعة خاطب بها ابن عبد الله صاحب قرمونة عن حبوس ملك غرناطة:من النصح تقريع، ومن الحفاظ تضييع، ولكل مقام مقال، إذا عدى به عنه استحال، ووصل منك كتاب طمست منحاه، وغممت معناه، وأومأت فيه إلى النصح، ودللت على سبيل النجح، وقفت على فصوله ومعانيه، وأحطت علماً بما فيه، ولم يكن لمن أوحشت جهته، وتغيرت مودته، أن يدخل مدخل الناصحين، وقد خرج من جملة المشفقين.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة المالقية وهو
كتاب الراية في حلى مدينة لماية
من حصون مالقة. منها:أبو جعفر أحمد المائي الكاتب
من الذخيرة: أنه كان أحد أئمة الكتاب وشهب الآداب.فصل من نثره: غصن ذكرك عندي ناضر، وروض ودك عاطر، وريح إخلاصي لك صبا، وزمن آمالي فيك صبا.
ومن نظمه قوله:
قد قلت إذ سار السفين به ... والبين ينهب مهجتي نهبا
لو أن لي ملكاً أصول به ... لأخذت كل سفينة غصبا
وقوله:
غني وللإيقاع فو ... ق بيان منطقه بيان
وكأنما يده فم ... وقضيبه فيها لسان
وكان في زمان ملوك الطوائف.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة المالقية وهو
كتاب فرحة السرور في حلى حصن مورور
من حصون عمل سهيل من أعمال مالقة الغربية. منه:العالم المتفنن أبو القاسم
عبد الرحمن بن عبد الله
السهيلي الأعمى
صاحب كتاب الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، وهو مشهور في علم النحو وفنون الأدب. وأغار الفرنج على سهيل، وخربوه وقتلوا أهله وأقاربه، وكان غائباً عنهم فاستأجر من أركبه دابة وأتى به إليه، فوقف بإزائه، وقال:يا دار أين البيض والآرام ... أم أني جيران علي كرام
راب المحب من المنازل أنه ... حيي فلم يرجع إليه سلام
لما أجابني الصدى عنهم ولم ... يلج المسامع للحبيب كلام
طارحت ورق حمامها مترنماً ... بمقال صب والدموع سجام
يا دار ما فعلت بك الأيام ... ضامتك والأيام ليس تضام
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي انقسمت إليها سلطنة الأندلس وهوكتاب الشفاه اللعس في حلي موسطة الأندلس
فيها ممالك جليلة ستقف على تفسيرها وينقسم هذا الكتاب إلى: كتاب النفحة المندلية، في حلي المملكة الطليطلية كتاب النفحة البستانية، في حلي المملكة الجيانية كتاب الكواكب المنيرة، في حلي مملكة إلبيرة كتاب النشوة الخمرية، في حلي مملكة المريةكتاب النفحة المندلية في حلي المملكة الطليطلية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب موسطة الأندلس
وهوكتاب النفحة المندلية في حلي المملكة الطليطلية
مملكة طليطلة
مملكة بين مملكة قرطبة وثغر سرقسطة، وقد حصل جميعها في يد النصارى، وينقسم هذا الكتاب إلى: كتاب البدور المكملة، في حلي مدينة طليطلة كتاب الطرس المرقش، في حلي قرية وقش كتاب الغيرة، في حلي مدينة طلبيرة كتاب الغرارة، في حلي مدينة وادي الحجارة كتاب صفقة الرباح، في حلي قلعة رباح كتاب نقش السكة، في حلي مدينة طلمنكه كتاب التغبيط، في حلي مدينة مجريط كتاب السعاده، في حلي قرية مكادهبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة الطليطلية وهوكتاب البدور المكملة في حلي مدينة طليطلة
المنصة
من
التاريخ الرومي: أنها إحدى المدن الأربع التي بنيت في مدة قيصر أكتبيان
الذي يؤرخ من مدته مدة الصفر، وتأويل اسمها أنت فارح وهي في الإقليم الخامس
موسطة، منها إلى الحاجز الذي هو درب الأندلس نحو نصف شهر، وكذلك إلى البحر
المحيط بجهة شلب ومنها إلى قرطبة، وإلى غرناطة وإلى مرسية، وإلى بلنسية
نحو سبعة أيام، ونهر تاجه قبليها وأطنب الحجاري في وصفها. ووصفها بعظم
الامتناع، وإحداق الشجر بها من كل جهة، وأنه كان يتفرج من باب شقرا في
الجلنار الذي لم ير مثله، إذ الجلنارة تقارب الرمانة. وفيها من ضروب
التركيب والفلاحة ما تفضل به غيرها. وابن بصال، صاحب الفلاحة، منها.
قال: ورأيت فيها الشجرة تكون فيها أنواع من الثمر، وذكر أنه صحب عيسى بن وكيل إليها، وقد توجه رسولا، فقال ابن وكيل فيها:
زَادَتْ طُلَيْطُلَةٌ على ما حَدَّثوا ... بَلَدٌ عليهِ نضَارَةٌ ونعيمُ
الله رَيَّنَهُ، فَوَشَّحَ خَصْرَهُ ... نَهْرُ المجرَّةِ، والقُصُورُ نُجُومُ
ويصنع
فيها من آلات الحرب العجائب، وكان فيها المباني الذنونية الجليلة: منها
قبة النعيم، التي صنعت للمأمون بن ذى النون، تنسدل فيها خيمة من ماء، يشرب
في جوفها مع من أحب من خواصه في أيام الصيف، فلا تصل إليه ذبابة، وهي في
بستان الناعورة.
وفيها القصر المكرم الذي بناه، واحتفل فيه، وأطنبت البلغاء والشعراء في وصفه.
وذكر الحجاري أن فيها صنفاً من التين، النصف أخضر، والنصف أبيض، في نهاية الحلاوة
التاج
كثيراً ما قامت بها الثوار في مدة السلطنة المروانية، ونهض إليها سلاطينهم، وحاصروها، فرجعوا خائبين. وملكوها، فعاثوا في أهلها. ومن وليها:حبيب بن عبد الملك
بن عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان
من السقط: أنه من صدور الداخلين الأندلس المتميزين بالمعرفة، والدهاء، والشجاعة، والأدب وقول الشعر، دخل قبل عبد الرحمن الداخل، وكان له عنده مكانة علية، وممن يشار إليه بالطمع في الأمر، ومات قبل عبد الرحمن عن أحد عشر ذكراً، وفشا نسله. وهو القائل:السَّعْدُ يبلغُ بالفتى فوقَ الذي ... يَسْعَى له، والجَدُّ من أَعْوَانِهِ
مع أَنَّ ذاك مَعَ المقادرِ زَائِدٌ ... فلكمْ جَموحٍ رُدَّ في مَيْدَانِهِ
عبد الله بن عبد العزيز بن محمد
بن سعد الخير بن الأمير الحكم الربضي المرواني
من السقط: أنه كان جليل القدر، عظيم الذكر، يعرف بالحجر، ولى مملكة طليطلة للمنصور بن أبي عامر، وعصى عليه، فحصل في يده، فحبسه.ومن شعره قوله:
هل منكَ حَظٌّ لنا يا أَيُّها القَمَرُ ... فإِنما حَظُّنا من وَجْهكَ النَّظَرُ
رآكَ ناسٌ فقالوا إِنَّ ذا قَمَرٌ ... فقلتُ: كُفُّوا، فعندي منهما خَبَرُ
الْبدْرُ ليس بغَيْر النِّصْفِ بَهْجَتُهُ ... حتى الصباح، وهذا كلُّه قَمَرُ
دولة بني ذى النون
ثار بها في مدة ملوك الطوائف ابن يعيش قاضيها، ولم تطل مدته، وصارت منه إلى:الظافر اسماعيل بن ذى النون
فدارى سليمان المستعين. قال ابن حيان: وكانت نباهة بني ذى النون من جدهم ذى النون في أيام الأمير محمد بن عبد الرحمن. فقد خلف عنده خصياً بحصن أقليش ، فعالجه حتى برئ.وقال ابن حيان: إن اسماعيل كان أول الثوار إيثاراً لمفارقة الجماعة. ووصفه بشدة البخل. لم يرغب في صنيعة، ولا سارع إلى حسنة، فما أعملت إليه مطية، ولا استخرج من يده درهم في حق ولا باطل. ومنه تفجر ينبوع الفتن، وكان ينال من السلف الصالح . قال ابن غالب: إنه توفي سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. وولى بعده:
ابنه
المأمون يحيى بن اسماعيل
قال الحجري: لم يكن فيهم أعظم قدراً، ولا أشهر ذكراً منه، اجتمع في مجلسه أبو عبد الله محمد بن شرف حسنة القيروان، وعبد الله بن خليفة المصري الحكيم، وأبو الفضل البغدادي الأديب. ولم يجتمع عند ملك من ملوك الأندلس ما اجتمع عنده من الوزراء والكتاب الجلة: منهم أبو عيسى بن لبون، وابن سفيان، وأبو عامر بن الفرج، وأبو المطرف بن مثنى. ومات فولى بعده ابن ابنه وهو:القادر يحيى بن اسماعيل
بن المأمون بن ذى النون
وكان
سيئ الرأي، إن حزم لم يعزم، وإن سدى لم يلحم، واستدرج ابن الحديدي
بالأمان، واستفزه إلى مصرعه بمزورات الإيمان إلى أن زحف ابن الحديدي للقصر،
والدولة يومئذ متعلقة بأذياله، فانخدع للقادر انخداعاً آل به إلى أن قتله
أصحاب القادر في القصر.
وأمر بنهب دور بني الحديدى، فاشتغلت العامة بها،
ففغر أذفونش بن فرذلند فاه على ثغوره، وجعل يطويها طي السجل للكتاب، وينهض
فيها نهوض الشيب في الشباب، إلى أن ثار عليه أهل طليطلة، وهرب إلى بعض
حصونه، فصارت للمتوكل بن الأفطس، ثم أسلمها المتوكل، فاستعان القادر
بأذفونش على حصارها، فملكها ابن ذى النون قهراً، وأسلمها لأذفونش سنة خمس
وسبعين.
السلك
من كتاب الياقوت في حلي ذوي البيوت
الأمير أرقم بن عبد الرحمن بن اسماعيل
بن عبد الرحمن بن اسماعيل بن عامر بن مطرف بن موسى بن ذى النون
من كتاب المسهب: يعرف بابن المضراس، وأخوه اسماعيل هو أول من ملك طليطلة من بني ذى النون، وكان المأمون ابن أخيه ينفيه ويبغضه، ويحسده على أدبه، ففر عنه إلى الثغر الأعلى لمملكته. ومن شعره قوله :إذا لمْ يَكُنْ لي جانبٌ في ذُرَاكُمُ ... فما العذرُ لي أَلاَّ يكونَ التجنُّبُ
وكان قد قرأ في قرطبة على الرمادي الشاعر. وآل أمره إلى أن حصل عند النصارى، فدس إليهم ابن أخيه المأمون من نصحهم في شأنه بأنه جاسوس من قبل ابن أخيه، ليتكشف على بلادهم، فقتلوه، فقال المأمون: الحمد لله ! هذه نعمة من جهتين: فقد عدو، ووجوب ثأر نطلب به.
ومن كتاب تلقيح الآراء، في حلي الحجاب والوزراء.
الوزير أبو المطرف عبد الرحمن
ذكر الحجاري أنه من أهل ... ... ولكنه أورد ترجمته في مدينة طليطلة.وأنشد له قوله:
يا مَنْ أَبَى غير مرأَى حُسْنه النَّظَرُ ... من بعد وجهك لا شمسٌ ولا قمَرُ
لا تحسبنِّي إذا ما غبتَ مُصْطَبِرا ... فما على بُعْد ذاك الوجه أَصْطَبرُ
طال انتظاري، ولا وعدٌ يُعَلِّلُني ... ولا كتابٌ، ولا رُسْلٌ، ولا خبرُ
ومن نثره: الوُدُّ - أبقاكَ الله - كما علمْتَ غُصْنٌ ناضِرٌ، وكيفَ لا يكونُ كذلكَ وما برحْتَ تنقَّلُ مِنْ قَلْبٍ إلى ناظرِ، والذِكْرُ لا يبرحُ مَعْقُوداً باللِّسانِ، ومنَ الواجبِ أَلاَّ يُنْسَى ذِكْرُ مُولٍ للإحْسَانِ.
ومن كتاب الكتاب
كاتب الظافر بن ذى النون
من المسهب أنه كان متخلفاً كتب عن الظافر إلى أهل حصن بلغه أن النصارى يريدون غرته بالتحذير كتاباً طويلاً، فيه: وقد قرع أسماعنا أن شرذمةً من بني الأصفر، صفر وطابهم، ونكس عقابهم عزموا أن يغزوا حوزتكم، فكونوا على أهبة لصدمتهم، وأعدوا لهم مائة من أذمار الوغا الزبون.وأتبع ذلك بألفاظ مستغلقة لم يفهمها جند الحصن، وكتبوا إلى الظافر يستفسرونه عنها. وفي أثناء ذلك ضرب النصارى على الحصن، وصادفوا فيه الغرة.
الكاتب ابن عيطون التجيبي
أبو الخطاب عمر بن أحمد
جيد الصناعة، وكان أبي النفس، غير متكسب بالشعر، وكان في جلة الفضلاء الذين وفدوا على المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس. وكان المتوكل قد اعتل، ومع ذلك فخرجت منه جوائز للشعراء، فقال:وما اعتلَّ عنا جودُهُ باعتلالهِ ... ولكنْ وَجَدْنا بِرَّه لا يُهَنَّاُ
تُنَغصُ شكواهُ بجدواهُ عندَنَا ... كأَنَّا عطاشُ البحرِ في الماء نَظْمَأُ
وجال على ملوك الطوائف.
ومن كتاب الياقوت في حلي ذوي البيوت
الأسعد بن إبراهيم بن بليطه
له:يومٌ تكاثَفَ غيمُهُ فكأَنَّهُ ... دونَ السماءِ دخانُ عودٍ أَخضَرِ
والطلُّ مثلُ برادةٍ منْ فضَّةٍ ... منثورةٍ في بردةٍ منْ عنبرِ
والشمسُ أَحياناً تلوحُ كأَنَّها ... أَمَةٌ تعرِّض نفسها للمُشتري
ولديَّ صِرْفُ مُدامةٍ مَشمولةٍ ... تَلْقَى الظلامَ بوجهٍ صبحٍ مسفرِ
وكأَنَّها ممَّا تُحبّكَُ أَقْسَمَتْ ... أَلاَّ تَطيبَ لنا إذا لمْ تَحْضُرِ
ومن الذخيرة أنه تردد على ملوك الطوائف، فارس جحفل، وشاعر محفل، وأنشد له قوله :
أَحْبِبْ بنَوْر الأَقاحِ نُوَّارَا ... عَسْجَدُهُ في لُجَيْنِهِ حارا
أَيُّ عيونٍ صُوِّرْنَ منْ ذهبٍ ... رُكِّبَ فيها اللُّجَيْنُ أَشفارا
إذا رأَى النَّاظرونَ بهجتَهَا ... قالوا نجومٌ تحفُّ أَقمارا
كأَنَّ ما اصفرَّ منْ موسَّطِهِ ... عليلُ قومٍ أَتوه زُوَّارا
أبو بكر محمد بن أرفع رأسه
نبه الحجاري على بيته بطليطلة، وأن المأمون بن ذى النون اشتمل عليه، وشهر عنده ذكره، وقال في المأمون:دَعُوا الملوكَ وأَبناءَ الملوكِ فمَنْ ... أَضْحى على البَحْرِ لم يَشَتَقْ إلى نَهَرِ
يا واحداً ما على علياهُ مختَلَفٌ ... مُذْ جادَ كفُّكَ لمْ نَحْتَجْ إلى المَطَرِ
ومُذْ طلعْتَ لنا شمساً فما نظرَتْ ... عيني إلى كوكبٍ يَهْدِي ولا قَمَرِ
وله موشحات مشهورة يغنى بها في بلاد المغرب، منها في مدح المأمون بن ذى النون.
أبو بكر يحيى بن بقى الطليطلي
من القلائد: رافع راية القريض، وصاحب آية التصريح فيه .والتعريض، أقام شرائعه، وأظهر روائعه، وكان عصيه طائعه، إذا نظم أزرى بنظم العقود، وأتى بأحسن من رقم البرود، ضفا عليه حرمانه، وما صفا له زمانه، فصار قعيد صهوات، وقاطع فلوات، ومع توهم لا يظفره بأمان، وتقلب دهر كواهي الجمان.
الغرض من نظمه قوله:
عندي حُشَاشَةُ نفسٍ في سبيل ردىً ... إِنْ شِئْتَهَا اليومَ لمْ أَمْطُل بها لِغَدِ
وكيفَ أَقْوَى عَلَى السُّلْوَان عنْكَ وقَدْ ... رَبَّيْتُ حُبَّكَ حتَّى شِبْتَ في خَلَدِي
خُذْها وهاتِ ولا تَمْزُجْ فَتُفْسِدَها ... فالماءُ في النارِ أَصْلٌ غَيْرُ مطَّرِدِ
وقوله:
فهلاَّ أَقاموا كالبكاءِ تنهُّدِي ... إذا ما بَكَى القُمْرِيُّ قالوا تَرنَّما
وقوله:
إلى الله أَشكوها نَوًى أَجْنَبيَّةً ... لها مِنْ أَبيها الدَّهرِ شيمةُ ظالمِ
إذا جاشَ صَدْرُ الأَرضِ بي كنْتُ مُنْجِداً ... وإِنْ لمْ يَجِشْ بي كنتُ بينَ التَهَائِمِ
أَكلُّ بني الآدابِ مثليَ ضائعٌ ... فأَجْعَلَ ظُلْمي أسوةً في المظالِمِ
ستبكي قوافي الشعرِ ملءَ جفونِهَا ... عَلَى عَرَبيٍّ ضاعَ بيْنَ الأعاجِمِ
وقوله:
أَمُصْطَبِرٌ أَنْتَ إِنْ قَوَّضوا ... وأَمّوا المَصِيفَ مِنَ المَرْبَعِ
سَتَجْزَعْ إنْ صِرْتَ في رَكْبِهمْ ... وإِنْ لا تَسِرْ فيهمُ تَجْزَعِ
تَخَيَّرْ لنفسِكَ في حالتي ... نِ فاقْضِ بإِحداهُمَا واصْدَعِ
فإِمَّا علَى نيَّةٍ فاعتزِمْ ... وإِمَّا عَلَى ظَلْعٍ فارْبَعِ
قدِ ابتكروا واستقلَّتْ بِهِمْ ... قلائصُ مشدودةُ الأَنْسُعِ
قليلاً عَلَيْنا فإِنَّا على ... أَسىً مُؤلِمٍ، وهَوىً مُضْرِعِ
نُشَيِّعُكُمْ ولعلَّ الغَنا ... ءَ للصَبِّ نظرةُ مستمتِعِ
وبي كَمَدٌ لوْ غدا بالصَّفَا ... لَذُبْنَ، وبالوُرْقِ لمْ تَسْجَعِ
وَجَدْنا بِكُمْ وعلى بَيْنِكُمْ ... ومِنْ أَجلِكُمْ فوقَ ما نَدَّعي
وقوله:
بأَبي غزالٌ غازلتْهُ مُقْلَتي ... بَيْنَ العُذَيْبِ وبَيْنَ شَطَّيْ بارِقِ
وسأَلْتُ مِنْهُ قُبْلَةً تَشْفي الجَوَى ... فأًجابَنِي فيها بوَعْدٍ صادِقِ
بِتْنَا ونحنُ مِنَ الدَُجَى في لُجَّةٍ ... ومِنَ النجومِ الزُّهْرِ تحتَ سُرَادِقِ
حتَّى إِذا مالَتْ بِهِ سِنَةُ الكَرَى ... زَحْزَحَتْهُ شيئاً وكانَ مُعَانقي
باعَدْتُهُ عنْ أَضْلُعٍ تشتاقُهُ ... كيلا ينامَ على وسادِ خافِقِِ
ومن كتاب نجوم السماء، في حلي العلماء
أبو محمد عبد الله العسال
زاهد طليطلة المشهور بالكرامات، وإجابة الدعوات، وهو القائل لما أخذت طليطلة من المسلمين وقد رحل عنها إلى غرناطة وهنالك قبره مكرم مزور إلى الآن، وقد زرته:ياأَهْلَ أَنْدَلُسٍ حُثُّوا مَطِيَّكُمُ ... فما المقامُ بها إلاَّ مِنَ الغَلَطِ
الثوبُ يَنْسِلُ مِنْ أَطْرافِهِ، وأَرى ... ثَوْبَ الجزيرةِ مَنْسولاً مِنَ الوَسَطِ
الفقيه أبو القاسم بن الخياط
من المسهب: أقام خمسين سنة على العفاف والخير، لا تعرف له زلة، فلما أخذ النصارى طليطلة، حلق وسط رأسه وشد الزنار، فقال له أحد أصحابه في ذلك وقال له: أين عقلك؟ ! فقال: ما فعلت هذا إلا بعد ما كمل عقلي.وقال شعراً منه:
تلوَّنَ كالحِرْباء حينَ تَلَوُّنٍ ... وأَبصرَ دنياه بملْءِ جفونِهِ
وكلٌّ إلى الرَّحْمَنِ يُومِي بِوَجْهِهِ ... ويذكُرُهُ في جَهْرِهِ ويقينهِ
ولوْ أَنَّ دِيناً كانَ نَفْياً لخالقي ... لمَا كُنْتُ يوماً داخلاً في فنونِهِ
وذكر ابن اليسع له رسالة كتبها عن أذفونش ملك النصارى إلى المعتمد بن عباد بالإرهاب.
المنجم مروان بن غزوان
كان متصلاً بعبد الرحمن الأوسط، وخرج في بعض سفراته، فبشره بالسلامة، وافتتاح ثلاثة معاقل من بلاد العدو، فكان ذلك، وأعطاه ألف دينار.وكان قد هجا هاشم بن عبد العزيز وزير محمد بن عبد الرحمن، فأغراه به، وأنشد لمحمد أبياتاً كان مروان قد قالها متغزلاً في محمد لما كان غلاماً:
أعلِّلُ نفسي بالمَوَاعِدِ والمُنَى ... وما العيشُ واللَّذَّاتُ إِلاَّ محمَّدُ
بذاكَ سَبَى عقلي وهاجَ لِيَ الجوَى ... ولمْ يَسْبِهِ حُورٌ أَوانسُ نُهَّدُ
ولكنْ غزالٌ عَبْشَمِيٌّ سمَا بِهِ ... أَبٌ ماجدُ الآباءِ قَرْمٌ ممجَّدُ
فأمر له بمائة سوط لكل بيت، وسجنه.
الطبيب
أبو إسحاق إبراهيم بن الفخار اليهودي
ساد في طليطلة، وصار رسولاً من ملكها النصراني أذفونش إلى أثمة بني عبد المؤمن بحضرة مراكش، وكان والدي يصفه بالتفنن في الشعر ومعرفة العلوم القديمة والمنطق وقد أبصرته في إشبيلية وله جاه عريض وأنشدني لنفسه قوله في أذفونش:حَضْرَةُ الأَذْفُونْش لا بَرِحَتْ ... غَضةً أَيامُها عُرُسُ
فاخلَعِ النَّعْلَينِ تَكْرمَةً ... في ثَرَاها إِنَّها قُدُسُ
ومن كتاب مصابيح الظلام في حلي الناظمين لدر الكلام.
غربيب بن عبد الله الطليطلي
من الجذوة: شاعر قديم مشهور الطريقة في الفضل والخير، ومما يتداول الناس من شعره:يُهَدِّدُني بمخلوقٍ ضَعِيفٍ ... يهابُ مِنَ المنيَّةِ مَا أَهَابُ
ولَيْسَ إلَيْهِ محْيَا ذي حَيَاةٍ ... وليسَ إلَيْهِ مَهْلكٌ مَنْ يَصَابُ
لَهُ أَجَلٌ ولي أَجَلٌ وكلٌّ ... سَيَبْلُغُ حَيْثُ يَبْلُغُهُ الكِتَابُ
وما يَدْري لَعَلَّ المَْتَ مِنْهُ ... قَرِيبٌ أَيُّنا قبلُ المُصَابُ
لَعَمْرُكَ ما يَردُّ المَوْتَ حِصْنٌ ... إذا انْتَابَ المُلوكَ ولا حِجَابُ
لَعَمْرُكَ إنَّ مَحْيايَ ومَوْتي ... إلى مَلِكٍ تذلُّ لَهُ الصِّعَابُ
الحلة
عيسى بن دينار الغافقي الطليطلي
من الجذوة: كان ابن القاسم يجله ويكرمه، وروى عيسى عنه، وكان إماماً في المذهب المالكي، وعلى طريقة عالية من الزهد والعبادة، ويقال إنه صلى أربعين سنة الصبح بوضوء العتمة، وكان يعجبه ترك الرأي والأخذ بالحديث وقيل إنه كان قد أجمع في آخر أيامه على أن يدع الفتيا بالرأي ويحيل الناس على ما رواه من الحديث، فأعجلته المنية في سنة اثنتي عشرة ومائتين.الأهداب
الغرض من موشحات ابن بقى موشحة له مشهورةمَا الشَّوْقُ إلاَّ زِنَادْ ... يُورِي بقلبي كلَّ حينٍ نِيرَانا
ومَنْ بُلِيَ بالفِرَاقْ ... يَبُتْ بِهِ ليلُ السَّليمِ حَرَّانا
دُنْيَا تجلَّتْ عروسْ ... على بساطِ السُّنْدُسِ
فاشْرَبْ وهَاتِ الكُوْس ... فهيَ حياةُ الأَنْفُسِ
وإِنْ أَتَيْتَ العَرُوسْ ... فاعطِفْ بها ولْتَجْلِسِ
حَيْثُ الرِّياضُ النِجَادْ ... لِصارمٍ راقَ العُيونْ عُرْيَانا
أَمْوَاجُهُ في اصْطِفَاقْ ... أَنْ جَرَّدَتْ خَيْلُ النَّسيمِ فُرْسَانَا
سلْ أَيَّةً سَلَكَا ... عَهْدُ الشَّبَابِ المُسْتَحيلْ
أَضلَّ أَمْ هَلَكَا ... أَمْ هَلْ إِليْهِ مِنْ سبيلْ
لا تَلْحَنِي في البكا ... إِن أَخَذَتْ منِّي الشَّمولْ
وَجْدِي على الوَجْدِ زَادْ ... ذَكَرْتُ، والذكرى شُجُونُ إِخوانا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب:المملكة الطليطلية
وهوكتاب الغرارة في حلي مدينة وادي الحجارة ... التاج ...
السلك
من زينة وادي الحجارة من كتاب الياقوت، في حلي ذوي البيوتأبو محمد
القاسم بن عبد الرحمن بن مسعدة الأوسي
كان سكناه بغرناطة، وبيته عظيم بوادي الحجارة وساد بنفسه وكان متفنناً في العلوم، وقال فيه ابن دحية: صاحب لواء العربية، وذو الأنساب السرية. وتوفي بمالقة خمس وسبعين وخمسمائة، ومن شعره قوله:حَنَانَيْكَ مَدْعُوَّاً ولَبَّيْكَ داعيا ... فكلٌّ بِما ترضاهُ أَصْبَحَ رَاضِيَا
طَلَعْتَ على أَرْجَائِنَا بَعْدَ فَتْرَةٍوقَدْ بَلَغَتْ مِنَّا النُّفُوسُ التَّراقِيا
وقَدْ مُطِلَتْ مِنَّا ديونٌ لدى العِدَاومِنْ سَيْفِكَ السفَّاحِ نَبْغِي التَّقَاضِيَا
؟
أحمد بن عائش
ذكر الحجاري أنه من أعيان وادي الحجارة الذين تحلوا بالأدب، ووصفه بالجود والارتياح إلى سماع الأمداح، وكان في زمان المأمون بن ذى النون ملك طليطلة، ومن شعره قوله:قِفُوا إِنَّها سُنَّةُ العاشقينا ... لِنَشْكُوَ للرَّبْع ما قَدْ لَقِينَا
ولا تُنْكِرُوا بَعْدَهُمْ وَقْفَةً ... تُفَجِّرُ في العَيْنِ عَيْناً مَعِينَا
أَقِلُّوا فكمْ ذا تَلُومُونَنَا ... سَلِمْتُمْ ولَكِنَّنَا قَدْ بُلِينا
بَلَغْنَا بأَنفُسِنَا في الهوى ... لمَا لَيْسَ يبْلُغُ الأَعداءُ فينا
وكَمْ ذا نُنَادِيهُمُ في الدُّجَى ... رَجَاءَ التفاتٍ فَمَا يَسْمَعُونا
أبو علي الحسن بن علي بن شعيب
من بيت جليل في وادي الحجارة، أثنى عليه الحجاري وأنشد له قوله:أَجِرْني مِنْ ضَعْفِ اللِّحَاظِ وَخَلِّنِي ... وشدَّةَ بيضِ الهِنْدِ في مَعْرَكِ الحَرْبِ
فما عَبِثَتْ بي غيرُ كَرَّةِ لَحْظِهِ ... أُعِدُّ لها دِرْعِي فتنفُذُ في قَلْبِي
وقوله:
اتْركُيني حتَّى أُقَبِّلَ ثَغْراً ... لَذَّ فيهِ اللَّمَى وطابَ الرُّضَابُ
وعجيبٌ أَنْ تَهْجُريني ظُلْماً ... وشفيعي إلى صِبَاكِ الشَّبَابُ
أخوه أبو حامد
الحسين بن علي بن شعيب
أثنى عليه صاحب المسهب ووصفه بالأدب والفروسية. ومن شعره قوله:أَحِبَّةَ قَلْبي يعلمُ الله أَنَّني ... أَبَيْتُ على رَغْمِ النُّجومِ مُوَكَّلا
وقَدْ نالَ عَزْمِي كلَّ شيءٍ أَرُومُهُ ... وَأَمَّا مَرامُ الصبرِ عَنْ قُرْبِكُمْ فَلا
وعِبْتُمْ بأَنِّي قَدْ تَسَلَّيْتُ بَعْدَكُمْوعِنْدَ التلاقي سَوْفَ يَظْهَرُ مَنْ سَلا
فذي كَبِدِي مِنْ بَعْدِكُمْ قَدْ تَصَدَّعَتْ ... وَجَفْنِيَ أَضْحَى بالدُّمُوعِ مُبَلَّلا
وقوله وقد كبا به فرسه، فحصل في أسر العدو:
وكنتُ أُعِدُّ طِرْفي للرَّزَايا ... يُخَلِّصُنِي إِذا جَعَلَتْ تَحُومُ
فأَصْبَحَ للعِدَا عَوْناً لأَنِّي ... أَطَلْتُ عَنَاءَهُ فأَنَا الظَّلُومُ
أبو بكر محمد بن أزراق
ذكره صاحب المسهب وأثنى على بيته وذاته، وكان مستوطناً مدينة وادي آش من عمل غرناطة. قال: وله شعرٌ حسنٌ، ألذ عند إنشاده من غفوة الوسن، فمن ذلك قوله:هَلْ عَلِمَ الطَّائِرُ في أَيْكِهِ ... بأَنَّ قلبي للحِمى طائِرُ
ذكَّرَني عَهْدَ الصِّبا شَدْوُهُ ... وكلُّ صَبٍّ للصِّبا ذاكِرُ
سَقَى عُهُوداً لَهُمُ بالحِمَى ... دَمْعاً لَهُ ذِكْرُهُمُ نَاثِرُ
ووجدت في تقييد سلفى قال عبد الملك بن سعيد: أنشدني أبو بكر بن أزراق لنفسه:
يارَاحِلاً نَحْوَ العَلا ... ءِ أَقِمْ لَعَلَّكَ تَستَرِيحْ
فالغيثُ قَدْ يُسْقَى بِهِ ... مَنْ لَيْسِ مُرْتَاداً طَليحْ
كَمْ ذا تَهُبُّ على البِلا ... دِ كمَا هَفَتْ نَكْبَاءُ ريحْ
أبو جعفر بن أزراق
وجدت في تقييد سلفي أنه من بني أزراق أعيان وادي الحجارة في المائة السادسة، ومن شعره قوله:أَرَاكَ مَلَكْتَ الخَافِقَيْنِ مَهَابةً ... لهَا ما تَلِجُّ الشُّهْبُ في الخَفَقَانِ
وتُغْضِي العُيونُ عَنْ سَناكَ كأَنَّها ... تُقابلُ مِنْكَ الشَّمْسَ في اللَّمَعَانِ
وتَصْفَرُّ أَلْوَانُ العُداةِ كأَنَّما ... رُمُوا مِنْكَ طُولَ الدَّهْرِ باليَرَقَانِ
ومن كتاب الوزراء
أبو مروان عبد الملك بن حصن
ذكر الحجاري أنه من أعيان الوزراء وأعلام الكتاب والشعراء. هجا المأمون بن ذى النون بقوله:سُطُورُ المخازي دُونَ أَبْوَابِ قَصْرِهِ ... بِحجَّابِهِ للقَاصِدِينَ مُعَنْوَنَهْ
فلما تمكن منه المأمون سجنه، فكتب إلى ابن هود من أبيات:
أَيا راكبَ الوَجْناءِ بَلِّغْ تحيَّةً ... أَميرَ جُذَامٍ مِنْ أَسِيرٍ مُقَيَّدِ
غَرِيبٍ عَنِ الأَهْلِينِ والدَّارِ والعُلَىفَرِيدٍ وكَمْ أَبْصَرَتْهُ غَيْرَ مُفْرَدِ
تَلُوذُ بِهِ الأَعْلامُ تَحْتَ رِكابِهِ ... وتلثمُ مِنْهُ في الرِّكَابِ وفي اليَدِ
فرق له، وسعى في تخليصه.
ومن كتاب الكتاب
أبو بكر محمد بن قاسم أشكهباط
من المسهب: أصله من وادي الحجارة ونشأ بقرطبة وساد فيها، وجارى حلبة الأعيان والكتاب في تلك الفتنة التي قلبت أسافلها أعاليها. وأطنب في ذمه، وأورد له من النثر ما عنوانه: أستوهِبُ اللهَ الذي تَقَدَّسَتْ أسْمَاؤُهُ وعَمَّتْ آلاؤُهُ، وأسألُهُ أنْ يَتَفَضَّلَ بمطالَعَةِ أخيهِ بحَالِهِ، وكَيْفَ أمْرُهُ في أشْغَالِهِ.ومن شعره قوله وقد اجتاز بحلب:
أَيْنَ أَقْصَى الغَرْبِ مِنْ أَرْضِ حَلَبْ ... أَمَلٌ في الغَرْبِ مَوْصُولُ التَّعَبْ
حَنَّ مِنْ شَوْقٍ إلى أَوْطَانِهِ ... مَنْ جَفَاهُ صَبْرُهُ لمَّا اغْتَرَبْ
جالَ في الأَرْضِ لَجاجاً حَائِراً ... بَيْنَ شَوْقٍ وعَنَاءٍ ونَصَبْ
ومنها:
يا أَحبَّائي اسْمَعُوا بَعْضَ الذي ... يَتَلَقَّاهُ الطَّرِيدُ المُغْتَرِبْ
ولْيَكُنْ زَجْراً لَكُمْ عَنْ غُرْبَةٍ ... يَرْجَعُ الرَّأْسُ لَدَيْهَا كالذَّنَبْ
واصِلُوا طَعْناً وضَرْباً دَائِمَاً ... هُوَ عِندي بَيْنَ قَوْمِي كالضَّربْ
ولَئِنْ قاسَيْتُ ما قاسَيْتُهُ ... فبِمَا أَبْصَرَ لَحْظِي مِنْ عَجَبْ
وأحسن شعره قوله في ملك:
وكَمْ قَدْ لَقِيْتُ الجَّهْدَ قَبْلَ مُجَاهِدٍ وكَمْ أَبْصَرَتْ عَيْني وكَمْ سَمِعَتْ أُذْني
ولاقَيْتُ مِنْ دَهْرِي صُرُوفَ خُطُوبِهِكمَا جَرَتِ النَّكْبَاءُ في مَعْطِفِ الغُصْنِ
فلا تَسْأَلوني عَنْ فِراقِ جَهَنَّمٍ ... ولَكِنْ سَلوني عَنْ دُخُولِي إِلى عَدْنِ
راشد بن عريف
ذكر الحجاري أنه من أعيان وادي الحجارة وساد في الكتابة.حضر عنده شربٌ، فاحتاج أحدهم للقيام، فقام له، ثم تسلسل ذلك حتى ضجر، فلم يقم، فاغتاظ الذي لم يقم له، فقال راشد ارتجالاً:
جُمِّعَ في مَجْلِسِي نَدَامَى ... تَحْسُدُنِي فِيهُمُ النُّجُومُ
فقَالَ لي مِنْهُمُ خَليلٌ ... مَالَكَ إذْ قُمْتُ لا تَقُومُ
فَقُلْتُ إِنْ قُمْتُ كلَّ حِينٍ ... فإِن خَطْبِيَ بِكُمْ عَظِيمُ
ولَيْسَ عندي إذَنْ نَدَامَى ... بَلْ عِنْدِيَ المُقْعِدُ المُقيمُ
ومن كتاب العلماء
الأديب أبو مروان
عبد الملك بن غصن الحجاري
من المسهب: هذا الرجل يفخر به إقليمٌ لا بلد، ويقوم بانفراده مقام الكثير من العدد، فإنه كان أحد أعلامها في الأدب والتاريخ والتأليفات الرائقة التي تبهر الألباب. وكان ملوك الطوائف يتهادونه تهادي الريحان يوم السباسب، ويلحفونه أثواب الكرامة من كل جانب. ومن شعره قوله:فَدَيْتُكَ لا تَخَفْ مِنِّي سُلُواً ... إذا مَا غَيَّرَ الشَّعْرُ الصِّغارَا
أهِيمُ بدَنِّ خَلٍّ كانَ خَمْراً ... وأَهْوَى لِحْيَةً كانَتْ عِذَارَا
الأديب أبو إسحاق
إبراهيم بن وزمر الصنهاجي الحجاري
من المسهب: هو جدي وتسمى ابنه والدي على اسمه، لأنه تركه في البطن، وكان ممن ولع بعلوم التواريخ والآداب، وتنبه في خدمة المأمون بن ذى النون، ومن شعره قوله:لَئِنْ كَرِهُوا يَوْمَ الوَدَاعِ فإِنَّنِي ... أَهيمُ بِهِ وَجْداً لأَجْلِ عِنَاقِهِ
أُصَافِحُ مَنْ أَهْواهُ غَيْرَ مُسَاترٍ ... وسِرُّ التلاقي مُودَعٌ في فِرَاقِهِ
وقوله:
أَلا إنَّها والله إِحدى الكَبَائرِ ... تَعُقُّونَ أَسْلاَفاً لَكُمْ بالمَآَثِرِ
مَتَى كانَ مِنْكُمْ مَنْ يَجُودُ لِقَاصِدٍ؟مَتَى كانَ مِنْكُمْ مَنْ يَهَشُّ لِشَاعِرِ؟
ابنه
الأديب أبو محمد عبد الله
صاحب كتاب الحديقة في البديع هو عم صاحب المسهب، أجلته محنة بلده في شبابه، وقصد إقبال الدولة ملك دانية، ومدحه.ومن شعره قوله في أبي بكر بن عبد العزيز مدبر أمر بلنسية:
رُدُّوا عَلَيَّ رِكَابَهُمْ بالأَجْرَعِ ... حتَّى يُقَضِّي الشَّوْقُ حَقَّ مُوَدِّعِ
وأَبُثُهُمْ ما قَدْ أَثاروا مِنْ جَوىً ... بِفِرَاقِهِمْ واسْتَقْطَرُوا مِنْ أَدْمُعِ
وأنشد لنفسه في الحديقة:
وشَادِنٍ يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ ... أَمَّنَنِي مِنْ سَطْوةِ الدَّهْرِ
يَنَامُ للشَّرْبِ على جَنْبِهِ ... وَيَصْرِفُ الذَّنْبَ عَلَى الخَمْرِ
جاحظ المغرب صاحب المسهب
أبو محمد
عبد الله بن إبراهيم بن إبراهيم الحجاري
هو أول من أسمى هذا التصنيف، وفتح بابه لمن بعده من بني سعيد.وقد أطنب والدي في الثناء عليه من طريق البلاغة نظماً ونثراً ومعرفة التصنيف، وقال فيه: وبم أصفه، وقدرة اللسان لا تنصفه. وفد على عبد الملك بن سعيد، وهو حينئذ صاحب القلعة المنسوبة إلى سلفه، وأنشده قصيدة منها:
عَلَيْكَ أَحَالَنِي الذِّكْرُ الجَّمِيلُ ... فَجِئْتُ ومِنْ ثَنَائِكَ لي دَلِيلُ
أَتَيْتُ ولَمْ أُقَدِّمْ مِنْ رَسُولٍ ... لأَنَّ القَلْبَ كانَ هُوَ الرَّسُولُ
ومنها في شكله البدوي:
أَجِلْ طَرْفاً لَدَيَّ فإِنَّ عِنْدِي ... مِنَ الآدَابِ ما يَحْوِي الخَلِيلُ
وَمَثِّلْنِي بدَنٍّ فيهِ سِرٌّ ... يَخِفُّ بِهِ ومَنْظَرُهُ ثَقِيلُ
فاختبره عبد الملك، فأحمده، وصنف له كتاب المسهب في فضائل المغرب، وهو أصل هذا الكتاب، كما تقدم في الخطبة. وقد تقدم من نثره في أوصاف من يذكرهم في كتابه، ما يدل على مكانه في النظم، وأحسن نظمه قوله:
مَلِكٌ طُفَيْلِيُّ السَّمَا ... حِ على الأَقَارِبِ والأَبَاعِدْ
ما فُرِّجَتْ أَبْوَابُهُ ... إِلاَّ تَفَرَّجَتْ الشَّدَائدْ
وقوله في بني سعيد:
وَجَدْنَا سَعِيداً مُنْجِباً خَيْرَ عُصْبَةٍ ... هُمُ في بني أَزْمانِهِمْ كالمَوَاسِمِ
مشَنَّفَةٌ أَسْمَاعُهُمْ بفضائلٍ ... مُسَوَّرَةٌ أَيْمَانُهُمْ بالصَّوارِمِ
فَكَمْ لَهُمُ في الحَرْبِ مِنْ فَضْلِ نَاثِرٍوَكَمْ لَهُمُ في السِّلْمِ مِنْ فَضْلِ نَاظِمِ
وقوله:
زَارَتْكَ في اللَّيْلِ البَهِيمْ ... كالغُصْنِ يَثْنِيهِ النَّسِيمْ
سَلبَتْ ظَلامَ اللَّيْلِ مَا ... أَبْصَرْتَ في العِقْدِ النَّظِيمْ
فلِذَاكَ أَمْسِى عَاطِ ... لُ الآفَاقِ مُسْوَدَّ الأَدِيمْ
لوْلا الُمدَامُ لمَا اهْتَدَى ... فيهِ إلى كأسٍ نَدِيمْ
الطبيب أبو حاتم الحجاري
ذكره صاحب المسهب وأخبر: أنه كان متقلباً بين شاعر وخطيب وطبيب وجندي، وأنشد له قوله يستهدي خمراً:يا سَيِّدي والنَّهَارُ تُبْصِرُهُ ... مُنْسَجِمَ الدَّمْعِ مُطْبَقَ الأُفُقِ
وعِنْدِيَ البَدْرُ قَدْ خَلَوْتُ بِهِ ... وفَوْقَ خَدَّيْهِ حُمْرَةُ الشَّفَقِ
جاذبْتُهُ الجُلَّ فاسْتَقَادَ وَكَمْ ... جَرَيْتُ خَلْفَ الجَمُوحِ في طَلَقِ
والخَمْرُ نِعْمَ العِتَادُ جَامِعَةً ... لشارِبيهَا مِسْكِيَّةَ العَبَقِ
وقَدْ هَزَزْنَاكَ كيْ تَجُودَ بِهَا ... في الشِّعْرِ هَزَّ الغُصُونِ في الوَرَقِ
الشعراء
الحسن بن حسان السناط
من المسهب: شاعر زمانه، وواحد أوانه، اشتهر بقرطبة في مدح الخليفة الناصر، وأصله من وادي الحجارة، وعنوان طبقته قوله:أَدِرْ نَجْمَيْكَ يا قَمَرَ النَّدِىِّ ... فَقَدْ نَامَ الخَلِيُّ عَنِ الشَّجِيِّ
كَفَى بِكَ والمُدَامَةِ لي صَبَاحَاً ... يُفَرِّقُ عَسْكَرَ اللَّيْلِ الدَّجِيِّ
فَخُذْ ذَهَباً ورُدَّ لنَا لُجَيْناً ... تَكُنْ في النَّاسِ أَرْبَحَ صَيْرَفيِّ
وقتل نفسه غيظاً، لأنه وجد امرأته مع رجل.
حفصة بنت حمدون الحجارية
من المسهب: إن بلدها يفخر بها، وكانت في المائة الرابعة. ولها شعر كثير، منه قولها:لي حَبِيبٌ لا يَنْثَنِي بِعِتَابِ ... وإِذا مَا تَرَكْتُهُ زَادَ تِيهَا
قالَ لي هَلْ رَأَيْتِ لي مِنْ شَبِيهٍ ... قُلْتُ أَيْضَاً وهَلْ تَرَى لي شَبِيهاً
وقولها:
يا رَبِّ إِنِّي مِنْ عَبيدي على ... جَمْرِ الغَضَى ما فِيهُمُ مِنْ نَجِيبْ
إِمَّا جَهُولٌ أَبْلَهٌ مُتْعِبٌ ... أَوْ فَطِنٌ مِنْ كَيْدِهِ لا أَخِيبْ
أم العلاء بنت يوسف الحجارية البربرية
من المسهب: أنها ممن تفخر به بلدها وقبيلها، وأنشد لها قولها:لله بُسْتاني إِذا ... يَهْفُو بِهِ القَصَبُ المُنَدَّى
فَكَأَنَّمَا كَفُّ الرِّيا ... حِ قدْ أَسَنَدَتْ بَنْدَا فَبَنْدَا
وقولها:
لوْ لا مُنَافَرَةُ المُدا ... مَةِ للصَّبَابةِ والغِنَا
لَعَكَفْتُ بَيْنَ كُؤُوسِهَا ... وجَمَعْتُ أَسْبَابَ المُنَى
وقولها:
كُلُّ ما يَصْدُرُ عَنْكُمُ حَسَنُ ... وبُعلْيَاكُمُ يُحلي الزَّمَنُ
تَعْكُفُ العَيْنُ عَلَى مَنْظَرِكُمْ ... وبِذَاكِرِكُمْ تَلَذُّ الأُذُنُ
مَنْ يَعِشْ دُونَكُمُ في عُمُرِهِ ... فَهْوَ في نَيْلِ الأَمَاني يُغْبَنُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الطليطلية
وهو:كتاب صفقة الرباح في حلي قلعة رباح
هي أحد معاقل الأندلس. وولاتها كانت تتردد عليها من طليطلة، ثم أخذت طليطلة، فصارت تتردد عليها من قرطبة، وقد وليها:القائد أبو الحسن علي بن فتح
ذكر الحجاري أنه ساد فيها وتعب في تشييد الرياسة حتى استراح، وتقدم في قرطبة زمن الفتنة، وأنجب الأعيان المشهورين بها. وله شعرٌ يستعبد الشعراء إحسانه، من ذلك قوله:حَنَقاً أَصَابَتْنَا المَوَا ... ضي و اللَّبِيبُ لهَا غَدِيرُ
فَبِطُولِ ما أَتْعَبْتُهَا ... مَهْمَا أُبَارِزُ أَوْ أُغِيرُ
وقوله:
أَقُولُ لهَا لَوْ كَانَ يَنْفَعُ عِنْدَهَامَقَالٌ وَنَارُ الوَجْدِ تَقْدَحُ في صَدْرِي
إلَى كَمْ تُعِينُ الدَّهْرَ وهُوَ مُسَلَّطٌعَلَيْنَا بِطُولِ العَتْبِ والصَدِّ والهَجْرِ
أبو تمام غالب بن رباح
المعروف بالحجام
من
المسهب: شاعر القلعة الذي نوه بقدرها، ورفع من رأس فخرها، لا أحاشي حديثاً
ولا قديماً، لا أخص لئيماً ولا كريماً. وكان مدة ملوك الطوائف.
ومن شعره قوله:
صِغَارُ النَّاسِ أَكْثَرُهُمْ فَسَاداً ... ولَيْسَ لَهُمْ لِصَالِحَةٍ نُهُوضُ
أَلَمْ تَرَ في طِبَاعِ الطَّيْرِ سِرّاً ... تُسَالِمُنَا ويأْكُلُنَا البَعُوضُ
وقوله:
لِيَ صَاحِبٌ لا كَانَ مِنْ صَاحِبٍ ... كأَنَّهُ في كَبِدِي جَرْحَةْ
يَحْكِي إذا أَبْصَرَ لِي زَلَّةً ... ذُبَابَةً تَضْرِبُ في قَرْحَةْ
وقوله:
فَيَا لَلْمَلْكِ لَيْسَ يَرَى مَكَانِي ... وَقَدْ كَحَّلْتُ ناظِرَه بِنُورِي
كَمَا المِسْوَاكُ مُطَرَّحاً مُهَاناً ... وَقَدْ أَبْقَى جِلاءً في الثُّغُورِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الطليطلية
وهو:كتاب نقش السكة، في حلي مدينة طلمنكة
ذكر الرازي أنها من عمل وادي الحجارة، وهن الآن للنصارى. ينسب إليها:غانم بن ألسقطير الطلمنكي
ذكره الحجاري وأخبر: أنه مال إلى العلم الرياضي وشغف بالكيمياء وأفسد عليها جملة، وتحيل على ابن ذى النون من طريقها، وسقى غلاماً له جميل الصورة مرقداً ............، وكتب على حائط الدار التي كان فيها، وهرب:نَعَمْ إِنَّنِي بالكِيمْيَاءِ لَعَالِمٌ ... ... بِهَا مَنْ دُونُهُ أَلْفُ حَاجِبِ
وأَخْلِسُ أَمْوَالاً، وأَضْحَكُ خَالِياً ... على مَلِكٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بالتَّجَارِبِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الطليطلية
وهو: كتاب التغبيط، في حلي مدينة مجريط من أعمال طليطلة، ينسب لها:الكاتب أبو عبد الله المجريطي
فاضل، ذكره صاحب السمط، وقال: تارةً هو أويسٌ القرني، وآونة إبراهيم الموصلي، وما خلا قلبه عن غرام، ولا أزال يده من يد غلام، ومما أنشد له قوله:لاعُذْرَ أَوْضَحُ مِنْ أَسِيلٍ وَاضِحٍ ... صَقَلَ الشَّبَابُ أَديمَهُ المَشْبُوبَا
لمَّا نَظرْتُ إلى الفِرنْدِ بصَفْحِهِ ... أَبْصَرْتُهُ بِدَمِ القُلُوبِ خَضِيبَا
وَرَمَى عَنِ اللَّحْظِ العَلِيلِ إلى الحَشَا ... سَهْمَ المَنُونِ فَكَانَ فيهِ مُصِيبَا
هَلاَّ سَأَلْتَ لِحَاظَهُ يَوْمَ النَّوَى ... هَلْ غَادَرَتْ لَكَ في الحَيَاةِ نَصِيبَا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثامن
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الطليطلية
وهو:كتاب السعادة، في حلي قرية مكادة
من مدن المملكة الطليطلية. حصلت في أيدي النصارى. ينسب إليها الشاعر الزجال:أبو العباس أحمد المكادي
الذي كان يسكن مدينة باغة. من شعره قوله:شَرِبْنَا وَبُرْدُ اللَّيْلِ فَوَّفَهُ سَناًمِنَ الصُّبْحِ والأَطْيَارُ تُنْشِدُ في القُضْبِ
وَقَدْ أَبْرَزَتْ شَمْسُ السَّمَاءِ مَطَارِفاًمِنَ الوَشْيِ أَلْقَتْهَا على الأُفُقِ الرَّحْبِ
وله الزجل المشهور في الزجال القرطبي، الذي منه:
يا قُرْطُبِيُّ يُمْسِيكْ ... نَحْساً مُعَجَّلْ
إذا خَرَجْ رُوحَكْ ... بي زَحْفِ تُحْمَلْ
ومنه:
إِنْ كانْ ذرَاعي فيكْ ... قَدْ جَالْ صَيْقَلْ
مملكة جيان
كتاب النفحة البستانية، في حلي المملكة الجيانية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب موسطة الأندلس
وهو:
كتاب النفحة البستانية، في حلي المملكة الجيانية
مملكةٌ جليلةٌ بموسطة الأندلس، معروفة بالمحارث والأخشاب، وهي بين غرناطة وطليطلة ومرسية ينقسم كتابها إلى أحد عشر كتاباً: كتاب الغصن الريان، في حلي حضرة جيان كتاب السراج، في حلي قسطلة دراج كتاب وشي الخياطة، في حلي مدينة قيجاطة كتاب الفوائد المسطورة، في حلي معقل شقورة كتاب البستان، في حلي سمنتان كتاب الآسة، في حلي بياسة كتاب الوجنة الموردة، في حلي أبدة كتاب الغبطة، في حلي بسطة كتاب الخيزرانة، في حلي برشانة كتاب الفرائد المفصلة، في حلي تاجلة كتاب المسرات المسلية، في حلي قوليةبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الجيانية
وهو:كتاب الغصن الريان، في حلي حضرة جيان
هي عروس، لها منصة وتاج ملكالمنصة
من كتاب الرازي: جمعت تناهى طيب الأرض وكثرة الثمر، وغزر السقيا، واطراد العيون، وكثرة الحرير. قال ابن سعيد: مدينة جيان من أعظم مدن الأندلس في المنعة، لا ترام بقتال وأكثرها خصباً ورخصاً للحوم والحبوب، وتعرف بجيان الحرير، لكثرته فيها.التاج
كانت في مدة ملوك الطوائف تارة لبني عباد، وتارة لصهناجة ملوك غرناطة، واشتهر بها في صدر دولة عبد المؤمن:أبو إسحاق إبراهيم بن همشك
وكان يضرب به المثل في السطوة والقتل، وكان يردي أهل الجنايات من حافة عظيمة.وقد حصلت الآن في يد النصارى بعد حصار عظيم سلمها لهم ابن الأحمر، ملك غرناطة الآن.
السلك
الكتابأبو العباس أحمد بن السعود
كاتب ابن همشك المذكور. من نظمه قوله:إلَيْكَ وإِلاَّ مَنْ على الأَرْضِ يَفْضُلُ ... وَيُطْلَبُ مِنْهُ جَاهُهُ وَيُؤْمَلُ
لَكَ الخَبَرُ المَتْلُوُّ في كُلِّ بَلْدَةٍ ... لأَنَّكَ في كُلِّ الأُمُورِ مُكَمَّلُ
ولوْلاكَ ما سَارَ اشتهاريَ في العُلاَ ... ولا كُنْتُ في آفَاقِهَا أَتَوَقَّلُ
أبو الحجاج يوسف بن العم
كان قد أخذ نفسه بالجندية والأدب، وكتب عن ابن همشك المذكور. ومن شعره قوله:سَلِي بي إِذا ما الخَيْلُ جَاَلتْ فإِنَّنِي ... أَكُونُ لَهَا صَدْراً أمَامَ الطَّوَالِعِ
وَأَثْنِي عِنانِي ظَافِراً نَحْوَ بَلْدَةٍ ... إِليَّ بِهَا تُومِي جَميعُ الأَصَابِعِ
ذوو البيوت
أبو ساكن حامد بن سمجون
ذكر الحجاري: أنه من بيت جليل، كانوا بدور مجالس وليوث كتائب، وصحب أبو ساكن الظافر بن ذى النون. ومن شعره قوله:كلَّفْتَنِي الصَّبْرَ وأَنْتَ الذي ... أَنْفَقْتَهُ حَتَّى أَطَعْتَ الجِمَاحْ
أَشْكُو ولا تَرْحَمْنِي دَائِماً ... كَمَا شَكَا البَحْرُ لِعَصْفِ الرِّيَاحْ
وَتُظْهِرُ الخَجْلَةَ مَكْراً كَمَا ... تَخْجَلُ عِنْدَ القَطْع بِيضُ الصِّفاحْ
أبو الحسن علي بن السعود
اجتمع به والدي بحضرة مراكش، ومن شعره قوله في مطلع قصيدة يمدح بها منصور بن عبد المؤمن:بِعَوْدَتِكَ الغَرَّاءِ عَاوَدَنَا السَّعْدُ ... عَظُمَتْ فَلاَ قَبْلٌ سِوَاكَ ولا بَعْدُ
يَرُومُ أُناسٌ عَدَّ مَا أَنْتَ فَاعِلٌ ... فَصَبْرُهُمُ يَفْنَى ومَا فَنِيَ العَدُّ
وقوله:
انْظُرْ إلى البَدْرِ بَدَا ضَاحِكاً ... في أَوْجُهِ الأَكْؤُسِ وهِيَ العُبُوسْ
قَبَّلَهَا البَدْرُ غَرَاماً بِهَا ... فَكُلُّ كأْسٍ بِحُلاهُ عَرُوسْ
يَا لَيْتَ شِعْرِي وَهُوَ أَدْرَى بِهَا ... ثُغُورُ غِيدٍ هَذِهِ أَمْ كُؤُوسْ
فَلا تَسَلْ عَمَّا أَنَارَتْ بِمَا ... بَيْنَهُمَا مِنْ طَرَبٍ في النُّفُوسْ
العلماء
العالم المتفنن أبو عبد الله
محمد بن عبد الله بن ثعلبة الخشني
عالم
جليل ذكره ابن حيان و في كتاب المسهب: كان زاهداً، لغوياً، نحوياً،
شاعراً، رحل إلى المشرق، ولقي أبا حاتم السجستاني، وجاء إلى الأندلس بعلم
كثير. ومن مشهور شعره قوله:
كَأَنْ لَمْ يكُنْ بَيْنٌ وَلَمْ تَكُ فُرْقَةٌٌ ... إذا كانَ مِنْ بَعْدِ الفِرَاقِ تَلاَقي
كأَنْ لَمْ تُؤَرِّقْ بالعِرَاقَيْنِ مُقْلَتِيولَمْ تَمْرِ كَفُّ الشَّوْقِ مَاءَ مَآقِي
ولَمْ أَزُرِ الأَعْرَابَ في خَبْتِ أَرْضِهِمْ ... بِذَاتِ اللِّوَى مِنْ رَامَةٍ وبُراقِ
النحوي أبو بكر محمد بن مسعود الخشني
من سمط الجمان، بقية العظماء، وأحد الجلة العلماء، أحد من تاهت الجزيرة بأدواته، وباهت بمعداته، وألطف شعره قوله:يا نَائِياً قَدْ نَأَى عنِّي بِمُصْطَبَري ... وَثَاوِياً في سَوَادِ القَلْبِ والبَصَرِ
إِمَّا تَنَاسَيْتَ عَهْداً مِنْ أخي ثِقَةٍفاذْكُرْ عُهُودِي فَمَا أُخْلِيكَ مِنْ ذِكَرِي
وارْدُدْ إِليَّ تَحِيَّاتِي بأَحْسَنِها ... ترْدُدْ عَلَيَّ حَيَاتِي آخِرَ العُمُرِ
النحوي أبو ذر
مصعب بن أبي بكر بن مسعود
ذكر والدي أنه كان من عظماء نحاة الأندلس، اجتمع به والده محمد بن سعيد. ومن شعره قوله:كَأَنَّمَا عِمْرَانُ إِذْ حَكَّنِي ... قَدْ أُودِعَتْ كَفَّاهُ أَفْنَاكَا
فَقُلْتُ يا جِسْمُ تَنَعَّمْ بِهِ ... فطالَمَا بالهَجْرِ أَفْنَاكَا
الأديب أبو عمر أحمد بن فرج
صاحب كتاب الحدائق ألفها للستنصر المرواني، ورفع له أن هجاه، فسجنه ومات في سجنه، وذكر الحجاري: أنه لم يكن في المائة الرابعة أشد اعتناءً منه بتأليف شعر أهل الأندلس، وأحسن شعره قوله:وَطَائِعَةِ الوِصَالِ عَفَفْتُ عَنْهَا ... ومَا الشَّيْطَانُ فيها بالمُطَاعِ
بَدَتْ في اللَّيْلِ سَافِرةً فَبَاتَتْ ... دياجي اللَّيْلِ سَافِرَةَ القِنَاعِ
وَمَا مِنْ لَحْظَةٍ إلاَّ وفيها ... إلى فِتَنِ القُلُوبِ بِهَا دَوُاعِ
فَمَلَّكَتْ النُّهَى حُجَّابَ شَوْقِي ... لأجْرِيَ في العَفَافِ على طِبَاعِي
وَبِتُّ بِهَا مَبيتَ السَّقْبِ يَظْمَا ... فَيَمْنَعُهُ الكِعَامُ مِنَ الرِّضَاعِ
كَذَاكَ الرَّوْضُ مَا فيهِ لمِثْلِي ... سِوَى نَظَرٍ وشَمٍّ مِنْ مَتَاعِ
وَلَسْتُ مِنَ السَّوَائِمِ مُهْمَلاَتٍ ... فأَتَّخِذَ الرِّيّاضَ مِنْ المَرَاعِي
أخوه
أبو عثمان سعيد
ذكره الحميدي في الجذوة ووصفه بالأدب، وأنشد له قوله:الرَّوْضُ زَاهٍ فَقِفْ عَلَيْهِ ... وَاصْرِفْ عَنَانَ الهَوَى إلَيْهِ
أمَا تَرَى نَرْجِساً نَضِيراً ... يُومِي إلَيْنَا بمُقْلَتَيْهِ
نَشْرُ حَبِيبِي حَكَى شَذَاهُ ... وَصُفْرَتِي فَوْقَ وَجْنَتَيْهِ
فَهُوَ أنَا تَارَةً وَحُبِّي ... أُخْرَى وِفَاقَاً لِحَالَتَيْهِ
أخوهما
أبو محمد عبد الله
مذكور في كتب الجذوة. ومن شعره قوله:تَدَارَكْتُ مِنْ خَطَئِي نَادِمَاً ... أأرْجُو سِوَى خَالِقِي رَاحِمَا
فَلاَ رُفِعَتْ ضَرْعَتِي إنْ رَفَعْتُ ... يَدَيَّ إلَى غَيْرِ مَوْلاَهِمَا
الأديب يحيى بن حكم الغزال
شاعر أديب حكيم أرسله عبد الرحمن الأوسط إلى صاحب القسطنطينية رسولاً، وحصل له أنسٌ مع السلطان وزوجته، فجاءته ليلة بخمر، وقالت له اشرب هذه مع ابني هذا، وكان غلاماً بديع الجمال، فذكر أن ذلك لا يجوز في دينه، ثم ندم، وقال:وَأَغْيَدَ ليِّنِ الأَعْطَافِ رَخْصٍ ... كَحِيلِ الطَّرْفِ ذي عُنْقٍ طَوِيلِ
تَرَى مَاءَ الشَّبَابِ بِوَجْنَتَيْهِ ... يَلُوحُ كَرَوْنَقِ السَّيْفِ الصَّقيلِ
يَحِنُّ إليَّ مُطَرِّفاً لشَكْلِي ... ويُكْثِرُ لِيَ الزِّيَارَةَ بالأَصِيلِ
أتَى يَوْمَاً إلَيَّ بِزِقِّ خَمْرٍ ... شَمُولِ الرِّيحِ كالمِسْكِ الفَتِيلِ
لِيَشْرَبَهَا مَعِي وَيَبيتَ عِنْدِي ... فَيَثْبُتَ بَيْنَنَا وُدُّ الخَلِيلِ
فَقُلْتُ حَمَاقَةً مِنِّي ونُوْكاً ... فَدَيْتُكَ لَسْتُ مِنْ أهْلِ الشَّمُولِ
فأيَّةُ غِرَّةٍ سُبْحَانَ رَبِّي ... لَوْ أنِّي كُنْتُ مِنْ أهْلِ العُقُولِ
ورجع من عنده بذخائر ملوكية.
الشعراء
أحمد بن محمد الكناني
ديك تيس الجن
هو مذكور في الجذوة والمسهب، وكان يهاجي مؤمن بن سعيد. ومن شعره قوله:قُمْ هَاتِهَا قَدْ حَانَ وَقْتُ الإصْطِبَاحْأوَ مَا رَأيْتَ الوُرْقَ تُنْذِرُ بالصَبَاحْ
قَدْ نِمْتَ خِلِّي مَا كَفَاكَ فَقُمْ بِنَامَا العَيْشُ إلاَّ أنْ تَقُومَ لِكَأسِ رَاحْ
والنَّوْمُ يَكْسُرُ أعْيُناً وحَوَاجِباً ... والكَفُّ تُرْعَشُ والنُّفُوسُ لَهَا مِرَاحْ
أغلب بن شعيب
من شعراء المسهب. كان في المائة الرابعة ومن شعره قوله:ياسَاكِنِيْ وادِي النَّقَا ... فَارَقْتُمُ فَمَتَى اللِّقَا
لا صَبْرَ لِي مِنْ بَعْدِكُمْ ... بَلْ لَسْتُ أطْمَعُ في البَقَا
أبو عبد الله محمد بن فرج
من شعراء الذخيرة، وصفه بالبديهة. مر به غلام وسيم، به بعض صفرة، فقال:قَالوا بِهِ صَفْرَةٌ عَلَتْ مَحَاسِنَهُ ... فَقُلْتُ مَا ذَاكُمُ عَابٌ بِهِ نَزَلا
عَيْنَاهُ تُطْلَبُ في أثآرِ مَنْ قَتَلَتْ ... فَلَيْسَ تَلْقَاهُ إلاَّ خَائِفَاً وَجِلا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الجيانية
وهو:كتاب السراج، في حلي قسطلة دراج
مدينة من أعمال جيان، تداول دراج وبنوه على رياستها، ومن هذا البيت متنبي الأندلس:أبو عمر أحمد بن محمد بن دراج
كفاه من الافتخار أن الثعالبي ذكره في كتاب اليتيمة، وقال: هو بالصقع الأندلسي كالمتنبي بصقع الشام. وهو مذكور في الذخيرة، والمتين والسهب وكل أشاد بذكره، ونبه على قدره، وكان قد جل عند المنصور بن أبي عامر سلطان الأندلس، وله فيه أمداح جليلة، وعاش إلى الفتنة في المائة الخامسة، وتطارحت به النوى، فقاسى شدة في التغرب، وأكثر من ذكره، ومن فرائد نظمه قوله من قصيدة:وَمِنْ شيمَةِ المَاءِ القَرَاحِ وَإنْ صَفَاإذا اضْطَرَمَتْ مِنْ تَحْتِهِ النَّارُ أنْ يَغْلِيَ
وقوله:
وَلَئِنْ جَنَيْتُ عَلَيْكَ تَرْحَةَ رَاحِلٍ ... فَأنَا الضَمِينُ لَهَا بِفَرْحَةِ آيِبِ
هَلْ أبْصَرَتْ عَيْنَاكَ بَدْرَاً طَالِعَاً ... في الأُفْقِ إلاَّ مِنْ هِلالٍ غَارِبِ
وقوله:
يَجُرُّ سُكْراً وسُكْرُ الدَلِّ عَاطِفُهُ وقَارَهُ وانْثِنَاءُ الوَشْيِ لاذِعُهُ
فَفَرَّعَ الخَصْرُ كَثْبَاناً تُبَاعِدُهُ ... وأنْبَتَ الصَّدْرُ رُمَّاناً تُدَافِعُهُ
ابنه الفضل
ذكر صاحب الجذوة: أنه أديب شاعر حذا حذو أبيه، وكان بعد أربعمائة وأربعين ببلنسية، ومن شعره قوله في إقبال الدولة بن مجاهد، صاحب الجزر ودانية:وَإِذَا مَا خُطُوبُ دَهْرٍ أطَافَتْ ... وأنَافَتْ كَأنَّهَا الجِنَّ تَسْعَى
كَلأتْنَا مِنْ لَسْعِهِنَّ أيَادِي ... مِلْكٍ يَكْلأُ الأنَامَ ويَرْعَى
مَلِكٌ إنْ دَعَاهُ لِلْنَصْرِ يَوماً ... مَسْتَضَامٌ كَفَاهُ نَصْرَاً وَمَنْعا
أَوْ عَرَاهُ السَّلِيبُ صِفْراً يَدَاهُ ... جَمَعَ الرِّزْقَ مِنْ يَدَيْهِ وأَوْعَى
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الجيانية
وهو:كتاب وشي الخياطة، في حلي مدينة قيجاطة
مدينة نزهة في نهاية من الحسن والخصب، كانت الولاة تتردد عليها من جيان، ودخلها النصارى بالسيف، فأهلكوا من فيها. ومنها:أبو المعالي أحمد بن أبي البركات
الملقب بالقلطي
اجتمع به والدي وأنشده لنفسه في قيجاطة لما أخنى عليها العدو:أَبْكَى جُفُونِي بِدَمٍ مَنْظَرٌ ... لَمْ يَكُ أَهْلاً لِخِلافِ النَّعِيمْ
صَبَّحْتُهُ بَعْدَ الرَزَايَا فَمَا ... أَجَابَنِي في رَبْعِهِ مِنْ حَمِيمْ
فَظَلْتُ أَقْرُو مَوْضِعَاً مَوْضِعَاً ... بِمُقْلَةٍ عَبْرَى وخَدٍّ لَطِيمْ
وَقُلْتُ يا مَرْبَعُ أَيْنَ الذي ... أَحْبَبْتُهُ فِيكَ وأَيْنَ النَّدِيمْ
فَقَالَ عِقْدٌ قَدْ غَدَا شَمْلُهُ ... كَمِثْلِ مَا يُنْثَرُ دُرٌّ نَظِيمْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الجيانية
وهو:كتاب الفوائد المسطورة، في حلي معقل شقورة
البساط
قال الحجازي: هي إحدى معاقل الأندلس التي يتعب البصر في استقصاء سمكها، ويرتد حسيراً عن آفاق ملكها، لا يأخذها قتال، ولا يبالي من اعتصم بها إلا بالآجال، وفيها يقول الوزير ابن عمار:عَالٍ كَأَنَّ الجِنَّ إذْ مَرَدَتْ ... جَعَلَتْهُ مِرْقاةً إِلى السُّحُبِ
العصابة
عتاد الدولة أبو محمد عبد الله بن سهل
من المسهب: بطل أديب، يؤخذ من ماله وأدبه، ملكها في مدة ملوك الطوائف، وعنده حصل الوزير ابن عمار أسيراً، ومن شعره قوله:خُذْ مَا أَتَاكَ مِنْ الزَّمَانِ المُدْبرِفَالطَّلُ يُقْنِعُ كُلَّ مَنْ لَمْ يُمْطَرِ
كَمْ ذَا التَأَوُّهُ طُولَ دَهْرِكَ حَسْرَةً ... لمَّا تَعَدَّاكَ الذي لَمْ يُقْدَرِ
لا تَطْمَحَنَّ لِمَا خُلِقْتَ لِدُونِهِ ... لِلبَدْرِ قَدْرٌ لَمْ يَنَلْهُ المُشْتَرِي
السلك
الكتاب
ذو الوزارتين
أبو عبد الله محمد بن أبي الخصال
كاتب أمير المسلمين
مذكور بأجل ذكرٍ في الذخيرة والقلائد والمسهب والسقط، إلا أن صاحب القلائد غض من أصله. وقد تقدمت رسالته السراجية في صدر الكتاب، وهي أعلى نثره، ومن كلماته قوله:لوْلا الظَّلامُ مَاسَطَعَ السِّرَاجُ، ولوْلاَ الصَّبْرُ مَانَفَعَ الإفْرَاجُ
أعْفِ صَدِيقَكَ مِنْ رِيحِ العِتَابِ وَإنْ كَانَتْ نَسِيماً، وأقْبِلْهُ مِنَ الرِّضَا وَجْهاً وَسِيماً
مَنْ أمَّلَكَ، فَقَدْ حَمَّلَكَ، وأَوْجَبَ عَلَيْكَ احْتِمَالُ مَا حَمَّلَكَ
حَقُّ الأدِيبِ عَلَى الأدِيبِ، حَقُّ الوَابِلِ عَلَى المَكَانِ الجَدِيبِ
الأدِيبُ مَعَ الأدِيبِ زِنْدٌ يُصَافِحُ زِنْداً، وَرَنْدٌ يُفَاوِحُ رَنْداً
الشَّوُقُ مَا اقْتَادَ العَصِيّ وَألْزَمَ التِسْيَارَ للمَكَانِ القَصِيّ
رُبَّ شَوْقٍ أبْدَعَ بِالمَطِيّ، وخَطَا عَلَى صُدُورِ الخَطِيّ
لا يُعْدَمُ مَالُ الكَرِيمِ غَارَةً مِنَ الإفْضَالِ تُشَنُّ، وَعَادَةً مِنَ الإحْسَانِ تُسَنُّ
ومن نظمه قوله:
وَلَيْلَةٍ عَنْبَرِيَّةِ الأُفُقِ ... رَوَيْتُ فِيهَا السُّرُورَ مِنْ طُرُقِ
وَافَتْ بِنَا عَاطِلاً وَقَدْ لَبِسَتْ ... غِلالَةً فُصِّلَتْ مِنَ الحَدَقِ
فَاجَا بِهَا الدَّهْرُ مِنْ بَنِيهِ دُجَىً ... بفِتْيَةٍ كَالصَّبَاحِ في نَسَقِ
قَامَتْ لَنَا في المَقَامِ أَوجُهُهُمْ ... وَرَاحُهُمْ بالنُّجُومِ والشَّفَقِ
وَاطَّلَعَ البَدْرُ مِنْ ذُرَا غُصْنٍ ... تَهْفُو عَلَيْهِ القُلُوبُ كَالوَرَقِ
مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ بَدَا سَنَاهُ وَهَلْ ... ذَا البَدْرُ إِلاَّ لِذَلِكَ الأُفُقِ
مَدَّ بِحَمْرَاءَ مِنْ مُدَامَتِهِ ... بَيْضَاءَ كَفٍّ مِسْكِيَّةَ العَبَقِ
يَشْرَبُ في الرَّاحِ حِينَ يَشْرَبُهَا ... مَا غَادَرَتْ مُقْلَتَاهُ مِنْ رَمَقي
أخوه الوزير الكاتب
أبو مروان عبد الملك
أثنى عليه صاحب السمط. وله الرسالة المشهورة عن أمير المسلمين علي بن يوسف إلى جماعة الملثمين الذين انهزموا عن النصارى. منها: أما بعد يا فرقة خبثت سرائرها، وانتكشت مرائرها، وطائفة انتفخ سحرها، وغاض على حين مدها بحرها، فقد آن للنعم أن تفارقكم، وللأقدام أن تطأ مفارقكم.
الشعراء
حكم بن الخلوف المشهور بالعجل
من المسهب: من شعراء شقورة في المائة الخامسة، كان مختصاً بخدمة صاحبها عتاد الدولة بن سهل مداحاً له إلى أن حصل الوزير ابن عمار في أسره، فأكثر العجل من زيارته، واستراح معه في شأن عتاد الدولة، فأمر بطلبه، ففر عنه وقال في شأن بيع عتاد الدولة ابن عمار من ابن عباد:بِعْتَ ابْنَ عَمَّارٍ بِمَالٍ وَهَلْ ... مِثْلُ ابْنِ عَمَّارٍ بِمَالٍ يُبَاعْ
عُمُرِي لَقَدْ تابَعْتَ فِيهِ الذي ... قَدْ جَاءَهُ مِنْ قَبْلُ أَهْلُ الطَّمَاعْ
فَوَطِّنِ النَّفْسَ عَلَى سُنَّةٍيَنْبُو إِذا تُذْكَرُ عَنْهَا السَّمَاعْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الجيانية
وهو:كتاب البستان، في حلي سمنتان
من المسهب: جبل سمنتان له حصون وقرى من أعمال جيان، واستولى عليه في إمارة عبد الله بن محمد المرواني عبيد الله بن الشالية، واستفحل أمره، واشتهر ذكره، ومدح وقصد.عبيديس بن محمود السمنتاني
من المسهب: كان انقطع إلى خدمة ابن الشالية المذكور، وصار يكتب عنه، وجرى بينهما تغير، ففر إلى ابن حفصون فشفع فيه، ومن أمداحه فيد قوله من قصيدة:أيَا مَلِكاً طَاعَتْ لَهُ الإِنْسُ وَالجِنُّوَقَدْ مَالَ مِنْ تِيهٍ بأيَّامِهِ الغُصْنُ
عَلاؤُكَ فَوْقَ النَّجْمِ أضْحَى مُخَيِّماًوَأَنْتَ عَلَى مَا نِلْتَ مِنْ رِفْعَةٍ تَدْنُو
وذكره ابن حيان في المقتبس.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الجيانية
وهوكتاب الآسة، في حلي مدينة بياسة
طيبة الأرض، كثيرة الزرع والأشجار والزعفران الذي يحمل إلى الآفاق، وهي على النهر الأعظم المفضي إلى إشبيلية، وهي الآن في أيدي النصارى. منها:أبو جعفر أحمد بن قادم
ذكره الحجاري، وأثنى عليه، وعلى بيته، وذكر أنه يقلب بفلفل، أنشد له قوله:وَدَّعْتُ مَنْ أحْبَبْتُهُ وَتَرَكْتُهُ ... وَاللهُ يَعْلَمُ مَا ألاقِي بَعَدَهُ
كُنْتُ أحْمِلُ صَدَّهُ فِي قُرْبِهِ ... يَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ أحْمِلُ بَعْدَهُ
يَا هَلْ تُرَاهُ مَنْ يَقَبِّلُ ثَغْرَهُ ... أوْ يَجْتَنِيهِ أوْ يُعَانِقُ قَدَّهُ
أوْ مَنْ يُنَادِمُهُ بِخَمْرَةِ لَحْظِهِ ... وَيَرُودُ وَجْنَتَهُ وَيَجْنِى وَرْدَهُ
وقوله:
وَكُلُّ زَمَانٍ لَهُ شَكْلُهُ ... فَخَلِّ قِفَا نَبْكِ للأَكْؤُسِ
وَعُدِّ عَنِ الشَّيْخِ وَاعْدِلْ إلَى ... مُخَاطَبَةِ الوَرْدِ وَالنَّرْجِسِ
أبو بكر حازم بن محمد بن حازم
ذكر الحجاري: أنه ولي قضاء بياسة، وكان فيها ذا أموالٍ عريضةٍ، وله حسبٌ وارفٌ، وشعرٌ لطيف، منه قوله:شَابَ الظَّلامُ وَشَبَّ الصُّبْحُ فَاقْتَبِلِعَيْشاً جَدِيداً بَدَا في طَالِعِ الأمَلِ
أبْدَى لَكَ الرَّوْضُ مَوْشِيًّا وَأغْصُنُهُسَكْرَى وَطَائِرُهُ الغرِّيدُ مِنْ جَذَلِ
وَللثُرَيَّا انْهِزَامٌ مِنْ طَوَالِعِهِ ... كَأنَّهَا عَذْلٌ حَفَّتْ بِذِي خَبَلِ
النحوي أبو بكر محمد بن أبي دوس البياسي
جعله الحجاري من حسنات بياسة في علوم العربية، وذكر أنه أولع بالتنقل والتغرب، وأنه أقام مدة في خدمة المعتصم بن صمادح بالمرية. وأنشد له قوله:هِمَّتِي فَوْقَ السَّمَاكَيْ ... نِ وَرِجْلِي في الصَّعِيدِ
وَكَذَاكَ السَّيْفُ فِي الغِمْ ... دِ وَيَعْلُو كُلَّ جِيدِ
المؤرخ أبو الحجاج يوسف بن محمد البياسي
له تاريخ ذيل به على تاريخ ابن حيان إلى عصرنا. وهو الآن عند سلطان إفريقية في حظوة وراتب شهري. أنشدني لنفسه في غلام جميل الصورة كان يقرأ عليه:قَدْ سَلَوْنَا عَنِ الذي تَدْرِيهِ ... وَجَفَوْنَاهُ إذْ جَفَا بِالتِيهِ
وَتَرَكْنَاهُ صَاغِراً لأُنَاسٍ ... خَدَعُوهُ بِالزُّورِ وَالتَمْوُيهِ
لُمِضِلٍ يَهْدِيهِ نَحْوَ مُضِلٍ ... وَسَفِيهٍ يَقُودُهُ لِسَفِيهِ
أبو سعيد عثمان بن عابدة
أخبرني والدي: أن الحضرمي لما توجه إلى أبدة وبياسة قبل كائنة العقاب سنة تسع وستمائة اجتمع بابن عابدة هذا وشاهد منه ظرفاً وأدباً، ونادمه وأكثر صحبته. قال: وكتب لي مستدعياً إلى راحة:يَا أَسْخَفَ النَّاسِ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِسَبْقاً لأَلأَمِ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
سَبْقاً إلَى كَأْسِ رَاحٍ لا هُنِيتَ بِهَا ... وَنُغْبَةٍ هِيَ لَذَّاتٌ لِكُلِّ فَمِ
وَعِنْدَنَا أَمْرَدٌ قَدْ جَاءَ مُحْتَسِباً ... ......... لِذَوي الآدَابِ وَالفَهَمِ
مُصَنَّفٌ بِعِذَارٍ كَالعِذَارِ لَهُ ... وَرُبَّمَا فِيهِ حَاجَاتٌ لِذِي قَطَمِ
قال: فكان جوابي: يا سيدي وصلت ورقتك الذميمة، من عند النفس اللئيمة، ولو كنت شاعراً لأجبتك بمثل قولك، وأنا في أثر خطي، فلا سلم الله على جميعكم، ولا نظم إلا على المخزيات شملكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الجيانية
وهو:كتاب الوجنة الموردة، في حلي مدينة أبدة
ذكر الرازي: أنها من بنيان عبد الرحمن الأوسط المرواني الكائن في المائة الثالثة، وهي مجاورة لبياسة لكنها ليست على النهر، ولها عين عظيمة تسقي الزعفران وغيره، وهي كثيرة الخصب. ولأنها تتردد عليها من جيان، وأخذها النصارى في عصرنا وسلطنة ابن هود.؟أبو عبد الله محمد بن الخشاب ذكر الحضرمي: أنه اجتمع به في أبدة، ونال من إحسانه وكان عميدها وشيخها، وأخذ في الأسر، وكان له أموال عظيمة. ومن شعره قوله لأحد بني عبد المؤمن:
مَوْلايَ قَدْ أفْسَدَ مَا بَيْنَنَا ... إمَالَةُ السَّمْعِ لِقَوْلِ الحَسُودْ
مَاذَا تُرَاهُ قَائِلاً بَعْدَمَا ... أَبْصَرَنِي بِالرَّغْمِ مِنْهُ أَسُودْ
؟؟
أبو الحسن علي بن مالك الأبدي الفقيه
مذكور في السمط، وأنشد له قوله من قصيدة في الوزير أبي الحسن بن الإمام:إيَابٌ كَمَا وَافَى الوِصَالُ عَلَى الهَجْرِوَعُقْبَى جَرَتْ بِالنَّفْعِ فِي عَقِبِ الصَّبْرِ
وبُشْرَى جَلَتْها لِلْعُيُونِ مُلِمَّةٌفَكَانَتْ كَمَا انْشَقَّ الظَّلامُ عَنِ الفَجْرِ
فَأَهْدَيْتُ قَلْبِي لِلْبِشِيرِ وَزِدْتُهُبَقِيَّةَ عُمُرِي وَالضَّنَانَةُ بِالعُمُرِ
عَرَفْنَا بِعَرْفِ الرِّيحِ أنَّكَ خَلْفَهَاوَقَبْلَ لِقَاءِ الرَّوْضِ يُعْرَفُ بالنَّشْرِ
أَتَيْتَ عَلَى يَأْسٍ فَزِدْتََ نَفَاسَةًكَمَا انْهَلَّ بَعْدَ المَحْلِ مُنْسَكِبَ القَطْرِ
وَلُحْتَ فَلَمْ يَطْمَحْ لِغَيْرِكَ نَاظِرٌوَفِي البَدْرِ مَا يُغْنِي عَنِ الأَنْجُمِ الزُّهْرِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثامن
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الجيانية
وهو:كتاب الغبطة، في حلي مدينة بسطة
البساط
قال الحجاري: بسطة مما آتاه الله في الحسن بسطة. لها خارج يأخذ بالأعين والأنفس، وفيها يقول شعبان الغزي وإليها:سَقَى اللهُ صَوْبَ الغَيْثِ أَكْنَافَ بَسْطَةٍفَفِيهَا انْبِسَاطُ النَّفْسِ وَالعَيْنِ وَالقَلْبِ
العصابة
أبو مروان عبد الملك بن ملحان
نبه
أبو محمد الحجاري على بيت بني ملحان ببسطة، وأن أهلها أكرهوا أبا مروان
على الإمارة بها، ولم يكن قائماً بأعباء الفتنة، لكونه نشأ على حفظ فقهٍ
ورواية حديثٍ ومذاكرة في أدبٍ وقول شعرٍ. ومن يديه أخذها أمير المسلمين
يوسف بن تاشفين. ومن شعره قوله:
يَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَنْسَانِي ... مَنْ ذِكرُهُ، عُمْري، مِنْ شَانِي
أَجْهَدُ في وِدِّي لَهُ دَائِباً ... وَكُلُّ خِلٍّ عَنْهُ يَنْهَانِي
السلك
أبو عامر أحمد بن دريد الكاتب
مذكور في السمط والمسهب وبينه وبين صاحب السمط مراسلة، وأحسن شعره قوله في رجل يلقب بالفار تاب عن شرب الخمر:أَتَانِي عَنِ الفَارِ الحَقِيرِ بِأَنَّهُ ... تَحَرَّجَ عَنْ شِرْبِ الكُؤُوسِ الدَوَائِرِ
فَقُلْتُ لَهُمْ سِرٌّ جَهِلْتُمْ مُرَادَهُ ... وَإنِّي لَعَلاَّمٌ بِغَيْبِ السَّرَائِرِ
فَمَا عَابَ شُرْبَ الخَمْرِ إلاَّ لأنَّهَا ... تَلُوحُ بِأَعْلاهَا عُيُونُ السَّنَانِرِ
المقرئ أبو الحسن
علي بن عبد العزيز بن شفيع البسطي
من المسهب: أنه عالم بسطة وكان متصدراً بالمرية يقرأ عليه القرآن. ومن شعره قوله:لِيَ نَفْسٌ لَوْ أنَّهَا تَرِدُ النَّا ... رَ لمَّا كَلَّفَتْ سِوَاهَا الشَّفَاعَةْ
قَنِعَتْ بِالعَفَافِ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ... فَاسْتَرَاحَتْ مِنْ دَهْرِهَا بِالقَنَاعَةْ
الأفوه الخراز البسطي
من المسهب: أنه كان خرازاً ببسطة، وتولع بالأدب وصار ينظم، ومدح الأعيان، فاشتهر اسمه. ومن نظمه قوله من قصيدة يمدح بها وزير ابن حبوس ملك غرناطة:إلَيْكَ رَحَلْنَاهَا قَلائِصَ ضُمَّرَا ... لِنَبْغِي بِهَا المَجْدَ المُؤَثَّلَ وَالغِنَى
فَأُقْسِمُ لا يَنْتَابُ رَبْعَكَ قَاصِدٌوَيَرْجَعَ عَنْهُ دُونَ أَنْ يَبْلُغَ المُنَى
وَكَمْ رُمْتُ أَنْ أَبْغِي سِوَاكُمْ وَإنَّمَاثَنَانِي لَكُمْ مَا سَارَ عَنْكُمُ مِنَ الثَنَا
وقوله:
أيُّ قَلْبٍ إذَا رَحَلْتُمْ يُقِيمُ ... سِرْ فَإنِّي خَلْفَ الرِّكَابِ أَهِيمُ
لا نَعِيمٌ إلاَّ بِحَيْثُ حَلَلْتُمْ ... وَإذَا غِبْتُمُ فَلَيْسَ نَعِيمُ
كَلِّمُونِي وَعَلِّلُونِي بِوَعْدٍ ... وَصِلُونِي فَإنَّ قَلْبِي كَلِيمُ
أبو الحسن علي بن شفيع البسطي
شاعر مشهور من شعراء عصرنا، وقد توفي، اشتهر من شعره قوله:شَرِيعَةُ الحُبِّ شَرْعَي وَالهَوَى دِينِي ... بِهِ أَدِينُ لِيَوْمِ الحَشْرِ وَالدِّينِ
قُلُوبُ أَهْلِ الهَوَى في الحُبِّ خَافِقَةٌمِثْلَ العَصَافِيرِ في أَيْدِي الشَّوَاهِينِ
أَوْ كَالعَبِيدِ تَعَدَّوْا مَا بِهِ أُمِرُواأَوْ كَالجُنَاةِ بِأَبْوَابِ السَّلاطِينِ
قَالُوا عَلِقْتَ صَغِيراً قُلْتُ وَيْحَكُمُمَا رَقَّتِ القُضْبُ رَقَّتْ عَطْفَةُ اللِّيَنِ
وَالسَّهْمُ أَمْضَى مِنَ الخَطِيِّ إنَّ لَهُبَأْسَاً يُرَوِّعُ أَبْطَالَ المَيَادِينِ
قَالُوا فَصِفْ حُسْنَهُ إنْ كُنْتَ تُحْسِنُهُفَقُلْتُ يَمْلأُ أَوْرَاقَ الدَّوَاوِينِ
الغُصْنُ قَامَتُهُ، وَالبَدْرُ طَلْعَتُهُوَالنَّجْمُ يَرْقُبُهُ عَنْ لَحْظِ ذِي هَوْنِ
كَأنَّهُ كَانَ صِنْوَ الشَّمْسِ فَاقْتَسَمَامَا أَبْرَزَ الكَوْنُ مِنْ حَسْنٍ وَتَحْسِينِ
فَسَلَّمَتْ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ لَهُشَرْعاً وَقَالَتْ أخِي وَالثُّلْثُ يَكْفِينِي
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب التاسع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الجيانية
وهو:كتاب الخيزرانة، في حلي حصن برشانة
من حصون بسطة، على نهر المنصورة المشهور بالحسن، لما عليه من الضياع والحصون والجنان.أبو عبد الله محمد بن عياش
كتب عن منصور بني عبد المؤمن ثم عن ابنه الناصر ثم عن المستنصر بن الناصر. وقد تقدمت له رسالة في صدر الكتاب تدل على علوِّ طبقته في النثر.أخبرني
والدي: أنه كان في أول حاله، يخدم الرشيد أبا حفص بن يوسف بن عبد المؤمن
فلما سخط على الرشيد أخوه المنصور وضرب عنقه طلب أصحابه فكان ابن عياش في
جملتهم، فاختفى مدة، وقاسى شدة، وقال:
بِئْسَ الحَيَاةِ لِخَائِفٍ مُتَرَقِّبِ ... لَمْ يُلْفِ في تَخْليصِهِ مِنْ مَذْهَبِ
قدْ غُلِّقَتْ أبْوَابُ كُلِّ شَفَاعَةٍ ... في وَجْهِهِ جَوْراً وَلمَّا يُذْنِبِ
مَا ذَنْبُ مَنْ وَفَّى بِخِدْمَةِ مَنْ بِهِعَرَفَ النَّعيمَ وَذَاقَ عَذْبَ المَشْرَبِ
يَا شَمْسُ قَدْ أثَّرْتِ في بَدْرِ الدُّجَى ... وَخَسَفْتِهِ لا تَحْفِلِنَّ بكوكَبِ
فوقف المنصور على هذه الأبيات، فعملت فيه، وعفا عنه، واستكتبه. قال والدي: وأنشدني لنفسه:
قَالُوا حَبِيبُكَ أَقْلَحْ ... فَقُلْتُ ذَلِكَ أَمْلَحْ
وَكَيْفَ يُنْكَرُ رَوْضٌ ... غَبَّ النَّدَى قَدْ تَفَتَّحْ
وكان والدي يصفه بالمروة ويثني عليه.
الكاتب أبو العباس أحمد بن أحمد البرشاني
ذكر والدي: أنه من صدور الكتاب، كتب عن أبي زيد بن بوجان ملك تلمسان. وله من رسالة يخاطب بها ابن عياش المذكور: يا سيدي ولا ينادي غير الكرام، وعمادي ولا يعتمد إلا على من يصرف صروف الأيام، نداء من يمت بالجوار القديم، ويشفع بنسب الأدب الذي لا يرعاه إلا كريم، مع ولاءٍ لو والى به الصباح ما غرب عن ناظره، وصفاءٍ لو صافى به الدهر ما كدر من خاطره.وأحسن شعره قوله:
قُمْ هَاتِهَا ذَهَبِيَّةً ... تَجْلُو دُجَى اللَّيْلِ البَهِيمْ
تُجْلَى كَمَا تُجْلَى العَرُو ... سُ وَفَوْقَهَا عِقْدٌ نَظِيمْ
حَلَبُ الكُرُومِ وَمَا يُخَ ... صُّ بِشِرْبِهَا إلاَّ كَرِيمْ
مَا زِلْتُ فِيهَا بَاذِلاً ... نَشَبِي الحَدِيثَ مِنَ القَدِيمْ
وَأعَدُّهَا ذُخْرَاً لِمَا ... ألْقَى مِنَ الأَلَمِ الأَلِيمْ
عَجَبَاً لَهَا تَشْفِي السَّقَا ... مَ وَلَوْنُهَا لَوْنُ السَّقِيمْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب العاشر
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة جيان
وهو:كتاب الفرائد المفصلة، في حلي حصن تاجلة
من عمل بسطة على وادي المنصورةالكتاب
أبو القاسم بن طفيل
سكن مالقة، وكان يكتب عن ولاتها من ملوك بني عبد المؤمن، اجتمع به والدي، ومما أنشده من شعره قوله في رثاء جارية:أَمْسَيْتُ أَنْدُبُ في الفِرَاشِ مَكَانَهَا ... وَكَأنَّهُ مَا كَانَ مِنْهَا عَامِرَا
وَكَأنَّنِي لَمْ أَجْنِ مِنْهَا رَوْضَةً ... وَكَأنَّنِي لَمْ أَثْنِ غُصْناً نَاضِرَا
وَكَأنَّنِي وَاللَّيْلُ أَرْخَى سِتْرَهُ ... لَمْ يُبْدِ لِي مِنْهَا هِلالاً زَاهِرَا
عبد الله بن ابي بكر بن طفيل
أبو محمد عبد الله بن العالم أبي بكر بن طفيل
من كلام والدي فيه، من أعيان كتاب الأوان، ومشاركهم في الأدب والبيان، وله تواليف، منها تأليفه معجم بلده الأندلس على منزع الحجاري، وكتب عن عادل بني عبد المؤمن. ومن نثره:أيها الفريق الذين تمسكوا بالضلال، ولم يصغوا نحو موعظةٍ ولا توقعوا فجأة نكال، تيقظوا لما آثرتموه، وأصيخوا لما دعوتموه، فكأني بخيل الله تصبحكم وساء صباح المنذرين، فتترككم في دياركم جاثمين، هنالك يخسر المبطلون، ويتلهف المفرطون، وهذا طلٌّ يتبعه وابلٌّ، وحركة يعقبها زلازل.
ومن شعره قوله:
وَغَدَوْنَا بِكُلِّ خَيْرٍ وَلَكِنْ ... لَيْسَ في كَفِّنَا سِوَى التُّرَّهَاتِ
وَهُمُ ألْكَنُ الأنَامِ بِهَاكٍ ... وَهُمُ أفْصَحُ الأنَامِ بِهَاتِ
العلماء
الطبيب الفيلسوف أبو بكر محمد بن طفيل
قال
والدي: لقيت علماء كثيرةً يفضلونه على فيلسوف الأندلس أبي بكر بن باجة،
وناهيك مدحاً وتقديماً، وكان يوسف بن عبد المؤمن يجالسه ويستفيد منه، ولما
مات يوسف اتهم بأنه سمه وقد خاف منه فجرت عليه محنةٌ وخلد في منزله مسجوناً
في تاجله، وكان له دارٌ لمن يجتاز به من الأضياف وأصحاب الآلام.
وأشهر شعره وأحسنه قوله:
أَلَمَّتْ وَقَدْ هَامَ المُشيحُ وَهَوَّمَاوأسْرَتْ إلَى وَادِي العَقِيقِ مِنَ الحِمَى
وَرَاحَتْ عَلَى نَجْدٍ فَرَاحَ مُنَجَّداً ... وَمَرَّتْ بِنُعْمَانٍ فَأضْحَى مُنَعَّمَا
وَجَرَتْ عَلَى ذَيْلِ المُحَصَّبِ ذيلَهَافَمَا زَالَ ذَاكَ التُّرْبُ نَهْباً مُقَسَّمَا
تُقَسِّمُهُ أَيْدِي التُّجَارِ لَطِيمَةً ... وَيَحْمُلُهُ الدَّارِيُّ أيَّانَ يَمَّمَا
وَلمَّا رَأَتْ أَنْ لا ظَلامَ يُكِنُّها ... وَأَنَّ سُرَاهَا فِيهِ لَنْ يِتَكَتَّمَا
أَزَاحَتْ غَمَامَ العَصْبِ عَنْ حُرِّ وَجْهِهَافَأَلْقَتْ شُعَاعَاً يُدْهِشُ المُتَوَسِّمَا
فَكَانَ تَجَلِّيهَا حِجَابَ جَمَالِهَاكَشَمْسِ الضُّحَى يَعْشَى بِهَا الطَّرْفُ كُلَّمَا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الحادي عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة جيان
وهو:كتاب المسرات المسلية، في حلي حصن قولية
من عمل بسطة، ينسب له بنو اليسع الأعيانالأمير أبو الحسن بن اليسع
قال في وصف صاحب القلائد: عامر أندية النشوة وطلاع ثنايا الصبوة، وأنشد له في مخاطبة أبي بكر بن اللبانة الشاعر، وكانا على طريقين فلم يلتقيا:تُشَرِّقُ آمَالِي وَسَعْيِ يُغَرِّبُ ... وَتَطْلَعُ أَوْجَالِي وَأُنْسِيَ يَغْرُبُ
سَرَيْتُ أبَا بَكْرٍ إِلَيْكَ وَإنَّمَا ... أنَا الكَوْكَبُ السَّارِي تَخَطَّاهُ كَوْكَبُ
فَبِاللهِ إلاَّ مَا مَنَحْتَ تَحِيَّةً ... تَكُرُّ بِهَا السَّبْعُ الدَّرَارِي وَتَذْهَبُ
وَبَعْدُ فَعِنْدِي كُلُّ ذُخْرٍ تَصُونُهُ ... خَلائِقُ لا تَفْنَى وَلا تَتَقَلَّبُ
ووفد على المعتمد بن عباد في إشبيلية، وولاه مملكة مرسية. وكتب إلى أبي بكر بن القبطورنة ببطليوس في يوم نفيرٍ للعدو:
عَطِشْتُ أبَا بَكْرٍ وَكَفُّكَ دِيمَةٌ ... وَذُبْتُ اشْتِياقاً وَالمَزَارُ قَرِيبُ
فَخَفِّفْ وَلَوْ بَعْضَ الذي أنَا وَاجِدٌ ... فَلَيْسَ بِحَقٍّ أَنْ يُضَاعَ غَرِيبُ
وَأَهْدِ لنَا مِنْ تِلْكَ حَظاًّ نُرَى بِهِ نَشَاوَى وَبَعْدَ الغَزْوِ سَوْفَ نَتُوبُ
فوجه له ما طلب، وكتب مع ذلك:
أَبَا حَسَنٍ مِثْلِي بِمِثْلِكَ عَالِمٌ ... وَمِثْلُكَ بَعْدَ الغَزْوِ لَيْسَ يَتُوبُ
أبو يحيى اليسع بن عيسى بن اليسع
هو مصنف كتاب المعرب في آداب المغرب، صنفه بمصر، وطرزه بالدولة الصلاحية الناصرية، وكان بالأندلس يكتب عن المستنصر بن هود.ونثره كزٌّ ثقيلٌ، ونظمه مغسول، ليس عليه طلاوة، وكأنه أراد معارضة كتاب القلائد، فنهق إثر صاهلٍ، ولم يأت في جميع ما أورد بطائل. وأول خطبة كتابه: الحمد لله الذي أحاط بكل شيءٍ علماً، ووسع العصاة رحمةً وحلما.
مملكة البيرة
كتاب
الكواكب المنيرة، في حلي مملكة إلبيرة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب موسطة الأندلس
وهو:كتاب الكواكب المنيرة، في حلي مملكة إلبيرة
مملكة جليلة بين مملكتي قرطبة والمرية ومملكتي جيان ومالقة، وهي كثيرة الكتان والأشجار والأنهار وما يطول ذكره من صنوف الخيرات.وينقسم كتابها إلى اثني عشر كتاباً: كتاب الدرر النثيرة، في حلي حضرة إلبيرة كتاب الإحاطة، في حلي حضرة غرناطة كتاب الحوش، في حلي قرية شوش كتاب السحب المنهلة، في حلي قرية عبلة كتاب نقش الراحة، في حلة قرية الملاحة
المؤلف : ابن سعيد المغربي
كتاب مؤانسة الأخدان، في حلي قرية همدان كتاب ، في حلي حصن شلوبينية كتاب المسرات، في حلي البشرات كتاب الرياش، في حلي وادي آش كتاب حلي الصباغة، في حلي مدينة باغة كتاب ، في حلي مدينة لوشة كتاب الطالع السعيد، في حلي قلعة بني سعيد
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة إلبيرة
وهو:كتاب الدرر النثيرة، في حلي حضرة إلبيرة
المنصة
قال الحجاري: إلبيرة كانت قاعدة المملكة في القديم، ولها ذكر شهير، ومحل عظيم، إلا أن رسمها قد طمس ولم يبق منها إلا بعض أثر، وصارت غرناطة كرسياً.التاج
فيها كانت ولاة المملكة تتواتر إلى أن وقع بين العرب والمولدين من العجم، فاتصل القتال، وانحاز العرب إلى غرناطة، وكان الظفر للعرب، فخربت إلبيرة من حينئذٍ.السلك
الوزراء
أبو خالد هاشم بن عبد العزيز بن هاشم
وزير محمد بن عبد الرحمن المرواني سلطان الأندلس
أصله من موالي عثمان بن عفان الذين حازوا الرياسة والجلالة بإلبيرة، وعظم قدره بقرطبة، عند سلطان الأندلس محمد بن عبد الرحمن، حتى صيره أخص وزرائه وأسند إليه أمور بلاده وعساكره، وكان تياهاً معجباً كثير الاعتماد على ما يحقد به قلوب العباد،حتى ملأ الصدور من بغضه. وقدمه محمد على جيشٍ توجه به إلى غرب الأندلس، فهزم، وحصل في الأسر، واضطربت الأندلس بسوء تدبيره، ثم فداه السلطان، عاد إلى مكانه، وكان قد ملأ صدر المنذر بن محمد غيظاً عليه، فلما مات محمد وولي المنذر قتله المنذر شر قتلةٍ، بعد السجن والعذاب.وذكره الحجاري، وأنشد له قوله:
أَهْوُى مُعَانَقَةَ المِلا ... حِ وَشِرْبَ أَكْوَاسِ الطِّلا
وَيَسُرُّنِي حُسْنُ الرِّيَا ... ضِ وَقَدْ تَوَشَّتْ بِالحلي
وَأَذُوبُ مِنْ طَرَبٍ إذَا ... مَا الصُّبْحُ جَرَّدَ مُنْصُلا
وَأَهِيمُ في قَوْدِ الجُيُو ... شِ وَنَيْلِ أسْبَابِ العُلا
وَأَهُزُّ مُرْتَاحَاً إذَا ... سَرَتِ المَوَاضِي في الطُّلَى
قُلْ للَّذي يَبْغِي مَكَا ... ني هَكَذَا أوْ لا فَلا
من كتاب الرؤساء
أبو عمر أحمد بن عيسى الإلبيري
ذكر صاحب الذخيرة: أن أمر مدينة إلبيرة كان دائراً عليه مع زهده وورعه، ووصفه بالأدب والنظم والنثر وذكر أنه أنشد في مجلسه هذان البيتان:وَإذَا الدِّيَارُ تَنَكَّرَتْ عَنْ حَالِهَا ... فَذَرِ الدِّيَارَ وَأَسْرِعِ التَّحْوِيلا
لَيْسَ المُقامُ عَلَيْكَ حَتْماً وَاجِباً ... في بَلْدَةٍ تَدَعُ العَزِيزَ ذَلِيلا
وسئل الزيادة عليهما، فقال:
لايَرْتَضِي حُرٌّ بِمَنْزِلِ ذِلَّةٍ ... لَوْ لَمْ يَجِدْ في الخَافِقَيْنِ مَقِيلا
فَارْضَ الوَفَاءَ بِعِزِّ نَفْسِكَ لا تَكُنْ ... تَرْضَى المَذَلَّةَ مَا وَجَدْتَ سَبِيلا
وَاخْصُصْ بِوِدِّكَ مَنْ خَبَرْتَ وَفَاءَهُ ... لا تَتَّخِذْ إلاَّ الوَفِيَّ خَلِيلا
ومن كتاب العلماء
أبو مروان عبد الملك بن حبيب
السلمي الإلبيري
فقيه الأندلس الذي يضرب به المثل، حج وعاد إلى الأندلس بعلمٍ جمٍ، وجل قدره عند سلطان الأندلس عبد الرحمن الأوسط المرواني، وعرض عليه قضاء القضاة فامتنع. وهو نابه الذكر في تاريخ ابن حيان والمسهب وغيرهما. ومن شعره قوله وقد شاع أن السلطان المذكور غنى زرياب بين يديه بشعرٍ أطربه، فأعطاه ألف دينار:مِلاكُ أَمْرِي وَالذي أَرْتَجِي ... هَيِّنٌ عَلَى الرَّحْمُنِ في قُدْرَتِهْ
أَلْفٌ مِنَ الشُّقْرِ وَأَقْلِلْ بِهَا ... لِعَالِمٍ أَرْبَى عَلَى بُغْيَتِهْ
يَأْخُذُهَا زِرْيَابُ في دَفْعَةٍ ... وَصَنْعَتِي أَشْرَفُ مِنْ صَنْعَتِهْ
وتوفي سنة تسع وثلاثين ومائتين.
ومن كتاب الشعراء
أبو القاسم محمد بن هانئ الازدي
أصله
من بني المهلب الذين ملكوا إفريقية، وانتقل أبوه منها إلى جزيرة الأندلس،
وسكن إلبيرة، فولد له بها محمد بن هانئ المذكور، وبرع في الشعر، واشتهر
ذكره، وقصد جعفر بن علي الأندلسي ملك الزاب من الغرب الأوسط، فوجد بابه
معموراً بالشعراء وعلم أن وزيره وخواصه فضلاء، لا يتركون مثله يقرب من
ملكهم: فتحيل بأن تزيا بزي بربري، وكتب على كتف شاةٍ مجرودٍ من اللحم:
اللَّيْلُ لَيْلٌ وَالنَّهَارُ نَهَارُ ... وَالبَغْلُ بَغْلٌ وَالحِمَارُ حِمَارُ
وَالدِّيكُ دِيكٌ وَالدَّجَاجَةُ زَوْجُهُ ... وَكِلاهُمَا طَيْرٌ لَهُ مِنْقَارُ
ووقف
بهذا الشعر للوزير، وقال أنا شاعرٌ مفلقٌ أريد أنشد الملك هذا الشعر، فضحك
الوزير وأراد أن يطرف الملك به فبلغه ذلك فأمر بوصوله إليه ومجلسه غاصٌ،
فلما دخل عليه قام وعدل عن ذلك الشعر، وأنشد قصيدته الجليلة التي يصف فيها
النجوم:
ألَيْلَتَنَا إذْ أَرْسَلَتْ وَارِداً وَحْفَا وَبِتْنَا نَرَى الجَوْزَاءَ في أَذْنِهَا شَنْفَا
وَبَاتَ لَنَا سَاقٍ يَصُولُ عَلَى الدُّجَى ... بِشَمْعَةِ صُبْحٍ لا تُقَطُّ وَلا تُطْفَا
أَغَنُّ غَضِيضٌ خَفَّفَ اللِّينُ قَدَّهُوَأَثْقَلَتِ الصَّهْبَاءُ أَجْفَانَهً الوُطْفَا
وَلَمْ يُبْقِ إرْعَاشُ المُدامِ لَهُ يَداًوَلَمْ يُبْقِ إعْنَاتُ التَثَنِّي لَهُ عِطْفَا
نَزِيفٌ قَضَاهُ السَّكْرُ إلاَّ ارْتِجَاجَةٌ إذَا كَلَّ عَنْهَا الخَصْرُ حَمَّلَهَا الرِّدْفَا
يَقُولُونَ حِقْفٌ فَوْقَهُ خَيْزَرَانَةٌ أمَا يَعْرِفُونَ الخَيْزَرَانَةَ وَالحِقْفَا
ثم مر فيها في وصف النجوم إلى أن قال:
كَأَنَّ لِوَاءَ الشَّمْسِ غُرَّةُ جَعْفَرٍرَأَى القِرْنَ فَازْدَادَتْ طَلاقَتُهُ ضِعْفَا
فقام
إليه جعفر، وقال له بالله أنت ابن هانئٍ؟ قال: نعم، فعانقه، وأجلسه إلى
جانبه، وخلع عليه ماكان فوقه من الثياب الملوكية، وجل عنده من ذلك الحين،
إلى أن كتب المعز الإسماعيلي الخليفة بالقيروان إليه في توجيهه لحضرته،
فوجهه للقيروان، فأول قصيدةٍ مدحه بها، قصيدته التي ندر له فيها قوله:
وَبَعُدَتَ شَأْوَ مَطَالِبٍ وَرَكَائِبٍ ... حَتَّى رَكِبْتَ إلَى الغَمَامِ الرِّيحَا
وكان مغرماً بحب الصبيان وفي ذلك يقول:
يَا عَاذِلِي لا تَلْحَنِي أنَّنِي ... لَمْ تُصْبِني هِنْدٌ وَلا زَيْنَبُ
لَكِنَّنِي أصْبُو إلى شَادِنٍ ... فِيهِ خِصَالٌ جَمَّةٌ تُرْغَبُ
لا يَرْهَبُ الطَّمْثَ وَلا يَشْتَكِي ... حَمْلاً، وَلا عَنْ نَاظِرٍ يُحْجَبُ
ولما رحل المعز إلى مصر رجع لتوصيل عياله فقتل في برقة في مشربةٍ على صبي، ومن أشهر شعره في الآفاق قوله:
فُتِقَتْ لَكُمْ رِيحُ الجِلادِ بِعَنْبَرِ ... وَأَمَدَّكُمْ فَلَقُ الصَّبَاحِ المُسفِرِ
وَجَنَيْتُمُ ثَمْرَ الوَقَائِعِ يَانِعَاً ... بِالنَّصْرِ مِنْ وَرَقِ الحَدِيدِ الأخْضَرِ
أبو أحمد عبد العزيز بن خيرة المنفتل
من أعلام شعراء إلبيرة في مدة ملوك الطوائف، نابه الذكر في الذخيرة والمسهب، ومن عنوان طبقته قوله:سَكْرَانُ لا يَدْرِي وَقَدْ وَافَى بِنَا ... أَمِنَ المَلاحَةِ أَمْ مِنَ الجِرْيَالِ
تَتَضَوَّعُ الصَّهْبَاءُ مِنْ أنْفَاسِهِ ... كَتَضَوُّعِ الرَّيْحَانِ بِالآصَالِ
وَكَأنَّمَا الخِيلانُ في وَجَنَاتِهِ ... سَاعَاتُ هَجْرٍ في زَمَانِ وِصَالِ
وقوله:
في خَدِّ أحْمَدَ خَالٌ ... يَصْبُو إليْهِ الخَلِيُّ
كَأنَّهُ رَوْضُ وَرْدٍ ... جنَّانُهُ حَبَشيُّ
خلف بن فرج الإلبيري السميسر
من أعلام شعراء إلبيرة في مدة ملوك الطوائف، مشهور بالهجاء مذكور في الذخيرة والمسهب.ومن مشهور شعره قوله:
يَا آكِلاً كُلَّ مَا اشَتَهَاهُ ... وَشَاتِمَ الطِّبِّ والطَّبِيبِ
ثِمَارَ مَا قَدْ غَرَسْتَ تَجْنِي ... فَانْتَظِرِ السَّقْمَ عَنْ قَرِيبِ
يَجْتَمِعُ الدَّاءُ كُلَّ يَوْمٍ ... أَغْذِيَةُ السُّوءِ كَالذُنُوبِ
وقوله:
تَحَفَّظْ مِنْ ثِيَابِكَ ثُمَّ صُنْهَا ... وَإلاَّ سَوْفَ تَلْبُسُهَا حِدَادَا
وَظُنَّ بِسَائِرِ الأجْنَاسِ خَيْراً ... وَأَمَّا جِنْسُ آدَمَ فَالبِعَادَا
أَرَادُونِي بِجَمْعِهُمُ فَرُدُّوا ... عَلَى الأعْقَابِ قَدْ نَكَصُوا فُرَادَى
وَعَادوا بَعْدَ ذَا إخْوَانَ صِدْقٍ ... كَبَعْضِ عَقَارِبٍ عَادَتْ جَرَادَا
وأنشد له الحجاري قوله:
وَقَدْ حَانَ تَرْحَالِي فَقُلْ لِيَ عَاجِلاً ... عَلَى أَيِّ حَالٍ تَنْقَضِي عَزَمَاتِي
أَأُثْنِي بِخَيْرٍ أَمْ أَقُولُ تَمَثُّلاً ... كَمَا قَالَتِ الخَنْسَاءُ فِي السَّمُرَاتِ
إذَا لَمْ يَكُنْ فيكُنَّ ظِلٌ وَلا جَنَىً ... فَأَبْعَدَكُنَّ اللهُ مِنْ شَجَرَاتِ
وقوله:
وَأَنْحَلَنِي شَوْقِي لَكُمْ فَلَوْ أنَّنِيأَكُونُ مِنَ المَحْسُوسِ هبَّتْ بِيَ الرِّيحُ
فَمَنْ كَانَ ذَا رُوحٍ شَكَا فَقْدَ جِسْمِهِ ... فَهَا أنَا لا جِسْمٌ لَدَيَّ وَلا رُوحُ
فَيَا لَهَفَ نَفْسِي أَيْنَ سَلْعُ وَحَاجِرٌوَأَيْنَ النَّقَا وَالرَّنْدُ وَالبَانُ وَالشِّيحُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:كتاب الإحاطة، في حلي حضرة غرناطة
المنصة
من مسهب الحجاري: غرناطة، وما أدراك ما غرناطة، حيث أدارت الجوزاء وشاحها وعلق النجم أقراطه، عقاب الجزيرة، وغرة وجهها المنيرة.ومر في الثناء عليها. وأنا أقول إنها وإن سميت دمشق الأندلس، أحسن من دمشق، لأن مدينتها مطلة على بسيطها متمكنة في الإقليم الرابع المعتدل، مكشوفة للهواء من جهة الشمال مياهها تنصب إليها من ذوب الثلج دون مخالطة البساتين والفضلات، والأرحاء تدور في داخلها، وقلعتها عاليةٌ شديدة الامتناع، وبسيطها يمتد فيه البصر مسيرة يومين بين أنهار وأشجار وميادين مخضرة، فسبحان مبديها في أحسن حلةٍ، لا يأخذها وصف ولا ينصف في ذكرها إلا الرؤية، وبها ولدت ولي فيها ولوالدي وأقاربي أشعار كثيرة ونهرها الكبير يقال له شنيل، وفيه أقول:
كَأَنَّمَا النَّهْرُ صَفْحَةٌ كُتَبَتْ ... أَسْطُرُهَا وَالنَّسِيمُ مُنْشِئُهَا
لَمَّا أبَانَتْ عَنْ حَسْنِ مَنْظَرِهِ ... مَالَتْ عَلَيْهِ الغُصُونُ تَقْرَؤُهَا
وفيه أقول:
انْظُرْ لِشَنَّيلٍ يُقَابِلُ وَجْهَهُ ... وَجْهَ الهِلالِ كَقَارِئٍ أَسْطَارَهُ
لَمَّا رَآهُ مِعْصَماً قَدْ زَانَهُ ... وَشْيُ الصِّبَا أَلْقَى عَلَيْهِ سِوَارَهُ
وفي بسيطها يقول أبو جعفر عم والدي:
سَرِّحْ لِحَاظَكَ حَيْثُ شِئْتَ فَإنَّهُ ... في كُلِّ مَوْقِعِ لَحْظَةٍ مُتَأَمَّلُ
ومن متنزهاتها المشهورة حور مؤمل واللشتة والزاوية والمشايخ. وقد ذكر أبو جعفر بن سعيد الحور في شعر تقدم إنشاده، وذكره في موشحته البديعة، وهي:
ذَهَّبَتْ شَمْسُ الأصِيلِ فِضَّةَ النَّهْرِ
أَيَّ نَهْرٍ كَالمُدَامَهْ
صَيَّرَ الظِّلَّ فِدَامَهْ
نَسَجَتْهُ الرِّيحُ لامَهْ
وَثَنَتْ لِلْغُصْنِ لامَهْ
فَهُوَ كَالعَضْبِ الصَّقِيلِ حُفَّ بالسُّمْرِ
مُضْحِكاً ثَغْرَ الكِمَامِ
مُبْكِياً جَفْنَ الغَمَامِ
مُنْطِقاً وُرْقَ الحَمَامِ
دَاعِياً إلَى المُدَامِ
فَلِهَذَا بِالقُبُولِ خُطَّ كَالسَّطْرِ
حَبَّذَا بِالحَوْرِ مَغْنَى
هِيَ لَفْظٌ وَهُوَ مَعْنَى
مُذْهِبُ الأشْجَانِ عَنَّا
كَمْ دَرَيْنَا كَيْفَ سِرْنَا
ثُمَّ في وَقْتِ الأصِيلِ لَمْ نَكُنْ نَدْرِي
قُلْتُ وَالمَزْجُ اسْتَدَارَا
بِذُرَى الكَأسِ سِوارَا
سَالِباً مِنَّا الوَقَارَا
دَائِراً مِنْ حَيْثُ دَارَ
صَادَ أطْيَارَ العُقُولِ شَبَكُ الخَمْرِ
وَعَدَ الحِبُّ فَأَخْلَفْ
وَاشْتَهَى المُطِلَ فَسَوَّفَ
وَرَسولِي قَدْ تَعَرَّفْ
مِنْهُ مَا أدْرِي فَحَرَّفْ
بِاللهِ قُلْ يَا رَسُولِي لِشْ يَغِبْ بَدْرِي
ونجد: مكان مطل على بسيطها، من أشرف متنزهاتها، فيه يقول عالمها أبو الحسن سهل بن مالك:
كُلُّ وَجْدٍ سَمِعْتُمْ دُونَ وَجْدِي ... لأّصِيلٍ يَفُوتُ طَرْفِي بِنَجْدِ
حَيْثُ جَرَّرْتُ ذَيْلَ كُلِّ مُجُونٍ ... بَيْنَ حُورٍ تَمِيسُ فيهِ وَرَنْدِ
وَسَوَاقٍ كَأنَّهُنَّ سُيُوفٌ ... جُرِّدَتْ في الرِّيَاضِ مِنْ كُلِّ غِمْدِ
التاج
كانت قاعدة المملكة إلبيرة، فلما وقع ما بين العرب والعجم في مدة عبد الله المرواني سلطان الأندلس انحاز العرب إلى غرناطة، وقام بملكهم سوار بن أحمد المحاربي، فقتله أهل إلبيرة، فقام بهم بعده.سعيد بن سليمان بن جودي السعدي
وكان فارساً جواداً شاعراً ومن شعره قوله يخاطب عبد الله المرواني:قُلْ لِعَبْدِ اللهِ يَشْدُدْ في الهَرَبْ ... نَجَمَ الثَّائِرُ مِنْ وَادِي القَصَبْ
يَا بَنِي مَرْوَانَ خَلُّوا مُلْكَنَا ... إنَّمَا المُلْكُ لأبْنَاءِ العَرَبْ
قَرِّبُوا الوَرْدَ المُحلي بِالذَهَبْ ... وَاسْرِجُوهُ إنَّ نَجْمِي قَدْ غَلَبْ
وآل أمره إلى أن غدر به قومٌ من أصحابه وقتلوه. وثار بها بعده محمد بن أضحى الهمداني.
دولة صنهاجة
كانت في مدة ملوك الطوائف، وأول ملوكهم بغرناطة:زاوي بن زيري بن مناد الصنهاجي
كان داهية البربر، خرب أصحابه مدينة إلبيرة وعاثوا فيها، وأظهر هو الإنكار لذلك والعدل وقام بالمملكة، واقتعد مدينة غرناطة، وهزم المرتضى المرواني، وعظم قدره، ثم خاف الكرة من أهل الأندلس، فرحل بما حازه من الذخائر العظيمة إلى إفريقية وبقي بغرناطة ابن أخيه:؟
حبوس بن ماكسن بن زيري
فاستبد بملكها، قال ابن حيان: وكان على ما فيه من القسوة يصغي الأدب، وكان غليظ العقاب، فارساً شجاعاً جباراً مستكبراً كامل الرجولية، ولما مات ورث الملك ابنه:باديس بن حبوس
وكان من أبطال الحروب وشجعانها، يضرب به المثل في شدة القسوة بسفك الدماء، وعظم ملكه بهزيمة زهير ملك المرية، وقتله واستيلائه على مكائنه، وكان على ما فيه من القسوة حسن السياسة منصفاً حتى من أقاربه. أتت له يوماً عجوزٌ فشكت عقوق ابنها، وأنه مد يده إلى ضربها، فأحضره وأمر بضرب عنقه، فقالت له يا مولاي ما أردت إلا ضربه بالسوط، فقال: لست بمعلم صبيانٍ، وضرب عنقه.ومات، فورث الملك بعده ابن أخيه:
عبد الله بن بلقين بن حبوس
ومن يده أخذها أمير المسلمين يوسف ين تاشفين حين استولى على ملوك الطوائف فتداول عليها ولاة الملثمين إلى أن انقرضت دولتهم فقام بها من الأندلسيين:أبو الحسن علي بن أضحى الهمداني
من بيت عظيم بها، قد صح له ملكها فيما تقدم، وكان قد ولي قضاء القضاة بغرناطة، واشتهر بالجود، وجل قدره، فصح له القيام بملك غرناطة. إلا أنه لم يبق إلا قليلا، وتوفي حتف أنفه. ومن شعره قوله وقد دخل مجلساً غاصَّاً، فجلس في أخريات الناس، وأراد التنبيه على قدره:نَحْنُ الأهِلَةُ في ظَلامِ الحِنْدِسِ ... حَيْثُ احْتَلَلْنَا فَهُوَ صَدْرُ المَجْلِسِ
إنْ يَذْهَبِ الدَّهْرُ الخَؤُونُ بِعِزِّنَا ... ظُلْماً فَلَمْ يَذْهَبْ بِعِزِّ الأنْفُسِ
وولي بعده أمر غرناطة ابنه أضحى، ثم صارت للمستنصر بن هود، ووقع فيها تخليط إلى أن ملكها المصامدة وتداول عليها ولاتهم، ثم صارت لابن هود المتوكل الذي ملك الأندلس في عصرنا وتداولت عليها ولاته، ثم مات ابن هود فاتخذها كرسياً:
أمير المسلمين أبو عبد الله
محمد بن يوسف بن الأحمر المرواني
وهو إلى الآن بها مثاغراً لعساكر النصارى الكثيرة بدون ألف فارس، وهو من عجائب الدهر في الفروسية والإقدام والسعادة في لقاء العدو. ويفهم الشعر ويكثر مطالعة التاريخ، وقد ملك إشبيلية وقتل ملكها المعتضد الباجي، وكنت حينئذٍ هنالك وأنشدته قصيدة أولها:لِمِثْلِكَ تَنْقَادُ الجَيَوشُ الجَّحَافِلُ ... وَتُذْخَرُ أبْنَاءُ القَنَا وَالقَنَابِلُ
ذوو البيوت
أبو الحسن علي بن جودي
من ولد سعيد بن جودي المذكور في ملوك غرناطة، قرأ على أبي بكر بن باجة فيلسوف الأندلس فاشتهر بذلك واتهم في دينه، فطلب، ففر، وصار مع قطاع طريق بين الجزيرة الخضراء وقلعة خولان، وقال في ذلك:أَرُومُ بِعَزْمَانِي تَنَاسِيَ عَهْدِكُمْ ... فَتَأْبَى عَلَيْنَا فيكُمُ العَزَمَاتُ
فَأُقْسِمُ لَوْ لا البُعْدُ مِنْكُمُ لَسَرَّنِي ... ثَوَانِي بِالغَابَاتِ وَهِيَ فَلاَةُ
فَإنَّ بِهَا مِنْ رَهْطِ كَعْبٍ وَعَامِرٍ ... سَرَاةً نَمَتْهُمْ لِلْعَلاءِ سَرَاةُ
أَبَوْا أَنْ يَحُلُّوهَا بَلادَ حَضَارَةٍ ... مَخَافَةَ ضَيْمٍ وَالكُفَاةُ أُبَاةُ
فَخَطُّوا بِأُمِّ القَفْرِ دَارَاً عَزِيزَةً ... تُمَارُ عَلَى حُكْمِ القَنَا وَتُقَاتُ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي وَالمُنَى تَخْدَعُ الفَتَىوَدَأَبُ اللَّيَالِي مُلْتَقَىً وَشَتَاتُ
أَفُرْقَتُنَا هَذِي تَكُونُ لِقَاءَةً ... أَمِ الدَّهرُ يَأْسٌ بَعْدَكُمْ وَبَتَاتُ
وأنشد له والدي:
نَبَّهْتُهُ وَعُيونُ الزَّهْرِ نَائِمَةٌوَالطَّلُّ يَبْكِي وَثَغْرُ الكَاسِ يَبْتَسِمُ
وَالبَرْقُ يَرْقُمُ مِنْ بُرْدِ الدُّجَى عَلَماًوَالزَّهْرُ عِقْدٌ بِجِيدِ النَّهْرِ مُنْتَظِمُ
حَتَّى بَدَتْ رَايَةُ الإصْبَاحِ زَاحِفَةً ... في كَفِّ ذِي ظَفَرٍ وَاللَّيْلُ مُنْهَزِمُ
؟
جودي بن جودي
من أعلام هذا البيت، سكن مدينة وادي آش وبينه وبين والدي مخاطبات وأنشدني والدي من شعره قوله:شَرِبْنَا وَبُرْدُ اللَّيْلِ يَطْويهِ صَبْحُهُوَأَرْدِيَةُ الشَّمْسِ المُنِيرَةِ تُنْشَرُ
وَقَدْ هَتَفَتْ وُرْقَ الحَمَامِ بِدَوْحِهَاوَكَفُّ الصَّبَا زَهْرَ الحَدَائِقِ تَنْثُرُ
مُشَعْشَعَةً رَقَّتْ وَرَاقَتْ كَأنَّمَايُصَاغُ لَهَا مِنْ صَنْعَةِ المَزْجِ جَوْهَرُ
إذَا قَهْقَهَ الإبْرِيقُِ قَالُوا تَكَلَّمَتْكَمَا أنَّهَا عَنْ أَعْيُنِ المَزْجِ تُنْظَرُ
وَإنْ لُمِحَتْ في كَأْسِهَا رَفْرِفَتْ هَوَىًعَلَيْهَا نُفُوسٌ بِالتَنَسُّمِ تَسْكَرُ
عبد الرحيم بن الفرس يعرف بالمهر
قرأ مع والدي وكان يصفه بالذكاء المفرط والتفنن والتقدم في الفلسفة، وآل أمره إلى أن سمت نفسه لطلب الهداية، فأظهر أنه القحطاني الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يقود الناس طوع عصاه، وكان قيامه في برابر لمطة في قبلة مراكش، وقال يخاطب بني عبد المؤمن شعراً اشتهر منه:قُولُوا لأبْنَاءِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بِنِ عَلِيّْتَأَهَّبُوا لُوُقُوعِ الحَادِثِ الجَلَلِ
قَدْ جَاءَ سَيِّدُ قَحْطَانٍ وَعَالِمُهَاوَمُنْتَهَى القَوْلِ وَالغَلاَّبِ لِلْدُوَلِ
النَّاسُ طَوْعُ عَصَاهُ وَهُوَ سَائِقُهُمْبِالأَمْرِ وَالنَهْيِ نَحْوَ العِلْمِ وَالعَمَلِ
فَبَادِرُوا أَمْرَهُ فَاللهُ نَاصِرُهُ ... وَاللهُ خَاذِلُ أَهْلِ الزِّيْغِ وَالمَيَلِ
وآل أمره معهم إلى أن قتلوه، وأرسلوا رأسه إلى مراكش، فعلق على باب الشريعة.
أبو بكر
عبد الرحمن بن أبي الحسن بن مسعدة
بيت رفيع في غرناطة، أخبرني والدي: أنه كان من كتاب عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة، ولما قتل عثمان المذكور أبا جعفر بن سعيد كتب بن مسعدة إلى أبيه عبد الملك بن سعيد رسالة، منها:أَيَّتُهَا النَّفْسُ أَجْمِلِي جَزَعَا ... إنَّ الذي تَحْذَرِينَ قَدْ وَقَعَا
سيدي الأعلى: نداء من كاد قلمه لا يطيعه، ومن تمحو ما كتبه دموعه، مثلك لا يعلم التعزي ومثل المفقود، رحمة الله عليه، لا يؤمر بالصبر عنه:
إذَا قَبَحَ البَكَاءُ عَلَى قَتِيلٍ ... رَأَيْتُ بُكَاءَكَ الحَسَنَ الجَمِيلا
ولا
أقلَّ من أن تدمع العين، ويحزن القلب، و لا يفعل ما يوهن المجد، ولا يقال
ما يسخط الرب. وسيدي وإن كان المرحوم نجله، فإني في الحزن عليه لا يبعد أن
أكون مثله، فذكره الحسن لأخلاقه وأفعاله التي كانت تدل على طيب أعراقه:
كَأَنَّكً لَمْ تَكُنْ إِلْفِي وَخِلِّي ... وَلَمْ أَقْطَعْ بِكَ اللَّيْلَ الطَّوِيلا
أخوه
أبو يحيى محمد
ذكر لي والدي: أنه كان يكتب مع أخيه المذكور لعثمان بن عبد المؤمن، وأنشدني من شعره قوله:لا تَدْعُنِي إلاَّ لِشَدْوٍ وَرَاحْ ... وَشَادِنٍ كَالمُهْرِ جَمِّ المُرَاحْ
مُهَفْهَفٍ هَمَّتْ لَهُ وَجْنَةٌ ... تُسْفِرُ في جُنْحِ الدُّجَى عَنْ صِيَاحْ
أَسْكَتَنِي الخَوْفُ كَخِلْخَالِهِ ... لَكِنْ هَوَاهُ رَدَّنِي كَالوِشَاحْ
عبد الرحمن بن الكاتب
تأثل هذا البيت بغرناطة إلى الآن، وكان عبد الرحمن هذا يكتب عن محمد بن سعيد صاحب القلعة، وإياه يخاطب بقوله:يَا أيُّهَا القَائِدُ المُعَلَّى ... وَمَنْ لَدَيْهِ النَّوَالُ نَهْبُ
لَيْسَ عَلَى غَيْرِكَ اتِّكَالِي ... وَأَنْتَ بَدْرِي الذي أُحِبُّ
وَقَدْ تَرَقَّى بِكُمُ أُنَاسٌ ... أَلْسُنُهُمْ بِالثَنَاءِ رَحْبُ
وَهَا أنَا في الحَضِيضِ ثَاوٍ ... وَهُمْ بِأُفْقِ العَلاءِ شُهْبُ
ابنه
أبو عبد الله محمد
ذكر والدي: أنه اجتمع به وكان من أظرف الناس، واستكتبه منصور بني عبد المؤمن، ومن شعره قوله:يُعِدُّ رِجَالٌ آخَرِينَ لِدَهْرِهِمْ ... وَمِنْ بَعْدُ لا يَحْظَوْنَ مِنْهُمُ بِطَائِلِ
وَقَلَّ غَنَاءً عَنْكَ قَوْلُكَ صَاحِبِي ... وَمَالَكَ مِنْهُ غَيْرُ عَضِّ الأنَامِلِ
إسماعيل بن يوسف بن نغرلة اليهودي
من بيت مشهور في اليهود بغرناطة، آل أمره إلى أن استوزره باديس بن حبوس ملك غرناطة، فاستهزأ بالمسلمين، وأقسم أن ينظم جميع القرآن في أشعارٍ وموشحات يغني بها، فآل أمره إلى أن قتله صنهاجة أصحاب الدولة، بغير أمر الملك، ونهبوا دور اليهود وقتلوهم.ومن شعره الذي نظم فيه القرآن قوله:
نَقَشَتْ في الخَدِّ سَطْراً ... مِنْ كِتَابِ اللهِ مَوْزُونْ
لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى ... تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونْ
وأنشد له صاحب المسهب قوله:
يَا غَائِباً عَنْ نَاظِرِي لَمْ يَغِبْ ... عَنْ خَاطِرِي رِفْقاً عَلَى الصَّبِّ
فَمَا لَهُ في البُعْدِ مِنْ سَلْوَةٍ ... وَمَا لَهُ سُولٌ سِوَى القُرْبِ
صُوِّرَتْ في قَلْبِي فَلَمْ تَبْتَعِدْ ... عَنْ نَاظِرِ الفِكْرَةِ بِالحُبِّ
مَا أَوْحَشَتْ طَلْعَةُ مَنْ لَمْ يَزَلْ ... يُنْقَلُ مِنْ طَرْفٍ إِلَى قَلْبِ
ابنه يوسف
كان صغيراً لما قتل أبوه بغرناطة وصلب في نهر سنجل، فهرب إلى إفريقية، وكتب من هنالك إلى أهل غرناطة شعره المشهور الذي منه:أَقَتِيلاً بِسَنْجَلٍ لَيْسَ تَخْشَى ... حَشْرَ جِسْمٍ وَقَدْ سَمِعْتَ النَّصِيحَا
غَودِرَ الجِسْمُ في التُّرَابِ طَرِيْحاً ... وَغَدَا الرُّوحُ في البَسِيطَةِ رِيحَا
أَيُّهَا الغَادِرُونَ هَلاَّ وَفَيْتُمْ ... وَفَدَيْتُمْ شِبْهَ الذَّبِيحِ الذَّبِيحَا
إنْ لَمْ يَكُنْ قَتْلُكُمْ لَهُ دُونَ ذَنْبٍقَدْ قَتَلْنَا مِنْ قَبْلِ ذَاكَ المَسِيحَا
وَنَبِيَّاً مِنَ هَاشِمٍ قَدْ سَمَمْنَا ... خَرَّ مِنْ أَكْلَةِ الذِّرَاعِ طَرِيحَا
الوزراء
عبد الرحيم بن عبد الرزاق
وزير عبد الله بن بلقين ملك غرناطة
ذكره صاحب الذخيرة، وأنشد له قوله:صَبَّ عَلَى قَلْبِي هَوَىً لاعِجُ ... وَدَبَّ في جِسْمِي ضَنَىً دَارِجُ
في شَادِنٍ أَحوَرَ مُسْتَأْنِسٍ ... لِسَانُ تَذْكَارِي بِهِ لاهِجُ
مَا قَدْرُ نُعْمَانَ إذَا مَا مَشَى ... وَمَا عَسَى تَبْلُغُهُ عَالِجُ
أبو الحسن علي بن الإمام
كاتب تميمٍ بن يوسف بن تاشفين ملك غرناطة، وتغرب بعد هروبه من غرناطة وسافر إلى مصر.ومن شعره قوله:
يَا لَيْتَ شِعْرِي وَالأمَانِي كُلُّها ... زُورٌ يَغُرُّكّ أوْ سَرَابٌ يَلْمَعُ
هَلْ تَرْبَعَنَّ رَكَائِبِي في بَلْدَةٍ ... أمْ هَكَذَا خُلِقَتْ تَخُبُّ وَتُوضِعُ
في كُلِّ يَوْمٍ مَنْزِلٌ وَأَحِبَةٌ ... كَالظِلِّ يُلْبَسُ لِلْمَقِيلِ وَيُخْلَعُ
الكتاب
أبو بكر محمد بن الجراوي
من أعيان كتاب غرناطة في مدة الملثمين، ومن شعره قوله في رثاء:حَنَانَيْكَ قَدْ أَبْكَيْتَ حَتَّى الغَمَائِمَاوَشَقَّقْتَ عَنْ أَزْهَارِهِنَّ الكَمَائِمَا
وَأَدْمَيْتَ خَداً لِلْبُرُوقِ بِلَطْمِهَاوَخَلَّفْتَ مِنْ نَوْحِ الرُّعُودِ مَآتِمَا
وَلَمْ يَبْقَ قَلْبٌ لا يُقَلِّبُهُ الأَسَىوَأَشْجَيْتَ في أَغْصَانِهِّنَ الحَمَائِمَا
العمال
أبو محمد عبد الرحمن بن مالك
صاحب مختص أمير المسلمين يوسف بن تاشفين في غرناطة وغيرها من بلاد الأندلس.ذكره الحجاري وأثنى عليه وقال في وصفه: ناهيك من سيدٍ لم يقتنع إلا بالغاية، ولا وقف إلا عند النهاية، وأنشد له قوله وقد طرب في سماعٍ فشق ثيابه:
لا تَلُمْنِي بِأَنْ طَرِبْتُ لِشَدْوٍ ... يَبْعَثُ الأُنْسَ فَالكَرِيمُ طَرُوبُ
لَيْسَ شَقُّ الجُيُوبِ حَقاً عَلَيْنَا ... إنَّمَا الحَقُّ أَنْ تُشَقَّ القُلُوبُ
القضاة
أبو محمد عبد الحق بن عطية
قاضي غرناطة
مذكور في القلائد والمسهب وهو صاحب التفسير الكبير في القرآن، وقد ولي أبوه أيضاً قضاء غرناطة، ومن أحسن شعره قوله:وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ جِبَالَ رَضْوَى ... تَزُولُ وَأَنَّ وِدَّكَ لا يَزُولُ
وَلَكِنَّ الزَّمَانَ لَهُ انْقِلابٌ ... وَأَحْوَالُ ابْنِ آَدَمَ تَسْتَحِيلُ
فَإِنْ يَكُ بَيْنَنَا وَصْلٌ جَمِيلٌ ... وَإلاَّ فَلْيَكُنْ هَجْرٌ جَمِيلُ
العلماء
أبو عمرو حمزة بن علي
الغرناطي المؤرخ
ذكر والدي: أن له كتاباً في تاريخ الفتنة التي انقرضت بها دولة الملثمين. ومن شعره قوله:يَا وَاحِدَاً في العَالِي مَا لَهُ تَالِي ... حَسِّنْ بِفَضْلِكَ يَا مَوْلايَ أَحْوَالِي
فَقَدْ ظَمِيتُ إلَى وَرْدٍ وَلَيْسَ سِوَى ... نَدَاكَ يَرْوِي غَلِيلاً شَفَّ أَوْصَالِي
فَلَسْتُ أَبْرَحُ طُولَ الدَّهْرِ مُجْتَهِدَاًأَثْنِي عَلَيْكَ بِمَا تَسْتَطِيعُ أَقْوَالِي
أبو بكر يحيى بن الصيرفي
المؤرخ الغرناطي
أخبرني والدي: أن له تاريخاً، وموشحاته مشهورة، ومن شعره قوله:أَجْرَتْ دَمِي تَحْتَ اللِّثَامِ لِثَامَا ... وَسَقَتْ وَلَمْ تَدُرِ الكُؤُوسُ مُدَامَا
شَمْسٌ إذَا سَرَقَتْ مَعَاطِفَ بَانَةٍ ... في ثَوْبِهَا سَجَعَ الحُلِيُّ حَمَامَا
وَتَنَفَّسَتْ في الصُّبْحِ مِنْهَا رَوْضَةٌ ... بَاتَتْ تُنَادِمُ بَارِقَاً وَغَمَامَا
نَجْدٌ بِهِ عَثَرَ النَّسِيمُ بِمِسْكَةٍ ... في تُرْبِهَا فَتَفَرَّقَتْ أَنْسَامَا
أبو بكر محمد بن الحسين بن باجة
فيلسوف الأندلس وإمامها في الألحان، ذمه صاحب القلائد بالتعطيل، وقال في وصفه: رمد جفن الدين، وكمد نفوس المهتدين. وأطنب في الثناء عليه صاحب المسهب والسمط، وكان جليل المقدار وقد استوزره أبو بكر بن تيفاويت ملك سرقسطة، وأكثر ابن باجة من رثائه، وغنى بها في ألحان ميكية، من ذلك قوله:سَلامٌ وَإِلْمَامٌ وَرُوحٌ وَرَحْمَةٌ ... عَلَى الجَّسَدِ النَّائِي الذي لا أَزُورُهُ
أَحَقَّاً أَبَا بَكْرٍ تَقَضَّى فَمَا يُرَى ... تَرُدُّ جَمَاهِيرَ الوُفُودِ سُتُورُهُ
لَئِنْ أَنِسَتْ تِلْكَ القُبُورُ بِقَبْرِهِ ... لَقَدْ أَوْحَشَتْ أَمْصَارُهُ وَقُصُورُهُ
وقوله:
يَا صَدَىً بِالثَغْرِ جَاوَرَهُ ... رِمَمٌ بُورِكْنَ مِنْ رِمَمِ
صَبَّحَتْكَ الخَيْلُ غَادِيَةً ... وَأَثَارَتْكَ فَلَمْ تَرِمِ
قَدْ طَوَى ذَا الدَّهْرُ بِزَّتَّهُ ... عَنْكَ فَالْبِسْ بِزَّةَ الكَرَمِ
تلميذه أبو عامر
محمد بن الحمارة الغرناطي
برع في علم الألحان، واشتهر عنه أنه كان يعمد للشعراء ، فيقطع العود بيده، ثم يصنع منه عوداً للغناء، وينظم الشعر، ويلحنه، ويغني به، ومن شعره قوله وهو غايةٌ في علو الطبقة:إذَا ظَنَّ وَكْرَاً مُقْلَتِي طَائِرُ الكَرَىرَأَى هُدْبَهَا فَارْتَاعَ خَوْفَ الحَبَائِلِ
وقوله في رثاء زوجته:
وَلَمَّا أَنْ حَلَلْتِ التُّرْبَ قُلْنَا ... لَقَدْ ضَلَّتْ مَوَاقِعَهَا النُّجُومُ
أَلا يَا زَهْرَةً ذَبُلَتْ سَرِيعاً ... أَضَنَّ المُزْنُ أَمْ رَكَدَ النَّسِيمُ
الشعراء
مطرف بن مطرف
اجتمع به والدي، وأثنى عليه في طريقة الشعر، وذكر أنه قتله النصارى في الوقعة التي كانت سنة تسع وستمائة ، وأنشد له قوله:أَنَا صَبُّ كَمَا تَشَاءُ وَتَهْوَى ... شَاعِرٌ مَاجِنٌ خَلِيعٌ جَوَّادُ
أَرْضَعَتْنِي العِرَاقُ ثَدْيَ هَوَاهَا ... وَغَذَتْنِي بِظَرْفِهَا بَغْدَادُ
رَاحَتِي لَوْعَتِي وَإِنْ طَالَ سُقُمٌ ... وَتَوَالَى عَلَى الجُفُونِ سُهَادُ
سُنَّةٌ سَنَّهَا قَدِيمَاً جَمِيلٌ ... وَأَتَى المُحْدَثُونَ مِثْلِي فَزَادُوا
نزهزن بنت القلاعي
شاعرة ماجنة كثيرة النوادر، وهي التي قالت لأبي بكر بن قزمان الزجال، وقد أتى بغفارة صفراء، وكان قبيح المنظر: أصبحت كبقرة بني إسرائيل ولكن لا تسر الناظرين، ودخل الكتندي على الأعمى المخزومي، وهي تقرأ عليه، فقال للمخزومي أجز:لو كنت تبصر من تكلمه .
فأفحم الأعمى ولم يحر جواباً.
فقالت نزهون:
... لَغَدَوْتَ أَخْرَسَ مِنْ خَلاَخِلِهِ
البَدْرُ يَطْلَعُ مِنْ أَزِرَّتِهِ ... وَالغُصْنُ يَمْرَحُ في غَلائِلِهِ
الأهداب
موشحة مشهورة لعبد الرحيم بن الفرس الغرناطييَا مَنْ أُغَالِبُهُ وَالشَّوْقُ أَغْلَبُ
وَأَرْتَجِي وَصْلَهُ وَالنَّجْمُ أَقْرَبُ
سَدَدْتَ بَابَ الرِّضَا عَنْ كُلِّ مَطْلَبٍ
زُرْنِي وَلَوْ في المَنَامِ وَجُدْ وَلَوْ بِالسَّلامِ
فَأَقَلُّ القَلِيلِ يَبْقَي ذَمَاءَ المُسْتَهَامِ
كَمْ ذَا أُدَارِي الهَوَى وَكَمْ أُعَانِيهِ
وَلَوْ شَرَحْتُ القَلِيلَ مِنْ مَعَانِيهِ
أَمْلَلْتُ أَسْمَاعَكُمْ مِمَّا أُرَانِيهِ
هَيْهَاتَ بَاعُ الكَلامِ مَا إنْ يَفِي بِغَرَامِ
أَيْنَ قَالٌ وَقِيلْ عَنْ زَفْرَتِي وَهُيَامِي
أَمَّا هَوَاكُمْ فَفِي قَلْبِي مَصُونُ
لَيْسَتْ مُرَجَّمَةً فِيهِ الظُّنُونْ
إِنْ لَمْ أَصُنْهُ أَنَا فَمَنْ يَكُونْ
نَزَّهْتُ فِيهِ مَقَامِي عَنْ خَوْضِ أَهْلِ المَلامِ
أَيْنَ مِنِّي جَمِيلْ وَعُرْوَةُ بْنِ حِزَامِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة إلبيرة
وهو:كتاب الحوش، في حلي قرية شوش
قرية مشهورة على نهر كبير يمر على مدينة إستجة ويصب في نهر قرطبة، منها:أبو المخشي عاصم بن زيد
بن يحيى بن حنظلة بن علقمة بن عدي بن زيد التميمي ثم العبادي
من المسهب: أن أباه دخل الأندلس من المشرق مع جند دمشق، فنزل بقرية شوش، ونشأ ابنه على قول الشعر، واشتهر به، إلا أنه كان جسوراً على الأعراض، فقطع لسانه هشام بن عبد الرحمن سلطان الأندلس، وانجبر قليلاً، واقتدر على الكلام، وكان الشعراء يطعنون في نسبه بالنصرانية، ولما قال فيه ابن هبيرة:أقُلْفَتُكَ الَّتِي قُطِعَتْ بِشَوْشٍ ... دَعَتْكَ إلَى هَجَائِي وَانْتِضَالِي
أجابه بقوله:
سَأَلْتَ وَعَنْدَ أُمِّكَ مِنْ خِتاني ... بَيَانٌ كَانَ يَشْفِي مِنْ سُؤَالِي
فغلب عليه.
وكان الذي غاظ عليه هشام بن عبد الرحمن أنه قال في مدح أخيه سليمان المباين له:
وَلَيْسَ كَمِثْلِ مِنْ إنْ سِيْمْ عُرْفاً ... يُقَلِّبُ مُقْلَةً فِيهَا اعْوِرَارُ
وكان هشام أحول، فاغتاظ، وركب منه ما ركب من المثلة، وكبر ذلك على أبيه عبد الرحمن وعنفه عليه، وأحسن إلى أبي المخشي.
وذكر ابن حيان: أنه مات في دولة الحكم بن هشام، وأنشد له الحميدي:
وَهَمٍّ ضَافَنِي في جَوْفِ يَمٍّ ... كِلاَ مَوْجَيْهِمَا عِنْدِي كَبِيرُ
فَبِتْنَا وَالقُلُوبُ مُعَلَّقَاتٌ ... وَأَجْنِحَةُ الرِّيَاحِ بِنَا تَطِيرُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:كتاب السحب المنهلة، في حلي قرية عبلة
من قرى غرناطة، ينسب إليها:عبد الله العبلي
شاعر جاء ذكره في كتاب المقتبس لابن حيان، كان يناضل أهل غرناطة عن شعراء إلبيرة في تلك الفتن، ومما قاله فيها قوله:مَنَازِلُهُمْ مِنْهُمْ قِفَارٌ بَلاقِعُتُجَارِي السَّفَا فِيهَا الرِّيَاحُ الزَّعَازِعُ
وَفي القَلْعَةِ الحَمْرَاءِ تَبْدِيدُ جَمْعِهِمْوَمِنْهَا عَلَيْهِمْ تَسْتَدِيرُ الوَقَائِعُ
كَمَا جَدَّلَتْ آبَاءَهُمْ في خَلائِهَا ... أَسنَّتُهَا وَالمُرْهَفَاتُ القَوَاطِعُ
فهاجت هذه القصيدة أحقادهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة إلبيرة
وهو:كتاب نقش الراحة، في حلي قرية الملاحة
من قرى غرناطة، ينسب إليها:أبو القاسم محمد بن عبد الواحد الملاحي
مؤرخ غرناطة وأديبها، وأدركه والي، وله تاريخ غرناطة ومن شعره قوله:أَهْلاً وَسَهْلاً بِالحَبِيبِ الزَّائِرِ ... يَفْدِيهِ سَمْعِي وَالفُؤَادُ وَنَاظِرِي
مَا ضَرَّ لَيْلاً زَارَنِي في جُنْحِهِ ... أَنْ لَيْسَ يُسْفِرُ عَنْ هِلالٍ زَاهِرِ
عَانَقْتُهُ فَكَأَنَّ كَفِّي لَمْ تَزَلْ ... مِنْ نَشْرِهِ في زَهْرِ رَوْضٍ عَاطِرِ
حَتَّى إذَا مَا الصُبْحُ لاحَ وَغَرَّدَتْ ... طَيْرٌ أَثَرْنَ بِشُجُونِهِنَّ سَرَائِرِي
وَلَّى انْفِصَالاً عَنْ مَسَارِحِ نَاظِرِي ... لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ خَاطِرِي
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة إلبيرة
وهو:كتاب الروض المزدان، في حلي قرية همدان
قرية كبيرة في نطاق غرناطة، نزلها همدان. منها:أبو بكر محمد بن أحمد
الأنصاري المشهور بالأبيض
من المسهب. أصله من قرية همدان، وتأدب بإشبيلية وقرطبة، وهو شاعر مشهور وشَّاح، حسن التصرف هجَّاء، وولع بهجاء الزبير الملثم صاحب قرطبة، فمن ذلك قوله:عَكَفَ الزُّبَيْرُ عَلَى الضَلاَلَةِ جَاهِداً وَوَزِيرُهُ المَشْهُورُ كَلْبُ النَّارِ
مَازَالَ يَأْخُذُ سَجْدَةً في سَجْدَةٍ ... بَيْنَ الكُؤُوسِ وَنَغْمَةِ الأَوْتَارِ
فَإِذَا اعْتَرَاهُ السَّهْوُ سَبَّحَ خَلْفَهُ ... صَوْتُ القِيَانِ وَرَنَّةُ المِزْمَارِ
وقوله:
قَالُوا الزُّبَيْرُ مُبَرَّصٌ فَأَجَبْتًهُمْ ... لاتُنْكِرُوهُ ، فَدَاؤُهُ مِنْ عِنْدِهِ
رَضِعَتْ مَبَاعِرُهُ.. فَأَكْثَرَتْ ... حَتَّى بَدَا رَشْحُ... بِجِلْدِهِ
ويخرج من كلامه أن الزبير قتله .
وهجا ابن حمدين قاضي قرطبة بقوله:
يُرِيدُ ابْنُ حَمْدِينَ أَنْ يُعتَفَى ... وَجَدْوَاهُ أَنْأَى مِنَ الكَوْكَبِ
إذَا ذُكِرَ الجُودُ حَكَّ أَسْتَهُ ... لِيُثْبِتَ دَعْوَاهُ في تَغْلِبِ
يشير بهذا إلى قول جرير في الأخطل التغلبي:
وَالتَّغْلِبِيُّ إذَا تَنَحْنَحَ لِلْقِرَى ... حَكَّ أَسْتَهُ وَتَمَثَّلَ الأَمْثَالا
ومن أحسن شعره قوله في مولود:
يَا خَيْرَ مَعْنٍ وَأَوْلاهَا بِعَارِفَةٍللهِ نُعْمَاءُ عَنْهَا الدَّهْرُ قَدْ نَعَسَا
لِيَهْنِكَ الفَارِسُ المَيْمُونُ طَائِرُهُ ... للهِ أنْتَ لَقَدْ أَذْكَيْتَهُ قَبَسَا
أَصَاخَتِ الخَيْلُ آَذَاناً لِصَرْخَتِهِ ... وَارْتَاعَ كُلُّ هِزَبْرٍ عِنْدَمَا عَطَسَا
تَعَلَّمَ الرَّكْضَ أَيَّامَ المَخَاضِ بِهِفَمَا امْتَطَى الخَيْلَ إِلاَّ وَهُوَ قَدْ فَرَسَا
تَعَشَّقَ الدِّرْعَ إذْ شُدَّتْ لَفَائِفُهُوَأَنْكَرَ المَهْدَ لَمَّا عَايَنَ الفَرَسَا
بَشِّرْ قَبَائِلَ مَعْنٍ أَنَّ سَيِّدَهَاقَدْ أَثْمَرَ المُلْكَ بِالمَجْدِ الذي غَرَسَا
؟
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:؟؟؟؟؟
الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:كتاب في حلي حصن شلوبينية
من حصون غرناطة البحرية، منها:أبو علي عمر بن محمد الشلوبيني
إمام نحاة المغرب. قرأت عليه بإشبيلية وله شرح الجزولية وغيرها، وشعره على تقدمه في العربية في نهايةٍ من التخلف، وأحسن ما سمعته منه قوله في غلام كان يهواه ويتغزل فيه، اسمه قاسم:وَمِمَّا شَجَا قَلْبِي وَفَضَّ مَدَامِعِيهَوَىً قَدَّ قَلْبِي إِذْ كَلِفْتُ بِقَاسِمِ
وَكُنْتُ أَظُّنُّ المِيمَ أَصْلاً فَلَمْ تَكُنْوَكَانَتْ كَمِيمٍ أُلْحِقَتْ في الزَّرَاقِمِ
والزراقم: الحيات مشتقةٌ من الزرقة . وله في إقرائه نوادر مضحكة أعجبها أن ابن الصابوني شاعر إشبيلية كان يلقب بالحمار، ويحرد، فلاججه يوماً في مسألةٍ، فقال له: كذا هي يا حمار يا حمار، إلى أن تدرج حتى قال يا ملْ السموات والأرض حميرا، ثم جعل إصبعيه في أذنيه وزحف إلى أذيال الحصر وهو ينهق كالحمار، وقد بلغني أنه مات رحمه الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثامن
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:كتاب المسرات، في عمل البشرات
ينقسم إلى: كتاب الثنايا العذاب، في حلي حصن العقاب كتاب البلور، في حلي حصن بلور كتاب الربوع المسكونة، في حلي قرية ركونةبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب عمل البشرات
وهو: كتاب الذهب المذاب، في حلي حصن العقاب ينسب إليه:أبو إسحاق إبراهيم بن مسعود
من المسهب: هو من حصن العقاب، وكان قد اشتهر في غرناطة اسمه، وشاع علمه، وارتسم بالصلاح، وكان ينكر على ملكها كونه استوزر ابن نغرلة اليهودي وعلى أهل غرناطة انقيادهم له، فسعى في نفيه إلى إلبيرة، فقال شعره المشهور :أَلا قُلْ لِصِنْهَاجَةٍ أَجْمَعِينْ ... بُدُورِ الزَّمَانِ وَأُسْدِ العَرِينْ
لَقَدْ زَلَّ سَيِّدُكُمْ زَلَّةً ... أَقَرَّ بِهَا أَعْيُنَ الشَّامِتينْ
تَخَيَّرَ كَاتِبَهُ كَافِرَاً ... وَلَوْ شَاءَ كَانَ مِنَ المُسْلِمِينْ
فَعَزَّ اليَهُودُ بِهِ وَانْتَخَوْا ... وَكَانُوا مِنَ العِتْرَةِ الأَرْذَلِينْ
فاشتهر هذا الشعر وثارت صنهاجة على اليهودي فقتلوه، وعظم قدر أبي إسحاق. وفي ملازمته سكنى العقاب يقول:
أَلِفْتُ العُقَابَ حَذَارِ العِقَابِ ... وَعِفْتُ المَوَارِدَ خَوْفَ الذُّبَابِ
وَأَبْغَضْتُ نَفْسِي لِعِصْيَانِهَا ... وَعَاقَبْتُهَا بِأَشَدِّ العِقَابِ
فَكَمْ خَدَعَتَنْي عَلَى أنَّنِي ... بَصِيرٌ بِطُرُقِ الخَطَا وَالصَّوَابِ
فَلَسْتُ عَلَى الأمْنِ مِنْ غَدْرِهَا ... وَلَوْ حَلَفَتْ لِي بِآَيِ الكِتَابِ
وقوله:
قَالُوا أَلا تَسْتَجِيدُ بَيْتاً ... تَعْجَبُ مِنْ حُسْنِهِ البُيُوتُ
فَقُلْتُ مَا ذَاكُمُ صَوَابٌ ... حَفْشٌ كَثِيرٌ لَنْ يَمُوتُ
لَوْ لا شِتَاءٌ وَلَفْحُ قَيْظٍ ... وَخَوْفُ لِصٍّ وَحِفْظُ قُوتٍ
وَنِسْوَةٍ يَبْتَغِينَ سِتْرَاً ... بَنَيْتُ بِنْيَانَ عَنْكَبُوتٍ
وله ديوان ملآن من أشعار زهدية، ولأهل الأندلس غرام بحفظها.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب أعمال البشرات
وهو:كتاب البلور، في حلي حصن بلور
منها:أبو عبد الله محمد بن عبادة
المعروف بابن القزاز
من الذخيرة: من مشاهير الأدباء والشعراء، وأكثر ما اشتهر في الموشحات، الغرض من نظمه قوله في المعتمد بن عباد وقد جرحت كفه يوم الزلاقة الذي كان على النصارى:ثَنَاؤُكَ لَيْسَ تَسْبِقُهُ الرِّيَاحُ ... يَطِيرُ وَمِنْ نَدَاكَ لَهُ جَنَاحُ
لَقَدْ حَسُنَتْ بِكَ الدُّنْيَا وَشَبَّتْ ... فَغَنَّتْ وَهِيَ نَاعِمَةٌ رَدَاحُ
تَطِيبُ بِذِكْرِكَ الأَفْوَاهُ حَتَّى ... كَأَنَّ رِضَابَهَا مِسْكٌ وَرَاحُ
مَلَكْتَ عَنَانَ دَهْرِكَ فَهُوَ جَارٍ ... كَمَا تَهْوَى فَلَيْسَ لَهُ جِمَاحُ
ومنها:
جَلَبْتَ إلَى الأَعَادِي أُسْدَ غَابٍ ... بَرَاثِنُهَا الأسِنَّةُ وَالصِّفَاحُ
وَقَفْتَ وَمَوْقِفُ الهَيْجَاءِ ضَنْكٌ ... وَفِيهِ لِبَاعِكَ الرَّحْبِ انْفِسَاحُ
وَأَلْسِنةُ الأَسِنَّةِ قَائِلاتٌ ... إذَا ظَهَرَ المُؤَيَّدُ لابَرَاحُ
ومنها:
وَقَالُوا كَفُّهُ جُرِحَتْ فَقُلْنَا ... أَعَادِيهِ تُوَافِقُهَا الجِرَاحُ
وَمَا أَثَرُ الجِرَاحةِ مَا رَأَيْتُمْ ... فَتُوهِنَهَا المَنَاصِلُ وَالرِّمَاحُ
وَلَكِنْ فَاضَ سَيْلُ الجُودِ فيهَا ... فَأَمْسَى في جَوَانِبِهَا انْسِيَاحُ
وَقَدْ صَحَّتْ وَسَحَّتْ بِالأَمَانِي ... وَفَاضَ الجُودُ مِنْهَا وَالسَّمَاحُ
ومن شعره قوله:
يَا دَوْحَةً بِظِلالِهَا أَتَفَيَأُ ... بَلْ مَعْقِلاً آوِي إِلَيْهِ وَأَلْجَأُ
رَمَدَتْ جُفُونِي مُذْ حَلَلْتُ هُنَا وَلَوْكُحِّلَتْ بِرُؤْيَتِكُمْ لَكَانَتْ تَبْرَأُ
ومنها:
لَمْ أَخْتَرِعْ فيكَ المَدِيحَ وَإنَّمَا ... مِنْ بَحْرِكَ الفيَّاضِ هَذَا اللُؤْلُؤُ
ومن موشحاته قوله:
أَذَابَ الخَلَدْ ... نَهْدٌ مُنَهَّدْ
وَغُصْنٌ تَأَوَّدْ ... في دِعْصٍ مُلَبَّدْ
عَنْ سُقْمٍ مُكْمَدْ
لاهْ
فَدَعْ عَذْلِي ... يَا مَنْ يَلُومُ
فَلَوْمُكَ لِي ... في الحُبِّ لُوْمُ
أَقْصَى أَمَلِي ... ظَبْيٌ رَخِيمُ
ابْتَزَّ الجَلَدْ ... بِلَحْظٍ مُرَقَّدْ
ولِمَّةٍ عَسْجَدْ ... قَتْلَى قَدْ تَعَمَّدْ
دَمِي تَقَلَّدْ
آهْ
وَلَمَّا انْبَرَى ... لِلْعَامِرِيِّ
خَيَالٌ سَرَى ... فَعَلَ الكَمِيِّ
شَدَوْتُ الوَرَى ... شَدْوَ الشَّجِيِّ
البَدْرُ سَجَدَ ... وَالرِّيمُ أسْجَدْ
لِنَعْلَى مُحَمَّدْ ... بِالخَدِّ المُوَرَّدْ
وَالجِيدِ الأَغْيَدْ
تاهْ
وموشحته:
صِلْ يَا مُنَى المُتَيَّمِ مَنْ رَاحْ ... مَقْصُوصَ الجَنَاحْ
صَاغَ الجَمَالَ مِنْ كُلِّ لأْلاءِ
خَدٌ أَدِيمُهُ مِنَ الصَّهْبَاءِ
وَوَجْنَةٌ أَرَقُّ مِنَ المَاءِ
كَأنَّهَا شَقِيقَةُ تُفَّاحْ ... لَمْ تُلْمَسْ بِرَاحْ
ومنها:
لَمَّا صَدَرْتَ عَنْ مَوْقِفِ الزَّحْفِ
غَازَلْتَ شَادِناً جَائِرَ الطَّرْفِ
وَقُلْتَ ثَابِعاً سُنَّةَ الظَّرْفِ
بِالحَرَمْ يَا رَشَا مَنْ سَقَا الرَّاحْ ... عَيْنَيْكْ المِلاحْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
منكتب عمل البشرات
وهو:كتاب الربوع المسكونة، في حلي قرية راكونة
منها:حفصة بنت الحاج الركونية
ذكر الملاحي في تاريخه: أنها دخلت على عبد المؤمن وأنشدته، وقد استنشدها من شعرها:امْنُنْ عَلَيَّ بِطِرْسٍ ... يَكُونُ في الدَّهْرِ عُدَّهْ
تَخُطُّ يُمْنَاكَ فيهِ ... الحَمْدُ للهِ وَحْدَهْ
وقد تقدم شعرها مع أبي جعفر بن سعيد الذي كان يهواها ويتغزل فيها وبسببها قتل، قتله عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة وكان مشاركاً له في هواها.
ومن رقيق شعرها قولها:
سَلامٌ يُفَتَّحُ عَنْ زَهْرِهِ ال ... كِمَامُ وَيُنْطِقُ وُرْقَ الغُصُونْ
عَلَى نَازِحٍ قَدْ ثَوَى في الحَشَا ... وَإِنْ كَانَ تُحْرَمُ مِنْهُ الجُفُونْ
فَلا تَحْسَبُوا البُعْدَ يُنْسِيكُمُ ... فَذَلِكَ وَاللهِ مَا لا يَكُونْ
وقولها:
وَلَوْ لَمْ تَكُنْ نَجْماً لَمَا كَانَ نَاظِرِيوَقَدْ غِبْتَ عَنْهُ مُظْلِماً بَعْدَ نُورِهِ
سَلامٌ عَلَى تِلْكَ المَحَاسِنِ مِنْ شَجٍ ... تَنَاءَتْ بِنُعْمَاهُ وَطِيبِ سُرُورِهِ
وقولها:
سَلُوا البَارِقَ الخَفَّاقَ وَاللَّيْلُ سَاكِنٌأَظَلَّ بِأَحْبَابِي يُذَكِّرُنِي وَهْنَا
لَعَمْرِي لَقَدْ أَهْدَى لِقَلْبِيَ حَفْقَهُوَأَمْطَرَ عَنْ مُنْهَلِّ عَارِضِهِ الجَفْنَا
وكتبت إلى عثمان بن عبد المؤمن وقد استأذنت عليه في يوم العيد:
يَا ذَا العُلا وَابْنَ الخَلِي ... فَةِ وَالإِمَامِ المُرْتَضَى
يَهْنِيكَ عِيدٌ قَدْ جَرَى ... مِنْهُ بِمَا تَهْوَى القَضَا
وَافَاكَ مَنْ تَهْوَاهُ في ... طَوْعِ الإِجَابَةِ وَالرِّضَا
واستأذنت على أبي جعفر بن سعيد بقولها:
زَائِرٌ قَدْ أتَى بِجِيدِ الغَزَالِ ... مُطْلِعٌ تَحْتَ جُنْحِهِ لِلْهِلالِ
بِلِحَاظٍ مِنْ سِحْرِ بَابِلَ صِيغَتْ ... وَرُضَابٍ يَفُوقُ بِنْتَ الدَّوَالِي
يَفْضَحُ الوَرْدَ مَا حَوَى مِنْهُ خَدٌّ ... وَكَذَا الثَّغْرُ فَاضِحٌ لِلآَلِي
مَا تَرَى في دُخُولِهِ بَعْدَ إِذْنٍ ... أَوْ تَرَاهُ لِعَارِضٍ في انْفِصَالِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب التاسع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:كتاب الرياش، في حلي وادي آش
ينقسم إلى أربعة كتب: كتاب...، في مدينة آش كتاب الجمانة، في حلي حصن جليانة كتاب انعطاف الخمصانة في حلى حصن منتانة كتاب مطمع الهمة، في حلي قرية جمةبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب وادي آش
وهو:كتاب...، في مدينة آش
السلك
من الوزراء
الوزير أبو محمد عبد الله بن شعبة
كان لأبي محمد عبد الله بن شعبة الوادي آشي ابنٌ شاعر فعرض عليه شعراً نظمه فأعجبه، فقال:شِعْرُكَ كَالبُسْتَانِ في شَكْلِهِ ... يَجْمَعُ بَيْنَ الآسِ وَالوَرْدِ
فَاصْنَعْ بِهِ إِنْ كُنْتَ لِي طَائِعَاً ... مَا يَصْنَعُ الفَاِرسُ بِالبَنْدِ
ومن شعره قوله:
أَبَى لِيَ ذَاكَ اللَّحْظُ أَنْ أَعْرِفَ الصَّبْرَافَأَبْدَيْتُ أَشْجَانِي وَلَمْ أَكْتُمِ السِّرَّا
وَبِتُّ كَمَا شَاءَ الغَرَامُ مُسَهَّداًوَلِي مُقْلَةٌ عَبْرَى، وَلِي مُهْجَةٌ حَرَّى
وَلامُوا عَلَى أَنْ أَرْقُبَ النَّجْمَ حَائِراًوَمَا ذَاكَ إلاَّ أَنْ فَقَدْتُ بِكَ البَدْرَا
ومن نثره:
كَتَبْتُ
أيُّهَا السَيِّدُ الأعْلَى، وَالقَدَحُ المُعَلَّى، عَنْ شَوْقٍ يَنْثُرُ
الدُّمُوعْ، وَوَجْدٍ يَقُضُّ الضُّلُوعْ، وَوِدٍّ كَالمَاءِ الزُّلالِ لا
يَزَالُ صَافِياً، وَشُكْرٍ مِنَ الأيَّامِ وَاللَّيِالِي لا يَبْرَحُ
ضَافِيَا:
وَكَيْفَ أَنْسَى أَيَادٍ عِنْدَكُمُ سَلَفَتْوَالدَّهْرُ في نَوْمِهِ وَالسَّعْدُ يَقْظَانُ
الوزير أبو محمد عبد البر بن فرسان
كان جليل القدر، شهير الذكر، خدم أبا الحسن علي بن غانية الميورقي الذي شهرت فتنته بإفريقية، وحضر معه ومع أخيه يحيى بعده الوقائع الصعبة، وضجر، فكتب إلى يحيى :امْنُنْ بِتَسْرِيحٍ عَلَيَّ فَعَلَّهُ ... سَبَبُ الزِّيَارَةِ لِلْحَطِيمِ وَيَثْرِبِ
وَلَئِنْ تَقَوَّلَ كَاشِحٌ أنَّ الهَوَى ... دَرَسَتْ مَعَالِمُهُ وَأَنْكَرَ مَذْهَبِي
فَمَقَالَتِي مَا إنْ مَلَلْتُ وَإنَّمَا ... عُمْرِي أَبَى حَمْلَ النِّجَادِ بِمَنْكِبِي
وَعَجِزْتُ عَنْ أَنْ أَسْتَثِيرَ كَمِينَهَاوَأَشُقَّ بِالصَّمْصَامِ صَدْرَ المَوْكِبِ
ومن نثره:
وَلَمَّا تَلاقَيْنَا مَعَ القَوْمِ الذِينَ دَعَاهُمُ شَيْطَانُ الفِتْنَةِ إلَى أَنْ يَسْجِدُوا لِلْشِفَارِ وَيَحْمِلُهُمْ سَيْلُ المِحْنَةِ إلَى دَارِ البَوَارْ، أَقْبَلْنَا إقْبَالَ الرِّيحِ العَقِيمِ، مَا تَذَرْ مِنْ شَيءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَمِيمِ، فَانْجَلَتْ الحَرْبُ عَنْ تَمْزِيقِ الأعْدَاءِ كَلَّ مُمَزَّقٍ، وَأبْصَرْنَاهُمُ كَصَرْعَى السَّكَارَى مِنْ مُدَامِ السَّيْفِ، وَخَفَقَتْ بُنُودُنَا وَسَعْيُهُمْ أَخْفَقَ.
ومن العلماء
أبو عبد الله
محمد بن أحمد بن الحداد القيسي
من السمط: المستولي على الآماد، المجلي في حلبات الأفذاذ والأفراد، ووصفه الحجاري وابن بسام بالتفنن في العلوم ولا سيما القديمة، وديوان شعره كبير جليل، وكان أكثر عمره عند المعتصم بن صمادح ملك المرية، ثم فر عنه إلى ابن هود صاحب سرقسطة ثم عاد.ومن قصائده الجليلة قصيدته التي منها قوله:
دَعْنِي أَسِرْ بَيْنِ الأَسِنَّةِ وَالظُّبَا ... فَالقَلْبُ في تِلْكَ القِبَابِ رَهِينُ
فَلَعَلَّهُ يَرْوِي صَدَايَ بِلَحْظِهِ ... وَجْهٌ بِهِ مَاءُ الجَّمَالِ مَعِينُ
أَنْتَ الهَوَى لَكِنَّ سَلْوَانَ الهَوَى ... قَصْرُ ابْنِ مَعْنٍ وَالحَدِيثُ شُجُونُ
فَالحُسْنُ أَجْمَعُ مَا يُرِيكَ عِيَانُهُ ... لا مَا أرَتْهُ سَوَالِفٌ وَعُيونُ
وَالرَّوْضُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ سُهُولُهُ ... لا مَا أَرَتْهُ أبَاطِحٌ وَحُزُونُ
قَصْرٌ تَبَيَّنَتِ القُصُورُ قُصُورَهَا ... عَنْهُ وَفَضْلُ الأفْضَلِينَ يَبِينُ
هُوَ جَنَّةُ الدُّنْيَا تَبَوَّأَ ظِلَّهَا ... مَلِكٌ تَمَلَّكَهُ التُّقَى وَالدِينُ
فَمَنِ ابْنُ ذِي يَزْنٍ وَمَا غُمْدَانُهُ ... النَّقْلُ شَكُّ وَالعَيَانُ يَقِينُ
وفي ابن صمادح قصيدته التي أولها:
لَعَلَّكَ بِالوَادِي المُقَدَّسِّ شَاطِئٌ ... فَكَالعَنْبَرِ الهِنْدِيِّ مَا أنَا وَاطِئُ
وَلِي في السُّرَى مِنْ نَارِهِمْ وَمَنَارِهِمْ ... حَوَادٍ هَوَادٍ وَالنُّجُومُ طَوَافِئُ
وأعلى شعره قوله:
سَامِحْ أَخَالُ إذَا أَتَاكَ بِزَلَّةٍ ... فَخَلُوصُ شَيءٍ قَلَّمَا يَتَمَكَّنُ
في كُلِّ شَيءٍ آفَةٌ مَوْجُودَةٌ ... إنَّ السِّرَاجَ عَلَى سَنَاهُ يُدَخِّنُ
وكان يهوى رومية يكنى عنها بنويرة، وله فيها شعر كثير منه:
وَارَتْ جُفُونِي مِنْ نُوَيْرَةٍ كَاسِمَهَا ... نَاراً تُضِلُّ وَكُلُّ نَارٍ تُرْشِدُ
وَالمَاءُ أَنْتِ وَمَا يَصُحُّ لِقَابِضٍ ... وَالنَّارُ أَنْتِ وَفي الحَشَا تَتَوَقَّدُ
ومن الشعراء
ناهض بن إدريس
أخبرني والدي: أنه اجتمع به، وكان من مداح ناصر بن عبد المؤمن، قال: وأنشدني لنفسه من قصيدة في ابن جامع وزير مراكش:أَدْنُو إلَيْكَ وَأَنْتَ مِنِّي تَبْعُدُ ... وَتَنَامُ وَالجَفْنُ القَرِيحُ مُسَهَّدُ
وَتُطِيلُ عُمُرَ الوَجْدِ لا مِنْ عِلَّةٍ ... وَالدَّارُ دَانِيَةٌ، وَدَهْرُكَ مُسْعِدُ
هَلاَّ اخْتَلَسْتَ مِنَ اللَّيَالِي فُرْصَةًفَالحَمْدُ يَبْقَى، وَاللَّيَالِي تَنْفَذُ
وَتَقُولُ لِي مَهْمَا أَتَيْتُ إلَى غَدٍ ... يَا رَبِّ كَمْ يَأْتِي بِإِخْلافٍ غَدُ
ومن الشواعر
حمدة بنت زياد المؤدب
قال والدي: هي شاعرة جميع الأندلس، وكان عمي أحمد يقول: هي خنساء المغرب وذكرها الملاحي في تاريخ غرناطة. وأنشد لها قولها، وقد خرجت إلى وادي مدينة وادي آش مع جوار، فسبحت معهن وكان لها منهن هوىً:أَبَاحَ الدَّمْعُ أسْرَارِي بَوَادِي ... لَهُ في الحُسْنِ آَثَارٌ بَوَادِي
فَمِنْ نَهْرٍ يَطُوفُ بِكُلِّ رَوْضٍ ... وَمِنْ رَوْضٍ يَطُوفُ بِكُلِّ وَادِ
وَمِنْ بَيْنِ الظِّبَاءِ مَهَاةُ إِنْسٍ ... لَهَا لُبِّي وَقَدْ سَلَبَتْ فُؤَادِي
لَهَا لَحْظٌ تُرَقِّدُهُ لأمْرٍ ... وَذَاكَ الأَمْرُ يَمْنَعُنِي رُقَادِي
إذَا سَدَلَتْ ذَؤَائِبَهَا عَلَيْهَا ... رَأَيْتَ البَدْرَ في أُفْقِ الدَآَدِ
كَأَنَّ الصُبْحَ مَاتَ لَهُ شَقِيقٌ ... فَمِنْ حُزْنٍ تَسَرْبَلَ بِالسَوَادِ
وأحسن شعرها قولها:
وَلَمَّا أَبَى الوَاشُونَ إلاَّ فُرَاقَنَا ... وَمَا لَهُمْ عِنْدِي وَعِنْدَكَ مِنْ ثَارِ
وَشَنُّوا عَلَى أَسْمَاعِنَا كُلَّ غَارَةٍ ... وَقَلَّ حُمَاتِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَنْصَارِي
غَزَوْتُهُمُ مِنْ مُقْلَتَيْكَ وَأَدْمُعِيوَمِنْ نَفْسِي بِالسَّيْفِ وَالمَاءِ وَالنَّارِ
الأهداب
موشحة لابن نزار ، وتروى لابن حزمون
اشْرَبْ عَلَى نَغْمَةِ المَثَانِي ثَانِوَلا تَكُنْ في هَوَى الغَوَانِي وَانِ
وَقُلْ لِمَنْ لامَ في مَعَانِ عَانِ
مَاذَا مِنَ الحُسْنِ في بُرُودِ رُودِ
يَهِيجُ وَجْدِي إذَا الأَنَامُ نَامُوا
قَوْمٌ إذَا عَسْعَسَ الظَّلامُ لامُوا
وَمَا بِهِ هَامَ مُسْتَهَامُ هَامُوا
فَقُلْ لِعَيْنٍ بِلا هُجُودِ جُودِي
أَفْنَيْتُ في الرَّوْنَقِ الصَّقِيلِ قِيلِي
يَا رَبَّةَ المَنْظَرِ الجَّمِيلِ مِيلِي
فَإنَّمَا أَنْتِ وَالرَّسُولِ سولِي
رَأَيْتُ في وَجْهِكِ السَّعِيدِ عِيدِي
وَلَيْلَةٍ قَدْ لَثَمْتُ شَارِبْ شَارِبْ
سُرَّ فَتَىً في عُلَى المَرَاتِبِ رَاتِبْ
فَقُلْتُ وَالنَّجْمُ في المَغَارِبِ غَارِبْ
يَا لَيْلَةَ الوَصْلِ وَالسُّعُودِ عُودِي
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:عمل وادي آش
وهو:كتاب الجمانة، في حلي حصن جليانة
خصه الله بالتفاح الذي يضرب به المثل في الأندلس، ومنه:أبو محمد عبد الله بن عذرة
أخبرني والدي: أن هذا البيت له حسب شهير، ومال غزير، ونجب منه أبو محمد بالكرم والأدب، وجرى عليه أن أسره النصارى، وطالبوه بجملة عظيمة، فكتب في ذلك لناصر بني عبد المؤمن فأمر ألا يسمع منه في إعطاء هذا المال العظيم، فإن فيه تقوية للعدو، فبات في طليطلة أسيراً، وكتب من موضع أسره إلى بلده:لَوْ كُنْتَ حَيْثُ تُجِيبُنِي ... لأَذَابَ قَلْبَكَ مَا أقُولْ
يَكْفِيكَ مِنِّي أنَّنِي ... مَا أسْتَقِلُّ مِنَ الكُبُولْ
وَتِجَاهَ لَحْظِي أَلْفُ لَحْ ... ظٍ كَيْ أَقَرَّ وَلا أَزُولْ
وَإذَا أَرَدْتُ رِسَالَةً ... لَكُمُ فَمَا أُلفِي رَسُولْ
هَذَا وَكَمْ بِتْنَا وَفِي ... أَيْمَانِنَا كَأْسُ الشَّمُولْ
وَالعُودُ يَخْفِقُ وَالدُّخَا ... نُ العَنْبَرِيُّ بِهِ يَجُولْ
حَالَ الزَّمَانُ وَلَمْ أَزَلْ ... مُذْ كُنْتُ أَعْهَدُهُ يَحُولْ
ومن شعره:
يَعُضُّ بِرِجْلِيَّ الحَدِيدُ وَلَيْسَ لِي ... حَرَاكٌ لِمَا أَبْغِي وَلا أَتَنَقَّلُ
وَقَدْ مَنَعَ السُّلْطَانُ مَالِي لِفِدْيَةٍفَمَاذَا الذي يُغْنِي الغِنَى وَالتَحَوُّلُ
أبو عمرو محمد بن علي بن البراق
أخبرني والدي: أن بني البراق أعيان جليانة، فإن أبا عمرو هذا من سراتهم، خصه الله بالأدب.وأنشد له الملاحي في تاريخه قوله:
يَا سَرْحَةَ الحَيِّ يَا مَطُولُ ... شَرْحُ الذي بَيْنَنَا يَطُولُ
وَلِي دُيُونٌ عَلَيْكَ حَلَّتْ ... لَوْ أَنَّهُ يَنْفَعُ الحُلُولُ
وأنشدني والدي قوله، وقد قعد مع أحد الأعيان على نهرٍ لراحة:
انْظُرْ إلَى الوَادِي الذي مُذْ غَرَّدَتْ ... أَطْيَارُهُ شَقَّ النَّسِيمُ ثِيَابَهُ
أَتُرَاهُ أَطْرَبَهُ الهَدِيلُ وَزَادَهُطَرَبَاً وَحَقِّكَ أَنْ حَلَلْتَ جَنَابَهُ
أبو الحسن على بن مهلهل الجلياني
أخبرني والدي: أنه وجد له قصيدة يمدح بها أبا بكر بن سعيد صاحب أعمال غرناطة في مدة الملثمين.ومنها:
لَوْلا النُّهُودُ لَمَا بَرَاكَ تَنَهُّدُ ... وَعَلَى الخَدُودِ القَلْبُ مِنْكَ يُخَدَّدُ
يَا نَافِذَاً قَلْبِي بِسَهْمِ جُفُونِهِ ... مَالِي عَلَى سَهْمٍ رَمَيْتَ تَجَلُّدُ
ومنها في المدح:
وَإذَا بَلَغْتَ إلَى السَّمَاءِ فَزدْ عُلاً ... كَيْمَا يُغَاظَ بِكَ العَلا وَالحُسَّدُ
أَجْرُوا حَدِيثَكَ في قُلُوبٍ تَلْتَظِي ... وَرَنَوْا إِلَيْكَ بِأَعْيُنٍ لا تَرْقُدُ
كَمْ أَوْقَدُوا لَكَ مِنْ لَظَىً بِسِعَايَةٍ ... وَاللهُ يُطْفِيءُ كُلَّ نَارٍ تَوقَدُ
وَأَرَاكَ تَبْلُغُ مَا تُرِيدُ بِرَغْمِهِمْ ... وَنُفُوسُهُمْ مِنْ حَسْرَةٍ تَتَصَعَّدُ
وَكَفَاهُمُ دَمٌ يُنَاطُ بِذِكْرِهِمْ ... وَكَفَاكَ أَنَّكَ في المَحَافِلِ تُحْمَدُ
فَتَرَاهُمُ مَعَ كَدِّهِمْ في وَهْدَةٍ ... وَتَرَاكَ دُونَ الكَدِّ دَهْرَكَ تَصْعَدُ
ومنها:
قَالَ العُدَاةُ وَقَدْ لَهَجْتُ بِحَمْدِهِ ... مَنْ ذَا الذي تَعْنِي فَقُلْتُ مَحَمَّدُ
الأهداب
من موشحة لابن مهلهل
النَّهْرُ سَلَّ حُسَامَاً عَلَى قُدُودِ الغُصُونِوَلِلْنَّسِيمِ مَجَالُ
وَالرَّوْضُ فِيهِ اخْتِيَالُ
مُدَّتْ عَلَيْهِ ظِلالُ
وَالزَّهْرُ شَقَّ كِمَامَا وَجْداً بِتِلْكَ اللُّحُونِ
أَمَا تَرَى الطَّيْرَ صَاحَا
وَالصُّبْحَ في الأُفْقِ لاحَا
وَالزَهْرَ في الرَّوْضِ فَاحَا
وَالبَرْقَ سَاقَ الغَمَامَا تَبْكِي بِدَمْعٍ هَتُونِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث:
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب وادي آش
وهو:كتاب انعطاف الخمصانة، في حلي حصن منتانة
منه:أبو الوفاء زياد بن خلف
من فضلاء عصرنا، رأس في بلده، وهو موصوف بالكرم والجود والأدب.ومن شعره قوله:
دَعُونِي إِذَا مَا الخَيْلُ جَالَتْ فَإنَّ لِي ... هُنَاكَ بِسَيْفِي جِيئَةٌ وَذَهَابُ
إذَا المَرْءُ لَمْ يَسْمَحْ لَدَى الحَرْبِ سَاعَةًبِعِيشَتِهِ فَلْيُصْغِ حِينَ يُعَابُ
لِيَ اللهُ لِمْ أَوْرَدْتُ طَرْفِي مَوَارِداًيُصِيبُ لَدَيْهَا المَرْءُ حِينَ يُصَابُ
أَقلُّوا عَلَيْنَا فَالحَيَاةُ خَسِيسَةٌ ... وَعُمْرُ الفَتَى دُونَ العَلاءِ خَرَابُ
سَيَبْلُغُ ذِكْرِي الخَافِقَيْنِ بَسَالةً ... وَجُودَاً وَإِلاَّ فَالثَنَاءُ كِذَابُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب عمل وادي آش
وهو:كتاب مطمح الهمة، في حلي قرية جمة
في نهاية من الحسن، منها:أبو الوليد إسماعيل بن عبد الدائم
أخبرني والدي: أنه كان شاعراً حسن النادرة، مداحاً لأبي سعيد بن عبد المؤمن ملك غرناطة، ومن شعره قوله:السَّعْدُ يُدْنِي كُلَّ شَيْءٍ رُمْتَهُ ... وَبِنَاؤُهُ هَيْهَاتَ أَنْ يَتَهَدَّمَا
وَالجُودُ يَجْذِبُ كُلَّ مَنْ أَبْصَرْتَهُ ... لا تُنْكِرَنْ حَوْلَ المَوَارِدِ حَوَّمَا
لَوْ تَسْتَجِيزُ صَلاتَنَا وَصِيَامَنَا ... صَلَّى إِذَنْ كُلُّ الأَنَامِ وَسَلَّمَا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب العاشر
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:كتاب حلي الصياغة، في حلي باغة
البساط
ذكر الرازي: أنها طيبة الزرع، كثيرة الثمار، غزيرة المياه، منبسجة بالعيون،ولمائها خاصية ينعقد حجراً في حافات جداوله، التي يتمادى فيها جريه، ويجود فيه الزعفران. قال ابن شهيد: هي كثيرة الأعناب، وخمرها مشهورة.العصابة
ذكر الحجاري: أنه ثار فيها على عبد الله بن بلقين صاحب المملكة الغرناطية أيوب بن مطروح ولما أن أخذها منه يوسف بن تاشفين أدخل رأسه تحته، وحرك، فوجد قد مات كمداً.السلك
من كتاب ذوي البيوت
أبو زكريا يحيى بن مطروح
من المسهب: من بيت إمارة، انحاز إلى مالقة، ولم يزل حيث حل في رتبة عالية، وهن ممن اجتمع به عمي، وكان يثني عليه، ومن شعره قوله:يَا حُسْنَهُ كَاتِباً قَدْ خَطَّ عَارِضُهُ ... في خَدِّهِ حَاكِيَاً مَا خَطَّ بِالقَلَمِ
لامَ العَذُولُ عَلَيْهِ حِينَ أَبْصَرَهُفَقُلْتُ دَعْنِي فَزَيْنُ البُرْدِ بِالعَلَمِ
وَانْظُرْ إلَى عَجَبٍ مِمَّا تَلُومُ بِهِ ... بَدْرَاً لَهُ هَالَةٌ قُدَّتْ مِنَ الظَلَمِ
قُولُوا عَنِ السِّحْرِ مَا شِئْتُمْ وَلا عَجَبٌمِنْ عَنْبَرِ الشِّحْرِ أَوْ مِنْ دَنِّ مُبْتَسِمِ
ومن شعره:
تَعَالَ إلَى رَوْضٍ تَقَلَّدَ بِالنَدَى ... عُقُودَاً وَمِنْ أَزْهَارِهِ ظَلَّ كَاسِيَا
وَلَمْ أَصْطَحِبْ فيهِ بِخُلْقٍ سِوَى العُلاوَبَدْرِ تَمَامٍ يَتْرُكُ البَدَرَ دَاجِيَا
الكتاب
أبو بكر محمد بن أبي عامر
بن نصر الأوسي
كتب عن ملوك بني عبد المؤمن، وكان مختصاً بالوزير أبي جعفر بن عطية وفيه يقول:أَبَا جَعْفَرٍ نِلْتَ الذي نَالَ جَعْفَرُ ... وَلا زِلْتَ بِالعُلْيَا تُسَرُّ وَتُجْبَرُ
وَإِنْ نِلْتَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ تَرَقِيَاًفَإنَّكَ مِمَّا نِلْتَ أَعْلَى وَأَكْبَرُ
عَلَيْكَ لَنَا فَضْلٌ وَمَنٌّ وَأَنْعُمٌ ... وَنَحْنُ عَلَيْنَا كُلُّ مَدْحٍ يُحَبَّرُ
وتطير أبو جعفر من مطلع هذا الشعر ، وآل أمره إلى أن قتل.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الحادي عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:كتاب في حلي مدينة لوشة
العصابة
بينها وبين غرناطة مرحلة من أحسن المراحل، بين أنهارٍ، وظلال أشجار، في بساط ممتد، تبارك الله الذي أبداه بديعاً في حسنه.قال الحجاري: فلو كان للدنيا عروس من أرضها لكان ذلك الموضع. وهي على نهر شنيل.
السلك
قاضيها الفقيه العالم
أبو عبد الله محمد بن عبد المولى
من
المسهب: يكفي لوشة من الفخر أن كان منها هذا السيد الفاضل، فهو في كل
مكرمة وفضيلة كامل، نشأ على درس علوم الشريعة، فورد منها في أعذب شريعة،
وترقى إلى خطة القضاء ببلده، فأقام عزه بين أهله وولده، وذكر أنه اجتمع به،
وبخل عليه بشيءٍ من شعره، فكتب له:
يَا مَانِعَاً شِعْرَهُ مِنْ سَمْعِ ذِي أَدَبِنَائِي المَحَلِّ فَرِيدِ الشَّخْصِ مُغْتَرِبِ
يَسِيرُ عَنْكَ بِهِ في كُلِّ مُتَّجَهٍ ... كَمَا يَسِيرُ نَسِيمُ الرِّيحِ في العَذَبِ
إِنِّي وَحَقِّكَ أَهْلٌ أَنْ أَفُوزَ بِهِوَاسْأَلْ فَدَيْتُكَ عَنْ ذَاتِي وَعَنْ نَسَبِي
قال فكان جوابه:
يَا طَالِباً شِعْرَ مَنْ لَمْ يَسْمُ في الأَدَبِمَاذَا تُرِيدُ بِنَظْمٍ غَيْرِ مُنْتَخَبِ
إنِّي وَحَقِّكَ لَمْ أَبْخَلْ بِهِ صَلَفاً ... وَمَنْ يَضُنُّ عَلَى جِيِّدٍ بِمَخْشَلَبِ
لَكِنَّنِي صُنْتُ قَدْرِي عَنْ رِوَايَتِهِ ... فَمِثْلُهُ قَلَّ عَنْ سَامٍ إلَى الرُّتَبِ
خُذْهُ إِلَيْكَ كَمَا أَكْرَهْتَ مُضْطَرِباً ... مُخَلِّداً ذَمَّ مَوْلاهُ إلَى الحِقَبِ
ثم كتب له من نظمه:
بِي إِلَيْكُمْ شَوْقٌ شَدِيدٌ وَلَكِنْ ... لَيْسَ يَبْقَى مَعَ الجَفَاءِ اشْتِيَاقُ
إِنْ يُغَيِّرُكُمُ الفِرَاقُ فَوِدِّي لَوْ جَزَيْتُمْ يَزِيدُ فِيهِ الفِرَاقُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:كتاب الطالع السعيد، في حلي عمل قلعة بني سعيد
ينقسم هذا الكتاب إلى: كتاب الصبيحة العيدية، في حلي القلعة السعيدية كتاب الإشراق، في حلي حصن القبذاق كتاب الصبح المبين، في حلي حصن العقبينبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب الطالع السعيد، في حلي أعمال قلعة بني سعيد
وهو:كتاب الصبيحة العيدية، في حلي القلعة السعيدية
البساط
فيها ألف الحجاري كتاب المسهب لصاحبها عبد الملك بن سعيد، وقال في وصفها: عقاب الأندلس الآخذ بأزرار السماء، عن غرر المجد والسناء، وهي رباط جهاد، وحصن أعيانٍ وأمجاد، وفيها يقول أبو جعفر بن سعيد:إِلَى القَلْعَةِ الغَرَّاءِ يَهْفُو بِي الجَوَىكَأَنَّ فُؤَادِي طَائِرٌ زُمَّ عَنْ وَكْرِ
هِيَ الدَّارُ لا أَرْضٌ سِوَاهَا وَإِنْ نَأَتْوَحَجَّبَهَا عَنِّي صُرُوفٌ مِنَ الدَّهْرِ
أَلَيْسَتْ بِأَعْلَى مَا رَأَيْتُ مَنَصَّةًتَحَلَّتْ بِحَلْيٍ كَالعَرُوسِ عَلَى الخِدْرِ
لَهَا البَدْرُ تَاجٌ وَالثُّرَيَّا شُنُوفُهَاوَمَا وَشْحُهَا إلاَّ مِنَ الأَنْجُمِ الزُّهْرِ
أَطَلَّتْ عَلَى الفَحْصِ النَّضِيرِ فَكُلُّ مَنْرَأَى وِجْهَةً مِنْهَا تَسَلَّى عَنِ الفِكَرِ
العصابة
من المسهب: أن أول من حل بهذه القلعة من ولد عمار بن ياسر عبد الله بن سعد بن عمار، وقد ذكره ابن حيان في المقتبس، وأخبر: أن يوسف بن عبد الرحمن الفهري سلطان الأندلس، كتب له أن يدافع عبد الرحمن المرواني الداخل، وكان حينئذٍ أميراً على اليمانية من جند دمشق، وآل أمره إلى أن ضرب عنقه عبد الرحمن، ولما كانت الفتنة وثار ملوك الطوائف كان أول من ظهر منهم بالقلعة واستبد:خلف بن سعيد
ابن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سعد بن عمار بن ياسر العبسي، ولما مات خلفه ابنه سعيد، ثم ابنه أبو مروان:عبد الملك بن سعيد
وصادف الفتنة على الملثمين، فامتنع فيها إلى أن تولى لعبد المؤمن، وخطب له فيها، وسجنه عبد المؤمن في مراكش، ثم سرحه وجل قدره عنده.وفي مدة الملثمين، وفد عليه أبو محمد عبد الله الحجاري بقصيدته التي أولها:
عَلَيْكَ أَحَالَنِي الذِّكْرُ الجَّمِيلُ ... فَجِئْتُ وَمِنْ ثَنَائِكَ لِيَ دَلِيلُ
وصنف له كتاب المسهب في غرائب المغرب، وهذبه عبد الملك وزاد عليه، ثم عقبه بعده، فكان منه هذا الكتاب على ما تقدم ذكره، وكان ولى عهده والمقدم على جنده:
أبو عبد الله محمد بن عبد الملك
وكان مقدماً عند يحيى بن غانية في مدة الملثمين، ثم ولاه بنو عبد المؤمن أعمال إشبيلية وأعمال غرناطة وأعمال سلا وعلى يديه بني الجامع الأعظم بإشبيلية وقد مدحه الرصافي شاعر الأندلس في عصره بقصيدته التي منها:إِنَّ الكِرَامَ بَنِي سَعِيدٍ كُلَّمَا ... وَرِثُوا العُلا وَالمَجْدَ أَوْحَدَ أَوْحَدَا
قَسَمُوا المَعَالِي بِالسَّوَاءِ وَفَضَّلُوا ... فِيهَا عِمَادَهُمُ الكَبِيرَ مُحَمَّدا
ولم يسمع من نظمه إلا قوله:
فَلا تُظْهِرَنْ مَا كَانَ فِي الصَّدْرِ كَامِنَاًوَلا تَرْكَبَنْ بِالغَيْظِ فِي مَرْكِبٍ وَعْرِ
وَلا تَبْحَثَنْ فِي عُذْرِ مَنْ جَاءَ تَائِبَاًفَلَيْسَ كَرِيمَاً مَنْ يُبَاحِثُ في العُذْرِ
وكان مولده سنة أربع عشرة وخمسمائة، وتوفي في غرناطة سنة تسع وثمانين وخمسمائة.
وإلى الآن القلعة بيد بني سعيد، منهم فيها عبد الملك بن سعيد.
السلك
سائر بني سعيد
أبو بكر محمد بن سعيد
صاحب أعمال غرناطة في مدة الملثمين.من المسهب: حسب القلعة كون هذا الفاضل منها، فقد رقم برد مجده بالأدب، ونال منه بالاجتهاد والسجية القابلة أعلى سبب، وله من النظم ما تقف عليه، فتعلم أن زمام الإحسان ملقى في يديه. أنشدني لنفسه قوله:
يَا هَذِهِ لا تَرُومِي ... خِدَاعَ مَنْ ضَاقَ ذَرْعُهْ
تَبْكِي وَقَدْ قَتَلَتْنِي ... كَالسَّيْفِ يَقْطُرُ دَمْعُهْ
وقوله:
فَخْرُنَا بِالحَدِيثِ بَعْدَ القَدِيمِ ... مِنْ مَعَالٍ تَوَاتَرَتْ كَالنُّجُومِ
نَحْنُ في الحَرْبِ أجْبُلٌ رَاسِيَاتٌ ... وَلَنَا في النَّدَيِّ لُطْفُ النَّسِيمِ
وقوله:
لَقَدْ صَدَعَتْ قَلْبِي حَمَامَةُ بَانَةٍ ... أَثَارَتْ غَرَامَاً مَا أَجَلَّ وَأَكْرَمَا
وَرَقَّ نَسِيمُ الرِّيحِ مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمْوَلُطِّفَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَا
أبو جعفرأحمد بن عبد الملك بن سعيد
هو عم والدي، وأحد مصنفي هذا الكتاب، وكان والدي كثير الإعجاب بشعره، مقدماً له على سائر أقاربه، واستوزره عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة، فقال شعراً منه :فَقُلْ لِحَرِيصٍ أَنْ يَرَانِي مُقَيَّداًبِخِدْمَتِهِ: لا يُجْعَلُ البَازُ في القَفَصِ
وانضاف إلى ذلك اشتراكهما في هوى حفصة الشاعرة، وكان عثمان أسود اللون، فبلغه أن أبا جعفر قال لها: ما تحبين في ذلك الأسود وأنا أقدر أشتري لك من السوق بعشرين ديناراً خيراً منه؟ ثم إن أخاه عبد الرحمن فر إلى ملك شرق الأندلس ابن مرذنيش، فوجد عثمان سبباً إلى الإيقاع بأبي جعفر، فضرب عنقه.
وأول حضور أبي جعفر عند عبد المؤمن أنشده:
عَلَيْكَ أَحَالَنِي دَاعِي النَّجَاحِ ... وَنَحْوَكَ حَثَّنِي هَادِي الفَلاحِ
وَكُنْتُ كَسَاهِرٍ لَيْلاً طَوِيلاً ... تَرَنَّحَ حِينَ بُشِّرَ بِالصَّبَاحِ
وَذِي جَهْدٍ تَغَلْغَلَ فِي قِفَارٍ ... شَكَا ظَمَأً فَدُلَّ عَلَى القَرَاحِ
دَعَانَا نَحْوَ وَجْهِكَ طِيبُ ذِكْرٍ ... وَيَدْعُو لِلْرِّيَاضِ شَذَا الرِّيَاحِ
وأنشده وهو بقصره في رباط الفتح أمام سلا على البحر المحيط، قصيدة منها:
تَكَلَّمْ فَقَدْ أَصْغَى إلَى قَوْلِكَ الدَّهْرُوَمَا لِسِوَاكَ الآنَ نَهْيٌ وَلا أَمْرُ
ومنها:
أَلا إِنَّ قَصْراً قَدْ بَدَا لِي بِأُفْقِهِمُحَيَّاكَ أَهْلٌ أَنْ يَخِرَّ لَهُ البَدْرُ
أَطَلَّ عَلَى البَحْرِ المُحِيطِ مُرَفَّعاًفَخَتَّمَهُ الشِّعْرِيُّ وَتَوَّجَهُ النَّسْرُ
وَوَافَتْ جُيُوشُ البَحْرِ تَلْثُمُ عَطْفَهُ ... مُرَادِفَةً لِمَا تَنَاهَى بِهِ الكِبْرُ
وَمَا صَوْتُهَا إِلاَّ سَلامٌ مُرَدَّدٌ ... وَفِي كُلِّ قَلْبٍ مِنْ تَصَعُّدِهَا ذُعْرُ
أَلا قُلْ لَهُ يَعْلُو الثُرَيَّا فَإِنَّهُ ... أَطَلَّ عَلَى بَحْرٍ وَحَلَّ بِهِ بَحْرُ
مُحِيطَانِ بِالدُّنْيَا فَلَيْسَ لِفَخْرِهِإِذَا لَمْ يَكُنْ طَلْقَ اللِّسَانِ بِهِ عُذْرُ
ومن شعره قوله:
أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ يَحْسُدُهُ الدَّهْرُأَمَا حِبْرَهُ لَيْلٌ، أَمَا طِرْسَهُ فَجْرُ
وقوله:
يَقُومُ عَلَى الآَدَابِ حَقَّ قِيَامِهَا ... وَيَكْبُرُ عَمَّا يُظْهِرُونَ مِنَ الكِبْرِ
كَصَوْبِ الحَيَا إِنْ ظَلَّ يُسْمَعُ وَهُوَ إِنْغَدَا سَامِعَاً مِثْلَ المُصِيخِ إلَى الشُّكْرِ
وقوله:
وَلَمَّا رَأَيْتُ السَّعْدَ لاحَ بِوَجْهِهِ مُنِيرَاً دَعَانِي مَا رَأَيْتُ إِلَى الذِّكْرِ
فَأَقْبَلَ يُبْدِي لِيَ غَرَائِبَ نُطْقِهِوَمَا كُنْتُ أَدْرِي قَبْلَهَا مَنْزِعَ السِّحْرِ
فَأَصْغَيْتُ إِصْغَاءَ الجَدِيبِ إلَى الحَيَاوَكَانَ ثَنَائِي كَالرِّيَاضِ عَلَى القَطْرِ
وكتبت له حفصة الشاعرة:
أَزُورُكَ أَمْ تَزُورُ فَإِنَّ قَلْبِي ... إِلَى مَا مِلْتُمْ أَبَدَاً يَمِيلُ
وَقَدْ أُمِّنْتَ أَنْ تَظْمَى وَتَضْحَى ... إِذَا وَافَى إِلَيَّ بِكَ القُبُولُ
فَثَغْرِي مَوْرِدٌ عَذْبٌ زُلالٌ ... وَفَرْعُ ذَوَائِبِي ظِلٌّ ظَلِيلُ
فَعَجِّلْ بِالجَوَابِ فَمَا جَمِيلٌ ... أَنَاتُكَ عَنْ بُثَيْنَةَ يَا جَمِيلُ
وقال في جوابها:
أُجِلُّكُمْ مَا دَامَ بِي نَهْضَةٌ ... عَنْ أَنْ تَزُورُوا إِنْ وَجَدْتُ السَّبِيلْ
مَا الرَّوْضُ زَوَّارَاً وَلَكِنَّمَا ... يَزُورُهُ هَبُّ النَّسِيمِ العَلِيلْ
وقال:
زَارَهَا مَنْ غَدَا سَقِيمَ هَوَاهَا ... وَبَرَاهُ شَوْقاً إِلَيْهَا النُّحُولُ
وَكَذَا الرَّوْضُ لا يَزُورُ وَيَأْتِي ... أَبَدَاً نَحْوَهُ النَّسِيمُ العَلِيلُ
وكتبت له حفصة:
سَارَ شِعْرِي لَكَ عَنِّي زَائِراً ... فَأَعِرْ سَمْعَ المَعَالِي شِنْفَهُ
وَكَذَاكَ الرَّوْضُ إِذْ لَمْ يَسْتَطِعْ ... زَوْرَةً أَرْسَلَ عَنْهُ عَرْفَهُ
فكتب إليها:
قَدْ أَتَانَا مِنْكِ شِعْرٌ مِثْلَمَا ... أَطْلَعَ الأُفْقُ لَنَا أَنْجُمَهُ
وَفَمٌ فَاهَ بِهِ قَدْ أَقْسَمَتْ ... شَفَتِي بِاللهِ أَنْ تَلْثُمَهُ
وقال في يوم اجتمع فيه مع الرصافي والكتندي على راحة، ومسمع بجنك:
للهِ يَوْمُ مَسَرَةٍ ... أَضْوَى وَأَقْصَرُ مِنْ ذُبَالَهْ
لَمَّا نَصَبْنَا لِلْمُنَى ... فِيهِ بِأَوْتَارٍ حُبَالَهْ
طَارَ النَّهَارُ بِهِ كَمُرْ ... تَاعٍ وَأَجْفَلَتِ الغَزَالَهْ
وقوله:
بَدَا ذَنَبُ السَّرْحَانِ يُنْبِيءُ أنَّهُ ... تَقَدَّمَ سَبَقَاً وَالغَزَالَةُ خَلْفَهُ
وَلَمْ تَرَ عَيْنِي قَبْلَهَا مِنْ مُتَابِعٍلِمَنْ لا يِزَالُ الدَّهْرُ يَطْلُبُ حَتْفَهُ
وقوله:
في الرَّوْضِ مِنْكِ مَشَابِهٌ مِنْ أَجْلِهَايَهْفُو لَهَا طَرْفِي وَقَلْبِي المُغْرَمُ
الغُصْنُ قَدٌّ وَالأَزَاهِرُ حُلْيَةٌ ... وَالوَرْدُ خَدٌّ، وَالأَقَاحِي مَبْسِمُ
وقوله في والده وقد شد عليه درعاً، وخرج بجنده غازياً:
أَيَا قَائِدَ الأَبْطَالِ في كُلِّ وُجْهَةٍتَطِيرُ قُلُوبُ الأُسْدِ فِيهَا مِنَ الذُّعْرِ
لَقَدْ قُلْتُ لَمَّا أَنْ رَأَيْتُكَ دَارِعاًأَيَا حُسْنَ مَا لاحَ الحَبَابُ عَلَى النَّحْرِ
وَأَنْشَدْتُ وَالأَبْطَالُ حَوْلَكَ هَالَةٌأَيَا حُسْنَ مَا دَارَ النُّجُومُ عَلَى البَدْرِ
فَسِرْ مِثْلَمَا سَارَ الصَّبَاحُ إلَى الدُّجَىوَأُبْ مِثْلَمَا آَبَ النَّسِيمُ عَنِ الزَّهْرِ
وقال وقد جاز على قصر من قصور الخلافة:
قَصْرَ الخِلافَةِ لا أُخْلِيتَ مِنْ كَرَمٍوَإِنْ خَلَوْتَ مِنَ الأَعْدَادِ وَالعُدَدِ
جُزْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ تَنْقُصْ مَهَابَتُهُوَالغَيْلُ يَخْلُو وَتَبْقَى هَيْبَةُ الأَسَدِ
وقوله:
يَا حُسْنَ يَوْمِ المَهْرَجَانِ وَطِيبَهِ ... يَوْمٌ كَمَا تَهْوَى أَغَرُّ مُحَجَّلُ
سَرِّحْ لِحَاظَكَ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ ... في كُلِّ مَوْقِعٍ لِخِطَّةٍ مُتَأَمَّلُ
وقوله:
لا تُعَيِّنْ لَنَا مَكَانَاً وَلَكِنْ ... حَيْثُمَا مَالَتِ اللَّوَاحِظُ مِلْنَا
حاتم بن سعيد بن حاتم بن سعيد
من أبطال بني سعيد وفضلائهم، صحب أبا عبد الله بن مرذنيش ملك شرق الأندلس، وكان فيه لطافة وتدبير، ومن شعره قوله:يَا دَانِياً مِنِّي وَمَا هُوَ زَائِرٌ ... لا أَنْتَ مَعْذُورٌ وَلا أَنَا عَاذِرُ
مَاذَا يَضُرُّكَ إِذْ ظَلَلْتَ بِظُلْمَةٍ ... أَلا يُطَالِعَ مِنْكَ نُورٌ زَاهِرُ
أبو عبد الله محمد بن الحسين
بن سعيد بن الحسن بن سعيد
اجتماعنا معه في سعيد بن خلف، وهو الآن بإفريقية وزير الفضل سلطانها، مع ما أضاف إليه من قود الكتائب، وغير ذلك من المراتب، وهو في نهاية من الكرم والسماحة والفروسية والخط والنظم والنثر، ومن نثره:تُدَرُّ عَلَيْهِ أَخْلافُ السَّحَائِبِ، وَتَرُقُّ أَنْفَاسُ الصِّبَا وَالجَنَائِبُ. قَدْ غَنَوْا عَنْ ظِلالِ الأَفْنِيَةِ بِظِلالِ الخَوَافِقِ، وَعَنِ النُّطَفِ العِذَابِ بِمَوَارِدَ هِيَ الرَّيْحَانُ تَحْتَ الشَّقَائِقِ. وَالشَّقِيُّ يَتَوَقَّفُ لَهُمْ وَيَتَطَارَدُ تَطَارُدَ الخَاتِلْ، وَيَحَارُ بَيْنَ الوِرْدِ وَالصَّدَرِ وَلَمْ يَحْزِرْ أَنَّ الحُسَامَ بِيَدِ القَاتِلْ.
ومن نظمه قوله، وقد نزل بشخص قدم له في الضيافة شراباً أسود خاثراً وخروباً، وقدمت عجوزٌ زبيباً أسود صغيراً فيه غضون:
وَيَوْمَ نَزَلْنَا بِعَبْدِ العَزِيزِ ... فَلا قَدَّسَ اللهُ عَبْدَ العَزِيزِ
سَقَانَا شَرَابَاً كَلَوْنِ الهِنَاءِ ... وَأَنْقَلَنَا بِقُرُونِ العَنُوزِ
وَجَاءَتْ عَجُوزٌ فَأَهْدَتْ لَنَا ... زَبِيبَاً كَخِيلانِ خَدِّ العَجُوزِ
وقوله في دولاب:
وَمَحْنِيَّةَ الأَصْلابِ تَحْنُو عَلَى الثَّرَىوَتَسْقِي بَنَاتِ التُّرْبِ دَمْعَ التَرَائِبِ
تَظُنُّ مِنَ الأَفْلاكِ أَنَّ مِيَاهَهَا ... نُجُومٌ لِرَجْمِ المَحْلِ ذَاتِ ذَوَانِبِ
وَأَطْرَبَهَا رَقْصُ الغُصُونِ ذَوَابِلاًفَدَارَتْ بِأَمْثَالِ السُّيُوفِ القَوَاضِبِ
وَمَا خِلْتُهَا تَشْكُو بِتَحْنَانِهَا الصَّدَىوَمَا بَيْنَ مَتْنَيْها اطِّرَادُ المُذَانِبِ
فَخُذْ مِنْ مَجَارِيهَا وَدُهْمَةَ لَوْنِهَابَيَاضَ العَطَايَا في سَوَادِ المَطَالِبِ
موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد
لولا أنه والدي لأطنبت في ذكره، ووفيته حق قدره. وله في هذا الكتاب الحظ الأوفر، وكان أشغفهم بالتاريخ، وأعلمهم به، وجال كثيراً إلى أن انتهى به العمر بالإسكندرية، وقد عاش سبعاً وستين سنة لم أره يوماً يخلي مطالعة كتاب أو كتب ما يحلو حتى أيام العيد، وفي ذلك يقول:يَا مُفْنِياً عُمُرَهُ في الكَأْسِ وَالوَتَرِوَرَاعِياً في الدُّجَى للأَنْجُمِ الزُّهُرِ
يَبْكِي حَبِيبَاً جَفَاهُ أَوْ يُنَادِمُ مَنْيَهْفُو لَدَيْهِ كَغُصْنٍ بَاسِمِ الزَّهَرِ
مُنَعَّمَاً بَيْنَ لَذَّاتٍ يُمَحِّقُهَا ... وَلا يُخَلِّدُ مِنْ فَخْرٍ وَلا سِيَرِ
وَعاَذِلاً لِيَ فِيمَا ظِلْتُ أَلْزَمُهُ يُبْدِي التَعَجُّبَ مِنْ صَبْرِي وَمِنْ فِكَرِي
يَقُولُ مَالَكَ قَدْ أَفْنَيْتَ عُمْرَكَ فيحِبْرٍ وَطِرْسٍ عَنِ الأَعْصَارِ وَالخَبَرِ
وَظِلْتَ تَسْهَرُ طُولَ اللَّيْلِ في تَعَبٍ ... وَلا تَرَى أَبَدَ الأَيَّامِ في ضَجَرِ
أَقْصِرْ فَإِنِّي أَدْرَى بِالذِي طَمَحَتْ ... لأُفْقِهِ هِمَّتِي وَاسْأَلْ عَنِ الأثَرِ
وَاسْمَعْ لِقَوْلِ الذِي تُتْلَى مَحَاسِنُهُمِنْ بَعْدِ مَا صَارَ مِثْلَ التُرْبِ كَالسُّوَرِ
جَمَالُ ذِي الأَرْضِ كَانُوا في الحَيَاةِ وَهُمْبَعْدَ المَمَاتِ جَمَالُ الكُتْبِ وَالسِّيَرِ
ومن حسناته قوله، وقد نظر إلى غلام حسن الصورة وهو يعظ:
وَشَادِنٍ ظَلَّ لِلْوَعْ ... ظِ تَالِيَاً بَيْنَ جَمْعِ
مَتَّعْتُ طَرْفِي بِمَرْآَ ... هُ في حَفَاوَةِ سَمْعِي
وتوفي يوم الإثنين الثامن من شوال عام أربعين وستمائة وكان مولده في الخامس من رجب سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
أخوه
مالك بن محمد بن عبد الملك بن سعيد
جال في بلاد الأندلس وبر العدوة، وآل به الأمر إلى أن كتب ليحيى الميورقي صاحب الفتنة الطويلة بإفريقية، وهنالك مات وترك عقبا بودان .وأحسن شعره قوله في محبوب له مرض واصفر لونه:
غَدَا وَرْدُ مَنْ أَهْوَاهُ بِالسُّقْمِ نَرْجِسَاًفَفَجَّرَ عَيْنِي عِنْدَ ذَاكَ عِيَانُهُ
فَقُلْتُ لِخَدَّيْهِ عَزَاءً فَقَالَ لِي ... كَذَا كُلُّ وَرْدٍ لا يَدُومُ أَوَانُهُ
وقوله:
الخَيْلُ وَاللَّيْلُ تَدْرِي ... صُنْعِي إذَا افْتَرَّ فَجْرُ
مَا مَرَّ لِي قَطُّ يَوْمٌ ... إلاَّ وَلِي فِيهِ كَرُّ
لا تُخْدَعَنْ بِالأَمَانِي ... فَمَا سِوَاهَا يَغُرُّ
لا تُفَكِّرَنْ في أَوَانٍ ... مَا دُمْتَ فِيهِ تُسَرُّ
أخوهما
عبد الرحمن بن محمد
كان صعب الخلق، كثير الأنفة، لا صبر لأحدٍ على صحبته، فجرى بينه وبين أقاربه ما أوجب خروجه عن المغرب الأقصى إلى أقصى المشرق، ووصلت رسالته من بخارى فيها هذه الأبيات:إذَا هَبَّتْ رِيَاحُ الغَرْبِ طَارَتْ ... إِلَيْهَا مُهْجَتِي نَحْوَ التَّلاقِ
وَأَحْسَبُ مَنْ تَرَكْتُ بِهِ يُلاقِي ... إِذَا هَبَّتْ صَبَاهَا مَا أُلاقِي
فَيَا لَيْتَ التَفَرُّقَ كَانَ عَدْلاً ... فَحُمِّلَ مَا نُطِيقُ مِنَ اشْتِيَاقِ
وَلَيْتَ العُمْرَ لَمْ يَبْرَحْ وِصَالاً ... وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْنَا بِالفِرَاقِ
وقتله التتر في بخارى، رحمه الله.
علي بن موسى بن محمد
بن عبد الملك بن سعيد
هو مكمل تصنيف هذا الكتاب، ولد بغرناطة في شوال سنة عشر وستمائة، ورحل منها فجال مع أبيه في بر الأندلس وبر العدوة والغرب الأوسط وإفريقية إلى الإسكندرية، وترك والده بالإسكندرية، ورحل إلى القاهرة، ثم عاد إليها، فحضر وفاته، ثم رجع إلى القاهرة، ثم رحل إلى حلب في صحبة الصاحب الكبير المحسن كمال الدين بن أبي جرادة، ثم عزم على الحج في هذه السنة، وهي سنة سبع وأربعين وستمائة، يسر الله ذلك بمنه. ومن نظمه قوله:كَأَنَّما النَّهْرُ صَفْحَةٌ كُتِبَتْ ... أَسْطُرُهَا وَالنَّسِيمُ مُنْشِئُهَا
لَمَّا أَبَانَتْ عَنْ حُسْنِ مَنْظَرِهِ ... مَالَتْ عَلَيْهَا الغُصُونُ تَفْرَؤُهَا
وقوله من قصيدة:
بَحْرٌ وَلَيْسَ نَوَالُهُ بِمَشَقَّةٍ ... المَالُ فِي يَدِهِ شَبِيهُ غُثَاءِ
وقوله:
بُرْءٌ كَمَا آَبَ الغَمَامُ الصَيِّبُ ... فَتَرَاجَعَ الرَّوْضُ الهَشِيمُ المُذْنِبُ
عَطَفَتْ بِهِ النُّعْمَى عَلَى أُلاَّفِهَاوَاسْتَرْجَعَ الزَّمَنُ المُسِيءُ المُذْنِبُ
مَا كُنْتَ إِلاَّ السَّيْفَ يَصْدَأُ مَتْنُهُ ... وَغِرَارُهُ مَاضٍ إِذَا مَا يَضْرِبُ
وقوله وقد دوعب بسرقة سكين:
أَيَا سَارِقاً مِلْكَاً مَصُونَاً وَلَمْ يَجِبْ ... عَلَى يَدِهِ قَطْعٌ وَفِيهِ نِصَابُ
سَتَنْدُبُهُ الأَقْلامُ عِنْدَ عِثَارِهَا ... وَيَبْكِيهِ أَنْ يَعْدُو الصَّوَابَ كِتَابُ
وقوله في فرس أصفر أغر أكحل الحلية:
وَأَجْرَدَ تِبْرِيٍّ أَثَرْتُ بِهِ الثَّرَى ... وَلِلْفَجْرِ فِي خَصْرِ الظَّلامِ وِشَاحُ
لَهُ لَوْنُ ذِي عِشْقٍ وَحُسْنُ مُعَشَّقٍ ... لِذَلِكَ فِيهِ دَلَّةٌ وَمِرَاحُ
عَجِبْتُ لَهُ وَهُوَ الأَصِيلُ، بِعَرْفِهِ ... ظَلامٌ وَبَيْنَ النَاظِرَيْنَ صَبَاحُ
وقوله:
خَجِلَتْ وَالسَتْرُ يَحْجِبُهَا ... كَيْفَ تُخْفِي الخَمْرَةَ القَدَحُ
وقوله:
رَقَّ الأَصِيلُ فَوَاصِلِ الأَقْدَاحَا ... وَاشْرَبْ إلَى وَقْتِ الصَّبَاحِ صَبَاحَا
وَانْظُرْ لِشَمْسِ الأُفْقِ طَائِرَةً وَقَدْ ... أَلْقَتْ عَلَى صَفْحِ الخَلِيجِ جَنَاحَا
وقوله:
يَا سَيِّداً قَدْ زَادَ قَدْرَاً إذَا غَدَا ... بِرَاً لِمَنْ هُوَ دُونَهُ يَتَوَدَّدُ
وَالغُصْنُ مِنْ فَوْقِ الثَّرَى لَكِنَّهُ ... كَرَماً يَمِيلُ إلَى ذَرَاهُ وَيَسْجُدُ
وقوله:
بِعَيْشِكَ سَاعِدْنِي عَلَى حَثِّ كَاسِهَاإذَا مَا بَدَا لِلْصُبْحِ بَتْرُ المَوَاعِدِ
وَشَقَّ عَمُودُ الفَجْرِ ثَوْبَ ظَلامِهِ ... كَمَا شَقَّ ثَوْباً أَزْرَقاً صَدْرُ نَاهِدِ
وقوله من قصيدة ناصرية:
خَطَرْتُ إِلَيْهِ السَّمْهَرِيَّ مُسَدِّدَاًفَعَانَقْتُهُ شَوْقاً إلَى ذَلِكَ القَدِّ
خَفِيٌّ وَسِتْرُ اللَّيْلِ فَوْقِي مُسْبَلٌكَأَنِّي حَيَاءً فَوْقَ وَجْنَةِ مَسْوَدِّ
وَلَيْلِي بَخِيلٌ بِالنُّجُومِ وَصُبْحِهِ ... وَنَجْمِي فِي رِمْحِي وَصُبْحِي فِي غِمْدِي
وَتَحْتِي مِثْلُ اللَّيْلِ أَهْدِي مِنَ القَطَابَدَا طَالِعَاً مِنْ وَجْهِهِ كَوْكَبٌ يَهْدِي
إلَى أَنْ وَصَلْتُ الحَيَّ وَالقَلْبُ مَيِّتٌحَذَارَ الأَعَادِي وَالمُثَقَّفَةِ المُلْدِ
فَعَانَقْتُ غُصْنَ البَانِ فِي دَوْحَةِ القَنَاوَقَبَّلْتُ بَدْرَ التِّمِّ فِي هَالَةِ الجُرْدِ
كَذَا هِمَّتِي فِيمَنْ أَهِيمُ بِحُبِّهِوَمَنْ أَبْتَغِي مِنْ وَجْهِهِ طَالِعَ السَّعْدِ
خَزَائِنُ أَرْضِ اللهِ في يَدِ يُوسُفٍ ... فَهَلْ لِسِوَاهُ فِي المُلُوكِ يُرَى قَصْدِي
مَلِيكٌ تَرَى فِي وَجْهِهِ آَيَةَ الرِّضَاوَتَقْرَأُ مِنْ أَمْدَاحِهِ سُورَةَ الحَمْدِ
وفي طالع قصيدة:
نَظِيرُ قَوَامِكَ الغُصْنُ النَّضِيرُ ... وَحُبِّي فِيكَ لَيْسَ لَهُ نَظِيرُ
وقوله من قصيدة:
جُدْ لِي بِمَا أَلْقَى الخَيَالَ مِنَ الكَرَىلا بُدَّ لِلْضَّيْفِ المُلِمِّ مِنَ القِرَى
وَاخَجْلَتِي مِنْهُ وَمِنْكَ مَتَى أنَمْ ... عَيَّرْتَنِي وَمَتَى سَهِرْتُ تَنَكَّرَا
ومنها:
قُمْ سَقِّنِيهَا وَالسَّمَاءُ كَأنَّهَا ... لَبِسَتْ رِدَاءً بِالبُرُوقِ مُشَهَّرَا
وَكَأَنَّمَا زُهْرُ النُّجُومِ بِأُفْقِنَا ... خِيَمٌ طَوَاهَا بَنْدُ صُبْحٍ نُشِّرَا
ومنها:
مِنْ كُلِّ مَنْ جَعَلَ السُّرُوجَ أَرَائِكاًوَالسُّمْرَ قُضْبَاً وَالقَوَاضِبَ أَنْهُرَا
مِنْ مَعْشِرٍ خَبِرُوا الزَّمَانَ رِيَاسَةًوَسِيَاسَةً حَلُّوا الذُّرَى حُمْرَ الذَّرَا
سُمُّ العُدَاةِ عَلَى حَيَاءٍ فِيهُمُ ... لاتَعْجَبَنَّ كَذَاكَ آَسَادُ الشَّرَى
كَادُوا يُقِيلُونَ العُدَاةَ مِنَ الرَّدَىلَوْ لَمْ يَمُدُّوا كَالحِجَابِ العِثْيَرَا
حَتَّى ظِبَاهُمْ فِي الحَيَاءِ مِثَالُهُمْأَبْدَتْ وَقَدْ أَرْدَتْ مُحَيَّاً أَحْمَرَا
جَعَلُوا خَوَاتِمَ سُمْرِهِمْ مِنْ قَلْبِ كُلِّ مُعَانِدٍ حَسِبَ المُثَقَّفَ خِنْصَرَا
وَبِبِيضِهِمْ قَدْ تَوَّجُوا أَعْدَاءَهمْ ... حَتَّى العِدَا حَلُّوا لِكَيْمَا تَشْكُرَا
لَوْ لَمْ يَخَافُوا تِيهَ سَارٍ نَحْوَهُمُوَهَبُوُا الكَوَاكِبَ وَالصَّبَاحَ المُسْفِرَا
ومنها:
فَاثْنِ المَسَامِعَ نَحْوَ نَظْمٍ كُلَّمَا ... كَرَّرْتَهُ أَحْبَبْتَ أَنْ يَتَكَرَّرَا
إِنْ كَانَ طَالَ فَإِنَّهُ مِنْ حُسْنِهِ ... لَيْلُ الوِصَالِ بِأُنْسِهِ قَدْ قُصِّرَا
مِنْ بَعْدِهِ الشَّعَرَاءُ تَحْكِي وَاصِلاً ... تَتَجَنَّبُ الرَاءَاتِ كَيْ لا تَعْثُرَا
وقوله من قصيدة:
بِاللهِ يَا حَابِسَهَا أَكْؤُسَاً ... شَابَتْ لِطُولِ الحَبْسِ، وَلَّى النَّهَارْ
فَلْتَغْتَنِمْ شَرْباً عَلَى صُفْرَةِ الشَّ ... مْسِ وَقَابِلْ بِالنُّضَارِ النُّضَارْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَحْجُبَ جُنْحُ الدُّجَى ... ثَغْرَ الأَقَاحِي وَخُدُودَ البِهَارْ
وقوله من قصيدة:
الرَّوْضُ بُرْدٌ بِالنَّدَى مَطْرُوزُ ... وَالنَّهْرُ سَيْفٌ بِالصَّبَا مَهْزُوزُ
كُتِبَتْ بِهِ خَوْفَ النَّوَاظِرِ أَسْطُرٌ ... فَعَلَيْهِ مِنْ خَطِّ النَّسِيمِ حَرُوزُ
وَرَمَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَضْلَ رِدَائِهَا ... فَعَلاَ مُذَابَ لُجَيْنِهِ إِبْرِيزُ
وَالغُصْنُ إِنْ رَكَدَ النَّسِيمُ كَأَنَّهُ ... أَلِفَ بِهَمْزَةِ طَيْرِهِ مَهْمُوزُ
وَكَأَنَّمَا الأَزْهَارُ فِيهِ قَلائِدٌ ... وَكَأَنَّمَا الأَوْرَاقُ فِيهِ خَزُوزُ
وَالرَّاحُ تَنْظُمُ شَمْلَنَا بِجِنَابِهِ ... وَعَقِيْقُنَا مِنْ دِرِّهَا مَفْرُوزُ
تُبْدِي لَنَا خَجَلَ العَرُوسِ وَحَلْيَهَا ... فِي مِثْلِ زِيِّ البِكْرِ وَهِيَ عَجُوزُ
شَمَطُ الحَبَابِ يُبَيِّنُ كِبْرَةَ سِنِّهَا ... فَعَلامَ تَحْمِلُ حِلْيَهَا وَيَجُوزُ
هِيَ كَالغَزَالَةِ لا تَزَالُ جَدِيْدَةً ... وَالطَّرْفُ دُونَ ضَبَابِهَا مَغْمُوزُ
وقوله:
أَلا هَاتِهَا وَالنَّرْجِسُ الغَضُّ قَدْ رَنَاإِلَيْكَ كَمَا تَرْنُو العُيُونُ النَّوَاعِسُ
وَأَرْدَافُ مَوْجِ النَّهْرِ فَوْقَ خُصُورِهِتَمِيلُ عَلَيْهِنَّ الغُصُونُ المَوَائِسُ
وقوله:
يَضِيعُ الذِي أَسْدَى إِلَيْكَ كَأَنَّهُ ... حَيَاءٌ بِوَجْهٍ أَسْوَدِ اللَّوْنِ ضَائِعُ
وقوله:
إِنْ غُيَّبَتْ شَمْسُهُ فَالرَّعْدُ زَفْرَتُهُوَقَلْبُهُ البَرْقُ، وَالأَمْطَارُ مَدْمَعَهُ
وقوله:
لا خَيَّبَ اللهُ أَجْرَ عِيسَى ... فَكَمْ يُدَانِي إِلْفاً مِنْ إِلْفِ
يَقْرِنُ هَذَا بِذَاكَ فَضْلاًكَأَنَّهُ الدَّهْرَ وَاوُ عَطْفِ
وقوله:
كَأَنَّكَ لَمْ تَجْلِ القِتَامَ وَقَدْ دَجَا ... بِشُهْبٍ عَوَالٍ أَوْ بُرُوقِ سُيُوفِ
وقوله:
فَلا تُنْكِرَنْ صَوْبَ الدِّمَاءِ إذَا دَجَتْ ... سَحَابُ قَتَامٍ وَالسُّيُوفُ بَوَارِقُ
وقوله:
هَلاَّ نَظَرْتَ إلَى الأَغْصَانِ تَعْتَنِقُظَلَّتْ تُلاقِي غَرَامَاً ثُمَّ تَفْتَرِقُ
نَادِ الصَّبُوحَ عَسَى فِي القَوْمِ مُغْتَنَمٌيُبَاكِرُ الرَّاحَ صُبْحاً ثُمَّ يَعْتَبِقُ
ومنها:
قَدْ زَيَّنَ اللهُ قُطْرَاً أنْتَ سَاكِنُهُكَمَا يُزَانُ بِبَدْرِ الغَيْهَبِ الفَلَقُ
وقوله:
للهِ فُرْسَانٌ غَدَتْ رَايَاتُهُمْ ... مِثْلَ الطُّيُورِ عَلَى عِدَاكَ تُحَلِّقُ
وَالسُّمْرُ تَنْقُطُ مَا تُسَطِّرُ بِيضُهُمْ وَالنَّقْعُ يُتْرِبُ وَالدِّمَاءُ تُخَلِّقُ
وقوله:
أَفَمَ الخَلِيجِ أَتَذْكُرَنْ بِكَ لَيْلَةً ... أَفْنَيْتَ فِيهَا مِنْ عَفَافِي مَا بَقِي
وَاللَّيْلُ بَحْرٌ مُزْبِدٌ بِنُجُومِهِ ... وَالسُّحْبُ مَوْجٌ وَالهِلالُ كَزَوْرَقِ
وقوله من قصيدة:
وَهَبْتُ فُؤَادِي لِلْمَبَاسِمِ وَالحَدَقْوَحَكَّمْتُ فِي جَفْنِي المَدَامِعَ وَالأَرَقْ
وَلَمْ أَسْتَطِعْ إِلاَّ الوَفَاءَ لِغَادِرٍوَيَا لَيْتَنِي لَمَّا وَفَيْتُ لَهُ رَفَقْ
وَمِنْ أَجْلِهِ قَدْ رَقَّ جِسْمِي صَبَابَةًوَيَا لَيْتَهُ لَمَّا رَآَهُ عَلَيْهِ رَقْ
مَتَى اشْتَكَى فَيْضُ المَدَامِعِ قَالَ لِيخِلافُكَ قَدْ قَاسَى المَدَامِعَ وَالحُرَقْ
إذَا لاحَ فِي المُحْمَرِّ فَالبَدْرُ فِي الشَّفَقْوَإنْ لاحَ فِي المُخْضَرِّ فَالغُصْنُ فِي الوَرَقْ
تُحَمِّلُهُ أَرْدَافُهُ فَوْقَ طَاقَةٍ ... وَمِنْ هَيَفٍ لَوْ شَاءَ بِالخَاتِمِ انْتَطَقْ
فَيَا عَاذِلِي فِيمَا جَنَتْهُ لِحَاظُهُأَتَعْذِلُنِي وَالسَّيْفُ لِلْعَذْلِ قَدْ سَبَقْ
وقوله:
قُمْ سَقِّنِي شَفَقَ الشَّمُولِ بِسُحْرَةٍ ... وَكَأَنَّمَا شَفَقُ الصَّبَاحِ شَمُولُ
وَالبَرْقُ قُضْبٌ وَالسَّحَابُ كَتَائِبٌ ... وَالقَطْرُ نَبْلٌ وَالرُّعُودُ طُبُولُ
وَلْتَعْذُرِ الأَنْهَارُ فِي تَدْرِيعِهَا ... وَكَذَلِكَ الأَغْصَانُ حِينَ تَمِيلُ
وقوله:
أَدِرْ كُؤُوسَكَ إِنَّ الأُفْقَ فِي عُرُسٍوَحَسْبُنَا أنْتَ تَرْعَى حُسْنَكَ المُقَلُ
البَرْقُ كَفٌّ خَضِيبٌ وَالحَيَا دُرَرٌوَالأُفْقُ يُجْلَى وَطَرْفُ الصُّبْحِ مُكْتَحِلُ
وقوله:
دَعِ اللَّحْظَ يَسْرَحْ بِوَرْدِ الخَجَلْ ... فَقَدْ مَنَعَتْهُ سَيَوفُ المُقَلْ
ومنها:
فَكَمْ أَغْصُنٍ قَدْ نَعِمْنَا بِهَا ... وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَادَتْ أَسَلْ
وَكَمْ دَنِّ خَمْرٍ طَرِبْنَا بِهِ ... وَعُدْنَا لَهُ فَوَجَدْنَاهُ خَلْ
وقوله:
وَخَيْرُ الشِّعْرِ مَا أَوْلاهُ تَبْدُو ... كَأَسْحَارٍ وَآَخِرُهُ أَصَائِلْ
وقوله:
وَأَشْقَرَ مِثْلِ البَرْقِ لَوْناً وَسُرْعَةًقَصَدْتُ عَلَيْهِ عَارِضَ الجُودِ فَانْهَمَى
وقوله في سلطان إفريقية:
فَهُمُ سِهَامٌ وَالقِسِيُّ جِيَادُهُمْ ... وَعِدَاهُمُ هَدَفٌ وَعَزْمُكَ رَامِي
وقوله:
وَتَحْتِي لَيْلٌ قَدْ تَرَقَّى بِسَمْعِهِفَوَاجَهَهُ مَا امْتَدَّ مِنْ كَوْكَبِ الرَّجْمِ
وَقَدْ أَنْعَلُوهُ بِالأَهِلَّةِ هَلْ تَرَىاتِّخَاذَ هِلالٍ لِلْظَلامِ مِنَ الظُّلْمِ
وقوله:
ظُبَاهُمُ الحُمْرُ كَالنِيرَانِ حِينَ قِرَىًبِأُفْقِهِمْ فَلِذَاكَ الطَّيْرُ تَغْشَاهَا
وقوله:
سَتَرَ الجَمْرَةَ بِالآَ ... سِ فَلَمْ تَعْدُ عَلَيْهِ
إنَّمَا ذَلِكَ سِحْرٌ ... أَصْلُهُ مِنْ نَاظِرَيْهِ
أبو عبد الله محمد بن رشيق
من أعيان القلعة، له حظ من النظم والنثر. قال والدي: لم أر أوسع منه صدراً، ما عليه من الدنيا أقبلت أو أدبرت، وهو القائل:لَيْسَ عِنْدِي مِنَ الهُمُومِ حَدِيثٌ ... كُلَّمَا سَاءَنِي الزَّمَانُ سَدِرْتُ
أَتُرَانِي أَكُونُ لِلْدَّهْرِ عَوْناً ... فَإِذَا مَسَّنِي بِضُرٍّ ضَجِرْتُ
غَمْرَةٌ ثُمَّ تَنْجَلِي فَكَأَنِّي ... عِنْدَ إِقْلاعِ هَمِّهَا مَا ضُرِرْتُ
العلماء
أبو عيسى لب بن عبد الوارث
اليحصبي النحوي
من المسهب: أنجبته قلعة بني سعيد، وكان تهذيبه وتخريجه يإشبيلية، ونظر في الفقه، ثم مال إلى العربية، فبلغ منها إلى غاية نبيهة. وكان أبناء الأعيان من الملثمين يقرؤون عليه بمراكش، وهنالك اجتمعت به، ومن شعره قوله:بَدَا أَلِفُ التَّعْرِيفِ في طِرْسِ خَدِّهِ ... فَيَا هَلْ تَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْكَرُ
وَقَدْ كَانَ كَافُورَاً فَهَلْ أَنَا تَارِكٌلَهُ بَعْدَ مَا حَيَّاهُ مِسْكٌ وَعَنْبَرُ
وَمَا خَيْرُ رَوْضٍ لا يَرِفُّ نَبَاتُهُوَهَلْ أَحْسَنُ الأَثْوَابِ إلاَّ المُشَهَّرُ
الأهداب
نادرة للمسن بن دور يده القلعي كان بالقلعة رجل غث، بارد، لا تكاد تقع العين على أغث وأثقل منه، وكان المسن يكرهه، ويركب عليه الحكايات، ومن نوادره معه: أنه سافر المسن إلى مرسية، وتركه بغرناطة، فلما عاد إلى غرناطة، وقف على باب من أبوابها وجعل يسأل عن الثقيل المذكور هل هو بغرناطة؟ إلى أن عرفه أحد من يدريه أنه بها، فثنى عنان فرسه وعدل إلى القلعة، وقال لايطيب بلد يكون فيه فلان.وخرج مرة مع أبي محمد عبد الله بن سعيد إلى سوق الخيل فاشترى ابو محمد فرساً وقال للمسن: اركبه، فركبه، فجعل أبو محمد يقول لكل من يلقاه: هذا الفرس اشتريته اليوم، ويذكر الثمن، ويكثر وصفه، والمسن عليه لا يزال يخجله بهذا إلى أن لمح المسن عجوزاً، خرجت من فرن بطبق فيه خبز، في نهاية من الفاقة والضعف، فركض الفرس إليها، وقال لها: قفي حتى أخبرك فوقفت، فقال لها: هذا الفرس اشتراه القائد أبو محمد بكذا وكذا، وأخذ يصف على منزع أبي محمد فقال له: ألهذي العجوز يقال مثل هذا؟ فقال: ما بقي في الدنيا من لا يعرف حديث هذا الفرس إلا هذه العجوز، فأردت ألا يفوتها، ثم قال: علي لعنة الله إن ركبت لك فرساً ما عشت، ونزل عنه، فشرد، وتعب أبو محمد في تحصيله.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب أعمال القلعة السعيدية
وهو:كتاب الإشراق، في حلي حصن القبذاق
من حصون قلعة بني سعيد، منه:الأخفش بن ميمون القبذاقي
من المسهب: يعرف بابن الفراء، أصله من القيذاق، وتأدب في قرطبة، وله أمداح في ابن نغرلة اليهودي وزير غرناطة، ومن شعره قوله:أَهْوَى الذِي تَيَّمَنِي حُبُّهُ ... وَمَا دَرَى أَنِّي أَهْوَاهُ
أَكَادُ أَفْنَى مِنْ غَرَامٍ بِهِ ... لا سِيَّمَا سَاعَةَ أَلْقَاهُ
وَاللهِ مَا يَذْكُرُنِي سَاعَةً ... وَلا حَقِّ اللهِ أَنْسَاهُ
وقوله:
غَنَّتِ الوَرْقُ فِي الغُصُونِ سُحَيْراً ... فَأَبَاحَتْ مِنِّي غَرَامَاً مَصُونَا
لَمْ تَفِضْ عَيْنُهَا بِدَمْعٍ وَلَكِنْ ... فَجَّرَتْ لِي فِيمَنْ أَحِبُّ عُيُونَا
وقوله:
إِذَا مَدَحْتَ فَلا تَمْدَحْ سِوَاهُ فَفِييُمْنَاهُ بَحْرٌ مُحِيطٌ لِلْعُفَاةِ زَخَرْ
يُصْغِي إلَى المَدْحِ مِنْ جُودٍ وَمِنْ أَدَبٍكَمُشْتَكِي الجَدْبِ قَدْ أَصْغَى لِصَوْبِ مَطَرْ
وقوله:
بِاللَّيَالِي الَّتِي تَوَلَّتْ وَأَوْلَتْ ... مُهْجَتِي حَسْرَةً بِهَا لا أُفِيقُ
أَتُرَى لِي إلَى رِضَاكَ وَإِقْصَا ... ءِ وُشَاتِي عَنْ جَانِبَيْكَ طَرِيْقُ
آَهِ مِنْ لَوْعَتِي وَمِنْ طُولِ وَجْدِي ... سَالَ دَمْعِي وَفِي فُؤَادِي حَرِيْقُ
وقوله:
كَيْفَ لِي صَبْرٌ وَقَدْ هَجَرَتْ ... مَنْ لَهَا رَوحِي وَتَظْلِمُنِي
غَادَةٌ كَالغُصْنِ فِي هَيَفٍ ... وَتَثَنٍّ عَادَ كَالوَثَنِ
كَلُّنَا مِنْ جَاهِلِيَّتِهَا ... أَبَدَاً لا زِلْتُ فِي فِتَنِ
وقوله:
نَاحَ الحَمَامُ عَلَى غُصْنٍ تَلاعِبُهُ ... كَفُّ النَّسِيمِ فَأَبْكَانِي وَأَشْجَانِي
ذَكَرْتُ قَداً لِمَنْ أَهْوَاهُ مُنْعَطِفاً ... هَذَا عَلَى أَنَّهُ مَا زَالَ يَنْسَانِي
وفيه قال ابن زيدون :
فَإِذَا مَا قَالَ شِعْرَاً ... نَفَقَتْ سُوقُ أَبِيهِ
وهجاه المنفتل شاعر إلبيرة بقوله:
إِنْ كُنْتَ أَخْفَشَ عَيْنٍ ... فَإِنَّ قَلْبَكَ أَعْمَى
فَكَيْفَ تَنْثُرُ نَثْرَاً ... أَمْ كَيْفَ تَنْظُمُ نَظْمَا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب أعمال القلعة السعيدية
وهو:كتاب الصبح المبين، في حلي حصن العقبين
حصن من حصون القلعة على وادي فرجة ونضارة، أخبرني والدي: أنه كان كثيراً ما يلم به للصيد في صباه مع أقاربه وأصحابه، وكان لهم على الوادي قصر جروا فيه ذيول الصبا، وهبوا في جنباته هبوب الصبا، وله فيه شعر. ومنه:أحمد بن لب العقبيني
كان كبير اللحية، مضحك الطلعة، كثيراً ما يمدح محمد بن سعيد صاحب القلعة بمثل قوله:يَا قَائِدَاً لا يُسَاوِي عِنْدَهُ أَسَدٌمِقْدَارَ ذِئْبٍ إذَا مَا الحَرْبُ تَدْعُوهُ
أَنْتَ الذِي حَرَسَ الإِسْلامَ صَارِمُهُ ... لِذَاكَ مَدْحُكَ فِي السَّاعَاتِ نَتْلُوهُ
وقوله:
أَبَا عَبْدِ الإِلَهِ أَلَسْتَ فَرْعاً ... زَكِيَّاً مِنْ أُصُولٍ طَاهِرَاتِ
وَيَزْعُمُ آَخَرُونَ لَكَ اشْتِكَالاً ... لَقَدْ نَطَقُوا بِمَحْضِ التُّرَّهَاتِ
وأهل العقبين يوصفون بالجهل الكثير، قد غلبت عليهم البداوة، وبعدت عنهم آداب الحضارة، اتفقوا مرة على أن يجمعوا فريضة، يبنون بها ما وهى من جامعهم، فبقي منها فاضلاً قدر خمسة دنانير، فاجتمعوا لإبداء الرأي فيما يصرفونها فيه، فتكلم كل أحد بما عنده، ورأى الأكثر منهم أن يشترى بها منبر للجامع، فإن منبره العتيق قد تكسر، فتحرك فلاح منهم وقال دعوا الهذيان واشتروا كلباً يحفظ غنمكم من السباع، فقالوا له: نحن نقول منبر، وأنت تقول كلب، واتفق رأيهم على المنبر، فلما كان في يوم ضباب خرجت غنم البلد فهجمت عليها السباع، ووقع الصياح بذلك فجرى البدوي إلى الجامع مع من استعان به من أهل الجهل، وأخذوا المنبر على أعناقهم وأخرجوه إلى أمام البلد وقال البدوي: قولوا لهذا المنبر يخلص غنمكم من السباع.
مملكة المرية
كتاب النشوة الخمرية، في حلي مملكة المرية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:موسطة الأندلس
وهو:كتاب النشوة الخمرية، في حلي مملكة المرية
هي بين مملكتي مالقة ومرسية، وينقسم كتابها إلى: كتاب المجانة، في حلي مدينة بجانة كتاب النفحة العطرية، في حلي حضرة المرية كتاب الجمانة، في حلي حصن مرشانة كتاب نقش الحنش، في حلي حصن شنش كتاب لحظ الجؤذر، في حلي حصن دوجر كتاب البهجة، في حلي مدينة برجة كتاب إيضاح الغبش، في حلي مدينة أندرشبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة المرية
كتاب المجانة، في حلي حضرة بجانة
المنصة
هي محدثة، بنيت في دولة بني أمية، وهي كانت كرسي المملكة إلى أن ضعفت، وعظمت المرية فصارت تابعة، وبينها وبين المرية ستة أميال.التاج
ذكر ابن حيان: أن بانيها وصاحب المملكة ابن أسود بأمر محمد بن عبد الرحمن المرواني سلطان الأندلس، وبنو أسود إلى الآن أعيان المرية.السلك
أبو محمد بن قلبيل البجاني
من المسهب: أظنه من شعراء المائة الرابعة، له:ضَحِكَ الرَّبِيعُ بِرَوْضِهِ وَغَدِيرِهِ ... وَافْتَرَّ عَنْ نُورٍ أَنِيقٍ يَزْهَرُ
وَكَأَنَّهُ زُهْرُ النُّجُومِ إذَا بَدَتْ ... وَكَأَنَّهَا فِي التُّرْبِ وَشْيٌ أَخْضَرُ
وَكَأَنَّ عَرْفَ نَسِيمِهَا عِنْدَ الصِّبَاعَرْفُ العَبِيرِ يَفُوحُ مِنْهُ العَنْبَرُ
أبو عبد الله محمد بن مسعود
الغساني البجاني
أجرى ذكره صاحب الذخيرة وإن كان قبل عصره، وقال: إنه كان كثير الغوص على دقيق المعاتي، ونسبت عند المنصور بن أبي عامر إلى الزندقة، فسجنه في المطبق مع الشريف الطليق، وكان الطليق غلاماً وسيماً، وكان ابن مسعود كلفاً به، وفيه يقول:غَدَوْتُ في الحَبْسِ خِدْناً لابْنِ يَعْقُوبٍوَكُنْتُ أَحْسَبُ هَذَا في التَّكَاذِيبِ
رَامَتْ عُدَاتِي تَعْذِيبي وَمَا شَعَرَتْ ... أَنَّ الذِي فَعَلُوهُ ضِدَّ تَعْذِيبِي
لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ سِجْنِي لا أَبَا لَهُمْ قَدْ كَانَ غَايَةَ مَأْمُولِي وَمَرْغُوبِي
وانطلق سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، ومات بعد مديدة.
الشاعرة الغسانية البجانية
ذكر الحجاري: أنها كانت في مدة ملوك الطوائف، ومن شعرها قولها:أَتَجْزَعُ أَنْ قَالُوا سَتَرْحَلُ أَظْعَانُوَكَيْفَ تُطِيقُ الصَّبْرَ وَيْحَكَ إِذْ بَانُوا
فَمَا بَعْدُ إِلاَّ المَوْتُ عِنْدَ رَحِيلِهِمْوَإِلاَّ فَصَبْرٌ مِثْلَ صَبْرٍ وَأَحْزَانُ
عَهِدْتُهُمُ العَيْشُ في ظِلِّ وَصْلِهِمْأَنِيقٌ وَرَوْضُ الوَصْلِ أَخْضَرُ فَيْنَانُ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي، وَالفِرَاقُ يَكُونُ، هَلْيَكُونُونَ مِنْ بَعْدِ الفِرَاقِ كَمَا كَانُوا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني:
من الكتب التي يشتمل عليها:مملكة المرية
وهو:كتاب النفحة العطرية، في حلي حضرة المرية
المنصة
من كتاب الرازي: سورها على ضفة البحر، وبها دار الصناعة، وهي باب الشرق، ومفتاح الرزق.ومن المسهب: وأما المرية فلها على غيرها من نظرائها أظهر مزية، بنهرها الفضي، وبحرها الزبرجدي، وساحلها التبري، وحصاها المجزع، ومنظرها المرصع، وأسوارها العلية الراسخة، وقلعتها المنيعة الرفيعة الشامخة، وبنى فيها خيران العامري قلعته العظيمة المنسوبة إليه. ومما تفضل به اعتدال الهواء وحسن مزاج أهلها وطيب أخلاقهم، ولطف أذهانهم، قال ابن فرج: حدث فيها من صنعة الوشي والديباج على اختلاف أنواعه، ومن صنعة الخز وجميع ما يعمل من الحرير، ما لم يبصر مثله في المشرق ولا في بلاد النصارى. وأعظم مبانيها الصمادحية التي بناها المعتصم بن صمادح. ومن متفرجاتها منى عبدوس، ومنى غسان، والنجاد، وبركة الصفر، وعيد النطية. ونهرها من أحسن الأنهار.
التاج
أول من شهر بها وعرف مكانه من الملوك:خيران مولى المنصور بن أبي عامر
ذكر الحجاري: أنه كان من خيرة الموالي العامرية، وممن تخرج في تلك الفتنة، وهو الذي وجه بعلي بن خمود العلوي إلى سبتة، وقام بدعوته، ووصل معه إلى أن حصلت له قرطبة، فاستشعر منه خيران الغدر به، ففر، وقام بدعوة المرتضى المرواني، ثم وضع على المرتضى من قتله ، وتوفي خيران سنة ثمان عشرة وأربعمائة، وصارت المرية وجيان لصاحبه:زهير العامري
فحالف حبوس بن ماكس صاحب غرناطة، ودام ملكه إلى أن مات حبوص، وولي ولده باديس فاستصغره زهير، ونهض لأخذ غرناطة من يده، وكانت الدائرة عليه، وقتل في المعركة، وصارت المرية للمنصور بن أبي عامرالأصغر، فاستناب فيها صهره ووزيره:معن بن أبي يحيى صمادح التجيبي
فلما اشتغل المنصور بالحرب مع مجاهد العامري صاحب دانية غدره معن، وثار في المرية، وورثها ولده وهو:المعتصم أبو يحيى محمد بن معن
وفاتن المعتصم عبد الملك بن المنصور صاحب بلنسية، قال ابن بسام: ولم يكن من فحول الملوك، بل أخلد إلى الدعة، واكتفى بالضيق عن السعة، واقتصر على قصر يبنيه، وعلق يقتنيه، وميدان من اللذة يجرى عليه، ويبرز فيه، غير أنه كان رحب الفناء، جزل العطاء، حليماً عن الدماء والدهماء، طافت به الآمال، واتسع في مدحه المقال، وأعملت إلى حضرته الرحال ، وآل أمره مع أمير المسلمين إلى أن حصره جيشه، وهو ينازع حشاشة نفسه، فمات على فراشه، وفر أولاده بمالهم في البحر إلى سلطان بجاية، وملك الملثمون البلد. وقال وهو ينازع الموت وقد سمع اختلاط الأصوات في حصار بلده: لا إله إلا الله، نغص علينا كل شيء حتى الموت، فدمعت عين حظية له، قالت: فلا أنس طرفاً إلي رفعه، وإنشاده بصوت لا أكاد أسمعه:تَرَفَّقْ بِدَمْعِكَ لا تَفْنِهِ ... فَبَيْنَ يَدَيْكَ بُكَاءٌ طَوِيلْ
قال الحجاري: وكانت مدة المملكة الصمادحية نحو خمسين سنة ونيف، ملك المعتصم منها إحدى وأربعين وهو ابن أربع عشرة سنة، وقال في وصفه: ملك تملكه الإحسان، وأطلعه الفضل غرة في وجه الزمان، فكأن أبا تمام عناه بقوله:
تَحْمِلُ أَشْبَاحَنَا إِلَى مَلِكٍ ... نَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ وَمِنْ أَدَبِهْ
فهتفت باسمه المداح، ومن المجد له عطف ارتياح. ومن شعره قوله:
انْظُرْ إِلَى الأَعْلامِ خَفَّاقَةً ... قَدْ عَبَثَتْ فِيهَا أَكُفُّ الشَّمَالْ
كَأَنَّهَا وَهِيَ لَنَا زِينَةٌ ... أَفْئِدَةُ الأَعْدَاءِ يَوْمَ القِتَالْ
وقوله عند موته:
تَمَتَّعْتُ بِالنَّعْمَاءِ حَتَّى مَلِلْتُهَاوَقَدْ أَضْجَرَتْ عَيْنَيَّ مِمَّا سَئِمْتُهَا
فَيَا عَجَبَاً لَمَّا قَضَيْتُ قَضَاءَهَا ... وَمُلِّيتُهَا عُمْرِي تَصَرَّمَ وَقْتُهَا
قال: وأما تورعه وعدله فله فيهما حكايات، وكان يرتاح للشعر كثيراً.
وقال في وصفه الفتح:
ملك
أقام سوق المعارف على ساقها، وأبدع في انتظامها واتساقها، وأوضح رسمها،
وأنبت في جبين أوانه وسمها، ولم تخل أيامه من مناظرة، ولا عمرت إلا بمذاكرة
ومحاضرة. قال: ومن بديع أفعاله أن النحلي دخل المرية وعليه أسمالٌ لا
تقتضيها الآداب، ولا يرتضيها إلا الانتحاب والانتداب، والناس قد لبسوا
البياض، وتصرفوا من خضرتهم في مثل قطع الرياض، والنحلي ظمآن يسعره جواره،
حين لا يستره إلا سواده، فكتب إليه:
أَيَا مَنْ لا يُضَافُ إِلَيْهِ ثَانٍ ... وَمَنْ وَرِثَ العُلَى بَابَاً فَبَابَا
أَيَجْمُلُ أَنْ تَكُونَ سَوَادَ عَيْنِي ... وَأُبْصِرَ دُونَ مَا أَبْغِي حِجَابَا
وَيَمْشِي النَّاسُ كُلُّهُمْ حَمَامَاً ... وَأَمْشِي بَيْنَهُمْ وَحْدِي غُرَابَا
فأدر له حباه، ووصله وحباه، وبعث إليه من البياض ما لبسه، وجلل مجلسه، وكتب مع ذلك:
وَرَدْتَ وَلِلَّيْلِ البَهِيمِ مَطَارِفٌ ... عَلَيْكَ وَعِنْدِي لِلْصَبَاحِ بُرُودُ
وَأَنْتَ لَدَيْنَا مَا بَقِيتَ مُقَرَّبٌ ... وَعَيْشُكَ سَلْسَالُ الجَمَامِ بُرُودُ
وارتجل في ماء تسلسل في قصره:
انْظُرْ إِلَى حُسْنِ هَذَا المَاءِ في صَبَبِهْكَأَنَّهُ أَرْقَمٌ قَدْ جَدَّ في هَرَبِهْ
وكتب إلى ابن عمار، وقد بلغه عنه ما أوجب ذلك من سوء الاغتياب:
وَزَهَّدَنِي في النَّاسِ مَعْرِفَتِي بِهِمْوَطُولُ اخْتِيَارِي صَاحِبَاً بَعْدَ صَاحِبِ
فَلَمْ تُرَنِي الأَيَامُ خِلاًّ تَسُرُّنِي ... مَبَادِيهِ إِلاَّ سَاءَنِي فِي العَوَاقِبِ
وَلا قُلْتُ أَرْجُوهُ لِدَفْعِ مُلِمَّةٍمِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ كَانَ إِحْدَى المَصَائِبِ
وأطال الإقامة عنده مرة ابن عمار فكتب إليه:
يَا وَاضِحَاً فَضَحَ السَحَا ... بَ الجَوْنَ فِي مَعْنَى السَّمَاحِ
وَمُطَابِقاً يَأْتِي وُجُو ... هَ الجِدِّ مِنْ طُرُقِ المِزَاحِ
أَسْرَفْتَ فِي بِرِّ الضِيَا ... فِ فَجُدْ قَلِيلاً بِالسَّرَاحِ
فراجعه المعتصم:
يَا فَاضِلاً فِي شُكْرِهِ ... أَصِلُ المَسَاءِ مَعَ الصَّبَاحِ
هَلاَّ رَفَقْتَ بِمُهْجَتِي ... عِنْدَ التَّكَلُّمِ فِي السَّرَاحِ
إِنَّ السَّمَاحَ بِبُعْدِكُمُ ... وَاللهِ لَيْسَ مِنَ السَّمَاحِ
فصل
وتوالت على المرية ولاة الملثمين إلى أن أخذها يوسف بن مخلوف من أصحاب عبد المؤمن، فاستصعب أهل المرية سيرته، فثاروا عليه، وقام بأمرهم أحد أعيانهم:أبو يحيى بن الرميمي
ومنه أخذها النصارى، ثم استنقذها منهم عثمان بن عبد المؤمن، وتوالى بها ولاة بني عبد المؤمن إلى أن ثار بها:محمد بن عبد الله بن أبي يحيى
بن الرميمي
وخطب لابن هود وصار وزيره، ثم غدر بابن هود فقتله في بلده ، واستبد بالمرية ثم خرج منها إلى تونس ، وهي الآن لابن الأحمر صاحب غرناطة.السلك
ذوو البيوت
بيت بني صمادحرفيع الدولة
أبو يحيى بن المعتصم بن صمادح
قال ابن الإمام في وصفه: ذو الخلق الكريم، والشرف الباذخ الصميم، راضع لبان الرياسة، ومرتشف مياه تلك الجلالة والنفاسة.وقال الحجاري فيه: فرعٌ زاكٍ من تلك الشجرة الكريمة، وعارض جودٍ من صوب تلك الديمة. طاب بين نوائب الدهر، طيب المسك بين الحجر والفهر ، وأقام في ظلال أمير المسلمين، مدرعاً من حمايته بدرع حصين، إلا أنه لم يفارقه تذكر ما قضى في تلك الممالك، مرتاحاً إلى ما قضاه الشباب هنالك. وكان ينادم أبا يحيى بن مطروح، واستدعاه يوماً بقوله:
يَا أَخِي بَلْ سَيِّدِي بَلْ سَنَدِي ... فِي مُهِمَّاتِ الزَّمَانِ الأَنْكَدِ
لُحْ بِأُفْقٍ غَابَ عَنْهُ بَدْرُهُ ... فِي اخْتِفَاءٍ مِنْ عُيُونِ الحُسَّدِ
وَتَعَجَّلْ فَحَبِيبِي حَاضِرٌ ... وَفَمِي سَاقٍ وَكَأْسِي فِي يَدِي
ومما أنشد له صاحب السمط قوله:
لَئِنْ مَنَعُوا عَنِّي زِيَارَةَ طَيْفِهِمْوَلَمْ أُلْفِ فِي تِلْكَ الطُّلُولِ مَقِيلاَ
فَمَا مَنَعُوا رِيحَ الصَّبَا سَوْقَ عَرْفِهِمْ وَقَدْ بَكَرَتْ تَنْدَى عَلَيَّ بَلِيلاَ
وَلا مَنَعُونِي أَنْ أَعُلَّ بِذِكْرِهِمْ ... فُؤَادَاً بِمَا يَجْنِي الصُدُودُ عَلِيلاَ
وقوله:
أَخَذْتُ أَبَا عَمْرٍو، وَإِنْ كَانَ جَانِيَاًعَلَيَّ ذُنُوبَاً لا تُعَدَّدُ، بِالعَتَبِ
فَمَا كَانَ ذَاكَ الوِدُّ إِلاَّ كَبَارِقٍأَضَاءَ لِعَيْنِي ثُمَّ أَظْلَمَ فِي قَلْبِي
أخوه
أبو جعفر أحمد
من المسهب: جرى في طلق أبيه وإخوته، فأحسن في النظام إحساناً أوجب أن ينبه عليه، فمن ذلك قوله:أَتَى بِالبَدْرِ مِنْ فَوْقِ القَضِيبِ ... فَطَارَتْ نَحْوَهُ طَيْرُ القُلُوبِ
وَأَشْرَقَ مَا بِأُفْقِي مِنْ ظَلامٍ ... لِنُورٍ مِنْهُ فِي أُفُقِ الجُيُوبِ
وَوَلَّى بَعْدَ تَأْنِيسٍ وَبِرٍّ ... كَمِثْلِ الشَّمْسِ وَلَّتْ لِلْمَغِيبِ
أخوهما
الواثق عز الدولة أبو محمد عبد الله
من المسهب: قمر عاجله المحاق قبل التمام، فنشر من يديه ما كان عقده أبوه من ذلك النظام، وقد كان خصه بولاية عهده، ورشحه للملك من بعده، وآل أمره إلى أن حل ببجاية في دولة بني حماد مستوحشاً، وقال:لَكَ الحَمْدُ بَعْدَ المُلْكِ أُصْبِحُ خَامِلاًبِأَرْضِ اغْتِرَابٍ لا أُمِرُّ وَلا أُحْلِي
وَقَدْ أَصْدَأَتْ فِيهَا الهَوَادَةُ مُنْصُلِيكَمَا نَسِيَتْ رَكْضَ الجِّيَادِ بِهَا رِجْلِي
وَلا مَسْمَعِي يُصْغِي لِنَغْمَةِ شَاعِرٍوَكَفِّيَ لا تَمْتَدُّ يَوْمَاً إِلَى بَذْلِ
طَرِيْدَاً شَرِيْدَاً لا أُؤَمِّلُ رَجْعَةًإِلَى مَوْطِنٍ بُوعِدْتُ عَنْهُ وَلا أَهْلِ
وَقَدْ كُنْتُ مَتْبُوعَاً فَأَمْسَيْتُ تَابِعَاًلَدَى مَعْشَرٍ لَيْسُوا بِجِنْسِي وَلا شَكْلِي
يَخُوضُونَ فِيمَا لا أَرَى فِيهِ خَائِضَاًوَقَبْلَهُمُ قَدْ أَقْصَدَتْ مَقْتَلَ النُّبْلِ
وَقَوْلِي مَسْمُوعٌ وَفِعْلِي مُحْكَمٌ ... وَهَا أَنَا لا قَوْلِي يَجُوزُ وَلا فِعْلِي
وَقَدْ كُنْتُ غِرّاً بِالزَمَانِ وَصَرْفِهِفَقَدْ بَانَ قَدْرُ العِزِّ عِنْدِي وَالذُّلِّ
عَزَاءً فَكَمْ لَيْثٍ يُصَادُ بِغِيلِهِوَيُصْبِحُ مِنْ بَعْدِ النَّشَاطِ لَفِي حَبْلِ
قال: وما أظن أحداً قال في عظم الهم مثل قوله:
إِنْ يَسْلَمِ النَّاسُ مِنْ هَمٍّ وَمِنْ كَمَدٍفَإِنَّنِي قَدْ جَمَعْتُ الهَمَّ وَالكَمَدَا
لَمْ أُبْقِ مِنْهُ لِغَيْرِي مَا يُحَاذِرُهُفَلَيْسَ يَقْصِدُ دُونِي فِي الوَرَى أَحَدَا
ومن شعره قوله:
أَهْوَى قَضِيبَ لُجَيْنٍ ... قَدْ أُطْلِعَ البَدْرُ فِيهِ
إِنْ كَانَ مَوْتِي بِلَحْظٍ ... مِنْهُ فَعَيْشٌ يَلِيهِ
يَارَبِّ كَمْ أَتَمَنَّى ... لُقْيَاهُ كَمْ أَشْتَهِيهِ
وَلا أَرَى مِنْهُ شَيْئَاً ... سِوَى جَفَاءٍ وَتِيهِ
طُوبَى لِدَارٍ حَوَتْهُ ... وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ
بَلْ أَلْفُ طُوبَى لِعَبْدٍ ... فِي مَوْضِعٍ يَلْتَقِيهِ
وقال فيه ابن اللبانة: كان الواثق كأن الله لم يخلقه إلا للملك والرياسة وإحياء الفضائل، ونظرت إلى همته تنم من تحت خموله، كما ينم فرند السيف وكرمه من تحت صدئه.
أختهم
أم الكرم بنت المعتصم
من المسهب: كان المعتصم قد اعتنى بتأديبها، لما رآه من ذكائها، حتى نظمت الشعر والموشحات، وعشقت الفتى المشهور بالسمار، وقالت فيه:يَا مَعْشَرَ النَّاسِ أَلا فَاعْجَبُوا ... مِمَّا جَنَتْهُ لَوْعَةُ الحُبِّ
لَوْلاهُ لَمْ يَنْزِلْ بِبَدْرِ الدُّجَى ... مِنْ أُفْقِهِ العُلْوِيِّ لِلْتُرَبِ
حَسْبِي بِمَنْ أَهْوَاهُ لَوْ أنَّهُ ... فَارَقَنِي تَابَعَهُ قَلْبِي
وقولها:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ سَبِيلٌ لِخَلْوَةٍ ... يُنَزَّهُ عَنْهَا سَمْعُ كُلِّ مُرَاقِبِ
وَيَا عَجَبَاً أَشْتَاقُ خَلْوَةَ مَنْ غَدَاوَمَثْوَاهُ مَا بَيْنَ الحَشَا وَالتَّرَائِبِ
وبلغ المعتصم خبره، فخفي أمره من ذلك الحين.
ومن سائر البيوت
أبو بحر يوسف بن عبد الصمد
أثنى عليه صاحب السمط والمسهب. وكان في زمان ملوك الطوائف.ورثا المعتمد بن عباد بما تقدم إنشاده في ترجمته. وذكر ابن بسام أنه من ولد السمح بن مالك بن خولان أحد سلاطين الأندلس قال: ونشأ أبو البحر كاسمه، في نشره ونظمه، ومن جيد شعره قوله:
عَزْمٌ تَضِيقُ بِجَيْشِهِ البَيْدَاءُ ... وَمُنَىً أَقَلُّ مَرَامِهَا الجَوْزَاءُ
وَصَرَامَةٌ لَوْ أنَّهَا لِي لأْمَةٌ ... لَمْ تَمْضِ فِيهَا الصَّعْدَةُ السَّمْرَاءُ
فِي عِفَةٍ لَوْ أَصْبَحَتْ مَقْسُوْمَةً ... فِي النَّاسِ لَمْ تَتَلَفَّعِ الحَسْنَاءُ
فَلْتَلْحَظِ الغُزْلانُ، وَلْتَتَمَايَلِ ال ... أَفْنَانُ، وَلْتَتَرَنَّحِ الأَنْقَاءُ
ومنها:
دَارَتْ كُؤُوسُ الطَّلِّ وَانْتَشَتِ الرُّبَى ... وَمَشَى القَضِيبُ وَحَنَّتِ الوَرْقَاءُ
وَالقُضْبُ تَخْضَعُ لِلْغَدِيرِ كَأَنَّهُ ... يَحْيَى وَقَدْ خَضَعَتْ لَهُ الأُمَرَاءُ
وقوله في المعتمد بن عباد:
خَضَعَتْ لِعِزَّتِكَ المُلُوكُ الصِّيَدُ ... وَعَنَتْ لَكَ الأَبْطَالُ وَهِيَ أُسُودُ
فَاطْعُنْ وَلَوْ أَنَّ الثُّرَيَّا ثَغْرَةٌ ... وَاضْرُبْ وَلَوْ أَنَّ السِّمَاكَ وَرِيدُ
وَافْتَحْ وَلَوْ أَنَّ السَّمَاءَ مَعَاقِلٌ ... وَاهْزِمْ وَلَوْ أَنَّ النُّجُومَ جُنُودُ
أبو مروان عبد الملك بن سميدع
لحق الدولتين، وتميز عند الفرقتين، وكان له أدب يحاضر به، ومن شعره قوله:أَلا فَاعْذُرُونِي فِي انْقِطَاعِي عَنْكُمُوَلا تَعْذِلُونِي فِي الصُّدُودِ إِلَى الحَشْرِ
صَحِبْتُكُمُ قَبْلَ اخْتِبَارٍ فَعِنْدَمَاخَبِرْتُكُمُ عَجَّلْتُ بِالبُعْدِ وَالهَجْرِ
جَفَوْتُكُمُ لَمَّا رَأَيْتُ جَنَابَكُمْ ... يُمَزَّقُ فِيهِ لَحْمُ كُلِّ امْرِئٍ حُرِّ
وقوله:
هَلُمُّوا إِلَى رَاحٍ يَطُوفُ بِهَا بَدْرُعَلَى مِثْلِ مَرْآَهُ تَطِيْبُ لَنَا الخَمْرُ
هُوَ الرَّوْضُ حَقاً فَالأَرَاكَةُ قَدُّهُ ... وَوَجْنَتُهُ وَرْدٌ وَمَبْسَمُهُ زَهْرُ
أبو عبد الله محمد بن حبرون
كان في دولة بني عبد المؤمن وكان بينه وبين ابن صقلاب صاحب أعمال المرية صداقة، ثم تغيرت، ومن شعره قوله:عَزَمْتُ عَلَى أَمْرٍ سَيَظْهَرُ عِنْدَمَايُشَيَّبُ مِنْ أَحْدَاثِهِ المَرْءُ يَافِعَا
وَإِنِّي مِنَ القَوْمِ الذِينَ عَزِيمُهُمْيَرُدُّ سَوَادَ اللَّيْلِ أَبْيَضَ نَاصِعَا
ومن كتاب الوزراء
الوزير الكاتب
أبو جعفر أحمد بن عباس
من الذخيرة: كان قد بذ الناس في وقته في أربعة أشياء: المال، والبخل، والعجب، والكتابة. وعنوان نثره : لم أعقر ناقة رضاكم فأسخط، ولا أكلت من شجرة عقوقكم فأشحط، وإنما أعطيتكم صفقة الصاغية لأكرم، وانحرفت كي لا أهان، ونمت على مهاد الفتنة بكم لئلا أتهم، فاليوم يقال جعلنا قنطرةً، وكتب إلى صديقه كتباً مسترةً ، وكان ابن أبي موسى مواتاً نفخنا فيه الروح، وعيالاً علينا فاستأثرتم به وجعلتموه مركز دولتكم في اللفظ، وعين سعايتكم في القصد، فضربتم في آمال السؤال بمعان طوال، ألصقتم بي عارها، وطوقتموني شنارها.وحصل ابن عباس في يد باديس بن حبوس ملك غرناطة في وقعة زهير ملك المرية، وكان كاتبه، فقتله باديس بيده، وقيل إن كتبه بلغت أربعمائة ألف مجلد، وأثر له الحجاري قوله :
لِي نَفْسٌ لا تَرْتَضِي الدَّهْرَ عَبْدَا ... وَجَمِيعَ الأَنَامِ طُرَّاً عَبِيدَا
لَوْ تَرَقَّتْ فَوْقَ السِّمَاكَيْنَ يَوْماً ... لَمْ تَزَلْ تَبْتَغِي هُنَاكَ صُعُودَا
أَنَا مَنْ تَعْلَمُونَ شَيَّدْتُ مَجْدِي ... وَمَكَانِي مَا بَيْنَ قَوْمِي وَلِيدَا
وكان يتهم بسوء الخلوة.
ومن كتاب العمال
أبو بكر يزيد بن صقلاب
صاحب أعمال المرية
أخبرني والدي أنه اجتمع به، فرآه عالي الهمة، واسع الأدب، ممتع الحديث، وأنشده من شعره قوله:
وَطِفْلَةِ الأَطْرَافِ خُمْصَانَةٍ ... فِي قَامَةِ السَّيْفِ وَشَكْلِ الغُلامْ
مَكْحُولَةِ العَيْنَيْنِ حُورِيَّةٍ ... مِنَ اللَّوَاتِي قُصِرَتْ فِي الخِيَامْ
تَكَادُ أَنْ تُعْقَدَ مِنْ لِينِهَا ... وَفَتْرَةِ العِطْفِ وَهَزِّ القَوَامْ
يَحْلِفُ مَنْ أَبْصَرَهَا أَنَّهَا ... قُدَّتْ لَهَا مِنْ خَيْزَرَانٍ عِظَامْ
قَدْ جَمَعَ اللهُ بِهَا فِتْنَةً ... حَلاوَةَ اللَّفْظِ وَسِحْرَ الكَلامْ
وَاللَّيْلَ وَالصُّبْحَ وَدِعْصَ النَّقَا ... وَالغُصْنَ وَالظَّبْيَ وَبَدْرَ التَّمَامْ
تَفْتَرُّ عَنْ ذِي أُشُرٍ بَارِدٍ ... أَشْهَى مِنَ الخَمْرِ بِمَاءِ الغَمَامْ
فَضَلَّ مَنْ لامَ عَلَى حُبِّهَا ... وَضَلَّ مَنْ يَسْمَعُ فِيهَا المَلامْ
نَعِمْتُ فِيهَا لَيْلَتِي كُلَّها ... بِأَرْشَقِ الخَلْقِ وَأَحلي الأَنَامْ
ومن الحكام قاضي المرية
أبو الحسن مختار بن عبد الرحمن
بن سهر الرعيني
من المسهب: قاضي المرية وعالمها، ورئيسها في الأمور الشرعية وحاكمها، قدمه عليها زهير العامري. ومن شعره قوله لبني حمود ملوك قرطبة:أَلا فَأْذَنُوا لِي بِالسَّرَاحِ فَإنَّهَا ... نِهَايَةُ مَطْلُوبِي وَفِيهِ عَذَابُ
فَإِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِي أُفْقِ مَوْطِنِيفِرَاخَاً هَوَاهُمْ لَيْسَ عَنْهُ مَنَابُ
وقوله، وقد دخل حماماً فجلس شخص من جهال العامة إلى جانبه، وأساء عليه الأدب:
أَلا لُعِنَ الحَمَّامُ دَارَاً فَإِنَّهُسَوَاءٌ بِهِ ذُو الجَّهْلِ وَالعِلْمِ فِي القَدْرِ
تَضِيعُ بِهِ الآدَابُ حَتَّى كَأَنَّهَامَصَابِيحُ لَمْ تَنْفُقْ عَلَى طَلْعَةِ الفَجْرِ
ومن العلماء
أبو الحسن سليمان بن محمد
بن الطراوة النحوي
من المسهب: نحوي المرية الذي لم يكن بها في هذه الصناعة مثله، وله الذكر السائر في الآفاق، وله أمداحٌ في المعتصم بن صمادح وفي علي بن يوسف بن تاشفين. وأحسن شعره قوله وقد حضر مع ندماء، وفيهم غلام جميل، فلما داترت الكأس وجاءت نوبة الغلام هرها ، فأخذها عنه:يَشْرَبُهَا الشَّيْخُ وَأَمْثَالُهُ ... وَكُلُّ مَنْ تُحْمَدُ أَفْعَالُهُ
وَالبَكْرُ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةً ... تُلْقَى عَلَى البَازِلِ أَثْقَالُهُ
ودخل عليه غلام بكأس في يده، فقال:
أَلا بِأَبِي وَغَيْرِ أَبِي غَزَالٌ ... أَتَى وَبِرَاحِهِ لِلْشُرْبِ رَاحُ
فَقَالَ مُنَادِمِي فِي الحِينِ صِفْهُ ... فَقُلْتُ الشَّمْسُ جَاءَ بِهَا الصَّبَاحُ
وقوله وقد شرب للقمر :
شَرِبْنَا كَمِصْبَاحِ المَسَاءِ مُدَامَةً ... بِشَاطِئِ غَدِيرٍ وَالأَزَاهِرُ تَنْفَحُ
وَظَلَّ جَهُولٌ يَرْقُبُ الصُّبْحَ ضَلَّةًوَمِنْ أَكْؤُسِي لَمْ يَبْرَحِ الصُّبْحُ يُصْبِحُ
ومن الشعراء
أبو حفص بن الشهيد
من المسهب: شاعر المرية في زمانه، وكان مقتصراً على ملك بلده المعتصم بن صمادح.ومن الذخيرة: كان فارس النظم والنثر وأعجوبة القران والعصر. وشاهدته في حدود ألربعين وأربعمائة بالمرية . ومن نظمه قوله في المعتصم:
سَبْطُ اليَدَيْنِ كَأَنَّ كُلَّ غَمَامَةٍ ... قَدْ رُكِّبَتْ فِي رَاحَتَيْهِ أَنَامِلا
لا عَيْشَ إِلاَّ حَيْثُ كُنْتَ وَإِنَّمَا ... تَمْضِي لَيَالِي العُمْرِ بَعْدَكَ بَاطِلا
تَفْدِيكَ أَنْفُسُنَا الَّتِي أَلْبَسْتَهَا ... حُلَلاً مِنَ النُّعْمَى وَكُنَّ عَوَاطِلا
وقوله:
تُكَسِّدُ سُوُقَ الدُّرِّ فِيكَ قَصَائِدِيوَتُزْرِي بِعَرْفِ المِسْكِ غُرُّ رَسَائِلِي
جَلَلْتَ فَجُلَّ القَوْلُ فِيكَ وَإِنَّمَايُعَدُّ لِقَدْرِ السَّيْفِ قَدْرُ الحَمَائِلِ
ومن الكتاب
أبو الحكم أحمد بن هرودس
كاتب عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة أخبرني والدي: أنه كان بينه وبين عمه أبي جعفر مراسلة وأن أبا الحكم كتب له :
يَا سَمِيِّيِ فِي عِلْمِ مَجْدِكَ مَا يَحْ ... تَاجُ فِيهِ هَذَا النَّهَارُ المَطِيرُ
نَدَفَ الثَّلْجُ مِنْهُ قَطَنَاً عَلَيْنَا ... فَغَدَوْنَا بِعَدْلِكُمْ نَسْتَجِيرُ
وَالذِي أَبْتَغِيهِ فِي اللَّحْظِ مِنْهُ ... وَرِضَاهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ يَسِيرُ
يَوْمَ قَرٍّ يَوَدُّ مَنْ حَلَّ فِيهِ ... لَوْ تَبَدَّى لِمُقْلَتَيْهِ سَعِيرُ
ومن شعره قوله:
لِيَ مِنْ وَجْهِكَ بَدْرٌ ... قَصَّرَتْ عَنْهُ البُدُورُ
أَيُّ أُفْقٍ لُحْتَ فِيهِ ... جُنْحَ لَيْلٍ لا يُنِيرُ
لَيْسَ إِلاَّ بِكَ يَا مَوْ ... لايَ يُحْتَلُّ السُّرُورُ
ومن العلماء
أبو العباس
أحمد بن محمد بن العريف الصنهاجي
عالم جليل، وزاهد مشهور، في مدة الملثمين، ومن مشهور شعره - وهو في صلة ابن بشكوال - قوله:سَلُوا عَنِ الشَّوْقِ مَنْ أَهْوَى فَإِنَّهُمُأَدْنَى إلَى النَّفْسِ مِنْ وَهْمِي وَمِنْ نَفَسِي
مَا زِلْتُ مُذْ سَكَنُوا قَلْبِي أَصُونُ لَهُمْلَحْظِي وَسَمْعِي وَنُطْقِي إِذْ هُمُ أُنُسِي
فَمَنْ رَسُولِي إِلَى قَلْبِي فَيَسْأَلَهُمْعَنْ مُشْكِلٍ مِنْ سُؤَالِ الصَبِّ مُلْتَبِسِ
حَلُّوا الفُؤَادَ فَمَا يَنْدَى وَلَوْ وَطِئُواصَخْرَاً لَجَادَ بِمَاءٍ مِنْهُ مُنْبَجِسِ
وَفِي الحَشَا نَزَلُوا وَالوَهْمُ يَجْرَحُهُمْفَكَيْفَ بَاتُوا عَلَى أَذْكَى مِنَ القَبَسِ
لأَنْهَضَنَّ مِنَ الدُّنْيَا بِحُبِّهِمْ ... لا بَارَكَ اللهُ فِي مَنْ خَانَهُمْ فَنَسِي
ومن الشعراء
أبو الحسين محمد بن سفر
شاعر المرية في عصره، الذي يغني ما أنشده من شعره، عن الإطناب في التنبيه على قدره، فمن ذلك قوله:لَوْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ زَوْرَقَ فِتْيَةٍ ... يُبْدِي بِهِمْ لُجُّ السُّرُورِ مِرَاحَهُ
وَقَدْ اسْتَدَارُوا تَحْتَ ظِلِّ شِرَاعِهِ ... كُلٌّ يَمُدُّ بِكَأْسِ رَاحٍ رَاحَهُ
لَحَسِبْتَهُ خَوْفَ العَوَاصِفِ طَائِرَاً ... مَدَّ الحَنَانُ عَلَى بَنِيهِ جَنَاحَهُ
وقوله:
يَا مَنْ رَأَى النَّهْرَ اسْتَثَارَ بِهِ الصَّبَاخَيْلاً لإِرْهَابِ الغُصُونِ المُيَّدِ
لَمَّا رَأَتْهَا سُدِّدَتْ تِلْقَاءَهُ ... قَرَنَتْ بِهِ خَيْلاً تَرُوحُ وَتَغْتَدِي
وَغَدَتْ تُدَرِّعُهُ وَلَمْ تَبْخَلْ لَهَا ... شَمْسُ الضُّحَى بِمَسَامِرٍ مِنْ عَسْجَدِ
وقوله:
وَقَهْوَةٍ شُعْشِعَتْ فَثَارَتْ ... فَأَكْثَرَ القَوْلَ مُبْصِرُوهَا
لا تُنْكِرُوا غَيْظَهَا امْتِعَاضَاً ... حِيْنَ غَدَا بَعْلَهَا أَبُوهَا
وقوله:
أَلا هَاتِهَا مِنْ يَدَيْ مَائِسٍ ... يُوَافِيكَ بِالأَمْرِ مِنْ فِصِّهِ
يُغَنِّي وَيَسْقِي وَمَهْمَا انْثَنَى ... أَمَالَ القَضِيبَ عَلَى دِعْصِهِ
إِذَا أَنَا لاحَظْتُهُ رَاقِصَاً ... خَلَعْتُ الفُؤَادَ عَلَى رَقْصِهِ
أبو الحسن علي بن المريني
شاعر وشاح مشهور ببلاد المغرب صحبه والدي، ومات في مدة منصور بن عبد المؤمن، وكان كثير التجول. ومن شعره قوله في أحمد بن كمال عظيم المرية:رُوَيْدَكَ حَتَّى تَجْتَنِي الوَرْدَ وَالزَّهْرَابِخَدٍّ أَبَى أَنْ يَعْرِفَ الهَائِمُ الصَّبْرَا
وَثَغْرٍ أَرَى أَلْحَاظَنَا مُعْجِزَاتِهِفَأَبْدَى لَنَا المُرْجَانَ بِالعَذْبِ وَالدُّرَّا
ومنها:
سَأَلْتُ مُحَيَّا الصُّبْحِ مِنْ أَيْنَ نُورُهُفَقَالَ سَلِ الشَّمْسَ المُنِيرَةَ وَالبَدْرَا
فَأَجْمَعَ كُلٌّ أَنَّهُ نُورُ أَحْمَدٍوَلَوْلا نَدَاهُ لَمْ نَرَ القَطْرَ وَالبَحْرَا
كَرِيمٌ بِهِ أَحْيَا الإلَهُ بِلاَدَنَاوَعَمَّرَهَا مِنْ بَعْدِ مَا أَصْبَحَتْ قَفْرَا
ومن شعره قوله:
رَأَيْنَاكَ مِثْلَ البَحْرِ يُوْرَدُ مَاؤُهُ ... مِرَارَاً فَلا يَفْنَى وَلا يَتَكَدَّرُ
وَنَشْكُرُ مَا أَوْلَيْتَ مِنْ كُلِّ غَايَةٍوَمَا قَدْ تَرَكْنَا مِنْ أَيَادِيكَ أَكْثَرُ
أحمد بن الحاج
المعروف بمدغليس الزجال
أزجاله مطبوعة إلى نهاية، وكان في دولة بني عبد المؤمن، ومن شعره قوله:مَا ضَرَّكُمْ لَوْ كَتَبْتُمْ ... حَرْفاً وَلَوْ بِاليَسَارِ
إِذْ أَنْتُمْ نُورُ عَيْنِي ... وَمَطْلَبِي وَاخْتِيَارِي
أبو الحسن علي بن حزمون
صاعقة من صواعق الهجاء، عاصر ابن عنين، وكان هذا في المغرب وهذا في المشرق. وأكثر قوله في طريقة التوشيح. ومن هجوه في طريقة الشعر قوله:تَأَمَّلْتُ فِي المِرْآَةِ وَجْهِي فَخِلْتُهُكَوَجْهِ عَجُوزٍ قَدْ أَشَارَتْ إِلَى اللَّهْوِ
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَهْجُو تَأَمَّلْ خَلِيقَتِيفَإِنَّ بِهَا مَا قَدْ أَرَدْتَ مِنَ الهَجْوِ
كَأَنَّ عَلَى الأَزْرَارِ مِنِّي عَوْرَةًتُنَادِي الوَرَى غُضُّوا وَلا تَنْظُرُوا نَحْوِي
فَلَوْ كُنْتُ مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ لَمْ أَكُنْمِنَ الرَائِقِ البَاهِي وَلا الطَّيِّبِ الحُلْوِ
وَأَقْبَحُ مِنْ مَرْآَيَ بَطْنِي فَإِنَّهُيُقَرْقِرُ مِثْلَ الرَّعْدِ فِي مَهَمَّةِ جَوِّ
وَإِلا كَقَلْبٍ بَيْنَ جَنْبَيْ مُحَمَّدٍسَلِيلِ بْنِ عِيسَى حِينَ فَرَّ وَلَمْ يَلْوِ
تَمِيلُ بِشِدْقَيْهِ إِلَى الأَرْضِ لِحْيَةٌتَظُنُّ بِهَا مَاءً يُفَرَّغُ مِنْ دَلْوِ
ثَقِيلٌ وَلَكِنَّ عَقْلَهُ مِثْلَ رِيشَةٍتُصَفِّقُهَا الأَرْوَاحُ فِي مَهَمَّةِ دَوِّ
الأهداب
موشحة لابن هرودس في عثمان بن عبد المؤمنيَالَيْلَةَ الوَصْلِ وَالسُّعُودِ بِاللهِ عُودِي
كَمْ بِتُّ فِي لَيْلَةِ التَمَنِّي
لا أَعْرِفُ الهَجْرَ وَالتَجَنِّي
أَلْثَمُ ثَغْرَ المُنَى وَأَجْنِي
مِنْ فَوْقِ رُمَّانَتَيْ نُهُودِ زَهْرَ الخُدُودِ
يَا لائِمِي إِطَّرِحْ مَلامِي
فَلا بَرَاحٌ عَنِ الغَرَامِ
إِلاَّ انْعِكَافِي عَلَى مُدَامِ
بِسَمْعِ صَوْتٍ وَنَقْرِ عُودِ مِنْ كَفِّ خُودِ
مَدْحُ الأَمِيرِ الأَجَلِّ أَوْلَى
السَّيِّدِ المَاجِدِ المُعَلَّى
تَاجِ المُلُوكِ السَنِيِّ الأعْلَى
أَفْضَلِ مَنْ سَارَ بِالجُنُودِ تَحْتَ البُنُودِ
أَكْرِمْ بِعَلْيَاهُ مِنْ هُمَامِ
إمَامُ هَدْيٍ وَابْنُ الإِمَامِ
مُبَدِّدُ الرُومِ بِالحُسَامِ
يَعْقِدُ فِي هَامَةِ الأَُسودِ بِيضَ الهُنُودِ
للهِ يَوْمٌ أَغَرُّ زَاهِرْ
قَدْ حَلَّ بِالأَندلُسِ آمِرْ
قَالُوا وَقَدْ وَافَتِ البَشَائِرْ
بِالمَلِكِ السَّيِّدِ السَّعِيدِ أَبِي سَعِيدِ
و لابن حزمون في القاضي القسطلي:
تَخُونُكَ العَيْنَانْ ... يَا أيُّهَا القَاضِي فَتَظْلِمْلا تَعْرِفُ الأشْهَادْ ... وَلا الذِي يُسَطَّرْ وَيُرْسَمْ
وكان أخفش.
ومن أخرى:
يَا نَاقِصاً فِي كَمَالْ
نَقْصَ الحَرْبِ الزَائِدِ فِي الأشْبَاحْ
وله قدرة على مضايقة القوافي كقوله في رثاء أبي الحملات قائد الأعنة ببلنسية وقد قتله النصارى:
يَا عَيْنُ بَكِّي السِّرَاجْ الأَزْهَرا ... النَّيِّرَا اللامِعْ
وَكَانَ نِعْمَ الرِّتَاجْ فكُسِّرَا ... كَيْ تُنْثَرَا مَدامِعْ
مِنْ آلِ سَعْدٍ أَغَرّْ ... مِثْلُ الشِّهَابِ المُتَّقِدْ
بَكَى جَمِيعُ البَشَرْ ... عَلَيْهِ لَمَّا أَنْ فُقِدْ
والمَشْرَفِيُّ الذَّكَرْ ... والسُمْهَرِيُّ المُطَّرِدْ
شَقَّ الصُفُوفَ وكَرّْ ... عَلَى العَدُوِّ مُتَّئِدْ
لَوْ أنَّهُ مُنْعاجْ عَلَى الوَرَى ... مِنَ الثَّرَى أَوْ رَاجِعْ
عَادَتْ لَنَا الأَفْرَاحْ بِلا افْتِرَا ... وَلا امْتِرَا تُضَاِجعْ
نَضَا لِبَاسُ الزَرَدْ ... وَخَاضَ مَوْجَ الفَيْلَقِ
وَلَمْ يَرُعْهُ عَدَدْ ... ذَاكَ الخَمِيسِ الأَزْرَقِ
وَالحُورُ تَلْثُمُ خَدّْ ... أَدِيمِهِ المُمَزَّقِ
وَكَانَ ذَاكَ الأَسَدْ ... فِي كُلِّ خَيْلِ يَلْتَقِي
إِذَا رَأَى الأَعْلاجْ وَكبَّرَا ... ثُمَّ انْبَرَى يُماصِعْ
رَأَيْتَهُمْ كَالدَّجَاجْ مُنَفَّرَا ... وَسْطَ العَرَا الوَاسِعْ
جَالَتْ بِتِلْكَ الفُجُوجْ ... تَحْتَ العِجَاجِ الأكْدَرِ
خُيُولُهُمْ فِي بُروجْ ... مِنَ الحَدِيدِ الأَخْضَرِ
يَا قِفْلَ تِلْكَ الفُرُوجْ ... وَلَيْتَهُ لَمْ يُكْسَرِ
جَعَلْتَ أرْضَ العُلُوجْ ... مَجْرَى الجِيادِ الضُمَّرِ
سَلَكْتَ مِنْهَا فِجَاجْ فَلا تَرَى ... إلاَّ القُرَى بَلاقِعْ
وَالخَيْلُ تَحْتَ العَجَاجْ لَهَا انْبَرَا ... ولِلْبُرَى قَعَاقِعْ
عَهْدِي بِتِلْكَ الجِّهَاتْ ... أبَى الهَوَى أَنْ أحْصِيَهْ
يَا حَادِيَ الرَّكْبِ هَاتْ ... حَدِّثْ لَنَا بِمُرْسِيَةْ
أوْدَى أبُو الحَمَلاتْ ... يَا وَيْحَهَا بَلَنْسِيَةْ
فِي طَاعَةِ اللهِ مَاتْ ... حَاشَا لَهُ أنْ يَعْصِيَهْ
مَضَى بِنَفْسٍ تُهاجْ مُصَبِّرَا ... مُصْطّبِرَا وَطَائِعْ
وَبَاعَهَا فِي الهَيَاجْ لَقَدْ دَرَى ... مَاذَا اشْتَرَى ذَا البَائِعْ
مَاءُ المَدَامِعِ صَابْ ... عَلَيْكَ أَوْلى أنْ يَجُوْدْ
سَقَى البَرِيَّةَ صَابْ ... رِزْءٌ أحَلَّكَ اللُّحُودْ
فَكُلَّ خَلْقٍ أَصَابْ ... إلاَّ النَّصَارَى وَاليَهُودْ
نَادَيْتُ قَلْباً مُصَابْ ... يَجْرِي عَلَى المَيْتِ العُهُودْ
يَا قَلْبِيَ المُهْتَاجْ تَصَبَّرَا ... زَانَ الثَّرَى مَدَافِعْ
ابْنُ أبي الحَجَّاجْ فَهَلْ تَرَى ... لَمَّا جَرَى مُدَافِعْ
؟
موشحة لابن المريني وتروى لليكي
مَا لِبَنَاتِ الهَدِيلْ ... مِنْ فَوْقِ أغْصَانِهَيَّجْنَ عِنْدَ الصَّبَاحْ ... شَوْقِي وَأحْزَانِي
بِهَاتِفَاتِ الغُصُونْ ... نَهْتِفُ أوْصَابِي
بِكُلِّ سَاجِي الجُفُونْ ... هَوَاهُ يُغْرِى بِي
فِي مُقْلَتَيْهِ مَنُوْنْ ... لِلْهَائِمِ الصَّابِي
غُصْنٌ وَلَكِنْ يَمِيلْ ... فِي دَعْصِ كُثْبَانِ
مِنْ وَجْهِهِ لِلْصَبَاحْ ... وَالقَدُّ لِلْبَانِ
هَيْهَاتَ أيْنَ الأمَلْ ... مِنْ غَادَةٍ رَوْدِ
تَزْهُو بِوَرْدِ الخَجَلْ ... وَقَدِّ أمْلُودِ
أَصْمَتْ بِسَهْمِ المُقَلْ ... فُؤَادَ مَعْمُودِ
فَكَمْ لَهَا مِنْ قَتِيلْ ... بِسِحْرِ أجْفَانِ
وَمُثْخَنٍ مِنْ جِرَاحْ ... رَهِينِ أحْزَانِ
هَيْهَاتَ لَوْ أنَصَفُوا ... مِنْ طَرْفٍ مَكْحُولِ
يَرْنُو بِهِ أوْطَفُ ... عَمْداً لِتَنْكِيلِ
إنْ لَمْ يَكُنْ يُوسُفُ ... نَجْلُ البَهَالِيلِ
يُجيرُ صَبّاً عَلِيلْ ... مِنْ جَوْرِ فَتَّانِ
يَرْنُو بِمَرْضَى صِحَاحْ ... تُثِيرُ أشْجَانِي
يَا دَهْرُ عَنِّي فَقَدْ ... ظَفَرْتُ بالمَرْغُوبْ
مِنْ مَاجِدٍ يُعْتَمَدْ ... عَلَيْهِ عِنْدَ الخُطُوبْ
مَا حَاتِمٌ فِي الصَّفَدْ ... إلاَّ أبُو يَعْقُوبْ
قَدْ صَحَّ مَا عَنْهُ قِيلْ ... هَذَا هُوَ الثَّانِي
كَفَّاهُ عِنْدَ السَّمَاحْ ... والغَيْثَ سَيَّانِ
وَغَادَةٍ مَا بِهَا ... إلاَّ هَوَىً وادِّكَارْ
تَهِيمُ مِنْ حُبِّهَا ... بِيُوسُفِ بْنِ خِيَارْ
غَنَّتْ إِلَى صَبِّهَا ... إذْ رَامَ حَلَّ الإزَارْ
ارْفُقْ عَلَيَّ قَلِيلْ ... بِحَلِّ هَمْيَانِي
وَاللهِ يَا مَوْلَى المِلاحْ ... مَا تَدْرِ مَا شَانِي
زجل لمدغليس
ثَلاثَ أشْيا فِالْبَساتِينْ ... لِسْ تُجَدْ في كُلِّ مَوْضِعْالنَّسيمْ وَالخَضْرَ وَالطَّيْرْ ... شِمْ وَاتْنَزَّهْ وإِسْمَعْ
قُمْ تَرَى النَّسِيمْ يُوَلْوِلْ ... وَالطُّيورْ عَلِهْ تِغَرِّدْ
وَالثِّمَارْ تُنْثُرْ جَوَاهِرْ ... في بِساطْ مِن الزُّمُرُّدْ
وبِوَسْطِ المرجِ الأخْضَرْ ... سقْيِ كالسِّيفِ المُجَرَّدْ
شبِّهتْ بالسيفِ لما ... شُفِتْ الغدِير مدرَّعْ
ورَذاذاً دقِّ يِنْزِلْ ... وشُعاعِ الشمسِ يِضْرَبْ
فتَرَىَ الواحِدْ يِفَضَّضْ ... وتَرَى الآخرْ يِذَهَّبْ
والنَّباتْ يِشْرَبْ ويِسْكَرْ ... والغُصُونْ تُرْقُصْ وِتِطْرَبْ
وتِرِيد تِجِي إِلِينَا ... ثُمَّ تِسْتِحِي وتِرْجَعْ
وجوارْ بِحَلْ حُور العِين ... في رِيَاضْ تُشْبِهْ لِجَنَّا
وعشيَّةً قصيرا ... تنظرَ الخُلْعَ تُجَنَّا
لِشْ تريدْ نفَارْقُوها ... وهيَّ تحْمِلْ طَاقَا عَنَّا
وكَأَنَّ الشَّمْسَ فيها ... وَجْهِ عاشقْ إِذ يِوَدَّعْ
إِسْتَمِعْ أُمْ الحُسُنْ كِفْ ... تِلْهِمَكْ إلى الخَلاعَا
بنَغَمْ تِرُدِّ الأشْياخ ... للمجونِ وللرَّقَاعَا
غَرَّدَتْ مِنْ غُدْوَ للِّيل ... ومَا كَرَّرِتْ صِنَاعا
يسْمَعِ الخُليعْ غِنَاهَا ... ويحُسْ قَلْبُ يِخَلَّعْ
زجل غيره له
قَدْ بِنْتْ نَتِخْلَعْ ... ونَحْزِمْ للعَذُولِ أنْ صَدَعْنِحِبّْ هَذَا الشَرَابْ مِنْ ذَاتِي
وَقَدْ نِسِيتْ بِهِ جَمِيعْ لَذَّاتِي
لَسْ نَسْتَحِي مِنْكِ يا شِيباتِي
كَاسْ يالله نِرْضَعْ ... وابْيَضْ أوْ اسْوَدْ أوْ اهْبُطْ لِي طْلَعْ
يِجِي عَلَى كَاسِ لِسْ نَغْلَقْ عَيْنْ
وَنِشْرَبُ صَافِي اثْنِينْ فِي اثْنِينْ
لأَنَّ نِخْشَى يِجِي صَحْبِ الدِّينْ
ويُقُولْ لِي إِقْلَعْ ... وَأنَا مِنَ الدُّنْيَا عَدْ لَمْ نِشْبَعْ
وله شعر ملحون على طريقة العامة منه:
صَحْبِةِ العُنْقِ المَلِيحِ المُخَلْخَلْ ... حُبِّي فِكْ ثَابِتْ ودِينِي مُخَلْخَلْ
وَعَلامَ بِعْتْ دِينِي بِحُبَّكْ ... لَوْ عَطِيتْ مَرْغُوبِي فِكْ لَسْ تِسْأَلْ
فَلَقَدْ عِنْدَكْ حَلاوَى لِي مِنَوَّعْ ... وجَمَالاً طَوْعْ إلامَ يَخْذَلْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:مملكة المرية
وهو:كتاب الجمانة، في حلي حصن مرشانة
بينه وبين المرية ثمانية عشر ميلاً منه:أبو إسحاق إبراهيم بن حكم
كاتب
باديس بن حبوس ملك غرناطة من المسهب: كان ناظماً ناثراً حسن المحادثة
لائقاً بخدمة الملوك، وترقى إلى أن استكتبه واستوزره باديس بن حبوس. ومن
شعره قوله:
صَابِحْ مُحَيَّاهُ تَلْقَ النَّجَحَ فِي الأمَلِوَانْظُرْ بِنَادِيهِ حُسْنَ الشَّمْسِ وَالحَمَلِ
مَا إِنْ يُلاقِي خَلِيلٌ فِيهِ مِنْ خَلَلٍوَكُلَّمَا حَالَ صَرْفُ الدَّهْرِ لَمْ يَحُلِ
وقوله:
أَيْنَ أيَّامِي عَلَى تِلْ ... كَ الرِّيَاضِ الزَّاهِرَاتِ
وَوُرُودِي ذَلِكَ الثَّغْ ... رَ بِرَفْضِ التُرَّهَاتِ
وَسَمَاعِي كُلَّ قَوْلٍ ... غَيْرَ قَوْلِ العَاذِلاتِ
فَلَقَدْ ضَاعَفَ رَبِّي ... في ذَرَاهَا سَيِّئَاتِي
يَا تُرَى يَوْمَ حِسَابِي ... كَيْفَ ألْقَى حَسَنَاتِي
لَيْسَ بِي والله إلاَّ ... مَسْكَنٌ لِلْحَسَرَاتِ
أبو محمد عبد الله بن خالص
من تقييد سلفي: أن بني خالص أعيان برشانة هذه، وأن أبا محمد نجب منهم في طريقة الأدب، وهو من الفضلاء الذين لحقوا الدولتين.ومن شعره قوله:
شَكَوْتُ بِمَا ألْقَاهُ مِنْ ألَمِ الهَوَىفَقَالُوا ضَعِيفُ حُبٍّ مَنْ يَظْهِرُ الشَّكْوَى
فَأَخْفَيْتُ مَا قَاسَيْتُ مِنْ لاعِجِ الجَوَىفَقَالُوا: يَدُلُّ الصَّمْتُ أنَّ بِهِ بَلْوَى
نَعَمْ صَدَقُوا لَكِنَّنِي لَسْتُ شَاكِيَاًإلَى غَيْرِ مَنْ يَحْوِي السَّرِيرَةَ والنَّجْوَى
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:مملكة المرية
وهو:كتاب نقش الحنش، في حلي حصن شنش
على مرحلة من المرية: وفيه شجر التوت كثير، بسبب الحرير، ولهم فيه غللٌ عظيمة. منه:الكاتب أبو محمد عبد الغني بن طاهر
كاتب عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة
أخبرني والدي: أنه لم يزل مع الملك المذكور في عزٍّ ونعمةٍ إلى أن وقع له على رسالة بعثها إلى أخيه أبي حفص بن عبد المؤمن ملك إشبيلية، فغار من ذلك وسمه فمات، ومن الرسالة: وَكَانَ سَيِّدُنَا - أَسْعَدَ اللهُ بِبَقَائِهِ الكَيَانْ - ، وَحلي بِدَوْلَتِهِ جِيدَ الزَّمَانْ، قَدْ أطْعَمَنِي بِطُلُوعِ فَجْرِهِ في رُؤْيَةِ شَمْسِهِ، وَشَوَّقَنِي إلَى غَدِهِ وَيَوْمِهِ، بِمَا أَلاحَ لي مِنْ كَرَامَةِ أَمْسِهِ، وَكَنْتُ قَدْ أَخَذْتُ إلَى مَقَامِهِ العَالِي فِي الانْتِقَال، فَأَشَارَ إشَارَةَ مُنْشِطْ، وَأَسْعَفَ إِسْعَافَ مُغْتَبِطْ، فَبَقِيتُ مُتَوَقَعَاً لِلَفْظِهِ، مُتَأمِّلاً إلَى وُرُودِ الالْتِفَاتِ ولَوْ بِلَحْظِهِ.فَلَوْ زَارَنِي مِنْ نَحْوِ أفْقِكَ بَارِقٌلَهَزَّ جَنَاحِي طَائِراً نَحْوَكَ الوِدُّ
ومَا عَلَى غَيْرِ يَدِكَ الكَرِيمَةِ، يَكُونُ مِنْ هَذَا المَكَانُ سِرَاحِي، ولا أَرْجُو مِنْ غَيْرِ الْتِفَائِكَ أنَ يَرَاشَ جَنَاحِي، فَاجْعَلْنِي بِبَالٍ مِنْ اعْتِنَائِكَ، فَإنِّي لَمْ أُوَجِّهْ وَجْهِي إلَى غَيْرِ رَجَائِكَ.
ومن شعره قوله:
تَبَسَّمَ شَيْبِي في عَذَارِي مُنَكِّباً ... فَقُلْتُ لَهُ يَا لَيْتَ طَرْفِي قَدْ عَمِي
فَقَالَ عَجِيبٌ بُغْضُ مَنْ لاحَ طَالِعاًكَصُبْحٍ وَلَمْ يُظْهِرْ خِلافَ التَّبَسُّمِ
وَلَمْ يَدْرِ أنَّ اللَّيْلَ وَالوَيْلَ طَيُّهُوَهَلْ هُوَ إِلاَّ مِثْلُ رَقْمٍ بِأَرْقَمِ
تَرَانِي أَهْوَاهُ وَقَدْ صَارَ مَنْ بِهِ ... أَهِيمُ إذَا مَا مَرَّ بِي لَمْ يُسَلِّمِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:مملكة المرية
وهو:كتاب لحظ الجؤذر، في حلي حصن دوجر
أخبرني والدي: أنه على وادي المرية، بينهما اثنا عشر ميلاً وهي في الغرب منها، ومنه:عبد الله بن فرة
أخبرني والدي: أنه شاعر، أظنه في المائة السادسة، ينسب له قوله:إِنْ شِئْتَ تَعْرِفُ أَحْوَالَ الأَنَامِ فَخُذْعَنْ عَالِمٍ بِهُمُ بَحَّاثِ أَسْرَارِ
النَّاسُ في هَذِهِ الدُّنْيَا كَمَا نَشَرُوايَوْمَ القِيَامَةِ مِعْيَارَاً بِمِعْيَارِ
شَخْصٌ مِنَ الأَلْفِ في عَدْنٍ مَحِلَّتُهُ ... وَسَائِرُ النَّاسِ في بَحْبُوحَةِ النَّارِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة المرية
وهو:كتاب البهجة، في حلي مدينة برجة
البساط
كان والدي متولعاً بالفرجة فيها، لما خصها الله به من حسن المنظر، أخبرني أن الجنات محدقة بها، وهي على نهر بهيج، يعرف بوادي عذراء، وفيه الفواكه الجليلة، وبها معدن الرصاص.العصابة
تارة يتكرر عليها الولاة من المرية، وتارة من غرناطة، ولكن الأغلب ولاية المرية، فلذلك أثبتناها في مملكتها.السلك
القواد
القائد
أبو محمد عبد الله بن سوار
أخبرني والدي: أنه من بيت رياسة وإمارة، وكان أبو محمد مع سلوك طريق آبائه في الجندية، مزاحماً لأهل الفضل. ومن شعره قوله:أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ رَقَّ وَرَاقَنِي ... وَكَانَ كَعَرْفٍ قَدْ تُنُشِّقَ عَنْ زَهْرِ
كَأَنَّ مَعَانِيهِ وَأَلْفَاظَ نَثْرِهِ ... كُؤُوسٌ وَقَدْ نَمَّتْ بِصَافِيَةِ الخَمْرِ
وقوله:
لَقَدْ طَالَ عَتْبِي لِلْزَمَانِ لأَنَّهُ ... يُقَصِّرُ عَمَّا يَقْتَضِيهِ نِصَابِي
وَإِنِّي لأَخْشَى أَنْ يُكَلِّفَنِي النَّوَى ... فَتَتْعَبَ في نَيْلِ العَلاَءِ رِكَابِي
ومن الكتاب
أبو بكر بن عمار
كاتب المتوكل بن هود سلطان الأندلس
اجتمعت به في غرناطة، وكان له حظ من الأدب، واشتهر قوله:قُلْ لِمَنْ يَشْهَدُ حَرْبَاً ... تَحْتَ رَايَاتِ ابْنِ هُوُدِ
ثُمَّ لا يُقْدِمُ فِيهَا ... مِثْلَ إِقْدَامِ الأُسُودِ
حُرِمَ الحَظَّ مِنَ الدُّنْ ... يَا وَمِنْ دَارِ الخُلُودِ
؟
ومن العلماء
أبو الفضل جعفر بن أبي عبد الله
بن شرف
والده أبو عبد الله أديب القيروان، ذكر الحجاري: أنه ولد له في برجة، وقد قيل إنه دخل به الأندلس صغيراً.ومن الذخيرة: ذو مرة لا تناقض، وعارضة لا تعارض، وذكر أنه حيٌ في عصره بالمرية، واشتهر بمدح المعتصم بن صمادح . الغرض مما أنشده من نظمه قوله من قصيدة فيه:
مَطَلَ اللَّيْلُ بِوَعْدِ الفَلَقِ ... وَتَشَكَّى النَّجْمُ طُولَ الأَرَقِ
وَأَلاحَ الفَجْرُ خَدَاً خَجِلاً ... جَالَ مِنْ رَشْحِ النَّدَى فِي عَرَقِ
جَاوَزَ اللَّيْلَ إِلَى أَنْجُمِهِ ... فَتَسَاقَطْنَ سُقُوطَ الوَرَقِ
وَاسْتَفَاضَ الصُّبْحُ فِيهَا فَيْضَةً ... أَيْقَنَ النَّجْمُ لَهَا بِالغَرَقِ
وقوله:
رَأَى الحُسْنُ مَا فِي خَدِّهِ مِنْ بَدَائِعٍفَأَعْجَبَهُ مَا ضَمَّ مِنْهُ وَطَرَّفَا
وَقَالَ لَقَدْ أَلْفَيْتُ فِيهِ نَوَادِرَاًفَقُلْتُ لَهُ لا بَلْ غَرِيبَاً مُصَنَّفَا
وقوله:
أَلا فَاسْقِنِيهَا وَالصَّبَاحُ كَأَنَّهُعَلَى الأُفُقِ الشَّرْقِيِّ ثَوْبُ مُمَزَّقُ
ومن القلائد: الناظم الناثر، الكثير المعالي والمآثر، إن نثر رأيت بحراً يزخر، وإن نظم قلد الأجياد دراً تباهي به وتفخر. ووصفه بمعرفة علم الأوائل. وله تصانيف. ومن حكمه: العالم مع العلم كالناظر للبحر، يستعظم مايرى والغائب عنه أكثر - الفاضل في الزمان السوء كالمصباح في البراح، قد كان يضيء لولا الرياح - لتكن بالحال المتزايدة، أغبط منك بالحال المتناهية، فالقمر آخر إبداره، أول إدباره - لتكن بقليلك أغبط منك بكثير غيرك، فإن الحي برجليه أقوى من الميت على أقدام الحملة، وهي ثمان - المتلبس بمال السلطان كالسفينة في البحر، إن أدخلت بعضه في جوفها أدخل جميعها في جوفه - ليس المحروم من سأل فلم يعط، وإنما المحروم من أعطي فلم يأخذ. وأحسن ما أثر له قوله:
تَقَلَّدَتْنِي اللَّيَالِي وَهِيَ مُدْبِرَةٌ ... كَأَنَّنِي صَارِمٌ فِي كَفِّ مُنْهَزِمِ
ومنها:
وَإِنَّ أَحْمَدَ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ عَظُمَتْ ... لَوَاحِدٌ مُفْرَدٌ فِي عَالَمٍ أُمَمِ
تُهْدَى المُلُوكُ بِهِ مِنْ بَعْدِ مَا نَكَصَتْكَمَا تَرَاجَعَ فَلُّ الجَّيْشِ بِالعَلَمِ
مِنَ المُلُوكِ الأُلَى اعْتَادَتْ أَوَائِلُهُمْسَحْبَ البُرُودِ وَمَشْجَ المِسْكِ بِاللَّمَمِ
زَادَتْ مُرُورُ اللَّيَالِي بَيْنَهُمُ شَرَفاًكَالسَّيْفِ يَزْدَادُ إِرْهَافَاً عَلَى القِدَمِ
تَسَنَّمُوا نَكَبَاتِ الدَّهْرِ وَاخْتَلَطُوامَعَ الخُطُوبِ اخْتِلاَطَ البُرْءِ بِالسُّقَمِ
وأطنب الحجاري في الثناء عليه، وعظمه في شعره، بقوله في ابن صمادح:
لَمْ يَبْقَ لِلْجُورِ فِي أَيَّامِكُمْ أَثَرٌإِلا لِلَّذِي فِي عُيُونِ الغِيدِ مِنْ حَوَرِ
وهو من شعراء المائة السادسة.
ابنه أبو عبد الله
محمد بن أبي الفضل
أخبرني والدي: أنه كان فيلسوفاً أديباً، ومن السمط: ذو السلف والشرف، والنخب والطرف. وذكر أنه اعتبط شاباً، وأنشد له:مَلاَمَكُمَا ظُلْمٌ عَلَيَّ وَعُدْوَانُ ... فَكُفَّا وَلَوْ أَنَّ المَلاَمَةَ إِحْسَانُ
تَقُولانِ مَنْ أَضْنَاكَ شَوْقاً وَلَوْعَةًأُولَئِكَ أَحْبَابِي يَكُونُونَ مَنْ كَانُوا
هُمُ زَهْرَةُ الدُّنْيَا عَلَى أَنَّهُمْ جَفَوْاوُهُمْ مَوْضِعُ اللُّقْيَا وَلَوْ أَنَّهُمْ بَانُوا
ومنها:
حَوْلِي مِنَ الأَعْدَاءِ وَاشٍ وَكَاشِحٌ ... وَغَيْرَانُ مَرْهُوبُ اللِّقَاءَةِ شَيْحَانُ
وَصَفْرَاءُ مِرْنَانُ لِفِرْقَةِ إِلْفِهَا ... وَأَبْيَضُ مَكْسُوٌّ وَأَسْمَرُ عُرْيَانُ
الأهداب
موشحة لأبي عبد الله المذكور
يَا رَبَّةَ العِقْدِ مَتَى تَقَلَّدْبِالأَنْجُمِ الزُّهْرِ ذَاكَ المُقَلَّدْ
مَنْ أَطْلَعَ البَدْرَا عَلَى جَبِينِكَ
وَأَوْدَعَ السِّحْرَا بَيْنَ جُفُونِكَ
وَرَوَّعَ السُّمْرَا بِفَرْطِ لِينِكَ
يَا لَكَ مِنْ قَدِّ مَهْمَا تَأَوَّدْ
أَهْدَى إِلَى الزَّهْرِ خَداً مُوَّرَّدْ
قُمْ فَاقْتَدِحِ زَنْدَا مِنَ العُقَارِ
قَدْ قُلِّدَتْ عِقْدَا مِنَ الدَّرَارِي
وَأُلْبِسَتْ بُرْدَا مِنَ النُّضَارِ
وَاشْرَبْ عَلَى وَرْدِ عَلْيَا مُحَمَّدْ
نَاهِيكَ مِنْ سِرِّ وَطِيبِ مَوْرِدْ
النَّصْرُ يَلْتَاحُ عَلَى عُلاهُ
الزَّهْرُ يَرْتَاحُ إِلَى نَدَاهُ
مَا الصُّبْحُ وَضَّاحُ لَوْ لا سُرَاهُ
فَالْبِسْ مِنَ المَجْدِ بُرْدَاً مُعَضَّدْ
وَانْظُمْ مِنَ الشِّعْرِ دُرَّا مُنَضَّدْ
للهِ مَا أَعْلَى فِي كُلِّ حَالِ
مَلْكٌ اسْتَوْلَى عَلَى الكَمَالِ
مَقَلَّدَاً نَصْلا مِنَ الجَّلالِ
يَهُزُّ لِلْمَجْدِ نَصْلاً مُهَنَّدْ
يَهُبُّ بِالنَّصْرِ فِي كُلِّ مَشْهَدْ
أَنْعَمُ مِنَ الحُسْنَا بِكُلِّ حُسْنِ
فِي الشَّرَفِ الأَسَى وَظِلِّ أَمْنِ
يَا صِدْقَ مَنْ غَنَّى وَأَنْتَ تُغَنِّي
مَا كَوْكَبُ المَجْدِ إِلاَّ مُحَمَّدْ
فَرَايَةُ الأَمْرِ عَلَيْهِ تُعْقَدْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة المرية
وهو:كتاب إيضاح الغبش، في حلي مدينة أندرش
من المسهب: قطعة من جنات النعيم، ذات ثغرٍ بسامٍ وخدٍ رقيم. قال ابن سعيد: جزت عليها مع والدي، فأبصرنا منظراً فتانا. وقال والدي في نهرها:خَلِّنِي فِي نَهْرِ أَنْدَرَشِ ... كَيْ أُرَوِّي عِنْدَهُ عَطَشِي
مُدَّ مِنْهُ مِعْصَمٌ نَضِرٌ ... فِي بَسِيطٍ بِالرِّيَاضِ وُشِي
عِنْدَمَا أَبْصَرُْ بَهْجَتَهُ ... حِرْتُ مِنْ فِكْرٍ وَمِنْ دَهَشِ
أبو بكر عيسى بن وكيل
من
السمط: ذو الذهن الصقيل، ومطارح الورق في ندب الهديل، المتصرف كيف شاء
فيما شاء من غرادٍ وعويل. بكته الغرب، ومحي رسوم العرب. وأنشد له القصيدة
القافية المشهورة التي قالها في ابن عشرة حين خلصه من السجن يسلا، وأدى عنه
للسلطان ما انكسر عليه في العمل من المال:
سَلِ البَّرْقَ إِذْ يَلْتَاحُ مِنْ جَانِبِ البَلْقَاأَقِرْطَيْ سُلَيْمَى أَمْ فُؤَادِي حَكَى خَفَقَا
وَلِمْ أَسْبَلَتْ تِلْكَ الغَمَامَةُ دَمْعَهَاأَرِيْعَتْ لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ ذَاقَتِ العِشْقَا
وَلِلْرِّيحِ هَلْ جَاءَتْ بِعَرْفِ أَحِبَّتِيوِإِلاَّ فَلِمْ فَاحَ النَّسِيمُ وَلِمْ رَقَّا
ومنها:
وَلَمَّا دَهَانِي حَمْلُ مَا لا أُطِيقُهُمِنَ النُّوَبِ اسْتَمْسَكْتُ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى
ومن
المسهب: أحد أعلام الزمان، وأفراد الأوان، أدب نفس، وأدب درسٍ، غذاه در
العلوم، فبرع في المنثور والمنظوم، وهو من صحبته، فأحمدت صحبته، ومدحته
بقصيدة منها:
إِلَى ابْنِ وَكِيلٍ وَكَلْتُ المُنَى ... ضَمَانٌ عَلَيْهِ بِأَنْ تَنْجَحَا
وقد تقدم له أبيات حسان في طليطلة.
مملكة تدمير
كتاب الأنس، في حلي شرق الأندلس
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب جزيرة الأندلس
وهو:كتاب الأنس، في حلي شرق الأندلس
ينقسم إلى: كتاب التثمير، في حلي مملكة تدمير كتاب الروضة النرجسية، في حلي المملكة البلنسية كتاب الفصوص المنقوشة، في حلي مملكة طرطوشة كتاب شفاء الغلة، في حلي مملكة السهلة كتاب ابتسام الثغر، في حلي جهات الثغر كتاب اللمعة البرقية، في حلي المملكة الميورقيةكتاب التثمير، في حلي مملكة تدمير
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يحتوي عليها:كتاب شرق الأندلس
وهو:كتاب التثمير، في حلي مملكة تدمير
ينقسم إلى: كتاب النغمة المنسية، في حلي حضرة مرسية كتاب رونق الجدة، في حلي قرية كتندة كتاب الاستعانة، في حلي قرية منتانة كتاب الأيكة، في حلي حصن يكة كتاب الكثب المنهالة، في حلي حصن تنتالة كتاب المودة الموصولة، في حلي مدينة مولة كتاب الليانة، في حلي مدينة بليانة كتاب الأرش، في حلي مدينة ألش كتاب النحت، في حلي مدينة لقنت كتاب النشقة، في حلي مدينة لورقة كتاب البرد المطرز، في حلي قرية برزز كتاب النعمة المبذولة، في حلي مدينة أريولة كتاب الأشهر المهلة، في حلي مدينة الرلة عدة هذه الكتب ثلاثة عشر.بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة تدمير
وهو:كتاب النغمة المنسية، في حلي حضرة مرسية
هي عروس لها تاج، وسلك، وأهداب.المنصة:
من كتاب الرازي: هي من بنيان عبد الرحمن بن الحكم المرواني سلطان الأندلس.ومن المسهب: مرسية أخت إشبيلية: هذه بستان شرق الأندلس، وهذه بستان غربها: قد قسم الله بينهما النهر الأعظم، فأعطى هذه الذراع الشرقي، وأعطى هذه الذراع الغربي، ولمرسية مزية تيسير السقيا منه، وليست كذلك إشبيلية لأن نهر مرسية يركب أرضها، وإشبيلية تركب نهرها. ولمرسية فضل ما يصنع فيها من أصناف الحلل والديباج، وهي حاضرةٌ عظيمةٌ شريفة المكان، كثيرة الإمكان.
وقال الحضرمي: كما يتجهز الفارس من تلمسان، كذلك تتجهز العروس من مرسية. ومن متفرجاتها المشهورة الرشاقة، والزنقات، وجبل أيل، وهو جبل شعبذات، وتحته بساتين، وبسيطٌ تسرح فيه العيون.
التاج
تملكها بالثيارة في مدة بانيها:عبد الله بن سلطان الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام المرواني
عبدالله بن عبد الحمن بن معاوية
ذكر
صاحب السقط: أنه سمت نفسه بعد أبيه لطلب الأمر، فناقض أخاه هشام بن عبد
الرحمن سلطان الأندلس، وشايع أخاه الخارج عليه سليمان بن عبد الرحمن وكان
حريصاً محروماً مما طلبه، حارب أخاه هشاماً، ثم حارب ابن أخيه الحكم بن
هشام ثم حارب عبد الرحمن بن الحكم.وفي مدة كل واحد منهم يهزم ويقصى، وبعد
ذلك لا يني عن طلب الأمر، وآل أمره مع عبد الرحمن إلى أن خطب في جامع
مرسية، ودعا على الظالم بينهما، فعاجله الله بالمنية، دون بلوغ أمنية.
وثار بها في مدة ملوك الطوائف.
المرتضي بن عبد الرحمن بن محمد
المرواني الناصري
وبايعه الموالي العامرية الذين تغلبوا على الممالك، وزحفوا به إلى غرناطة، فهزمه عليها صنهاجة، وقتل في تلك الوقعة، وصارت مرسية إلى تدبير:أبي عبد الرحمن بن طاهر
وهو أحد أعيانها وترجمته في القلائد، ومن كلام الفتح في شأنه: به بدئ البيان وختم، وعليه ثبت الإحسان وارتسم،وعنه افتر الزمان وابتسم. وأورد له نثراً، وذكر أخذ بن عمارٍ مرسية من يده، وانحيازه إلى بلنسية، وحضوره وفاته بها سنة سبع وخمسمائة، وقد نيف على التسعين.عنوان من نثره: من كتاب خاطب به المأمون بن ذي النون صاحب طليطلة: الآنَ عَادَ الشَّبَابُ خَيْرَ مَعَادِهِ، وَابْيَضَّ الرَّجَاءُ بَعْدَ سَوَادِهِ، وَتَرَكَ الزَّمَاُن فَضْلَ عَنَانِهِ، فَلِلَّهِ الشُّكْرُ المُرَدَّدْ بِإِحْسَانِهِ، وَوَافَانِي - أَيَّدَكَ اللهُ - كِتَابٌ كَرِيمٌ، كَمَا طَرَزَ البَدْرُ النَّهَرَ، أَوْ كَمَا بَلَّلَ الغَيْثُ الزَّهَرَ، وَطَوَّقَنِي طَوْقُ الحَمَامَةِ، وَأَلْبَسَنِي ظِلَّ الغَمَامَةِ، وَأَثْبَتَ لِي فَوْقَ النَّجْمِ مَنْزِلَةً، وَأَرَانِي الخُطُوبَ نَائِيَةً عَنِي وَمُعْتَزِلَةْ، فَوَضَعْتُهُ عَلَى رَأْسِي إِجْلالاً، وَلَثَمْتُ كُلَّ سُطُورِهِ احْتِفَاءً وَاحْتِفَالا.
وأخذها منه أبوبكر بن عمار وزير ابن عباد، وثار فيها لنفسه. وقد ذكرت ترجمته في جهة شلب.
وثار فيها على ابن عمار:
القائد عبد الرحمن بن رشيق
ولم يزل يدبر أمر مرسية، إلى أن ثار عليه بمعقل لورقة، صاحبها:أبو الحسن بن اليسع
فملك مرسية باسم المعتمد بن عباد، ولاه ابن عباد مملكتها، وترجمته في القلائد. ومن ذكره فيها: عامر أندية النشوة، وطلاع ثنايا الصبوة، كلف بالحميا كلف حارثه بن بدر، وهام بفتى سماطٍ وفتاة خدر، فجعل للمجون موسماً، وأثبته في جبين أوانه ميسما.وذكر أن أهل مرسية عزموا على قتله، ففر عنهم.
وأنشد له يخاطب أبا بكر بن اللبانة، وكانا على طؤيقين، فلم يلتقيا:
تُشْرِقُ آَمَالِي وَسَعْيِي يُغَرِّبُ ... وَتَطْلُعُ أَوْجَالِي وَأُنْسِيَ يَغْرُبُ
سَرَيْتُ أَبَا بَكْرٍ إِلَيْكَ وَإِنَّمَاأَنَا الكَوْكَبُ السَّارِي تَخَطَّاهُ كَوْكَبُ
فَبِاللهِ إِلاَّ مَا مَنَحْتَ تَحِيَّةًتَكُرُّ بِهَا السَّبْعُ الدَّرَارِي وَتَذْهَبُ
كَتَبْتُ عَلَى حَالَيْنِ: بُعْدٍ وَعُجْمَةٍفَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَدْنُو فَيُعْرِبُ
وذكر: أنه وصل إلى المعتمد بن عباد، ووصل إلى زيارته أبو الحسين بن سراج، وأبو بكر ابن القبطورنة، فخرج وهو دهشٌ على غفلة، ولما انصرفا كتبا إليه بما اقتضاه الحال، التي قدراها:
سَمِعْنَا خَشْفَةَ الخِشْفِ ... وَشِمْنَا طَرْفَةَ الطَّرْفِ
وَصَدَّقْنَا وَلَمْ نَقْطَعْ ... وَكَذَّبْنَا وَلَمْ نَنْفِ
وَأَغْضَيْنَا لإِجْلاَلِ ... كَ عَنْ أُكْرُومَةِ الظِرْفِ
وَلَمْ تُنْصِفْ وَقَدْ جِئْنَا ... كَ مَا نَنْهَضُ مِنْ ضِعْفِ
وَكَانَ الحَقُّ أَنْ تَحْمِ ... لَ أَوْ تُرْدِفَ فِي الرِّدْفِ
فراجعهما بقطعة منها:
أَيَا أَسَفِي على حالٍ ... سُلِبْتُ بِهَا مِنَ الظَّرْفِ
ويا لهفي على جَهْلِي ... بضَيْفٍ كانَ مِنْ صِنْفِ
وصارت مرسية بعد ذلك للملثمين، وتوالت عليها ولاتهم، إلى أن ملكها في الفتنة التي كانت عليهم:
الأمير المجاهد
أبو محمد عبد الله بن عياض
وكان من أبطال المسلمين غازياً للنصارى. وآل أمره إلى أن جاء سهم من نصراني قتله رحمة الله عليه، وقد ثار بعده صهره:
أبو عبد الله محمد بن سعد
المشهور بابن مرذنيش
وقد عظمه صاحب فرحة الأنفس، وذكر: أنه أولى من ذكرت مفاخره من ملوك تلك الفتنة، وجل قدره، حتى ملك مدينة جيان، ومدينة غرناطة وما بينهما، ومدينة بلنسية، ومدينة طرطوشة. وصادف دخول عساكر بني عبد المؤمن إلى الأندلس، فكابد منهم من العظائم والهزائم، ما ثبت له فيه صرامته، إلا أنه استحال حين اشتدت الأمور عليه، فصار يعذب على الأموال، ويرتكب في شأن تحصيلها القبائح، ويسلخ الوجوه، وينفخ في الأدبار، وقتل حتى أخته وأولادها، ولم يزل في ملكه إلى أن مات على فراشه.وبعده صارت مرسية ليوسف بن عبد المؤمن وتوالت عليها ولاة بني عبد المؤمن، إلى أن ثار بها منهم عبد الله بن المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن، وصحت له الخلافة، إلى أن ثار بجهاتها:
المتوكل
محمد بن يوسف بن هود الجذامي
وادعى أنه من بني هود الذين كانوا ملوكاً بثغر سرقسطة، وآل أمره إلى أن ملك مرسية، ونهض إليه مأمون بني عبد المؤمن، وحصره بها، فانصرف عنه، فثارت بلاد الأندلس على المأمون، وانقادت لابن هود. وكان ذلك في سنة خمس وعشرين وستمائة، وصدرت المخاطبات عنه بأمير المسلمين المتوكل على الله. وكان عامياً جاهلاً مشؤوماً على الأندلس، كأنما كان عقوبة لأهلها، فيه زويت محاسنها، وطوي بساطها، ونثر سلكها، جبرها الله.تحرك أول أمره إلى غربها، فهزمه النصارى على المدينة العظمى ماردة، ثم أخذوها، وسلسلوا في أخذ ما حولها، وما زالوا يأخذون المدن والمعاقل في حياته، ويهزمونه هزيمة بعد أخرى، إلى أن أراح الله منه على يد وزيره محمد بن الرميمي قتله بالليل غيلة في مدينة المرية، وقد نقب نقباً في قصره. وثار أعيان الأندلس بعده في البلاد، ولم ينقادوا لولده الذي لقبه بالواثق، وأخرجه عمه من مرسية.
وآل أمر مرسية إلى أن جعلت لعم المتوكل بن هود، بفريضةٍ للنصارى وخدمةٍ. ومما اشتهر من حكاياته المضحكة في الجهل أنه لما دخل مرسية، وبايعه أهلها على الملك، وصلى الجمعة خلف الإمام، سلم الإمام، فرد رأسه إليه ابن هود وقال بصوت عال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. فأضحك من حضر.
وولى قرابته الأرذلين من بين شعار، وخباز، وقيم حمام، ومناد، على ممالك الأندلس، فقضى ذلك يتشتيت شملها، والله يعيد بهجتها.
وثار بها على بني هود:
عزيز بن خطاب
وكان عالماً مشهوراً بالزهد والانقباض عن الدنيا، فصار ملكاً جباراً سفاكاً للدماء، حتى كرهته القلوب، وغضت عن طلعته الأعين، وارتفعت في الدعاء عليه الألسن، فقتله الله على يد زيان بن مرذنيش. ثم أخرج أهل مرسية ابن مرذنيش المذكور، وصارت لبني هود والنصارى.ومن شعر عزيز بن خطاب المذكور قوله:
ارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تَكُونَ مُتَابِعَاًمَا الحُرُّ إِلاَّ مَنْ يَؤُمُّ فَيُتْبَعُ
لاَ يَدْفَعَنَّ الذُلُّ عَنْكَ مُقَدَّرَاً ... مَا بِالخُضُوعِ تَنَالُ مَا يُتَوَقَّعُ
السلك
من الكتاب
أبو عامر بن عقيد
من المسهب: من جهات مرسية، ناظم ناثر غير خامل المكان، ولا منكر الإحسان، كتب عن ملك شرق الأندلس إبراهيم بن يوسف بن تاشفين، ورفع عنه إليه أنه يفشي سره، ويقع فيه، فاعتقله، فكتب إليه شعراً، منه قوله:أَتَأْخُذُنِي بِذَنْبٍ ثُمَّ تَنْسَى ... مِنَ الحَسَنَاتِ أَلْفَاً ثُمَّ أَلْفَا
وَتَتْرُكُنِي لأَسْيَافِ الأَعَادِي ... وَلَيْسَ يَهُزُّ قَوْلِي مِنْكَ عِطْفَا
كَأَنَّكَ مَا ثَنَيْتَ إِلَيَّ لَحْظَاً ... كَأَنَّكَ مَا مَدَدْتَ إِلَىَّ كَفَّا
جَعَلْتَ أَبِي عَلَى رِجْلِي وَمَا إِنْ ... لَهُ ذَنْبٌ يُهَانُ بِهِ وَيُجْفَى
فأعجبه ما داعب به في البيت الأخير وأعاده إلى ما كان عليه.
ومن كتاب فرحة الأنفس: أنه كتب عن ابن تاشفين المذكور في عبور أخيه أمير المسلمين علي بن يوسف إلى الأندلس: كان جوازه - أيده الله - من مرسى جزيرة طريف على بحر ساكن قد ذل بعد استصعابه، وسهل بعد أن أرى الشامخ من هضابه، وصار حيه ميتاً، وهدره صمتاً، وأمواجه لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، وضعف تعاطيه، وعقد السلم بين موجه وشاطيه، فعبره آمناً من لهواته، متملكاً لصهواته، على جواد يقطع الخرق سبحاً، ويكاد يسبق البرق لمحاً، لم يحمل لجاماً ولا سرجاً، ولا عهد غير اللجة الخضراء مرجاً، عنانه في رجله، وهدب العين تحلي بعض شكله.
أبو يعقوب يوسف بن الجذع
كاتب ابن مرذنيش
وقع بينه وبين أخيه ما أوجب أن كتب له:يَا أَخِي مَا الذِي يُفِيدُ الإِخَاءُ ... وَطَرِيْقُ الوِدَادِ مِنَّا خَلاَءُ
وَلَقَدْ كُنْتَ لِي كَمَا أَنَا عَضْدَاً ... فَأَحَالَتْ صَفَاءَكَ القُرْنَاءُ
فَسَلامٌ عَلَيْكَ مِنِّي يَأْسَاً ... لِي إِبَاءٌ كَمَا لَدَيْكَ إِبَاءُ
أخوه
أبو محمد عبد الله
جاوبه عن الأبيات بقوله:يَا أَخِي لا يَضِعْ لَدَيْكَ الإِخَاءُ ... وَتَثَبَّتْ فَلَيْسَ عَنْكَ غَنَاءُ
وَكَمَا كُنْتَ لَسْتُ أَبْرَحُ عَضْدَاً ... لَمْ يُحِلْنِي عَنِ الهَوَى القُرْنَاءُ
فَعَلَيْكَ السَّلاَمُ مِنِّي وُدَّاً ... لِي انْقِيَادٌ كَمَا لَدَيْكَ إِبَاءُ
أبو جعفر أحمد السلمي
كتب عن ابن مرذنيش، وعن ابن همشك، وكان فيه لطفٌ وخفة روح، يرقيانه إلى منادمة الملوك، فنادمه ابن مرذنيش، وهو القائل في مجلسه:أَدِرْ كُؤُوسَ المُدَامِ وَالدَّزِّ ... فَقَدْ ظَفِرْنَا بِدَوْلَةِ العِزِّ
وَمَكِّنِ الكَفَّ مِنْ قَفَا حَسَنٍ ... فَإِنَّهُ فِي لِيَانَةِ الخَزِّ
الدَّزُّ بَزُّ القَفَا وَخِلْعَتُهُ ... فَاخْلَعْ عَلَيْنَا مِنْ ذَلِكَ البّزِّ
أبو علي بن حسان كاتب ابن مرذنيش
ومن شعره قوله:أَيَا قَوْمُ دُلُّونِي فَقَدْ حِرْتُ فِي أَمْرِيوَتُهْتُ بِلَيْلٍ لاَ يَؤُولُ إِلَى فَجْرِ
أَرَى خِدْمَةَ السُّلْطَانِ كَدَاً مُلاَزِمَاًوَحَرْبَاً لِحُسَّادٍ يَجِيشُ بِهَا صَدْرِي
وَفِي تَرْكِهَا فَقْرٌ وَطُولُ مَذَلَّةٍأَبَى اللهُ أَنْ يَصْفُو جَنَابٌ مِنَ الدَّهْرِ
أبو محمد عبد الله بن حامد
كاتب العادل من بني عبد المؤمن
وصل معه إلى إشبيلية لما فتحها، فقال قصيدة منها:هَذِهِ حِمْصٌ فَقَدْ تَمَّ الأَمَلْ ... سَارَتِ الشَّمْسُ فَحَلَّتْ بِالحَمَلْ
كُنْتَ كَالسَّيْفِ ثَوَى فِي خِلَلٍ ... ثُمَّ لَمَّا هَمَّ لَمْ يَبْقَ خَلَلْ
العمال
أبو رجال بن غلبون
ولي أعمال مرسية في مدة يوسف بن عبد المؤمن، وأنشد له صاحب زاد المسافر من قصيدة:بُشْرَى بِهَا تَتَهَادَى الضُمَّرُ القُوُدُ ... وَخَيْرُهَا بِنَوَاصِي الخَيْلِ مَعْقُودُ
وَأَيَّةً سَلَكَتْ مِنْ سَهْلٍ أَوْ جَبَلٍ ... طَلْعٌ نَضِيدٌ بِهَا أَوْ جَنَّةٌ رُودُ
ذوو البيوت
أبو العلاء بن صهيب
من القلائد: نبيل المشارع، جميل المنازع، كريم العهد، ذو خلائق كالشهد، مع فخر متأصل، وفهم إلى كل غامض متوصل، وذكر الفساد الذي وقع بينه وبين أبي أمية قاضي مرسية، وأهاجيه فيه، وأثر له قوله :ذَكَرْتُ وَقَدْ نَمَّ الرِّيَاضُ بِعُرْفِهِفَأَبْدَى جُمَانَ الطَّلِّ فِي الزَّهَرِ النَّضِرِ
حَدِيثاً وَمَرْأَى لِلْسَّعِيدِ يَرُوقُنِيكَمَا رَاقَ حُسْنُ الشَّمْسِ فِي صَفْحَةِ الزَّهْرِ
سَرَيْتَ وَثَوْبُ اللَّيْلِ أَسْوَدُ حَالِكٌفَشَقَّ بِذَاكَ السَّيْرِ عَنْ غُرَّةِ البَدْرِ
فَلا أُفْقَ إِلاَّ مِنْ جَبِينِكَ نُورُهُ ... وَلا قَطْرَ إِلاَّ فِي أَنَامِلِكَ العَشْرِ
وَعِنْدِي حَدِيثٌ مِنْ عُلاَكَ عَلِقْتُهُيَسيرُ كَمَا سَارَ النَّسِيمُ عَنِ الزَّهْرِ
أبو علي الحسين بن أم الحور
كان منادماً لأبي جعفر الوقشي وزير ابن همشك، وعيناً من أعيان مرسية، ومن شعره قوله:
وَزِنْجِيٍّ أَتَى بِقَضِيب نُورٍ ... وَقَدْ حَفَّتْ بِنَا بِنْتُ الكُرُومِ
فَقَالَ فَتَىً مِنَ الفِتْيَانِ صِفْهُ ... فَقُلْتُ اللَّيْلُ أَقْبَلَ بِالنُّجُومِ
الحكام
قاضي مرسية
أبو أمية إبراهيم بن عصام
من القلائد: هضبة علاء لا تفرعها الأوهام، وجملة ذكاء لا تشرحها الأفهام، هزم الكتائب بمضائه، ونظم الرياسة في سلك قضائه، إذا عقد حباه أطرق الدهر توقيراً، وخلته من تهيبه عقيراً.كتب إليه ابن الحاج :
مَا زِلْتُ أَضْرِبُ فِي عُلاَكَ بِمِقْوَلِيدَأْبَاً، وَأُوْرِدُ فِي رِضَاكَ وَأُصْدِرُ
وَاليَوْمَ أَعْذُرُ مَنْ يُطِيلُ مَلامَةً ... وَأَقُولُ زِدْ شَكْوَى فَأَنْتَ مُقَصِّرُ
فراجعه أبو أمية:
الفَخْرُ يَأْبَى وَالسِّيَادَةُ تَحْجُرُ ... أَنْ يَسْتَبِيحَ حِمَى الوَقَارِ مُزَوِّرُ
وَعَلَيْكَ أَنْ تُرْضِي بِسَمْعِ مِلامَةٍ ... عَيْنَ السَّنَاءِ وَعَهْدُهُ لا يُخْفَرُ
وَلَدَيَّ إِنْ نَفَثَ الصَّدِيقُ لِرَاحَةِ ... صَبْرُ الوَفَاءِ وَشِيمَةٌ لا تَغْدِرُ
ابنه أبو محمد
عبد الحق قاضي لورقة
أثنى عليه الحجاري وذكر أنه ارتجل بمحضره في غلام راعٍ لغنم:وَا بِأَبِي أَغْيَدَ فِي قَفْرَةٍ ... كَأَنَّهُ ظَبْيٌ غَدَا شَارِدَا
أَقْسَمْتُ لَوْ لا أَعْيُنٌ حَوْلَنَا ... لَكُنْتُ فِي القَفْرِ لَهُ صَائِدَا
العلماء
أبو الحسن علي بن إسماعيل
بن سيده الأعمى اللغوي
من المسهب: لا يعلم بالأندلس أشد اعتناءً من هذا الرجل باللغة، ولا أعظم تواليف، تفخر مرسية به أعظم فخر، طرزت به برد الدهر، وهو عندي فوق أن يوصف بحافظ أو عالم، وأكثر شهرته في علم اللغة، ومن شعره قوله:لا تَضْجَرَنَّ فَمَا سِوَاكَ مُؤَمَّلُ ... وَلَدَيْكَ يَحْسُنُ لِلْكِرَامِ تَذَلُّلُ
وَإِذَا السَّحَابُ أَتَتْ بِوَاصِلِ دَرِّهَافَمَنْ الذِي فِي الرِّيِّ عَنْهَا يَسْأَلُ
أَنْتَ الذِي عَوَّدْتَنَا طَلَبَ المُنَى ... لا زِلْتَ تَعْلَمُ فِي العُلا مَا يُجْهَلُ
وذكر الحميدي: أنه كان في خدمة الموفق مجاهد العامري ملك دانية.
أبو إسحاق إبراهيم بن عامر النحوي
لقيه والدي، وذكر: أن ابن زهر وقع له على ورقة شعرٍ، كتب له به، فلم يرضه: " وما أوتيتم من الشعر إلا قليلاً " .وله:
لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ أَلْفَاً غَيْرَ وَاحِدَةٍيَا مَنْ دَعَانِي نَحْوَ العِزِّ وَالشَّرَفِ
مَا كُنْتُ دُونَكَ إِلاَّ الشَّمْسَ فِي سُحُبٍوَالمَاءَ فِي حَجَرٍ وَالدُّرَّ فِي صَدَفِ
أبو البحر صفوان بن إدريس
هو أنبه الأندلس في عصره، وله كتاب زاد المسافر في أعلام أوانه في النظم. وساد عند منصور بني عبد المؤمن، واشتهر أنه قصد حضرة مراكش، ومدح أعيانها، فلم يحصل منهم على طائل، فأقسم ألا يعود لمدح أحد منهم، وقصر أمداحه على أهل البيت عليهم السلام وأكثر من تابين الحسين رضي الله عنه، فرأى المنصور في منامه النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له فيه وسماه له، فقام المنصور وسأل عنه، فعرف قصته، فأغناه عن الخلق من يومئذ.وله الأبيات التي يغنى بها في الآفاق، وهي:
يَا حُسْنَهُ وَالحُسْنُ بَعْضُ صِفَاتِهِ ... وَالسِّحْرُ مَقْصُورٌ عَلَى حَرَكَاتِهِ
بَدْرٌ لَوْ أَنَّ البَدْرَ قِيلَ لَهُ اقْتَرِحْأَمَلاً لَقَالَ أَكُونُ مِنْ هَالاتِهِ
يُعْطَى ارْتِيَاحَ الحُسْنِ غُصْنٌ أَمْلَدٌحَمَلَ الصَّبَاحَ فَكَانَ مِنْ زَهَرَاتِهِ
وَالخَالُ يَنْقُطُ فِي صَحِيفَةِ خَدِّهِ ... مَا خَطَّ مِسْكُ الصَّدْغِ مِنْ نُونَاتِهِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة تدمير
وهو:كتاب الاستعانة، في حلي مدينة منتانة
من قرى مرسية، منها:أبو العباس أحمد المنتاني
كاتب أبي سعيد بن أبي حفص صاحب إفريقية
صحبه والدي. ومن شعره قوله في غلام من أبناء الفلاحين:رُبَّ ظَبْيٍ قَدْ تَصَدَّى لِلأَسَدْ ... أَشْعَثِ الطِّمْرَيْنِ مُغْبَرَّ الجَسَدْ
لاحَ كَالسَّيْفِ عَلاهُ صَدَأْ ... فَدَرَى النَّاظِرُ مَا فِيهِ انْتَقَدْ
وقد مات رحمه الله.
وله من موشحة:
اشْرَبْ عَلَى مَبْسِمِ الزَّهْرِ ... حِينَ رَقَّ الأَصِيلْ
وَالشَّمْسُ تَجْنَحُ لِلْغَرْبِ ... وَالنَّسِيمُ عَلِيلْ
وَكُلُّنَا مِثْلُ وُرْقٍ ... لَهَا لَدَيْنَا هَدِيلْ
وَالكَأْسُ فِي كَفِّ سَاقِ ... قَدْ مَاسَ مِثْلَ القَضِيبْ
فِيهِ خَلَعْتُ عِذَارِي ... يَا حُسْنَهُ مِنْ حَبِيبْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة تدمير
وهو:كتاب رونق الجدة، في حلي قرية كتندة
من قرى مرسية، منها:أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الكتندي
قال والدي: هو من نبهاء شعراء عصره، سكن غرناطة، وانتفع به من قرأ عليه من أهلها، ولازمها حتى حسب من شعرائها، وهو ممن صحب أبا جعفر بن سعيد عم والدي، وأبا الحسن بن نزار حسيب وادي آش، وأبا عبد الله الرصافي شاعر عبد المؤمن. وكان أهل غرناطة يستحسنون له قوله في مطلع قصيدة، رثى بها عثمان بن عبد المؤمن ملكها:يَذْهَبُ المُلْكُ وَيَبْقَى الأَثَرُ ... هَذِهِ الهَالَةُ أَيْنَ القَمَرُ
ومن مستعذب شعره قوله:
هَذَا لِسَانُ الدَّمْعِ يُمْلِي الغَرَامْ ... فِي صَفْحَةٍ أَثَّرَ فِيهَا السَّقَامْ
فَهَلْ يُمَارِي فِي الهَوَى مُنْكِرٌ ... وَالبَدْرُ لا يُنْكَرُ حِينَ التَّمَامْ
عَهْدٌ لِهِنْدٍ لَمْ يَكُنْ بِالذِي ... تَقْدَحُ فِيه نَفَثَاتُ المَلامْ
يَا نَهْرَ إِشْنِيلٍ أَلا عَوْدَةً ... لِذَلِكَ العَهْدِ وَلَوْ فِي المَنَامْ
مَا كَانَ إِلاَّ بَارِقَاً خَاطِفَاً ... مَا زِلْتُ مُذْ فَارَقَنِي فِي ظَلامْ
آَهٍ مِنَ الوَجْدِ عَلَى فَقْدِهِ ... وَلَيْسَ تُجْدِي آَهِ لِلْمُسْتَهَامْ
للهِ يَوْمٌ مِنْهُ لَمْ أَنْسَهُ ... وَذِكْرُ مَا أَوْلاهُ أَوْلَى ذِمَامْ
إِذْ هِنْدُ غُصْنٌ بَيْنَ أَغْصَانِهَا ... كَالدَّوْحِ يَثْنِيهِ هَدِيلُ الحَمَامْ
يَا هِنْدُ يَا هِنْدُ أَلا عَطْفَةً ... أَمَا لِهَذَا الصَّرْمِ حِينُ انْصِرَامْ
أَتَذْكُرِينَ الوَصْلَ لَيْلَ المُنَى ... بِمَرْقَبِ العَطْفِ وَجَزْعِ الإِكَامْ
وَإِنْ تَذَكَّرْتِ فَلا تَذْكُرِي ... إِلاَّ عَلَى سَاعَةِ وَادِي الحَمَامْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع:
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة تدمير
وهو:كتاب الأيكة، في حلي يكة
حصن من حصون مرسية، منه:أبو بكر يحيى بن سهل
اليكي هجاء المغرب
من المسهب: هذا الرجل هو ابن رومي عصرنا، وحطيئة دهرنا، لا تجيد قريحته إلا في الهجاء، ولا تنشط به في غير ذلك من الأنحاء، وقس على قوله في الهجاء ما أوردت:أَعِدِ الوُضُوءَ إِذَا نَطَقْتَ بِهِ ... مُتَذَكِّرَاً مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْسَى
وَاحْفَظْ ثِيَابَكَ إِنْ مَرَرْتَ بِهِ ... فَالظِلُّ مِنْهُ يُنَجِّسُ الشَّمْسَا
وقوله:
أَبَا عَمْرٍو إِلَيْكَ بِهِ حَدِيْثَاً ... أَلَذَّ إِلَيْكَ مِنْ شِرْبِ العُقَارِ
أَتَذْكُرُ لَيْلَةً قَدْ بِتَّ فِيهَا ... سَلِيبَ الدَّرْعِ مَحْلُولَ الإِزَارِ
أُقَبِّلْ مِنْكَ طُغْيَانَاً وَكُفْرَاً ... مَكَانَ الرَّقْمَتَيْنِ مِنَ الحِمَارِ
وقوله:
ثَمَانِي خِصَالٍ فِي الفَقِيهِ وَعِرْسِهِوَثِنْتَانِ وَالتَّحْقِيقُ بِالمَرْءِ أَلِيقُ
.................................
وَيَكْذِبُ أَحْيَانَاً وَيَحْلِفُ حَانِثَاًوَيَكْفُرُ تَقْلِيدَاً وَيُرْشَى وَيَسْرِقُ
وَعَاشِرَةٌ وَالذَّنْبُ فِيهَا لأُمِّهِإِذَا ذُكِرَتْ لَمْ يَبْقَ لِلْشَّتْمِ مَنْطِقُ
وقوله:
عِصَابَةُ سُوءٍ قَبَّحَ اللهُ فِعْلَهُمْأَتَوْا فِي رَشِيْدٍ بِالدَنَاءَةِ وَالقُبْحِ
فَزَارُوهُ مِنْ وَقْتِ الصَّبَاحِ إِلَى المَسَا... مِنْ وَقْتِ المَسَاءِ إِلَى الصُّبْحِ
إِذَا جَاءَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ قَامَ وَاحِدٌ كَمَا اخْتَلَفَتْ نَحْلُ الرَّبِيعِ عَلَى الجَبْحِ
وقوله في ابن الملجوم أحد أعيان فاس:
وَمَا سُمِّيَ المَلْجُومُ إِلاَّ لِعِلَّةٍوَهَلْ تُلْجَمُ الأَفْرَاسُ إِلاَّ لِتُرْكَبَا
وقوله:
فِي كُلِّ مَنْ رَبَطَ اللِّثَامَ دَنَاءَةً ... وَلَوْ أَنَّهُ يَعْلُو عَلَى كِيْوَانِ
مَا الفَخْرُ عِنْدَهُمُ سِوَى أَنْ يُنْقَلُوْا ... مِنْ بَطْنِ زَانِيَةٍ لِظَهْرِ حِصَانِ
المُنْتَمُوْنَ لِحِمْيَرٍ لَكِنَّهُمْ ... وَضَعُوْا القُرُونَ مَوَاضِعَ التِيجَانِ
لا تَطْلُبَنَّ مُرَابِطَاً ذَا عِفَّةٍ ... وَاطْلُبْ شُعَاعَ النَّارِ فِي الغُدْرَانِ
ولقيه عمرو بن ينستان الملثم، فقال: يا فقيه، مدحتنا فبلغت غاية رضانا يقولك:
قَوْمٌ لَهُمُ شَرَفُ العَلا فِي حِمْيَرٍ ... وَإِذَا انْتَمَوْا صَنَهَاجَةً فَهُمُ هُمُ
لَمَّا حَوَوْا إِحْرَازَ كُلِّ فَضِيلَةٍ ... غَلَبَ الحَيَاءُ عَلَيْهُمُ فَتَلَثَّمُوا
ثم بلغنا أنك هجوتنا بقولك:
فِي كُلِّ مَنْ رَبَطَ اللِّثَامَ دَنَاءَةً... الأبيات
وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً، فقال له: إني لم أقل ذلك، ولكني أقول:
إِنَّ المُرَابِطَ لا يَكُونُ مُرَابِطَاً ... حَتَّى تَرَاهُ إِذَا تَرَاهُ جَبَانَا
تَجْلُو الرَّعِيَّةُ مِنْ مَخَافَةِ جَوْرِهِ ... لِجَلائِهِ إِذْ يَلْتَقِي الأَقْرَانَا
إِنْ تَظْلِمُونَا نَنْتَصِفْ لِنُفُوسِنَا ... يَجْنَى الرِّجَالُ فَنَأْخُذُ النِّسْوَانَا
وله يخاطب أمير الملثمين علي بن يوسف بن تاشفين في شأن بني معيشة، وكانوا قد ظهرت منهم حركة بباديس:
عَلِيٌّ حَمَىَ المُلْكَ مِنْ سَاسَةٍ ... وَمَا أَنْتَ لِلْمُلْكِ بِالْسَائِسِ
مِنَ السُوسِ أَصْبَحْتَ تَخْشَى النِّفَاقَ ... وَقَدْ جَاءَكَ النَّحْسُ مِنْ بَادِسِ
وقال في رثاء مصلوب:
حَكَمَتْ عُلاَكَ بِأَنْ تَمُوتَ رَفِيعَاً ... وَعَلَوْتَ جَذْعَاً لِلْحَمَامِ صَرِيْعَا
وَقَرَنْتَ نَفْسَكَ بِالبَرَامِكَةِ الأُلَى ... لَمَّا عَلَوْا عِنْدَ المَمَاتِ جُذُوعَا
يَا لَيْتَهُمْ صَلَبُوكَ بَيْنَ جَوَانِحِي ... فَأَضُمُّ إِشْفَاقَاً عَلَيْكَ ضُلُوعَا
وقال وقد صلب محبوب له:
سَاءَنِي أَنْ يَرَى العَدُوُّ الحَبِيبَا ... فَوْقَ جَذْعٍ مِنَ الجُذُوعِ صَلِيبَا
أَشْعَثَاً بَاسِطَاً ذِرَاعَيْهِ كَرْهَاً ... مِثْلَ مَنْ شَقَّ لِلْسُرُورِ جُيُوبَا
عَارِيَاً مِنْ ثِيَابِهِ يَتَلَقَّى ... شِدَّةَ الحَرِّ وَالصَّبَا وَالجَنُوبَا
وقوله:
قَصَدْتُ جِلَّةَ فَاسٍ ... أَسْتَرْزِقُ اللهَ فِيْهِمْ
فَمَا تَيَسَّرَ مِنْهُمْ ... دَفَعْتُهُ لِبَنِيْهِمْ
وقوله:
أَيَا بْنَ خِيَارٍ بَلَغْتَ المَدَى ... وَقَدْ يُكْسَفُ البَدْرُ عِنْدَ التَّمَامْ
فَأَيْنَ الوَزِيْرُ أَبُو جَعْفَرٍ ... وَأَيْنَ المُقَرَّبُ عَبْدُ السَّلامْ
والصحيح أنها للجراوي. ولليكي:
يُوْسُفُ يَا بُغْيَتِي وَأُنْسِي ... صَيَّرَنِي مُغْرَمَاً هَوَاكَا
حَوَيْتَ قَلْبِي وَأَنْتَ فِيهِ ... كَيْفَ حَوَيْتَ الذِي حَوَاكَا؟
وقوله:
وَصَارِمٍ أَبْصَرْتُ ذِي فَلَّةٍ ... فَقُلْتُ يَا صَارِمُ مَنْ فَلَّكَا
فَقَالَ لِي لَحْظُ غَلامٍ رَنَا ... وَنَهْدُ عَذْرَاءٍ كَمَا فَلَّكَا
ومن ذيل الخريدة: توفي في حدود سنة ستين وخمسمائة. ومن شعره قوله:
تَسَمَّعْ أَمِيرَ المُسْلِمِينَ لَنَبْأَةٍ ... تُصَمُّ لَهَا الآَذَانُ فِي كُلِّ مَشْهَدِ
بِمُرْسِيَّةٍ قَاضٍ تَجَاوَزَ حَدَّهُ ... وَأَخْطَأَ وَجْهَ الرُّشْدِ فِي كُلِّ مَقْصَدِ
يُطّالِبُهُ الأَيْتَامُ فِي جُلِّ مَالِهِمْ ... وَيَطْلُبُهُ فِي حَقِّهِ كُلُّ مَسْجِدِ
فَمَا بَيَّضَتْ كَفَّاكَ بِالعَدْلِ لَمْ تَزَلْتُسَوِّدُهُ بِالجَوْرِ كَفُّ ابْنِ أَسْوَدِ
وقوله:
وَلا تَهَبْ كُلَّ فَاسِيٍّ مَرَرْتَ بِهِوَإِنْ تَقُلْ فِيهِ خَيْرَاً حَوِّلِ الدَّرَقَةْ
وَالْعَنْهُ شَيْخَاً وَكَهْلاً إِنْ مَرَرْتَ بِهِ..... طِفْلاً وَلَوْ أَلْفَيْتَهُ عَلَقَةْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة تدمير
وهو:كتاب المودة الموصولة، في حلي مدينة مولة
مدينة في غربي مرسية، ذات بساتين بهجة. منها:أبو جعفر أحمد بن سعدون المولي
من المسهب: لمواة أن تفخر بانتسابه، وتشمخ بما بهر من آدابه، وكانت قراءته بمرسية وبلنسية، وتردد على ملوك الطوائف، فأنهي مكانه، معظماً شانه، وأكثر الإقامة عند ابن رزين ملك السهلة، ومن شعره قوله:لا تَعْدَ مِنْكَ المَكْرُمَاتُ فَإِنَّهَا ... تَاجٌ عَلَيْكَ مَدَى الزَّمَانِ يَرُوقُ
أَرْوَيْتَ مَنْ أَظْمَا الزَّمَانُ جَنَابَهُ ... مِنْ عَارِضٍ لِلْبِشْرِ فِيهِ بُرُوقُ
وَلَحِظْتَهُ إِذْ غَضَّ كُلٌّ طَرْفَهُ ... إِنَّ الكَرِيْمَ عَلَى الكَرِيْمِ شَفُوقُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة تدمير
وهو:كتاب الليانة، في حلي مدينة بليانة
مدينة مليحة المنظر، ذات مياه وبساتين، في الشمال من مرسية. منها:أبو الحسن راشد بن سليمان
من المسهب: أصله من بليانة، وله فيها مال موروث، وسكن حضرة مرسية، وجل قدره، وكتب عن صاحب أمرها أبي عبد الرحمن بن طاهر. ومن شعره قوله:وَاصِلْ نَوَاكَ فَإِنِّي ... أَغْنَانِيَ اللهُ عَنْكَا
صَوَّرْتُ عِنْدِيَ شَخْصَاً ... فَكَانَ آَنَسَ مِنْكَا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثامن
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة تدمير
وهو:كتاب الأرش، في حلي مدينة ألش
قال ابن اليسع: ليس في الأندلس ثمر طيب إلا في ألش. قال ابن سعيد: وقد مررت على هذه المدينة، وأرضها تغلب عليها السبخة، ويقولون إنها تشبه مدينة النبي عليه السلام. ومنها:أبو عبد الرحمن محمد بن غالب
أخبرني والدي: أنه كان من أعيان ألش، وولي قضاء المرية، ومات شاباً في أول دولة ابن هود، قال وأنشدني لنفسه قوله:جَعَلَ العُذْرَ فِي لِسَانِ الإِيَابِ ... ذُو دَلالٍ قَدْ زَارَ بَعْدَ اجْتِنَابِ
فَنَسِينَا بِعَادَهُ بِالتَدَانِي ... وَغَفَرْنَا ذُنُوبَهُ بِالمُتَابِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب التاسع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة تدمير
وهو:كتاب البخت، في حلي مدينة لقنت
لها عمل كبير مخصوص بالتين والزيت، وخمره مذكورة، مفضلة مشهورة بالقوة، ولهذه المدينة ميناء للمراكب، وهو مرسى مرسية، يقلع الناس منه إلى إفريقية، ولها قلعة أخذت بأزرار السماء، ولم أر في الأندلس أمنع منها. ومنها:
أبو بكر محمد بن أحمد
بن محمد بن سفيان السلمي
من بني سفيان أعيان لقنت، تولع بطريقة الكتابة، فبرع فيها، وكتب عن ولاتها، وسكن مدينة تلمسان، ومن شعره قوله:حَيْثُ لا نِسْبَةٌ إِلَيْكَ دَعَتْنِي ... بَلْ دَعَتْنَا لِلأُلْفَةِ الأَحْسَابُ
لِيَ أَصْلٌ يَحْكِيهِ أَصْلُكَ مَجْدَاً ... وَالمَعَالِي فِي أَهْلِهَا أَنْسَابُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب العاشر
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة تدمير
وهو:كتاب النشقة، في حلي مدينة ورقة
البساط
من المسهب: قد مررت على هذه المدينة، فلم أر أحسن من بساطها وبهجة واديها، وما عليه من البساتين، وأما منعة قلعتها فمشهورة معروفة يضرب بها المثل في ذلك.العصابة
ملكها في مدة ملوك الطوائف: أبو محمد عبد الله بن لبون، وتوفي فورثها أخوه أبو عيسى بن لبون الذي ملك معقل مربيطر في أعمال بلنسية، ووليها بعده أخوه أبو الأصبغ سعد الدولة بن لبون.وصارت للمعتمد بن عباد، إلى أن تداول عليها ولاة الملثمين، إلى أن كانت الفتنة عليهم. فقدم أهلها:
أبا محمد عبد الله بن جعفر بن الحاج
أخبرني والدي: أنه كره ذلك خوفاً من العاقبة، واستخفى من الناس عشي ذلك اليوم الذي بايعوه فيه، ولم يظهر لهم، حتى نظروا في خلعه، فظهر، ورجع إلى ما كان بسبيله من معاقرة المدام. ومن شعره قوله:لَسْتُ أَرْضَى إِلاَّ النُّجُومَ سَمِيرَا ... لا أَرَى غَيْرَهَا لِمَجْدِي نَظِيْرَا
بَيْنَنَا فِي الظَّلامِ أَسْرَارُ وَحْيٍ ... يَرْجِعُ اللَّيْلُ مِنْ سَنَاهَا مُنِيْرَا
وَلَقَدْ أَفْهَمَتْ وَأُفْهِمْتُ عَنْهَا ... وَجَعَلْنَا حَدِيثَنَا مَسْتُورَا
وقال في وصفه صاحب السمط: روض الأدب الزاهر، وطود الشرف الباهر، الذي ملأ الزمان زينا، وأعاد آثار المكارم عينا.
وتوالى عليها ولاة بني عبد المؤمن، ثم ولاة بني هود، وثار بها الآن ابن أحلي وهو من أعيانها، وقد رزق حظاً عظيماً في النصارى والنيل منهم، أعانه الله.
السلك
ذوو البيوت
أبو الحسن جعفر بن الحاج
هو والد أبي محمد عبد الحق، الذي ارتضاه أهل لورقة للقيام بأرضهم، فلم يرض. ومن القلائد: شيخ الجلالة وفتاها، ومبدأ الفضائل ومنهاها، مع كرم كانسجام الأمطار، وشيم كالنسيم المعطار، أقام زمناً على المدامة معتكفاً، ولثغور البطالة مرتشفاً، وجوده أبداً هاطل، وجيده إل من المعالي عاطل، ثم فاء عن تلك الساحة، واختار تعب النسك على تلك الراحة. ومن شعره قوله في أبي أمية بن عصام:لِي صَاحِبٌ عَمِيَتْ عَلَيَّ شُؤُونُهُ ... حَرَكَاتُهُ مَجْهُولَةٌ وَسُكُونُهُ
يَرْتَابُ بِالأَمْرِ الجَلِيِّ تَوَهُّمَاً ... وَإِذَا تَيَقَّنَ نَازَعَتْهُ ظُنُونُهُ
مَا زِلْتُ أَحْفَظُهُ عَلَى شَرَفِي بِهِ ... كَالشَيْءِ تَكْرَهُهُ وَأَنْتَ تَصُونُهُ
وقوله:
أَسْهَرَ عَيْنِي وَنَامَ فِي جَذَلِ ... مُدْرِكُ حَظٍّ سَعَى إِلَى أَمَلِ
قَدْ لُفِّقَتْ بِالمُحَالِ نِعْمَتُهُ ... مِنْ خُدَعٍ جَمَّةٍ وَمِنْ حِيَلِ
كَمْ مِحْنَةٍ قَدْ بُلِيْتُ مِنْهُ بِهَا ... وَهُوَ يَرَى أَنَّهَا يَدٌ قِبَلِي
وقوله:
أَخٌ لِيَ كُنْتُ آَمَنُهُ غُرُورَاً ... يُسَرُّ بِمَا أُسَاءُ بِهِ سُرُورَا
هُوَ السُّمُّ الزُّعَافُ لِشَارِبِيهِ ... وَإِنْ أَبْدَى لَكَ الأَرْيَ المَشُورَا
وَيُوسِعُنِي أَذَىً فَأَزِيْدُ حِلْمَاً ... كَمَا جُذَّ الذُّبَالُ فَزَادَ نُورَا
ومن شعره قوله:
مَنْ عَذِيرِي مِنْ فَاتِرٍ ذِي جُفُونِ ... صُلْنَ بِي صَوْلَةَ القَدِيرِ الضَّعِيفِ
فَرْعُ مَجْدٍ عُلِّقْتُهُ وَقَدِيْمَاً ... هِمْتُ بِالحُسْنِ فِي النِّصَابِ الشَّرِيفِ
يُطْلِعُ الشَّمْسَ فِي الظَّلامِ وَيُهْدِي ... زَهَرَ الوَرْدِ فِي زَمَانِ الخَرِيْفِ
يَا مُدِيرَاً مِنْ سِحْرِ عَيْنَيْهِ خَمْرَاً ... أَنَا مِمَّا أَدَرْتَ جِدُّ نَزِيْفِ
عَلِّلِ المُسْتَهَامَ مِنْكَ بِوَعْدٍ ... وَإِلَيْكَ الخَيَارُ فِي التَّسْوِيفِ
وقوله:
آَهِ لِمَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ الجُيُوبْ ... مِنْ زَفَرَاتٍ وَقُلُوبٍ تَذُوبْ
جَاءَ بِي الحُبُّ إِلَى مَصْرَعِي ... فِي طُرُقٍ سَالِكُهَا لا يَئُوبْ
وَاسْتَلَبَتْ عَقْلِيَ خُمْصَانَةٌ ... نَابَتْ مَنَابَ الشَّمْسِ عِنْدَ الوُجُوبْ
يَسْحَرُنِي مِنْهَا إِذَا كَلَّمَتْ ... وَجْهٌ مَلِيحٌ وَلِسَانٌ خَلُوبْ
تَقُولُ إِذْ أَشْكُو إِلَيْهَا الهَوَى ... سُبْحَانَ مَنْ أَلَّفَ بَيْنَ القُلُوبْ
وقوله:
أَزُورُكَ مُشْتَاقَاً وَأَرْجَعُ مُغْرَمَا ... وَأَفْتَحُ بَابَاً لِلْصَبَابَةِ مُبْهَمَا
أَمُدَّعِيَ السَّقْمِ الذِي آَدَ حَمْلُهُ ... عَزِيزٌ عَلَيْنَا أَنْ نَصِحَّ وَتَسْقَمَا
مَنَعْتَ مُحِبَّاً مِنْكَ أَيْسَرَ لَحْظَةٍتَبُلُّ غَلِيلَ الشَّوْقِ أَوْ تَنْفَعُ الظَّمَا
وَمَا رُدَّ ذَاكَ السِّجْفُ حَتَّى رَمَيْتَهُعَنِ القَلْبِ سَيْفَاً مِنْ هَوَاكَ مُصَمِّمَا
هَوَىً لَمْ تُعِنْ عَيْنٌ عَلَيْهِ بِنَظْرَةٍوَلَمْ يَكُ إِلاَّ سَمْعَةً وَتَوَهُّمَا
وَمُلْتَقَطَاتٍ مِنْ حَدِيثٍ كَأَنَّمَا ... نَثَرْنَ بِهِ سِلْكَ الجُمَانِ المُنَظَّمَا
دَعَوْنَ إِلَيْكَ القَلْبَ بَعْدَ نُزُوعِهِفَأَسْرَعَ لَمَّا لَمْ يَجِدْ مُتَلَوَّمَا
وقوله لابن عصام:
تَقَلَّصَ ظِلٌّ مِنْكَ وَازْوَرَّ جَانِبُ ... وَأَحْرَزَ حَظِّي مِنْ رِضَاكَ الأَجَانِبُ
وَأَصْبَحَ طَرْقَاً مِنْ صَفَائِكَ مَشْرَبِيوَأَيُّ صَفَاءٍ لَمْ تَشُبْهُ الأَشَائِبُ
رُوَيْدَاً فَلِيَ قَلْبٌ عَلَى الخَطْبِ جَامِدٌوَلَكِنْ عَلَى عَتْبِ الأَحِبَّةِ ذَائِبُ
وَحَسْبُكَ إِقْرَارِي بِمَا أَنَا مُنْكِرٌ ... وَأَنِّي مِمَّا لَسْتُ أُنْكِرُ تَائِبُ
أَعِدْ نَظَرَاً فِي سَالِفِ العَهْدِ إِنَّهُ ... لأَوْكَدَ مِمَّا تَقْتَضِيهِ المَنَاسِبُ
وَلا تُعْقِبِ العُتْبَى بِعَتْبٍ فَإِنَّمَا ... مَحَاسِنُهَا فِي أَنْ تَتِمَّ العَوَاقِبُ
وَأَغْلَبُ ظَنِّي أَنَّ عِنْدَكَ غَيْرَ مَا ... تُرّجِّمُهُ تِلْكَ الظُنُونُ الكَوَاذِبُ
لَكَ الخَيْرُ هَلْ رَأْيٌ مِنَ الصُّلْحِ ثَابِتٌلَدَيْكَ وَهَلْ عَهْدٌ مِنَ السَّمْحِ آَيِبُ
يُخِبُّ رِكَابِي أَنَّنِي بِكَ هَائِمٌ ... وَيَثْنِي عِنَانِي أَنَّنِي لَكَ هَائِبُ
سوءْْتَنِي بِالسَّخْطِ مِنْ غَيْرِ مُعْظَمٍفَهَا أَنَا مِنْكَ اليَوْمَ نَحْوَكَ هَارِبُ
وقوله:
عَجَبَاً لِمَنْ طَلَبَ المَحَا ... مِدَ وَهُوَ يَمْنَعُ مَا لَدَيْهِ
وَلِبَاسِطٍ آَمَالَهُ ... فِي المَجْدِ لَمْ يَبْسِطْ يَدَيْهِ
لِمَ لا أُحِبُّ الضَّيْفَ أَوْ ... أَرْتَاحُ مِنْ طَرَبٍ إِلَيْهِ
وَالضَّيْفُ يَأْكُلُ رِزْقَهُ ... عِنْدِي وَيَحْمِدُنِي عَلَيْهِ
وقوله:
كُلُّ مَنْ تَهْوَى صَدِيْقٌ مُمْحِضٌ ... لَكَ مَا لا تَتَّقِي أَوْ تَرْتَجِي
فَإِذَا حَاوَلْتَ نَصْرَاً أَوْ جَدَاً ... لَمْ تَقِفْ إِلاَّ بِبَابِ مُرْتَجِ
وقوله:
وَبَيْضَاءَ يَنْبُو اللَّحْظُ عِنْدَ لِقَائِهَا وَهَلْ تَسْتَطِيعُ العَيْنُ تَنْظُرُ فِي الشَّمْسِ
وَهَبْتُ لَهَا نَفْسَاً عَلَيَّ كَرِيْمَةًوَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّ الضَنَانَةَ بِالنَّفْسِ
أُعَالِجُ مِنْهَا السَّخْطَ فِي حَالَةِ الرِّضَاوَلا أَعْدَمُ الإِيْحَاشَ فِي حَالَةِ الأُنْسِ
وقوله مع تفاح:
بَعَثْتَ بِهَا وَلا آَلُوكَ حَمْدَاً ... هَدِيَّةَ ذِي اصْطِنَاعٍ وَاعْتِلاقِ
خُدُودَ أَحِبَّةٍ وَافَيْنَ صَبًّا ... وَعُدْنَ عَلَى ارْتِمَاضٍ وَاحْتِرَاقِ
فَحَمَّرَ بَعْضَهَا خَجَلُ التَّلاقِي ... وَصَفَّرَ بَعْضَهَا وَجَلُ الفِرَاقِ
وقوله في المعتمد بن عباد:
تَعَزَّ عَنِ الدُّنْيَا وَمَعْرُوفِ أَهْلِهَاإِذَا عُدِمَ المَعْرُوفُ مِنْ آَلِ عَبَّادِ
أَقَمْتُ بِهِمْ ضَيْفَاً ثَلاثَةَ أَشْهُرٍبِغَيْرِ قِرَىٍ ثُمَّ ارْتَحَلْتُ بِلا زَادِ
وقوله:
كَفَى حُزْنَاً أَنَّ المَشَارِعَ جَمَّةٌ ... وَعِنْدِي إِلَيْهَا غُلَّةٌ وَأُوَامُ
وَمِنْ نَكَدِ الأَيَّامِ أَنْ يَعْدَمَ الغِنَىكَرِيْمٌ وَأَنَّ المُكْثِرِيْنَ لِئَامُ
وقوله:
أَبَا جَعْفَرٍ مَاتَ فِيكَ الجَّمَالُ ... فَأَظْهَرَ خَدُّكَ لِبْسَ الحِدَادِ
وَقَدْ كَانَ يُنْبِتُ زَهْرَ الرِّيَاضِ ... فَأَصْبَحَ يُنْبِتُ شَوْكَ القَتَادِ
أَبِنْ لِي مَتَى كَانَ بَدْرُ السَّمَا ... ءِ يُدْرَكُ بِالكَوْنِ أَوْ بِالفَسَادِ
وَهَلْ كُنْتَ فِي المُلْكِ مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ ... فَأَخْشَى عَلَيْكَ ظُهُورَ السَّوَادِ
الشعراء
أبو بكر بن ظهار اللورقي
من الذخيرة: كان من فتيان الأدباء في ذلك الأوان، ولولا أنه اعتبط - وماء معرفته غير مماح ، وغصن ابتداعه غير مراح، في شبيبته وأوان ظهوره - لبذ أهل الآفاق، رقة وحسن مساق. وأكثر ماله من النظم ، في مدح أبي المغيرة بن حزم. وأخبر شخص أنه انتجع إلى ابن ظهار هذا بخمسة أبيات وصادفه مقلاً، فباع ابن ظهار ثوبه، وبعث بثمنه إليه، وكتب مع ذلك إليه:يَعِزُّ عَلَى الآَدَابِ أَنَّكَ رَبُّهَاوَأَنَّكَ فِي أَهْلِ الغِنَى خَامِدُ النَّارِ
وَخَمْسَةُ اَبْيَاتٍ كَأَنَّكَ قُلْتَهَابَهَاءً وَإِشْرَاقَاً مِنَ القَمَرِ السَّارِي
طَلَبْتُ لَهَا كُفْؤاً كَرِيْمَاً مِنَ القِرَىفَقَصَّرَ بَاعُ المَالِ عَنْ نَيْلِ أَوْطَارِي
سِوَى فَضْلَةٍ لا تُسْتَقَلُّ بِنَفْسِهَاوَأَقْلِلْ بِهَا لَوْ أَنَّهَا أَلْفُ دِينَارِ
بَعَثْتُ بِهَا لا رَاضِيَاً لَكَ بِالذِي ... بَعَثْتُ بِهَا إِلاَّ فِرَارَاً مِنَ العَارِ
وقوله:
صَبَغُوا غِلالَتَهُ بَحُمْرَةِ خَدِّهِ ... وَكَسُوْهُ ثَوْبَاً مِنْ لَمَى شَفَتَيْهِ
فَتَخَالُهُ فِي ذَا وَتِلْكَ كَأَنَّمَا ... نُثْرَ البَنَفْسَجِ وَالشَّقِيقِ عَلَيْهِ
وقوله:
أَمَا تَرَى وَجْهَ الدُّجَى ضَاحِكَاً ... يَبْسِمُ مِنْ نُورٍ بِلا ضِحْكِ
كَأَنَّمَا يَنْثُرُ مِنْ نُورِهِ ... فِي الأَرْضِ كَافُورَاً عَلَى مِسْكِ
وقوله:
إِذَا أَرَدْتَ صَبَاحَاً ... فَانْظُرْ إِلَى وَجْهِ سَاقَيْكْ
فَقَدْ أَطَلْتَ سُؤَالاً ... يَا قَوْمُ هَلْ غَرَّدَ الدِّيْكْ
مَاذَا تُرِيْدُ بِصُبْحٍ ... وَأَيْنَ تَرْقَى أَمَانِيْكْ
وَلِلْنُّجُومِ مَدَارٌ ... عَلَيْكَ وَالبَدْرُ يَسْقِيْكْ
وقوله:
وَاللهِ مَا أَمَلِي مِنَ الدُّنْيَا ... إِلاَّ المُدَامُ وَوَجْهُ مَنْ أَهْوَى
فَإِذَا نَظَرْتُ إِلَى صَفَائِهِمَا ... لَمْ يَبْقَ لِي أَمَلٌ وَلا دَعْوَى
وقوله:
مَنْ لِي بِدَانِي المَحَلِّ نَاءٍ ... تَرَاهُ عَيْنَيْ وَلا أَنَالُهْ
لا وَصْلَ لِي مِنْهُ غَيْرَ أَنِّي ... أَقُوْلُ لِلْنَّاسِ كَيْفَ حَالُهْ
الأهداب
أبو عبد الله بن محمد بن ناجية اللورقي
من
أئمة الزجالين، كان رقاماً بالمرية، وقال في ذكره الدباغ في كتاب الأزجال:
شيخ الزمان، وخليفة الإمام، ابن قزمان، وأنشد له قوله من زجل:
كُلَّمَا ذَكَرْتُ فِيْهَ ... وَالذِي بَقَى لِي أَبْدَعْ
لَمْ يُرَا قَطْ مِنُّ أَمْلَحْ ... لَمْ يُرَا قَطْ مِنُّ أَشْجَعْ
رِيِتْ ذَاكَ عَنْتَرْ وَمَا كَانْ ... كَانْ يَرَى الثُّعْبَانْ وَيَفْزَعْ
وَهِيّ تَأْخُذْ سِتّ ... ثَعَابِينْ وَتَرَاهُمْ صَغِيرَا
وقوله:
نَخَلِيْهْ وَكِفْ نِقْدِرِ أَنْ نَخَلِيْهْ
وَلِسْ جَمَالاً يُقَالْ بِتَشْبِيْهْ
جَمَعَ البَيَاضْ وَالتَّعْنِينْ جَمَعَ فِيْهْ
قَدْ اسْتَلَفْ لِلْبُسْتَانْ قَضِيْبْ ... وِاسْوَدّْ فِي عَيْنْ اللَّبَّانِ حَلِيْبْ
وقوله:
ذَهَبْ وَاللهِ هُ مَعْمُوْلْ مِنْ ذَهَبْ
يُفْرِحِ القَاصِدْ إِذَا جَاهْ عَنْ سَبَبْ
وَالذِي يُعْجِبْنِي مِنُّ هُ العَجَبْ
اهْتِزَازْ هَذَا المَدْحْ لِلْغِنَا ... مِنْ بَعِيْدْ وَلَكِنْ نَوَالُ اقْتَرَبْ
زجل له مشهور:
قَالُوا عَنِّي وَالحَقَّ مَا قَالُوا ... إِنُّ نِعْشَقْ فُلانْ
وَاتُّهِمْنَا بِسِرْقَةِ الكِتَّانْ ... وَكَذَاكْ بِاللهْ كَانْ
سُبْحَانَ اللهْ لِغْزْ فِي ذَا الأَشْيَا ... آَيَ لِلْسَائِلِيْنْ
سُرّْ فِي قَلْبِي قَلَبْ فِي صَدْرِيْ ... صَدْرِيْ حِصْنَا حَصِيْنْ
وَعَلَيْهْ مِنْ ضُلُوعْ سَبْعِ أَقْفَالُ ... وَهُ تَمّْ فِي كَمِيْنْ
وَبِحَالْ مَنْ يَحِلّْ أَقْفَالُ ... وَيَرَاهْ ثَمَّ عَيَانْ
وَيُبَيِّنْ أُمُورِي لِلإِخْوُانْ ... بِأَشَدّْ البَيَانْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الحادي عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة تدمير
وهو:كتاب البرد المطرز، في حلي قرية برزز
قرية كبيرة تزاحم المدن، لها بساتين. ومنها:الكاتب أبو عبد الله محمد بن مسعود
كاتب أبي عبد الله محمد بن أبي يحيى بن أبي حفص صاحب إشبيلية، ومن شعره قوله:أَهَاجُ إِلَيْكُمُ كُلَّمَا الْتَاحَ بَارِقٌوَيَتْبَعُهُ مِنْ دَمْعِ مُقْلَتَيَّ القَطْرُ
وَذِكْرُكُمُ عِنْدِي مَدَى الدَّهْرِ قَهْوَةٌيُرَنِّحُنِي مِنْ صِرْفِهَا أَبَدَاً سُكْرُ
لَعَمْرُكَ مَا يَنْسَى المَشُوقُ دِيَارَهُوَإِنْ بَعُدَتْ عَنْهُ فَمَا يَبْعُدُ الذِّكْرُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة تدمير
وهو:كتاب النعمة الموصولة، في حلي مدينة أريولة
لما رحلت من مرسية إلى البحر مررت بأريولة، فرأيتها في موضع كأنه اقتطع من جنة الخلود، نهر سائل، ودواليب نعارة، وطيور شادية، وأشجار متعانقة. ولها قلعة في نهاية من الامتناع. ومنها:أبو الحسن علي بن الفضل
هو ممن لقيته بحضرة إشبيلية، وكان بينه وبين والدي صداقة متمكنة، وسكن إشبيلية وساد فيها، وولي بها خطة الزكاة والمواريث، وهي نبيهة، هنالك، وأحسن معاشرة أهلها، فعاش سعيداً، ومات فقيداً، رحمه الله.وبنو افضل أعيان أريولة، وهو عينهم. وأنشد مأمون بني عبد المؤمن - أول ما بويع في إشبيلية بالخلافة، وقد صدرت عنه الكتب والكتائب إلى البلاد - قصيدة مطلعها خدمتك السيوف والأقلام فلم يرض هذه البدأة وانتقدها. وقال حين توجه إلى غرناطة في أول دولة ابن هود، ولم يسله حسنها عن إشبيلية:
سَئِمْتُ المَقَامَ بِغَرْنَاطَةٍ ... وَأَلْسُنُ حَالِي بِذَا تَنْطُقُ
وَمَا أَنْكَرَتْ مُقْلَتِي حُسْنَهَا ... وَلَكِنَّهَا غَيْرَهَا تَعْشَقُ
ومن شعره قوله:
فَيَا أَسَفِي أَتُدْرِكُنِي المَنَايَا ... وَلَمْ أَبْلُغْ مِنَ الدُّنْيَا مُرَادِي
وَمَا هُوَ غَيْرُ أَنْ أُدْعَى وَحَسْبِي ... حَيَا الإِخْوَانِ أَوْ مَوْتُ الأَعَادِي
وقوله من قصيدة يخاطب بها صفوان بن إدريس:
أَنْكَرْتَ أَنْ رَاعَ الزَّمَانُ أَدَبِي ... وَهَلْ رَأَيْتَ ذَا نُهَىً مُؤَمَّنَا
وَفِيْكَ لَمْ تَقْضِ الفُرُوضُ حَقَّهَا ... أَفِيَّ تَرْجُو أَنْ تُقِيْمَ السُّنَنَا
ومنها:
وَصَاحِبٍ حُلْوِ المُزَاحِ مُمْتِعٌ ... يُحْيِى السُّرُورَ وَيُمِيْتُ الحَزَنَا
أَضْحَكَنَا لَمَّا غَدَا مَا بَيْنَنَا ... مُحْتَجِنَاً لِقَوْسِهِ مُضْطَغِنَا
يُبْدِي لَنَا مَا شَاءَهُ مِنْ ظَرْفِهِ ... وَيَزْدَهِي بِرَمْيِهِ تَمَجُّنَا
وَيَدَّعِيْ التَّصْمِيْمَ فِي أَغْرَاضِهِ ... وَلَوْ رَمَى بَغْدَادَ أَصْمَى عَدَنَا
حَتَّى تَدَلَّى طَائِرٌ مِنْ أَيْكَةٍ ... لَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ يَقُوْلَ هَا أَنَا
قُلْنَا لَهُ قَدْ أَكْثَبَ الصَّيْدُ فَقُمْ ... فَأَرِنَا مِنْ بَعْضِ مَا حَدَّثْتَنَا
فَقَامَ كَسْلاَنَ يَمُطُّ حَاجِبَاً ... وَيَتَمَطَّى بَيْنَ أَيْنٍ وَوَنَى
وَبَيْنَمَا أَوْتَرَهَا وَبَيْنَمَا ... عَادَتْ تَشَظَّى فِي يَدَيْهِ إِحَنَا
وَعِنْدَمَا رَمَى حَمَامَ أَيْكَةٍ ... أَخْطَأَهُ وَمَا أَصَابَ الفَنَنَا
أَسْتَغْفِرُ اللهَ لَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ ... أَطْعَمَنَا الصَّيْدَ فَقَدْ أَضْحَكَنَا
أبو محمد عبد الله بن تابجة
من شعراء المائة السابعة، ذكر والدي: أنه رحل إلى مراكش، ومدح بها ناصر بني عبد المؤمن، ثم ابنه المستنصر، ومن شعره قوله:مَدَدْتُ لِرَاحَةٍ بِذَرَاكَ رَاحِيْ ... وَحَثَّ الشَّوْقُ نَحْوَكُمُ جَنَاحِي
فَجِئْتُ لِكَيْ أُفَسِّرَ مَا أُلاقِي ... وَلا يَشْفِي الغَلِيْلَ سِوَى القَرَاحِ
وقوله:
دَعَوْتُكَ لِلْغِيَاثِ فَكُنْ مُجِيبِي ... وَسَكِّنْ مَا بِقَلْبِي مِنْ لَهِيبِ
فَإِنِّي مَا شَكَوْتُ لِغَيْرِ أَهْلٍ ... وَهَلْ يُشْكَى الضَّنَى لِسِوَى طَبِيبِ
الأهداب
موشحة لابن الفضل
أَلا هَلْ إَلَى مَا تَقَضَّى سَبِيْلْ ... فَيُشْفِى الغَلِيْلُ وُتُوْسَى الكُلُوْمْرَعَى اللهُ أَهْلَ اللِّوَى وَاللِّوَى
وَلا رَاعَ بِالبَيْنِ أَهْلَ الهَوَى
فَوَاللهِ مَا المَوْتُ إِلاَّ النَّوَى
عَرَفْتُ النَّوَى بِتَوَالِي الجَوَى
وَمِمَّا تَخَلَّلَ جِسْمِي النَّحِيْلْ ... لَقَدْ كِدْتُ أُنْكِرُ حَشْرَ الجُسُوْمْ
فَوَاحَسْرَتَا لِزَمَانٍ مَضَى
عَشِيَّةَ بَانَ الهَوَى وَانْقَضَى
وَأُفْرِدْتُ بِالرَّغْمِ لا بِالرِضَا
وَبِتُّ عَلَى جَمَرَاتِ الغَضَا
أُعَانِقُ بِالفِكْرِ تِلْكَ الطُّلُولْ ... وَأَلْثَمُ بِالوَهْمِ تِلْكَ الرُّسُومْ
حُبَيِّبَةَ النَّفْسِ أُمَّ العُلَى
سَقَاكِ الهَوَى كَأْسَهُ سَلْسَلا
وَخَصَّ بِهِ عَهْدَنَا الأَوَّلا
فَيَامَا أَلَذَّ وَمَا أَجْمَلا
إِذِ الوَصْلُ ظِلٌّ عَلَيْنَا ظَلِيْلْ ... تَقِيْنَا القَطِيْعَةُ وَهْيَ السُّمُومْ
لأَصْمَيْتِ يَوْمَ النَّوَى مَقْتَلِي
بِلَحْظِكِ وَالثَّغْرِ وَالأَنْمُلِ
وَأَشْمَتِّ عِنْدَ الجَفَا عُذَّلِي
وَبَعْدَ التَعَتُّبِ غَنَّيْتِ لِي
أَطَلْتَ التَّعَتُّبَ يَا مُسْتَطِيْلْ ... وَلَحْظِي يُغَنِّيْكِ قَالَتْ ظَلُوْمْ
غيرها له:
عَرِّجْ بِالحِمَىوَاسْأَلْ بِالكَثِيْبِعَنْهُمُ أَيْنَمَا
هَذِي الأَرْبُعُ
مِنْهُمُ بَلْقَعُ
أَيْنَ الأَدْمُعُ
ضَرِّجْهَا دَمَاوَقُمْ بِالنَّحِيْبِنُقِمْ مَأْتَمَا
شَاقَتْنِي البُرُوْقْ
لِثَغْرٍ يَرُوْقْ
فَمَنْ لِلْمَشُوْقْ
بِأَنْ يَلْثَمَاوَمَنْ لِلْجَدِيْبِبِمَاءِ السَّمَا
لَمْ يَدْرِ الكَئِيْبْ
مِنْ أَيْنَ أُصِيْبْ
لَكِنَّ الحَبِيْبْ
دَرَى إِذْ رَمَىيَا عَيْنَيْ حَبِيِبْيمَوْتِي أَنْتُمَا
دَهْرِي فِي اغْتِرَابْ
وَشَأْنِي عُجَابْ
أَظْمَا فِي الشَّبَابْ
لِوَصْلِ الدُّمَىفَهَلْ فِي المَشِيْبِيَزُوْلُ الظَّمَا
بَيْنٌ مُسْتَدَامْ
وَأَخْشَى الحِمَامْ
يَا رَبَّ الأَنَامْ
تَدْرِي قَدْرَ مَابِقَلْبِ الكَئِيْبِفَارْحَمْ مُغْرَمَا
ومن غيرها:
فِي طَرْفِ مَنْ أَهْوَاهْ ... سَيْفُ المَنُوْنْ
وَالقَلْبُ فِي بَلْوَاهْ ... مِمَّنْ يَخُوْنْ
يَا قَدَّ غُصْنِ البَانْ ... إِذَا انْثَنَى
الرَّاحُ وَالرَّيْحَانْ ... بَلِ المُنَى
فِي ذَلِكَ الوَسْنَانْ ... إِذَا رَنَا
يَا رَبِّ مَا أَقْسَاهْ ... تُرَى يَهُوْنْ
وَالصَبُّ مَا أَرْجَاهْ ... مَا لا يَكُوْنْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة تدمير
وهو:كتاب الأشهر المهلة، في حلي قرية الحرلة
هي حسنة المنظر على نهر مرسية. منها:أبو بكر محمد بن عبد المجيد
من المسهب: من علماء مذهب مالك رحمه الله، وهو من ذوي التعين في مرسية والمال والعلم والأصل. ومن شعره قوله:أَيَا حَاسِدَاً عَبْدَ العَزِيْزِ وَحَاكِيَاًلَهُ مَنْزَعَاً قَدْ سَارَ فِيْهِ عَلَى أَصْلِ
فَهْبَكَ تُحَاكِيْهِ بِعَبْدٍ وَبَغْلَةٍفَمَنْ لَكَ أَنْ تَحْكَيْهِ فِي القَوْلِ وَالفِعْلِ
تَرُومُ مَكَانَ البَدْرِ دُونَ تَصَاعُدٍوَتَهْوَى ثَنَاءَ النَّاسِ مِنْ دُوْنِ مَا فَضْلِ
مملكة بلنسية
كتاب الروضة النرجسية، في حلى المملكة البلنسية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني:
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب شرق الأندلس
وهو:كتاب الروضة النرجسية ، في حلى مملكة بلنسية
هي بين مملكة مرسية ومملكة طرطوشة، وقد حصلت للنصارى في هذه المدة، أعادها الله للإسلام، وينقسم كتابها إلى: كتاب الألحان المنسية، في حلى حضرة بلنسية كتاب الحلة السندسية، في حلى الرصافة البلنسية كتاب الخصر الأهيف، في حلى قرية المنصف كتاب الورق المرنة، في حلى قرية بطرنة كتاب المنة، في حلى قرية بنة كتاب الحال المغبوطة، في حلى حصن متيطة كتاب الكواكب الزهر، في حلى جزيرة شقر كتاب السحر المسطر، في حلى حصن مربيطر كتاب المراعي العازبة، في حلى كورة شاطبة كتاب حصن البونت كتاب حنين السانية، في حلى أعمال دانية الجميع أحد عشر كتاباً، ومنها كتابان ينقسمان إلى غيرهما، وهما كتاب كورة شاطبة، وكتاب أعمال دانية، وستقف على ذلك هنالك.بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة بلنسية
وهو:كتاب الألحان المنسية، في حلى حضرة بلنسية
المنصة
هي عروس.من
المسهب: مطيب الأندلس، ومطمح الأعين والأنفس، قد خصها الله بأحسن مكان،
وحفها بالأنهار والجنان، فلا ترى إل مياهاً تتفرع، ولا تسمع إلا أطياراً
تسجع، ولا تستنشق إلا أزهاراً تنفح، وما أجلت لحظاً بها في شيء إلا قلت هذا
أملح، ولها البحيرة التي تزيد في ضياء بلنسية صحو الشمس عليها. ويقال إن
ضوء بلنسية يزيد على ضوء سائر بلاد الأندلس، وجوها صقيل أبداً، لا ترى فيه
ما يكدر خاطراً ولا بصراً، لأن الجنات والأنهار أحدقت بها، فلم يثر
بأرجائها تراب من سير الأرجل وهبوب الرياح، فيكدر جوها. وهواؤها حسن
لتمكنها من الإقليم الرابع، وأخذها من كل حسن بنصيب. ولها البحر على القرب،
والبر المتسع، وحيث خرجت من جهاتها لا تلقى إلا منازه ومسارح، ومن أبدعها
وأشهرها الرصافة، ومنية ابن أبي عامر.
وهي مدينة متمكنة الحضارة، جليلة القدر.
ومن
كتاب الرازي: منافعها لأهلها عظيمة ولمن انتجعها من الناس، بين البر
والبحر، والزرع والضرع، وتعرف بمدينة التراب، وفيها يقول شاعرها الذي لها
أن تفخر به بملء فيها، ابن غالب أبو عبد الله الرصافي:
خَلِيْلَيَّ مَا لِلْبِيدِ قَدْ عَبَقَتْ نَشْرَاوَمَا لِرُؤُوسِ الرَّكْبِ قَدْ رُنِّحَتْ سُكْرَا
هَلْ المِسْكُ مَفْتُوقَاً بِمَدْرَجَةِ الصِّبَاأَمِ القَوْمُ أَجْرُوا مِنْ بَلَنْسِيَةِ ذِكْرَا
خَلِيْلَيَّ عُوْجَا بِي عَلَيْهَا فَإِنَّهُحَدِيثٌ كَبَرْدِ المَاءِ فِي الكَبِدِ الحَرَّا
قِفَا غَيْرَ مَأْمُورَيْنِ وَلْتَصْدَيَا بِهَاعَلَى ثِقَةٍ لِلْغَيْثِ فَاسْتَقِيَا القَطْرَا
بِجِسْرِ مَعَانٍ وَالرَّصَافَةِ إِنَّهُعَلَى القَطْرِ أَنْ يَسْقِى الرَّصَافَةَ وَالجِسْرَا
بِلادِي التِي رِيشَتْ قُوَيْدِمَتِي بِهَا ... فُرَيْخَاً وَآَوَتْنِي قَرَارَتُهَا وَكْرَا
مَبَادِيَ لَيْنِ العَيْشِ فِي رَيِّقِ الصِّبَاأَبَى اللهُ أَنْ أَنْسَى لَهَا أَبَدَاً ذِكْرَا
أَكُلَّ مَكَانٍ راح فِي الأَرْضِ مَسْقَطَاًلِرَأْسِ الفَتَى يَهْوَاه مَا عَاشَ مُضْطَرَّا
وَلا مِثْلِ مَدْحُوٍٍّّ مِنَ المِسْكِ تُرْبَةًتُمَلِّيْ الصَّبَا فِيها حَقِيبَتُهَا عِطْرَا
نَبَاتٌ كَأَنَّ الخَدَّ يَحْمِلُ نُورَهُتَخَالُ لُجَيْنَاً فِي أَعَالِيهِ أَوْ تِبْرَا
وَمَاءٍ كَتَرْصِيعِ المَجَرَّةِ جَلَّلَتْنَوَاحِيهِ الأَزْهَارُ فَاشْتَبَكَتْ زُهْرَا
أَنِيقٍ كَرَيْعَانِ الحَيَاةِ التِي حَلَتْ ... طَلِيقٍ كَرَيَّاِن الشَبَابِ الذِي مَرَّا
بَلَنْسِيَةٌ تِلْكَ الزَّبَرْجَدَةُ التِي ... تَسِيلُ عَلَيْهَا كُلُّ لُؤْلُؤَةٍ نَهْرَا
كَأَنَّ عَرُوسَاً أَبْدَعَ اللهُ حُسْنَهَافَصَيَّرَ مِنْ شَرْخِ الشَّبَابِ لَهَا عُمْرَا
تُؤّبِّدُ فِيها شَعْشَعَانِيَّةُ الضُّحَىإِذَا ضَاحَكَ الشَّمْسُ البُحَيْرَةَ وَالنَّهْرَا
تُزَاحِمُ أَنْفَاسُ الرِّيَاحِ بِزَهْرِهَانُجُومَاً فَلا شَيْطَانَ يَقْرُبُهَا ذُعْرَا
هِيَ الدُّرَّةُ البَيْضَاءُ مِنْ حَيْثُ جِئْتَهَاأَضَاءَتْ وَمَنْ لِلْدُرِّ أَنْ يُشْبِهَ البَدْرَا
التاج
ملكها في مدة ملوك الطوائف خادمان من الموالي العامرية، وهما مبارك ومظفر ، وكان من العجائب اشتراكهما في الملك، حتى إنهما لم يمتازا إلا في الحرم خاصة، ولا تنافس بينهما وفيهما يقول ابن دراج شاعر الأندلس من قصيدة :وَأَظْفَرْتُ آَمَالِي بِقَصْدِ مُظَفَّرٍ ... وَبُوْرِكَ لِي فِي حُسْنِ رَأْيٍ مُبَارَكِ
واشتد أمرهما وحرصهما في الجباية، وأضرا بالناس، فاستغاثوا إلى الله، فهلك مبارك متردياً عن فرسه، وضعف مظفر بعده، فأخرجه أهل بلنسية، فانزوى بشاطبة، فأسند أهل بلنسية أمرهم إلى:
المنصور عبد العزيز بن الناصر
بن المنصور بن أبي عامر
وصفه صاحب الذخيرة بأنه كان من أوصل الناس لرحمه، وأحفظهم لقرابته، بعثه الله رحمة للمجتثين من أهل بيته. وخاطب المأمون القاسم بن حمود الذي خطب له بالخلافة في قرطبة، وبعث له بهدية، فولاه على ما بيده، وامتدت دولته في نعمة متصلة، ودامت إلى أن توفي سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. وولي بعده:ابنه المظفر عبد الملك
ودبر
دولته أبو بكر بن عبد العزيز الكاتب، ثم جرت ببلنسية خطوب، وقبل عليها ابن
ذى النون الذي أخرجه النصارى من طليطلة، وحصرها النصارى حتى دخلوها،
وعاثوا فيها أشد العيث واستنقذها منهم مزدلي وابناه عبد الواحد وعبد الله
من ملوك الملثمين. ولما ثارت الفتنة على الملثمين، انحاز إليها عبد الله بن
غانية، فأخرجه منها رئيسها أبو عبد الملك مروان بن عبد الله بن عبد العزيز
إلى أن قام عليه جند بلنسية في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وبايعوا لابن
عياض ملك مرسية، وحمل ابن عبد العزيز إلى المرية، وبها ابن ميمون صاحب
البحر، فرفعه في شيني إلى جزيرة ميورقة وهي حينئذ لعبد الله بن غانية خصمه
الذي أخرجه من بلنسية، فسجنه في بيت، ذكر ذلك ابن اليسع، ثم تخلص فكان في
حضرة مراكش.
أملى علي والدي في شأنه: ملكٌ لم يرث الإمارة عن كلالة،
وبدر لم يطلع بغير هالة، إذ كانت تقدمت ببلنسية رياسة جده أبي بكر بن عبد
العزيز، وأوى منه أهلها في تلك الخطوب إلى حرز حريز، فظن الناس أن التيتل
في المخبر مثل الأسد، فقلدوه تلك القلادة، فذب عن نظامها واجتهد، فهزم جموع
الملثمين وأخرج عن بلاده أميرهم عبد الله بن غانية، وطلع على تلك الظلم
كالصبح المبين، إلا أنه صادف في شرق الأندلس الأمير أبا محمد بن عياض أسد
الحروب، وقطب الخطوب، رجل الثغر شهرة وشجاعة، قد ألقى جميع تلك البلاد له
بالسمع والطاعة، فهوت قلوب أهل بلنسية إليه، ورام ابن عبد العزيز صرفهم عن
ذلك فثاروا عليه، فخضعت أقلامه للسيوف، ودارت عليه الفتن صروف، فلم ير إلا
الفرار، قائلا ليس على زأر الأسد قرار، فجاءت به المقادر إلى أن حصلته في
يد عدوه عبد الله بن غانية، فسجنه في جزيرة ميورقة إلى أن يسر الله سراحه
على أيدي الموحدين، فحل بمراكش تحت نعمة ضافية ملحوظا بعين الرعاية، متفقدا
من الأمر العزيز بأجزل جزاية.
أخبرني أحد الأدباء الأعيان، ممن كان
يمازجه ويركن إليه، أنه كان دائم الحسرة على كونه لم يطل ملكه، وكان
انجعافه مرة، وأنه كان يستريح في ذلك بما ينظمه، قال: ومما أنشدنيه لنفسه
من ذلك قوله:
عَلِمْتُ بِأَنَّ الدَّائِرَاتِ تَدُوْرُ ... وَقَدْ كُسِفَتْ مِنَّا هُنَاكَ بُدُوْرُ
وَنَادَى مُنَادِي البَيْنِ فِيْنَا تَرَحَّلُوا ... فَطَارَ فُؤَادٌ لِلْفِرَاقِ صَبُوْرُ
وَنُثِّرَ سِلْكٌ طَالَ فِي المُلْكِ نَظْمُهُ ... كَذَا كُلُّ نَظْمٍ بِالزَمَانِ نَثِيْرُ
خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَكَانَتْ بِأَسْرِهَا ... تُصِيْخُ لِمَا نُومِي بِهِ وَنُشِيْرُ
نَهَضْنَا بِهَا مَا دَامَ فِي السَّعْدِ نَجْمُنَافَلَمَّا هَوَى جَارَتْ وَلَيْسَ مُجِيْرُ
فَلا يَنْسَ تَسْلِيْمَ السِّمَاطِيْنِ مَسْمَعِيْبِحَيْثُ القَنَا وَالمُرْهَفَاتُ سُطُوْرُ
وَحَيْثُ بَنُوْ الآَمَالِ تَكْرَعُ كَالقَطَا ... وَقَدْ زَخَرَتْ لِلْمَكْرُمَاتِ بُحُوْرُ
وَقَدْ قَامَتِ المُدَّاحُ تَنْثُرُ نَظْمَهَا ... وَدَارَتْ عَلَيْنَا لِلْثَنَاءِ خُمُوْرُ
وَللهِ يَوْمٌ قَدْ نَهَضْتُ بِصَدْرِهِ ... وَحَوْلِي مِنْ صِيْدِ الكُمَاةِ صُقُوْرُ
أَثَارَ بِهِ رَكْضُ الفَوَارِسِ قَسْطَلاً ... يُرَصِّعُهُ لِلْبَاتِرَاتِ قَتِيْرُ
وَقَدْ جَالَ جَرَّارُ الذُيُوْلِ مُمَاصِعٌ ... وَطَارَ إِلَى نَهْبِ النُّفُوْسِ مُغِيْرُ
وَقَدْ صُمَّتِ الأَسْمَاعُ إِذْ طَاشَتِ النُّهَىوَحَامَتْ عَلَى مَا عُوِّدَتْهُ طُيُوْرُ
وَأُصْدِرَتِ الرَّايَاتُ حُمْرَاً كَأَنَّهَا ... صُدُوْرُ حِسَانٍ مَسَّهُنَّ عَبِيْرُ
أَلا بِأَبِي ذَاكَ الزَّمَانُ الذِي قَضَى ... وَتَعْسَاً لِدَهْرٍ جَاءَ وَهُوَ عَثُوْرُ
تُصَابِحُنَا فِيْهِ الرَّزَايَا فَتَارَةً ... تُصِمُّ صِمَاخَاً أَوْ تُجِيْشُ صُدُوْرُ
لَقَدْ أَسْخَنَ المِقْدَارُ طَرْفِيَ بَعْدَهُوَكَمْ قَرَّ بِالآَمَالِ وَهُوَ قَرِيْرُ
أَيَا مُهْدِيَاً نَحْوِي التَّحِيَّةَ عَنْ نَوَىًتُسَائِلُنِي، إِنَّ الزَّمَانَ خَبِيْرُ
فَسَلْهُ عَنِ المَاضِيْنَ قَبْلِي فَإِنَّهُ ... عَلَى كُلِّ حَالٍ لا يَزَالُ يَجُوْرُ
فَلَوْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ هَمِّي حَالِكَاًوَشُهْبُ الدَّيَاجِي فِي السَّمَاءِ تُنِيْرُ
وَمِنْ أَدْمُعِي زَهْرٌ تَنَاثَرَ غُصْنُهُ ... بِنَكْبَاءَ يُزْجِيْهَا جَوَىً وَزَفِيْرُ
لأَنْشَدْتَ مِنْ طُوْلِ التَّفَجُّعِ وَالأَسَىوَقَدْ قَصُرَتْ عَنِّي مُنَىً وَقُصُوْرُ
غَرِيْبٌ بِأَرْضِ المَغْرِبَيْنِ أَسِيْرٌ ... سَيَبْكِي عَلَيْهِ مِنْبَرٌ وَسَرِيْرُ
فصل:
وتداولت على بلنسية ولاة ابن مرذنيش ثم ولاه عبد المؤمن إلى أن ثار ابن هود في الأندلس فثار ببلنسية قائد اعنتها:زيان بن يوسف بن مرذنيش
وأخرج منها أبا زيد عبد الرحمن بن محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمن، ورامها ابن هود فلم يقدر عليها إلى أنا مات بحسرتها. وبعده حصرها النصارى، فخرج منها المسلمون على صلح، وآل الأمر بزيان أنه الآن عند سلطان إفريقية في نعمة وكرامة.السلك
الوزراء
ذو الوزارتين أبو عامر بن الفرج
وزير المأمون بن ذى النون ملك طليطلة ثم وزير ابن ابنه القادر
من الذخيرة: من بيت الرياسة، وعترة نفاسة، ما منهم إلا من تحدى بالإمارة، وتردى بالوزارة، فطلع في آفاق الدول، ونهض بين الخيل والخول.ووقفت على نسخة من القلائد ، فوجدت فيها من ذكر أبي عامر هذا ما وجدته في الذخيرة سواء.
ومن المسهب: بنو الفرج من أعيان بلنسية الذين توارثوا الحسب، وجدوا عن أن يحيط بهم نظم من الشعر أو نثر من الخطب، ما منهم إلا من تهادته الملوك، وطلع بآفاقهم طلوع الشمس عند الدلوك. وكان أبو بكر بن عبد العزيز يقصدهم، لمكانهم من بلده، ويخفي لهم ما أظهره بعد من حسده، فتصدى لهم بالموبقات وأخرجهم عن بلنسية، فتفرقوا على حواضر ملوك الطوائف، وكل صادف محلا قابلا، وصار أبو عامر وزيراً للمأمون بن ذى النون.
ومن شعره قوله في أبي عبد الرحمن بن طاهر صاحب مرسية:
قَدْ رَأَيْنَا مِنْكَ الذِي قَدْ سَمِعْنَا ... فَغَدَا الخُبْرُ عَاضِدَ الأَخْبَارِ
إِذْ وَرَدْنَا لَدَيْكَ بَحْرَاً نَمِيْرَاًوَارْتَقَيْنَا حَيْثُ النُّجُوْمُ الدَّرَارِي
وَلَكَمْ مَجْلِسٍ لَدَيْكَ انْصَرَفْنَا ... عَنْهُ مِثْلَ الصَّبَا عَنِ الأَزْهَارِ
قال: وله في التوشيح طريقة حسنة.
ذو الوزارتين أبو القاسم بن فرج
كاتب أبي محمد بن القاسم صاحب البونت
من المسهب: أنه من هذا البيت المذكور، وأبو القاسم مقلة إنسانه، وفارس ميدانه، وهو من أشعر بني الفرج طرا، ولذلك اشتمل عليه ابن القاسم المذكور لحبه في الشعر، ومعرفته به، مع ما فيه من الخلال الموجبة لعلو المنزلة، وما زال يحمد اختباره، إلى أن قلده الوزارة فاستقل بأعبائها، وطلع بدرا في آفاق سمائها. ومما يستدل به على طبقته في الشعر قوله:تَأَمَّلْ لِجَفْنِ اللَّيْلِ بِالبَرْقِ أَرْمَدَاتَأَلَّمَ حَتَّى أَسْبَلَ القَطْرَ بَاكِيَا
وَأَحْسَبُهُ إِذْ بِنْتَ عَنِّي فَأَصْبَحْتْجُفُوْنِي قَرْحَى بِالدُّمُوْعِ حَكَانِيَا
وقوله:
الرَّاحُ لا تَحْجِبُوْا عَنِّي مُحَيَّاهَا ... بَيَّا الإِلَهُ مَغَانِيْهَا وَحَيَّاهَا
مَا أَصْبَحَتْ مُهْجَتِي كَالرَّوْضِ مَيِّتَةًإِلاَّ هَفَا بَارِقٌ مِنْهَا فَأَحْيَاهَا
طُوْبَى لِمَنْ طَلَعَتْ شَمْسَاً بِمَجْلِسِهِوَبِالنُّجُوْمِ مِنَ النُّدْمَانِ حَلاَّهَا
الوزير أبو جعفر أحمد بن جرج
وزير ابن عمار لما ثار بمرسية
من الذخيرة: كان أبو جعفر في وقته أحد الأعلام، وفرسان الكلام، وحل عند ملوك الطوائف بأفقنا من الدول، محل الشمس من الحمل ، فحملها على كاهله، وصرف أعنتها بين أنامله، حسن شارة، وكرم إشارة، وعلو همة، وظهور نعمة. وله رسائل مطبوعة، ومنازع في الأدب بديعة. ومن نثره قوله يخاطب ابن طاهر لما خلع عن ملك مرسية، ثم خلص من يد ابن عباد:ما أعجب الأيام، أعقب الله منها
السلامة والسلام، فيما يقضي، وكيف يمضي، تتعاقب بتلوين، وتتراءى بين تقبيح
وتحسين، فهي تعتب وتعتب، وتعتذر كما تذنب، وتصدع وتشعب، كما تجد وتلعب، وإن
صنيعها عندنا فيك وإن كان ألأم ، فقد أخمد الدهر ما أوقد، وعاد غيث على ما
أفسد، وإن يكن - حمى الله ذراك، وحزس علاك - كشف إليك صفحة اعتداء، وتخطى
إليك بقدم أعداء، فقد تراجع يمشي على استيحاء، متنصلا مما اقترف، متأسفا
على ما سلف ، وعند مثلك للقدر التسليم، فأنت الخبير العليم، أنه ما اختلف
الليل والنهار، إلا بنقض وإمرار، ولا دار الفلك المدار، إلا لأمر واختيار ،
كنت في الأرض من أسنى مطالعها مشرق الأنوار، فلا غرو أن يدركك ما يدرك
القمر من الأفول حينا والسرار، فقد يخسف البدر ثم يعاوده الإضاءة والنور،
والحمد لله الذي أخرجك من ظلمائك الغماء خروج السيف من الجلاء والبدر بعد
الانجلاء، نقي الأثواب من تلك الطخياء. ومن نظمه قوله:
سَارُوْا فَوَدَّعَهُمْ طَرْفِي وَأُوْدِعُهُمْقَلْبِي فَمَا بَعِدُوْا عَنِّي وَلا قَرِبُوْا
هُمُ الشُّمُوْسُ فَفِي عَيْنِي إِذَا طَلَعُوْافِي القَادِمِيْنَ وَفِي قَلْبِي إِذَا غَرَبُوْا
وقوله في رثاء ابن عمار:
قَدْ طَالَمَا عُمِّرَ المَرْءُ ابْنَ عَمَّارِ ... مُمْتَدَحَاً بِأَمَانِيٍ وَأَخْطَارِ
يُمْلَى لَهُ وَيُمَلِّي كُلَّ مَا وَطَرٍ ... وَلِلْمَقَادِيْرِ فِيْهِ أَيُّ أَوْطَارِ
اسْتَدْرَجَتْهُ لِمَا قَدْ أَدْرَجَتْهُ بِهِ ... حَتَّى أَتَى لِمَنَايَاهُ بِمِقْدَارِ
مَكَارِهٌ خَفِيَتْ عَنْهُ مَصَادِرُهَا ... وَالحَيْنُ مَا بَيْنَ إِيْرَادٍ وَإِصْدَارِ
مُسْتَوْزَرٌ لَمْ يَؤُلْ مِنْهَا إِلَى وَزْرٍوَكَمْ تَحَمَّلَ مِنْ أَعْبَاءِ أَوْزَارِ
تَأْتِي الأُمُوْرُ إِذَا أَقْبَلْنَ مُشْكِلَةًلَكِنَّ تَفَاسِيْرَهَا تُغْرِي بِإِدْبَارِ
الكتاب
أبو جعفر أحمد بن أحمد
من المسهب: من أعيان كُتّاب بَلَنْسية، رفيع الهمة، غير مُنْخَرِق الحُرْمة، له أخلاق تأْبى له من كل خدمة. ونظمه ونثره غير مُنَاهَزَيْن. وأورَدله ما في كتاب القلائد.ومن الكتاب المذكور: كاتب مجيد وفاضل مجيد انخفض عن الإرتفاع ونفض يده عن الإنتفاع فلم يلمح في سماء ولم يرد ورود ماء وكانت له نفس أبية وسجية سنية وذكر أنه كتب له: استكمل لمثنى الوزارة سعادة واستوصل له من سموها عادة وأسأله المسرة بدنوه معاده كيف لا أراقب مراقب النجوم وأطالب مآقي العين بالسجوم وقد أنذر بالفراق منذر وحذر من لحاق البين محذر وياليت ليلنا غير محجوب وشمسنا لا تطلع بعد وجوب فلا تروع بانصداع ولا تفجع ليلنا بوداع حسبنا الله كذا بنيت الدار ورأى سبحانه أن تصل شَمْلَنا الأقدار، ولعلها تجود بعد لأي، وتعود إلى أحسن رأي، فتنظر نظراً جميلاً، وتَعْمُرَ رَبْعاً مُحيلاً، إن شاء الله. وأنشد له الحجاريّ في مُنية المنصور بن أبي عامر ببلنسية:
قُمْ سَقِّني والرياضُ لابسةٌ ... وَشْياً من النَّوْر حاكَهُ القَطْرُ
والشمسُ قد عَصْفَرَتْ غَلائلها ... والأرض تَنْدَى ثيابُها الخُضْرُ
في مجلِس كالسماءِ لاحَ بهِ ... من وجه مَنْ قد هَوِيتهُ بَدْرُ
والنهرُ مثلُ المجرِّ حفَّ به ... من النواحي كَواكبٌ زُهْرُ
أبو القاسم محمد بن نوح
أملى عليَّ والدي في شأنه: كاتب بليغ النثر، غير قاصر في النظم، كتب عن أبي عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن ملك بلنسية، ومدح منصورهم بأمداح كثيرة. قال: وهو ممن صحبتُه وذاكرته ومازجته، وأنشدني لنفسه قوله:خليلٌ لا يدوم له خليلُ ... يميل مع الزمان كما يميلُ
سمينٌ جسمه والعِرْضُ مُضْنىً ... يُكَثِّرُ نفسه وهو القليلُ
يَنَال صديقَه ويُنَال منه ... وإن يُحتَجْ إليه فلا يُنيلُ
وقوله:
ألا لله بستانٌ غَدَوْنا ... عليه وزَهْرُهُ مُلقَى الإزارِ
وللبَسْبَاس أعلامٌ أرَتْنا ... قريبَ الهُلْبِ أذناب المهارِ
أبو عمرو بن سيدهم
كاتب أبي عنوان بن أبي حفص ملك المرية له الأبيات التي يُغَنَّى بها:
يا دارُ فيكِ حبيبٌ لا أُسَمِّيهِ ... شُحّاً عليه وخوفاً من تَجَنِّيهِ
البدرُ طَلْعَتُهُ والغُصْنُ قامتُهُ ... والشمس أحسِبُها كانت تُرَبِّيه
طوبى لرَبَّتِهِ ما كان أسْعَدها ... ووالديه وما أشقَى محبِّيه
قال العواذلُ إذ أبصرْنَ طَلْعَتَهُ ... من ذا الذي جَلَّ عن وَصْفٍ وتَشْبيهِ
فقلت والوجدُ يَطْويني ويَنْشُرُني ... هذا الغزالُ الذي لمُتنَّني فيهِ
أبو عبد الله محمد بن الأبّار
كاتب
زَيّان بن مَرْذَنيش ملك بَلَنْسِية، وقد كتب عن سلطان أفريقية. اجتمعت
به، ورأيته فاضلاً في النظم والنثر والتاريخ ومُلَح الآداب. وممّا أنشدني
من شعره قوله:
حديقة ياسمينٍ لا ... تَهيمُ بغيرها الحَدَقُ
إذا جَفْنُ الغمام بكى ... تبسّم ثَغْرُها اليَقَقُ
كأطراف الأهلَّة سا ... لَ في أثنائها الشَّفَقُ
وقوله:
نظرتُ إلى البدر عند الخسوفِ ... وقد شِينَ مَنْظَرُهُ الأزْيَنُ
كما سَفَرت صفحةٌ للحبيبِ ... فحجَّبَها بُرْقُعٌ أدكَنُ
وقوله:
عجبتُ من الخُسُوف وكيف أوْدَى ... ببَدْرِ التِّمِّ لمّاع الضِّيَاء
كمرآة جلاها الصَّقْلُ حَتَّى ... أنارتْ ثُمَّ رُدَّتْ في غِشاء
وقوله:
لك الخيرُ أتحفني بخيرِيَّ روضةٍ ... لأنفاسه عند الهجوع هُبوبُ
أليس أديبَ النَّوْرِ يجعل ليله ... نهاراً فيذكو تحته ويَطيبُ
ويطْوى مع الإصباح منثورَ نَشْره ... كما بان عن رَبْع المحبِّ حبيبُ
أهيم به عن نِسْبَةٍ ... ولا غَرْوَ أن يهوى الأديبَ أديبُ
وقوله:
لقد غَضِبَت حتى على السِّمْطِ نَخْوةً ... فلم تتقلَّد غيرَ مَبْسِمِها سِمْطَا
وأنكرتِ الوخْطَ الملمَّ بلمَّتي ... ومن عرف الأيام لم يُنْكر الوَخْطَا
وقوله:
يا حبذا بحديقة دُولابُ ... سكنتْ إلى حركاته الألبابُ
غَنَّى ولم يَطْرَبْ وسَقَّى وهْوَ لَمْ ... يشربْ ومنه العودُ والأكوابُ
لو يدّعى لُطفَ الهواءِ أو الهَوَى ... ما كنتَ في تصديقه ترتابُ
وكأنه مما شَدا مُسْتَهْترٌ ... وكأنّه مما بكى أوّابُ
وقوله:
وقالوا ألِفْتَ الكَرى نُطْفَةً ... وبتَّ على ظمأٍ للكَرَى
فقلتُ الهوى ضافني طاوياً ... إليّ المراحلَ يشكو السُّرَى
فبوّأته مُقْلَتي مَنْزِلاً ... وقدَّمتُ نومي إليه قِرَى
وقوله:
تَراءى له أفْقُ البُحَيْرَةِ والبحرِ ... فراح بماء القَلْب مُختَضِبَ النَّحْرِ
وقد مَنَعَ التهويمَ أنِّيَ هائمٌ ... بعيش مَضَى بين الرُّصافة والجَسْرِ
وجنَّةِ دُنْيا لا نظير لحُسْنها ... تفجَّرتِ الأنهارُ من تحتها تَجْري
إذا الناسُ حَنَّوا للربيع وجَدْتنا ... بها في ربيعٍ كلَّ حين من الدَّهْر
تهبُّ نُعامَاها فَيَفْغَمُ أنْفَنَا ... بأنفاسها الملذوذة البَرْدُ في الحَرِّ
كأنّيَ من قلبي المتيَّم قادحٌ ... عَفاراً لتذكاري لكُثْبانها العُفْرِ
وأياميَ الزُّهر الوجوه خِلالها ... ولا خُلَّةٌ غير الحديقة والنَّهْر
فمِنْ بُكَراتٍ أدْبرتْ وأصائلٍ ... جنيتُ بها الإقبال في غُرَّة العمر
عَشايا كساها التِّبْرُ فضلً شُنُوفهِ ... ألا يا لها فضل الشُّنُوف على التِّبْرِ
وقوله:
أبُسْتانَ الرُّصافة لا ... هويتُ سواك بُسْتانا
تخال الدَّوْحَ مُجْتَمعاً ... به شِيباً وشبَّانا
وقد لبستْ مَفَارقُهُ ... من الأنداءِ تيجانا
تجولُ به جداولُهُ ... وتَغْشى النهرَ إدْمانا
فتحسِبها إذا انسابتْ ... أراقمَ زُرْنَ ثُعْبانا
وقوله:
من عاذري من بابلي طرفُهُ ... ولعمرُه ما حَل يوماً بَابِلا
أعتدُّهُ خُوطاً لعيشِيَ ناعماً ... فيعودُ خَطِّيَّاً لقتليَ ذابِلا
وقوله:
أين المَذانِبُ لا تزال تأَسُّفاً ... يَجْري عليها من دموعي مِذْنَبُ
من كل بسّام الحَباب كأنَّهُ ... ثَغْرُ الحبيب وريقُهُ المُسْتَعْذَبُ
كالنَّصْل إلا أنّه لا يُتَّقى ... كالصِّلِّ إلا أنه لا يُرهَبُ
ومنها في الدولاب:
تقتادنا أقدامُنا وجِيادُنا ... لجنابه وهو النَّضيرُ المُعْجِبُ
كَلَفاً بدولابٍ يدورُ كأنّهُ ... فَلَكٌ ولكن ما ارتقاهُ كوكبُ
نَصَبَتْهُ فوق النهر أيْدٍ قَدَّرَتْ ... تَرْويحَهُ الأرواحَ ساعة يُنْصَبُ
فكأنَّهُ وهو الطليقُ مقيَّدٌ ... وكأنَّهُ وهو الحبيسُ مُسَيَّبُ
للماء فيه تَصَعُّدٌ وتحدُّرٌ ... كالمُزْنِ يَسْتَسْقِي البحارَ ويَسْكُبُ
العمال
أبو الحسن بن سابق
صاحب أعمال بلنسية
من المسهب: من النجباء الذين أطلعهم الأفق البلنسي، كان في أول حاله مستجدياً بالشعر متجولاً في الآفاق، ما بين ظَفَر وإخفاق، إلى أن تَرقّى إلى ولاية السوق ببَلَنْسِيَة، فظهرت منه دُرْبَة في الشغل، وبان عليه استقلال، فوليَ خُطَّةَ الأشراف ولحظَه السَّعد بطرْفه كله، فنال أمنيَّته. وهو معدود في نُبَهاء الكتاب والشعراء. ومن شعره قوله وقد جاءه غلام جميل الصورة من البُدَاة، يشتكي بأن العمال كتبوا عليه أعشاراً لا يحتملها، وأن زَرْعه دون ما قدّروا، وبكى وأظهر خضوعاً، فتحمّلها عنه:أتَى شاكياً أعباءَ أعْشاره التي ... تحمَّلها عنه المشوقُ الذي بُلِي
فقلت وقد أبدى لديَّ خضوعَهُ ... وأسبَلَ دمعاً كالجُمان المفَضَّلِ
وما ذرفتْ عيناكِ إلا لتقدحي ... بسهميك في أعشار قلب مُقَتَّل
فليتك قد أمسيتَ سِرّاً مُعانقي ... وبتُّ على خَمْرٍ كريقك سَلْسَل
أعاطيكها حتى الصباح وبيننا ... حديثٌ كماء الورد شِيبَ بمَنْدَل
أبو عبد الله محمد بن عائشة
صاحب أعمال بلنسية. من الذخيرة: أي فتىً طهارة أثواب، ورقّة آداب، وأكثرُ ما عوَّل على الحساب، فهو اليوم فيه آيةٌ لا يُقاس عليها، وغايةٌ لا يُضاف إليها. وله من الأدب حظ وافر، وفي أهله اسم طائر، يقول من الشعر ما يشهد له بكرم الطبع، وسعة الذَّرْع، كان يوماً مع أبي إسحاق بن خفاجة وجماعة من الأدباء تحت خوخةٍ منورة، فهبّت ريح صَرْصَر أسقطت عليهم جميع زَهْرها، فقال ابن عائشة:ودَوْحة قد عَلَتْ سماءً ... تطلُع أزهارُها نجوما
كأنما الجوُّ غارَ لمَّا ... بَدَتْ فأغْرى بها النسيما
هفا نسيمُ الصَّبَا عليها ... فخلتُها أرسَلَتْ رُجُوما
من المسهب: ممن أنشأته بلنسية من الأعلام، وأظهرته من السادة الكرام، لكنه عاش زماناً، وما عُلِمَ أنه من الجماهير، إلى أن نبّه السعد عليه أميرَ الملثّمين فأشرقت به تلك الدياجير، واستدعاه فقدمه على حُسْبانات جميع المغرب، ووضع في يديه مقاليد الأعمال، وحكَّمه في الأموال، فعظُم قدره ونَبُه ذكره. وله نظم أرقّ من دمعة مهجور، تُدار عليك به صافية الخمور.
ومن السمط: ذو الجانب السهل، والرحب والأهل، والمنتهى في السيادة، وحسن الإراغة والإرادة. ومن نثره: أطال الله - يا عِياذِيَ الأعلى وعَتَادِيَ الأقوى - بقاءك، وأحسن في هذا الملمِّ المبهَم عزاءك، وسرّك ولا ساءك، كتبته. دام عزك، وإن يدي لا تكاد تطاوعني إشفاقاً، ونفسي لا تكاد تملي علي ارتماضاً واحتراقاً، لما ورد فأصْمى وأوجع، وأصمَّ به الناعي، وإن كان أسمع. وأنشد له من قصدية قوله:
كم له عنديَ من مكرُمةِ ... أنفذتْ شكري وأعْيَتْ مَنْطِقِي
أثقَلَتْ تلك المساعي كاهلي ... طوَّقن تلك الأيادي عُنُقي
ومنها:
لم تكن علياؤهُ فيمن مضى ... لا، ولا آلاؤه فيمن بَقِي
سَلِيلُ المجد أغنى نجلَهُ ... مُدرِكٌ غايَةَ ذاك الطَّلَقِ
البيوت
أبو محمد عبد الله بن واجب
من المسهب: بنو واجب ذكرهم في كل مكرمة واجب، حازوا بحضرة بلنسية شهرة الذكر، وجلالة القدر، من بين صاحب أحكام، وعلم أعلام، ووزير مدير، وحسيب شهير. وأبو محمد أديبهم الكامل، وشاعرهم المجيد الفاضل، وقد وفد على أمير الملثَّمين علي بن يوسف بن تاشفِين، وأنشده قصيدة، منها:بربعهمُ عرِّجْ فذلك مطلبي ... ودَعْ ذكر نَعمانٍ وسَلْعٍ وغُرَّبِ
نَأَوْا لا نأى عني تذكُّرُ عَهْدهم ... وقلبيَ في غير الجَوَى لم يُقَلَّبِ
وأحسبهم يَرْعَونَ عهدي كمثل ما ... رعيتُ ولا يُصْغُون نحو تجنُّب
ومنها:
لقد نصر الرحمنُ أُمّةَ أحمدٍ ... بمُلْك عليٍّ بين شرقِ ومَغْربِ
هو الملك الأعلى الذي امتدَّ ظِلُّهُ ... وفاض نداهُ الغَمْرُ في كل مذهبِ
إذا اطَّلعتْ سودُ الخطوبِ فإنّنا ... لنَلْمَحُ من أضوائه نورَ كوكبِ
ومن جيد شعره قوله:
أنا الذي يَعْرفُهُ دَهْرُهُ ... ما إن يَهُزُّ الخطبُ لي مَنْكِبَا
وقد قَسَا قلبي لِمَا أبصَرَتْ ... عيني ولا يُخْدَعُ من جَرَّبَا
فما أبالي من أخٍ مِخلِص ... أمَشْرقاً يَمَّمَ أم مَغْربَا
وذكره ابن اليسع، وأطنب في الثناء عليه.
العلماء
أبو الربيع سليمان بن سالم الكَلاعيّمن أئمة المحدّثين، وأعلام العلماء المشهورين في عصرنا، أنشدني له كاتب سلطان إفريقية أبو عبد الله بن الأبار، وهو أحد من روى عنه وقرأ عليه، في مُشْط فضّة:
تَهْوى مَحَلِّي النجومُ ... يا بُعْد ما قد ترومُ
كم لِمَّةٍ لكعاب ... بها النفوسُ تَهيمُ
سَرَيْتُ فيها شِهاباً ... حواهُ ليلٌ بَهيمُ
ما صاغني من لُجَيْنٍ ... إلا ظريفٌ حكيمُ
مَشْطُ الحسانِ بعَظْمٍ ... ظُلْمٌ لعمري عَظِيمُ
أبو الحسن علي بن سعد الخير
أخبرني والدي: أنه كان شهير الذكر، جليل القدر، منصدراً لإقراء العربية ببلنسية في مدة منصور بني عبد المؤمن، وقد ذكره صفوان في زاد المسافر، وأنشد له قوله:للهِ دولابٌ يفيض بسلسلٍ ... في دَوْحَة قد أيْنَعَتْ أفْنانا
قد طارحتْه بها الحمائمُ شَجْوَها ... فتجيبه وتُرَجِّعُ الألحانا
وكأنّه دنِفٌ أطاف بمَعْهَدٍ ... يبكي ويسأل فيه عَمَّنْ بانا
ضاقتْ مجاري طَرْفِهِ عن دمعه ... فتفتَّحت أضلاعه أجفانا
وقوله:
جَزى إلهُ العَرْشِ يومَ النَّوَى ... بشرِّ ما يجزيه يوم الحسابْ
كم وقفةٍ قلبيَ أضحى بها ... يخفق في الصدر خفوق السَّرابْ
والعِيسُ قد ولَّتْ بأحبابنا ... تَمرُّ في البيداء مَرَّ السحابْ
أبو الحسن علي بن حريق
أخبرني والدي: أنه اجتمع به في سَبْتَة في مدة مستنصر بني عبد المؤمن، وقد قصد صاحب أعمالها ابن عبد الصمد مادحاً، للذائع من كرمه، فرأى خير من يُجتمَع به أدباً وشعراً وظرفاً وحُسْن زيّ، قال: وشهدت له بحفظ الآداب والتاريخ، ومما قيَّدته عنه من شعره قوله:يا وَيْحَ من بالمغرب الأقصى ثَوَى ... حِلْفَ النَّوى وحَبِيبُه بالمشرقِ
لولا الحذارُ على الورى لملأت ما ... بيني وبينك من زَفيرٍ مُحْرِقِ
وسكبتُ دمعي ثمَّ قلت لسكْبهِ ... من لم يَذُبْ من زفرةٍ فَلْيَغْرَقِ
لكن خشيتُ عقاب ربّي إن أنا ... أغرقتُ أو أحرقت من لم أخلُقِ
وقوله:
يا صاحبيّ وما البخيل بصاحبٍ ... هذي الديارُ فأين تلك الأدْمُعُ
أتمرُّ بالعَرَصات لا تبكي بها ... وهيَ المعاهدُ منهمُ والأرْبُعُ
هيهات لا ريحُ اللواعج بعدهمْ ... رَهْوٌ ولا طَيْرُ الصَّبابةِ وُقَّعُ
يا سَعْدُ ما هذا المُقامُ وقد مَضَوا ... أَتُقِيمُ من بعد القلوب الأضْلُعُ
جاروا على قلبي بسِحْر جفونهم ... لا زال يَشْعَبُه الأسى ويُصَدِّعُ
وأبى الهَوَى إلا الحلولَ بلَعْلَعٍ ... وَيْحَ المطايا أين منها لَعْلَعُ
لم يَدْرِ أين ثَوَوْا فلم يسأل بهمْ ... ريحاً تهبُّ ولا بُرَيقاً يلمع
وكأنهم في كل مَدْرَجِ ناسمٍ ... فعليه منهم رقَّةٌ تتضَوَّعُ
فإذا منحتُهمُ السلامَ تبادرتْ ... تبليغه عني الرياحُ الأربعُ
وقوله:
كلَّمْتُه فاحمرَّ من خَجَل ... حتى اكتسى بالعَسْجَد الوَرقُ
وسألته تقبيلَ راحتِه ... فأبى وقال أخاف أحترقُ
حتى زفيري عاقَ عن أملي ... إن الشقيَّ بريقه شَرِقُ
وقوله وقد شرب عنده محبوبه عشية، وعزم على أن ينفصل عنه لداره، فمنعه من ذلك سيل، فبات عنده:
يا ليلةً جادتِ الليالي ... بها على رغم أنْفِ دهري
للسَّيل فيها عليّ نُعْمى ... يقصُر عنها لسانُ شكري
أباتَ في منزلي حبيبي ... وقام في أهله بعُذْر
فبتُّ لا حالهُ كحالي ... ضجيعَ بدرٍ صريعَ سُكْرِ
يا ليلة القَدْر في الليالي ... لأنت خيرٌ من ألْفِ شَهْرِ
وقوله:
لم تبق عندي للصِّبا لذَّةٌ ... إلا الأحاديثَ على الخَمْرِ
وقوله:
وما بقيتْ من اللَّذات إلا ... محادثةُ الرجال على الشراب
لَثْمُكَ وجْنَتَيْ قَمرٍ منيرٍ ... يجولُ بخدّهِ ماءُ الشباب
وقوله:
إنَّ ماءً كان في وَجْنَتها ... شَرِبتْه السِّنُّ حتى نَشِفَا
وذَوَى العُنّابُ من أنْمُلها ... فأعادتْهُ الليالي حَشَفَا
وقوله في النشواني:
وكأنما سَكنَ الأراقمُ جَوْفَها ... من عهد نوحٍ مُدَّةَ الطوفانِ
فإذا رأَيْنَ الماءَ يَطفَحُ نَضْنَضَت ... من كل خُرتٍ حَيَّةٌ بلسان
وقوله:
بَلَنْسِيَةٌ قرارةُ كلِّ، حُسْنٍ ... حديثٌ صحَّ في شَرْقٍ وغَرْبِ
فإن قالوا محلٌ غلاءِ سعرٍ ... ومَسْقَطُ دِيمَتَيْ طَعْنٍ وضرْبِ
فقل هيَ جَنَّةٌ حُفَّتْ رُباها ... بمكروهين من جوعٍ وحَرْبِ
قال صفوان: اجتمع مَرْجُ كُحْلٍ وابنُ حريق في مجلس أحد الوزراء، فابتدأ مرج كحل ينشد قصدية في الفخر أولها:
هكذا كل جزيريّ النَّسَبْ
فقال ابن حريق:
يا بَس الراحة مبلول الذَّنَبْ
الحكيم الفيلسوف
أبو جعفر أحمد بن عتيق بن جُرْجالمعروف بابن الذهبي
أخبرني والدي: أنه كان من أعيان بلنسية وإنما عرف بالذهبيّ، لأن جده كان مولعاً بالكَتْب بالذهب والتصوير به، واجتمعت به في مراكش، فرأيت بحراً زاخراً، وروضاً ناضراً، قال: وكان مشاركاً في الآداب وعلوم الشريعة، ولكن الغالب عليه علم الفلسفة، وكان أيضاً طبيباً ماهراً، وكان من أصحاب ابن رُشْد، فلما سَخِط المنصور على ابن رشد طلب أصحابه، فاختفى ابن الذهبيّ إلى أن عفا عنه، ثم ما زال يترقّى إلى أن قدّمه على الطلبة، فجلَّ قدره، واشتهر ذكره، وكفاك عُنواناً على علو طبقته في النظم قولُه:أيها الفاضل الذي قد هداني ... نحو من قد حَمِدْتُه باختياري
شَكَرَ اللهُ ما أتيت وجازا ... ك ولا زلتَ أيَّ نجمٍ لسَار
أيّ برقٍ أفاد أيَّ غمامٍ ... وصباحٍ أدّى لضوء نَهَار
وإذا ما غدا النسيم دليلي ... لم يُحِلُني إلا على الأزهار
وقوله في وزير مراكش أبي سعيد بن جامع وقد عاده:
أنت عَيْنُ الزمان لا تُنْكِر السُّقْ ... م فما ذاك مُنْكَرٌ في العيونِ
عبد الودود البلنسيّ الطبيب
من
الخريدة: رحل إلى العراق وخُرَاسان وعُرف عند السلاطين، وكان في عصر
السلطان محمد بن مَلِكْشاه. ومن شعره قوله فيما يكتب بالذهب على بيضة
نَعامة:
قبيحٌ لمثلي أن يُحَلَّى بعَسْجَد ... وألْبَسَ أثواباً ومَلْبَسيَ الدُّرُّ
ولو كنتُ في بَحْرٍ لعزَّتْ مطالبي ... ولكنّ عَيْبي أن مَسْكَنِيَ البرُّ
الشعراء
أبو جعفر أحمد بن الدَّوْدينمن الذخيرة: هو أحد من لقيته، وأملى عليَّ نظمه ونثره بأشْبونة سنة سبع وسبعين وأربعمائة. ومما أنشدني من شعره قوله:
علَّمني في الهوى عليٌّ ... كيف التَّصابي على وَقاري
أطلعَ لي من دُجاهُ بَدْراً ... لم يدرِ ما ليلةُ السِّرَار
فحاد بي عن طريق نُسْكي ... وظَلْتُ مُسْتأهلاً لنار
وقوله:
خَطَّ العِذَارُ بصفحتيه كتاباً ... مَشَقَتْ به أيدي المشيب جَوابا
فغدَتْ غواني الحيِّ عنك غوانياً ... وأسَلْنَ ألحاظ الرَّباب رَبابا
فلأَبكينَّ على الشباب وطيبه ... ولأجعلنّ دَمَ الفؤاد خِضابا
أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عطية
المشهور بابن الزَّقَّاقمن سمط الجمان: المطبوع بالإصْفاق، ذو الأنفاس السحرية الرقاق، المتصرف بين مطبوع الحجاز ومصنوع العراق، الذي حكى بأشعاره زهر الرياض، وأخْجَل بإشاراته عَثَرات الجفون المِراض، وراض طبعه على شأو الرِّضا وطَلْقِ السُّرى الموطّأ فانقاد له وارتاض.
ومن المسهب: من فتيان عصرنا الذين اشتهر ذكرهم، وطار شعرهم، وهو جدير بذلك، فلشعره تعشُّق بالقلوب، وتعلُّقٌ بالسمع، وأعانه على ذلك مع الطبع القابل، كونه استمدَّ من خاله أبي إسحاق بن خفاجة، ونَزَع منزَعه، وأنت إذا سمعت قوله:
وأغيَدٍ طافَ بالكئوس ضُحىً ... وَحَثَّها والصباحُ قد وضَحَا
والرَّوْضُ أهْدى لنا شقائقَه ... وآسُهُ العنبريّ قد نَفحا
قلنا وأيْن الأقاحُ؟ قال لنا ... أوْدَعْتُهُ ثغْرَ مَنْ سَقَى القَدَحا
فظلَّ ساقي المُدامِ يَجْحَدُ ما ... قال فلما تبسَّم افتضحا
وقوله:
ورياض من الشقائق أضحى ... يَتهادَى بها نسيمُ الرياحِ
زُرْتُها والغمامُ يجلد منها ... زَهَراتٍ تروق لون الرَّاحِ
قلت ما ذنبها؟ فقال مجيباً ... سَرَقَتْ حُمْرةَ الخدود الملاحِ
لم تحتج معه إلى شاهد غيره، على حسن تهدّيه واحتياله، على أن يُظهر الخَلَقَ في حِلْية الجديد، فلله درّه. الفرض من ديوانه: قوله من قصيدة:
والطيفُ يَخْفى في الظلام كما اختفى ... في وَجْنَةِ الزّنجيِّ مِنه حياءُ
طلعتْ بحيث الباتراتُ بوارقٌ ... والزُّرْقُ شُهْبٌ والقتام سماءُ
ومنها:
هذي القصائدُ قد أتتْكَ برودُها ... مَوْشيَّةً وقريحتي صنْعَاءُ
ومديحُ مثلِك مادحي ولرُبّما ... مُدِحَتْ بمن تتمدّح الشعراءُ
وقوله:
أفديكِ من نَبْعيَّةٍ زَوْرَاءِ ... مشغوفةٍ بمقاتل الأعداءِ
ألِفَتْ حَمام الأيك وَهْيَ نضيرةٌ ... واليوم تألُفُها بكَسْر الحاءِ
وقوله:
يا شَمْسَ خِدْرٍ ما لها مغربُ ... أرامةٌ دارُك أم غُرَّبُ
ذهَبْتِ فاستعبر طرْفي دماً ... مُفَضَّضُ الدمع به مَذْهَبُ
اللهَ في مُهْجَةِ ذي لوعةِ ... تَيَّمَهُ يوم النَّقَا الرَّبْرَب
شام بروقاً لِلِّوَى فامْتَرى ... أضوْءه أم ثَغْرُكِ الأشنبُ
أشبَه فيها ليلَهُ يومُهُ ... حتى استوى الأدهَمُ والأشهَبُ
سُرُورُهُ بعدكمُ ترْحَةٌ ... وصُبْحه بعدكمُ غَيْهَبُ
ناشدتك الله نسيمَ الصَّبَا ... أين استقلَّتْ بعدنا زينبُ
لم تَسْرِ إلاّ بشَذَا عَرفها ... أولاَ فماذا النَّفَسُ الطَّيِّبُ
ويا سحابَ المُزْن ما بالُنا ... يشوقنا ذيلُكَ إذ تَسْحَبُ =========
المؤلف : ابن سعيد المغربي
هاتِ حديثاً عن مغاني اللِّوى ... فعهدُك اليوم بها أقربُ
إيهِ وإن عذَّبني ذكرُها ... فمن عذاب النفس ما يَعْذُبُ
هل لعبتْ بالعرَصات الصَّبا ... فعجَّ منها للصبا ملعبُ
أم ضرَّها سُقْياك إذ جُدْتَها ... كم غَص ظمآنٌ بما يَشْرَبُ
يا من شكا من زمنٍ قسْوةً ... أين السُّرى والعِيسُ والسَّبْسَبُ
أفلحَ من خاض بحارَ الدُّجى ... وصهوةُ العزِّ له مَرْكَبُ
أليسَ في البيداء مَنْدُوحةٌ ... إن ضاق يوماً بالفتى مَذْهَبُ
لأَخْبِطُ الليلَ ولو أنّه ... ذو لِبَدٍ أو حَيَّةٌ تلْسَبُ
تحمل كورى فيه عَيْرَانةٌ ... إلى سوى مَهْرَةَ لا تُنْسَبُ
وإنما يعرف سُبْلَ العُلى ... يسلكها الأنْجبُ فالأنْجبُ
إن كان للفضل أبٌ إنّه ... نجلُ بني عبد العزيز الأبُ
المُنْتَضَى من حُجُراتِ الأُلى ... على السَّماكين لَهُمْ مَنْصِبُ
ومنها في السيف:
يُبْتَزُّ عن صفحته غِمدُهُ ... كما انْجلى عن مائه الطُّحْلُبُ
وفي الفرس:
يَخْترقُ النَّقْعَ على أشقَر ... ينقضُّ منه في الوَغى كوكبُ
تطيرُ في الحُضْر به أرْبَعٌ ... يُطْوَى لها المَشرِقُ والمغربُ
له تَليلٌ مثلُ ما يَنْثَني ... غُصْنٌ به ريحُ الصَّبا تلعبُ
يُجيلُ في صَهْوته ضَيْغَماً ... ليس سوى السيف له مِخْلَبُ
وقوله:
قُمْ سَقِّني ذَهَبيّةً ... إن الأصيل مُذَهَّبُ
ولَيَسبقَنْ زُهرَ الكوا ... كب للزجاجة كوكبُ
أوَ ما ترى ذَيْلَ السحا ... ب على الحدائق يُسْحبُ
والقُضْبُ ترْقص والغدي ... رُ مع الحمائم يَصخَبُ
وإذا ترنَّم أوْرَقٌ ... فيه تدفَّق مِذْنبُ
والطَّلُّ دمعٌ سائلٌ ... أو در سِلْكِ يُنْهَبُ
والبَرْقُ صَفْحةُ صارمٍ ... أو مارجٌ يتلهَّبُ
ومُهَفْهَفٍ يَصْبُو إلي ... ه الشادنُ المترقِّبُ
طابتْ حميَّاهُ وريَّ ... اهُ أنمُّ وأطْيَبُ
شَربَ المدامَ وعَلَّني ... من ثَغْره ما يَشْرَبُ
حتى إذا انْبرَتِ الشّمو ... ل بمعطفيه تَلَعَّبُ
عانَقْتُ منه الصبح حَتَّى ... لاح صُبْحٌ أشهَبُ
فغدا اصطِباحي من ثنا ... ياهُ الرُّضابُ الأشْنَبُ
وقوله من مَرْثية:
تَضَمَّن منه القبْرُ حَلْيَ مكارمٍ ... فخُيِّلَ لي أن التُّرابَ تَرائِبُ
لئن صَفِرَت منه يَدُ المجد والعُلَى ... فقد مُلِئَتْ من راحتيه الحقائبُ
ووالله ما طَرْفي عليك بجامدٍ ... وهل تجمُد العينان والقلب ذائبُ
ولا لغليل البَرْحِ بعدك ناضِحٌ ... ولو نشأتْ بين الضلوع سحائبُ
ومنها:
هُوَ القدَرُ المحتوم إن جاء مُقْدِماً ... فلا الغابُ محروسٌ ولا الليثُ واثِبُ
وما الناسُ إلاّ خائضُو غَمْرَةِ الرَّدَى ... فطافٍ على ظهر التراب وراسبُ
وقوله:
أعدَّ الهجرَ هاجرةً لقلبي ... وصَيَّرَ وَعْدَهُ فيها سَرَابا
وقوله:
لأقبلتْ تحكي لما مَشْيَ الحُبَابْ ... ظبيةٌ تفترُّ عن مثل الحَبَابْ
كلما مال بها سُكْرُ الصِّبا ... مال بي سُكْرُ هواها والتَّصَاب
أُشْعِرَتْ من عَبَراتي خجلاً ... إذ تجلَّت فتغطَّتْ بنقابْ
مثل شمس الدَّجْنِ مهما هَطَلَتْ ... عَبْرَةُ المُزْن توارتْ بحجابْ
وقوله:
وحَبَّبَ يَوْمَ السَّبْتِ عنديَ أنّهُ ... ينادمني فيه الذي أنا أحْبَبْتُ
ومن أعجب الأشياء أنِّيَ مُسْلِمٌ ... حنيفٌ ولكنْ خيرُ أيّامي السبْتُ
وقوله:
يَحنِيه طولُ ضِرابهِ هامَ العِدَا ... حتى يُرى بيديهِ منه صَوْلَجُ
من كلِّ وقَّادِ السِّنان كأنّما ... في كل ذابلةٍ ذُبَالٌ يُسْرَجُ
وقوله:
ألمّتْ فباتَ الليلُ من قِصَرٍ بها ... يطيرُ ولا غيرُ السرور جناحُ
وبتُّ وقد زارتْ بأنعم حالةٍ ... يعانقني حتى الصباح صباحُ
على عاتقي من ساعِدَيْها حمائلٌ ... وفي حَصْرها من ساعديّ وشاح
وقوله:
سَرَتْ إذ نامتِ الرُّقباءُ حولي ... ومسكُ الليل تُهديه الرياحُ
وقد غنّى الحُلِيُّ على طُلاها ... بوَسْواسٍ فجاوبه الوشاحُ
تُحاذِرُ من عمود الصبح نوراً ... مخافة أن يُلِمَّ بنا افتضاحُ
ولم أرَ قبلها والليلُ داجٍ ... صباحاً باتَ يَذْعَرُهُ صباحُ
وقوله:
ورُبّ مائِسَة الأعطافِ مُخْطَفَةٍ ... إذا دنا نَزْعُهَا فالعيشُ مُنْتَزَحُ
ظَلَّتْ ترِقّ وظلَّ النَّزْعُ يَعطِفها ... كما ترنَّم نشوانٌ بهِ مَرحُ
وقد تألّق نَصْلُ السهْم مندفعاً ... عنها فقُلْ كوكبٌ يُرْمى به قُزَح
وقوله:
شَبُّوا ذُبالَ الزُّرق في يوم الوغَى ... فأنارَ كلّ مذَرّبٍ مصباحا
سُرُجٌ ترى الأرواح تُطْفِي غيرها ... عَبَثاً وهذي تطفئُ الأرواحا
وقوله:
نُثِرَ الوردُ بالخليج وقد دَرَّ ... جه بالهبوب مَرُّ الرياح
مثل دِرْعِ الكَميِّ مَزَّقها الطَّعْ ... نُ فسالتْ بها دماءُ الجراحِ
وقوله:
وليلٍ طَرَقْتُ الخِدْرَ فيه وللدُّجى ... عُبابٌ تراهُ بالكواكب مُزْبِدا
وقوله:
ذَرْني ونَجْداً ولا حملتُ نِجَادي ... إن لم أخُطَّ صَعيدَها بصِعَادي
وأخْضَخِضَنَّ حَشَا الظلام إلى الدُّمَى ... وأصافحنَّ سوالفَ الأجياد
ولقد مررتُ على الكثيب فأرْزَمَتْ ... إبلي ورجَّعتِ الصهيلَ جيادي
ما بين ساحاتٍ لهم ومعاهد ... سُقِيَتْ من العَبَرات صَوْبَ عِهاد
ضَرَبُوا ببَطْن الواديينِ قبَابَهُمْ ... بين الصوارمِ والقَنَا المُنْآد
والوُرْقُ تَهتِف حولهم طرَباً بهمْ ... في كل مَحْنِيَةِ ترنَّمَ حادي
يا بانةَ الوادي كفى حَزَناً بنا ... ألا نُطارح غيرَ بانَةِ واد
أين الظباءُ المُشرئبَّةُ بالضحى ... في مُنْحَنَاكِ وأينَ عَهْدُ سعادِ
وردوا ومن بيضِ المناهل أدْمُعي ... ونأَوْا وبعض الظاعنين فؤادي
فسَقَتْهُمُ حيث التقت برِحالهم ... هُوُج الركاب روائحٌ وغوادي
ينهلُّ وابِلُها كما تنهلُّ منْ ... يُمْنَى أبي الفضل الكريم أيادي
الأرْيحيِّ إلى السماحة مثل مَنْ ... يرتاح للماء المُرَوَّقِ صادي
والمُعْتلي فوق السِّماك أرُومةً ... والمُزْدَرِي في الحِلْم بالأطْوادِ
قاضٍ لَدُنْ يممَّتُ عدلَ قضائِهِ ... لم أُعْطِ جَوْر الحادثات قِيادي
متواضِعٌ لله، يُرْفَعُ قدرُهُ ... عن أن يُقاسَ بسائر الأمجاد
ما قُلّد الأحكام دون تُقىً وهل ... يتقلَّد الصَّمْصام دون نجادِ
طَلْق المحيَّا واليدين إذا احْتَبى ... وإذا حَبا رَحْبُ النَّدَى والنَّادِ
لو أُلْبِسَ الليلُ البهيمُ خِلالَهُ ... لم تشتمل أرجاؤُه بحِدادِ
طابَ الثناءُ تضوُّعاً منه على ... حُلْوِ الشمائل طيِّب الميلاد
ومنها:
يا غُرَّة الزَّمَن البَهيم وعصمة ال ... رَّجُلِ الطريد ونجْعَةَ المرتادِ
خذ من ثنائي ما يكاد نظامُه ... يُنْسِي فصاحة يَعْرُبٍ وإيادِ
ومنها:
وبنو الزمان وإن بدا مَلَقٌ لهم ... أضغانُهم كالجمر تحت رَمادِ
لا غَرْوَ أنَّك قد نبتَّ خلالهم ... قد ينبتُ النُّوَّارُ بين قَتَاد
عجباً لمن قد رام سبقكَ منهمُ ... أنَّى تروم العِيسُ سَبْقَ جوادِ
جَلَّ اعتلاؤك أن تساجلَه عُلاً ... من ذا يضاهى لُجَّةً بِثِمادِ
لا زلتَ ترفلُ في سوابغ أنعُمٍ ... فضفتضة الأذيال والأبْراد
وبقيتَ زَيْناً للبلاد ورفعةً ... إن الصوارم زينةُ الأغماد
وقوله:
وتنفَّستْ وقد استَحَرّ تنهُّدي ... فوشَى بذاك النَّدِّ هذا المَجْمَرُ
وقوله:
علوتَ كلَّ عظيمِ الشأن مَرتبةً ... إن الخلاخيل تعلوها التقاصيرُ
وقوله:
ومُرِنَّةٍ قدحتْ زِنادَ صَبَابتي ... والبرقُ يقدحُ في الظلام شرارُهُ
ورقاءُ تأرَقُ مقلتي لبكائها ... ليلاً إذا ما هَوَّمَتْ سُمَّارُهُ
إيهِ بعيشكِ يا حمامةُ خَبِّري ... كيف الكَثيبُ ورَنْده وعَرارُهُ
أترنَّحتْ بتنفُّسي أثلائُه ... أم أينعتْ بمدامعي أزهارُهُ
أما الفوارسُ فاستداروا حوله ... حيث استقلَّ كما استدار سوارُهُ
ونَضوا شِفارَهُم الصقيلةَ دونه ... حتى حسبنا أنَّها أشفارُهُ
في وَجَنتَيْه من المهنَّد ما اكتسى ... يوم الوَغى وبمقلتيه غِرارُهُ
وقوله:
وزائرة زارت مع الليل مَضْجَعي ... فعانقْتُ غُصْنَ البان منها إلى الفجر
أسائلُها أين الوشاح وقد أتت ... مُعَطَّلةً منه مُعَطَّرَةَ النَّشْرِ
فقالتْ وأوْمَتْ للسِّوار نقلتُه ... إلى مِعْصَمِي لما تَقَلْقَل في خَصْري
وقوله:
رَقَّ النسيمُ وراق الرَّوضُ بالزَّهَر ... فَنَبِّهِ الكأسَ والإبريق بالوَتَرِ
ما العيشُ إلا اصطباحُ الراح أو شَنَب ... يُغْنى عن الراح من سَلْسال ذي أُشُرِ
قل للكواكب غُضِّي للكَرَى مُقَلاً ... فأعيُنُ الزَّهر أولى منك بالسَّهَرِ
وللصباح ألا فانشُرْ رداءَ سَناً ... هذا الدُّجى قد طوتْه راحةُ السَّحَر
وقام بالقهوة الصهباء ذو هَيَفٍ ... يكاد معْطَفُهُ يَنْقَدُّ بالنَّظَرِ
يطفو عليها إذا ما شَجَّها دُررٌ ... من عِقدِه اختُلسَت أو ثَغْرِه الخَصِر
فالكأسُ في كفِّه بالراح مُتْرَعةٌ ... كهالةِ أحدَقَتْ في الأُفْق بالقمر
وقوله:
وما شقَّ وجنته عابثٌ ... ولكنها آيةٌ للبشَرْ
جلاها لنا الله كيما نرى ... بها كيف كان انشقاقُ القَمَرْ
وقوله:
كتبتُ ولو أنني أستطيعُ ... لإجلال قَدْرِكَ دون البشرْ
قَددْتُ اليراعة من أنْمُلِي ... وكان المدادُ سواد البصَرْ
وقوله:
ومُقلةِ شادنٍ أودتْ بنفسي ... كأنَّ السُّقْمَ لي ولها لباسُ
يَسُلُّ اللحظُ منها مَشْرقِيّاً ... لقتلي ثم يُغْمِدُهُ النُّعاسُ
وقوله:
مَطْلُولُ أمْلُودِ الصِّبا مَيَّاسُهُ ... خُلِعَ الشبابُ عليه فَهْوَ لباسُهُ
بدرٌ وأكنافُ الحَشَا آفاقُهُ ... ظَبْيٌ وأحْناءُ الضلوع كِنَاسُهُ
لم نَدْرِ إذ جاءَتْ بِنَكْهَتِهِ الصَّبا ... أتضوُّعُ الكافور أم أنفاسُهُ
ولقد عَيينا إذ توالى سَكْرُهُ ... ألحاظُه مالتْ بنا أم كاسُهُ
للحُسْنِ مرقوماً على وجناتِهِ ... سَطرٌ وصفحة خَدِّه قِرطاسُهُ
إن خالفتْ تلك المحاسنُ فعلُه ... فالسيفُ يُطبَعُ من سواه رئاسُهُ
وقوله:
يا ضياءَ الصُّبْح تحت الغَبَش ... أطرازٌ فوق خَدَّيك وُشِي
أم رياضٌ دبَّجَتْها مُزْنَةٌ ... وبدا الصُّدْغُ بها كالحَنَشِ
لست أدري أسهامُ اللَّحْظِ ما ... أتَّقي أم لَدْغُ ذاك الأرْقَشِ
ربّ ليلٍ بتُّه ذا أرَقِ ... ليس إلا من قتاد فُرُشي
سابحاً في لُجَّة الدمع ول ... كنَّني أشكو غليل العَطَشِ
وبُروقُ الليل في أسْدافهِ ... كسيوف بأكفِّ الحَبشِ
وسُهَيْلٌ خافقٌ في أُفْقِهِ ... كضرامِ بيديْ مُرْتَعِش
وسماءُ الله تَبْدى قمراً ... واضحَ الغُرَّة كابن القُرَشِي
وقوله:
بأبي وغيرِ أبي أغَنُّ مُهَفْهَفٌ ... مجدولُ ما تحت الوِشاح خميصُهُ
لبِسَ الفؤادَ ومزَّقَتْهُ جفونُه ... فأتى كيوسفَ حين قُدَّ قميصُه
وقوله:
أدِيرَاها على الروض المندَّى ... وحكْمُ الصبح في الظَّلماء ماضي
وكأسُ الراح تنظر عن حَبابٍ ... ينوبُ لنا عن الحَدَق المِراضِ
وما غرَبتْ نجومُ الأُفْق لكن ... نُقِلْنَ من السماء إلى الرياضِ
وقوله:
وعشيَّةٍ لبستْ رداءَ شقيقٍ ... تَزْهُو بلونٍ للخدود أنيقِ
أبْقَتْ بها الشمسُ المنيرةُ مثل ما ... أبقى الحياءْ بوَجْنَةِ المعشوقِ
لو أستطيع شربتُها كضلَفاً بها ... وعدلْتُ عن كئوس رحيقِ
تَسري بكلّ فتى كأنَّ رداءَه ... خَضِلاً بأدمُعهِ رداءُ غريق
وقوله:
تَبْدو هلالاً ويبدو حَلْيُها شُهُباً ... فما نُفَرِّق بين الأرض والأُفُق
غازَلْتُها والدُّجى الغِرْبيب قد خُلِعت ... منه على وجْنتَيْها حُمرةُ الشَّفقِ
حتى تقلًَّ ظلُّ الليل وانفجرت ... للفجر فيه ينابيعٌ من الفَلَقِ
وقوله:
إذا أردْتُ كئوسَ الراحِ مُتْرَعَةً ... أومتْ إليَّ يدُ الإصباحِ بالشفقِ
وقوله:
أطْلَعَتْ خَجْلتُه في خَدِّه ... شفقاً في فَلَقٍ تحت غَسَقْ
وقوله:
غفرتُ للأيام ذنب الفراقْ ... أنْ فُزْتُ في توديعهم بالعِناقْ
ما أنْسَ لا أنْس لهم وقفةً ... كالشَّهد والعلقم عند المذاقْ
كم لليلة لي بعقيق الحِمى ... قَصرْتُها باللَّثْم والاعتناقْ
ما ادرع الليلُ بظلمائهِ ... حتى كساه الصبحُ منه رواقْ
فانحَفَزَتْ أنجمُه يَشتكي ... للبعض منها البَعْضُ وَشْكَ الفراقْ
وانتبهَ الصبحُ بُعَيْدَ الكرَى ... كَذِي هَوىً من غَشْيَةِ قدْ أفاقْ
في روضةٍ عَلَّمَ أغصانُها ... أهْلَ الهوى العُذْريّ كيف العِناقْ
هَبَّتْ بها ريحُ الصَّبا سُحْرَةً ... فالتفَّتِ الأغصان ساقاً بساق
وقوله:
سمحتُ بقلبي والهوى يورث الفتى ... طِباع الجواد المحْضِ وهْوَ بخيلُ
ولم تَخْلُ من حُسنِ القبول مطامعي ... وظَنِّيَ بالوجه الجميل جميلُ
إذا قَبِلَ المعشوقُ تُحفَةَ عاشِقٍ ... فيوشك أن يُرْجَى إليه وصول
وقوله:
خليليَّ انْظُرا منّي عَليلاً ... يُعَلِّلُ نفْسَهُ نفَسٌ عليلُ
أما غيرُ الجِمال لنا لقاءٌ ... وما غير النسيم لنا رسول
وقوله:
تِبْريةُ اللَّوْنِ مثلُ الغصن قد لبَستْ ... ثوْب الرَّدى مَعْرضاً في موقف الجَذَلِ
تَشْدُو وقد مسحتْ عنها مدامعَها ... " أنا الغريقُ فما خوفي من البَلَل "
ومن مَرْثِيَة:
أعْززْ عليَّ بضيغَمٍ ذي سطوةٍ ... أجَمَاتُهُ بعد الرِّماح رِجامُ
أعززْ عليّ بزهرةٍ مطلولةٍ ... أمستْ ولا غيرُ الضريح كِمَامُ
ما كان إلا التِّبْرَ أُخلِصَ سَبْكهُ ... فاسترجَعَتْه تُرْبَةٌ ورَغامُ
إن راحَ مهجورَ الفِناء فطالما ... هجَرَتْ به أرواحَها الأجسامُ
كَثُرَ العويلُ عليه يوم حِمامِه ... حتى كأنَّ العالمينَ حَمامُ
يا حاملين النَّعشَ أين جيادُه ... يا مُلْبِسيه التُّربَ أين اللام
ضَجَّتْ لمصرعك النوادبُ ضجّةً ... سدّتْ مسامَعها لها الأيام
وقوله:
ولقد طَرَقتُ الحيّ في غَسَق الدُّجى ... والليلُ في شِيَةِ الجوادِ الأدْهمِ
مُتَنَكِّباً زوراءَ مثل هلاله ... نَصّلْتُ أسهُمَها بمثل الأنْجُمِ
يَنسابُ بي بين الصوارم مثلَ ما ... أبصرْتَ في الغُدرِ انسيابَ الأرْقَم
وقوله:
نادَمتُهُ فقرَعْتُ السِّنَّ من نضدَمِ ... في جُنْح ليلٍ كحالى، حالكِ الظِّلَمِ
غَنَّى يُرَدِّدُ: واشوْقي لظَعْنِهِمُ ... فردَّد السَّمْعَ: واشوقي إلى الصَّمَمِ
وقوله:
وفتيان مصاليتٍ كرامٍ ... صحبتهمُ على خَوْضِ الظَّلامِ
وقد خفق النَّعاسُ بهم فمالوا ... به مَيْلَ النزيف من المُدامِ
وكلٌّ تحته هَوجاءُ تَمْطُو ... سوالفُها بإرْخاءِ الزِّمامِ
سريتُ بهم وللظلماء سَجْفٌ ... يُمزِّقه ببارقِهِ حُسامي
أجُرُّ ذوابلي من أرض نَجْد ... خلالَ مَجَرِّ أذْيال الغَمامِ
على مَيْثاءَ رفّ بها الخُزامى ... فأضْحى الزهْرُ مفضوضَ الختامِ
تَلُفُّ غصونَها ريحٌ بليلٌ ... فَيَعْتَنِقُ الأراك مع البَشَامِ
ألا يا صاحبيَّ استَرْوحاها ... شآمِيَّةً فَمَنْ أهْوى شآمِ
عسى نَفَسُ النَّعامى بعد وَهْنٍ ... يُبَشِّرُ من سُلَيْمى بالسَّلامِ
وقوله:
وليل قطعتُ دياجيرهَ ... بعذراءَ حمراءَ كالعَنْدَم
أُديرتْ كواكبُ أقداحها ... عليَّ فأغْرَبْتُها في فَمي
فقال وقد طارَ من خيفةٍ ... وإصباحُهُ واصحُ المَبْسِم
رأيتُكَ تشربُ زُهْرَ النجوم ... فولَّيْتُ خوفاً على أنْجُمِي
وقوله:
ووافى كمثل الصُّبح عُرْيانَ كلما ... تكذِّبه عينُ البصير يَبينُ
وقد كان بالسُّمْر الذوابل في الوَغى ... مصُوناً كما صان العيونَ جفونُ
وقوله:
ولقد تروعهمُ الكواكبُ رَهْبَةً ... لمَّا حَكَيْنَ أسنَّةَ المُرَّانِ
ولربما عَطِشوا فحلَّأهم عن الْ ... غُدْر اشتباهُ البِيض بالغُدْران
والسَّيفُ دامي المَضْربَيْن كجدولِ ... في ضِفَّتيه شقائق النعمانِ
ومنها:
ما لاح في الهيجاءِ نَجْمُ مُثَقِّفٍ ... وهلال كلِّ حَنِيَّةٍ مِرنانِ
وقوله:
دع الخَطِّيِّ يَثْنى مِعْطَفيْهِ ... فإنَّ لأسهمي فضلاً عليه
إذا كان العُلا قَتْلَ الأعادي ... أيَفْضُل غَيْرُ أسْرَعِنا إليه
وقوله:
ويَا لغُصْنِ نَقاً لَدْنٍ معاطفهُ ... سَقَيته الدمعَ أثْمَرَ القُبَلا
وقوله:
والليل يسترني غِرْبيبُ سُدْفَتِهِ ... كأنني خَفَرٌ في خدِّ زنْجيِّ
أبو علي الحسين النَّشَّار
من شعراء زاد المسافر. من إحسانه قوله:
ألُوَّامِي على كَلَفي بيحيى ... متى من حُبِّه أرجو سَرَاحا
وبينَ الخدِّ والشفتين خالٌ ... كزنجيِّ أتى روضاً صَباحا
تحيَّر في جَناه فليس يَدْرِي ... أيَجْنى الورد أم يجني الأقَاحَا
وقوله:
في خدِّ أحمدَ خالٌ ... يصبو إليه الخَلِيُّ
كأنه روضُ وَرْدِ ... جَنَّانُه حَبَشِيُّ
وقوله:
قلبي تُرى أي طريقٍ سَلَكْ ... فحَقَّ يا جسميَ أن أسألَكْ
أنينُهُ دلَّ عليه فَهلْ ... أنحلَه السُّقْمُ الذي أنْحَلكْ
ويا رشاً خُوِّل أُسْدَ الشَّرَى ... هَنَاك ربُّ العرش ما خَوَّلَكْ
قتلت يا بدرُ جميعَ الوَرَى ... فَمَنْ إلى قَتْل الوَرَى أنزلك
ما ملَكُ الموتِ كما حَدّثوا ... بل لَحظُكَ الموت وأنت المَلَكْ
يا يُوسُفاً أزْرى بحسن الذي ... آمن في الجُبِّ وقوعَ الهلَكْ
أقسمتُ لو أنك في عصرهِ ... بآية الحسن الذي دَلَّلَكْ
ما خَلَتِ الحسناءُ يوماً بهِ ... تِيهاً ولا قالت له هَيْتَ لَكْ
إن قُطِّعَتْ أيْدي نساءٍ له ... فكم قلوب قَطَّعَ الناسُ لَكْ
الأهداب
مُوَشَّحة لابن حَريقسل حارِسَيْ روضةِ الجمالِ ... وصَوْلَجَيْ ذلك العِذارْ
من توَّجَ الغصنَ بالهلال ... وأنبَتَ الوردَ في البَهارْ
أيّ أقاحٍ وجُلّنارِ ... حاما على مَنْهَلِ الرُّضابِ
وأيّ صِلَّيْن من عِذارِ ... دَبَّا كلامَين في كتاب
وأيّ ماءٍ وأيّ نارٍ ... ضمَّتْهما نَعمةُ الشبابِ
فقلْ حَيَا مَوْردٍ زُلاَلِ ... يحرسُه الثغرُ بالشِّفارْ
وقل جِنانٌ وقل لآلِ ... يُعَلُّ بالمسك والعُقارْ
من لي به والمنى غرورُ ... وسنانُ طاوى الحشا غَريرُ
النَّورُ من خدِّه منيرُ ... على فؤادي ولا نَصيرُ
يا نفس ما منك بالوصالِ ... بُدٌّ ولا منّيَ انتصارْ
فقد دعا جَفْنُه نزالِ ... فأين من فتكهِ الفِرارْ
يا قلبي المُبْتَلى بحبِّه ... باعتك عيني بلا شِرا
كم باخل في الهوى بقُرْبِهْ ... حتى على الطيف بالكَرَى
صبراً على هَجْره وعتْبه ... فليس إلا الذي تَرَى
لعل رفقاً من الوصالِ ... يُدال من قَسْوةِ النِّفَارْ
أو بعضَ ما تحدث الليالِ ... يفك من ذلك الإسارُ
وناصحٍ قال يا غريبُ ... أسرَفت في البَثِّ والحَزَنْ
للمرءِ من دمعه نصيبُ ... والروحُ ما إن له ثَمنْ
ويحك لا عيشَةٌ تطيبُ ... ولا نديمٌ ولا سَكنْ
فخلِّ عينيَّ في انهمال ... يقر للدَّمع من قرارْ
وابك معي رقّةً لحالي ... بكاءَ غَيْلان في الديار
جعلتُ لِبْسَ الهوى شِعاراً ... واختلت في برده القشيبِ
ولي حبيبٌ سَطَا وجارا ... بالنفس أفْديه من حبيبِ
شدوت إذ مرَّ بي سِرارا ... من خشية السامع الرقيبِ
محمد اللُّنْقُ يا غزالِ ... يا صاحب العينين الكبارْ
قطفتَ قلبي ولم تبالِ ... لِسْ ذا عَلِكْ يا حبيبي عارْ
من زجل لأبي زيد الحداد البكّازور البلنسي:
أيش تستر يا بن أبي العافيَهْ ... لسْ تخفي عن حَدّ هذا الخافِيَهْ
اش تستر لس بهَ شي أن يستتر
ذا القِصَا لا بد لها أن تشتهر
أي صفقا كان يشتريها من حضر
بصَلْبا ولَسْ تكون لي غالِيَهْ ... لأنك من الفلك العاليه
إيش تدهب عند البطون من العقول
جُجَّ الكاس ومُدّ ساقك لا تزول
وإبليس يضحك يجيها ويقول
اطمن قد أن الشريب باليَه ... والفتيان عُزَّاب ودارا خاليَهْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصخبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة البلنسية
وهوكتاب الحلة السندسية في حلى الرُّصافة البلنسيَّة
مناظر وبساتين ومياه جارية، تُصاقب حضرة بَلَنْسِية، وهي من أبدع مُتَفّرَّجاتها، وقد كثر ذكرها في الشعر. منها:
أبو عبد الله محمد بن غالب الرُّصافيّ
أملى عليّ والدي في شأنه: هو شاعر الأندلس في أوانه، بما اشتهر عند الخاص والعام من إحسانه، قال: وكان عمي أبو جعفر بن سعيد يقول عنه: هو ابن رومي الأندلس لما رآه من حسن اختراعه وتوليده، كمعناه في الحائك، ومعناه في النجار، وذكره للأصيل، وما تقف عليه من شعره، مما يدلك على عظم قدره، وقد وفد على عبد المؤمن، وأنشده وهو في جَبَل الفَتْح قصيدة أولها:
لو اقتبَسْتَ الهدى من جانب الطُّورِ ... أُعْطيت ما شئت من هَدْيٍ ومن نور
الغرض من ديوانه: قوله من قصيدة في أبي جعفر الوَقَّشِي وزير ابن هَمْشك:
لمحلَّك التَّرْفيعُ والتعظيمُ ... ولوجهكَ التقديسُ والتكريمُ
ولراحتيكَ الحمدُ في أرزاقنا ... والرزقُ أجمعُ منهما مقسومُ
يا مُنْعماً تطوي البلادَ هِباتُهُ ... ومن الهبات مسافرٌ ومقيمُ
إيهٍ ولو بعضَ الحديث عن التي ... حَيّا بها رَبْعي أجَشُّ هَزيمُ
قد زارني فسُقيتُ من وَسْمِيِّه ... فوق الذي أُرْوِي به وأُسِيمُ
سَرَتِ الجيادُ به إليَّ وفتيةٌ ... سَفَروا فقلت أهلَّةٌ ونجومُ
نعماء جُدْتَ بها إن لم نلتقي ... فيمن يُدَنْدِنُ حولها ويحومُ
وأعَزُّ من سُقْيَا الحَيَا من لم يَبِتْ ... في الحيّ برقُب بَرْقَهُ ويَشيمُ
ولقد أضِنُّ على الحَيَا بسؤاله ... والجوُّ أغْبَرُ والمرَادُ هَشيمُ
وإن استحبَّ القَطْرُ سُقْيا مَوْضِعِي ... فمكانُ مثلي عنده مَعْلُومُ
لما أدرْتُ إلى صنيعك ناظري ... فرأيت ما أوْلَيْتَ فَهْوَ عِميمُ
فلَّدْتُ جيدَ الشكر من تلك الحُلَى ... ما شاءه المنثور والمنظومُ
وأشرْتُ قُدَّامي كأنّيَ لاثمٌ ... وكأن كفَّك ذلك الملثومُ
يا مُفْضِلاً سَدِكَ السخاء بماله ... حَتَّام تبذل والزمانُ لئيمُ
تَتَلَوَّنُ الدنيا ورأيك في العُلاَ ... والحمدُ دأبُك والكريمُ كريمُ
ومنِ المتمِّمُ في الزمان صنيعةً ... إلا كريم شأنه التَّتْمِيمُ
مثل الوزير الوقشيِّ ومثله ... دون امتراءٍ في الورى معدومُ
رجلٌ يدوُس النيِّرات بنَعْلِه ... قَدَمٌ ثَبوتٌ في العلا وأُرومُ
وصل البيانُ به المدى فكلامُه ... سهلٌ يشُقُّ وغامضٌ مفهومُ
من معشرٍ والاهُمُ في سِلْكه ... نَسَبٌ صريحٌ في العَلاءِ صَميمُ
قومٌ على كتفِ الزمان لَبوسُهم ... ثوبٌ بحُسْن فِعالهم موسوم
آثارهم في الحادثين حديثةٌ ... وفخارُهمْ في الأقدمين قديمُ
لو لم يُعِدُّوا من دعائم بيتهم ... رُمْحَ السِّماك لخانه التقويمُ
ماتوا ولكن لم يمت بك فخرهم ... فالمجدُ حَيٌّ والعظام رميمُ
يا أحْسَدَ الدنيا وقد يَغَنَى بها ... عن كُنْيَةٍ واسمُ العظيم عظيمُ
أُجْري حديثك ثم أعجبُ أنَّه ... قولٌ يقال وعَرْفُهُ مشمومُ
فبكلِّ أرضٍ من ثنائك شائعٌ ... عَبَقٌ كما ولَجَ الرِّياضَ نسيمُ
يَجْرِي فلا يَخْفى على مُستَنشق ... لو أنّه عن أذنه مكتومُ
يُطوَى فينشرُهُ الثناء لطيبه ... ذِكْرُ الكريم بعنبرٍ مختومُ
صحبتكَ خالدةُ الحياة وكل ما ... تجتاز بابك جنَّةٌ ونعيمُ
في ظل عزٍّ دائمٍ وكرامةٍ ... وفِناءُ دارك بالوفود زَحيمُ
من كل ذي تاجٍ تَعِلَّةُ قصدهِ ... مرآك والإلمامُ والتسليمُ
وقوله من أخرى في المذكور:
أَلأَجْرعٍ تحتلّه هِنْدُ ... يَنْدى النسيمُ ويأرَجُ الرَّنْدُ
ويطيبُ واديهِ بموردها ... حتى ادّعى في مائه الوَرْدُ
نِعْمَ الخليطُ نَضَحْتُ جانجتي ... بحديثه لو يَبْرُدُ الوجْدُ
يُحْييك من فيهِ بعاطرةٍ ... لو فاهَ عنها المسْكُ لم يَعْدُ
يا سعْدُ قد طاب الحديثُ فَزِدْ ... منه أخا نَجْواكَ يا سَعْدُ
فلقد تجدَّد لي الغرامُ وإنْ ... بَلِيَ الهوى وتقادَمَ العَهْدُ
ذِكْرٌ يمرّ على الفؤاد كما ... يوحى إليك بسِقْطهِ الزَّنْدُ
وإذا خَلَوْتُ بها تمثَّلَ لي ... ذاك الزمانُ وعيشُه الرَّغْدُ
ولقاءُ جيرتنا غداتئِذٍ ... متيسِّرٌ ومَرامهم قَصْدُ
وخيامهم أيام مضربها ... سقط اللوى وكئيبة الفرد
أعدوا بها طوراً ورُبَّتَمَا ... رُعْتُ الفَلا والليلُ مَسْوَدُّ
لكواكبٍ هي في تَرَاكُبِها ... حَلَقُ الدروع يضمُّها السَّرْدُ
من كلّ أرْوَعَ حَشْوُ مِغْفَرَهِ ... وَجْهٌ أغَرُّ وفاحِمٌ جَعْدُ
ذُكِرَ الوزير الوقَّشِيّ لهمْ ... فأثارهم للقائه الوُدُّ
مترقّبين حلولَ ساحتهِ ... حتى كأنَّ لقاءَه الخُلْدُ
قد رنَّحَتْهمُ من شمائلهِ ... ذِكْرٌ كما يتضوَّع النَّدُّ
نعم الحديث الحُلْوُ تملكه ال ... رُّكْبَانُ حيث رمى بها الوَخْدُ
يا صاحبيَّ أخبرُهُ عجبٌ ... لكما على ظمأٍ به ورْدُ
أم ذِكرُهُ تتعللاَّنِ بهِ ... إذْ ليس منه لذب فمٍ بُدُّ
شَفَتَيكما فالنَّحْلُ جاثمةٌ ... مما يُسيل عليهما الشَّهْدُ
رَجُلٌ إذا عرَض الرجالُ له ... كَثُرَ العديدُ وأعوَزَ النِّدُّ
من معشرٍ نَجَمَ المقال بهم ... زُهْر كما يتساوق العِقْدُ
لبسوا الوزارة معْلَمين بها ... ومع الصَّنائف يحسُنُ البُرْدُ
مستأنفين قديمَ مجدِهمُ ... يبْنى الحفيدُ كما بَنى الجَدُّ
حُمِدوا إلى جَدٍّ وأعقبهم ... حَمْدٌ بأحمدَ ما له حَدُّ
وكأنما فاق الأنامَ بهم ... نَسَبٌ إلى القمرين ممتدُّ
فيرى وليدُهُمُ المنامَ على ... عُبْرِ المجرَّة أنه مَهْدُ
ويرى الحَيَا في مُزْنه فيرى ... أنَّ الرَّضاع لِريِّهِ صَدُّ
وكأنّما وُلِدُوا ليكْنَفِلوا ... حيث السَّنَا والسؤدد العِدُّ
فعلتْ كرائمُهم بهم وعلا ... فوق السماء النَّهْدُ والجَهْدُ
ومنها:
ضَمِن النوالُ بأن تروح إلي ... ه العيسُ مُعْلَمةً كما تَغْدو
ولقد أراني بالبلاد وآ ... مالُ البلاد ببابه وَفْدُ
وهِباتُه تصف النَّدى بيدِ ... علياءَ أقدمُ وَفدها المَجْدُ
خفقتْ بها في الطَّرْسِ بارقةٌ ... حَدَق المُنَى من دونها رُمْدُ
محمولةٌ حَمْلَ الحسام وإنْ ... خَفِيَ النِّجادُ هناك والغِمْدُ
يَسْطُو بها فأقول يا عجَباً ... ماذا يُرِي علياءَه الجدُّ
حتى اليراعةُ بين أنْمُلِه ... يا قومِ مما تَطْبَع الهنْدُ
وقوله منها:
والأمر أشهر في فضائله ... ما إن يُلَبِّسُها لك البُعْدُ
هيهات يذهب عنك موضعهُ ... هَطَلَ الغمام وجلجل الرَّعْدُ
أعْرَبْتُ عن مكنون سُؤدُدِهِ ... ما تُعْجِم الورقاء إذ تَشْدو
سوَراً من الأمداح محكمةً ... من آيهنَّ الشكرُ والحمدُ
ولعل ما يَخْفى وراء فمي ... من وده أضعاف ما يَبْدو
وقوله:
سَقى العَهْدُ من نَجدٍ معاهدَهُ بِما ... يغارُ عليها الدمعُ أن تشربَ القَطْرا
ومنها:
فَيَا عِينةَ الجَرْعاء ما حال بيننا ... سوى الدهر شيءٌ فارجعي نَشْتكي الدَّهْرا
تفضَّتْ حياةُ العيش إلا حُشاشَةً ... إذا سألَتْ لُقْياكَ عَلَّلتها ذِكُرا
وكم بالنَّقَا من روضة مُرجَحِنَّةِ ... تُضَمِّخُ أنفاسُ الرياح بها نَشْرَا
ومن نُطفةٍ زرقاء تلعب بالصَّدا ... إذا ما ثَنَى ظِلُّ مُدارٌ بها سُمْرا
ومنها:
وبرْدِ نسيم أنْثنى عند ذكرهِ ... على زَفَراتٍ تَصْدَعُ الكبدَ الحَرَّا
وإنَّ لُبَاناتٍ تَضمَّنها الحَشَا ... قليلٌ لديها أن نضيق بها صدرا
وقوله من مرثية:
رَمِيَّ الموتِ إنَّ السهم صَابا ... ومن يُدْمِنُ على غَرَضٍ أصابا
إلامَ أشُبُّ من نيران قلبي ... عليك لكل قافية شهابا
وقد ودَّعتُ قبلَكَ كلَّ سَفْرٍ ... ولكنْ غابَ حيناً ثمَّ آبا
وأهيَجُ ما أكون لك ادّكاراً ... إذا ما النجمُ صَوَّبَ ثم غابا
وقوله:
لا تَسَلْ بعد قَتْل يوسُف عَنّي ... ففؤادي مُثَلَّمٌ كسلاحِهْ
لو تأمَّلْتَ مُقْلتي يوم أودى ... خِلتَني باكياً ببعض جراحِهْ
وقوله:
يا وردةً جادتْ بها يَدُ مُتْحِفٍ ... فَهَمَى لها دَمْعي وهَاجَ تأَسُّفي
حمراءَ عاطرةَ النسيم كأنّها ... من خَدّ مُقْتبِلِ الشبيبة مُتْرَفِ
عَرَضتْ تُذَكِّرُني دماً من صاحبٍ ... شَرِبَتْ به الدنيا سُلافَةَ قَرْقَفِ
فنشقتها شغفاً وقلت لصاحبي ... هي ما تمج الأرض من دم يوسف
وقوله من قصيدة:
أيُّها الآملُ خَيْماتِ النَّقا ... خَفْ على قلبك تلك الحَدَقا
إنّ سِرْباً حُشِيَ الخَيْمُ بهِ ... ربَّما غَرَّكَ حتى تَرْمُقا
لا تُثِرْها فِتنةً مِنْ رَبْرَبٍ ... ترْعُدُ الأُسْدُ لديهِ فَرَقَا
وانْجُ عنها لحظةً سَهميّةً ... طال ما بلَّت ردائي عَلَقَا
وإذا قيل نَجَا الركْبُ فقُلْ ... كيفما سالَم تلك الطُّرُقا
يا رُماةَ الحيِّ موهوبٌ لكم ... ما سفَكتُم من دمي يوم النَّقَا
ما تعمَّدتُمْ ولكن سَبَبٌ ... قَرَّبَ الحَيْنَ وأمرٌ سَبَقَا
والتفاتاتٌ تلقَّتْ عَرَضاً ... مَقْتَلَ الصَّبِّ فخلَّتْهُ لَقَا
أهِ منْ جَفْنٍ قريحٍ بعدكم ... يشتكي خَدَّايَ منه الغَرَقَا
وحَشاً غيرِ قريرٍ كلَّمَا ... رُمْتُ أن يَهْدَأً عنكُمْ خَفَقَا
وفؤادٍ لم أضَعْ قَطُّ يَدِي ... فَوْقَهُ خِيفَةَ أن تحْترقَا
ما لنَجْمٍ عكفتْ عيني على ... رَعْيهِ ليس يَريمُ الأفقا
ولعينٍ خلعَتْ فيك الكَرَى ... كيف لم تَخْلَعْ عليك الأرَقَا
أيُّها اللُّوَّامُ ما أهْداكُمْ ... عن قلوب أسهَرَتْنا قَلَقَا
ما الذي تبغونَ من تعذيبها ... بعدما ذابتْ عليكمْ حُرَقَا
قومَنا فوزوا بسُلوَانكُمُ ... ودعوا بالله من تَشَوّقا
وارْحموا في غَسَقِ الظلماء مَنْ ... بات بالدمع يَبُلُّ الغَسَقَا
عَلِلونا بالمُنَى منكمْ ولو ... بخيالٍ منكمُ أنْ يَطْرُقَا
وعِدُونا بلقاءٍ منكمُ ... فكثيرٌ منكمُ ذكرُ اللِّقَا
لو خَشِينا الجَوْرَ من جيرتنا ... لاَنْتَصَفْنا قبل أن نَفْتَرقا
واصْطَبحنا الآن من فَضْلَةِ ما ... قد شرِبْنا ذلك المُغْتَبَقَا
فسقى الله عَشِيَّاتِ الحِمَى ... والحِمَى أكْرَمَ هَطَّالٍ سَقَى
قد رُزقناها وكانت عيشَةً ... قَلَّما فاز بها من رُزِقا
ولا وسَهْمٍ جاءَ من نحوكمُ ... إنَّه أقْتَلُ سَهْمٍ فُوِّقا
وحُلَى نَجْدٍ سَنُجْري ذِكْرَها ... أوْ سَعَتْنا في الهوى مُرْتَفَقَا
ما حلا بعدكمُ العيشُ لنا ... مذ تياعدتُمْ ولا طابَ البَقَا
فَمنِ المُنْبي إلينا خَبَراً ... وعلى مُخْبرنا أنْ يَصدُقا
هَلْ دَرَتْ بابلُ أنَّا فِئَةٌ ... تَجْعَلُ السِّحْرَ من السحْرِ رُقَى
نَنْقُشُ الآيةَ في أضْلاعنا ... فتَقِينا كلَّ شيءٍ يُتَّقَى
مِن بَنَان الوَزَر الأعلى الذي ... يَخْجَلُ السِّحْرُ إذا ما نَطَقَا
وقوله:
ما مثل موضعكَ ابْنَ رِزقٍ موضعُ ... رَوْضٌ يَرِفُّ وجَدْوَلٌ يَتَدَفَّعُ
وكأنما هُوَ من بَنانك صفحةٌ ... فالحُسْنُ يَنْبُتُ في ثَراهُ ويُبْدِعُ
وعشيَّة لبسَتْ رداءَ شُحُوبها ... والجو بالغَيْم الرقيق مُقَنَّعُ
بلغت بنا أمَدَ السرور تأَلُّفاً ... والليلُ نحو فراقنا يتطّلَّعُ
فابلُلْ بها زَمَنَ الغَبوق فد أتى ... من دون قُرْص الشمس ما يُتَوَقَّعُ
سَقَطَتْ ولم تملك يمينُكَ رَدَّهَا ... فَوِدِدْتُ يا موسى بأَنَّك يُوشَعُ
وقوله:
يا راكباً واللِّوى شِمالُ ... عن قَصْدِهِ والعَصَا يَمينُ
نَجْداً على أَنَّهُ طريقٌ ... تقطعه للصَّبَا عُيُونُ
وحَيِّ عَنِّي إن جُزْت حَيَّاً ... أمضى مواضيهمُ الجفون
وقُلْ على أيْكَةٍ بوادٍ ... للوُرْقِ في قُضْبها حَنينُ
يا أيْكَ لا يَدَّعي حمامٌ ... ما يجد الشَّيِّقُ الحَزينُ
لو أنَّ بالوُرْقِ ما بقلبي ... لاحْتَرَقَتْ تحتَها الغصونُ
وقوله:
وذي حنينٍ يكادُ شَجْواً ... يختلسُ الأنْفُسَ اختلاسا
إذا غَدَا للرياض جاراً ... قال لها المَحْلُ لا مِسَاسا
تبسَّم الزَّهْرُ حينَ يبكي ... بأدْمُعٍ ما رأيْنَ بَاسَا
من كلِّ جَفْنِ يَسُلُّ سَيْفاً ... صار له غِمْدُهُ رِئاسَا
وقوله:
ذات الجناح تَقَلَّبي ... بجوانح القلب الخَفُوقْ
وتَسَاقطي بالسَّرْحَتَيْ ... ن تساقط الدَّمْع الطَّليقْ
وسليهما بأَرقَّ منْ ... عِطْفَيْ قضيبهما الوَريقْ
هل بعدنا مُتَمَتَّعٌ ... في مثل ظلِّها العَتيقْ
وإذا صَدَرْتِ مُبينةً ... لتُبَلِّغي النَّبَأَ المَشُوقْ
أُخْتُ الهواءِ فالعجي ... بأخي الهوى حتى يُفيقْ
ولتَعْلَمي إن ضِفْتِ يا ... ورقاءُ ذا جَفْنٍ أريقْ
أن القِرَى عَبَراتُه ... فتعلَّمي لَقْطَ العقيقْ
وقوله:
ورَوْضٍ جلا صَدَأَ العين بهْ ... نسيمٌ تَجارى على مَشْرَبهْ
صَنَوْبَرةٍ ركبَتْ ساقَها ... عليه فخاضَتْ حَشَا مِذْنَبِهْ
فَشَبَّهْتُها وأنابيبَها ... بها الماء قد جَدَّ في مَسْكَبهْ
بأرقمَ كَعَّك من شخصِهِ ... وأفرُخُهُ يتعلَّقْنَ بهْ
وقوله في غلام حائك:
قالوا وقد أكثروا في حبّه عَذَلي ... لو لم تَهِمْ بمُذَال القَدْرِ مُبْتَذل
فقلت لو أن أمري في الصَّبابة لي ... لاخْتَرْتُ ذاك ولكن ليس ذلك لي
عُلِّقْتُهُ حَبَبِيَّ الثَّغْر عاطِرَهُ ... أَلْمَى المُقَبَّل أحْوى ساحرَ المُقَل
إذا تأمَّلَتَه أعطاك مُلْتَفِتاً ... ما شئتَ من لحظات الشادنِ الغَزل
غَزَيِّلٌ لم تزل في الغَزْل جائلةً ... بَنانُهُ جَوَلان الفكر في الغَزَل
جذلانُ يلعب بالمِحْراك أنملُهُ ... على السَّدَى لَعِب الأيام بالأمل
ما إن يَنِي تَعِبَ الأطرافِ مُشْتَغِلاً ... أفديهِ من تَعِبِ الأطراف مُشْتَغِل
جَذْباً بكفَّيْه أو فَحْصاً بأخْمصِهِ ... تَخَبُّطَ الظَّبْي في أشْرَاكِ مُحْتَبل
وقوله في نجّار:
تعلَّم نَجاراً فقلت لعلَّه ... تعلَّمها من نَجرِ مُقْلته القَلْبَا
شقاوةُ أعوادٍ تصَدَّى لجَهْدِها ... فآوِنةً قَطْعاً وآوِنةً ضَرْبا
غَدَتْ خَشَباً تَجْني ثمارَ جِناية ... بما اسْتَرَقَتْه من مَعَاطفِه قُضْبا
وقوله في حَمّام:
انظر إلى نَقْشِيَ البديعِ ... يُسْليك عن زهرة الرَّبيعِ
لَوْ جُنِيَ البحرُ من رياض ... كان جَيَ روضيَ المَرِيعِ
سقانيَ الله دمعَ عيني ... ولا وقاني جوَى ضلوعي
فما أبالي شقاءَ بعضي ... إذا تَشَقَّيتُ في جميعي
كيف تراني وُقيتَ ما بي ... ألستُ من أعجب الرُّبوعِ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة البلنسية
وهوكتاب الخَصْر الأهْيَف في حَلْي قرية المَنْصَف
من قرى بلنسية؛ منها:
أبو الحجاج يوسف المَنْصَفيّ
زاهد مشهور سكن مدينة سَبْتَة، وأدركه والدي، ومن مشهور شعره قوله:
قالت ليَ النفس أتاك الرَّدَى ... وأنت في بحر الخطايا مُقيمْ
فما ادَّخَرْتَ الزاد قُلتُ اقْصِرِي ... هل يُحمَل الزادُ لدار الكريمْ
وقوله في زورق:
وسابحٍ بات لا يَثْنِي قوائمَه ... كالصَّقْرِ يَنْحَطُّ مذعوراً لِعِقْبانِ
كأنَّهُ مقلةٌ للجوِّ شاخِصةٌ ... ومن مجَاذيفه أهدابُ أجْفَانِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة البلَنسية
وهو
كتاب الوُرْق المُرِنَّهْ، في حلى قرية بَطَرْنَهْ
من قرى بلنسية؛ منها:
أبو جعفر أحمد بن الجَزَّار
من المسهب: هو الذي شجر بينه وبين ابن غَرْسِيَة مولى إقبال الدولة بن مجاهد ملك دانية ما أوجب أن صنع ابن غَرْسِية الرسالة الشعوبية في تفضيل العجم على العرب، وعارضها جماعة من الفضلاء، وأبو جعفر ممن عارضها برسالة، وفيه يقول ابن غَرْسية هاجياً له:
بَطَرْنَةُ تعلمُ أصلاً له ... عَزُبْتَ فَسَلْها فما تُنْكرُ
ومَثِّلْ بها وَضَماً ماثلاً ... وشَفْرَةَ جَزْر ولا أُكْثِرُ
تجرُّ ذيول العُلاَ تائهاً ... وجَددُّكم الجازرُ الأكْبَرُ
فهذي العُلا لا عُلاَ حاجبٍ ... ومثلُكَ يا سيدي يَفْخَرُ
وفضَّله صاحب المسهب، وأطنب في تقديمه بقوله:
وما زلتُ أجْنِي منك والدهرُ مُمْحِلٌ ... ولا ثمرٌ يُجْنى ولا زَرْعَ يُحْصَدُ
ثمارَ أيادٍ دانياتٍ قطوفُها ... لأغصانها ظلُّ عليّ ممدَّدُ
يُرَى جارياً ماءُ المكارم تحته ... وأطيارُ شكري فوقهنَّ تُغَرِّدُ
ومن شعره قوله:
إليك أبا عليٍّ جُبتُ بِيداً ... مَهَامِهَ مثلَ صدرك في انفساحِ
وغِربانُ الدُّجى قد نفَّرَتْها ... إلى أوكارها رَخَمُ الصَّباحِ
وقد أنشد هذه الأبيات عمه في الحديقة.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة البلنسية
وهوكتاب المِنًّه، في حلى بِنَّه
من قرى بَلَنْسية، منها:
أبو جعفر أحمد بن عبد الوليّ البِنِّي
من المسهب: من سوابق حَلْبَة عصره، وغُرَر دهره، خَلَع عِذاره في الصِّبا، وهَبَّ مع غرامه جَنُوباً وصَباً. وذكره الفتح في المطمح ثم ذكره في ضمن القلائد وقال: وهو مطبوع النظم نبيله، واضحُ نهجه في الإجادة وسبيله، يضرب في علم الطب بنصيب، وسهم يخطئ أكثر مما يصيب، وكان أليف غلمان، وحليف كفر لا إيمان، ما نطق متشرِّعاً، ولا نظر متورِّعاً، ولا اعتقد حَشْراً ولا صَدَّق بَعْثاً ولا نِشْراً، وربما تنسَّك مجوناً وفتْكاً، وتمسَّك باسم التُّقى وهو يهتكه هتكاً، لا يبالي كيف ذهب، ولا بما تَمَذْهب، وكانت له أهاجٍ جَرَعَ بها صَاباً، وادّرع منها أوصاباً. الغرض من نظمه قوله:
من لي بغُرَّةِ فاتن يختالُ في ... حُلَل الجمال إذا مَشَى وحُليِّهِ
لو شبَّ في وَضَح النهار شُعاعُها ... ما عاد جُنْح الليل بعد مُضِيِّه
شَرِقَتْ بماءِ الحُسْنِ حتى خَلَّصَتْ ... ذَهَبِيَّة في الخدِّ من فِضِّيِّه
في صفحتيه من الحياء أزاهرٌ ... غذِيَتْ بوَسْمِيِّ الصِّبا ووَليِّهِ
سَلَّت محاسنُه لقَتْل مُحبِّه ... من سِحْر عينيه حُسَامَ سَمِيِّهِ
وقوله:
كيف لا يزداد قلبي ... من جَوَى الشَّوْقِ خَبالاَ
وإذا قلت عليٌّ ... بَهَر الناسَ جَمالا
هو كالغُصْنِ وكالبَدْ ... رِ بهاءً واعتدالا
أشْرَقَ البدرُ سروراً ... وانْثَنى الغصنُ اخْتيالا
إنَّ من رام سُلُوِّي ... عنه قد رَامَ مُحالا
لستُ أَسْلُو عن هواهُ ... كان رُشْداً أو ضلالا
قل لمن قصَّر فيه ... عَذْلَ نَفْسِي أو أطالا
دون أن تدرك هذا ... يُسْلَبُ الأفْقُ الهِلالا
وقوله:
تَنفَّس بالحمى مطلولُ روضٍ ... فأودَعَ نَشْرَهُ ريحاً شَمالا
فَصَبَّحَت العقيقَ إليَّ كَبْلاً ... تُجرِّرُ فيه أرْداناً خِضَالا
أقول وقد شَمِمْتُ التُّرْبَ مِسْكاً ... بنفحتها يميناً أو شمالا
نسيم بات يَجْلُب منك طِيباً ... ويشكو من محبّتك اعتلالا
يَنُمُّ إليّ من زهَرات رَوْض ... حَشَوْت جوانحي منها ذُبالا
وذكر نَفْيَ ناصر الدولة له من مَيُورْقَة في قوله وقد ردَّته الريح:
أحبتنا الأُلَى عَتَبُوا علينا ... فأقصَوْنا وقد أزِفَ الوَدَاعُ
لقد منتك لنا جَذَلاً وأُنْسَاً ... فما في العيش بعدكمُ انتفاعُ
أقول وقد صَدَرْنا بعد يومٍ ... أشَوْقٌ بالسفينة أم نزاعُ
إذا طارتْ بنا حامتْ عليكم ... كأن قلوبنا فيها شِراع
ومن شعره قوله:
قالوا تصيب طيورَ الجوِّ أسهُمُهُ ... إذا رماها فقلنا عندنا الخَبَرُ
تعلَّمتْ قوسُه من قوس حاجِبِهِ ... وأيَّدَ السهمَ من ألحاظه الحَوَرُ
يلوح في بردةٍ كالنَّفْسِ حالكةٍ ... كما يلوح بجنح الليلة القَمَرُ
وربما راق في خضراء مُورِقَة ... كما تفتَّحَ في أوراقه الزَّهَرُ
وقوله:
تروق حُسْناً وفيك الموت أجمعُهُ ... كالصَّقْل في السيف أو كالنُّور في النارِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة البلَنسية
وهو
كتاب الحال المغبوطه، في حلى حصن مَتِّيطَه
من حصون بَلنْسية، منه:
أبو جعفر أحمد بن جعفر المَتِّيطِيّ
سكن سَبْتة. ولهذا البيت فيها مجد شامخ، وتصرُّف في ولايات، وكان أبو جعفر مشهوراً بالتوشيح. ومن شعره قوله من قصيدة في أبي سعيد بن جامع وزير أئمة بني عبد المؤمن:
سَمَوْتَ حتى عَلَوْتَ النَّجْمَ مرتفعاً ... هذا صعودٌ لمن في الدهر قد مَجُدَا
وخافك الناس طُرّاً في مياههمُ ... لو أن بأْسَك في ماءٍ لما وُرِدا
زَيَّنتَ مُلْكَ أمير المؤمنين بما ... أظهرت من غزواتِ نظِّمتْ عَدَدَا
أبو عبد الله محمد بن أحمد المَتِّيطيّ
ذكر أبو سهل المحدِّث أنه اجتمع به، وأنشده قوله:
سيرَ بمن أهواهُ في زَوْرَق ... واشتعل الوجْدُ اشتعال القَبْس
كأنما الزورق قلبي بَدَا ... في لُجَج الدمع بريح النَّفَسْ
أبو جعفر أحمد بن محمد المَتِّيطيّ
أخبرني والدي: أنه كان شاعراً مكثراً، وأنه لقيه بسَبْتة في مدة المستنصر، وله أمداح كثيرة في أبي يحيى بن يحيى بن أبي إبراهيم ملك سبْتة، ومن شعره قوله:
يا سائلي عن شهابٍ مُرْتَمياً ... من النجوم لمدْحُورٍ ومُسْتَرِقِ
كفارسٍ حَلَّ إحْضَاراً عِمامتَهُ ... وضمَّها مُسْرعاً في آخر الطَّلَقِ
وقوله:
انظر إلى الشمس قد وافتْ لمغربها ... مصفرَّة الوجه لكن ما بها خَجَلُ
كأنها عندَ رأيِ العين إذ سَقَطَتْ ... وخَلَّفَتْ جمرة تُذْكَى وتَشْتَعِلُ
خَريدةٌ غَطَست في اليمِّ وانتزعتْ ... خُلْدِيَّةً رَيْثَما تَرْوَى وتَغْتَسِلُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة بَلَنْسِية
وهو
كتاب النجوم الزُّهْر، في حلى جزيرة شُقْر
من المسهب: عروس الأندلس المقلَّدة من نهرها بسلْك، المتلفِّعة من جنانها بسندس، روضٌ بَسَّام، ونهر كالحسام، وبلبل وحمام، ومنظر يحثّ على حَسْو المُدام، كما قال حسنتها أبو إسحاق بن خفاجة:
سَقْياً لها من بِطاح أُنْسِ ... ودَوْحِ حُسْن بها مُطلِّ
فما ترى غير وَجْه نَهْرٍ ... أطلَّ فيه عِذارُ ظِلِّ
الكاتب أبو المطرِّف أحمد بن عميرة
هو الآن عظيم الأندلس في الكتابة وفي فنون من العلوم، وقد كتب عن زيان بن مرْذنيش ملك بلنسية، وأخبرني أبو عبد الله بن الأبار البلنسي: زيان بن مرذنيش أحضر يوماً حَجَّاماً، ثم أخرج له جائزة، ودفع إليه أبو المطرِّف شعراً، فلم يُجِزْه، فكتب إليه:
أرى من جاءَ بالمُوسى مُواسىً ... وراحةَ من أراح المَدْحَ صِفْراً
فَأَنْجَح سعيُ ذا إذ قَصَّ شَعْراً ... وأخفق سعْيُ ذا إذ قَصَّ شَعْرَا
فأمر له بإحسان.
الكاتب أبو جعفر أحمد بن طلحة
لقيته بإشبيلية وهو يكتب عن سلطان الأندلس المتوكل بن هود، ويكون نائباً عن الوزير إذا غاب، وآل أمره إلى أن فسد ما بينه وبين ابن هود، وفر إلى سبتة، فأحسن له ملكها الموفق الينشتى، ثم بلغه أنه يكثر الوقوع فيه، فرصده في شهر رمضان وهو يشرب الخمر وعنده عواهر، فكبسه وضرب عنقه، وله شعر في الطبقة العالية، منه قوله:يا هل ترى أظْرَفَ من يومنا ... قَلَّد جِيدَ الأفْقِ طَوْقَ العَقيقْ
وأنطق الوُرْقَ بعيدانها ... مُرْقِصةً كلَّ قضيبٍ وريقْ
والشمسُ لا تشرب خَمْرَ النَّدَى ... في الروض إلا بكؤوس الشَّقيق
وقوله:
أدِرْها فالسَّماء بدَتْ عروساً ... مُضَمَّخَةَ الملابس بالغَوالي
وخَدُّ الروض خَفَّره أصيلٌ ... وجَفْنُ النَّهر كُحِّلَ بالظِّلال
وجِيدُ الغُصْنِ يُشرِف في لآل ... تُضِيء بهنَّ أكنافُ الليالي
وقوله:
لله نهرٌ عند ما زُرْتُهُ ... عايَن طَرْفي منه سحراً حَلاَلْ
إذ أصبح الطَّلُّ به ليلَةً ... وحالَ فيها الغُصْنُ شبْهَ الخيال
وقوله:
ولما ماجَ بَحْرُ الليل بيني ... وبينكمُ وقد جَدَّدْتُ ذِكْرَا
أراد لقاءَكمُ إنسانُ عيني ... فمدَّ له المنامُ عليه جَسْرَا
وقوله:
ولما أن رأى إنسانُ عيني ... بصحن الخدّ منه غريقَ ماءِ
أقام له العِذارُ عليه جسراً ... كما مُدَّ الظلامُ على الضِّياء
البيوت
أبو القاسم بن خرشوش
من أعيان الجزيرة في مدة الملثَّمين، ومن شعره قوله:دَعْني إذا الطيرُ نادى ... على الغصون: الصَّبوحُ
هناك أتْلِفُ مالي ... وإن نهاني النَّصيحُ
الحكَّام
أبو يوسف يعقوب بن طلحة
من المسهب: أنه ولى قضاء جزيرة شُقْر، وكان ظريف المذاكرة، حسن المحاضرة، شاهدت منه أيام مُقامي بجزيرة شُقْر محاسن لو بُثَّت على الرض ما ذوى، ولو حُمِيَ بها النجم ما هَوَى، أدبٌ كما سَجع الحمام، وكرمٌ مثل ما هَطَل الغمام؟ ومما أنشدنيه من شعره قوله من قصيدة:ألا فَسَل البيداءَ عنِّيَ هل رأت ... سُرَايَ بها ما بين رُمْحٍ ومُنْصُلِ
بقلب لو أنَّ السيف منه لما نَبَا ... وسُهْدٍ إذا ما نام ليلُ المهبَّل
على كل طِرْفٍ يسبق الطَّرْف شَدُّهُ ... تراه إلى العلياء مثليَ يَعْتَلي
فطوراً على بَرْقٍ وطوراً على ضُحىً ... وطوراً على ليلٍ بصبحٍ محجَّلِ
العلماء
الأديب الفاضل أبو إسحاق
إبراهيم بن أبي الفتح بن خفاجة
من الذخيرة: الناظم المطبوع، الذي شَهِدَ بتقديمه الجميع، المتصرف بين أشتات البديع.
ومن القلائد: مالك أعنَّة المحاسن وناهج طريقها، العارف بتَرْصيعها وتنميقها، الناظم لعُقودها، الرَّاقم لبُرودها.
ومن المسهب: هو اليوم شاعر هذه الجزيرة، لا أعرف فيها شرقاً ولا غرباً نظيره.
الغرض من محاسنه قوله:
أما والتفات الرَّوضِ عن أزْرق النَّهْرِ ... وإشراقِ جِيد الغُصْن في حُلَّة الزَّهْرِ
ومنها:
ولم ألق إلا صَعْدَةً فوق لأْمَةٍ ... فقلت قضيبٌ قد أطلَّ على نَهْرِ
ومنها:
ولم أر إلا غُرَّةً فوق شُقْرَةٍ ... فقلت حَبابٌ يستديرُ على خَمْرِ
ومنها:
غَزَاليّةُ الألحاظ رِيميَّة الطُّلَى ... مُدَاميَّةُ الألْمَى حَبَابيَّةُ الثَّغْرِ
تَرَنَّحَ في مَوْشيَّةِ ذهبيَّةٍ ... كما اشتبكتْ زُهْرُ النجوم على البَدْرِ
وقد خَلَعَتْ ليلاً علينا يَدُ الهوى ... رداءَ عناقٍ مَزَّقَتْهُ يَدُ الفَجْرِ
وقوله:
وعَشِيَّ أُنْسٍ أضْجَعَتْنَا نَشْوَةٌ ... فيها يمهِّد مضجعي ويدمَّثُ
خَلَعَتْ عليّ بها الأراكةُ ظلَّها ... والغصنُ يُصْغِي والحمامُ يُحَدِّثُ
والشمسُ تجنح للغروب مريضةً ... والبَرْقُ بَرْقِي والغمامة تَنْفُثُ
وقوله:
ومُهَفْهَفٍ طاوى الحَشَا ... خَنِثَ المعاطف والنَّظَرْ
بَهَرَ العيون بصورةٍ ... تُليَتْ محاسنها سُوَرْ
فإذا رَنَا وإذا شَدَا ... وإذا سعى وإذا سَفَرْ
فَضَح المُدَامة والحما ... مَةَ والأراكةَ والقَمَرْ
وقوله:
كأنَّما اللَّحْظُ كيمياءُ ... يُذْهِبُ من خَدِّه لُجَيْنَا
وما تيقَّنتُ أنَّ عَيْناً ... تَقلِبُ عين اللُّجَيْن عَيْنا
وقوله:
وأسودٍ يَسْبَحُ في لُجَّةٍ ... لا تكتُمُ الحصباءَ غُدْرَانُهَا
كأنّها في شكلها مُقْلَةٌ ... زرقاءُ والأسودُ إنْسَانُها
وقوله:
كتابنا ولدينا البدرُ نَدْمانُ ... وعندنا بكؤوسِ الراح شُهْبَانُ
والقُضْبُ مائِسَةٌ والطير ساجعةٌ ... والأرضُ كاسيةٌ والجَوُّ عُرْيانُ
وقوله:
كتبتُ وقلبي في يديك أسيرُ ... يقيم كما شاءَ الهوى ويسيرُ
ولي كلَّ حينٍ من نسيبي وأدمُعِي ... بكل مكانٍ روضةٌ وغَديرُ
وقوله:
يا نُزْهَةَ النَّفْس يا مُناها ... يا قُرَّةَ العَيْنِ يا كَرَاها
أما ترى لي رِضاك أهْلاً ... وهذه حالتي تراها
فاستَدْرك الفَضْلَ يا أباهُ ... في رَمَقِ النَّفْسِ يا أخاها
فَسَوْتَ قَلْباً ولِنْتَ عِطْفاً ... وعِفْتَ من تَمْرَة نَوَاها
وقوله:
قُلْ للقبيح الفَعَال يا حَسَناً ... ملآْتَ عينيَّ ظُلْمَةً وسَنَا
قاسمني طَرْفُكَ الضَّنَى أفَلاَ ... قاسمَ جَفْنَيّ ذلك الوَسَنَا
إني وإن كنتُ هَضْبَةً جَلَداً ... أهتزُّ للحُسْن لوعَةً غُصْنَا
قَسَوْتُ قَلْباً ولِنْتُ مكْرُمةً ... لم ألتزمْ حالةً ولا سَنَنا
لستُ أُحِبُّ الجمودَ في رَجُلٍ ... تحسبه من جموده وَثَنَا
لم يَكْحَل السُّهْدُ جَفْنَه كَلَفاً ... ولا طوى جسمَه الغرامُ ضَنَى
فإنني والعفافُ من شيَمي ... آبى الرزايا وأعشق الحَسَنا
طوراً منيبٌ وتارةً غَزِلٌ ... أبكى الخطايا وأندُبُ الدِّمَنَا
إذا اعْتَرَتْ خَشْيةٌ بَكَى وشكى ... أو انْتَحَتْ راحةٌ دَنا فَجَنى
كأنني غُصْنُ بَانةٍ خَضِلٌ ... تَثْنيه ريحُ الصَّبَا هنا وهنا
وقوله:
حَدَرَ القِنَاعَ على الصَّباح المُسْفِرِ ... ولَوَى القَضيبَ على الكَثيب الأعْفَرِ
وتملّكتْه هِزَّةٌ في عزَّةٍ ... فارْتجَّ في وَرَقِ الشباب الأخْضَرِ
متنفِّساً عن مثل نَفْحة مِسْكِهِ ... مُتَبَسِّماً عن مثل سِمْطَيْ جَوْهَر
سَلَّتْ عليّ سيوفَها أجفانُه ... فلقيتهنَّ من الشَّبابِ بِمغْفَرِ
متجلِّداً آبى بنفسِيَ أن أرى ... هذا الهِزَبْرَ قتيلَ ذاك الجُؤْذَرِ
فحشَا بطعنته حَشَا متنفِّس ... تحت الدُّجى من مارجٍ مُتَسَعِّرِ
يَغْشَى رماحَ الخطِّ أوَّلَ مُقْبل ... ويكُرُّ يوم الحرب أخرَ مُدْبِرِ
فتراه بين جِراحَتَيْنِ للحظَةِ ... مكسورةٍ ولعاملٍ متكسِّر
بيني وبينك ذِمَّةٌ مرعيَّةٌ ... فإذا تنوسَيتِ الأزمَّةُ فاذْكُر
والمَحْ صحيفةَ صفحتي فاقرأْ بها ... سطرين من دمعٍ بها مُتَحَدِّر
كَتَبَتْهُما تحت الظلام يَدُ الضَّنَى ... خوفَ الوُشاة بأحمرَ في أصفَر
ومنها:
يَثْنِي معاطِفَه وأُذْرِي عَبْرَةً ... فإخالهُ غُصناً بشطَّيْ جعْفَرِ
وقوله:
سقاني وقد لاحَ الهلالُ عشيَّةً ... كما اعوجَّ في دِرْعِ الكَمِيِّ سِنانُ
ونَمَّتْ بأسْرار الرياض خميلةٌ ... لها الزَّهْرُ ثَغْرٌ والنسيم لسانُ
وكتب على ظهر رقعة هاج:
ومعرِّض ليَ بالهجاء وهَجْره ... جاوبْتُهُ عن شعره في ظهره
فلئن نَكُنْ بالأمس قد لُطْنا به ... فاليوم أشعاري تلوط بشعرهِ
وقوله:
والريحُ تَعْبَثُ بالغصون وقد جَرَى ... ذَهَبُ الأصيل على لُجَيْنِ الماءِ
أبو طالب عبد الجبار المتنّبِّي
من
الذخيرة: كان يعرف بالمتنبي. أبرع أهل وقته أدباً، وأعجبهم مذهباً،
وأكثرهم تفنناً في العلوم، وأوسعهم ذَرْعاً في المنثور والمنظوم. وكان فيما
بلغني يفد نفسه بمُلْك، ويَنْخَرط للمجون في سِلْك، لا يبالي أين وقع، ولا
يحفل بأي شيء صنع، ومن شعره قوله:
كيف البقاءُ ببيْتٍ لا أنيسَ به ... ولا وِطاءٌ ولا ماءُ ولا فُرُشُ
كأنَّه كُوَّةٌ في حائطٍ ثُقِبَتْ ... في ظلمة الليل يأوي جَوْفَها حَنَشُ
وقوله:
قُلْ لأبي يُوسُفٍ المُنْتقَى ... والفاضلُ الأوحد في عَصْره
ومن إذا حَرَّك موسيقة ... وظل يُبْدي السِّحْرَ من عَشْرِهِ
تخاله إسحاق أو مَعْبَداً ... تشْدُو بألحانٍ على وَتْرَهِ
هل لك أن تسمع مُهْديكمُ ... فتطرُدَ الأشجان عن فكْرِه
حتى إذا الأيام أبدتْ له ... ما في ضمير الزَّهر من سِرِّهِ
أعطاك من جدْواهُ ما تَشْتهِي ... فِضَّتِهِ البيضاء أو تِبْرِهِ
وقوله:
وخَمَّار أنختُ به مَسيحي ... رَخيم الدَّلِّ ذي وتر فصيحِ
سقني ثم غَنَّاني بصوتِ ... فدَاوَى ما بقلبي من جُروح
وفضَّ فَمَ الدِّنان على اقتراحٍ ... فاح البيت منْها طيبَ ريحِ
فقلتُ له لِكَمْ سنةٍ تراها ... فقال أظنها من عهد نُوحِ
فلما أن شَدَا الناقوسُ صَوْتاً ... داعني أن هَلُمَّ إلى الصَّبُوح
وحَيّاني وفدَّاني بكأْسٍ ... وقبَّلني فردَّ إليَّ روحي
الشعراء
أبو عبد الله محمد بن الدمن
المعروف بمرْج كُحْلهو في المغرب مثل الوَأْواءِ الدمشقيّ كان ينادي في الأسواق، حتى إنه نعيش ببيع السمك، ترقَّت به همته إلى الأدب قليلاً قليلاً، إلى أن قال الشعر، ثم ارتفعت فيه طبقته، ومدح الملوك والأعيان، وصدر عنه مثلُ قوله:
عَرِّجْ بمُنْعَرِج الكثيبِ الأَعْفَرِ ... بين الفُرَات وبين شَطِّ الكَوْثَرِ
ولْتَغْتَبِقْها قهوةً ذهبيَّةَ ... من راحَتَي أحْوى المدامع أحْور
وعشيَّة كم بتُّ أرقبُ وقتها ... سمحتْ بها الأيامُ بعد تَعذُّر
نِلْنا بها آمالنا في جَنَّةٍ ... أهْدَت لناشِقِها شميمَ العَنْبَرِ
والروضُ بين مفضَّضٍ ومَذْهَّبٍ ... والزَّهْرُ بين مُدَرْهَمٍ ومُدَنَّر
والوُرْقُ تشدو والأراكةُ تَنْثَني ... والشمسُ تَرْفُلُ في قميصِ أصْفَر
وكأنه وكأن خُضْرَةَ شَطِّهِ ... سيفٌ يُسَلُّ على بساط أخْضرِ
وكأنما ذاك الحَبابُ فِرِنْدُهُ ... مهما طَفَا في صفحهِ كالجوهَرِ
نهرٌ يَهيمُ بحسنِهِ من لم يَهِمْ ... ويُجيد فيه الشِّعْرَ من لم يَشْعُر
ما اصفرَّ وَجْهُ الشمس عند غروبها ... إلا لفرقةِ حُسْنِ ذاك المنظر
وقوله:
سَرَوا يَخْبِطُونَ الليلَ والليلُ قد سَجَا ... وعَرْفُ ظلامِ الأُفْق منه تأَرَّجا
إلى أن تخَيَّلْنا النجومَ التي بَدَتْ ... بهِ يا سَميناً والظلامَ بَنَفْسَجَا
ومما شجاني أنْ تألَّقَ بارقٌ ... فقلتُ فؤادي خافقاً مُتَوَهِّجا
وشِيبَ بياضُ القَطْرِ منه بحمرةِ ... فأذكرني ثَغْراً لسَلْمَى مُفَلَّجَا
أمائِسَةَ الأعطاف من غير خَمْرَةِ ... بأسهُمِها تُصْمِي الكميَّ المُدَجَّجَا
أأنتِ التي صَيَّرْتِ قدَّكِ مائساً ... وعِطْفَكِ مَيَّاداً ورِدْفَكِ رَجْرَجا
وأغضبكِ التشبيهُ بالبَدْر كاملاً ... وبالدَّعْصِ مَرْكوماً وبالظَّبي أدْعَجا
وقلب شَجٍ صَيَّرْتِهِ كُرَةً وقد ... أجَلْتِ عليهِ لامَ صُدْغِكِ صَوْلَجَا
فلا رَحَلَتْ إلا بقلبي ظعينةٌ ... ولا حملتْ إلا ضلوعيَ هَوْدَجا
وقوله:
وعندي من معاطفِها حديثٌ ... يُخَبِّرُ أنَّ ريقتها مُدَامُ
وفي ألحاظها السَّكْرَى دليلٌ ... ولا ذُقْنا ولا زَعَمَ الهمامُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثامن
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب مملكة بلنسية
وهوكتاب السحر المُسَطَّر، في حلى حصن مُرْبَيْطَر
البساط
من المسهب: هي من المدن الرومية المشهورة بالأندلس، فيها آثار عظيمة، وأعظمها الملعب الذي أمام قصرها، وهو صَنَوْبريّ الشكل، قد ارتقى بأحكم صَنْعَة درجةً درجةً، إلى أن تكون الدرجة العليا لا يجلس فيها إلا الملك وحده، ثم ما انحدر منها اتسع المكان بحسب الطبقات إلى أن تكون الدرجة الأخرى لجمهور مَنْ يلوذ بالملوك من غير الخاصة المقربين.العصابة
ملكها في مدة الطوائفالقائد أبو عيسى بن لَبّون
وكان قبل ذلك وزيراً للمأمون بن ذي النون، ولَعِبَ عليه جاره ابن رزين صاحب السَّهلة، فأخرجه منها، ولم يعوضه بشيء عنها.
من القلائد: هو ممن رأس وما شَفّ، ووَكفَ جوده وما كفَّ، وأعاد كاسد البدائع نافقاً، ولم يُصْدِر آملاً خافقاً، وكانت عنده مناهلي تُزَفُّ، فيها للمُنى أبكارٌ نواهد. ومن شعره قوله:
سَقَى أرضاً، ثَوَوها، كلُّ مُزْنٍ ... وسايرهم سرورٌ وارتياحُ
فما ألْوَى بهم مَبلَلٌ ولكنْ ... صروفُ الدهر والقَدَرُ المتاحُ
سأبكي بعدهمْ حُزْناً عليهم ... بدمع في أعنَّتِه جِماحُ
وقوله:
قم يا نديمُ أدِرْ عليّ القَرْقَفَ ... أًوَ ما ترى زَهْرَ الرياض مُفَوَّفا
فتخال محبوباً مُدلاًّ وَرْدَه ... ا ووتخال نرجسَها محِبّاً مُدْنَفَا
والجُلَّنَارَ دماءَ قَتْلَى مَعْرَكٍ ... والياسمينَ حَبَابَ ماءٍ قد طَفا
وقوله:
لَحَا الله قلبي كم يحنَّ إليكمُ ... وقد بعتمُ حظِّي وضاع لديكمُ
إذا نحن أنصفناكمُ من نفوسنا ... ولم تُنصفونا فالسَّلام عليكمُ
وقوله:
لو كنتَ تشهد يا هذا عَشِيَّتَنا ... والمزنُ يسكبُ أحياناً وينحدرُ
والأرض مصفرَّةٌ بالمزن كاسيةٌ ... أبصرت تبْراً عليه الدُّرُّ يَنْتَثِرُ
وقوله:
يا ربَّ ليل شَربْنا فيه صافيةً ... حمراءَ في لونها تَنْفى التباريحا
ترى الفَراشَ على الأكواس ساقطةً ... كأنما أبصرتْ منها مصابيحا
وقوله بعدما أُخِذَ منه بلده:
يا ليت شعري وهل في ليت من أرَبٍ ... هيهات لا تنقضي للمرءِ آرابُ
أين الشموسُ التي كانت تطالُعنا ... والجوُّ من فوقه لليل جِلْبابُ
وأين تلك الليالي إذ نُلمُّ بها ... فيها وقد نام حُرَّاسٌ وحُجَّابُ
تُهْدِي إلينا لُجَيناً حَشْوُهُ ذَهَبٌ ... أناملُ العاجِ والأطرافُ عُنَّابُ
وقوله:
نَفَضْتُ كفّي من الدنيا وقلت لها ... إليك عني فما في الحقّ أغْتَبنُ
مِنْ كِسْرِ بيتيَ لي روضٌ ومن كُتُبي ... جليسُ صدقِ على الأسرار مُؤْتَمَنُ
وما مصابي سوى موتي ويدفنني ... قومي وما لهمُ علوٌ بمن دَفَنُوا
السلك
أبو عيسى لُب بن عبد الودود المُرْبَيْطَريّبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب التاسع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة البلنسية
وهوكتاب المراعي العازبة، في حُلى كورة شَاطِبة
ينقسم هذا الكتاب إلى:
كتاب الغيوث الصائبة، في حُلَى مدينة شاطبة
كتاب النغْمة المطربه، في حُلى حصن يانبَه
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتابين اللذين يشتمل عليهما:كتاب الكورة الشاطبية
وهوكتاب الغيوث الصائبة، في حُلى مدينة شَاطِبَة
البساط
من المسهب: مدينة عظيمة، مانعة كريمة تعزُّ بامتناع معقلها نفوسُ أهلها، وتَخْرُجُ من بَطْحائها في أحسن متأمّل، وهي من التي نشزت على بلنسية في مدة ملوك الطوائف. ومن مُتَفَرَّجاتها البطحاء، والغدير، والعين ثم لابن هود، وساد فيها أبو الحسين بن عيسى وكان مشهوراً بالجود ممدّحاً وصارت له بعد موت ابن هود، ثم صالح بنوه النصارى عليها. وصارت بحكمهم.السلك
ذوو البيوت بيت بني الجَنَّانبيت موثَّل التوارث، وهم من كنانة، أمهرهم:
أبو العلاء عبد الحق بن خلف
بن مفرّج بن الجَنّانمن المسهب: كاتب شاطبة الذي لم أجد له فيها نظيراً، وماجدها الذي ألفيته للمكارم وليّاً ونصيراً، اجتمعت به في بلده، فأحلّني بين خِلبِهِ وكبده، وهو معروف فيها، بالكتْب عمن يليها، من الأمراء، والاستشارة في الآراء، تتجلّى الوزراء باسمه، وتشرف الكتابة بوَسْمه. ولما أسرعتُ الرحيل عن شاطبة وجَّه لي ببِرٍّ، وكتب معه:
يا سيِّداً زارَ أرْضاً ... أمْسَتْ به أُفْقَ بَدْرِ
ما كنتَ إلا كبَرْقٍ ... فكن غَديراً لقَطْرِ
حتى نُوَفِّيَ وِرْداً ... من فَيْضِ علمٍ كبَحْرِ
وإن أبَيْتَ فَسِرْ في ... أمْنٍ وحِفْظٍ وبرِّ
وكن عليماً لنارٍ ... أضْرَمتْهَا طيَّ صَدْر
وأنشدني لنفسه:
سَرَى بهد الهُدُوِّ خيالُ نُعْمى ... ولم تَدْر الوشاةُ أوانَ سَارا
وزارَ وَأعْيُنُ الرُّقَبَاءِ تُذْكَى ... حذاراً أن يزُورَ وأن يُزَارا
فدون طروقِ ذاك الحيِّ سُمْرٌ ... تدور بجانبيه حيث دارا
سأشكر للكَرَى خَلَساتِ وَصْلٍ ... كما لَقَط القَطَا ثم استطارا
وذكره صاحب فرحة الأنفس، وأورد له رسالة كتبها إلى يحيى بن غانية الملثّم، يهنِّيه بهزيمة النصارى:
أطال الله بقاء الرئيس الأجل واضح آيات المساعي، مجايا في تأييده دعوة الداعي، ولا زال معقودة بالظفر ألويتُه معمورةً بصالح الدعاء ساحاته وأنديته، كتابي وما خططت بحرف، إلا رمقت السماء بطَرْف. أدعو وأتوسَّل، إلى من يسمع الدعاء ويقبل، ويُسْنِي الحظوظ فيُجْزل، على ما أولى من قِسَمٍ أتاحها الله على يديه، وألقى أزمَّتَها إليه، حتى انقادت له بعد شِماس، وتأتَّت على ياس، وهل كانت إلا خبيثة الدهر، وبَيْضَةَ العُقْر، صعبت على من كان قبل من أولى السياسات، ومدبّري الرياسات.
ابنه الكاتب
أبو بكر بن أبي العلاء
كان من الجِلَّة ببلدة، وجَرَت عليه محنةٌ سُجِن فيها وقُيِّد، فكتب على الحائط بالفَحْم وقد أيقن بالموت:ألا دَرَى الصِّيدُ من قومي الصناديدُ ... أنِّي أسيرٌ بدارِ الهُون مقصودُ
لا أَبْسُطُ الخَطْوَ إلا ظَلَّ يَقبِضُهُ ... كَبْلٌ، كما التفَّت الحيَّاتُ مَعْقودُ
وقد تألَّبَ أقوامٌ لسَفْك دمِي ... لا يَعْرِف الفضْلُ مَغْناهم ولا الجُودُ
وقوله في غلام يقفز فارّاً:
ووسيمِ الخَلْق والخُلُقِ ... يَنْثَنَى كالغُصْن في الوَرَقِ
مرَّ يُلْقي النار في ضَرَمٍ ... كفُؤاد الصَّبِّ مُحْترِقِ
ومضى يَجْتابُ جاحِمَها ... كانْصلات النَّجْم في الأُفُقِ
أبو الوليد بن الجنَّان
من هذا البيت. صحبته بمصر وحلب، وأنا أقْطَعُ أنه معدوم النظير في الغَوْص على المعاني المخترعة والمولَّدة. فمما كتبته عنه من شعره قوله من قصيدة مدح بها الصاحب الكبير المُنْعِم كمال الدين بن أبي جرادة:
فوق خَدِّ الورد دَمْعٌ ... من عيون الحِبِّ يَذْرِفْ
برِداء الشمس أضحى ... بعد ما سال يُجَفِّفْ
وقوله:
قُم سَقِّنيها وجيشُ الليل مُنْهَزِمٌ ... والصبح أعلامه محمرَّة العَذَبِ
والسُّحْبُ قد بدَّدَتْ في الأرض لؤلؤَها ... تَضُمُّهُ الشمسُ في ثوبٍ من الذَّهَبِ
وقوله:
الأرض بالشمس تهيمُ فلِذا ... يأتي بشيراً بالقدوم الغَبَشُ
لو لم يكن لَمَا غَدَا لها ... بساطُ أزهار الرياض يُفْرَشُ
وقوله:
ودَوْحةٍ أطرَبتْ منها حمائمُها ... أُفْقَ السماء فلم تَبْرَحْ تُنَقِّطُها
تحكي الكمامةُ فيها راحةً قُبِضَتْ ... يُلْقِي السحابُ لها دُرّاً فَتَلْقُطُها
وهو الآن بالقاهرة مصدَّراً في إقراء النحو.
أبو الحسن محمد بن أبي جعفر بن جبير
أخبرني والدي: أنه كتب عن عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة وحج وجلَّ قدره في رحلته، ثم عاد إلى الأندلس، ثم عاد إلى مصر، فمات، وقبره بالإسكندرية، ومن شعره قوله:طولُ اغتراب وبَرْحُ شَوْقٍ ... لا صَبْرَ والله لي عَلَيْهِ
إليك أشكو الذي أُلاقي ... يا خَيْرَ من يُشْتكى إلَيْهِ
ولي بغَرْناطةٍ حبيبٌ ... قد غَلِقَ الرَّهنُ في يَدَيْه
ودَّعتُهُ وهْو بارتماضِ ... يُظْهِرُ لي بعضَ ما لديْهِ
فلو ترى طلَّ نَرْجِسَيْهِ ... ينهلُّ في وَرْد صَفْحَتَيْهِ
أبصرتَ دُرّاً على عقيقٍ ... من دمعه فوق وجْنَتَيْهِ
وقوله:
غريبٌ تذكَّر أوطانَهُ ... فهيَّج بالذِّكْر أشجانَه
يَحُلُّ جَوَاه عقودَ العَزَاءِ ... ويَعْقِدُ بالنجم أجفانه
ويُرْسل للغَرْب من دمعهِ ... غُروباً لتسقيَ سُكَّانه
وقوله:
يا وفودَ الله فُزْتُمْ بالمُنَى ... فهنيئاً لكمُ أهْلَ مِنَى
قد عرفنا عَرفاتٍ بعدكمْ ... فلهذا برَّحَ الشوقُ بِنا
نحن بالمغرب نُجْري ذكركمْ ... وغُروبُ الدمع تجري بيننا
الكتاب
؟أبو بكر عبد الرحمن بن مُغَاوركتب عن أبي الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن سلطان المغرب الأوسط وقسَم أبو الربيع يوماً على خاصته أُتْرُجّاً، فأعطاهم واحدة واحدة وخصَّه باثنتين، فقال:
قَسَم الأُتْرُجّ فينا ... مَلِكٌ طَلُقُ اليديْن
لم تكن قسمةَ ضِيزَى ... بين أتْرابي وبيني
إذ حَبَا فَرْداً بِفَرْدٍ ... وحَبَاني باثنتين
هكذا ما زال حظيِّ ... مثلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ
ووهب
له أحد الأعيان سَهْمَه من الساقية في ثومه، فسقى بها جَنَّته، ثم وصل إلى
ابن مغاور في ذلك اليوم ضيف، فكتب إلى المذكور الذي سقى جَنَّته:
سقيتَ أرضي بفَيْضِ ماءٍ ... فاسْقِ ضلوعي بفَيْضِ راحِ
واتركْ جفايَ يذهبْ جُفَاءً ... واخْفض جناحاً على جُناحي
وقال وقد عَلِقَ أخ له امرأة من بني يَنَّق:
بَنِيَّ يَنَّقٍ كُفُّوا عيون ظِبتائكم ... فما بيننا ثأْرٌ ولا عندنا ذَحْلُ
أسَوَّغْتُمُ الشَّهْدَ المشورَ لطاعمٍ ... وقلتمْ حرامٌ أن يُلِمَّ به النَّحْلُ
إذا ما تَصَدَّتْ في الطريق طَروقةٌ ... فغيرُ نكير أن يُلمَّ بها الفَحْلُ
وقوله:
الحمد لله بلغْنا المُنى ... لا حدَّ في الخمر ولا في الغِنا
قد خَلَّلَ القاضي لنا ذا وذا ... وإن شكرناهُ أحلَّ الزِّنا
الكاتب أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز
كان بمرَّاكُش في مدة المنصور، وكتب عن أبي زكريا بن أبي إبراهيم صاحب سَبْتَة، وكان يقول من الشعر ما منه قوله:أيا سَرْحَةً ناديتُها مُظْهِراً لها ... غرامي وسرِّي في الضمير قد انطَوى
قَعيدَكِ، هل تدرين ما بي من الضَّنَى ... وماذا أقاسيه عليكِ من الجَوَى
فيا ليتني لم أعرفِ الحبَّ ساعةً ... فلولا الهوى ما كان نَجْميَ قدْ هَوَى
ومن كتاب الإحكام، في حُلى الحُكّام
أبو الحسن طاهر بن نيفون
قاضي شاطبة
من المسهب: عالم أعلام، وفاضلٌ في كل فن وإمام، نهض به علمه حتى صيّره عَلَماً، وأبرزه في بلده حَكَماً. وله من مدح في إبراهيم بن يوسف بن تاشفين.أَيا ملكاً أولانيَ العزَّ والغِنَى ... وصيَّرني بعد الخمول مُكَرَّمَا
وأبصرني في الأرض مُلقىً مذَلَّلاً ... فرفَّعني بالعزِّ والجاه للسَّمَا
العلماء
أبو بكر محمد بن أبي عبد الله
محمد بن سُراقةهو الآن صاحب مدرسة الحديث التي بناها السلطان الكامل في القاهرة، وهو في نهاية اللطافة، وخلوص الديانة والقبول، وعلى أموره طُلاوة، استنشدته من شعره، فأنشدني قوله:
دعاني إلى إسْماع شعريَ سَيِّدٌ ... غَرٍ بفُنون العلم يَرْوِي ويكتبُ
فقلتُ عجيبٌ عنديَ الجود بالُّلهَا ... وبُخْليَ بالشعر المهلهل أعجبُ
وما الشعر إلا صورة العَقْل حَجْبُها ... إذا لم تكن في غاية الحسن أوجَبُ
الطبيب أبو عامر محمد بن ينَّق
شُهرَ ذكاءً وطَبْعاً، وعمِّر للمحاسن رَبْعاً، لولا عُجْب استهواه، وأخلّ بما حواه، وزهْوٌ ضَفا على أعطافه، وأخفى ثوب إنصافه، إلا أن حسنة إحسانه لتلك السيئة ناسخة، وفي نفس الاستحسان راسخة.
ومن شعره قوله:
دَعْني أُصَادِ زماني في تقلُّبِهِ ... فهل سمعتَ بظلِّ غير مُنْتقل
وكلما راحَ جَهْماً رُحْتُ مبتَسماً ... كالبَدْر يزداد إشراقاً مع الطَّفَل
ولا يروعَنْكَ إطراقي لحادثةٍ ... فاللَّيْثُ مَكْمَنُهُ في الغِيل للغَيلِ
فما تأَطَّر عِطْفُ الرُّمْح من خَوَرٍ ... فيهِ ولا احمرَّ صَفْحُ السيف منْ خَجَلِ
لا غَرْو أن عُطِّلتْ من حَلْيها هِممي ... فهل يُعَيَّرُ جِيدُ الظَّبي بالعَطَل
وَيْلاهُ هَلاًّ أنالَ القوسَ باريهَا ... وقلَّد العَذْبَ جِيد الفارسِ البَطل
وقوله:
وما ظبيةٌ أدْماءُ تَأْلَفُ وَجْرَةً ... ترودُ ظلال الضَّالِ أو أثَلاتِها
بأحسنَ منها يومَ أومَتْ بلحظها ... إلينا ولم تَنْطقْ حذارَ وُشَاتها
وأطنب في الثناء عليه صاحب السِّمْط، وأنشد له، في بعض ما أنشد، ما هو منسوب لغيره.
الشعراء
أبو محمد عبد الله بن سلفير الشاطبي
ّمن فرحة الأنفس: له من قصيدة في محمد بن مرْذنيش ملك مُرْسية تصف قِطَعَه البحرية:
وبنْتِ ماءٍ لمَسْرَى الريح جِرْيَتُها ... تمْشي كما مشت النَّكْبَاءُ والثَّمِلُ
قد جَلَّلوها شراعاً مثل ما نشأتْ ... يُظلُّها من غمامٍ فوقها ظُلَلُ
كأنها فوق متنِ الريح سَابِحَةً ... فَتْحَاءُ يعلو بها طوراً ويَسْتَفِلُ
جابت بنا كل خَفّاق الحشَا لَجب ... لملتقى المَوْج في حافاته زَجَلُ
أبو عبد الله محمد بن يربوع الشاطبي
ّذكره صفوان في زاد المسافر، وذكر: أنه طلب من صفوان شيئاً من شعره فمطله، فكتب له ابن يربوع:
فدَيْتُكَ ما هذا التَّنَاسي أبا بَحْرِ ... لقد ضاق ذَرْعاً عن تحمُّله صَبْري
أأصْدُرُ عن أُفْق الكواكب سادراً ... وأرحل ظمآناً على شاطئ النَّهْر
وأنشد له قوله في أحد ملوك بني عبد المؤمن:
أَسَيِّدنا لا تُنكرنَّ تزاحُماً ... على كفكم منّا فمورِدُها عَذْبُ
وُعْذرا إلينا فالقلوب نوازِعٌ ... إلى لَثْمها والحكْمُ ما حكمَ القَلْبُ
فلو بلغَتْ شُهْبُ السماءِ بلوغَنَا ... لتقبيلها ظلَّتْ تزاحمنا الشُّهْبُ
الأهداب
موشحة لابن مُوهَد الشاطبيّوسكن مُرْسيَة ومدح بها ابن مرذنيش ملك شرق الأندلس:
أما طربتَ إلى الحُمَيَّا ... ما بين ندمانٍ وساقِ
والبدرُ في عقب الثريّا ... والليلُ ممدودُ الرِّواقِ
خُذها على رغم العذولِ
خَرْقاءَ تلعبُ بالعقولِ
والنهرُ كالسيف الصَّقيلِ
على رياض فاحَ رَيَّا ... ولاحَ مصقولَ التَّراقي
تلم المُنَى يا صاحباً ... لا مُلْكُ مصرَ مع العراقِ
قد كنت أصبو إلى الرحيق
حتى شُغلْتُ عن الإبريقِ
بقهوةٍ من لذيذ الرِّيقِ
أنا الذي صِدْتُ ظُبَيّاً ... طاوى الحَشَا حُدْوَ العِناقِ
تَسْقي مراشفهُ شَهِيَاً ... من مُسْكرٍ عَذْب المذاقِ
يا من لَحَا ولك التَّفْنِيدُ
حُبِّي لَعَزَّةَ لا يبيدُ
فربما بَلِيَ الجديد
يا من أحبَّ القُرْبَ إليّا ... كيف السبيلُ إلى التلاقي
لقد لقيتُ الموت حَيَّاً ... ما بين نأْيِكَ واشتياقي
من لي به فوق ما أقولُ
تحارُ في وَصْفه العقولُ
فما إلى وَصْله سبيلُ
أحببْ به أحببْ إليَّا ... ظَبْياً يروَّع بالفراقِ
طَلْقَ الأسرَّة والمحيَّا ... كالظَّبي مكحول المآقي
مَنْ لي بمن أهوى ومَنْ لي
ليس الهَوَى إلا لمثلي
وأنت يا بَعْضِي وكُلِّي
أبْعَدْتَني بُعْدَ الثُّريّا ... وأنت تعلم ما ألاقي
يا من هَوِيتْ أبقِي عليَّا ... كما أنا عليكَ باقِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتابين اللذين تشتمل عليهما كورة شاطبة.وهو
كتاب النَّغْمة المُطْرِبه، في حُلى حصن يانَبه
من المسهب: حصن بَهِجُ المنظر، ذو فواكه ومياه، منه:
أبو عبد الله محمد بن خَلصَة الأعمى
من الذخيرة: كان أحد العلماء بالكلام، وله حظ من النثر والنظام، لكنه بالأئمة العلماء، أشبه منه بالكتاب الشعراء، وقد بَدَرَتْ له أشعارُ يسير بها إلى البديع، ويذهب فيها إلى التصنيع. وكتب عن إقبال الدولة بن مجاهد ملك دانية والجزر. ومن شعره قوله من قصدية في مدحه:
خَدَمتكمْ ليكونَ الدهر من خَدَمي ... فما أحالتْهُ عن أحواله حِيَلي
إن لم تكن حالي مُبَدَّلةً ... فنا انتفاعي بِعلْمِ الحال البَدَل
وقوله من قصيدة:
أَطِعْ أمْرَ مَنْ تهواهُ عَزَّ قد بَزَّا ... كفى بالهوى ذُلاًّ وبالحسن مُعْتَزَّا
ومنها:
ولما لَحَاني الدهرُ لَحْوَ العَصَا ولم ... أجِدْ من بنيَه غيرَ من زادني وَخزَا
جعلتك لي حِصْناً ونبَّهتُ مِقْوَلاً ... جُرَازاً جُذَاذاً لا كَهاماً ولا كَزَّا
ولم تقتصدْ منك القصيدةُ نائِلاً ... كثيرٌ لها أن تُسْتَجَازَ ولا تُجْزَى
ليُمْتِعْ بك الله الأمانيّ والمُنَى ... ولا تُفْجَعُ الآداب فيك ولا تُرْزا
وقوله:
عَدَمٌ ذا الورى وأنتمْ وجودُ ... وهُراءٌ وأنتمُ المعقولُ
وإذا كَشَّف الحقائقَ فكْرٌ ... شَهدتْ لي بما أقول العقولُ
وقوله يخاطب الحُصْريَّ:
أيا صادقاً هَواهُ ... إذا المدَّعون مانُوا
فلم يَحْوِ ما حواهُ ... زمانٌ ولا مكانُ
ولم يَفْرِ ما فَرَاهُ ... حُسَامٌ ولا سِنانُ
إذا سَلَّ مُرْهَفاتٍ ... من المنطق البيانُ
تَبَيَّنْتُ أنَّ أمْضيَ ... من الصارم اللسانُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب العاشر
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة البلَنسية
وهو
كتاب في حُلى حصن البُونْت
من المسهب: معقل من المعاقل الرفيعة، والشواهق المنيعة، ملكة في مدة ملوك الطوائف:
القائد أبو محمد
عبد الله بن القاسم الفهري
ّوضبطه أشدّ الضبط، وضار شَجىً في حَلْق صاحب بلنسية، وعنده أطال المكثَ هشامٌ المعتدّ المروانيّ الذي صار خليفة بقرطبة ومن عنده استدعى للخلافة وولي بعد ابنه:
القائد أبو عبد الله محمد بن عبد الله
فحذَا حَذْوَ أبيه، ومنع رياسته ممن يليه، إلى أن أدركه ما يُدرك البدر التمام، وأخذه الحمام، فولي بعده ابنه:الأمير أبو محمد
عبد الله بن محمد بن عبد الله
ومنه أخذ هذا الحصن أمير الملثّمين يوسف بن تاشفين. من القلائد: رجل زَهَت به الرياسة والتدبير، وجبلٌ دونه يَلَمْلَمٌ وثَبيرٌ، ووقار، لا يُستَفَزُّ ولو دارت عليه العُقار، إذا كتب باهت البدرَ رُقعتهُ، وقرطسَتْ أفئدة المعاني نَزْعتُه، وضعته الدولة في مَفْرقها، وأطلعت شمسَه في مشرقها، فأظهر جمالها، وعطَّر صَبَاها وشَمالها، فسهَّل لراجيها حَزْنها، وصابَ بأحسن السِّير مُزْنها، ولاح بِشْرُها، ونَفح نَشْرُها وجادت يده بالحَيَا، وعادت به أيام الفضل بن يحيى، إلا أن الأيام اتَّقَتْه، فما أبقتْه، وخَشِيه مكْرُها، فغشيه نُكْرها، فتخلَّت عنه الدولة تخَلَّى العقد عن عنق الحسناء، وأعرضت عنه إعراض النسيم عن الروضة الغنَّاء، وإنها لعالمة بسَنائه، هائمةٌ بغَنَائه، ولكن الزمان لا يريد شَفُوقاً، ولا يرى أن يكون بالفضائل محفوفاً، وهو اليوم قد انقبض عن الناس وأجناسهم، واستوحش من إيناسهم، وأنِسَ بنتائج أفكاره، وهام بعيون العلم وأبْكاره.الغرضُ مما أورد له. كتبَ إلى الوزير أبي بكر بن عبد العزيز مُجاوباً عن كتاب خاطبه به مسلياً عن نَكْبته:
ولو لم أفُلَّ شباةَ الخطوب ... بحدٍّ محدِّ ظُبَا الصارِمِ
ولم أَلْقَ من جُنْدها ما لقيتُ ... بصبْرٍ لأبطالها هازمِ
ولم أعْتَبرْ حادثات الزمانِ ... بِخبْرِ خبيرٍ بها عالِم
لكان خطابُك لي ذُكْرَةً ... تُنَبِّه من سِنة النائِمِ
ورِدْءاً يردُّ صعاب الأمور ... على عَقِب الصاغر الراغم
فكيف
وقد قَرَعْتُ النائبات إصغاراً، ولقيتُ من هبوبها إعصاراً، ولم أستعن في
شيء منها بمخلوق، ولا فوَّضت في جميع أمورها إلا إلى أعدل فاتح وأحفظ
موثوق، وأسأله أن يجعلها كفارة السيئات، وطهارىً من دَرَن الخطيئات بمنِّه
وكرمه. وإن خطاب السيد وصَل، غِبَّ ما تجافى ومَطَل، فكان الحبيبَ
المقبَّل، من حقه أن يُسْتَمال ويُسْتَنْزل، ولا عتاب عليه فيما فعل. وقد
علمت أنه مهما أبطأ برهةً متَّصلةً، فما أخطأ حفاظاً بظهر الغيب وصلَةً،
وإنما نهته عن مقتضى نظره، ليبينه بفحوى تأخره. وعلى أن العوائد أحمد من
البَدِيَّات، والفوائد في النتائج لا في المقدمات، كما خُتم الطعام
بالحلواء، بل كما نُسِخَ الظلام بالضياء، وبُعث محمد أخرَ الأنبياء. وإن
اختفاءه لمقدور حق قدره، ووفاءَه لجدير بالمبالغة في شكره، ولقد بلغت
مكارمه مداها، وسلَت مساهمته عما اقتضاها، وقد آن أن يدع من ذكرى نَهْبٌ
صِيحَ في حَجَراته، واستُبيح من جهاته.
وكتب له أبو العباس بن عشرة قاضي سَلا، وقد حَلَّ أبو محمد سَلا، وظنَّ أنه يجد منه مؤانسة، فانقبض عنه واعتذر بالسلطان:
واحَسْرَتا لصديقٍ ما له عِوضٌ ... إن قُلْتَ من هو لا يلقاك مُعْتَرِضُ
ألقاه بالنفس لا بالجسْم من حذَر ... لعلّةٍ ما رأيتَ الحُرَّ يَنْقَبِضُ
فجاوبه أبو محمد:
شرُّ الجيادِ إذا أجْرَيْتَ منقبضُ ... ما للوجيه على الميدان مُعْتَرَضُ
أنَّى تُضَاهيه فُرسان الكلام ومِن ... غباره في هواديهنَّ ما نَفَضُوا
ومرَّ في الشعر إلى أن قال بعد العتاب:
والحرُّ حرٌّ وأمْرُ الله مُنْتَظَرٌ ... والذكرُ يبقَى وعمر المرء مُنقَرِضُ
وأثْنَى
عليه وعلى بيته صاحب المسهب، وقال في وصفه: مَلِك قمرِي الوجه، سحابيُّ
اليد روضيّ الجناب، مَلّك طُفَيليّ السماح على الأقارب والأباعد، ما
فُرِّجت أبوابه إلا تفرَّجت الشدائد. وأنشد له قوله:
خُلِعَتْ عن المُلْكِ لكنِّني ... عن الصبر والمجد لا أُخْلَعُ
رماني الزمان بأرزائه ... وغَيْرِي من خَطْبه يجْزَعُ
فليس فؤاديَ بالملتظي ... ولا مُقْلتي حسْرةً تدْمعُ
ولي أَمَلٌ ليته لم يكن ... فكم ذا يَغُرّ وكم يخْدَعُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الحادي عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة البلَنسية
وهو
كتاب حنين السانية، في حلى أعمال دانيَة
هي محسوبة من المملكة البلنسية، وانقطعت عنها في مدة ملوك الطوائف، وينقسم كتابها إلى:
كتاب القطوف الدانية، في حلى مدينة دَانِيَة
كتاب تغريد السكران، في حلى حصن بُكَيران
كتاب أنس العُمْران، في حلى حصن بَيْران
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب أعمال دانية
وهوكتاب القطوف الدانية، في حلى مدينة دانية
المنصة
كاد هذا العمل يكون مملكة منقطعة عن بَلنسية، لعظم ما احتوى عليه، وشهرة حاضرته مدينة دانية وما تأثَّل مِن ملك مَنْ يُذْكَر.التاج
اقتطعها في مدة ملوك الطوائف:الموفق مجاهد بن عبد الله ملك الجُزُر
وصَيَّرها حَضْرَةً لملكه، وكان جليل القدر، له غزوات في النصارى في البحر مشهورة، ومن أعظم ما فتحه جزيرة سَرْدانيَة الكبيرة. وكان محبّاً في العلماء محسناً لهم كثير التولع بالمقرئين للكتاب العزيز، حتى عُرف بذلك بلده، وقُصد من كل مكان، وشُكر في الأقطار بكل لسان. وقد أثنى عليه ابن حيان في كتاب المتين بهذا الشأن، وقد وفد عليه أفراد الشعراء كإدريس ابن اليَمان وجلَّة العلماء كابن سيده. وولي بعده ابنه:
إقبال الدولة عليّ بن مجاهد
وحذا حذو أبيه في الإقبال على العلماء إلا أنه كان ذلك تطبُّعاً لا طبعاً وكانت همته في التجارة وجمع الموال إلى أن أخذها منه المقتدر بن هود.
قال الحِجاريّ: وكانت مدته ومدة أبيه في ملك دانية ستين سنة. ثم توالت عليها ولاة الملثمين وولاة ابن مرذنيش وولاة بني عبد المؤمن، ثم كانت لزيان بن مرذنيش صاحب بلنسية، ومنه أخذها النصارى، أعادها الله.
السلك
الكتاب
عبدالله ابن عبد البر النمري
الكاتب أبو محمد عبد الله بن العالم أبي عمر بن عبد البر النَّمَريّمن الذخيرة: كان أبو محمد قد حلَّ من كُتّاب الإقليم، محل الغَفْر من النجوم، وتصرّف في التأخير والتقديم، تصرُّف الشَّفْرة في الأديم، وتصرَّف ثم ذكر مكان تصانيفه، ونبه على ما جرى على أبي محمد عند المعتضد بن عباد حين وَشَى به ابن زيدون، وزعم أنه يطعن في الدولة، فكاد أن يهلك على يديه، حتى وصل أبوه، وخلصه منه.
الغرض من نثره: قوله من رسالة عن ابن مجاهد وقد زَفَّ ابنته إلى المعتصم ابن صُمادح: وقد توغّلت معك في أسباب الأُلفة، وهتكت بيني وبينك أسباب المراقبة والكُلْفة، فأنا أستريح إليك بخفيات سرّى، وأجلو عليك بُنيّات صدري، خروجاً إليك عما عندي، وجَرْياً معك على ما يقتضيه إخلاص ودي، وجلاءً لشواغل بالي، واستظهاراً بك على حالي، وشفاءً لمضَض نفسي، واستدعاءً لما نَفَر وشرَد من أُنْسي، كما ينفث المصدور، ويتلقى بَرْدَ النسيم المحرور، وكما تفيض النفس عند امتلائها، وتجود العين طلباً للراحة بمائها. وكنت أشرت في كتابي بتوجه مَنْ بتوجه مَنْ توجه من قِبَلي، ممن كان رَوْح أُنسي، وريحان جَذَلي ونفسي، إلى أن قَرَعَ ما قرع من لوعة الفراق ولَذَعَ ما لذع من لوعة الاشتياق، وأنا أظن ذلك عاقبة الصبر تَغْلبه، والجلَد يَعْقُبُه، وأن انصرام الأيام ينسيه ويذهبه، فإذا هو قد أفرط وزاد، وغلب أو كاد.
ومن القلائد: بحر البيان الزاخر، وفخر الأوائل، والأواخر. ومن شعره قوله في رجل مات مجذوماً:
ماتَ من كنا نراهُ أبداً ... سالمَ العَقْل سقيمَ الجَسَدِ
بَحْرُ سُقْمٍ ماجَ في أعضائه ... فرمى في جلده بالزَّبَدِ
كان مثل السيف إلا أنه ... حُسِدَ الدهر عليه فصَدِي
وقوله:
لا تُكثرنَّ تأمُّلاً ... واحْبِسْ عليك عِنان طَرْفِك
فلربّما أرْسَلْتَهُ ... فرماك في مَيْدان حَتْفِك
الكاتب أبو جعفر أحمد بن أحمد الداني
من الذخيرة: قدَّمَتْه قُدْمَتُه إذ كان أسْناهم موضعاً، وأرفعهم عند ملوك الطوائف مطاراً وأحسن موقعاً، وله إحسان كثير، بين منظوم ومنثور. وكان أبوه شُرطيّاً بدانية، فتميَّز هو بالأدب وقال في أخيه، وكان يكثر من هجائه:جارَ ذا الدهرُ علينا ... وكذا الدهرُ يجورُ
كان شُرطيّاً أبونا ... وأخي اليومَ وزيرُ
أنا مأبونٌ صغيرٌ ... وهو مأبون كبيرُ
وقوله:
وعصا أبينا إنها ألِيَّةٌ ... شوهاء إنك شَوْهَةُ الوزراء
وله نَثْرٌ في القصور العَبَّادية بإشبيلية، وقد تقدم ذلك هنالك. وذكره الحِجاري وأنشد له قوله:
ألا يا سائلاً عن شرْح حالي ... عَنَاهُ من أموريَ ما عناني
حَوَيْتُ من الفضائل ما علمتُمْ ... وحُرْتُ الخَضْل في يوم الرِّهان
وما إن نِلت غي الأيام إلا ... سبابَ أحي وحَسْبي من أماني
الكاتب أبو عبد الله محمد بن مسلم الداني
من الذخيرة: آية الزمن، ونهاية الفطنة واللسَن، نفثَ بالسحر، واغترف من البحر، ونظم الداراي بدلاً من الدُّر. ومما أورده من نثره قوله: من رسالة خاطب بها صاحب مَيُورقة.إن أغْبَبْتُ على بعد الديار مكاتبتك، وأقْلَلْت
مع شحط المزار مخاطبتك، فإني أكاتبك بلسان وداد، وأناجيك بخلوص الفؤاد،
وإنما يتخاطب أهل بُعْد المكان، ويتكاتب ذوو النأْي عن العِيان، وأنت في
الضمير ماثل، فما تزيد الرسائل، وبين الجفون جائل، فما تفيد الوسائل، لكن
العين لا تبرأ من الأرق، حتى تُطبق جفنيها على الحَدَق، والنفس لا تهدأ من
القلق، حتى تجمع شَطْرَيْها إلى أُفق، فلهذا يجب على الصديق تأكيد العهد
ولو بإهداء السلام، إذا لم يستطل على الإلمام، وتجديد الود ولو بالكتاب،
فإنه قد يغني عن الخطاب، لكن قد يأتي من عوائق الزمان، وعوارض الحدَثان، ما
يحول بين المرء وقلبه، حتى يسهو في الصلاة وهو بين يدي ربه.
ومن المسهب: كاتب بليغ الكتابة، كثير الإصابة. وأنشد له:
أما ترى الصبح أقبَلْ ... فالكأسُ لِمْ لا تُعَجَّلْ
هات المدامَ دِراكاً ... فإنني لسْتُ أُمْهَلْ
ما العيش إلا مُدَامٌ ... ومَنظَرٌ ومُقَبَّلْ
وهاكها طوعَ ملكي ... فكلَّ ما شئت أفْعَلْ
الكاتب أبو الربيع سليمان بن أحمد الداني
صحبه والدي وكتب معه لعبد الواحد بن منصور بني عبد المؤمن، واجتمعت به أنا في حضرة مراكش، فتركته بها، ومدح يحيى بن الناصر بقصيدة نال فيها من عمه إدريس، فقال فيها:ومُلْكُ يحيى حياةٌ لا نفادَ لها ... وملك إدريس واهي الركن مندرِسُ
وذكر الخُشَني في كتاب فصل الربيع: أنه حضر ليلة مع الأديب أبي شهاب المالَقي فقُدِّم أمامهما عنقودان من عنب أبيض وأسود، فأخذ أبو الربيع الأبيض، وقال:
أتَانَا بابْن كَرْمٍ كان أشْهَى ... لدى نفس الظريف من الحُمَيَّا
بعنقودٍ كأن الحبَّ منه ... لآلٍ كنَّ للحَسْناء زِيَّا
فقال جمالُه صِفْهُ وأوجزْ ... فقلت البَدْرُ قد حمل الثُّرَيّا
الكاتب أبو عامر أحمد بن غَرْسِية
من المسهب: من عجائب دهره، وغرائب عصره، إن كان نصَابه في العجمية، فقد شهدت له رسالته المشهورة بالتمكّن من أعِنَّة العربية، وهو من أبناء نصارى البُشْكُنْس، سُبِيَ صغيراً، وأدَّبه مجاهد مولاه الجُزر ودانية، وكان بينه وبين أبي جعفر بن الجزار الشاعر صحبة أوجبت أن استدعاه من خدمة المعتصم بن صُمادح ملك المريَّة، ناقداً عليه ملازمة مدحه، وتركه ملكَ بلاده. ومن شعره قوله من قصدية في إقبال الدولة لما ولاه أبوه عهده:
الآن أُطْلِعَ في ليل الرجاءِ سَنَا ... زقابل الصبح والإظلامُ قد ظَعَنا
عهدٌ حَبَاكَ به من ليس يشبههُ ... مَلْكٌ فأخْلصْ عليه السِّرَّ والعَلَنَا
ولتَلْقَه بانتهاضِ لا كِفاءَ له ... ما إنْ يُبَعِّد لا مِصْراً ولا عَدَنَا
وقوله:
إنَّ أصْلى كما علمت ولك ... نَّ لساني أعزُّ من سَحْبَانِ
وأنا من خير الملوك بصدْرٍ ... عهل ترى بالقناة صَدْرَ السِّنَانِ
العلماء
الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر النَّمَريمن المسهب: إمام الأندلس في علم الشريعة ورواية الحديث، لا أستثني من أحد، وحافظها الذي حاز خَصل السبق واستولى على غاية الأمد، وانظر إلى آثاره، تُغْنك عن أخباره، وشاهده ما أورده في تمهيده واستذكاره، وعلمه بالأنساب، يُفْصح عنه ما أورده في الاستيعاب، مع أنه في الأدب فارس، وكفاك دليلاً على ذلك كتاب بهجة المجالس، وبالأفق الداني ظهر علْمه، وعند ملوكه خَفَق عَلَمه. ومن شعره قوله:
إذا فاخَرْتَ فافْخَرْ بالعلومِ ... ودَع ما كان من عَظْمٍ رَميمِ
فكم أمسيتُ مُطَّرَحاً بجهْلٍ ... وعلمي حلَّ بي بين النجومِ
وكائنٍ من وزيرٍ سار نحوي ... فلازَمني ملازمة الغريم
وكم أقبلتُ مُتَّئِداً مُهَاباً ... فقام إليَّ من مَلِكٍ عظيم
وركبٍ سار في شَرقٍ وغَرْبٍ ... بذكرى مثل عَرْفٍ في نسيم
وقوله وقد قصد المعتضد بن عباد من دانية إلى إشبيلية:
قصدتُ إليك من شَرْق لغَرْب ... لتُبْصرَ مقلتي ما حلّ سمْعِي
وتَعْطِفُك المكارمُ نحو أصْلٍ ... دعاكم راغباً في خيْرِ فَرْعِ
فإن جُدْتُمْ به من بعد عَفْوٍ ... فليس الفضل عندكمُ ببِدْعِ
فوعْدَك كي يُسَكِّنُ خَفْقَ قَلْبي ... ويَرْقَأ منْ جفوني سكْبُ دَمْعي
الشعراء
ابن هَنْدو الدانيمن شعراء ملوك الطوائف المذكورين في كتاب الذخيرة. من شعره قوله وقد عرض ابن هود جنده، وفيهم بعض الأعلاج في نهاية الجمال ينفخ في قَرْن.
أعَنْ بابلٍ أجفانُ عينيْكَ تَنْفُث ... وهم قوم موسى قد جعلتَ تحدِّثُ
أفي الحق أن تحكي سَرَافيل نافخاً ... وأمكث في رَمْسِ الصُّدُود وألْبَثُ
أبو بكر محمد بن عيسى
المشهور بابن اللَّبَّانةمن الذخيرة: كان أبو بكر شاعراً يتصرف، وقادراً لا يتكلف، مرصوص المباني، منمّق الألفاظ والمعاني، وكان من امتداد الباع، والانفراد والانطباع كالسيف الصقيل الفَرَد، توحَّد بالإبداع وانفرَد. وذكر أن أمه كانت تبيع اللَّبَن، وأخبر بوفائه مع المعتمد بن عبَّاد وتفجعه لدولته حين خُلع عن ملكه، ومما أنشده من شعره قوله:
بدا على خدِّه عِذَارٌ ... في مثله يُعْذَرُ الكئيبُ
وليس ذاك العِذَارُ شَعراً ... لكنما سِرُّهُ غريبُ
لما أراق الدماءَ ظُلْماً ... بدت على خَدِّه الذنوبُ
وقوله:
يا شادناً حَلَّ في السَّوادِ ... من لحظ عيني ومن فؤادي
وكعبةً للجمال طافَتْ ... من حولها أنفسُ العبادِ
ما زدتني في الوصال حَظّاً ... إلا غدا الشَّوقُ في ازديادِ
أعْشَى سَنا ناظرَيْك طَرْفي ... فليس يلتذُّ بالرُّقادِ
وقوله:
بدا على خدِّه خالٌ يُزَيِّنُهُ ... فوادني شَغَفاً فيه إلى شَغَفِ
كأنَّ حَبَّةَ قلبي حين رُؤْيته ... طارتْ فقال لها في الخَدِّ منه قِفي
وقوله:
يَروقك في أهل الجمال ابنُ سيِّدٍ ... كترجمةٍ راقَتْ وليس لها مَعْنى
حكى شَجَر الدفلاءِ حُسْناً ومنظراً ... فما أحسن المَجْلَى وما أقبح المَجْنَى
وقوله في المتوكل بن الأفطس:
مضيتَ حُسَاماً لا يُفَلُّ غَرْبُ ... وأُبْتَ غَماماً لا يُحَدُّ له سَكْبُ
وأضحَيْتَ من حاليك تقسِمُ في الوَرَى ... هِباتِ وهَبَّاتٍ في الأمْنُ والرُّعْبُ
وقد كان قُطْرُ الجوفِ كالجوف يشتكي ... سَقاماً فلما زُرْتَه زاره الطِّبُّ
فلا مُقْلَةً إلا وأنت لها سَنىً ... ولا كَبدٌ إلا وأنت لها خِلْبُ
ومنها:
ومالوا إلى التسليم فوق جيادهم ... كما مالت الأغصانُ من تحتها كُثْبُ
فَقَفَّوْك ما قَفَّوا وهم للعُلا رحىً ... وداروا كما دارتْ وأنت لهم قُطْبُ
وقوله من قصيدة في المعتضد بن عباد:
كِلْني إلى أحد الأبناء يُنْعِشُني ... إن لم يكنْ منك بَحْرٌ فليكنْ نَهَرُ
قد طال بي أقْطَعُ البيداء متَّصِلاً ... وليس يُسْفِرُ عن وَجْه المُنَى سَفَرُ
جُدْ بالقليل وما تدري تجودُ به ... يا ماجداً يَهَبُ الدنيا ويعتذرُ
وقوله:
يا من عليه من المكارم والعُلا ... بُرْدٌ بتطريز المحامد مُعْلَمُ
وقوله:
أُحَدِّثُ عن يوم الوَغَى مِلْءَ منطقي ... وأُسْأَل عن يوم المَّوَال فأسكُتُ
وقوله:
أنا مثلُ مرآةٍ صقيلٍ وجْهُها ... ألقي الوجوهَ بكُلِّ ما تلقاني
كالماءِ ليس يُريك من لونٍ سوى ... ما تحته من سائر الألوان
ومنها:
مَلِكٌ إذا عَقَدَ المغافرَ للوَغَى ... حَلَّ الملوكُ معاقدَ التِّيجانِ
وإذا غَدَتْ راياتُه منشورةً ... فالخافقان لهنَّ في خَفَقانِ
ومن سمط الجمان: سَمَوْألُ الشعراء، وريحانة الأمراء، الذي ارتضع أخْلاف الدول حافلة الشُّطور، وأطلع السِّحْرَ الحلال في أثناء السطور. وأنشد له قصيدة منها:
والروضُ إن بعدتْ عليك قُطوفُهُ ... وفَدَتْكَ عنه الريحُ وهْيَ بَليلُ
حَسْبُ النسيم من اللطافة أنَّه ... صحَّتْ به الأجسامُ وهْوَ عليلُ
ومن أخرى قوله:
هلاّ ثناكِ عليَّ قَلْبٌ مُشْفِقُ ... فترَيْ فَرَاشاً في فِراشِ يُحْرَقُ
أنت المنيَّةُ والمُنَى فيك استوى ... ظلُّ الغمامة والهجيرُ المُحْرقُ
ويقال إنَّكِ أيْكَةٌ حَتَّى إذا ... غَنَّيتِ قيل هيَ الحمام الأوْرَقُ
يا قَدَّ ذابلةِ الوَشيج ولونَها ... لكنْ سنانُك أكحلٌ لا أزْرَقُ
يا من رشَقْتُ إلى السلوّ فردّني ... سبقت جفونك كلّ سهم يَرْشُقُ
جَسدي من الأعداء فيك لأنه ... لا يَسْتبِين لطَرفِ طيفٍ يرمُق
لم يَدر طَيْفُك موضعي من مضجَعِي ... فعذَرته في أنَّه لا يَطرُق
خَفِيتُ لديه مَنابعي ومنابتي ... فالدَّمْعُ يَنْشَعُ والصبابةُ تُورقُ
وكأنَّ أعلام الأمير مبسِّرٌ ... نُشِرَت على قلبي فأصبحَ يَخْفُقُ
ومن
القلائد: المديدُ الباع، الفريد الانطباع، الذي ملك للمحاسن مَقاداً،
وغَدا له البديع منقاداً. ونبَّه على مكانه من ابن عباد ووفائه له، وأنشد
له قوله:
حُنِيَتْ جوانحُه على جَمْرِ الغَضَى ... لما رأى برقاً أضاءَ بذي الأضا
واشتمَّ من ريح الصَّبا رَوْحَ الصِّبا ... فقَضَى حقوق الشوق فيه بأن قَضى
والتفَّ في حَبِرَاته فحسبتُها ... من فوقِ عِطفيه رداءً فَضْفضا
قالوا الخيالُ حياتُه لوزارةٍ ... قلتُ الحقيقةُ قلتمُ لو غَمَّضا
يَهْوَى العَقِيقَ وساكنيه وإن يكن ... خَبَرُ العقيق وساكنيه قد انقَضى
ويودّ عَوْدته إلى ما اعتادَهُ ... ولقلَّما عاد الشبابُ وقد مضى
ألِفَ السُّرَى فكأنَّ نَجْماً ثاقباً ... صَدع الدُّجى منهُ وبرْقاً مُومِضا
طلبَ الغِنَى من ليله ونهاره ... فلهُ على القمرين مالٌ يُقْتَضى
ومنها:
والليلُ قد سَدَّى وألحَمَ ثوبَهُ ... والفجرُ يرسلُ فيه خيطاً أبيضا
وطال من ناصر الدولة صاحب مَيورقة السَّراح وقد خاف في ذَراه، فكتب إليه:
عَسَى رَأفَةٌ في سَراحٍ كريمٍ ... أبلُّ ببَرْد نداهُ الغليلا
وعَلّي أُراح من الطالبين ... فأسكن للأمْنِ ظلاًّ ظليلا
ومن بَلَّهُ الغيثُ في بَطْن وادِ ... وبات فلا يَأمَنَنَّ السيولا
لقد أوقدوا ليَ نيرانهمْ ... فصيَّرني اللهُ فيها الخليلا
أفرُّ بنفسي وإن أصبحتْ ... مَيُورْقَةُ مصْراً وجَدْوَاكَ نيلا
ومن مشهورة شعره قوله:
عَرِّجْ بمُنْعرَجات واديهم عسَى ... تلقاهم نزلوا الكثيب الأوعَسَا
اطْلُبْهُمُ حيث الرياضُ تفتَّحَت ... والريحُ فاحتْ والصباحُ تنفَّسا
مَثِّلْ وجوهَهمُ بدوراً طُلَّعاً ... وتَخيَّل الخِيلانَ شُهْباً كُنَّسا
وإذا أردن تنعُّماً بِقُدودهمْ ... فاهصِرْ بنَعْمانَ الغصونَ المُيَّسا
بأبي غزالٌ منهمُ لن يتَّخِذْ ... إلا القَنا من بعد قلبِيَ مَكْنِسَا
لبِسَ الحديدَ على لُجَين أديمِهِ ... فعجبتُ من صبْحٍ توَشَّحَ حِنْدسا
وأتى يجرُّ ذوابِلاً وذوائباً ... فرأيت روضاً بالصَّلال تَحرَّسا
وقوله:
أبصرتُهُ قصَّر في المِشْيَهْ ... لما بَدَتْ في خَدِّه لِحيهْ
قد كتب الشَّعْرُ على خدِّه ... أو " كالذي مرّ على قَرْيَهْ "
الأهداب
موشحة لابن اللبانة
كم ذا يؤرِّقني ذو حَدَقِ مَرْضَى ... صحاحِ لا بُلينَ بالأرَقِقد باحَ دمعي بما أكتُمهُ
وحَنَّ قلبي لمن يظلمُهُ
رَشاً تمرّنَ في لا فَمُه
كم بالمُنَى أبَداً ألثَمُه
يَفْتَرُّ عن لؤلؤٍ في نَسَقِِ من ... الأقاحِ بنسيمه العَبِقِ
هل من سبيل لرَشْف القُبَلِ
هيهات في نيل ذاك الأمَلِ
كم دونه من سيوف المُقَلِ
سُلَّتَ بلحظِ وَقَاحٍ خَجِلِ
أبدى لنا حُمْرَةً في يَقَقِ خَدُّ ... الصباحِ فيه حُمْرَة الشَّفَقِ
مَن لي بمَدْح بني عَبَّاد
ومن محمَّدهمْ إحْمادي
تلك الهباتُ بلا ميعادِ
عَذَرْت من أجلها حُسَّادي
حكتْني الوُرْقُ بين الوَرَق راشوا ... جَناحي ثم طوَّقوا عنقي
لله مَلْكٌ عليه اعتمدا
من يَعْرُبٍ وهْوَ أسْناهم يَدا
وهم إذا عَنَّ وَفْدٌ وفَدَا
سالوا بحاراً وصالوا أُسْدا
إن حاربوا أو دُعُوا في نَسَقِ راحوا ... براحِ للنَّدى وللعَلَقِ
طاب الزمانُ لنا واعتدلا
في دولةٍ أورثتْنا جَذَلا
رَدَّت علينا الصِّبا والغَزلا
فقلتُ حين حبيبي رَحَلاَ
أهْدِ السلامَ لصبٍّ قَلِقِ مع ... الرياحِ والأنامَ لا تَثِقِ
وله الموشحة التي منها:
كذا يَقْتَادْ سَنَا الكوكب الوَقادْ ... إلى الجُلاّسْ مشعشعةُ الأكواسْ
أقِمْ عُذْري ... فقد آن أنْ أعْكُفْ
على خَمْرٍ ... يطوف بها أوْطفْ
كما تَدْري ... هضيمُ الحَشَا أهْيَفْ
إذا ما مادْ في مخضرَّة الأبْرادْ ... رأيت الآس في أوراقه قد ماسْ
ومناه في مدح الرشيد بن المعتمد بن عباد:
سَطَا وجادْ رشيد بني عَبَّادْ ... فأنْسَى الناسْ رشيد بني العباسْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب المملكة الدانية
وهوكتاب تغريد السَّكْران، في حُلى حصن بُكَيْران
من حصون دانية منه:
المشرَّف أبو بكر
محمد بن أحمد بن رُحَيم
من القلائد: رجل الشرف سؤدداً وعلاء، واشتمالاً على الفضائل واستيلاء استقل بالنقض والإبرام، وأوضح رسم المجاملة والإكرام. وذكر أنه غُنِّي له بهذين:
خليلي سيراً وارْبعَا في المناهلِ ... ورُدا تحيَّاتِ الخليطِ المُزَايلِ
فإن سأل الأحبابُ هَنِّي تشوُّقاً ... فقولا تركناهُ رَهين البلابل
فزاد عليهما قوله:
وإن يتناسوني لعذرٍ فذَكِّرَا ... بأمري ولا يَشعُرْ بذاك عواذلي
لهل الصَّبَا تأْبى فتُحيي بنفحةٍ ... فؤاديَ مِنْ تلقاءِ مَن هُوَ قاتلي
فيا ليت أعناقَ الرياح تُقِلُّنِي ... وتُنْزِلني ما بين تلك المنازلِ
وغُنِّي له بهذه الأبيات:
بَدَا فكأنما قَمَرٌ ... على أزْرَاره طَلَعَا
يفُتّ المِسْكَ عن يَقَق ال ... جبين بنانُه ولَعَا
وقد خَلَعَتْ عليه الرَّا ... حُ من أثوابها خِلَعَا
فزاد عليها قوله:
فأَهْدَى من محاسنه ... إلى أبصارنا بِدَعَا
فلما فَتَّ أكبدُنا ... وجازَ قلوبنا رجَعا
ففاضَتْ أعيُنٌ أَسَفاً ... وفاظت أَنْفُسٌ جزَعَا
وله في مطلع قصيدة في تميم ابن أمير الملثمين:
على المُرْهَفَات البيضِ والسِّمُرِ المُلْدِ ... تدور رَحَى المَلْك المتوَّج بالمَجْدِ
ومنها:
بلُقيا تَميمٍ تمَّ لي كلَّ مطلب ... ونلت المُنى تفتَرّ سافرة الخَدِّ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب أعمال دانية
وهوكتاب أنْس العُمْران، في حلى حصن بَيْرَان
من المسهب: من أعمال دانية، منه:
أبو القاسم بن خَيْرون
سكن دانية، وكان في شعراء إقبال الدولة، ولما دخل المقتدر بن هود دانية أنشده:
ألا فاطْلُعْ بها بَدْراً مُنِيراً ... وكُنْ لله مانحِها شَكورا
فيا مَلِكَ الملوك نداء عَبْدٍ ... تكاد تَشِبُّ زفرته سَعيرا
أيَجْمُلُ أن أراك أمامَ لَحْظي ... وأبْقَى خاملاً كَلاًّ فَقيِرا
مملكة طرطوشة
كتاب الفصوص المنقوشة، في حلى مملكة طُرْطُوشَةبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب شرق الأندلس
وهوكتاب الفصوص المنقوشة، في حلى مملكة طُرْطُوشَة
مملكة في شرقيّ بلنسية، وقد حصلت بأسرها للنصارى، من مدينتها:
الوزير الكاتب
أبو الربيع سليمان بن أحمد القضاعي
من الذخيرة: من قدماء الأدباء بذلك الثَّغْر، ومن كتّاب العصر المتصرفين في النظم والنثر، وكلامه يجمع بين الحلاوة والجزالة. ومن شعره: قوله يخاطب أحد وزراء قُرطبة، وقد قال له في تلك الفتنة لو كنت عندنا في قرطبة حصلت بها على الوزير.هَبْكَ كما تدَّعي وزيراً ... وزيرُ من أنت يا وزيرُ
والله ما للأمير مَعْنىً ... فكيف من وزَّر الأميرُ
وأنشد له الحِجاريّ:
ما السحر إلا من جفونك يُتَّقى ... يا غصنَ بان قد تَثَنّى في نَقا
كم رُمْتُ أن أرْقَى إليك وأنت في ... أُفق الجمال هلالُ تِمٍّ أشرقا
الفقيه أبو بكر
محمد بن الوليد الفهريّ الطرطوشيّصحب أبا الوليد الباجيّ بسَرقُسطة، وسكن الشام ومصر، وكان إماماً عالماً زاهداً، كثيراً ما يُنشد:
إن لله عباداً فُطُنا ... طَلَّقُوا الدنيا وخافوا الفِتَنا
فكّروا فيها، فلما علموا ... أنها ليست لحيٍّ وطنا
جعلوها لُجّةً واتخذوا ... صالحَ الأعمال فيها سُفُنا
وتوفِّي بالإسكندرية سنة عشرين وخمسمائة، والأبيات منسوبة له.
مملكة السهلة
كتاب النَّهْلَة، في حلى مملكة السَّهْلةبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب شرق الأندلس
وهوكتاب النَّهْلة، في حُلى مملكة السَّهْلَة
هي بين مملكة بَلَنْسِية وجهات ثغر سَرقُسطة، وحَضْرَتها شَنْتمرية.
التاج
ملكها في مدة ملوك الطوائف:هُذَيل بن خلف بن رزين البَرْبريّ
ذكر ابن حيان: أنه كان من أكابر برابر الثغر، واقتطع هذه المملكة في مدة ملوك الطوائف.
قال الحِجاريّ: ولما مات هذيل وليها ابنه عَبود بن هذيل، فاقتفى طريق والده إلى أن مات، فولي بعده ابنه:
ذو الرياستين
أبو مروان عبد الملك بن رزين
من القلائد: ورِثَ الرياسة عن ملوك عَضَدوا مُؤازِرَهم، وشدوا دون المحارم مآزِرَهم، لم يتوشحوا إلا بالحمائل، ولا جَنَحوا للبأس إلاّ في أعِنَّة الصّبا والشمائل. وكان ذو الرياستين منتهى فخارهم، وقُطْب مدارهم. ثم قال: وربما عاد إنعامه بُوساً، وذلك في مجلس شرابه، ومع هذا فإنه كان غَيْثاً في الندى، ولَيْثاً في العِدا، وكتب إلى الوزير ابن عمّار:ضمانٌ على الأيام أن أبلُغَ المُنى ... إذا كنت غي ودّي مُسِرّاً ومُعلِنا
فلو تسأل الأيامُ من هو مُفْرَدٌ ... بودِّ ابن عمّارٍ لقلت لها أنا
فإن حالت الأيام بيني وبينهُ ... فكيف يطيب العيش أو تحسُنُ المُنى
ومن شعره قوله:
وروضٍ كساه الطَّلُّ وَشْياً مُجَدَّداً ... فأضحى مقيماً للنفوس ومُقعِدا
إذا صافحتْه خلْت غُصُونَه ... رواقِصَ في خُضرٍ من القُضْب مُيَّدا
إذا ما انسكابُ الماء عاينت خِلْتَهُ ... وقد مسَرتْه راحةُ الرَّاح مِبْرَدا
وإن سكنَتْ عنه حَسِبْت صفاءهُ ... حُساماً صقيلاً صافيَ المَتْن جُرِّدا
وغنَّت به وُرْقُ الحمائم حولنا ... غناءً ينسِّيك الغَريضَ ومعبدا
فلا تجفوَنَّ الدهر ما دام مُسْعِداً ... ومُدَّ إلى ما حَباك به يدا
وخُذها مُدَاماً من غزالٍ كأنه ... إذا ما سقى بَدْرٌ تحمَّل فَرْقَدا
وقوله:
دعِ الجفْنَ يُفْنِي الدمع ليلة وَدَّعوا ... إذا انقلبوا بالقلب لا كان مَدْمَعُ
سَرَوا كاغتداء الطير لا الصبرُ بعدهم ... جميلٌ ولا طولُ الندامة يَنْفعُ
أضيقُ بحمْل الفادحات من النَّوَى ... وصدري من الأرض البسيطة أوْسَعُ
وإن كنتُ خَلاَّع العِذار فإنني ... لبستُ من العلياءِ ما ليس يُخْلَعُ
إذا سلَّت الألحاظُ سيْفاً خشيتُه ... وفي الحرب لا أخشى ولا أتوقَّعُ
وقوله:
أتُرى الزمانُ يسرُّنا بتلاقي ... ويضمُّ مشتاقاً إلى مُشتاقِ
وتَعَضُّ تفَّاحَ الخدود شفاهُنَا ... ونرى سَنا الأحْداق بالأحْداقِ
وتعودُ أنفسنا إلى أجسامها ... من بعدما شَرَدَتْ على الآفاقِ
وقوله في شمعة:
ربَّ صفراءَ تردّتْ ... بِرداء العاشقينا
مثلَ فعل النار فيها ... تفعل الآجالُ فينا
الوزير الكاتب أبو بكر بن سرّراي
وزير ذي الرياستين وكاتبه
أنشد له الحِجاريّ:ما ضَرَّكُمْ لو بَعَثْتُمْ ... ولو بأدْنى تحيَّهْ
تهزُّني من شَذَاها ... إليكمُ الأرْيحيَّهْ
خذوا سلامي إليكم ... مع الرياح النَّدِيَّهْ
في كل غُرَّة يَوْم ... تَتْرَى وكلّ عَشِيَّهْ
جهات الثغر
كتاب ابتسام الثَّغْر، في حُلَى جهات الثَّغْربسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس
من الكتب التي يحتوي عليها كتاب:شرق الأندلس
وهوكتاب ابتسام الثَّغْر، في حلى جهات الثَّغْر
ينقسم الكتاب إلى: كتاب البسْطة، في حلى مدينة سَرقُسْطة كتاب النُّكته، في حلى قرية أُشْكرتَه كتاب زهرة الخميله، في حلى مدينة تُطيله كتاب المَعُونه، في حلى طَرَسُونه كتاب الغصون المائِده، في حلى مدينة لارِدَه كتاب الرَّشْقه، في حلى مدينة وَشْقَه كتاب هجعة الحالم، في حلى مدينة سالم بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب الثغر
وهوكتاب البَسْطة، في حلى مدينة سَرقُسْطة
المنصَّة
قد نص الرازيّ على طيب أرضها وحسن بُقْعتها. ومن المسهب: أما سرقسطة فإني أنشد بعد خروجي عنها ما قاله ابن حمديس:
فإن كنتُ أُخرجتُ من جَنّةِ ... فإني أُحَدِّثُ أخبارها
ناهيك من مدينة بيضاء، أحدقَتْ بها من بساتينها زمردةٌ خضراء، والتفَّت عليها أنهارها الأربعة، فأضحت بها رياضها مرصَّعة مجزَّعة. ولا نعلم في الأندلس يحدق بها أربعة أنهار سواها، وكأن كل جهة تغايرتْ على إتحافها، فأهدت إليها نَهْراً يَلْثَمُ من أعطافها. وأشهرها نهر جِلَّق، وشرب موسى بن نُصير فاتح الأندلس من ماء نهر جلَّق، فاستعذبه، وحكم أنه لم يشرب بالأندلس ماء أعذب منه، وشبَّه ما عليه من البساتين بغُوطة دمشق. وقيل إن سرقسطة من بنيان الإسكندر، وفيها يقول الأمير عبد الله بن هود الذي أخرجه بنو عمه منها:
إن بِنْتُ عن سَرَقُسْطَةٍ ... فبِرَغم أنفي لا اختياري
ما جال طَرْفي في السما ... ء وقد نأتْ عنها دياري
إلا وخلتُ قصورَها ... برياضها هذي الدَّراري
ومن متفرَّجاتها الجِلَّقين ووادي الزيتون. ومن مصانع ابن هود قصر السرور، ومجلس الذهب، فيهما يقول المقتدر بن هود:
قَصْرَ السرور ومجلسَ الذَّهَبِ ... بكما بلغْتُ نهاية الطَّرَبِ
لو لم يَحُزْ مُلْكي خلافكما ... كانت لديّ كفايةُ الأرَبِ
التاج
كان فيها فِتَنٌ عظيمة في مدة بني مروان، وثار بها في مدة ملوك الطوائف:المنصور منذر بن يحيى التُّجيبي
وكان جليل القدر ممدّحاً، وفيه يقول ابن دَرَّاج شاعر الأندلس:
ربّ ظَبْيٍ فَتَكتْ ألحاظُهُ ... كعوالي مُنْذِرٍ يوم النِّزَال
ولما توفي وليَ بعده:
المظفر يحيى بن منذر
وكان له ابن عم متهوِّر، كثير الحسد له، ازدراه، ولم يلتفت إليه:وإنك لم يَفْخَرْ عليك كفاخرٍ ... ضعيفٍ ولم يَغْلبك مثلُ مُغَلَّبِ
فدخل عليه في قصره على غفلة. وفتك بالمظفر، وكان:
المستعين
سليمان بن أحمد بن هود الجُذَاميّوالياً له على لاَردَة، فلما سمع بهذا الخبر انقضَّ على سَرقُسطة، انقضاض العُقاب منتهزاً، الفرصة، فهرب عنها القاتل وملكها المستعين فورث الثغر عَقِبه، وولي بعده ابنه.
المقتدر أحمد بن سليمان
من المسهب: عميد بني هود وعظيمهم. ورئسيهم وكريمهم، ذو الغزوات المشهورة، والوقائع المذكورة. من رجل كان يعاقب بين حثّ الكؤوس، وقطف الرؤوس، وقد ملك مملكة دانية، وأخرج منها إقبال الدولة بن مجاهد العامريّ، ونسب له الحِجاريّ:لستُ لدَى خالقي وَجيهاً ... هذا مَدَى دهريَ اعتقادي
لو كنتُ وَجْهاَ لَمَا بَرَاني ... في عالم الكَوْن والفسادِ
وولي بعده ابنه:
المؤتَمَن يوسف بن المقتدر
فكان خير خلَف عن أبيه، حامياً لملكه مجاهداً لعدوه، مَأْلَفاً للأُدباء والعلماء والشعراء، وبه استجار ابن عمار من ابن عباد. ولما مات ولي بعده ابنه:
المستعين أحمد بن المؤتَمَن
ويقال له المستعين الأصغر. وانتثر سلك ملك الطوائف على يد أمير المسلمين يوسف بت تاشفين وهو ملكُ جميع الثغر الأعلى، وحضْرته سرقسطة، وداراه أمير الملثّمين لبعده واشتغاله عنه، وتركَه حَجْزاً بينه وبين النصارى، وكان نعم الرأي. وولي بعده ابنه:
عماد الدولة عبد الملك بن المستعين
ولما ولي علي بن يوسف إمارة الملثمين قلّد الأمور أعيان البلاد من الفقهاء، ونشأَت نشأة من الفقهاء والمرابطين امتدت أيديهم وآمالهم، وزينوا لعليٍّ أخذ بلاد الثغر من يد عماد الدولة، فكاتبه في ذلك، فرغب إليه عماد الدولة أن يجري معه على ما كان عليه سلفه مع سلفه، ويتركه حاجزاً بينه وبين النصارى. فأبى ولجَّ، فكان ذلك سبباً إلى أن استعان عماد الدولة بالنصارى وخرج من سرقسطة، فملكها الملثمون، ثم حصَرها النصارى فأخذوها منهم، واعتصم عماد الدولة بمعقل رُوطة، وأخذ النصارى في تملك بلاد الثغر شيئاً في شيء، إلى أن ملكوا جميعه، ومات عماد الدولة بروطة، وولي بعده ابنه:المستنصر بن عماد الدولة
فلم يستطع مقاومة النصارى، فسلم إليهم رُوطة، وآل أمره إلى أن صادف الفتنة القائمة على الملثمين بالأندلس، فنهض فيها، ومال إليه الأندلس لقديم ملكه، فملك قُرْطُبة وغَرْناطة ومُرسية وبَلَنسية وما بين هذه البلاد، ثم آل أمره إلى أن قتله النصارى في معركة.السلك
ذوو البيوت
الأمير أبو محمد عبد الله بن هود
من المسهب: حَسَنة بني هود التي رقَموا بها بُرْداً من الحسَب وأطلعوا ما نَظْمُهُ غُرَرٌ في وجه النَّسب، وكان ابن عمه المقتدر يحسده حسَداً ما عليه م مزيد، ويود أن يكون بدلاً من كلامه في مجلسه وَقْعُ الحديد، فنفاه عن الثغر، وقصد طُلَيطلة حضرة ابن ذي النون، ثم مَلَّ الإقامة هنالك، فجعل يضطرب ما بين ملوك الطوائف، إلى أن استقر قراره عند المتوكل بن الأفْطَس. وأُنشد له ما أنشده صاحب الذخيرة في خطاب بني عَمِّه:ضَلَلْتُمْ جميعاً ألَ هودٍ عن الهُدَى ... وضَيَّعْتُمُ الرأْي الموفّق أجمعا
وشِنْتُمْ يمينَ الملك بي فقطعتُمُ ... بأيديكُمُ منها وبالغدر إصْبَعا
وما أنا إلا الشمس عند غياهبٍ ... دَجَتْ فأَبتْ لي أن أُنِيرَ وأسْطعَا
فلا تقطعوا الأَسباب بيني وبينكم ... فأنْفُكُمُ منكمْ وإن كان أجْدَعا
الكتاب
أبو المطرّف عبد الرحمن بن فاخرالمعروف بابن الدباغ
من
الذخيرة: كان أحد من خُلّي بينه وبين بيانه، وجرى السحر الحلال بين قلمه
ولسانه، وكان استوحش من أمير بلده، ومقيم أوَده، ابنِ هود المقتدر، فخرج
عنه، وفرَّ منه. وخرج من كلامه أنه لم يُفلح في كل مكان توجه إليه، بسوء
خلقه، وكثرة ضجره، فنبت به حضرة المعتمد بن عباد، وحضرة المتوكل ابن
الأفْطس، فرجع إلى سرقسطة، فذُبح فيها في بستان. وترسُّله مملوءٌ من شكوى
الزمان، وترادف الحرمان، كأن الرزايا لم تُخلَق لأحد سواه، كقوله: كتابي
وعندي من الدهر ما يَهُدُّ أيْسَرُه الرَّواسي، ويفُت الحجر القاسي، ومن
أقلِّها قلبُ محاسني مساوي، ومكارمي مخازي، وقصدي بالبِغْضَة من جهة
المِقَة، واعتمادي بالخيانة من جهة الثقة، فقِسْ هذا على ما سواه وعارضْ به
ما عداه، ولا أطوِّل عليك، فقد غُيّر عليّ حتى شرابي، وأوحشني حتى ثيابي.
ومن شعره قوله في غلام رآه يَسقي عصفوراً ويطعمه:
يا حامل الطائر الغِرِّيد يعشَقُه ... يَهْنَى العصافير ُ أن فارت بقُرْباكا
تُمْسِي وتصبحُ مشغوفاً بصحبتهِ ... في غفلةٍ عن دَمٍ نُحْريه عيناكا
إذا رأتك تغنَّت كلها طَرَباً ... حتى كأَن طيور الجوِّ تهواكا
يا ليتني الطير في كفَّيْك مَطْعَمُه ... وشُرْبهُ حين يُسْقَى من ثناياكا
أبو الفضل
حَسْداي بن يوسف بن حسداي الإسرائيليمن الذخيرة: كان أبوه يوسف بن حَسْداي بالأندلس من بيت شرف اليهود، متصرّفاً في دولة ابن رزين، وكان له في الأدب باع، ونشأ ابنه أبو الفضل هَضْبة علاء وجَذْوة ذكاء. وذكر أنه عُنِي بالتعاليم وأسلم وساد. ومن نثره من كتاب خاطب به ابن رزين: كنت أرتاح إذا وَمَض من أفقه ابتسامُ بارق، أو ذرَّ من سَمْته الوضاح سَنا شارِق، فأقتصر من تلقائه على استنشاق نسيم، وأنَّى لي من عَرار نَجْدٍ بشَميم، حتى ورد ما أمتع بوابل بعد طلّ، وسَقَى نَهَلاً ووالى بعْلّ، وبهر بسِحْرَي حرامٍٍ حلّ، قد قَصَر الله عليه الإبداع طوراً في الندى ببراعة خطيب وبلاغة كاتب، وطوراً في الوغى ببديهة طاعن ورويّة ضارب، والرَّبُّ يُديم إمتاع الفضائل ببارع جلاله، ويصون عيون الحوادث عن كماله. ومن شعره قوله:
وأطْرَبَنَا غَيْمٌ يمازج شَمْسَهُ ... فيُسْتَر طوراً بالسَّحاب ويُكشَفُ
تَرَى قُزْحاً في الجو يفتح قوسَهُ ... مُكبّاً على قُطْنٍ من الثلْج يُنْدَفُ
العمال
أبو الربيع سليمان بن مهران
من الذخيرة: من شعراء الثغر، كان في ذلك العصر، وله شعر كثير، وإحسان شهير، وعلى لفظه ديباجةٌ رائقة، ومما بقي منه قوله:خليليَّ ما للرّيح تأْتِي كأنَّما ... يخالطُها عند الهبوب خَلُوقُ
أمِ الريحُ جاءَتْ من بلاد أحبّتي ... فأحسَبها عَرْفَ الحبيب تسوقُ
سقى الله أرضاً حلَّها الأغيَدُ الذي ... له بين أحْناءِ الضلوع حَريقُ
أصار فؤادي فرقتين فعنده ... فريقٌ وعندي للسياق فريقُ
وذكر الحِجاريّ: أنه خدم المظفر بن أبي عامر، وتصرف في الأعمال السلطانية، وأنشد له قوله:
بما بِجَفْنَيكَ من فتورٍ ... وفوق خَدَّيك من حَيَاءِ
إلاّ تَرَفَّقتَ بي قليلاً ... فقد أطال النَّوَى عَنائي
أرجوك لكن رجاءَ بَرْقٍ ... خُلَّبُه قاطعٌ رَجَائي
وكيف أبْغي لديكَ وَصْلاً ... وأنت ما جُدْت باللِّقاءِ
في كل يومٍ ليَ التماحٌ ... منك إلى كوكب السماءِ
الرؤساء والقواد
القائد أبو عمرو بن ياسر
مولى عماد الدولة بن هود
من المسهب. أندى من الطَّلِّ الباكر، وآنقُ من الروض الزاهر، وجَرَتْ عليه نكبة من عماد الدولة، وأطال سَجْنَه، فأكثر مخاطبته بالشعر فسرَّحه وهو القائل يخاطب عماد الدولة في شأن الحكيم ابن باجَّة وقد حصل في سجنه:أعمادَ دولة هاشمٍ قد أسعد ال ... مقدارُ في أسر العدوِّ الكافرِ
لا تنس منْهُ كلَّ ما كابَدْتَهُ ... من سوءِ أقوالٍ وسوء سرائِرِ
لولاهُ ما أضحت قواعدُ ثَغْرنا ... كالطَّلِّ يَسْقُطُ من جناح الطَّائِرِ
؟
القائد شجاع بن عبد الله
مولى عماد الدولة بن هود
من المسهب. تِلْوُ ابن ياسر في الأدب وعلو المكان، إلا أن شجاعاً كان يزيد بالشجاعة والفروسية، فواد تمكنه عند مولاه. ومن شعره قوله:ألا فانظروني كلما احتدم الوَغَى ... وأقبلت الفُرْسانُ من كل جانبِ
هنالك لا أَلْوِي على لوم لائم ... ولستُ بذي فكر لأمر العواقبِ
أبو عبد الله محمد بن زُرارة
من رؤساء سرقسطة، وممن ساد بصحبة الملوك مع البيت القديم. ومن شعره قوله، أنشده الحِجاريّ وابن بسام في الذخيرة:
لي صديقٌ غَلِطْتُ بل لِيَ مَوْلَىً ... منْ لمثلي بأن تكونَ صديقي
نتلقَّى التقاءَ رُوحٍ بروحٍ ... بضروب التقبيل والتَّعْنيقِ
ليس في الأرض من يُمَيِّزُ منَّا ... عاشقاً في اللقاء من مَعْشُوقِ
أبو عامر بن الأصيلي
ّومن شعره قوله في رثاء:
على مَصْرع الفهريّ رُكْني ومَوئِلي ... بكيتُ وأبكى طول دهري وحُقَّ لي
أُؤَبِّنُ من مات النَّدَى يَوْم موتِه ... وقُلِّص ظلُّ عن كل أَرْمَلِ
وما كان صَمْتي منذ حينٍ لسلوةٍ ... ولكنَّ عُظْمَ الرُّزْء أخْرَسَ مِقْولِي
الشعراء
يحيى الجزار السرقسطي
كان في دكان يبيع اللحم فتعلقت نفسه بقول الشعر فبرع فيه، وصدر له أشعار مدح بها الملوك من بني هود ووزرائهم، ثم ترك الأدب والشعر، واعتكف على القِصَابة، فأمر ابن هود وزيره ابن حَسْداي أن يوبخه على ذلك، فخاطبه بأبيات منها:تركتَ الشعرَ من ضَعْف الإصابَهْ ... وعدتَ إلى الدَّناءة والقِصابَهْ
فأجابه الجزار:
تَعيبُ عليَّ مأْلوفَ القِصابَهْ ... ومن لم يَدْر قدر الشيءَ عابهْ
ولو أحكَمْتَ منها بَعْضَ فنٍّ ... لما استبدلت منها بالحجابهْ
أما ولو اطَّلعْتَ عليَّ يَوْماً ... وحَوْلي من بني كلبٍ عصابَهْ
لَهالَكَ ما رأيتَ وقلت هذا ... هِزَبْرٌ صَيَّرَ الأوضامَ غابهْ
فتكْنا في بني العَنْزيّ فَتْكاً ... أقَرَّ الذعر فيهمْ والمهابَهْ
ولم نُقْلع عن الثَّوْريِّ حَتَّى ... مَزَجْنَا بالدم القاني لُعابَهْ
ومن يعتزُّ منهم بامتناعٍ ... فإنَّ إلى صوارمنا إيابهْ
ومنها:
وحَقِّك ما تركْتُ الشِّعر حَتَّى ... رأيتُ البُخْلَ قد أذكى شِهابَهْ
وحتى زرتُ مشتاقاً حبيباً ... فأبْدَى لي التَّجهُّمَ والْكآبَهْ
فظنَّ زيارتي لطِلاب شيءٍ ... فنافرني وأغلظ لي حجابه
ومن شعره قوله:
لو وردت البحار أطلب ماءً ... جضفَّ قبل الورود ماءُ البحارِ
ولو أنَّى بعتُ القناديل يوماً ... أُدْغِمَ الليلُ في بياض النهارِ
الأهداب
موشحة للكاتب أبي بكر أحمد بن مالك السَّرَقُسْطيِّماذا حَمَّلوا ... فؤاد الشجِي يوم ودّعوا
ما لي بالنوى ... يَدٌ تستطاعُ
ونار الجوى ... يذكيها الوداعُ
وسرُّ الهوى ... بدموعي يُذَاعُ
بالحبِّ تهْمِلُ ... عُيُونٌ وتلتاعُ أضْلُعُ
هل يرجى إيابْ ... لعهد الحبائبْ
إذ غُصنُ الشبابْ ... مطلول الجوانبْ
ووصلُ الكِعابْ ... مبذولٌ لطالبْ
فلا تبخلُ ... بالوصل ولا الصبّ يَقْنَعُ
لا أسْلُو ولا ... أصغي للاَّحي
بل أصبو إلى ... هَضيم الوشاح
يُجيل الطِّلاَ ... ما بين الأقاح
فلو يعدلُ ... لما بِتَّ أظْما ويَنْقَعُ
كم ذا تَهجعُ ... وجَفْني ساهرْ
بدر يطلُعُ ... في الصبح لناظرْ
له بُرْقُعُ ... من سود الضفائرْ
أُسَيْمَرْ حُلُو ... بياضْ كلِّ عاشقْ يَبيتْ مَّعُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب الثَّغْر
وهو
كتاب نَقْش التِّكَّه، في حلى قرية أُشْكُرْكه
منها:
أبو الطاهر يوسف بن محمد الأُشكُركيّ
من المسهب: إمام في علم اللغة، صحبه عَمِّي، وأخبرني أنه كان في هذا الفن بحراً، وكان له جاه ومكان عند ملوك الثَّغْر بني هود وغيرهم من ملوك الطوائف. وأكثر أمداحه في المعتصم بن صُمادح ملك الْمَرِيّة.
ومن السمط روض الأدب العاطر، وغَمامه المُنْهمر الهامر. الغرض من نظمه قوله:
يا غُصناً هَزَّه نَداهُ ... يمنعه الحلمُ أن يَميدا
لم يَشْنِ منك الشباب عِطْفاً ... ولا استمال الفَخارُ جِيدا
إن تلقه فالأنام طُرّاً ... وإن غدا بينهم وَحيدا
يهزّ منه القريضُ عِطْفاً ... والمدحُ يثني إليه جِيدا
وقوله من قصيدة يخاطب بها الرفيع بن المعتصم بن صمادح:
ألا مُبْلِغٌ عني الرفيعَ تحيَّةً ... كما نبّه الروضَ النسيمُ المخلَّقُ
عدمتُ رسولاً بالتحيّة نحوَهُ ... فسار بها عني الهَوَى والتَّشوُّقُ
ونازعني ذكراه شوقٌ مُبَرِّحُ ... كما علَّلَ الشَّرْبَ الرحيقُ المُعَتَّقُ
فيا ليت شعري عل يُعرِّجُ خاطرٌ ... عليَّ يَجْرِي بذكرىَ مَنْطِقُ
وقوله من قصيدة فيه:
إليك رفيعَ المُلْك تُهْدى المحامدُ ... وباسمك تسمو في الزمان المشَاهِدُ
ملكتَ سبيلاً في المكارم أوَّلاً ... لك الفضل هادٍ تقتفيه ورائدُ
وقوله:
أضاحِيَةٍ وقد ضَفَتِ الظِّلالُ ... وصادرةً وقد نَقَعَ الزُّلالُ
أفيقي إنه أنْدَى جَنابٍ ... وأكرم مَنْ تُشَدّ له الرحالُ
فما بَرْقٌ سَرَيْتُ له جَهَامٌ ... ولا بحرٌ سَمَوْتُ إليه آلُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب الثَّغْر
وهو
كتاب زَهْر الخميله، في حلى مدينة تُطِيله
المنصة
باشتهارها في الحَرْث وطيب الزرع يُضْرَبُ المثل في الأندلس، وهي مُحْدَثة بُنيت في مدة سلاطين بني مروان.التاج
كان فيها في مدة بني مروان بنو موسى، تغلبوا على الثَّغْر.وكان لهم في طلب الملك دويّ، ولما ثارت ملوك الطوائف صارت تابعة لسرقسطة، داخلة في دولة بني هود.
السلك
الزهَّادأبو بكر يحيى التُّطيلي
سكن غَرْناطة وصار من أعيانها وذوي النباهة فيها. أدركْتُه هنالك في آخر عمره وقد تزهّد، واقتصر على قول الشعر في طريقة الزهد. كتب له الشاعر مَرْج كُحْل بقصيدة منها قوله:
لأبي بكر التُّطيليِّ ... يَتْبع الإخْوان شرقاً وغربا
فأجابه بقصيدة منها:
يا أبا عبد الإله المفدَّى ... من جميع الناس عُجْماً وعُرْبا
ثمراتُ الأنْسِ تُرْتاد عِنْدي ... وهْيَ روضك تُجْنَى وتُجْنى
قد بلوتُ الناسَ شرقاً وغرباً ... ودعوت الصبر حُزْناً فَلَبَّى
فالتزمْ حالك صَبْراً وإلاّ ... زدت بالعجز إلى الخطب خَطْبَا
العلماء
الأديب أبو الحسن
علي بن خير التَّطِيليّمن المسهب: أُخبرت بسَرقسطة أنه كان أحفظ أهل عصره بالآداب، وأعرفهم بالتواريخ والأنساب. رحل من بلده تُطيلة إلى حضرة الملك سَرَقُسْطة، فتوصل بآدابه وأمداحه إلى المقتدر بن هود، وحل عنده محل الواسطة من العقود، والعَلَم من البرود. ومن شعره قوله:
أخطأْت في بِرِّ الذي لم يَرْعَهُ ... وغدَا يلاحظني بمُقْلة ساخِرِ
إن التواضع للذي يَعْتدّهُ ... ضَعَةً لجهْلٌ ما له من عاذرِ
وقوله:
إذا غِبْتُ عنكم لا يَرِبْكُمْ تطاولٌ ... لبعدٍ فوُدّي زائد الصَّفوِ والبِرِّ
كما عُتِّقت صَهْبَاءُ من طول عهدها ... وجاءَتك باستحيائها في حُلى التِّبْر
الشعراء
أبو جعفر أحمد بن عبد الله
بن هريرة الأعمى التُّطِيليّمن الذخيرة: له أدب بارع، ونظر في الغوامض واسع، وفهم لا يجارَى، وذهن لا يُبَارى، ونظم كالسحر الحلال، ونثر كالماء الزلال، جاءَ في ذلك بالنادر المُعْجِز، في الطويل منه والموجز، وكان في الأندلس مَسْرىً للإحسان، ومرَدّاَ في الزمان، إلا أنه لم يطل زمانه، ولا امتد أوانه، فاعْتُبِط عند ما به اغْتُبط.
من القلائد: له ذهن يكشف الغامض الذي يَخْفَى، ويعرف رسم المُشْكل وإن عَفَا، أبْصَر الخفيَّات بفهمه، وقَصَر فكَّها على خاطره ووهمه.
الغرض من شعره قوله:
مَللْتُ حِمْصَ ومَلَّتْني فلو نطقتْ ... كما نطقتُ تلاحينا على قَدَرِ
وسوَّلتْ ليَ نفسي أن أفارقها ... والماءُ في المُزْن أصْفَى منه في الغُدُرِ
ومنها:
أما اشتفَتْ منِّيَ الأيامُ في وطَني ... حتى تُضَايق فيما عَن مِن وَطري
ولا قضتْ من سواد العين حاجتَها ... حتى تكرّ على ما كان في الشَّعَر
وقوله من قصيدة:
سطا أسَداً وأشْرقَ بَدْرَ تِمٍّ ... ودارت بالحتوف رَحىً زَبون
وأحْدَقَتِ الرِّماحُ به فأعْيا ... عليَّ أهَالةٌ هيَ أم عَرينُ
وقوله:
هذا الهوى وقديماً كنت أحْذَرُهُ ... السُّقْمُ مَورِدُهُ والموت مصدَرَهُ
جِدٌّ من الشوق كان الهزلُ أوَّلَهُ ... أقلَّ شيءٍ إذا فكَّرْتُ أكثَرُهُ
ولي حبيبٌ دَنَا لولا تمَنُّعُهُ ... وقد أقول نَأى لولا تذكُّرُهُ
وله الرثاء الطويل المشهور الذي أنشده صاحب القلائد، أوله:
خُذَا حَدِّثاني عن فُلٍ وفلانٍ ... لعلي، أُرَى، باقٍ على الحَدَثانِ
ومنه:
أبا حَسَنٍ أما أخوك فقد مَضَى ... فيا لَهْفَ نفسي ما التقى أخوانِ
ونبَّهني ناعٍ مع الصبح كلما ... تشاغلْتُ عنه عَنَّ لي وعناني
أُغَمِّضُ أجفاني كأَنِّيَ نائِمٌ ... وقد لجَّتِ الأحشاءُ في الخفقان
ومنها:
يقولون لا يَبْعَدْ وللهِ درُّهُ ... وقد حِيل بين العَيْر والنَّزَوانِ
ويأبَون إلا ليتَه ولعلَّه ... ومن أين للمقصوص بالطَّيَرانِ
ومن فرائده قوله:
بحياة عصياني عليكِ عواذلي ... إن كانت القُرُباتُ عندكِ تنفعُ
هل تذكرين ليالياً بِتْنَا بها ... لا أنتِ باخِلةٌ ولا أنا أقْنَعُ
وقوله في مطلع قصدية:
أعِدْ نظراً في صَفْحَتَيْ ذلك الخَدِّ ... فإني أخاف الياسمينَ على الوَرْدِ
وقوله من قصيدة:
إذا صدق الحسامُ ومُنْتَضِيهِ ... فكلُّ قرارةٍ حصنٌ حصينٌ
وما أسَدُ العرين بذي امتناعٍ ... إذا لم يَحْمِهِ إلا العَرينُ
الأهداب
موشحة للأعمى مشهورة:ضاحكٌ عن جُمَانْ ... سافرٌ عن بَدْرِ
ضاق عنه الزمانْ ... وَحَواهُ صدري
أهِ مما أجِدْ ... شَفَّني ما أجدْ
قام بي وقعدْ ... بإطِشٌ مُتَّئِدْ
كلما قلتُ قدْ ... قال لي أين قَدْ
وانثنى غصنَ بانْ ... ذا فَنَنٍ نَضْرِ
لاعبتْهُ يدانْ ... للصَّبا والقَطْرِ
ليس لي بك بُدْ ... خذ فؤادي عن يَدْ
لم تَدَعْ لي جَلَدْ ... غير أني أجْهَد
مُكْرَعٌ من شُهُدْ ... واشتياقي يَشْهَدْ
ما لِبنْتِ الدِّنانْ ... ولذاك الثَّغْرِ
ليس مُحيَّا الأمان ... من حُمَيَّا الخَمْرِ
بي جوىً مُضْمرُ ... ليت جهدي وَفْقُهْ
كلما يُذكَرُ ... ففؤادي أُفْقُه
ذلك المنظرُ ... لا يداوي عشقُهْ
بأبي كيف كانْ ... فلكيٌّ دُرِّي
رقَّ حتى استبانْ ... عُذْرُه وعُذْري
هل إليك سبيلْ ... أو إلى أن أيَسَا
ذبتُ إلا قليلْ ... عَبْرةً أو نَفَسَا
ما عسى أن أقول ... ساءَ ظني بعَسَى
وانقضى كل شانْ ... وأنا أسْتَشْري
خالعاً من عِنانْ ... جَزَعي أو صَبْري
ما على من يلوم ... لو تلاهى عَنِّي
هل سوى حُبِّ ريمْ ... دينُهُ التَّجنِّي
أنا فيه أَهِيم ... وهو بي يُغَنِّي
قد رأيتكْ عِيَانْ ... آش عليك ساتدري
سايطول الزمانْ ... وتجرِّب غيري
موشحة أخرى له:
غُصْنٌ يَميسْ على كُثْبانِ ... رَيّان أمْلَدْ
بين القوام وبين اللِّينِ ... يكاد ينقدّ
بمهجني أوْطَف تيَّاه
مهفهفٌ ينثني عِطْفَاه
بالأسْد قد فتكتْ عيناه
سطا فسلَّ من الأجفانِ ... سيفاً مؤَيَّدْ
أنا القتيلْ به في الحِين ... دَمي تقلَّدْ
راموا مرامهم عُذَّالي
ولست عن حُبِّه بالسّالي
إن السلوّ من المحال
وكيف يحسنُ بي سُلْواني ... عن حُبِّ أغْيَدْ
لو بعتُ به نفسي وديني ... لكنت أرشدْ
صِلْ مستهامك يا با بكرِ
فقد بلغتَ المَدَى من هَجْرِ
كم قد طَوَتْكَ ضروب فكري
الشوق يفضح لي كتماني ... والدمع يَشْهَدْ
وقد حَرَمْتَ الكرى أجفاني ... ولست أسعد
قَدٌّ كمثل القضيب الناعمِ
يهتزّ مثل اهتزاز الصارم
بدرٌ بدا تحت ليلِ فاحِمِ
قد مازج الورد بالسّوسانِ ... منه على الخَدّ
ونفحه عن شَذَا دارِينِ ... أذكى من النَّدِّ
يا حُسْنَها من فتاةٍ رُودْ
زارتْه يومَ صباح العِيد
غنَّت على رأسه في العود
خلِّ سِواري وخُذْ هِمْياني ... حبيبي أحمدْ
واطلع معي للسرير حَيُّوني ... ترقُد مجرَّدْ
وقيل
إنه حضر مع ابن بَقيّ وغيرهما الوشّاحين في إشبيلية، واتفقوا على أن يصنع
كل واحد منهما موشحة، ويحضروا جميع ما قالوه في مجلس حُكْم، فصنعوا ذلك،
واجتمعوا في المجلس، فابتدأ الأعمى وأنشد:
ضاحكٌ عن جمانْ ... سافرٌ عن بَدْرِ
ضاق عنه الزمانْ ... وحواه صَدْرِي
فخرَّق الجميعُ الورقَ الذي كتبوا فيه موشحاتهم، فإنهم سمعوا ما يفتضحون بمعارضته.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب الثَّغْر
وهو
كتاب المعونة، في حلى مدينة طَرَسونه
من المسهب: مدينة مشهورة الذكر في الحديث والقديم. منها:
أبو إسحاق إبراهيم بن مُعَلَّى الطَّرَسونيّ
شاعر ممتد النَّفس، شديد المَرَس، قدير على التطويل، اشتهر ذكره بمدح مَلِكِ الثَّغْر المقتدر بن هود، وجال على بلاد الأندلس وهو، ممن ذكره ابن بسام وقال فيه: قِدْح البلاغة المُعَلَّى، وسيفها المحلَّى. ومما أثبته من شعره قوله في رثاء:
هل بين أضْلعنا قلوبُ جنادلِ ... أم خَلْفَ أدمُعِنا سدودُ جداولِ
في كل يومٍ حُزْنُ نَجْمٍ ساقط ... ما بيننا وكسوفُ بَدْرٍ زائلِ
سَدِكَتْ بنا الأرزاءُ مُغِبَّةٍ ... وألحَّت النكبات غير غوافلِ
وهْيَ الليالي ليس يَخْفَى نَقْضُها ... فلذاك تطلبُ حُرٍّ كاملِ
وقوله من أخرى:
فلا يَغْرُرْكَ بهجةُ مُسْتَجَدٍّ ... إذا ما الجَمْرُ عاد إلى الرَّمادِ
أبا الحجّاج لو لم يُؤْتَ بِدْعٌ ... لحجَّ الناسُ قبرَك في احتشادِ
وزاركَ من بني الآمال حَفْلٌ ... يُصِمُّ الأرضَ من هَيْدٍ وهادِ
فقد بارتْ بضائعهمْ عليهمْ ... وحَلّوا السُّوقَ مُفْرطة الكَسادِ
وقوله:
رُزْءٌ بكت منهُ العُلاَ ومُصابُ ... شَقَّتْ عليه جُيُوبَها الأحبابُ
وطَفِقْتُ ألْتَمِسُ العَزَاءَ فخانني ... نَفَسٌ يذوب ومدمَعٌ ينسَابُ
وتلَجْلَجَ الناعي بهِ فسألته ... عَوْد الحديث لعله يرْتابُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب الثَّغْر
وهو
كتاب الغصون المائده، في حُلى مدينة لارِدَه
مدينة مشهورة من مدن الثغر على نهر، وقد أخذها النصارى. ومنها:
الفقيه أبو محمد
عبد الله بن هرون الأصبحي الَّلارِديّمن المسهب: كفى لاردة أن كان منها هذا الفاضل العالم، الزاهد، المحسِنُ فيما ينظم، فمن نظمه قوله:
أين قلبي أضَاعَهُ كلُّ طَرْفٍ ... فاترٍ يُصرَع الحليمُ لَديْهِ
كلما زاد ضَعْفه ازداد فَتْكاً ... أيُّ صَبْر تُرَى يكونُ عليهِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب الثَّغْر
وهو
كتاب الرَّشْقه، في حلى مدينة وَشْقَه
من مشاهير مدن الثغر، أخذها النصارى في أول تلك الفتنة، ومنها:
أبو الأصبغ عيسى بن أبي درهم
قاضي وَشْفَهمن المسهب: أنه كان عالماً فاضلاً، ولاه المستعين بن هود قضاءَها، وكان له أدب، ومن شعره: قوله:
دُفِعْتُ إلى ما أُرِدْهُ كراهَةً ... ولو أنَّني أبْغيه ما نالَه جهْدِي
فَتَعْلَمُ أنَّ الدهر ليس أموره ... تَسِيرُ على عُرْفٍ وتَنْزِعُ في قَصْدي
وقوله:
يا حبَّذا نهرُنا وقد عَبِثَتْ ... به صَبَاه والموجُ يتبعها
والأفق يَرْثي لما بهِ فَعَلَتْ ... فالسُّحبُ تَجْري عليه أدمعُها
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب الثَّغْر
وهو
كتاب هَجْعة الحالم، في حُلَى مدينة سالم
من المدن الجليلة المشهورة، وفيها قبر المنصور بن أبي عامر، وهي الآن للنصارى. منها:
أبو الحسن باق بن أحمد بن باق
أثنى الحجاريّ على بيته وذاته، وذكر أنه صحب أبا أمية بن عصام قاضي مُرْسية، وله فيه أمداح، من ذلك قوله:وما سُدْتَ إلا بالمكارم والعُلا ... ولولا ضياءُ البدر ما كان يعتلِي
لخَلَّصْتَني من سَطْوَة الدهر بعد ما ... أراد شتاتي بالنَّوَى وتَرَحُّلِي
وقوله:
لله يومٌ قد غَدَوْتَ منادمي ... فيه فتَسْقيني وطَوْراً تَشرَبُ
والكأْسُ قد طلعت على آفاقنا ... شمساً ولكنْ في المباسم تَغْرُبُ
يا ليت شعري وَهْيَ في ضَعْفٍ وفي ... خَجَل وموردُها يَلَذُّ ويَعذُبُ
لِمَ أصبحتْ في الحكم أجْوَر جائرٍ ... فَغَدَتْ بها الألبابُ طُرّاً تَذْهبُ
وقوله:
لا تقل جَدِّي فلانٌ وأبي ... مثله في كلِّ مَجْدٍ وحسَبْ
وتَرُمْ رفْعَة قَدْرِ بِنُهىً ... سِيَّما إن كنتَ فذّاً في الأدبْ
حِرِ أُمِّ المجد والعلم إذا ... لم يكن عندك شيء من ذَهَبْ
وقوله:
ليتني كنتُ لمن لا يَرْتَقي ... لمعالٍ وفقدت الحَسَبا
إنما يَربحُ مَنْ إسنادُهُ ... سِمةُ العجز ويبغي التَّعَبا
جعفر بن عنق الفضة
ذكر الحجاريّ: أنه مدح قاضي قرطبة ابن حمدين، وهو ممن تفخر به مدينة سالم، وانشد له:
لي على الأطلال دمْعٌ ... مثلُ ما تَهْنِي السحابُ
وفؤادي خافقٌ ما ... حَدَّثَتْ عنهمْ ركابُ
ليت شعري كيف أهوا ... همْ وقلبي قد أذابوا
مملكة ميورقة
كتاب اللمعة البَرْقيَّة، في حلى المملكة المَيُورقيَّةبسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:كتاب شرق الأندلس
وهوكتاب اللمعة البَرْقيَّة، في حُلى المملكة الميورقيَّة
هذه جُزُرٌ في البحر مضافة إلى الأندلس وكتبها ثلاثة
كتاب الغَبْقَه، في حلى جزيرة مَيُورْقَهْ
كتاب النَّشْقَه، في حلى جزيرة مَنُورْقه
كتاب الأراكة المائسه، في حلى جزيرة يابسه
بسم الله الرحمن الرحيمصلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الأول من كتب الجُزُر
وهو
كتاب الغَبْقَه، في حلى جزيرة مَيُورْقه
المنصَّة
طول هذه الجزيرة أربعون ميلاً، من أخصب بلاد الله، وفيها بحيرة دُوْرُها تسعة أميال، وفيها حصون، وقاعدتها مدينة مَيُورقه بالجهة القبلية من الجزيرة وتدخلها ساقية جارية على الدوام ووادٍ شِتْويّ يشقّ المدينة، وبها قلعة للملك، وفيها يقول ابن اللَّبانة.
بَلَدٌ أعارَتْهُ الحمامةُ طَوْقَهَا ... وكسَاهُ حُلَّةَ ريشهِ الطاووسُ
وكأنما تلك المياه مُدَامةٌ ... وكأنَّ قيعان الديارِ كؤوسُ
التاج
أول من فتحها من أيدي النصارى عبد الله بن موسى بن نُصير الذي فتح أبوه جزيرة الأندلس. وملكها في مدة ملوك الطوائف مجاهد العامريّ الذي تقدمت ترجمته في مدينة دَانية، ولما مات غلب عليها مولاه المرتضى أغلب، وكان واليَه عليها، ثم مات فوليها:مُبَسِّر ناصر الدولة
فدام بها ملكه، وأحسن التدبير، وقصده الفضلاء، منهم ابن اللَّبَّانة، وله فيه أمداح كثيرة. ولم يخلعه الملثَّمون منها. ولما مات صارت الجزيرة لهم وتوالى عليها ولاة الملثَّمين إلى أن قامت عليهم الأندلس بإطْلال دولة عبد المؤمن، فركن إليها عبد الله بن محمد المشهور بابن غانية الملثَّم، فاستقام بها ملكه، ثم ملكها بعده إسحاق، وكان ضابطاً للملك غازياً للنصارى. وملكها بعده ابنه عبد الله فصرف له بنو عبد المؤمن وجوههم، فدخلوا عليه الجزيرة في مدة منصور بني عبد المؤمن سنة ثمانين وخمسمائة، وكَبَا به فرسه، فقتل. وصارت لبني عبد المؤمن، وتوالت عليها ولاتهم، إلى أن أخذها النصارى من أبي يحيى بن عمران التيمللي، وكان بخيلاً غير حسن التدبير، سامحه الله. وكان ذلك بعد ما ثارت الأندلس على بني عبد المؤمن في عام خمسة وعشرين وستمائة، وهي الآن للنصارى جبَرها الله.
السلك
المحدِّث الإمام أبو عبد اللهمحمد بن فَتُوح الحُمَيْديّ
من الأئمة المشهورين، حجَّ وسكن بغداد، وصَنَّف فيها جذوة المقتبس، في علماء الأندلس وفضلائها، وهو مذكور في صلة ابن بشكوال، وأنشد له قوله:
لقاءُ الناسِ ليس يُفيد شيئاً ... سِوى الهَذَيانِ من قيل وقالِ
فأَقْلِلْ من لقاء الناس إلا ... لأخْذ العلْم أو إصلاح حالِ
ابن عبد الوليّ الميورقيّ
أخبرني من اجتمع به في ميورقة أنه كان شاعراً وشّاحاً، وأنشدني له:
هل أمانٌ من لحظك الفَتّانِ ... وقوام يَميس كالخَيْزُرانِ
مهجتي منك في جحيمٍ ولك ... ن جفوني قد مُتِّعَتْ في جِانِ
فَتَنَتْني لواحظٌ ساحراتٌ ... لست أخْشَى من فتنة السلطانِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثاني من كتب الجزر
وهوكتاب النَّشْقه، في حلى جزيرة مَنُورْقه
بيناه وبين مَيُورقه في البحر خمسون ميلاً، وهي مستطيلة، قليلة العرض، في وسطها حصن مانع. لما أخذ النصارى جزيرة ميورقة اقتطعها صاحب أعمالها:
أبو عثمان سعيد بن حكم
وداراهم عليها، فدامت بها رياسته إلى الآن، وهو مشكور السيرة أندى من الغمام، يحدِّث عنه من جاز على جزيرته بالعجائب أدام الله مدته ولا قطع نعمته. ومن شعره قوله:هِمَّتي في هذه الدُّنْ ... يا لبيبٌ أصطفيهِ
وفسادٌ لست أبقي ... ه وخَيْرٌ أقْتِفِيهِ
أعانه الله بكرمه.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد، أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:الكتاب الثالث من كتب الجزر
كتاب الأراكة المائسه، في حلى جزيرة يابسه
جزيرة خصيبة بضد اسمها، أخذها النصارى بعد أخذ ميورقه. منها:أبو بكر العطار اليابسي
ّمن شعراء الذخيرة، كان في مدة ملوك الطوائف. أحْسَنُ شِعرهِ قوله:
والجيش قد جعلتْ أبطالُه مَرَحاً ... تختال عن خُيَلاء السُّبَّق العُتُقِ
هيَ البحور ولكن في كواثبها ... عند الكريهة مَنجاةٌ من الغَرَقِ
الأندلس المسيحية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد، أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا الكتاب الثاني من كتاب الأندلس وهو كتابلحظة المُريب فيما بقي من جزيرة الأندلس لعباد الصَّليب
قد ذكر الحِجاريّ: أن الباقي في يد النصارى كان أقل من الذي أخذه المسلمون، إلى أن كانت الفتنة بانقراض الدولة المَرْوانية، فما برحوا ينهضون ويتقوَّوْن على الإسلام، إلى أن بقي بيد الإسلام في هذه المدة ما يكون قدر العُشر، والله وليُّ المسلمين بكرمه.
وأعظمُ الملوك الذين توارثوا المملكة عند النصارى بالأندلس وقسموا بلادها أربعة: أذفونش، وهو ملك قَشْتالة، وهي أعمال في جهة طُلَيْطلة إلى البحر المحيط، كانت قاعدتُها قبل أن تصير لهم طُلَيْطلة مدينةَ غلّيسية، وهي على البحر المحيط. ثم البرجُلوني وهو ملك شرق الأندلس، ويقال لمملكته أرَغون، لأنه كان في مدينة أرغون حتى ملك طُرْطوشة وبرجُلونه وغيرها. ثم البَبُوج، وهو في بلاد الشمال مجاور لبَطليموس، قاعدته ليون. ثم ابن الرّيق، وهو ملك جِلِّيقية، وهي في الشمال والغرب من الأندلس كانت قاعدته مدينة شانت يلقوه، وهي عظيمة إلى نهاية، فيها معدن الذهب، وقد صارت له أَشْبُونة وغيرها من بلاد الإسلام.
وليس في جميع هذه البلاد ما فيه ترجمة حالية بالأدب لبقائها في أيدي النصارى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق